- إنضم
- 14 فيفري 2009
- المشاركات
- 2,568
- نقاط التفاعل
- 17
- نقاط الجوائز
- 457
- آخر نشاط
حتى لا تتحول غزة إلى جُرح مصر النازف
جوهر المشكلة بين مصر وغزة ليس علاقة النظام بحماس ولكن تصور النظام في مصر لوضع مصر في الإقليم. ودون دخول في تفاصيل معروفة، فإننى بهذه السطور أريد أن أفتح ملفًا تجب دراسته بكل الصدق والتجرد حتى لا تظل غزة جُرحًا لا يندمل لمصر. ولذلك أريد أن أضع الفكرة في نقاط محددة.
أولاً: إن سكان غزة لديهم ميل نفسي بحكم سطوة المشروع الصهيوني وعشم هائل وآمال كبار تجاه مصر، تمامًا كما يشعر سكان الضفة الغربية والقدس تجاه الأردن، ولذلك عمد الصهاينة ولأسباب أخرى إلى تأمين جانب مصر والأردن في اتفاقات سلام تضمنها واشنطن وتكفل للصهاينة اليد الطولى في التفسير والتنفيذ. فقد كانت غزة تحت الإدارة المصرية حتى 1967م كما كانت الضفة الغربية وشرق القدس جزءًا من الأردن، ولكن مصر تفاوضت على سيناء وأغلقت غزة تمامًا، كما أن الملك حسين فكَّ الارتباط مع الضفة والقدس 1988م، لنفس السبب وهو أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية هي المحتل الشرعي والوحيد لكل الشعب الفلسطيني داخل كل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها.
ولذلك تظل المسئولية القانونية على مصر تجاه غزة والتعامل معها بحكم الجوار بما يكسر حدَّة الاحتلال، ويفوت الفرصة على مخططاته فيها. فلم تطالب مصر أن تنطبق على ذلك أحكام قانون الاحتلال الحربي التي تُبقي على النُّظم الإدارية والقضائية والقانونية للإقليم المحتل، وتعصمه من الضم والإلحاق والحكم العسكري المباشر. وقد تسبب هذا الموقف المصري من غزة من مجمل الأراضي العربية الأخرى المحتلة في عهد السادات إلى مطالبة الصهاينة مصر بالتركيز على أراضيها وضبط العلاقات معها؛ بحيث تترك المنطقة تحت هيمنة إسرائيل، كما أدى هذا الموقف أيضًا إلى أن الفقه الصهيوني برر الاستيلاء على غزة والضفة بأنها كانت تحت احتلال مصري وأردني، وإسرائيل كسبت الحزب فصارت هذه الأراضي غنائم ومكافأة، وهي نفس النظرية التي طبقتها على سيناء والجولان؛ رغم تداعي منطق هذه النظرية من الناحية القانونية.
ثانيًا: من أغرب الملاحظات أن الحكومة المصرية دأبت على إرضاء الكيان الصهيوني حتى على حساب مصالح مصر المباشرة والواضحة، بل وعمدت إلى تحميل نفسها بالتزامات ليست واردة في معاهدة السلام لمجرد أنها تريد أن تسوق للحركة الوطنية المصرية مبررًا قانونيًّا يُخرسها.
وتطبيقًا لذلك تمكَّن الصهاينة من إقناع مصر بأن سيطرة حماس على غزة خطر عليها، وأن نجاح تجربة حماس سيغري الإخوان المسلمين في مصر ويقوي ساعدهم في السعي إلى السلطة، وبذلك يكون التصدي لحماس والإخوان مصلحة مشتركة للحكم في مصر وإسرائيل، وبذلك نشأ الربط بين حماس والإخوان. وما دامت حماس قريبة من سوريا وإيران، فقد وجدت مصر أيضًا مصلحة مشتركة أخرى، وتكرست تصريحات الكثيرين في مصر في صدد هذه النقاط وبتشييع صورة حماس والإخوان عند المجتمع المصري، وهذا يخدم المصلحة المشتركة للحكم والصهاينة، فهو استهدف كحركة مقاومة تذكر العالم بأصول المشكلة قبل تمام ابتلاعها، وهو ضرب للإخوان حتى يظل الحكم آمنًا لأصحابه، ولو كان الإخوان حتى يهودًا لتمَّ التصدي لهم، ولذلك فإن تصدي النظام لهم دافعه القضاء على خصم سياسي وليس كما روج بعض خصوم النظام بأنه معاد للإسلام وانحراف صوب العلمانية.
