مصر وغزة.. حصار مَن؟ لمصلحة مَن؟
الثابت أن مصر تقوم ببناء جدار عازل بتصميم وتمويل وإشراف تنفيذي أمريكي, جدار أمريكي على أرض مصر, بموافقة مصر أو بإقناعها أو بإرغامها, النتيجة واحدة, لم يتم أخذ رأي الشعب ولا أي من المؤسسات، ولم تبادر الحكومة بالإعلان عن الموضوع، بل انتشر الخبر بالإعلام العالمي ثم بدأت الحكومة التبرير.
"إسرائيل" تحاصر غزة من جميع الجهات عدا الجنوبية المصرية، وبناء الجدار حسب تصور الفاعل يؤدي إلى تجويع أكثر من مليون ونصف المليون في غزة وسحقهم، وليس فقط أتباع حركة حماس، وليس فقط للوصول لخروج الفلسطينيين على قيادة حركة حماس بل حرمانهم من حق الفرار وفطرة الهروب من الهلاك الجماعي.
ولذلك فالهدف الاسترتيجي هو القضاء على كل من يقاوم المشروع التوسعي "الإسرائيلي"، وبالتالي المشروع الإمبريالي الغربي في منطقتنا... القضاء على نهج المقاومة الإسلامية وروحها في حد ذاتها.
بالرغم من ذلك فهناك حملة رسمية مصرية بأن الجدار يستهدف الأمن القومي والسيادة المصرية ومصر فعلت كل ما تستطيع تجاه القضيه الفلسطينية!! هذا فعلاً صحيح, لكن السؤال هل ما تفعله مصر لمصلحة "إسرائيل" أم لمصلحة المصريين؟
التقييم الجذري للأمر وبعيدًا عن العواطف الإسلامية.. لماذا تقبل مصر رسميًّا بدولة نووية على حدودها عكس كل دول العالم؟ ولماذا قامت بالتوقيع على اتفاقية حظر الانتشار النووي في منطقتنا دون اشتراط توقيع "إسرائيل" على نفس الاتفاقية؟.. يبدو موقفًا رسميًّا مذهلاً!
إذا افترضنا أن حماس تستهدف إقامة دولة إسلامية على الحدود المصرية (أمر غير ثابت وبدون دليل) ومصر ترفض بدعوى أنها دولة دينية (التاريخ الإسلامي والحد الأدنى من الثقافة الإسلامية يؤكدان أن الدولة الإسلامية مدنية لا دينية) فلماذا تقبل مصر بدولة نووية دينية يهودية على نفس الحدود؟! (أمر ثابت وفقا للتصريحات الرسمية "الإسرائيلية")... يبدو أيضًا موقفًا رسميًّا مذهلاً!
هل يمكن أن يكون التمويل والإشراف الأمريكيان لمصلحة مصر أم لمصلحة "إسرائيل"؟
القادة "الإسرائيليون"- مثلاً وليس حصرًا الرئيس بيريز- يلاقون استقبالاً حافلاً على أعلى مستوى رسمي في مصر, في حين أن ليفني وزيرة خارجية العدو السابقة صدر أمر قضائي من محكمة بريطانية بالقبض عليها أثناء التواجد في بريطانيا بتهمة المشاركة في جريمة الحرب على غزة, كل ذلك متزامن منذ شهر.. مقارنة مخزية!!
بناء الجدار بالإضافه لتسويقه رسميًّا على أنه لتحقيق الأمن والسيادة المصريين وبدون أخذ رأي الشعب, يعني أن مصر تقوم بتأكيد دورها كمحلل للسياسات والإجراءات "الإسرائيلية" والأمريكية في المنطقة.. ولذلك لا يجب أن نتعجب كثيرًا من المواقف الشعبية بشأن السفارات والقنصليات المصرية في الدول العربية، بالإضافة إلى نفس المواقف أثناء اللقاءات الرياضية.. مشاعر كراهية مبررة.
الموقف الرسمي بعد الجدار موقف عسكري سياسي شامل يؤكد خيارًا استراتيجيًّا بأن العدو هو الشعب المقاوم في غزة وليس "إسرائيل".. موقف محدد يحسم الجدل الحاصل في المجتمع منذ حرب غزة.
حتى إذا اعتبرنا انفصال الأمن والمصلحة المصريين عن قضية فلسطين والأقصى في حد ذاتها (أكدنا استحالة ذلك بمقال سابق بعنوان: مصر أولاً أم القضية الفلسطينية) فالجدار يمثل عملاً- وليس حلاًّ- أمنيًّا- بامتياز- بعيدًا عن السياسة, لا يمكن أن يحقق السيادة- لأسباب فطرية وإنسانية- بل تتحقق بسياسة مصرية تستهدف إنهاء الحصار حتى يتوقف احتياجهم الإجباري الفطري لعبور حدودنا للحصول على مستلزمات الحياة مع إصرارهم على العودة لئلا يفرطوا فى أرضهم (عكس ما تدعى الأصوات الرسمية المصرية) فتهجير الفلسطينيين إلى مصر ضد مصلحتهم، بل لمصلحة "إسرائيل", ومع استمرار النهج الأمني المصري بعيدًا عن السياسة في كل الملفات الخارجية والداخلية ستتحول مصر من الفاعل الظالم إلى المفعول به الظالم... أمر مذهل لأن كل المواقف مذهلة, وتصبح مصر هي التي تحاصر نفسها، فالطوفان ليس فقط من غزة شمالاً بل جنوبًا من السودان المعرض للتقسيم على حساب مصر، ثم داخليًّا الفتن الطائفية، العقائدية، بدو سيناء, النوبة, فضلاً عن الصدام مع شتى طوائف المجتمع المصري على الأصعدة الاقتصادية والسياسية, لمصلحة من كل ذلك؟
يستحيل أن يستفيد من ذلك إلا طرف واحد فقط!
إن حركة حماس وغزة هما حائط الصد الوحيد المقاوم لحمايتنا- ليس فقط كمسلمين بل كمصريين- في مواجهة المشروع العنصري التوسعي في منطقتنا، فـ"إسرائيل" هي الكيان الوحيد عالميًّا بدون حدود رسمية، لاستهداف المزيد من التوسعات الجغرافية، تحديدًا باتجاه الأراضي المصرية بدءًا باستعادة سيناء.
السيناريو المؤسف المتوقع بعد الجدار ومزيد من حصار غزة هو هجمة شرسة أخرى على غزة لاستئصال المقاومة، فعلى كل منا أن يلتزم بالمسئولية الفردية من منطلق الوطنية المصرية والقومية العربية والهوية الإسلامية والفطرة الإنسانية تجاه القضية الفلسطينية.