بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين
أمّا بعد :
سئل رحمه الله عن رجل يسكن بديار الجزاير يقال له ابو يحيى ابن ابي يحيى و كان ابن خلدون حينها بمجلس علم له بقرطبة ففال قدّس الله سرّه : هو فحل من فحول العاصمة ولد بحيدرة او سالومبي حسب صحّة الروايتين و أورد ابن الأعمش في تراجمه ان ابي يحيى عاصمي الأصل من فخد الباب الواديين ولد هناك سنة ثلاثة و خمسون و تسعمائة و الف , اخذ العلم عن مشايخ باب الواد ثم انتقل الى المرادية , أعجب به حاكم المرادية و قرّبه منه و رفع من شأنه فولاّه على الأرنديين -انتهى كلامه-
و يزيد ابن خلدون فيقول : كان مشتهرا بزهده لا تنقصه الفطنة و المكر , على نجمه بالمرادية حتّى اصبح محدّثها الوحيد و حبرها الأعظم حتّى قيل " لا يفتى و ابي يحيى بالمرادية " ,
و عندما بايع اهل الجزاير الملك على عهدة ثالثة خرج ابي يحيى من سردابه خاطبا في النّاس حتى ادميت قدميه من الوقوف و اغشي على الحاضرين من شدّة التأثّر , و قيل ان الملك ولاّه على شؤون القصر بعد سماعه لهذه الخطبة . - انتهى كلامه -
من رحلات ابن خلدون - خطبة ابي يحيى -
من كتاب - سير سفهاء البرـلاـأمان- لصحيح امام المرادية
اخبرنا شيخ العارفين و تحفة المتفيهقين و سيد الزّاهدين امام الزمان و المكان شيخنا و ولي نعمتنا امام قصر المرادية بسند متّصل من ثقة لثقة انه ورد من اخبار البرـلاـأمان انّ العالم العامل و الشيخ الجليل ابو يحيى ابن ابي يحيى محدّث الدّيار المرادية اعتكف في زردابه بالمرادية سنة بأكملها فلمّا استوفى ميعاده خرج خاطبا في النّاس فقال :
ايها النّاس والذي نفسي بيده لا اعرف رجلا في هذه الأمصار اعلم منّي بدين المرادية و لا اخبث مني و لا امكرا فأجتمعوا عليّ افقهكم في دينكم .
لقد كنتم شعثا غبرا لا يعرف لكم خير و لا منّه حتى جاؤكم المخلّص من مخازن سويسرا فاتحا يديه بالخير لكم شارحا صدره لطلباتكم .
فلقد اطعم و سقى و كسى و عافى فلم يبق منكم عقلا و لا حلما و خبرا ..
كنتم تسألون الصدقة من اراذل القوم فلم تبقوا لا بابا و لا جيبا ... و اليوم صرتم تمنّون على الرّوم بخيراتكم غنيهم قبل فقيرهم و جاهلهم قبل عالمهم ... حتّى هلك بيت مالكم من كثرة الثّغرات
كم من لصّ كان يبيت بالعراء في اللّيالي السّوداء رُفع اليوم بفضل كرم سلطانكم حتّى صار افقر لصوصنا يقارع قارون و مفاتيح خزائنه.
كم من جاهل سفيه كان يعيش على الخمرة و الكأس يرتّل أشعار خالد .. رُفع اليوم عاليا يُحسب له الف حساب .
