[FONT="]ونقد الحركات الإسلامية، سواء جماعة الإخوان المسلمين، أو غيرها من الحركات الإسلامي، لا ضير فيه، فهو يعبر بالعموم عن حالة صحية، فهو من جهة، حق للنقاد والباحثين الراشدين والمثقفين، تجاه هذه الحركات التي تصدت للعمل العام، وواجب على تلك الجماعات أن تتقبله قبولا حسنا، وتنزله منزله الصحيح كون التغيير الذي تتغاياه، شانا عاما، ولا يخص الجماعة وحدها. [/FONT]
[FONT="]وفضلا عن، حق النقد لمن هم خارج صفوف هذه الحركات والجماعات، فإن النقد الذاتي، الذي يمارسه بعض أفراد هذه الحركات والجماعات، ومنهم عناصر قيادية وبارزة في جماعة الإخوان، ولو كان على الملأ، وعلى شاشة الفضائيات، لا شك كذلك، أنه يعبر عن ظاهرة ايجابية تستحق الإشادة، كونه يعبر عن نضج ظاهر، وحراك دافع، في صفوف هذه الحركات، وخروجها فكريا من حالة العصمة المتوهمة، التي لاذت بها من قبل، ووسمت بها منهجها وحركاتها.[/FONT]
[FONT="]وأيا ما كانت صورة النقد، من الخارج أو الداخل، فانه يكون جديرا بالمناقشة والاحترام، إذا كان يعبر حقيقة عن حالة ثقافية، وليست حالة نفسية، من هذه الجماعة أو تلك، وأن يظل في خانة الاختلاف في وجهات النظر والآراء، وليس فقط مجرد حالة تشفى وتنفيس عن حنقن وغضب، من الحركات بعمومها، أو حركة منها مخصوصة.[/FONT]
[FONT="]على خلفية هذه التوطئة، يمكن القول أن الانتقادات التي وجهت لجماعة الإخوان، خلال الأيام القليلة الماضية، لم تكن تعبر في حقيقتها عن حالة ثقافية واختلاف في الآراء والتوجهات، بقدر ما كانت، في أغلبها، انتهازا لهذا الحراك الداخلي، الذي نتفق أو نختلف في تفسيره، في الجماعة للتنفيس عن حالة نفسية من الجماعة.[/FONT]
[FONT="]فخروج شخص أو اثنين من مكتب الإرشاد، وهما الدكتور محمد حبيب نائب المرشد الحالي، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، لا يمكن أن يكون هو سبيل الطعن في هذه الجماعة، واتهامها بإبرام صفقات حكومية وأمنية، تصب في صالح ممن أطلق عليهم التيار المحافظ على حساب الإصلاحيين.[/FONT]
[FONT="]فخروج هذه القيادات الكبيرة، لم يكن من الجماعة، وإنما فقط من مكتب الإرشاد، وما زال وجودها، حتى وهي بعيدة عن المناصب التنفيذية، ذو ثقل وتأثير كبير، كما أن خروجها لم يكن إقصاء، وإنما من خلال انتخابات، استبعدت شخصيات أخرى، ومنها مفتى الجماعة، وأدخلت بعض القيادات المحسوبة على التيار الإصلاحي ذاته، وهو الدكتور عصام العريان. [/FONT]
[FONT="]فليس من المفترض أن تأتي الانتخابات، سواء في الجماعة، أو في غيرها، بشخصيات تفصيلا على هوى كل من يريد، وإنما هي بطبيعتها، انعكاس لصدى الجمع الذي تتألف منه الكيانات السياسية والاجتماعية وغيرها، فما المشكل لو اختار الإخوان المحافظين؟ أليس هذا هو جوهر عملية الانتخاب؟![/FONT]
[FONT="]بل يمكنا القول أن السكون والجمود على شخصيات بعينها، ربما يكون هو المطعن الرئيس، بل هو الأمر الذي ما زالت أبواق ثقافية وصحفيين يحسبون على التيارات المستقلة والمعارضة تنادى به، وهم لاصقون بكراسيهم منذ زمن طويل.[/FONT]
[FONT="]أما الحديث عن صفقات مع الحكومة، أمنية أو سياسية، فهو كلام ليس بجديد على كل حال، وليست هناك جماعة أو حزب معني بالتغيير والشأن العام، ويحتل مكانا، بحجم جماعة الإخوان، يتصور أو يفترض أنه يعمل بمعزل عن الواقع الأمني والسياسي المحيط به.[/FONT]
[FONT="]وقد نتفق أو نختلف حول طبيعة هذه الصفقات، وأثرها وجدواها على الجماعة ومستقبلها، ولكن مجرد الحديث عن "صفقات"، فهو حقيقة، واقع كثير من الحركات وجماعات المعارضة، بل وشخصيات عامة لا تحمل هم التغيير، والاهتمام بالشأن العام إلا من خلال الحديث الصحفي والندوة الإعلامية.[/FONT]
[FONT="]من أين أتى الخطأ في نقد جماعة الإخوان؟[/FONT]
