بسم الله الرحمن الرحيم
انهيار دولة في دقيقة واحدة ليس أمراً عادياً في تاريخ البشرية. بيد أن الإنسان واجه، مرة جديدة، الحدود الحقيقية لقدرته. وقدمت الطبيعة في هايتي درساً بليغاً عن المدى الذي يمكن الحضارة ان تبلغه، وهو مدى شديد التواضع مقارنة بما تختزنه الأرض والفضاء من مفاجآت.
الأرقام الأولية تتحدث عن مئة ألف قتيل جراء الدمار الذي أصاب العاصمة بور-أو-برنس، فيما تخشى هيئات الإغاثة ارتفاع الرقم الى مئات آلاف القتلى مع الكشف عن المزيد من الأبنية والأحياء التي انهارت على من فيها، ومن بينها القصر الرئاسي والبرلمان وعدد كبير من المدارس والمستشفيات والمؤسسات العامة. ومع انعدام الآمال بوصول نجدات سريعة وتراجع فرص إنقاذ العالقين تحت أنقاض المباني، لم يجد سكان العاصمة من عزاء لهم سوى تنظيم مسيرات أدعية وصلاة طالبين الرحمة لأنفسهم ولموتاهم وسط الظلام الدامس الذي لم تخفف منه سوى إشارات الطرق الضوئية التي تعمل على بطاريات تخزن الطاقة الشمسية، في مشهد يبدو مستلاً من أدبيات تتحدث عن مشاهد القيامة ويوم الحشر.
الدمار الهائل الذي أصاب هايتي وعاصمتها، يزيد من صعوبة استقبال فرق الإنقاذ والطائرات التي باشر عدد من الدول ارسالها محمّلة بالمساعدات الضرورية. برج المراقبة في المطار لم يعد موجوداً لينظم حركة الاقلاع والهبوط. رافعات الميناء سقطت، ولم يعد متاحاً انزال الحاويات التي قد تحمل المواد الغذائية والامدادات التي يتعين ان تعيد تأسيس البنى التحتية من الصفر.
بيد أن الكلام أعلاه لا يقول سوى نصف الحقيقة عن الكارثة التي أصابت الدولة الفقيرة هذه. ويكاد يكون من البداهة بمكان أن الزلزال ذاته لو وقع في مدينة أخرى، او في دولة من دول العالم الصناعي، لجاءت نتائجه أقل هولاً بكثير. النصف الثاني يكمن في دور الانسان.
فقصص هايتي مع البؤس والاضطراب السياسي والفساد والعنف، اوسع من أن يحيط بها محيط، لتعود الى الايام الأولى لاكتشافها واستعمارها واستغلالها. ثمة علاقة وثيقة بين ماضي البلاد وحاضرها السياسيين والاقتصاديين واتساع دائرة الخسائر البشرية والمادية في هايتي. وعقود من الفساد والنهب اللذين وصلا الى حدود خرافية مع عائلة دوفالييه، دفعت الأكثرية الساحقة من السكان الى حدود الجوع.
وفي بلد لم يكن ينعم بالكهرباء او الماء الجارية او حتى المأوى اللائق والعمل سوى أقلية من مواطنيه، كانت سبل الحياة مسدودة ما خلا الهيام على الوجه بحثاً عما يسد الرمق. الواقع هذا ادى الى كارثة بيئية تمثلت في قطع الغابات ونزع الغطاء الأخضر من أجل استخدام الاخشاب كمصدر للفحم، الوسيلة الوحيدة للطهي والتدفئة لملايين السكان.
خسرت هايتي 97 في المئة من غطائها النباتي وأصبحت جبالها جرداء لا تساعد على كبح الامطار الغزيرة التي تتساقط عليها مُشكّلة فيضانات تجتاح القرى والمدن من دون أي حاجز طبيعي او اصطناعي. وقد زاد عدد ضحايا الفيضانات في الأعوام الأربعة الماضية على العشرة آلاف قتيل. ومع الدمار البيئي الذي منع نشوء سياحة ومع الانهيار الزراعي وغياب البنى الأساسية اللازمة للصناعة، بات المشهد مهيأً لجعل أي كارثة طبيعية مثل تلك التي تصيب بلدان العالم بالعشرات في كل عام، حدثاً مأسوياً يفوق حدود احتمال البشر.
هل من معنى بعد هذا للتغاضي عن شراكة الانسان الكاملة في التسبب بهذه الكارثة ودفعها الى أبعادها التي نعاين؟
**أخوكــــ \عــبدالرحمن أل عوماوي**
الدمار الهائل الذي أصاب هايتي وعاصمتها، يزيد من صعوبة استقبال فرق الإنقاذ والطائرات التي باشر عدد من الدول ارسالها محمّلة بالمساعدات الضرورية. برج المراقبة في المطار لم يعد موجوداً لينظم حركة الاقلاع والهبوط. رافعات الميناء سقطت، ولم يعد متاحاً انزال الحاويات التي قد تحمل المواد الغذائية والامدادات التي يتعين ان تعيد تأسيس البنى التحتية من الصفر.
بيد أن الكلام أعلاه لا يقول سوى نصف الحقيقة عن الكارثة التي أصابت الدولة الفقيرة هذه. ويكاد يكون من البداهة بمكان أن الزلزال ذاته لو وقع في مدينة أخرى، او في دولة من دول العالم الصناعي، لجاءت نتائجه أقل هولاً بكثير. النصف الثاني يكمن في دور الانسان.
فقصص هايتي مع البؤس والاضطراب السياسي والفساد والعنف، اوسع من أن يحيط بها محيط، لتعود الى الايام الأولى لاكتشافها واستعمارها واستغلالها. ثمة علاقة وثيقة بين ماضي البلاد وحاضرها السياسيين والاقتصاديين واتساع دائرة الخسائر البشرية والمادية في هايتي. وعقود من الفساد والنهب اللذين وصلا الى حدود خرافية مع عائلة دوفالييه، دفعت الأكثرية الساحقة من السكان الى حدود الجوع.
وفي بلد لم يكن ينعم بالكهرباء او الماء الجارية او حتى المأوى اللائق والعمل سوى أقلية من مواطنيه، كانت سبل الحياة مسدودة ما خلا الهيام على الوجه بحثاً عما يسد الرمق. الواقع هذا ادى الى كارثة بيئية تمثلت في قطع الغابات ونزع الغطاء الأخضر من أجل استخدام الاخشاب كمصدر للفحم، الوسيلة الوحيدة للطهي والتدفئة لملايين السكان.
خسرت هايتي 97 في المئة من غطائها النباتي وأصبحت جبالها جرداء لا تساعد على كبح الامطار الغزيرة التي تتساقط عليها مُشكّلة فيضانات تجتاح القرى والمدن من دون أي حاجز طبيعي او اصطناعي. وقد زاد عدد ضحايا الفيضانات في الأعوام الأربعة الماضية على العشرة آلاف قتيل. ومع الدمار البيئي الذي منع نشوء سياحة ومع الانهيار الزراعي وغياب البنى الأساسية اللازمة للصناعة، بات المشهد مهيأً لجعل أي كارثة طبيعية مثل تلك التي تصيب بلدان العالم بالعشرات في كل عام، حدثاً مأسوياً يفوق حدود احتمال البشر.
هل من معنى بعد هذا للتغاضي عن شراكة الانسان الكاملة في التسبب بهذه الكارثة ودفعها الى أبعادها التي نعاين؟
**أخوكــــ \عــبدالرحمن أل عوماوي**