كم من نكرة معدوم يجهل كتابة اسمه اشرقت له الصّفحات المربحات فأصبح من كبار الكتّاب و منارة الادباء
كم من صحيفة كان ورقها يمسح زّجاجكم اصبحت اليوم الكاتب الرسمي للسلطان
كم من رهبان و اسقف نصراني دخل الدّيار
كم من صوت بعير شنّف اسماعكم بعفنه
كم من خوّان منافق طعنكم في ظهوركم ...مُلّك اليوم على رقابكم
كم من طاعون و زلزال و طوفان و قُمّل و جرذان و جراد ... ارسلت عليكم منذ ان هلّ عليكم سلطانكم
لقد جاؤكم السلطان بالمعجزات و الآيات البينات
فهل انتم شاكرون
لقد اصبحتم بلدا يبيع العبيد للرّوم في قوارب معلّبة
و صرتم بلدا يُطعم من فضلات الآخرين
و استقدمتم حثالة الصّين و المجوس للاسترزاق عندكم
ايّها النّاس :
اليوم أُتمت عليكم نعم الدولة
و هذا بيت مال المسلمين اسكرته دراهم البترول حتّى الثّمالة
آن له الأوان ليُغلق اليوم بمتاريس من حديد
و لعمري حان الوقت لنا آل البيت لكي نرد ماؤه العذب
لذى
بايعوا ولّي امركم على السّمع و الطّاعة و اسكنوه في قلوبكم ما دام فيها عرق ينبض
فإذا مُتّم فاوصو اولادكم بمبايعته قبل الوصاية لهم بمالكم
و كونو قوما صمّا بكما عميا لا تفقهون و الأهم لا تسألون
فالسؤال عن افعال السلطان بعد اليوم كفر و ردّة ما بعدها ردّة
و احذروا قوما يدّعون الإخلاص يخالفون ما نحن عليه ان يفتنوكم عن دينكم
فهم كالرّويبضة يتكلمون في امر العامّة من غير تزكية من اسيادكم
حاربوهم و الغو في دينهم لعلّكم تفلحون
و لتعلموا ان ابواب هذا القصر قد اقفلت
و لن يدخله حاجّ او معتمر حتى يأتي بزهرة الملح (1)
و لن نقبل إلاّ بها
و لن يرد احد من الصّالحين هذا القصر بدونها حتى يلج الجمل سمّ الخياط
ألا هل بلّغت فاللهمّ اشهد
انتهى كلامه
اختلف جمع الفقهاء في تاريخ هذا الخطاب فمنهم من قال في شهر اكتوبر لسنة ثمانية للالفين و منهم من قال هو خطاب مبيت منذ السنة الثانية و الستّين تسعمة و الف و اشتهر بعد ذلك علنا بسبب الذّل اللذي اعتلى اهل تلك الدّيار
**
(1) زهرة الملح : نوّارة الملح , تستعمل للاعجاز كقول احدهم " لن اقوم بكذا حتّى ينور الملح"
منقول من كتاب "سير سفهاء البرـلاـأمان " لـصحيح امام المرادية المجلد الأول الفصل الاول (خطبة ابي يحيى).
و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين
أمّا بعد :
سئل رحمه الله عن رجل يسكن بديار الجزاير يقال له ابو يحيى ابن ابي يحيى و كان ابن خلدون حينها بمجلس علم له بقرطبة ففال قدّس الله سرّه : هو فحل من فحول العاصمة ولد بحيدرة او سالومبي حسب صحّة الروايتين و أورد ابن الأعمش في تراجمه ان ابي يحيى عاصمي الأصل من فخد الباب الواديين ولد هناك سنة ثلاثة و خمسون و تسعمائة و الف , اخذ العلم عن مشايخ باب الواد ثم انتقل الى المرادية , أعجب به حاكم المرادية و قرّبه منه و رفع من شأنه فولاّه على الأرنديين -انتهى كلامه-
و يزيد ابن خلدون فيقول : كان مشتهرا بزهده لا تنقصه الفطنة و المكر , على نجمه بالمرادية حتّى اصبح محدّثها الوحيد و حبرها الأعظم حتّى قيل " لا يفتى و ابي يحيى بالمرادية " ,
و عندما بايع اهل الجزاير الملك على عهدة ثالثة خرج ابي يحيى من سردابه خاطبا في النّاس حتى ادميت قدميه من الوقوف و اغشي على الحاضرين من شدّة التأثّر , و قيل ان الملك ولاّه على شؤون القصر بعد سماعه لهذه الخطبة . - انتهى كلامه -
من رحلات ابن خلدون - خطبة ابي يحيى -
من كتاب - سير سفهاء البرـلاـأمان- لصحيح امام المرادية
اخبرنا شيخ العارفين و تحفة المتفيهقين و سيد الزّاهدين امام الزمان و المكان شيخنا و ولي نعمتنا امام قصر المرادية بسند متّصل من ثقة لثقة انه ورد من اخبار البرـلاـأمان انّ العالم العامل و الشيخ الجليل ابو يحيى ابن ابي يحيى محدّث الدّيار المرادية اعتكف في زردابه بالمرادية سنة بأكملها فلمّا استوفى ميعاده خرج خاطبا في النّاس فقال :
ايها النّاس والذي نفسي بيده لا اعرف رجلا في هذه الأمصار اعلم منّي بدين المرادية و لا اخبث مني و لا امكرا فأجتمعوا عليّ افقهكم في دينكم .
