الطيب العقبي... أو مصلح أضاعه قومه
لا أدري في حقيقة الأمر من أين أبدأ حديثي، خاصة عندما يكون الحديث عن علم شامخ من أعلام الجزائر خَفَتَ ذكره، وكادت الذاكرة الجماعية للأمة الجزائرية أن تنسى اسمه، لولا بقية صالحة حافظت على العهد، وغارت على جهاد سنون مريرة أن يذهب سدى، أو أن يُلقى به في زبالة التاريخ.
***
أريد أن ألوم في المقام الأول تلك النخبة المثقفة ـ خاصة أولئك الذين اعتبروا أنفسهم امتدادا شرعيا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ووريثا شرعيا لها ـ الذين كرسوا حياتهم لاختزال علماء الجزائر كلهم في شخص واحد وحيد وهو العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، وهذا إجحاف في حق غيره من العلماء كالطيب العقبي ومبارك الميلي والعربي التبسي.
وقد كنت في عام 2003 بعثت برسالة لجريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أعاتبهم على تقاعسهم عن الإهتمام بتراث علماء الجمعية وقلت لهم بأن هذا واجبكم التاريخي تجاه علماء الجمعية تتحملون لوحدكم وزر ضياع ذلك التراث، وذلك لأن بأيديكم كل وثائق وأرشيف جمعية العلماء، وهذا ما يسهل عليكم جمع آثار كل عالم على حدة، كما أنه من الممكن أن تشجع وتساعد على الاقل هذه الجمعية الباحثين على تتبع هذه الآثار، ثم اعادة طبعها ونشرها وتوزيعها. وكان جواب الجمعية باردا بل جامدا لم يستشعروا فيه لجلالة الخطب وهو ضياع جزء من ماضينا وذاكرتنا وقالوا بكل برودة أعصاب أن هذا ليس من مهامهم فالعربي التبسي له مؤسسته التي تهتم بجمع آثاره والميلي فإبنه قام بجمع بعض أثاره ونشرها أما الطيب العقبي فندعوا جميع الباحثين والدارسين لجمع ما تبقى من آثاره. وهذا صار أمر العلماء وأمر آثارهم لا يعني هذه الجمعية من قريب ولا بعيد ولا حول ولا قوة إلا بالله،
وأنا أقول لهم مجددا:"ما حياة العالم بدون آثاره، ولسان حال كل العالم يقول دائما:
تلك آثارنا تدل علينا *** فانظروا بعدنا إلى الآثار
يؤلمني أن أرى الطيب العقبي ـ أو غيره من العماء الذين ذهبوا ضحية الأهواء والأيديولوجيا والمقاصد الذاتية ـ أن أراهم يتلاشون هكذا أمام ناظري دون إلقاء يد المساعدة لحفظ ذكراه بحفظ آثاره، أريد أن أمد يدي ولكن يحول بينها وبين العقبي هوة سحيقة عمقتها الأحداث والظروف، أين لي بتلك الجرائد التي جال وصال فيها الطيب العقبي وأنا العبد الضعيف أقطن في الغرب الجزائري لا أجد ثمن السفرة إلى العاصمة الجزائرية لمزاولة الدراسة الجامعية.
إن جمع أثار العلماء يتطلب هيئة علمية بكاملها ذات ميزانية معتبرة وكفائة عالية تقوم على تصنيف وتبويب هذه الآثار وكتابة ترجمة معتبرة للشخصية ودراسة علمية لآثاره، ولا يكون عملا فرديا أبدا، وإن كان فسيكون ناقصا مخلا ببعض الجوانب، فلا يمكن لفرد لوحده أيا كان أن يحيط بكل جوانب شخصية معينة، دون أن يترك ثلمات وثغرات.
