حمد الطايع
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 5 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 126
- نقاط التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
أجواء غزه ملبده بالغيوم على غير عادتها في مثل هذه الايام
حيث تكون السماء صافية ،و حرارة الشمس ملتهبه . ماذا يجري ؟ ربما
يهطل المطر في أي ساعه .. لا بأس ، لعل المطر يساعد على نمو النباتات
البريه التي تحولت إلى مصدر أساس من مصادر الغذاء، حتى يعوض الغزاويون
عن النقص الحاد بالمواد الغذائيه .و عدم توفر المال عند الاكثريه
لشراء ما توفر من الخضروات و اللحوم و الحبوب . حمدا لله .. رُبّ ضارة
نافعه.. لقد بدأت أرغب الخبيزه و الهندبه و اللوف .. يا الله ، لقد تغير بي
الكثير ، أكلات لم أكن اطيقها قبل الحصار ، عندما كانت تطبخها امي رحمها الله
كنت أذهب إلى دكان ابو العسل .. رحمه الله.. اشتري رغيفين من الفلافل مع الكبيس
و الفلفل و الطحينه.. أصبحت دكان ابو العسل كومة من الركام بعد أن حولتها
صواريخ الفانتوم الامريكيه إلى أطلال .. دفن العم ابو
العسل في مكان ما من الدكان . كلما مررت من جانب الدكان يخال لي أنه واقف
خلف المقلاة يقلب أقراص الفلافل تظهر ابتسامته العريضه من خلف شاربيه
الكثين . ينصت لآيات من القرآن الكريم من مذياعه المثبت على الحائط
الغربي، من إذاعة القرآن الكريم التي لا تتحرك ابرة الراديو القديم عنها .
ما أجمل صوت الشيخ البنا ، قال مرة ثم أردف : يجعلك في خشوع و إنصات.
ارتاحت امي الطيبه من نزقي و مزاجي، اليد الطيبه التي تطبخ اجود الاكل، كان
لا يعجبني . كم أنا مشتاق لالثم اليد الرقيقه ، بل القدم الطاهره ، لكن العبريون
القادمون من اصقاع الارض أبَو إلا أن يقتلعوا القلب الحنون بشظيه مدفع
الدبابه، و ان يحولوا الوجه السمح الباسم إلى قطع متناثره . آه لو تعودي
ساعة حتى ترتوي عيناي برؤياك .. ساعة اقبّلُ وجنتاك و انحني تحت قدميك.
تبدو غزه كأنها مدينة اخرى بعد الحرب الاخيره ، كأنها مدينة لا علاقة
لي بها، لم تكن مسقط رأسي ، لم ألعب في شوارعها الضيقه ، إنها غزه
التي حولها الفسفور الابيض و الموت و رائحة البارود إلى مدينة اخرى.
أو إلى مكان أتاه زلزال مدمر فحوّله إلى أنقاض .ظهرت غزه متشحه بالسواد
و قد أرهقها الحصار و دفن القتلى ، و آلاف الجرحى الذين لا مكان يتسع لهم.
هل هذه غزتي ؟ أم أنني في منام؟ أو أن شيئا سحريا حملني إلى مكان غير
مألوف . أين الملاعب ، و المدارس أين الساحات المكتظه بالناس ؟ أين
الاطفال الحالمون بغد جميل؟أيها الاوغاد لقد اقتلعتم طفولتي ، و سرقتم
أحلامي ، كنت اصرخ ، أو اعتقدت بأنني اصرخ بأعلى صوتي .. أيها المجرمون
أين ذهبتم في غزه، غزه هاشم ، غزه الامام الشافعي ، غزه الشيخ القعيد !!
كل شئ تغير هنا، وجوه الناس ، صياح الديكه ، و منزل خالي ابو مروان .
خالي ! ليتني لا اذكرك ، ذكراك يولد الاسى في نفسي . خالي الممتلئ رجوله
و عنفوان ، كم تعلمت منه دروسا في الصبر و التسامح و خدمة الآخرين.
