جوانب الخلل في فقه جماعات العنف

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

youyou16dz

:: عضو مُشارك ::
إنضم
6 جويلية 2007
المشاركات
274
نقاط التفاعل
0
النقاط
6
جوانب الخلل في فقه جماعات العنف

الإسلام يرفض بصورة قاطعة إكراه الناس على الدخول في الإسلام
الإسلام أفرد أهل الكتاب بعنوان خاص ومعاملة خاصة حتى أجاز مصاهرتهم والتزوج من نسائهم
الرسول صلى الله عليه وسلم بعث بالرحمة والهدى ودين الحق
وتبيان كل شيء وإقامة الحجة على الناس ولم يبعث شاهرا سيفه عليهم



qaradawi.gif

بقلم العلامة د. يوسف القرضاوي



تناول فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في الحلقة السابقة بالشرح والتحليل تعاليم الإسلام أثناء الحرب، وفقه جماعات العنف الذي يستند إلى الجزئيات ويهمل الكليات، ويتمسك بالظواهر ويغفل المقاصد، وحقيقة هذه الجماعات، وأسباب ظاهرة العنف، مؤكداً أن حسن النية لا يبرر الأعمال الطائشة، وفي هذا المقال يتعرض إلى جوانب نحلل في فقه الجهاد، وأحكام القتال في القرآن الكريم، وسيتبعه بمقالات أخرى عن الخلل في فقه تغيير المنكر بالقوة، والخلل في فقه الخروج على الحاكم، والخلل في فقه التكفير.

أولاً: الخلل في فقه الجهاد

يبدأ الخلل في فقه الجهاد عندهم: أنهم يرون قتال كل الكفار واجبا، وان كانوا مسالمين للمسلمين.

ونريد أن نسألهم هنا سؤالا صريحا: لماذا نقاتل الكفار؟ لكفرهم، أو لعدوانهم؟

لو كان القتال لمجرد الكفر: لوجب أن نقتل الشيوخ، والنساء، والرهبان، والحراثين، والتجار، ومن في حكمهم: ممن لا يحارب ولا يقاتل، ولكن هذا محظور، ولهذا نهتنا الأحاديث النبوية، والوصايا الراشدية، من أبي بكر وعمر، عن قتلهم.

وجاء عن ابن عباس، في تفسير قوله تعالى: {ولا تعتدوا} قال: الاعتداء: قتل الناس والصبيان.

وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية، في رسالة (قاعدة في قتال الكفار)، على من زعم أن قوله تعالى {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا) البقرة: 190 منسوخة: بأن الاعتداء هو الظلم، والله لا يبيح الظلم قط.

وأضيف إلى ذلك: انه معلل بعلة لا تقبل النسخ، وهي قوله: {أن الله لا يحب المعتدين} ومثل هذا لا ينسخ أبدا.

من أحكام القتال في القرآن

وينبغي لمن أراد أن يعرف أحكام القتال: أن يرجع أول ما يرجع إلى المصدر الأول للإسلام، وهو القرآن، وما يبينه من صحيح السنة، ومن أبرز هذه الأحكام:

1- القتال لمن يقاتل المسلمين:

ومن قرأ القرآن بتدبر، وضم آياته بعضها إلى بعض: تبين له انه إنما شرع القتال لمن يقاتل المسلمين، أو يتعدى على حرماتهم، أو على المستضعفين من عباد الله، كما نرى في هذه الآيات:

{أذن للذين يُقاتلون: بأنهم ظلموا، وان الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله} الحج: 39،40 .

{وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا، أن الله لا يحب المعتدين، واقتلوهم حيث ثقفتموهم، وأخرجوهم من حيث أخرجوكم، والفتنة أشد من القتل، ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، فان قاتلوكم فاقتلوهم} البقرة: 190،191 .

{فإن اعتزلوكم: فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم، فما جعل الله لكم عليهم سبيلا} النساء: 90 .

{ فإن لم يعتزلوكم، ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم: فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} النساء: 91 .

{ ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم، وهموا بإخراج الرسول، وهم بدأوكم أول مرة} التوبة: 13 .

{وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله، والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون: ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها} النساء: 75 .

2- ليس القتال لإكراه الناس على الإسلام:

وليس القتال في الإسلام: لإكراه الناس على الدخول في الإسلام، فالإسلام يرفض بصورة قاطعة: الإكراه في الدين.

يقول تعالى في القرآن المكي: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} يونس: 99 .

ويقول في القرآن المدني: {لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي} البقرة: 256 .

بل هذا الرفض للإكراه مقرر من عهد نوح شيخ المرسلين {أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} هود: 28 .

والقرآن لا يعتبر الإيمان إيمانا إلا إذا نشأ عن اختيار حر، وإلا رفض، مثل إيمان فرعون حينما أدركه الغرق {قال: آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} فكان الرد الإلهي عليه: الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} يونس: 91 .

وكذلك رفض القرآن إيمان الأمم التي تعلن الإيمان حين ينزل بتا بأس الله وعقوبته {فما رأوا بأسنا قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين، فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا، سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون} غافر: 68 .

القتال إذن ليس لكفر الكفار، فالكفر واقع بمشيئة الله تعالى المرتبطة بحكمته.

وتعدد الأديان: أمر مفروغ منه في عقيدة المسلم، {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} يونس: 99 . {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم} هود: 118،119 أي خلقهم ليختلفوا، ما دام قد أعطى كلا منهم العقل والإرادة.

3- القتال لمنع الفتنة في الدين

وشرع الإسلام القتال كذلك لمنع الفتنة في الدين، كما قال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله} الأنفال: 29 .

الفتنة هي:
مصادرة حرية الناس واضطهادهم: من اجل عقيدتهم، مثل (أصحاب الأخدود) الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، والقرآن يعتبر هذه الفتنة للناس: أشد من القتل، واكبر من القتل، لان القتل يتلف الجسم، والفتنة تتلف العقل والإرادة، وهما حقيقة الإنسان، ولذا رد القرآن على المشركين الذين أعظموا القتال في الشهر الحرام، وقد وقع خطأً من بعض المسلمين، وهونوا من صدهم عن سبيل الله، وإخراج الناس من ديارهم وفتنتهم في دينهم، فقال تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه؟ قل: قتال فيه كبير، وصد عن سبيل الله وكفر به، المسجد الحرام، وإخراج أهله منه: اكبر عند الله، والفتنة اكبر من القتل} البقرة: 217 .

ومعنى هذا: أن الإسلام يشرع القتال، ليهيئ مناخ الحرية للناس، ليؤمن آمن عن إرادة واختيار حر، ولا يخشى الفتنة في دينه، والاضطهاد من اجل عقيدته.

آية السيف

وإذا كان الأمر كما وضحته هذه الآيات، في شأن القتال، فما معنى (آية السيف) التي زعم من زعم أنها نسخت كذا وكذا آية من القرآن؟

أن القرآن يصدق بعضه بعضا، ولا يجوز دعوى نسخ آية منه إلا بيقين.

ونسأل هؤلاء: آية السيف التي زعموا أنها نسخت مائة وعشرين آية، أين هي؟

قال بعضهم: أنها آية: {وقاتلوا المشركين كافة، كما يقاتلونكم كافة} التوبة: 36 وهذه ليست إلا المعاملة بالمثل، قاتلوهم كافة كما يقاتلونكم كافة.

وقال آخرون: آية السيف هي قوله تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم واحصروهم} التوبة: 5 .

وهذه الآية نزلت في مشركي العرب، الذين نكثوا العهود، واخرجوا المؤمنين من ديارهم، وبدأوا المسلمين بالقتال، كما قال تعالى في نفس السياق: {ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم، وهموا بإخراج الرسول، وهم بدأوكم أول مرة} التوبة: 13 .

وقد أمهلوا أربعة أشهر يسيحون في الأرض، ثم بعد ذلك عليهم أن يحددوا موقفهم.

