أزمة الاستفتاء السوداني... ألاعيب الجنوب

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

عمار صادق

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
14 فيفري 2009
المشاركات
2,585
نقاط التفاعل
17
النقاط
77
أزمة الاستفتاء السوداني... ألاعيب الجنوب​


في ظل توتر العلاقة بين شريكي الحكم في الخرطوم، والتي تتسم بحالة اضطراب دائمة تنعكس على الأداء السياسي لكلاهما؛ يخيِّم القلق على البرلمان السوداني الذي شهد خلاف الشريكين على تعديلات قانون الاستفتاء المزمع إجراؤه العام 2011م بين الجنوبيين لتقرير مصيرهم؛ إما بالانفصال عن السودان أو بالاستبقاء على وحدة البلاد، طبقًا لاتفاقية "نيفاشا" للسلام الموقعة بين الجانبين سنة 2005م؛ حيث اعترض نواب الحركة الشعبية لتحرير السودان وأحزاب جنوبية أخرى، وصلوا إلى مقاعدهم بفضل اتفاقية السلام على إدخال حكومة الخرطوم تعديلاً على قانون الاستفتاء المزمع بين الجنوبيين، يمنح المواطنين السودانيين الجنوبيين الذين استقروا في شمال السودان قبل العام 1956م حق التسجيل، والتصويت في الشمال.

ويعيد البرلمان اليوم الإثنين 28 ديسمبر 2009م بحث إمكانية تعديل القانون مرة أخرى، بعد اتفاق الشريكين على طرح القضية مجددًا على النواب، إثر امتناع نواب الحركة الشعبية عن التصويت عليه الأسبوع الماضي.

وينص قانون الاستفتاء على إقرار انفصال جنوب السودان إن حاز على تأييد بنسبة 51%، شرط المشاركة بنسبة 60% من عدد الناخبين، وبحسب إحصاء رسمي فإن 520 ألف سوداني جنوبي يقيمون في الشمال، وهو ما يشكِّك فيه الجنوبيون، مؤكدين أن عددهم أكثر بكثير وهو ما دفعهم للشك بأن حكومة البشير تسعى من خلال هذه الإجراءات وغيرها إلى منع انفصال الجنوب عنها؛ حيث تشير جميع استطلاعات الرأي والتحليلات السياسية إلى أن أهل الجنوب سيصوتون في العام 2011م لصالح الانفصال، وهو ما ينذر بانسلاخ أقاليم سودانية أخرى عن السودان (دارفور، شرق السودان).

كما أن التصعيد الذي حدث في الآونة الأخيرة بسبب الاختلاف على عدد من القضايا ينذر بأن الانفصال قد يكون متوترًا وغير سلمي؛ ما يزيد من التحديات والمخاطر التي يواجهها السودان في مرحلة ما بعد الانفصال، ورغم كل المحاولات للتوفيق بين الشريكين فما زالت احتمالات الخلاف هي الأرجح حول العديد من القضايا التفصيلية والمؤجلة، والتي تضمنتها اتفاقية السلام أيضًا.. لكن دائمًا للتطبيق حسابات أخرى؛ حيث إن اتفاقية السلام نفسها قد حملت في طياتها مفاتيح حرب جديد شرسة وممتدة.

وهو ما حذَّرت منه مجموعة الأزمات الدولية في تقرير لها بعنوان: "السودان.. تقويض الإنجاز"، والتي قالت فيه إنه ما لم يتعاون المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة والأمم المتحدة ومجلس الأمن والسلم الإفريقي لدعم اتفاقية السلام؛ فإن من الاحتمال الأرجح هو تجدد الحرب بين الشمال والجنوب، وتصاعد القتال في دارفور، وهو الأمر الذي تسعى إليه واشنطن بكل قوة؛ حيث إن سيناريو الانفصال ما هو إلا حلقة ضمن مخطط إعادة تقسيم المنطقة لصالح الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني.