يا للحنين ، أشعر في هذه الساعات بأني في أكثر الاوقات ضعفا .. ربما
هي الطبيعه الانسانيه التي تحتاج للضعف في زمن القوه ، و للقوة في زمن
الضعف .. ربما لان الاشياء يجب ان تتوازى ، و ان تبقى متشابكه، و حتى
لا يطغى امر على آخر.. كم ارغب بالجلوس على كرسي الخشب القديم
تحت عريشة العنب، حيث تتدلى القطوف الحمراء و الخضراء و السوداء
كأنها لوحة ابتدعتها ريشة فنان محترف .. هي في الحقيقه نتاج اليد
الخضراء الطيبه ـ التي ورثت الزراعه ابا عن جد من آلاف السنين،
منذ قدم اجدادنا الكنعانيون من جزيرة العرب فعمروا هذه الارض البكر
الجدباء التي لم تصل اليها قدم انسان قبلهم ، و جعلوها في الشكل الجمالي
الرائع. رحمك الله يا خال أنت و آل بيتك ، لقد حكمت الطائرات التي
تقذف حممها عليكم بالموت . فكان المنزل المتواضع البسيط قبر جماعي ، و اوراق
العنب كفنا لكم . لكنها غزه تدفع ثمن العزه و الكبرياء و الحريه .
أين الاصحاب ؟ شريف ، أحمد ، فؤاد و معين و حسن ، أين انتم ؟
انا في امس الحاجة اليكم ، اريد من اواسيه و يواسيني ، همومنا كبيره،
أشعر بالانطواء و الضيق . يمر شريط الذكريات بشكل دائري ، يعيد
انتاج نفسه ، تدور الاسماء و الوجوه في مخيلتي ، تتكرر الاشياء، و
يتوقف الزمن عند احداث غير قابلة للتلاشي .. أشعر في داخلي
برفض لتغيير الصور القديمه .. أرغب لاول مره ببقاء الاشياء كما
هي لا تعبث بها الايدي . لا اريد ان اعترف بان الواقع تغير !
و ان الوجوه الجميله ..البشوشه قد غادرت إلى غير رجعه .
أستغفر الله ، يجب استعادة رباطة الجأش ، قبل ان تتمرد مقلي،
فأكون أنا شخص آخر ، لم يعتاده الناس ضعيفا .. لكنها الحقيقه
اريد من يساعدني على البكاء ، اشعر بأني حبست الدموع عشرات
السنين . آن الاوان لها ان تنفلت و تعبر عن حقيقتها . آن للدموع
أن تقول كلمتها قبل أن اختنق .. اريد ان ابكي بصوت مسموع.
رفضت البكاء عندما قالوا ان خالي و عائلته استشهدوا.
ولم ابكي عندما شاهدت والدتي و قد هشّمت رأسها الشظايا.
كنت اود ان اظهر قويا امام شقيقتي و خالاتي .لم ابكي
عندما رأيت( دعاء) الطفله الرضيعه ابنة السنه و نيف و قد اخترقت
الرصاصه عنقها . رحلت و الابتسامة على شفتيها الصغيرتين.
ربما لانها لا تفهم معنى الموت .. أو انها كانت تبحث عمن يداعبها
و لم تدرك بأن دُعابة القاتل بالرصاص ، و أن القاتل عدو للحياة.
كم انا قاس ،قليلا من الدموع . حنجرتي بدت كطابة غولف،
أحشائي كأن بها زلزال سينفجر ، عيناي تغير لونهما للأحمر
القاني.ألم في رأسي لا يخمده إلا فنجان قهوه من يدي امي.
لكن امي لن تعود ، عندما ذهبنا بها إلى المقبره ادركت بأني
حُرمتُ من القهوه إلى الابد، و اليد التي تمسح على رأسي
ردمت في التراب، و نداء (امي) زالت نهائيا من القاموس .
شريف ايها الشقي .. قل نكته واحده ، أنت الذي لا تنفك تقول
اشياء تثير الضحك . كل شئ قبلته إلا أن تموت على يد الشقيق
عند ذاك المعبر الماكر . كيف سولت له نفسه ان يطلق عليك
النار ، و هو يعرف بأنك تساعد الجرحى على العبور الى الجانب
الآخر لتلقي العلاج ! كيف قبلت تلك اليد المشبوهه ان تشارك
العدو في الحصار و القتل .. سامحكم الله ، ليتكم تعلمون ماذا
تفعلون !! الحمدلله .. قال لي شاكر انهم سيفتحون المعبر لمدة
اربع و عشرون ساعه . كان فرحا ، لان الطبيب اخطره بوجوب
نقله بأقصى سرعه و إلا فستبتر قدمه الثانيه . المستشفيات
هنا لا تملك الالات و لا الادويه اللازمه لاجراء هذه العمليه الفوريه.