قبل هذه الآية، نقرأ: {إلا الذين عاهدتم من المشركين، ثم لم ينقصوكم شيئا، ولم يظاهروا عليكم احدا، فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} التوبة: 4 .

وبعدها نقرأ: {وان احد من المشركين استجارك، فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه} التوبة: 6 .

وعقبها نقرأ: {كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله، إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام، فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم، أن الله يحب المتقين} التوبة: 7 .

وقال بعضهم: آية السيف هي قوله تعالى:

{قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب: حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} التوبة: 29 .

وهذه الآية في قتال انعقدت أسبابه، بوقوف هؤلاء ضد الدعوة، وصدهم الدعاة أو قتلهم، أو تآمرهم على المسلمين، ومعاونتهم لأعدائهم المحاربين لهم. وقد نزلت بعد غزوة تبوك، التي وقعت مع دولة الروم البيزنطية.

وقوله {حتى يعطوا الجزية}: غاية للقتال، أي يقاتلون حتى يخضعوا للدولة المسلمة، ويدفعوا لها ضريبة الحماية لهم: في أنفسهم، وأعراضهم، وأموالهم.

وليس من الضروري أن تسمى (جزية)، كما فعل سيدنا عمر مع بني تغلب، فقد رضي منهم: أن تسمى زكاة أو صدقة، فالعبرة عنده بالمسمات والمضامين ، لا بالأسماء والعناوين.

واستدل بعضهم بقوله تعالى:
{يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال: أن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وان يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون، الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا، فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وان يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين} الأنفال: 65،66 .

وهذا في قتال قام بالفعل أو انعقدت أسبابه، فالتحريض من القيادة للجند واجب، حتى يدخلوا المعركة أقوياء متوكلين على الله.

وقبل هذه الآية: { وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم. وان يريدوا أن يخدعوك، فان حسبك الله، هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} أنفال: 61،62 .

وقبلها: {وأعدوا لهم ما استطعتم: من قوة من رباط الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوكم} الأنفال: 60 .

فالمطلوب إذن من المسلمين هو:

1- إعداد المستطاع من القوة والمعدات: إرهابا لعدو الله وعدوهم، فهذه الرهبة هي التي تمنع وقوع الحرب.

2- الجنوح للسلم: إذا جنح العدو لها حقيقة، لا ادعاء.

3- الوقوف في وجه المخادعين بالسلم، اعتمادا على نصر الله المؤمنين المتآلفين.

4- تحريض المؤمنين على القتال، فان الواحد منهم بعشرة في حال القوة، وباثنين في حال الضعف.

بين الجهاد والقتال

ومن المهم هنا: أن نميز بين الجهاد والقتال، فقد حدث خلط شديد بينهما، في حين أنهما مختلفان لغة وشرعا، واشتقاق كل منهما: يدل على اختلافهما، فالجهاد مشتق من بذل الجُهد: وهو الوسع، أو تحمل الجهد وهو المشقة.

أما القتال، فهو مشتق من القتل.

وفي الشرع: كل مسلم مطالب بالجهاد، كما قال تعالى في خطاب المؤمنين {وجاهدوا في الله حق جهاده} الحج: 78 . وقال تعالى في وصف المؤمنين: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} الحجرات: 15 .

وهذا يتم بمجاهدة النفس، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة المظالم والمنكرات في المجتمع، ومجاهدة المشركين: باللسان، والقلم، وبالمال، وبالسلاح، كل في أوانه، وفي موضعه.

ولا غرو أن نجد في القرآن المكي - قبل أن يشرع القتال - الأمر بالجهاد في مثل قوله تعالى" {فلا تطع الكافرين وجاهدهم به، (أي القرآن) جهادا كبيرا} الفرقان: 52 .

وكذلك في أوائل العنكبوت: {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه أن الله لغني عن العالمين} العنكبوت: 6 .

والجهاد هنا: هو جهاد الصبر واحتمال الأذى في سبيل الله.

