كيف تكتب التحقيق الصحفي

محب بلاده

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
6 جويلية 2009
المشاركات
1,666
نقاط التفاعل
319
النقاط
43
يتخذ فن التحقيق الصحفي من البحث منهاجاً في التفكير، ويسلك لنفسه طرقاً صحفية في التعبير والطابع البحثي للتحقيق الصحفي يعني عمليات مستمرة في التعرف على المشكلات والقضايا المطروحة في المجتمع، وفي تكوين الفروض والحلول المختلفة، وفي الحصول على البيانات وتصنيفها وتبويبها واستخلاص النتائج، وفي النهاية تحرير هذه النتائج تحريراً صحفياً.
ويبين (ميلتون فارتشيلد) ست خطوات للمنهج العلمي الذي يستفيد منه الباحث كما يستفيد منه المحقق الصحفي في كل خطوة من خطوات إجراء التحقيق الصحفي وتنفيذه على الوجه الأكمل وهي:
جمع البيانات عن المشكلة أو في مجال ميدان يختاره الباحث أو المحقق الصحفي طبقاً لخطة موضوعة وعن طريق الملاحظة ووسائل أخرى دقيقة، مع تسجيل هذه البيانات والتأكد من صحتها، وملاحظة أن تتم عملية جمع البيانات داخل إطار محدد يخدم هدف البحث المنشود أو التحقيق الصحفي المطلوب.
2 تصنيف وترتيب البيانات على أساس التشابه أو الاختلافات أو التباين أو الأساس أو الأسباب أو النتائج، ومحاولة التمييز بين الصفات الأساسية الهامة، والتي لها علاقة مباشرة، وتخدم أهداف البحث أو التحقيق الصحفي، والأخرى السطحية البعيدة عن التأثير على هذه الأهداف.
3 التعميم لمحاولة استنباط مبادئ أو نظريات في صورة مبدئية، وتعتمد هذه الخطوة على خيال الباحث وقدرته على التصور ومعرفته بالمبادئ والنظريات التي لها علاقة مباشرة بمجال بحثه.
4 التحقق من صحة النظرية وصلاحيتها عن طريق التجربة.
5 وضع البيانات والنتائج في صورتها النهائية.
وصياغة نتائج التحقيق الصحفي لابد أن تتم وفق فنيات معينة، ويتكون التحقيق الصحفي المتكامل من ثلاثة أجزاء رئيسية وهي التالية:
1 المقدمة.
2 الجسم (الصلب).
3الخاتمة.
وتتضمن مقدمة التحقيق الصحفي صياغة الفكرة من وراء التحقيق الصحفي المطروح، كما تساعد إلى حد كبير في تحديد طريقة صياغة بداية التحقيق الصحفي، وهذه المقدمات على أنواع كثيرة، وفنون متعددة، ومن أشهرها:
1 المقدمة المختصرة: وتقوم بإيجاز التحقيق الصحفي كله، وتفيد القارئ المتعجل، الذي يريد معرفة خلاصة التحقيق
منذ البداية.
2 المقدمة المتفجرة المثيرة: وتميل إلى إثارة انتباه القارئ بعرض فكرة غير عادية، أو غير متوقعة (مثيرة) لتهيئ ذهن القارئ منذ البداية للولوج في تفاصيل الموضوع.
3 المقدمة القصصية: وهي تبدأ بقصة لجذب انتباه القارئ، وهذه القصة لها علاقة كبيرة ووثيقة بموضوع التحقيق.
4 المقدمة التساؤلية: وتحاول هذه المقدمة إثارة العديد من الأسئلة، ليتم تناول حلولها في صلب التحقيق وهذا النوع شائع الاستخدام.
5 المقدمة الوصفية: وتعتمد على الوصف، وتستخدم فيها ألفاظ موحية بصور معينة لدى القارئ، مثل وصف الطائرة والإنسان والمكان.
6 المقدمة الساخرة: ولا تعني هذه المقدمة الاستهزاء أو التشمت، بل تعني النقد اللاذع البناء، ويناسب هذا النوع من المقدمات بعض الظواهر الاجتماعية السيئة المتفشية في مجتمع معين.
7 المقدمة المقارنة: تستعمل لجذب انتباه القارئ، ويعقد فيها مقارنة أو مفارقة سريعة بين الشيء وضده، أو بين فكرة وأخرى.
8 مقدمة الحوار: ويعرض فيها حوار بين شيئين لهما علاقة بموضوع التحقيق المطروح، وهذا النوع ليس شائعاً، لكنه جيد ومؤثر.