و سيكون فرحا لان والدته التي تعاني من الفشل الكلوي سوف
تغادر بعد ان تدهورت حالتها نتيجه لانقطاع الكهرباء ، و زحمة
المرضى ، و عدم وجود أسرّه .. ليت الرحمه تلامس قلوبكم
فتمدّدوا فتح المعبر ليومين آخرين ! لكن من اين تأتي الرحمه
ما دام قد انتزعها الله من قلوبكم ، فصرتم جزءا من المشكله.
يوم غزه طويل جدا في هذه الايام . يوم لا ينتهي . تمر ساعات خلف ساعات
! تزئر الطائرات و ترمي بأشياء كبيره . يرتفع الدخان
في السماء ، من لا يعرف غزه يعتقد انها مدينة الضباب .
مفرقعات جميله كأنها العاب العيد ، لكن اصوات سيارات الاسعاف،
تؤكد بأن الامر ليس فرحا . صراخ الاطفال الذين يلحقهم الطيارون
(الشجعان) في كل مكان ،يقنعنا بأن اليوم ليس عيدا ، بل لتصفية
الحساب ، بين القاتل و الضحيه ، بين المدجج و الاعزل، و للفائز هديه!
واحد يُشبع نهمه من الدم ، و آخر يؤكد انحيازه للكرامه.
كلاهما له هدف: واحد هدفه الموت ، و آخر يتمسك بالحياة.
صاحب الموت ترك قلبه و عقله في مكان ما .. في بلد ما ، و بدأ
يمارس ساديته المفضله مستغلا ما يملك من قوه .. و الآخر
يدافع عن مستقبل أطفاله ، بأظافره و صدره العاري و ما
ملك من ايمان ، و يأمل بالنصر .. هو يعتقد بأن اليوم الطويل
سينتهي لمصلحة الانسانيه التي يمثلها ، و يراهن على الزمن.
صراع غير متكافئ تنتصر في نهايته العين على المخرز!
لم ينته يوم غزه ، لا زلنا في النصف الاول منه . ساكمل قصة
ذاك اليوم قريبا .اترك غزه لاستجمع بقية ذكرياتي . ما اجمل غزه
قبل الحرب و في الحرب و بعد الحرب . سأعود اليك عند الفجر
بعد الاذان من مسجد الخلفاء.. عفوا من المكان الذي كان مسجدا.
حيث تكون السماء صافية ،و حرارة الشمس ملتهبه . ماذا يجري ؟ ربما
يهطل المطر في أي ساعه .. لا بأس ، لعل المطر يساعد على نمو النباتات
البريه التي تحولت إلى مصدر أساس من مصادر الغذاء، حتى يعوض الغزاويون
عن النقص الحاد بالمواد الغذائيه .و عدم توفر المال عند الاكثريه
لشراء ما توفر من الخضروات و اللحوم و الحبوب . حمدا لله .. رُبّ ضارة
نافعه.. لقد بدأت أرغب الخبيزه و الهندبه و اللوف .. يا الله ، لقد تغير بي
الكثير ، أكلات لم أكن اطيقها قبل الحصار ، عندما كانت تطبخها امي رحمها الله
كنت أذهب إلى دكان ابو العسل .. رحمه الله.. اشتري رغيفين من الفلافل مع الكبيس
و الفلفل و الطحينه.. أصبحت دكان ابو العسل كومة من الركام بعد أن حولتها
صواريخ الفانتوم الامريكيه إلى أطلال .. دفن العم ابو
العسل في مكان ما من الدكان . كلما مررت من جانب الدكان يخال لي أنه واقف
خلف المقلاة يقلب أقراص الفلافل تظهر ابتسامته العريضه من خلف شاربيه
الكثين . ينصت لآيات من القرآن الكريم من مذياعه المثبت على الحائط
الغربي، من إذاعة القرآن الكريم التي لا تتحرك ابرة الراديو القديم عنها .
ما أجمل صوت الشيخ البنا ، قال مرة ثم أردف : يجعلك في خشوع و إنصات.
ارتاحت امي الطيبه من نزقي و مزاجي، اليد الطيبه التي تطبخ اجود الاكل، كان
لا يعجبني . كم أنا مشتاق لالثم اليد الرقيقه ، بل القدم الطاهره ، لكن العبريون
القادمون من اصقاع الارض أبَو إلا أن يقتلعوا القلب الحنون بشظيه مدفع
الدبابه، و ان يحولوا الوجه السمح الباسم إلى قطع متناثره . آه لو تعودي
ساعة حتى ترتوي عيناي برؤياك .. ساعة اقبّلُ وجنتاك و انحني تحت قدميك.
