الانطلاقة الـ 21 لحركة حماس محطاتٌ مشرقة
لم يكن يوم 14/12/1987م يوماً عاديّاً في تاريخ القضيّة الفلسطينيّة المشرف، في هذا اليوم المبارك أعلن عن ميلاد حركة جهاديّة خرجت من تحت أنقاض الدمار الذي أحدثه الاحتلال الغاشم، تلفها عناية الله تعالى وتسطر بدماءِ أبنائها أروع البطولات والملاحم في زمنٍ عزّ فيه الرجال، إنّه ميلاد حركة المقاومة الإسلاميّة حماس.
واليوم في ذكرى انطلاقتها الـ 21 مازالت تقدم وتبذل كل الغالي والنفيس، من أجل خدمة دين الله تعالى والوطن فلسطين، حتى أضحت رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه بأي حالٍ من الأحوال. كيف لا وهي الحركة التي صمدت أمام التحديّات وتجاوزت كل محاولات التصفيّة والاستئصال فصارت لاعباً أساسيّاً ووجوداً ضروريّاً في حياة الشعب الفلسطيني.
·التسميّة
حماس" هو الاسم المختصر لـ"حركة المقاومةالاسلامية"، وهي حركة مقاومة شعبيّة وطنيّة تعمل على توفير الظروف الملائمة لتحقيق تحرر الشعب الفلسطيني وخلاصه من الظلم وتحرير أرضه من الاحتلال الغاصب، والتصدي للمشروع الصهيوني المدعوم من قبل قوى الاستعمار الحديث.
وحركة "حماس" حركة جهاديّة بالمعنى الواسع لمفهوم الجهاد، وهي جزء من حركة النهضة الإسلاميّة، تؤمن أنّ هذه النهضة هي المدخل الأساسي لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وهي حركة شعبيّة إذ أنها تعبيرعملي عن تيار شعبي واسع ومتجذر في صفوف أبناءالشعب الفلسطيني والأمة الاسلامية يرى في العقيدة والمنطلقات الاسلاميّة أساساً ثابتاً للعمل ضد عدو يحمل منطلقات عقائديّة ومشروعاً مضاداً لكل مشاريع النهوض في الأمة، وتضم حركة "حماس" في صفوفها كل المؤمنين بأفكارها ومبادئها المستعدين لتحمل تبعات الصراع ومواجهة المشروع الصهيوني.
·النّشاة المباركة
وزعت حركة المقاومة الاسلامية "حماس" بيانها التأسيسي في 14/12/ 1987، والشخصيات التي اجتمعت وأسست لهذه الحركة هي: الشيخ أحمد ياسين، والدكتور إبراهيم اليازوري، ومحمد شمعة ممثلي مدينة غزة، وعبد الفتاح دخان ممثل المنطقة الوسطى، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ممثل خان يونس، عيسى النّشار ممثل مدينة رفح، صلاح شحادة ممثل منطقة الشمال. إلا أنّ نشأة الحركة تعود في جذورها إلى الأربعينات، فهي امتداد لحركة الاخوان المسلمين. وقبل الاعلان عن الحركة استخدم الاخوان المسلمون أسماءً أخرى للتعبير عن مواقفهم السياسيّة تجاه القضيّة الفلسطينيّة منها "المرابطون على أرض الاسراء" و"حركة الكفاح الاسلامي" وغيرها.
·إنتفاضة الحجر
شهدت الانتفاضة الأولى انطلاقة حركة حماس، التي فجرت طاقات الشباب الذين استقطبتهم قبل ذلك التاريخ، وقد تركت تلك المشاركة آثارها الواضحة على الانتفاضة من حيث تسميتها بانتفاضة المساجد وغلبة الشعار الإسلامي فيها. غير أن محاولة منظمة التحرير الفلسطينية السيطرة عليها واستخدامها من أجل العودة للمشهد السياسي، وقد أدّت عملياً إلى تحويلها إلى عبء على الشعب الفلسطيني مع منتصف عامها الثاني وربما قبل ذلك.