9 مقدمة الاقتباس: حيث يتم فيها اقتباس قول أو رأى أو حكمة أو غيرها، تكون ذات علاقة بموضوع التحقيق، ونقطة انطلاقة جيدة للبدء فيه.
وهنا أمر مهم لابد من التنبيه إليه وهو وجود أنواع أخرى من المقدمات غير السابقة الذكر، والآنفة الطرح، والصحفي الموهوب المبدع هو الذي يستفيد من تلك المقدمات في تحريره لتحقيقه، وإخضاعها لخدمته، كما يتاح له فرصة أخرى في استخدامه أكثر من نوع كمقدمة لتحقيقه ضمن أنواع المقدمات الفنية الآنفة الذكر.
وبعد أن يضع الصحفي مقدمة تحقيقه يشرع في تشكيل التحقيق وإعداده، ويمكن لكل صحفي أن يحرر موضوع تحقيقه بثلاثة أساليب عامة وهي التالية:
1 تحقيق العرض: وفيه يعرض المحرر بموضوعية موضوع التحقيق من خلال مقدمة تثير اهتمامات القارئ كالتركيز على أحد جوانب الموضوع، أو كمجموعة من الأسئلة، أو كملخص
للموضوع، ثم يأتي جسم التحقيق ليتناسب مع المقدمة، مثل: تناول الجوانب الأخرى في الموضوع، أو الإجابة عن الأسئلة المثارة أولاً بعرض الحقائق والمعلومات التي تجيب عن التساؤلات، أو تفصيل للملخص الذي بدأ به المحرر، وأخيراً تأتي الخاتمة لتلخص النتائج والآراء.
2 تحقيق الوصف: وفي تحقيق الوصف يتم تناول وصف سريع للحدث أو الموضوع في مقدمة التحقيق، أما التفصيل فيوجد في جسم التحقيق، والخاتمة تكون للربط بين أجزاء الموضوع، وهي تمثل أخيراً انطباعات المحرر. ويصلح هذا النوع للتحقيقات التي تدور موضوعاتها حول: الرحلات أو الزيارات أو المنافسات كالمسابقات، أو الندوات والحفلات أو المهرجانات.
3 تحقيق القصة: وهنا يقوم محرر التحقيق بكتابة تحقيقه على شكل قصة حقيقية، وليست خيالية أو أدبية، إلا أن هذا النوع يتماثل مع القصص الأدبية في بنائها الفني، أي وجود بداية وعقدة ونهاية ويصلح هذا النوع للموضوعات الإنسانية العاطفية كمأساة الشعب الفلسطيني الجريح، أو حرب شعب البوسنة والهرسك، أو الصومال وغيرها، وعلى العموم يتناول هذا النوع من التحقيقات الصحفية في الحوادث والجرائم والكوارث، حيث تصاغ وتنسج على شكل قصة مثيرة ومشوقة وهادفة تحقق الهدف الذي رمى إليه الصحفي من جراء القيام بهذا التحقيق القصصي.
وعلى الصحفي أن ينتبه إلى نقطة هامة وهي أنه يخاطب شرائح وطبقات من المجتمع متباينة الغايات، ومتعددة الاتجاهات، ومتفاوتة في ثقافتها وعلمها ووعيها، ويتوجب عليه أن يستخدم لغة راقية سامية تناسب عقول القراء على تفاوت مستوى فهمها وإدراكها، وتكون لغة غير مبتذلة وركيكة ومتهافتة، وتكون أيضاً بعيدة عن الألفاظ الصعبة والثقيلة وكل ما يضفي عيلها الطابع العلمي البحت، بل عليه أن يحصر فنه الصحفي في الواقعية والحيوية ومحاكاة ذوات الناس وعقلياتهم، وهذا لا يمكن أن يتوفر إلا جزئياً، ولكن على المحقق الصفحي الموهوب أن يسعى إلى تحقيق هذه النواحي الإيجابية، وعليه أيضاً في خاتمة مطافه وترحاله أن يتوصل من مجمل عناصر ومعلومات
وحقائق تحقيقه الصحفي إلى خلاصة ونتيجة تثري الفكر، وتخدم المجتمع، وتدعم الثقافة، ويقول الأستاذ (جويار) (ليس لدى المندوب الكبير الذي يعالج موضوعاً أوسع مما يعالج المحققون، أحياناً كوضع دراسة عن بلد من مختلف جوانبه، الوقت الكافي ليهتم بالجزئيات، إذ إنه يتحتم عليه أن ينقل في تحقيق واحد أو سلسلة (تحقيقات) أهم الخصائص التي يجدها، بحيث يتمكن من تزويد قرائه بفكرة واضحة عنه).