***
في أحد الأيام زرت مقر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومقر جريدتهم البصائر في حسين داي ولكني صعقت لما رأيته ، كان المكان المخصص لهذه الجمعية العريقة متواضعا جدا، امكانياته محدودة وموارده تكاد تكون معدومة، لا تكاد تخرج أسبوعية البصائر إلا بشق الأنفس، وهذا التدهور الذي تشهده الجمعية وراءه الحكومة الجزائرية التي همشت دور هذه الجمعية بعد الاستقلال وذلك بحل الجمعية واحالة عدد من علمائها إلى الاقامة الجبرية، وأن أقول هذا لكي أحمل الدولة كذلك إثم ضياع تراثنا، الذي تنسج الآن عليه عناكب النسيان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
***
في أحد الأيام تناقشت أنا وصديق لي في الإقامة الجامعية حيدرة وسط حول نجاح أو فشل جمعية العلماء الحالية، وكنت حينها لا أزال أومن بهذه الجمعية لا لشيء إلا أنها تصلنا بماضينا الإصلاحي، فدافعت عن الجمعية وعن جريدة البصائر ـ التي كنت أدمن قراءتها ـ غير أن صديقي قال بأن الجمعية الحالية جمعية فاشلة وجريدتهم فاشلة لكونهم لم يسيروا على النهج الذي سار عليه سلف الجمعية فصاروا يتعايشون مع الطرق والطرقية ويداهنونهم وهذا تنكر لمبادئ الجمعية، كما أن جل اعهتمامهم الآن قاصر على اجترار آثار ابن باديس لوحده وعلكها ، حتى مل الناس حديثها، وصاروا يتنبؤون بما سيكتب فيها، فلا جديد يذكر ولا قديم يعاد، وقال صديقي محتجا لرأيه بامكانك أن تنظر في نسبة مقروؤيتها، فهي جريدة كاسدة لا يقرأها إلا نزر يسير من الناس، لا لكونهم ضد التيار الإصلاحي أو لكونهم تنكروا لابن باديس ولكن لرداءة ما يعرض فيها، وأصررت حينها على موقفي في الدفاع عن الجمعية وبقيت وفيا لها، كما أنا الآن، غير أني أتألم لما صارت إليه هذه الجمعية من البعد عن الإبتكار والتجديد، كما أتألم لإهمالها ذلك التراث الإصلاحي القيم والخالد كم من مقالة وكم من قصيدة ذهبت الآن هدرا كأن لم تكن بالأمس صاعقة هدت صروحا وهزت عروشا، والله إنها لمسؤولية كبيرة ووزر أكبر أن نضرب صفحا عن هذا التراث أو أن نمحوه ـ عمدا أو سهوا ـ بجرة قلم .
***
في الحقيقة أردت أن أكتب عن صديقي وأستاذي الذي لم أره قط إلا في الصور القديمة ـ السوداء والبيضاء ـ ألا وهو العلامة الكبير والخطيب الخطير والشاعر الفحل الشيخ الطيب العقبي ـ طيب الله ثراه وجعل الفردوس مأواه ـ الذي لا يعرفه إلا القلة القليلة من الناس بما فيهم أولئك الذين ينتسبون للعلم والثقافة.
ويمكن أن أقول عن الطيب العقبي " مصلح أضاعه قومه" لكونه ـ رحمه الله ـ قضى عمره مجاهدا في سبيل الله ودفع الغالي والنفيس من أجل إصلاح هذا الشعب وهذا المجتمع الجزائري منذ حلت قدماه بأرض الجزائر سنة 1920 م إلى أن توفاه الله وحيدا سنة 1960 م، ثم كان جزاؤه جزاء سنمار، فصار يحلوا للبعض حينها أن يتشفى بموت الطيب العقبي الذي أقض مضاجعهم مدة 40 سنة، كما صار يحلوا للبعض ان يقزم الرجل ويقزم جهوده الإصلاحية ليجعل منه نكرة أو علامة استفهام على قارعة طريق الإصلاح في الجزائر، وكان العقبي لسن حاله في حياته يوقول:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم *** وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ولكن صار لسان حاله يقول من الغربة بعد موته:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا *** ليوم كريهة وسداد ثغر
اقف متعجبا من بعض المنسبين للعلم يُسأل عن الطيب العقبي فيعتقد انه كان ربما من الفاتحين الذين فتحوا المغرب الإسلامي مع عقبة بن نافع، هذا إذا تشدق بعضهم وتكلف ما لا يعلم ، وإلا فإن الأغلبية الساحقة لا تعرف لا القليل ولا الكثير عن الطيب العقبي، إنه لا شيء بالنسبة للبعض.
***
وغيرة مني على أن يذهب جهد علم من علمائنا هدرا ـ وأنا كلي يقين بأن جهده وجهاده أثبته الملكان وسيلقاه عند ربه، ونسأل الله أن يضاعف أجره وحسناته ـ ارتأيت أن أخصص هذه الصفحات لإثبات أي شيء يتعلق بحياة شيخنا الطيب العقبي ، كما أدعو سائر المنسبين إلى هذا الملتقي إلى الإدلاء بدلوهم في هذا الشأن لإثراء الموضوع ولكفاية هذه الشخصية حقها، وبارك الله في الجميع
تحياتي
منقول عن الأخ الطيب للإفادة
لا أدري في حقيقة الأمر من أين أبدأ حديثي، خاصة عندما يكون الحديث عن علم شامخ من أعلام الجزائر خَفَتَ ذكره، وكادت الذاكرة الجماعية للأمة الجزائرية أن تنسى اسمه، لولا بقية صالحة حافظت على العهد، وغارت على جهاد سنون مريرة أن يذهب سدى، أو أن يُلقى به في زبالة التاريخ.
