

فى النقطة السابقة تقرأ أن عثنيئيل تزوج عكسة ابنة أخيه مكافأة له على استيلائه على قرية سفر. وهذا يعنى أن عثنيئيل قد حارب فى كنعان منذ أيام يشوع. وهذا يتناقض مع ما قيل سابقاً من أن الرب قد ترك الأمم لامتحان بنى إسرائيل الذين لم يعرفوا حروب كنعان ولتعليمهم الحرب (1فَهَؤُلاَءِ هُمُ الأُمَمُ الَّذِينَ تَرَكَهُمُ الرَّبُّ لِيَمْتَحِنَ بِهِمْ إِسْرَائِيلَ, كُلَّ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا جَمِيعَ حُرُوبِ كَنْعَانَ 2(إِنَّمَا لِمَعْرِفَةِ أَجْيَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِتَعْلِيمِهِمِ الْحَرْبَ. الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوهَا قَبْلُ فَقَطْ) قضاة 3: 1-2 ،
ويعنى أيضاً أن عثنيئيل قد قضى لسبط يهوذا فى أثناء حكم يشوع وليس بعد وفاته (وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ يَشُوعَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلُوا الرَّبَّ: «مَنْ مِنَّا يَصْعَدُ إِلَى الْكَنْعَانِيِّينَ أَّوَلاً لِمُحَارَبَتِهِمْ؟») قضاة 1: 3. فكيف يُفهَم هذا اللغط؟
(7فَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ, وَنَسُوا الرَّبَّ إِلَهَهُمْ وَعَبَدُوا الْبَعْلِيمَ وَالسَّوَارِيَ. 8فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ, فَبَاعَهُمْ بِيَدِ كُوشَانَ رِشَعْتَايِمَ مَلِكِ أَرَامِ النَّهْرَيْنِ. فَعَبَدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُوشَانَ رِشَعْتَايِمَ ثَمَانِيَ سِنِينَ. ) قضاة 3: 7-8
كيف يصدق هذا مع قول يشوع الذى برَّأَهم من عبادة الأوثان ، وأثبت لهم إرضاء الله؟ (31وَعَبَدَ إِسْرَائِيلُ الرَّبَّ كُلَّ أَيَّامِ يَشُوعَ, وَكُلَّ أَيَّامِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ طَالَتْ أَيَّامُهُمْ بَعْدَ يَشُوعَ وَالَّذِينَ عَرَفُوا كُلَّ عَمَلِ الرَّبِّ الَّذِي عَمِلَهُ لإِسْرَائِيلَ)يشوع 24: 31
(9وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ, فَأَقَامَ الرَّبُّ مُخَلِّصاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَخَلَّصَهُمْ. عُثْنِيئِيلَ بْنَ قَنَازَ أَخَا كَالِبَ الأَصْغَرَ. 10فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ, وَقَضَى لإِسْرَائِيلَ. وَخَرَجَ لِلْحَرْبِ فَدَفَعَ الرَّبُّ لِيَدِهِ كُوشَانَ رِشَعْتَايِمَ مَلِكَ أَرَامَ, وَاعْتَّزَتْ يَدُهُ عَلَى كُوشَانِ رِشَعْتَايِمَ. 11وَاسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَمَاتَ عُثْنِيئِيلُ بْنُ قَنَازَ) قضاة 3: 9-11
فقد أُطلِق على جميع قضاة بنى إسرائيل لقب (المخلِّص) ، وهذا نفس اللفظ الذى استخدمه بنو إسرائيل فى وصف عيسى ابن مريم فى الأناجيل الأربعة ، وهذا يعنى أنهم عرفوه كنبى ، يُذكِّرهم بالقضاة المخلصين. فمن أين جاء وصفكم له كإله؟ («هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ؟» 19فَقَالَ لَهُمَا: «وَمَا هِيَ؟» فَقَالاَ: «الْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ الَّذِي كَانَ إِنْسَاناً نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ.) لوقا 24: 18-19
(8وَكَلَّمَ قَايِينُ هَابِيلَ أَخَاهُ. وَحَدَثَ إِذْ كَانَا فِي الْحَقْلِ أَنَّ قَايِينَ قَامَ عَلَى هَابِيلَ أَخِيهِ وَقَتَلَهُ.) تكوين 4: 8 ونفهم من هذه الجملة أن هابيل قُتِلَ فى الحقل. إلا أن التوراة السامرية تذكر أنه قُتِلَ فى الصحراء. فهل قتل قايين أخاه هابيل مرتين؟