ولعنوان التحقيق الصحفي أهمية كبيرة في جذب وشد انتباه القارئ، وتختلف طرائق الصحفيين في نسج عنوان التحقيق، فمنهم من يضعه أولاً قبل صياغة التحقيق في صورته النهائية، ومنهم من يرجئ صياغة العنوان إلى حين الانتهاء من تحرير التحقيق كتابياً وهذه الطريقة هي نفس طريقة المؤلفين والباحثين في نسج عناوين مؤلفاتهم، وعنوان التحقيق يحتاج إلى مهارة وذوق وفن، ويلعب العنوان دوراً هاماً وبارزاً في نجاح وزيادة فعالية التحقيق، وله شروط أساسية حتى يتم التمكن من صياغته وحبكه ومنها:
وضع العنوان الملائم لطبيعة الموضوع والذي يعطي فكرة عن الموضوع.
وضع العنوان الملائم لنوعية وشخصية ومستوى الصحيفة.
وضع العنوان المرتبط بالهدف من التحقيق.
صياغة العنوان بشكل واضح ومختصر وجذاب.
وعلى ما سبق يمكن الإشارة وتحديد أهم أنواع العناوين المستخدمة في التحقيقات الصحفية وهي:
العنوان الدال: وهو عنوان ذو طابع إخباري، ويدل على مضمون التحقيق.
ومثاله: (الجفاف يؤدي إلى انخفاض إنتاج الحبوب).
العنوان الانتقائي: وهو يقوم على أساس اختيار وانتقاء جانب معين يتميز بالجاذبية والأهمية ومثاله: (القرار الذي أنقذ المؤسسة من الانهيار).
العنوان الإيضاحي: وهو عنوان صريح، يغطي معظم جوانب التحقيق بشكل عام ومختصر وواضح ومثاله: (الافتقار إلى السائق الجيد).
العنوان الوصفي : وهو العنوان الذي يحاول إعطاء صورة لتجسيد الفكرة والحدث ومثاله: (مصنع يسبح في بحر من الفوضى الإدارية).
العنوان الاقتباسي: وهو العنوان الذي يكون عبارة عن اقتباس جملة أو عبارة هامة ومعبرة، جاءت في تصريح أو مقابلة مع أحد المشتركين في التحقيق ومثاله: (الأزمة الاقتصادية العالمية هي السبب الرئيسي لزيادة الأسعار).
العنوان الاستفهامي: وهو الذي يصاغ على شكل سؤال يجذب القارئ ويثير اهتمامه، وفي الوقت ذاته يطرح المشكلة ويشرك القارئ في حلها ومثاله: (لماذا تستهلك أكثر مما تنتج؟)، (كيف نحول شعار( المجتمع الأفضل) إلى واقع؟)
العنوان الذي يتوجه إلى القارئ، ويخاطبه بشكل مباشر:
ومثاله: (أنت مطالب بزيادة إنتاجك).
وليمارس المحقق الصحفي هذه الوظائف بجدارة وتألق عليه أن يتصف بحب الاطلاع والفضول والحس المرهف واحترام أسرار المهنة.
وتلعب قراءة التحقيقات الصحفية دوراً مهماً في عملية الترويح وتمضية الأوقات الحرة تمضية ممتعة يكتسب الفرد من خلالها مهارات وخبرات ومعلومات عديدة، فهي منبر تثقيف وتوجيه وتوعية، وهي تضاعف الاهتمام بالأوقات الحرة وتحولها إلى لحظات أنس ومتعة وفائدة، وقد دفع الحماس أحد المهتمين بالصحافة إلى القول: (إن الإنسان إذا لم يهلك نفسه بالقنبلة الذرية فإنه سيدمر نفسه بأوقات الفراغ الطويلة إذا لم يحسن استغلالها).
وعليه فإن القراءة عامة وقراءة الصحف خاصة توسع من دائرة معارف الفرد وتزوده بالحقائق التي تتصل بنفسه وبالعالم الذي يعيش فيه، مما لا يستطيع الوصول إليه بتجربته الشخصية، وتنمي فيه روح النقد والتقدير لما يسمع ويقرأ.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top