***
أريد أن ألوم في المقام الأول تلك النخبة المثقفة ـ خاصة أولئك الذين اعتبروا أنفسهم امتدادا شرعيا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ووريثا شرعيا لها ـ الذين كرسوا حياتهم لاختزال علماء الجزائر كلهم في شخص واحد وحيد وهو العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، وهذا إجحاف في حق غيره من العلماء كالطيب العقبي ومبارك الميلي والعربي التبسي.
وقد كنت في عام 2003 بعثت برسالة لجريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أعاتبهم على تقاعسهم عن الإهتمام بتراث علماء الجمعية وقلت لهم بأن هذا واجبكم التاريخي تجاه علماء الجمعية تتحملون لوحدكم وزر ضياع ذلك التراث، وذلك لأن بأيديكم كل وثائق وأرشيف جمعية العلماء، وهذا ما يسهل عليكم جمع آثار كل عالم على حدة، كما أنه من الممكن أن تشجع وتساعد على الاقل هذه الجمعية الباحثين على تتبع هذه الآثار، ثم اعادة طبعها ونشرها وتوزيعها. وكان جواب الجمعية باردا بل جامدا لم يستشعروا فيه لجلالة الخطب وهو ضياع جزء من ماضينا وذاكرتنا وقالوا بكل برودة أعصاب أن هذا ليس من مهامهم فالعربي التبسي له مؤسسته التي تهتم بجمع آثاره والميلي فإبنه قام بجمع بعض أثاره ونشرها أما الطيب العقبي فندعوا جميع الباحثين والدارسين لجمع ما تبقى من آثاره. وهذا صار أمر العلماء وأمر آثارهم لا يعني هذه الجمعية من قريب ولا بعيد ولا حول ولا قوة إلا بالله،
وأنا أقول لهم مجددا:"ما حياة العالم بدون آثاره، ولسان حال كل العالم يقول دائما:
تلك آثارنا تدل علينا *** فانظروا بعدنا إلى الآثار
يؤلمني أن أرى الطيب العقبي ـ أو غيره من العماء الذين ذهبوا ضحية الأهواء والأيديولوجيا والمقاصد الذاتية ـ أن أراهم يتلاشون هكذا أمام ناظري دون إلقاء يد المساعدة لحفظ ذكراه بحفظ آثاره، أريد أن أمد يدي ولكن يحول بينها وبين العقبي هوة سحيقة عمقتها الأحداث والظروف، أين لي بتلك الجرائد التي جال وصال فيها الطيب العقبي وأنا العبد الضعيف أقطن في الغرب الجزائري لا أجد ثمن السفرة إلى العاصمة الجزائرية لمزاولة الدراسة الجامعية.
إن جمع أثار العلماء يتطلب هيئة علمية بكاملها ذات ميزانية معتبرة وكفائة عالية تقوم على تصنيف وتبويب هذه الآثار وكتابة ترجمة معتبرة للشخصية ودراسة علمية لآثاره، ولا يكون عملا فرديا أبدا، وإن كان فسيكون ناقصا مخلا ببعض الجوانب، فلا يمكن لفرد لوحده أيا كان أن يحيط بكل جوانب شخصية معينة، دون أن يترك ثلمات وثغرات.