تبدو غزه كأنها مدينة اخرى بعد الحرب الاخيره ، كأنها مدينة لا علاقة
لي بها، لم تكن مسقط رأسي ، لم ألعب في شوارعها الضيقه ، إنها غزه
التي حولها الفسفور الابيض و الموت و رائحة البارود إلى مدينة اخرى.
أو إلى مكان أتاه زلزال مدمر فحوّله إلى أنقاض .ظهرت غزه متشحه بالسواد
و قد أرهقها الحصار و دفن القتلى ، و آلاف الجرحى الذين لا مكان يتسع لهم.
هل هذه غزتي ؟ أم أنني في منام؟ أو أن شيئا سحريا حملني إلى مكان غير
مألوف . أين الملاعب ، و المدارس أين الساحات المكتظه بالناس ؟ أين
الاطفال الحالمون بغد جميل؟أيها الاوغاد لقد اقتلعتم طفولتي ، و سرقتم
أحلامي ، كنت اصرخ ، أو اعتقدت بأنني اصرخ بأعلى صوتي .. أيها المجرمون
أين ذهبتم في غزه، غزه هاشم ، غزه الامام الشافعي ، غزه الشيخ القعيد !!
كل شئ تغير هنا، وجوه الناس ، صياح الديكه ، و منزل خالي ابو مروان .
خالي ! ليتني لا اذكرك ، ذكراك يولد الاسى في نفسي . خالي الممتلئ رجوله
و عنفوان ، كم تعلمت منه دروسا في الصبر و التسامح و خدمة الآخرين.
يا للحنين ، أشعر في هذه الساعات بأني في أكثر الاوقات ضعفا .. ربما
هي الطبيعه الانسانيه التي تحتاج للضعف في زمن القوه ، و للقوة في زمن
الضعف .. ربما لان الاشياء يجب ان تتوازى ، و ان تبقى متشابكه، و حتى
لا يطغى امر على آخر.. كم ارغب بالجلوس على كرسي الخشب القديم
تحت عريشة العنب، حيث تتدلى القطوف الحمراء و الخضراء و السوداء
كأنها لوحة ابتدعتها ريشة فنان محترف .. هي في الحقيقه نتاج اليد
الخضراء الطيبه ـ التي ورثت الزراعه ابا عن جد من آلاف السنين،
منذ قدم اجدادنا الكنعانيون من جزيرة العرب فعمروا هذه الارض البكر
الجدباء التي لم تصل اليها قدم انسان قبلهم ، و جعلوها في الشكل الجمالي
الرائع. رحمك الله يا خال أنت و آل بيتك ، لقد حكمت الطائرات التي
تقذف حممها عليكم بالموت . فكان المنزل المتواضع البسيط قبر جماعي ، و اوراق
العنب كفنا لكم . لكنها غزه تدفع ثمن العزه و الكبرياء و الحريه .
أين الاصحاب ؟ شريف ، أحمد ، فؤاد و معين و حسن ، أين انتم ؟
انا في امس الحاجة اليكم ، اريد من اواسيه و يواسيني ، همومنا كبيره،
أشعر بالانطواء و الضيق . يمر شريط الذكريات بشكل دائري ، يعيد
انتاج نفسه ، تدور الاسماء و الوجوه في مخيلتي ، تتكرر الاشياء، و
يتوقف الزمن عند احداث غير قابلة للتلاشي .. أشعر في داخلي
برفض لتغيير الصور القديمه .. أرغب لاول مره ببقاء الاشياء كما
هي لا تعبث بها الايدي . لا اريد ان اعترف بان الواقع تغير !
و ان الوجوه الجميله ..البشوشه قد غادرت إلى غير رجعه .
أستغفر الله ، يجب استعادة رباطة الجأش ، قبل ان تتمرد مقلي،
فأكون أنا شخص آخر ، لم يعتاده الناس ضعيفا .. لكنها الحقيقه
اريد من يساعدني على البكاء ، اشعر بأني حبست الدموع عشرات
السنين . آن الاوان لها ان تنفلت و تعبر عن حقيقتها . آن للدموع
أن تقول كلمتها قبل أن اختنق .. اريد ان ابكي بصوت مسموع.
رفضت البكاء عندما قالوا ان خالي و عائلته استشهدوا.