لقد كنتم شعثا غبرا لا يعرف لكم خير و لا منّه حتى جاؤكم المخلّص من مخازن سويسرا فاتحا يديه بالخير لكم شارحا صدره لطلباتكم .
فلقد اطعم و سقى و كسى و عافى فلم يبق منكم عقلا و لا حلما و خبرا ..
كنتم تسألون الصدقة من اراذل القوم فلم تبقوا لا بابا و لا جيبا ... و اليوم صرتم تمنّون على الرّوم بخيراتكم غنيهم قبل فقيرهم و جاهلهم قبل عالمهم ... حتّى هلك بيت مالكم من كثرة الثّغرات
كم من لصّ كان يبيت بالعراء في اللّيالي السّوداء رُفع اليوم بفضل كرم سلطانكم حتّى صار افقر لصوصنا يقارع قارون و مفاتيح خزائنه.
كم من جاهل سفيه كان يعيش على الخمرة و الكأس يرتّل أشعار خالد .. رُفع اليوم عاليا يُحسب له الف حساب .
كم من نكرة معدوم يجهل كتابة اسمه اشرقت له الصّفحات المربحات فأصبح من كبار الكتّاب و منارة الادباء
كم من صحيفة كان ورقها يمسح زّجاجكم اصبحت اليوم الكاتب الرسمي للسلطان
كم من رهبان و اسقف نصراني دخل الدّيار
كم من صوت بعير شنّف اسماعكم بعفنه
كم من خوّان منافق طعنكم في ظهوركم ...مُلّك اليوم على رقابكم
كم من طاعون و زلزال و طوفان و قُمّل و جرذان و جراد ... ارسلت عليكم منذ ان هلّ عليكم سلطانكم
لقد جاؤكم السلطان بالمعجزات و الآيات البينات
فهل انتم شاكرون
لقد اصبحتم بلدا يبيع العبيد للرّوم في قوارب معلّبة
و صرتم بلدا يُطعم من فضلات الآخرين
و استقدمتم حثالة الصّين و المجوس للاسترزاق عندكم
ايّها النّاس :
اليوم أُتمت عليكم نعم الدولة
و هذا بيت مال المسلمين اسكرته دراهم البترول حتّى الثّمالة
آن له الأوان ليُغلق اليوم بمتاريس من حديد
و لعمري حان الوقت لنا آل البيت لكي نرد ماؤه العذب
لذى
بايعوا ولّي امركم على السّمع و الطّاعة و اسكنوه في قلوبكم ما دام فيها عرق ينبض
فإذا مُتّم فاوصو اولادكم بمبايعته قبل الوصاية لهم بمالكم
و كونو قوما صمّا بكما عميا لا تفقهون و الأهم لا تسألون
فالسؤال عن افعال السلطان بعد اليوم كفر و ردّة ما بعدها ردّة
و احذروا قوما يدّعون الإخلاص يخالفون ما نحن عليه ان يفتنوكم عن دينكم
فهم كالرّويبضة يتكلمون في امر العامّة من غير تزكية من اسيادكم
حاربوهم و الغو في دينهم لعلّكم تفلحون
و لتعلموا ان ابواب هذا القصر قد اقفلت
و لن يدخله حاجّ او معتمر حتى يأتي بزهرة الملح (1)
و لن نقبل إلاّ بها
و لن يرد احد من الصّالحين هذا القصر بدونها حتى يلج الجمل سمّ الخياط
ألا هل بلّغت فاللهمّ اشهد
انتهى كلامه
اختلف جمع الفقهاء في تاريخ هذا الخطاب فمنهم من قال في شهر اكتوبر لسنة ثمانية للالفين و منهم من قال هو خطاب مبيت منذ السنة الثانية و الستّين تسعمة و الف و اشتهر بعد ذلك علنا بسبب الذّل اللذي اعتلى اهل تلك الدّيار
**
(1) زهرة الملح : نوّارة الملح , تستعمل للاعجاز كقول احدهم " لن اقوم بكذا حتّى ينور الملح"
منقول من كتاب "سير سفهاء البرـلاـأمان " لـصحيح امام المرادية المجلد الأول الفصل الاول (خطبة ابي يحيى).