وفي أواخر السورة: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين} العنكبوت: 69 .

فكل مسلم إذن: يجب أن يكون مجاهدا، وليس بالضرورة أن يكون مقاتلاً. إلا عندما توجد أسباب القتال.


حديث (بعثت بالسيف)

إما حديث (بعثت بالسيف - بين يدي الساعة - حتى يعبد الله وحده) فقد بحثنا في سنده ومتنه، وبينا في بحث ضاف: انه ضعيف عند التحقيق، فليرجع إليه.

أما من ناحية السند: فمداره على عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، وقد اختلف الأئمة في توثيقه، وتجريحه، والمجرحون له أكثر، وهم من أمثال الإمام أحمد الذي قال: أحاديثه مناكير، والإمام يحيى بن معين الذي ضعفه، والإمام النسائي وغيرهم.

وحتى الذين وثقوه: لم يوثقوه بإطلاق. بل منهم من قال: ليس به بأس، ومنهم من رماه بالقدر.

على أنهم قالوا: تغير في آخر حياته، وهذا يكفي في التشكيك فيما يرويه.

وقد ذكر البخاري في صحيحه: جزءا من هذا الحديث معلقا، ولكن بصيغة التمريض، بقوله: يذكر عن ابن عمر، مما يدل على ضعفه عنده.

وقد ضعفه الشيخ شعيب وإخوانه، في تخريج المسند، وفسروا ذلك بما يشفي ويكفي.

وإذا عضضنا الطرف عن السند، ونظرنا في متن الحديث ومضمونه، وجدناه:

مخالفا مخالفة صريحة للقرآن، الذي لم يقرر في آية واحدة من آياته بأن الله بعث محمدا بالسيف، بل أرسله بالهدى ودين الحق، وبالبينات والشفاء والرحمة للعالمين وللمؤمنين.

وهذا ثابت بوضوح في القرآن المكي، وفي القرآن المدني، على سواء.

يقول تعالى في سورة الأنبياء، وهي مكية: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء: 107 .

وعبر عن هذا: النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (إنما أنا رحمة مهداة).

وقال تعالى في سورة النحل، وهي مكية: {ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم، وجئنا بك شهيداً على هؤلاء، ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} النحل: 89 .

وقال تعالى في سورة يونس، وهي مكية: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} يونس: 57 .

وقال تعالى في سورة التوبة، وهي مدنية: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون} التوبة: 33 .

وقد تكررت بلفظها، في سورة الصف: 9 وهي مدنية.

وفي سورة الفتح، وهي مدنية، نقرأ قوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً} الفتح: 28 .

ولقد بينت آيات القرآن: موقف الرسول الكريم، عند تولي الناس وإعراضهم عنه.

ففي ختام سورة التوبة، يقول: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم. فإن تولوا فقل حسبي الله، لا إله إلا هو، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} التوبة: 128،129 .

وفي سورة آل عمران، وهي مدنية: {فإن حاجوك، فقل: أسلمت وجهي لله ومن اتبعن، وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين: أأسلمتم؟ فان أسلموا فقد اهتدوا، وان تولوا فإنما عليك البلاغ، والله بصير بالعباد} آل عمران: 20 .

وفي سورة النور، وهي مدنية: {قل: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، فان تولوا فإنما عليه ما حمل، وعليكم ما حملتم، وان تطيعوه تهتدوا، وما على الرسول إلا البلاغ المبين} النور: 54 .

وهذه الآيات كلها: قد اتفقت على أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث بالرحمة والهدى ودين الحق، وتبيان كل شيء، وإقامة الحجة على الناس، ولم يبعث شاهراً سيفه على الناس، حتى في حالة تولي الناس عنه: لم يؤمر بأن يشهر في وجوههم السيف، إنما قيل له: إنما عليك البلاغ، وإنما عليه ما حمل، وعليهم ما حملوا، وقل: حسبي الله.