ثالثًا: تحمست مصر لانتخابات فلسطين 2006م ونزاهتها التي يتمنَّاها الشعب المصري عنده، ولكن مصر ناصرت رئيس السلطة ضد المجلس التشريعي الذي يشكل مع الرئيس أجهزة السلطة، ويبدو أن فكرة الخلاص من حماس قد استقرت كلما تقدمت فكرة تصفية الإخوان المسلمين مع فارق هام أن التصدي لحماس يُرضي إسرائيل وواشنطن، وأنه تحرش بإيران وسوريا ما دامت علاقتهما بواشنطن سيئة، ولذلك سوف يختلف المؤشر المصري وينسجم مع المؤشر الأمريكي منهما.
رابعًا: في محرقة غزة التي يعلم الجميع تفاصيلها، بدءًا من زيارة ليفني للقاهرة وإعلان الحملة منها، ومرورًا بموقف مصر الذي حمَّل حماسًا المسئولية عن الصواريخ واستفزاز إسرائيل وانتهاك التهدئة وانتهاءً بظهور مصر بكل مواقفها خلال المحرقة كما لو كانت راضيةً وأحيانًا متوافقة مع "إسرائيل"، ثم غضبت مصر لاتفاق حظر الأسلحة بين ليفني وكونداليزا ريس مع استمرار إغلاق معبر رفح بحجج غير صحيحة قانونيًّا، وانتهاءً ببناء الجدار الفولاذي بكل ملابساته "الإسرائيلية" والأمريكية، بعد السماح لـ"إسرائيل" باجتياح سيناء وضرب الأنفاق بالتعاون مع مصر، وكأن مصر تسعى مع "إسرائيل" إلى كسر إرادة الشعب في غزة حتي يتخلص من حماس، ولكن النتيجة أن حماس تقوَى، وصورة مصر هي التي تتعرَّض للضرر، خاصةً مع توالي بعثات التحقيق وخلق صعوبات لمرور الإعانات والأدوية، والمواقف المتضاربة والتصريحات الرسمية غير المنطقية، ثم بعثات كسر الحصار وآخرها "شريان الحياة"، واعتصام أعضائها في شوارع القاهرة.
خامسًا: من الواضح أن ملف غزة بكل أوراقه: الحصار، المعابر، الأنفاق، الجدار، إعادة الإعمار، مع قضايا المصالحة التي تتحقق، والضغوط "الإسرائيلية" والأمريكية لاستنزاف مصر؛ كل هذه الأوراق تحتاج إلى دراسة واقعية تنظر إلى الأمور بهدوء وعقلانية، وأن يكون هدف الدراسة وضع تصور ذكي لكيفية تناول ملف غزة بعد أن أدَّت تطوراتها إلى إحراج مصر، وسيظل جرحًا نازفًا لمصر، وبدلاً من شحن الشعب وتمزيق رؤاه واستعدائه على عدو مصطنع وصرف نظره عن عدوِّنا الحقيقي الأبدي السرطاني وهو "إسرائيل"، بدعاوى الوطنية المزيفة والأمن القومي وإخفاء الرأس في الرمال، بينما العالم كله يرى ويقيم؛ يجب أن تدرس هذه القضايا وأن تكون المواقف شفافةً حتى يساند المجتمع المصري ما يراه جادًّا من قضايا ومواقف.
إن الخلل في المواقف المصرية في غزة لن يعالجه تناقضُ التصريحات والتضحية بمصالح مصر لصالح "إسرائيل" وواشنطن، بل إن هذا المسلك يدفع "إسرائيل" إلى المزيد من التوحُّش والاستخفاف بمصر والمصريين، ويعرِّض مصالح المصريين لخطر محقَّق في بيئتهم الطبيعية، وهي البيئة العربية.
وأخيرًا، فإن معاهدة السلام بين مصر و"إسرائيل" لا تلزم مصر بالعمل مع "إسرائيل" على إبادة سكان غزة مهما كانت الذرائع، بل إن نجدة مصر لسكان غزة حقٌّ لهم في وجه سياسة الإبادة "الإسرائيلية" وإنكارٌ لحقِّ الفلسطينيين في البقاء، وسوف تكشف الدراسة الأمنية عن أن سياسة مصر تجاه "إسرائيل" إحدى أهم أسباب إنكارها للحقوق العربية.