وفي هذا الصدد صرَّح حزقيال لول جاتكوث رئيس بعثة حكومة جنوب السودان في واشنطن لصحيفة (الواشنطن تايمز) أن الولايات المتحدة تقدم مساعدات في الوقت الراهن لجنوب السودان لإعداده للانفصال عن الشمال، وقال إن أهداف الحكومة الأمريكية حاليًّا هو ضمان وجود دولة قادرة على الحياة، والاستمرار في الجنوب بعد الاستفتاء المقرر في 9 يناير 2011م، وأضاف أن جانبًا كبيرًا من المساعدات الأمريكية للسودان، والتي تبلغ نحو مليار دولار سنويًّا توجه إلى بناء الطرق وتدريب الشرطة وزيادة الكفاءة الاحترافبة لجيش مستقل في الجنوب.


وقد اتهم النائب السوداني القيادي في الحركة الشعبية غازي سليمان قيادات في الحركة بإعاقة مسار الوحدة في السودان، تنفيذًا لأجندة استعمارية، وخاصة كيان الاحتلال الصهيوني.
وأكد سليمان خلال مؤتمر صحفي أن استهداف أمن البلاد تمثل في أشكال عدة لا سيما قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس عمر البشير، وأضاف أن الأزمة في إقليم دارفور ستظل معلقة ما دام الخلاف قائمًا بين الشمال والجنوب.

بالإضافة إلى أن أهم شريك تجاري خارجي للسودان، وهي الصين؛ اعترفت بإمكانية استقلال الجنوب؛ حيث فتحت قنصلية لها في عاصمته جوبا، كما تُجرى مباحثات بين حكومة الجنوب وشركة البترول الوطنية الصينية حول ترتيبات ما بعد العام 2011م.

ويبدو مما سبق أن طرفي اتفاقية السلام أضمر كل منهما تنفيذ برنامجه، بغض النظر عن الطرف الآخر، وما كان توقيع اتفاق السلام إلا لكسب مزيد من الوقت، ظن كل طرف أنه بصالحه، وهو ما سيقلب طاولة نيفاشا رأسًا على عقب؛ لتدور رحى الحرب مجددًا؛ لكن هذه المرة ستكون بين كيانين متناطحين متقاربين في مستوى القوة؛ حيث استغل الجنوبيون المسافة الزمنية من 2005م وقت توقيع اتفاقية السلام وحتى 2011م موعد الاستفتاء المقرر؛ لتحديد مصير القضية بين الانفصال أو الاستمرار في الوحدة، واستطاع الجنوبيون تأسيس حكم ذاتي شبه مستقل وجيش وشرطة ومؤسسات دولة بكاملها؛ تأهبًا للاستقلال الكامل عن السودان، ليس هذا فقط، وإنما كانت إستراتيجيتهم مدروسة لتوفير الموارد الاقتصادية اللازمة للاعتماد عليها في بناء الدولة الناشئة.

وفي مواجهة الحكومة المركزية في الخرطوم التي تتحكم في تصدير موارد الجنوب الإقليم الحبيس من البترول عبر الأنابيب إلى ميناء بورسودان على شاطئ البحر الأحمر، واستطاع الجنوبيون التغلب على هذه النقطة بمساعدة الولايات المتحدة وكينيا الدولة الإفريقية الملاصقة للإقليم من جهة الجنوب الشرقي، والمطلة على المحيط الهندي؛ حيث تستكمل حكومة الجنوب تشييد خط للسكة الحديدية من الجنوب إلى ميناء مومبسا الكيني، كما تنوي بناء مصفاة لتكرير البترول خاصة بها في الجنوب، حتى لا تعتمد على الشمال؛ ما يعني فقدان السودان لما يقرب من 80% من كل عائدات البترول، والتي تمثل 60% من موازنة الدولة؛ ما سيدفع الخرطوم إلى زيادة الضرائب والرسوم الجمركية دون زيادة الأجور بنفس النسبة، وهو ما يعني زيادة الأعباء على عامة الشعب، وسيصب ذلك في اتجاه زيادة الاضطرابات السياسية في عموم السودان، وخاصة في الأقاليم ذات النزعة الانفصالية في الشرق ودارفور.

وغير مستبعد دخول البلاد في دوامة من الفوضى على شاكلة النموذج الصومالي، وهو ما يهيئ الأجواء إلى تنفيذ المخطط الصهيوأمريكي، كما أريد له أن يكون وهو أن يُعاد تقسيم المنطقة إلى "كنتونات" صغيرة متحاربة على علاقة عداء مستمر مع بعضها البعض وعلاقة طيبة فقط بالكيان الصهيوني.
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
العودة
Top