(9فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: «أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟» فَقَالَ: «لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟» 10فَقَالَ: «مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ. 11فَالْآنَ مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ! 12مَتَى عَمِلْتَ الأَرْضَ لاَ تَعُودُ تُعْطِيكَ قُوَّتَهَا. تَائِهاً وَهَارِباً تَكُونُ فِي الأَرْضِ». 13فَقَالَ قَايِينُ لِلرَّبِّ: «ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ. 14إِنَّكَ قَدْ طَرَدْتَنِي الْيَوْمَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ وَمِنْ وَجْهِكَ أَخْتَفِي وَأَكُونُ تَائِهاً وَهَارِباً فِي الأَرْضِ فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ وَجَدَنِي يَقْتُلُنِي». 15فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «لِذَلِكَ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَايِينَ فَسَبْعَةَ أَضْعَافٍ يُنْتَقَمُ مِنْهُ». وَجَعَلَ الرَّبُّ لِقَايِينَ عَلاَمَةً لِكَيْ لاَ يَقْتُلَهُ كُلُّ مَنْ وَجَدَهُ. 16فَخَرَجَ قَايِينُ مِنْ لَدُنِ الرَّبِّ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ نُودٍ شَرْقِيَّ عَدْنٍ.) تكوين 4: 9-16
مِن مَن خاف قايين؟ أن يقتله أحد يلاقيه؟ كيف ولم يُخلَق غيره هو وأخته ووالديه؟ ومما يزيدنى دهشة هو أن الرب عاقبه وطرده من رحمته ، ثم فرض حماية مشددة عليه لحمايته. فكيف يكون هذا عقاباً؟ يحميه الرب بالرغم من أن منطق الرب: (23وَإِنْ حَصَلَتْ أَذِيَّةٌ تُعْطِي نَفْساً بِنَفْسٍ24وَعَيْناً بِعَيْنٍ وَسِنّاً بِسِنٍّ وَيَداً بِيَدٍ وَرِجْلاً بِرِجْلٍ 25وَكَيّاً بِكَيٍّ وَجُرْحاً بِجُرْحٍ وَرَضّاً بِرَضٍّ.) خروج 21: 23-24
والذى يحيرنى هو أن الرب جعل له علامة لكى لا يقتله أحد. أولاً لمن العلامة ولم يُخلق غيرهم؟ والعلامة لابد أن تكون واضحة ، وظاهرة ، فلو افترضنا وجود مخلوقات أخرى، لسألوا عن سبب هذه العلامة، ولو أخبرهم لحاول واحد فى المائة أن ينبذه أو يقتله ، وفى هذه الحالة تكون العلامة ليس لحمايته ، بل للقضاء عليه.
ثم كيف تكون علامة لكى لا يُقتل؟ وما هى شكلها؟ هل كان مكتوب عليها لا تقتل صاحب هذه العلامة؟ وهل كان أحد وقتها يعرف الكتابة والقراءة؟ هل تتخيل أن الإنسان يضع علامة مميزة لبيت معين دون كل بيوت المنطقة لكى لا يُسرَق؟ ولو افترضنا إمكانية حدوث هذا ، لكان لزاماً علينا أن نعتقد أن الرب الذى ميَّزَ منزلاً معيناً دون الباقين ، سمح أو قرر بسرقة باقى المنازل! بمعنى أن الرب منع كل الناس (غير الموجودين) من قتل قايين ، وسمح بقتل باقى البشر! وهذا يتنافى مع العدل الإلهى والرحمة الربانية.
ولو افترضنا أنّ المخلوقات الأخرى هى الأجيال التى سينجبها قايين ، ففى هذه الحالة لو قال لهم عن سبب هذه العلامة ، لخرجت أجيال تُشبه أباها فى القتل والبطش وسفك الدماء. ولو كذب عليها، لما ندمَ على عمله هذا وقال للرب (ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ)
النقطة الأخيرة قول الكتاب: (16فَخَرَجَ قَايِينُ مِنْ لَدُنِ الرَّبِّ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ نُودٍ شَرْقِيَّ عَدْنٍ.) تكوين 4: 16 ، فكيف خرج من لدن الرب؟ هل الرب غير موجود فى عدن؟ أم هل كان يسكن الرب معهم فغادر كهفه هارباً منه؟
أما رد قايين على الرب: (9فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: «أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟» فَقَالَ: «لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟») ، يعكس منتهى سوء الأدب من عبد لربه، واستهتاره به، فلماذ لم يعلق الكتاب المقدس على سوء الأدب هذا ، ليتعلم أتباع هذا الكتاب أن سوء الأدب مع الرب يُعاقب عليه العبد. وإلا فأين القدوة هنا؟ وما الغرض من ذكر هذه القصة دون تبيان عاقبة المذنب؟