ومنذ اللحظة الأولى، أدرك الاحتلال عمق التأثير الذي تركه انخراط الحركة الإسلامية في الانتفاضة فبدأ مسلسل ملاحقتها، إذ لم يمضِ عام واحد على بداية الانتفاضة حتى كانت الضربة الأولى للحركة نهاية عام 1988 ممثلة في حملة اعتقالات طالت 150 من قادة الحركة من بينهم د.عبد العزيز الرنتيسي وإبراهيم اليازوري والقائد صلاح شحادة.
وإثر عمليتي اختطاف لجنديين صهيونيين في شهري شباط/فبراير وأيار/مايو 1989، جاءت الضربة الأوسع مقارنة بالأولى حيث اعتقِل 260 من قيادات الحركة وقادتها وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين. وقد كان لهذه الضربة تأثيرها الكبير على وضع الحركة، ما اضطر رئيس مكتبها السياسي في الخارج آنذاك موسى أبو مرزوق الدخول إلى غزة لإعادة بناء جسم الحركة السياسي، وكذلك جناحها العسكري.
تواصلت العمليات العسكرية للحركة على نحو أذهل الاحتلال، وهو ما أدى إلى ضربة أشد من الضربتين السابقتين وكانت نهاية عام 1990، وهذه المرة اعتقل حوالي ألف وسبعمائة عضو من الحركة، ثم بعد شهر أبعد ثلاثة من قياداتها إلى الخارج.
·راجعينلك يا وطن
حاول الاحتلال، أبتكار وسائل جديدة تمكنه من ضرب حركة حماس وشلّ قدراتها، وفي نفس الوقت التخفيف من شعبيتها التي تزداد يوماً بعد يوم. ففي يوم 17/12/1992م، قامت سلطات الاحتلال بإبعاد 416 ناشطاً من حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى منطقة مرج الزهور في جنوب لبنان. حيث قام المبعدون بالمرابطة في مخيم العودة لإرغام سلطات الاحتلال على إرجاعهم حيث نجحوا في ذلك.
·انتفاضة الاقصى
في انتفاضة الأقصى برزت حماس بوصفها الفصيل الأقوى على صعيد الأعمال العسكريّة التي وسمت هذه المرحلة، ولا تزال حتى الآن تسجل أشدّ العمليات العسكريّة وأكثرها قوة قياساً بالفصائل الأخرى. وإذا ما عدنا إلى الإحصاءات يمكن القول إنه من بين حوالي 870 صهيونياً قتلوا أثناء الانتفاضة تكفلت حماس بقتل أكثر من نصفهم. أما الأهم من ذلك فهو سيادة ثقافة العمليات الاستشهاديّة التي صنعتها الحركة في الشارع الفلسطيني، وهو ما أذهل العدو وأربك وضعه الداخلي.
·ويتخذ منكم شهداء
خلال الأعوام الأربعة الاولى لإنتفاضة الأقصى المباركة، باع ثمانية من قادة حركة حماس في قطاع غزة أرواحهم لله وكان الجزاء الجنّة، وهم الشيخ أحمد ياسين، د.عبد العزيز الرنتيسي، المهندس إسماعيل أبو شنب، د. إبراهيم المقادمة، القائد صلاح شحادة، والأستاذين جمال منصور وجمال سليم، والقائد صلاح دروزة.
وهذ أكبر عددٍ يتمّ اغتياله من أي تنظيمٍ او فصيلٍ بهذا المستوى القيادي، وخلال فترو زمنيّة قياسيّة لا تتجاوز أربعة أعوام. ناهيك عن استشهاد العشرات من من القادة العسكريين الميدانيين، والذي مثّل ضربة موجعة ومؤلمة لهذه الحركة المباركة التي خاض الاحتلال الغاشم معها منذ انطلاقتها معركة شرسة ومفتوحة. طناّ منه أنّه يستطيع استئصال هذه الحركة المباركة أو دفعها للانهيار، فأثبتت الأيّام وخصوصاً مع ذكرى الـ21 للانطلاقة المباركة أنّ العود مازال يافعاً وقويّاً، ترويه دماء الشهداء ويزهو في عنان السماء.
