قنبلة جميلة... وسؤال عن ثروة البلد

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

عمار صادق

:: عضو فعّال ::
أحباب اللمة
إنضم
14 فيفري 2009
المشاركات
2,568
نقاط التفاعل
17
نقاط الجوائز
457
عندما تعلن مجاهدة من طراز جميلة بوحيرد أنها لا تتوفر على موارد مالية للعلاج في بلد يقول وزير ماليته أنه يملك في خزائنه ما يزيد عن 140 مليار دولار من احتياطات الصرف، فهو يطرح علامة استفهام كبيرة حول الكيفية التي توزع بها ''الثروة'' والريع النفطي على الجزائريين في الجزائر.
يتضح جليا أن جميلة بوحيرد التي اختارت الصمت طيلة فترة ما بعد الاستقلال وعدم فتح الحساب مع السلطات المتعاقبة، أنها تريد اليوم أن تتحدث عن مشاكلها الشخصية، مثلما قد يفهم البعض ذلك، بقدر سعيها لتوجيه رسالة لكسر جدار ظل يحجب حقيقة الوضع الذي تعايشه الأغلبية الساحقة من الجزائريين. ومن هذا المنطلق أرادت بوحيرد أن تضع النقاط على الحروف بإشارة منها، أنه إذا كانت امرأة معروفة بالحجم والثقل التاريخي والسياسي الذي تملكه إحدى جميلات الجزائر ''تشكو من ضيق مالي وتعاني لتوفير العلاج''، فكيف هو حال بقية الجزائريين المغمورين الذين يبعدون آلاف الكيلومترات، حيث يتواجد مقر الرئاسة والحكومة والبرلمان ووزارة الدفاع، وهي المؤسسات المكلفة بحماية المواطنين والحفاظ على ممتلكاتهم؟
وقد تهرع وزارة التضامن لمد يد العون وقد تهرول منظمة المجاهدين أو وزارة محمد الشريف عباس لنفس الغرض، وقد يسارع حزب الأغلبية، الأفالان، لفتح باب التبرعات، وقد يبادر التلفزيون الجزائري بتنظيم تليطون كدلالة على أنه يملك آذانا وسمع نداء ''الاستغاثة'' لجميلة بوحيرد، وقد تتدخل أعلى الهيئات في الدولة لستر ''الفضيحة''، لأنها فعلا فضيحة بكل المعاني، لكن كل هذا لا يهم، لأن ما أرادت المجاهدة الصامتة أن توصله من رسائل مشفرة إلى من يهمه الأمر لا علاقة له بتاتا باحتياج شخصي، بل هي دعوة صريحة إلى إصلاحات جادة وفي مقدمتها إعادة النظر جذريا في الطريقة التي توزع بها الثروة في الجزائر وبالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية واقعا ملموسا يحس به كافة الجزائريين، حيثما كانوا وأينما وجدوا، وليس مجرد شعار جاف مدون في مواثيق وبرامج الحكومات، مثلما ظل كذلك منذ استعادة السيادة الوطنية.
جميلة بوحيرد التي فضلت دفء الأحياء الشعبية على دفء منتجعات السلطة وإغراءاتها لم تكن لتتكلم، بعد سنوات طويلة من الصمت، والصمت كما يقال من ذهب، إلا لكونها غير قادرة على منع كأس الغضب من الفيضان بعد كل ما شاهدته من معاناة ولامبالاة ومن كون كرامة الجزائريين دائما في ''النازل''، في مقابل صعود صاروخي لإمبراطوريات مالية ومافياوية باسم الاشتراكية التي قيل أنه لا رجعة فيها، وباسم حرية السوق والتجارة الخارجية التي قيل أنها ستكون في كنف الشفافية قبل أن تتحول إلى مغارات ودهاليز مظلمة.
ولما تهيمن القوى المالية حتى على المؤسسات التشريعية للدولة، على غرار ما يجري من شراء للأصوات في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة، فمن الطبيعي أن تتحول هذه الهيئات المكلفة بصلاحية ممارسة ''الرقابة بمدلولها الشعبي''، إلى حارس أمين على مصالح البعض دون البعض أو البعض ضد البعض، ويخدع المواطن في ظنه من أن هناك دولة ترعى حقوقه ومصالحه، في حين أن لا أحد يدافع عن الشأن العام.
ولكن مثلما وصلت جميلة بوحيرد لقناعة ظلت تطاردها في صمتها، من أن نضالها من أجل إقامة دولة اجتماعية ديمقراطية لم يتحقق قط، بدليل حاجتها حتى لإمكانيات العلاج، وهو أمر لا يحدث في أي دولة تحترم نضالات شعوبها، مثلما وجدت شريحة كبيرة من الجزائريين نفسها لم تبرح عتبة خط الفقر سواء فاضت خزائن الدولة من ريع البترول أو نقصت، بغض النظر عن الأرقام التي يراد ترويجها في هذا الصدد ''تزلفا'' وسعيا لكسب ود الحاكم في قصر المرادية.
وإذا كانت جميلة بوحيرد تملك القدرة على إيصال صوتها إلى حيث تريد ومتى أرادت ذلك، وفي المقابل تتمنى أكثر من جهة في الداخل والخارج أن تتشرف بخدمتها، وهو ما لا تريده على الأقل في رسالة الشكوى، فإن هناك من أمثال بوحيرد الآلاف ممن رحلوا في صمت رغم العطاء اللامحدود الذي قدموه لهذا الوطن ماضيا وحاضرا ومستقبلا دون أن يريدوا ''جزاء ولا شكورا'' من أحد، وهو ما يعني أن هناك خللا كبيرا في منظومة الدولة برمتها يحتاج إلى إصلاح اعوجاجه اليوم قبل الغد، وذلك حتى لا يضيع سلّم القيم في هذه البلاد وقبل أن يصبح الخائن بالأمس هو ''مول الدار'' والآمر والناهي فيها.
وأي إصلاح لا يمر عبر الاعتراف بالخطأ في حق الوطن والشعب، لا يرجى من ورائه تحقيق أي نتيجة ويبقى مجرد ذر للرماد في الأعين، وسنسمع من حين لآخر عن معاناة أكثر من جميلة في الجزائر عن ظلم ذوي القربى من الذين أرادوا حمل أمانة الشهداء دون أن يوفوا بها أو يحافظوا على الأقل عليها.
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
العودة
Top