***
في أحد الأيام زرت مقر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومقر جريدتهم البصائر في حسين داي ولكني صعقت لما رأيته ، كان المكان المخصص لهذه الجمعية العريقة متواضعا جدا، امكانياته محدودة وموارده تكاد تكون معدومة، لا تكاد تخرج أسبوعية البصائر إلا بشق الأنفس، وهذا التدهور الذي تشهده الجمعية وراءه الحكومة الجزائرية التي همشت دور هذه الجمعية بعد الاستقلال وذلك بحل الجمعية واحالة عدد من علمائها إلى الاقامة الجبرية، وأن أقول هذا لكي أحمل الدولة كذلك إثم ضياع تراثنا، الذي تنسج الآن عليه عناكب النسيان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
***
في أحد الأيام تناقشت أنا وصديق لي في الإقامة الجامعية حيدرة وسط حول نجاح أو فشل جمعية العلماء الحالية، وكنت حينها لا أزال أومن بهذه الجمعية لا لشيء إلا أنها تصلنا بماضينا الإصلاحي، فدافعت عن الجمعية وعن جريدة البصائر ـ التي كنت أدمن قراءتها ـ غير أن صديقي قال بأن الجمعية الحالية جمعية فاشلة وجريدتهم فاشلة لكونهم لم يسيروا على النهج الذي سار عليه سلف الجمعية فصاروا يتعايشون مع الطرق والطرقية ويداهنونهم وهذا تنكر لمبادئ الجمعية، كما أن جل اعهتمامهم الآن قاصر على اجترار آثار ابن باديس لوحده وعلكها ، حتى مل الناس حديثها، وصاروا يتنبؤون بما سيكتب فيها، فلا جديد يذكر ولا قديم يعاد، وقال صديقي محتجا لرأيه بامكانك أن تنظر في نسبة مقروؤيتها، فهي جريدة كاسدة لا يقرأها إلا نزر يسير من الناس، لا لكونهم ضد التيار الإصلاحي أو لكونهم تنكروا لابن باديس ولكن لرداءة ما يعرض فيها، وأصررت حينها على موقفي في الدفاع عن الجمعية وبقيت وفيا لها، كما أنا الآن، غير أني أتألم لما صارت إليه هذه الجمعية من البعد عن الإبتكار والتجديد، كما أتألم لإهمالها ذلك التراث الإصلاحي القيم والخالد كم من مقالة وكم من قصيدة ذهبت الآن هدرا كأن لم تكن بالأمس صاعقة هدت صروحا وهزت عروشا، والله إنها لمسؤولية كبيرة ووزر أكبر أن نضرب صفحا عن هذا التراث أو أن نمحوه ـ عمدا أو سهوا ـ بجرة قلم .
***
في الحقيقة أردت أن أكتب عن صديقي وأستاذي الذي لم أره قط إلا في الصور القديمة ـ السوداء والبيضاء ـ ألا وهو العلامة الكبير والخطيب الخطير والشاعر الفحل الشيخ الطيب العقبي ـ طيب الله ثراه وجعل الفردوس مأواه ـ الذي لا يعرفه إلا القلة القليلة من الناس بما فيهم أولئك الذين ينتسبون للعلم والثقافة.
ويمكن أن أقول عن الطيب العقبي " مصلح أضاعه قومه" لكونه ـ رحمه الله ـ قضى عمره مجاهدا في سبيل الله ودفع الغالي والنفيس من أجل إصلاح هذا الشعب وهذا المجتمع الجزائري منذ حلت قدماه بأرض الجزائر سنة 1920 م إلى أن توفاه الله وحيدا سنة 1960 م، ثم كان جزاؤه جزاء سنمار، فصار يحلوا للبعض حينها أن يتشفى بموت الطيب العقبي الذي أقض مضاجعهم مدة 40 سنة، كما صار يحلوا للبعض ان يقزم الرجل ويقزم جهوده الإصلاحية ليجعل منه نكرة أو علامة استفهام على قارعة طريق الإصلاح في الجزائر، وكان العقبي لسن حاله في حياته يوقول:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم *** وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ولكن صار لسان حاله يقول من الغربة بعد موته:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا *** ليوم كريهة وسداد ثغر
اقف متعجبا من بعض المنسبين للعلم يُسأل عن الطيب العقبي فيعتقد انه كان ربما من الفاتحين الذين فتحوا المغرب الإسلامي مع عقبة بن نافع، هذا إذا تشدق بعضهم وتكلف ما لا يعلم ، وإلا فإن الأغلبية الساحقة لا تعرف لا القليل ولا الكثير عن الطيب العقبي، إنه لا شيء بالنسبة للبعض.
***
وغيرة مني على أن يذهب جهد علم من علمائنا هدرا ـ وأنا كلي يقين بأن جهده وجهاده أثبته الملكان وسيلقاه عند ربه، ونسأل الله أن يضاعف أجره وحسناته ـ ارتأيت أن أخصص هذه الصفحات لإثبات أي شيء يتعلق بحياة شيخنا الطيب العقبي ، كما أدعو سائر المنسبين إلى هذا الملتقي إلى الإدلاء بدلوهم في هذا الشأن لإثراء الموضوع ولكفاية هذه الشخصية حقها، وبارك الله في الجميع
تحياتي
منقول عن الأخ الطيب للإفادة