·2005 إندحار الظلم
ظنّ الاحتلال الغاشم أنّ ليل ظلمه سيدوم، ولكنّ السواعد الفتيّة من أبناء القسام غيرت هذه النّظرية، فأذاقت العدو الويلات الجسام، ففي يوم 25/8/2005م، قررت سلطات الاحتلال الانسحاب من قطاع غزة وذلك بعد احتلالٍ دام 38 عاماً. وقد شملت خطة الانسحاب إخلاء 21 مستوطنة من القطاع، والتي تمّ تدميرها على أيدي سلطات الاحتلال خوفاً من سيطرة أهالي القطاع عليها بعد خروج المستوطنين.
·2006م فلسطين تتوشح بالأخضر
في عام 2006م، قررت حركة حماس خوض الانتخابات التشريعيّة والتي تمخضت عن فوز كبير لحركة حماس في المجلس التشريعي بواقع 76 مقعداً من أصل 132 مقعداً، ممّا أعطى الحركة أغلبيّة في المجلس التشريعي.
وصف البعض هذا الفوز الكاسح للحركة بتسونامي حيث أحدث دويّاً هائلاً على جميع المستويات المحليّة، والإقليميّة، والدوليّة. والسبب هو فوز حماس بأغلبيّة كبيرة وواسعة من مقاعد التشريعي ممّا سبب حالة من الذعر أصابة الأواسط الرسميّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة، ودول الاتحاد الأوروبي، والكيان الصهيوني من باب أولى.
ومن هنا نقول، إنّ الشعب الفلسطيني نقل المسؤوليّة والأمانة إلى حركة حماس. واضعاً الأمل بعد الله تعالى بأن تكون عند حسن طنّه وأن تقدم نموذجاً جديداً في التعفف ونظافة اليد والاستقامة والحرص على المال العام، ومحاربة الفساد والمفسدين.
·2007م حصار غاشم
في أعقاب فوز حركة حماس المؤزر في الانتخابات التشريعيّة الفلسطينيّة الثانية في 25/1/2006م، وتشكيلها للحكومة الفلسطينيّة العاشرة شددّت سلطات الاحتلال حصارها الغاشم على قطاع غزة طالبت من الحركة الانصياع وراء شروطها وهي "الاعتراف بالكيان الغاصب في الوجود، التخلي عن سلاح المقاومة ونبذ العنف، والاعتراف بالاتفاقيّات الموقعة معها.
وبعد سيطرة حماس على قطاع غزة في 15/6/2007م، شددت سلطات الاحتلال حصارها البحري والبري والجوي على القطاع وأعلنت غزة كياناً معاديّاً، وأغلقت المعابر الحدوديّة للقطاع ومنعت أهالي غزة من الدخول والخروج، كما ومنعت دخول البضائع إلى القطاع وتقليص كميّات الوقود والذي تسبب بإغلاق عدد كبير من المحطات، وتعطيل محطة الكهرباء المركزية في القطاع ووقوعه تحت الظلام الدامس. عداك عن المعانات القاسية التي يتعرض لها المرضى في المستشفيات والتي عجزت عن تأمين العلاج اللازم لهم، وحدث ولا حرج.
·ونبقى مقاومة
حماس كونت نهجاً واضحاً ودعمت مصداقيتها بأداءٍ يستند إلى عقيدة وإيمان وصلابة نضاليّة، واستطاعت أن تكسب الشعب الفلسطيني وشرائح عربيّة وإسلاميّة واسعة من خلال ترسيخ المصداقيّة النضاليّة والاجتماعيّة.
وعندما نستعرض رموز حماس وشهداءها ومواقفها وما قدمته على مدى سنوات طويلة نجدُ أنها قامت بشيء يستحق التقدير، حيث إنّها لم تبخل بأي شيء وسجلت نهوضاً بالقضية والأمة في وقت تردت فيه أوضاعهما كثيراً، ووصلت فيه إلى درك أوسلو وما بعدها. فتحيّة من القلب عطرة نهديها لهذه الحركة المباركة في ذكرى انطلاقتها الـ21
منقول عن الجزيرة توك
