مخاطر التفسير المصري لمعاهدة السلام على المدى البعيد!!

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

عمار صادق

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
14 فيفري 2009
المشاركات
2,585
نقاط التفاعل
17
النقاط
77
مخاطر التفسير المصري لمعاهدة السلام على المدى البعيد!!


sharp1989

اللافت للنظر هو أن معاهدة السلام بين مصر والكيان الصهيوني يتم استدعاؤها بشكل مبالغ فيه لتبرير أخطاء قاتلة أو خطايا ترتكبها الحكومة المصرية في حق الشعب المصري؛ حتى بات التساؤل مطروحًا بشدة: إذا كانت معاهدة السلام هي التي تجلب لنا كل الموبقات؛ فلماذا تتمسك بها مصر؟!

وتكون الإجابة الرسمية: "ضغثًا على إبالة" حين يؤكد المسئولون أن مصر لا تطيق تبعات إنهاء المعاهدة؛ لأنها ببساطة تعني فتح باب المواجهة من جديد بين مصر والكيان، ثم دخول واشنطن الحليف الإستراتيجي لـ"إسرائيل"، وبحكم مذكرات التفاهم الموقعة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة؛ لكي تنفذ التزاماتها في ضبط السلوك المصري لصالح "إسرائيل" في المعاهدة، ووفق التفسير الذي تراه واشنطن وحدها لمدى الانتهاك المصري، ناهيك عن موقف واشنطن من مسح مصر لهذه المعاهدة.

فالصورة التي تبدو عليها المعاهدة أمام المراقب باللغة القتامة معاهدة تبدو أبدية، إن لم يكن بحكم نصوصها؛ فإنها أبدية بحكم خوف مصر المتزايد من المساس بها مهما انتهكتها "إسرائيل"، كما أن هذه المعاهدة صارت فألاً بشعًا عند المصريين؛ لأن الحكومة تبرر بها كل تصرفاتها تجاه "إسرائيل" الضارة بمصالح الشعب المصري.

وأصبح واضحًا أن العيب ليس في نصوص المعاهدة، وإنما العيب في غياب الإرادة الوطنية لتوظيفها لخدمة مصر، بل الأدهى أن تتبرع الحكومة بتفسير للمعاهدة لا تحلم به "إسرائيل"، فلا يخلو دفاع حكومي أو إعلامي حكومي عن تصرف حكومي من اللوذ بالمعاهدة، وكأن الحكومة تظهر أنها تفضل احترام الالتزامات الدولية حتى لو كانت على رقاب الشعب المصري وضد صالحه، وأن سلوكها تجاه الشعب المصري هو سلوك المقهور النبيل الذي يفضل أحيانًا ألا يبوح بما يعانيه مع "إسرائيل"، فيكتفي وزير الخارجية بالتأكيد أن هذا السلوك من أسرار الدولة العليا التي تمنعها اعتبارات الأمن القومي من البوح بها- والشكوى لغير الله مذلة- ثم إنها من أعمال السيادة لا يحق لأحد أن يطلب من الحكومة تفسيرًا لها ما دامت حكومة ديمقراطية وعهد الشعب إليها بالنظر في مصالحه؛ بل ذهب البعض في تبرير هذه الأفعال بأن مصر طرف في تحالف إستراتيجي مع "إسرائيل" والولايات المتحدة، ولا يجوز للشعب أن يلحَّ في تطفله لمعرفة القصة من أولها.

والنتيجة لهذا كله هو أن المعاهدة هي سبب البلاء، وأن المعاهدة قدر مقدور لا يجوز المساس بها؛ بل وصل الأمر ببعض القانونيين المصريين إلى القول بأن العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل" أبدية، وأن المساس بها أو تغيرها بتغير المزاج المصري من "إسرائيل" إلى حد أن قطعها سوف يعني فسخ المعاهدة، وهو والعياذ بالله من أشد الكبائر السياسية.

فإذا كان تصدير الغاز لـ"إسرائيل" والاتفاق معها سرًّا ولمدة طويلة وبأسعار متدنية، وفي سبيل تمرير الصفقة واستمرارها "لمصلحة الأمن القومي المصري" تغتصب الحكومة سرًّا سلطة مجلس الشعب، انتهاكًا للدستور الذي أقسموا جميعًا بالله على احترامه ورعاية مصالح الشعب والأمة، وليس مصالح "إسرائيل" ومواطنيها.

هذه الصفقة التي تجاهلت الحكومة من أجلها قدسية أحكام قضاء مصر للاستمرار فيها، برَّرتها الحكومة بأنها من التزامات المعاهدة على مصر، رغم أن الغاز عند إبرام المعاهدة لم يكن قد عرف أصلاً في منطقتنا كسلعة للتصدير؛ فإن مخاطر هذا الموقف واضحة وأخصها ثلاثة:
- الخطر الأول، هو أن الغاز الذي تحرم منه مناطق عديدة في مصر، ويحرم منه قطاع غزة ويعاني حصارًا "إسرائيليًّا" خانقًا يصدر بأرخص الأسعار إلى "إسرائيل"، بينما تعلن الحكومة أنها تنوي استيراد الغاز لعدم كفاية ما لديها في مصر.
- أما الخطر الثاني، فهو استمرار استخفاف الصهاينة بمصر والمصريين.
- الخطر الثالث، وهو خطر عام ينسحب على كل تصرفات الحكومة إزاء "إسرائيل"، ويتمثل في أن التفسيرات الرسمية المصرية للتذرع بالمعاهدة تعطي "إسرائيل" حقوقًا مجانية على حساب مصر، وحتى لو كانت الحكومة تقصد بيع حقوق مصر وسيادتها المهدرة بموجب المعاهدة؛ فإن الأجيال القادمة سوف تدفع ثمنًا غاليًا لإعادة الأوضاع إلى حالتها الطبيعية، وهي تضيق التزامات مصر في المعاهدة وليس توسيعها لصالح العدو.

أما في شأن الجدار الفولاذي والاستشهاد بالمعاهدة لتبريره وتصويره على أنه من التزامات مصر تجاه "إسرائيل"، فهذه قمة المأساة؛ حيث تبرر مصر موقفها من جريمة حصار غزة مع الصهاينة بالتزامات المعاهدة، رغم أن المعاهدة نفسها تضع التزامات الأطراف بموجب ميثاق الأمم المتحدة فوق التزامات المعاهدة، والميثاق يوجب احترام حقوق الإنسان وينهى عن التحالف من أجل ارتكاب جرائم الإبادة في غزة، والتواطؤ مع الاحتلال الذي يعد جريمة مستمرة، فضلاً عن جريمة الحصار.

بل إن التزام مصر في معاهدة جنيف الرابعة بالعمل على فك هذا الحصار يعلو على أي توافق مع "إسرائيل" على استمرار هذا الجرم حتى لو تحصن بكل المعاهدات والتحالفات؛ لأن احترام حياة الإنسان وزوال الاحتلال من القواعد الآمرة في القانون الدولي التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها أو الاتفاق على غير مقتضاها.

إن الكيان الصهيوني هو العدو الإستراتيجي للشعب المصري والأمة العربية، والتغاضي عن هذه الحقيقة لا يجوز، والأوْلى هو إعاقة المشروع الصهيوني، كما لا يجوز أن تظل الحكومة في تقديم تفسيرات وهمية للمعاهدة على حساب المصالح المصرية.
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
العودة
Top