ولم ابكي عندما شاهدت والدتي و قد هشّمت رأسها الشظايا.
كنت اود ان اظهر قويا امام شقيقتي و خالاتي .لم ابكي
عندما رأيت( دعاء) الطفله الرضيعه ابنة السنه و نيف و قد اخترقت
الرصاصه عنقها . رحلت و الابتسامة على شفتيها الصغيرتين.
ربما لانها لا تفهم معنى الموت .. أو انها كانت تبحث عمن يداعبها
و لم تدرك بأن دُعابة القاتل بالرصاص ، و أن القاتل عدو للحياة.
كم انا قاس ،قليلا من الدموع . حنجرتي بدت كطابة غولف،
أحشائي كأن بها زلزال سينفجر ، عيناي تغير لونهما للأحمر
القاني.ألم في رأسي لا يخمده إلا فنجان قهوه من يدي امي.
لكن امي لن تعود ، عندما ذهبنا بها إلى المقبره ادركت بأني
حُرمتُ من القهوه إلى الابد، و اليد التي تمسح على رأسي
ردمت في التراب، و نداء (امي) زالت نهائيا من القاموس .
شريف ايها الشقي .. قل نكته واحده ، أنت الذي لا تنفك تقول
اشياء تثير الضحك . كل شئ قبلته إلا أن تموت على يد الشقيق
عند ذاك المعبر الماكر . كيف سولت له نفسه ان يطلق عليك
النار ، و هو يعرف بأنك تساعد الجرحى على العبور الى الجانب
الآخر لتلقي العلاج ! كيف قبلت تلك اليد المشبوهه ان تشارك
العدو في الحصار و القتل .. سامحكم الله ، ليتكم تعلمون ماذا
تفعلون !! الحمدلله .. قال لي شاكر انهم سيفتحون المعبر لمدة
اربع و عشرون ساعه . كان فرحا ، لان الطبيب اخطره بوجوب
نقله بأقصى سرعه و إلا فستبتر قدمه الثانيه . المستشفيات
هنا لا تملك الالات و لا الادويه اللازمه لاجراء هذه العمليه الفوريه.
و سيكون فرحا لان والدته التي تعاني من الفشل الكلوي سوف
تغادر بعد ان تدهورت حالتها نتيجه لانقطاع الكهرباء ، و زحمة
المرضى ، و عدم وجود أسرّه .. ليت الرحمه تلامس قلوبكم
فتمدّدوا فتح المعبر ليومين آخرين ! لكن من اين تأتي الرحمه
ما دام قد انتزعها الله من قلوبكم ، فصرتم جزءا من المشكله.
يوم غزه طويل جدا في هذه الايام . يوم لا ينتهي . تمر ساعات خلف ساعات
! تزئر الطائرات و ترمي بأشياء كبيره . يرتفع الدخان
في السماء ، من لا يعرف غزه يعتقد انها مدينة الضباب .
مفرقعات جميله كأنها العاب العيد ، لكن اصوات سيارات الاسعاف،
تؤكد بأن الامر ليس فرحا . صراخ الاطفال الذين يلحقهم الطيارون
(الشجعان) في كل مكان ،يقنعنا بأن اليوم ليس عيدا ، بل لتصفية
الحساب ، بين القاتل و الضحيه ، بين المدجج و الاعزل، و للفائز هديه!
واحد يُشبع نهمه من الدم ، و آخر يؤكد انحيازه للكرامه.
كلاهما له هدف: واحد هدفه الموت ، و آخر يتمسك بالحياة.
صاحب الموت ترك قلبه و عقله في مكان ما .. في بلد ما ، و بدأ
يمارس ساديته المفضله مستغلا ما يملك من قوه .. و الآخر
يدافع عن مستقبل أطفاله ، بأظافره و صدره العاري و ما
ملك من ايمان ، و يأمل بالنصر .. هو يعتقد بأن اليوم الطويل
سينتهي لمصلحة الانسانيه التي يمثلها ، و يراهن على الزمن.
صراع غير متكافئ تنتصر في نهايته العين على المخرز!
لم ينته يوم غزه ، لا زلنا في النصف الاول منه . ساكمل قصة
ذاك اليوم قريبا .اترك غزه لاستجمع بقية ذكرياتي . ما اجمل غزه
قبل الحرب و في الحرب و بعد الحرب . سأعود اليك عند الفجر
بعد الاذان من مسجد الخلفاء.. عفوا من المكان الذي كان مسجدا.
ماهر الصديق