[FONT="]الخطأ أتى في نقد جماعة الإخوان، فيما يخص هذه الحالة تحديدا، من ناحيتين، الأولى اعتبار أن الجماعة خرجت بمجرد إجراء انتخابات معلنة من حالة (التنظيم المغلق)، إلى حالة (الدويلة الناشئة)، وهو أمر لاشك فاحش الخطأ، فليس بمجرد الإعلان عن الانتخابات إعلاميا، وإعلان أسماء مكتب الإرشاد تكون الجماعات في بحبوحة من إشكاليات التنظيمات المغلقة ومشاكلها، وأصبحت دويلة..[/FONT]
[FONT="]فالانتخابات داخل التنظيمات لاشك أن لها خصوصيتها، ومن ثم فلا مجال للحديث عن إشراف خارجي على انتخابات الإخوان، أو تشكيل لجنة قانونية خارجية تبحث شكاوى الانتخابات، فهذه كلها أمور تخص أعضاء التنظيم ذاته.[/FONT]
[FONT="]الناحية الثانية، اعتبار أن الجماعة، عبارة عن تيار ملائكي، ولا يمكن أن تكون فيه تيارات متنافسة ايدولوجيا وفكريا، تسعى، وفق قواعد السياسية لتربيطات، تؤدى لفرض رؤاها وتوجهاتها على مسار الجماعة، مع أن هذا التنافس في ذاته تعبير عن حالة ايجابية، ولا يخلو منه أي تجمع بشري ناضج. [/FONT]
[FONT="]الأمران أديا في النهاية، برأينا، إلى خلل كبير، في تقييم الموقف الحالي الذي تمر به الجماعة، والذي في ظله جرت تلك الانتخابات.[/FONT]
[FONT="]هل يعد هذا دفاعا عن الإخوان؟[/FONT]
[FONT="] كلا، ليس الأمر كذلك، فجماعة الإخوان لها قاداتها ورموزها المعروفين الذين يدافعون عنها في منابر متعددة ومعروفة لدى الباحثين والمتابعين، وإنما مرادنا أن نقول أن "البوصلة" انحرفت في تقييم الجماعة ونصحها، فنقد جماعة بحجم الإخوان في الساحة المصرية، لا يكون عن اللائحة الداخلية، وانتخابات، لا تعرف الجماعات الأخرى والأحزاب سبيلا إليها، أو عدم فوز شخص أو اثنين، وتصوير الأمر على أنه طامة كبرى ستطيح بالجماعة عما قريب وتفتتها إلى كيانات متصارعة.[/FONT]
[FONT="]أين إذن يمكن أن نناصح الجماعة؟[/FONT]
[FONT="]كما سبق وأسلفنا فان جماعة الإخوان، وغيرها من الجماعات، على اختلاف مناهجها وتوجهاتها، ليست فوق النقد، وإنما تحتاج مناصحة، والبوصلة الصحيحة تتوجه نحو المنهج وأصل التوجهات وليس مجرد التعلق بالفرعيات والحوادث العارضة.[/FONT]
[FONT="]ونحن إذا أردنا أن ندلو بدلونا في هذا الصدد نقول أن أعظم ما تعاني منه الجماعة الآن غياب البعد الاستراتيجي وغلبة التكتيكي، فلاشك أن بالإخوان قيادات على مستوى عال من الكفاءة، ولكن المشكلة أن غالب تلك القيادات نشأت على مفهوم الجماعة السياسية، وتربت تربية سياسية منغلقة فباتت ترى الأمور من حولها وتزنها بمنظور التحدي السياسي وحده، باعتباره جوهر الصراع، ونست في خضم المواجهات اليومية رسم المسار الاستراتيجي.[/FONT]
[FONT="]فالإشكال الأساسي عند الإخوان في مصر هو "فقدان البعد الاستراتجي"، أو بمعنى أكثر دقة، فشل الرهان الاستراتيجي، حيث توقفت بوصلة جماعة الإخوان عند مؤشر العمل السياسي، وجعلت الجماعة رهانها الوحيد هو التغيير السياسي، رغم أن هذا المسار في الوطن العربي للأسف مغلق منذ أمد ولا تبدو في الأفق أي بادره لحلحلته لظروف ومعطيات داخلية وخارجية معلومة.[/FONT]
[FONT="]وأدى انغماس الإخوان في العمل السياسي، إلى هذا الحد، إلى اختزال الإصلاح في أنبوب ضيق لا مخرج له يسمى الإصلاح السياسي، وهو بلاشك ترك آثاره السلبية على الجوانب المتكاملة للإصلاح والتي نادى بها الإخوان في أطروحاتهم النظرية. [/FONT]
[FONT="]فالطرح السياسي عند الإخوان أدى إلى اختزال المشروع باعتباره مشروعا شاملا يستهدف إصلاح حال الأمة إلى جانب سياسي يتمحور حول السلطة، أي أن الإشكال الأساسي عند الإخوان في مصر هو "فقدان البوصلة"، فهم مشغولون بالفعل اليومي والصراع السياسي، وينسون في غمرة كل ذلك التوجّه الاستراتيجي وتعدد مسارات الإصلاح.[/FONT]
[FONT="]وأخيرا نقول إننا نحن أمام بوصلتين انحرفتا.. بوصلة المسار الاستراتيجي للإخوان.. وبوصلة نقد جماعة الإخوان..[/FONT]