والمبشرون المستشرقون، وغيرهم من خصوم الإسلام يشيعون: أن الإسلام إنما انتشر بالسيف، وان محمدا إنما انتصر بالسيف، ويستند كثيرون منهم إلى هذا الحديث وأمثاله.

والحقيقة: أن الإسلام إنما شهر السيف في وجه الذي صدوا عن سبيله، وقاوموه بالقوة، ورفعوا السيف في وجهه، وغزوه في عقر داره في احد والخندق، كما قال تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين، واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم، والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم: فاقتلوهم، كذلك جزاء الكافرين، فان انتهوا فان الله غفور رحيم، وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فان انتهوا، فلا عدوان إلا على الظالمين} البقرة: 190 إلى 193 .

فهذا هو منطق القرآن، بين كل البيان، لا لبس فيه ولا غموض، فإذا عارضه حديث مثل حديث (بعثت بالسيف)، فلا شك أن القرآن هو المقدم، فهو المصدر الأول، والدليل الأول، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ولو بعث الرسول بالسيف: لظهر ذلك طوال ثلاثة عشر عاماً، قضاها في مكة، وأصحابه يأتون إليه بين مضروب ومشجوج ومعتدى عليه، يستأذنونه في أن يدافعوا عن أنفسهم بالسلاح، فيقول لهم: كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة، حتى هاجروا إلى المدينة، فأذن الله لهم: أن يدافعوا عن أنفسهم وحرماتهم ودعوتهم، كما قال تعالى: {أذن للذين يقاتلون: بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، إلا أن يقولوا ربنا الله... الآية} الحج: 39،40 .

والخلاصة: أن هذا الحديث (بعثت بالسيف) سواء نظرنا إلى إسناده أم نظرنا إلى متنه، فهو مردود غير مقبول في ضوء موازين العلم وقواعده الضابطة.

العلاقة بغير المسلمين

منذ أكثر من أربعين سنة ذكرت، في كتابي (الحلال والحرام في الإسلام):

أن الإسلام قد حدد العلاقة مع غير المسلمين، في آيتين محكمتين من كتاب الله، تعتبران بمثابة الدستور في ذلك، يقول تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، أن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم: فأولئك هم الظالمون} الممتحنة: 8،9 .

وهاتان الآيتان نزلتا في شأن المشركين - عباد الأوثان، من قريش وأمثالهم.. وقد شرع البر بالمسالمين منهم، والأقساط لهم، فاختار عنوان (البر) لهم، وهو الذي يستعمله المسلمون في أقدس الحقوق، بعد حق الله تعال، وهو بر الوالدين.

حث القرآن هنا على: برهم والإقساط إليهم، والإقساط - إي العدل - أن يعطوا حقوقهم ولا يبخسوا شيئاً منها، والبر: أن يعطوا فوق حقوقهم.

كما أن الإقساط: أن تأخذ منهم الحق الواجب عليهم، ولا تزيد عنه، إما البر فهو أن تتنازل لهم عن بعض حقك، اختيارا وكرما.

وهذا في شأن الوثنيين، الذين نزلت بخصوصهم الآيتان الكريمتان.

ولكن الإسلام أفرد (أهل الكتاب): بعنوان خاص، وبمعاملة خاصة، حتى أجاز مصاهرتهم والتزوج من نسائهم، ومعنى هذا انه أجاز للمسلم: أن تكون زوجته وشريكة حياته، وأم أولاده: كتابية (مسيحية أو يهودية)، ومقتضى هذا: أن يكون أهلا أصهاره، وهم كذلك أجداد أولاده وجداتهم، وأخوالهم، وأولاد أخوالهم وخالاتهم، وهؤلاء لهم حقوق (أولي الأرحام، وذوي القربى).

كما أن الإسلام اعتبر النصارى: أقرب مودة للمسلمين من غيرهم، يقول تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا: اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا: إنا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا، وأنهم لا يستكبرون} المادة: 82، كما قال نبي الإسلام أيضا: (أنا أولى الناس: بعيسى ابن مريم، في الدنيا والآخرة) 58 .
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top