العقيد محمد شعباني
قصة الولاية السادسة وإعدام العقيد محمد شعباني
الولاية المغيبة: المؤامرات ·· الدسائس والاتهامات
قصة الولاية السادسة وإعدام العقيد محمد شعباني
الولاية المغيبة: المؤامرات ·· الدسائس والاتهامات
إسمه الحقيقي الطاهر شعباني من مواليد 04 سبتمبر 1934 بأوماش بسكرة تعلم في مسقط رأسه في زاوية البلدة التي كان والده يدير شؤونها انتقل إلى مدينة بسكرة لمواصلة تعليمه ثم انتقل سنة 1950 إلى قسنطينة وانضم إلى معهد عبد الحميد بن باديس وبالمعهد تعرف على كثير من المناضلين من خلال علاقاته مع الطلبة ومطالعته جرائد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أين أدرك ضرورة العمل المسلح.
مع إندلاع الثورة كان من الأوائل الذين دشنوا العمليات الأولى، وأصبح كاتب مساعد لسي الحواس في منطقة الصحراء، ترقي إلى رتبة ملازم، وفي أفريل 1958 أصبح ضابط أول سياسي، وسنة 1959 عين على رأس المنطقة الثالثة من الولاية السادسة. بعد إستشهاد العقيد سي الحواس خلفه على رأس الولاية السادسة. وكان له دور في توسيع العمليات العسكرية في الجنوب الكبير خاصة بعد إكتشاف البترول وسعي فرنسا إلى سياسة فصل الصحراء.توفي العقيد شعباني بعد أن حوكم ونفذ فيه حكم الإعدام يوم 03 سبتمبر 1964.
أرسل السيد عبد الرحمان شعباني شقيق العقيد محمد شعباني إلى أسبوعية وطنية مقالا مطولا وهو عبارة شبه دراسة جمع فيها ما بين الشهادة الذاتية والبحث التاريخي حول موضوعين مترابطين ومتلازمين هما الولاية السادسة ودورها في الثورة وترأس العقيد محمد شعباني لها وكيف سارت الأمور بعد الاستقلال وكيف تطورت إلى أن وصلت إلى تلك النهاية المفجعة، وهذا ملخص ما أرسل به السيد عبد الرحمان..
نظرا للتصريحات التي يدلي بها العقيد أحمد بن شريف هنا وهناك فيما يخص قضية العقيد المرحوم محمد شعباني والولاية السادسة التاريخية، يطيب لي -بصفتي شقيق المرحوم العقيد شعباني- أن أورد بعض الملاحظات، مع تقديم بعض التوضيحات، وتصحيح بعض المغالطات، وفي ذات الوقت عرض المسار الثوري لهذا الرجل(أحمد بن شريف)، ومعرفة مدى أهليته لتفسير بعض الوقائع أو إدانة بعض الأشخاص ·
الولاية السادسة : '' ضرورة استراتيجية ''
أول ما يمكن تسجيله هو استخفاف العقيد بن شريف بأهمية الولاية السادسة، وعدم تقدير لدورها الإستراتيجي، مما جعله تعتبروها قد حلّت، فضلا عن تطوّعه باتهام قادة هذه الولاية بالسيطرة على القيادة وبالانتهازية وغير ذلك من الاتهامات لرموز هذه الثورة، الذين تخرجوا من أكاديميات الجبال ·
في البداية يجدر التأكيد أن الولاية السادسة لم تُحل أبدا، ولكنها كانت عرضة للمؤامرات والدسائس وللاتهامات كما هو معلوم·· وبالطبع كان العدو الاستعماري أبرز المناوئين لهذه الولاية، فقد قضي على قيادتها يوم 29 مارس 1959 أثناء معركة (جبل ثامر) الذي يقع على مسافة تقدر بحوالي 30 كلم شرق بوسعادة (1) وهو المكان الذي أضحى شبه مقدس لأنه شهد مقتل اثنين من أشهر وأنبل أبناء الجزائر المقاتلة، كما شهد إلقاء القبض على الرائد إدريس عمر الذي ألقى عليه العدو القبض جريحا، وحوّل إلى ثكنة الجلفة وأعدم فيها دون محاكمة، وكما تعلم، العقيد ابن شريف، فإن الجيش الفرنسي لا يقبل المساجين من >الفلاقة<، وربما لعبت >الأقدار العقيد الحميدة< دورها في تجنيب العقيد هذا المصير أو ربما هذا الشرف كما سنبين للقارىء فيما بعد ·
وبالرغم من نجاح العدو في القضاء على مجلس الولاية السادسة في ,1959 لكن ذلك لم يمنع الثورة من أن تستمر في هذه الربوع، بل كان دافعا لإعادة تنظيم الصفوف من جديد وهو ما تحقق بفضل رؤساء المناطق الذين كانوا على قدر كبير من الوعي والمسؤولية، وعلى دراية تامة بأن للضرورة أحكام، ولذلك قرروا في اجتماع جوان 1959 سد الفراغ الناجم عن استشهاد أعضاء مجلس الولاية السادسة، فعينوا مجلس ولائي جديد ومؤقت، يتكون من شعباني محمد رئيسا لمجلس الولاية، وكل من روينة محمد، الشريف خير الدين، عمر صخري وسليمان سليماني نوابا له مكلفون بمهمة محددة ·
وهكذا، اختار رؤساء المناطق شعباني محمد، لا لشيء سوى لكونه رجل الظروف الصعبة· وإن المؤرخين المنصفين يقدرون حقيقة هؤلاء المجاهدين الذين كانوا وراء هذا الخيار، فهم فقط من يحسن تقدير مثل هذه الظروف، ويحرص على تجنيب الثورة الفراغ الذي قد تنجر عنه الفوضى، أما هؤلاء الذي كانوا بعيدون عن ساحة الوغى، فلا يمكنهم فهم أو تقدير ذلك ·
والأجدر بهم أي البعيدون عن ساحة المعركة أن لا يكيلوا التهم دون دليل، فشعباني لم ينتهز هذه الفرصة مثلما قال العقيد، لتقلد منصب قيادة الولاية، فهذا المنصب القيادي كان ثمرة مسار ثوري، ولم يكن أبدا نتيجة لعمل انتهازي، لأن الثورة عمل ديناميكي.
مع إندلاع الثورة كان من الأوائل الذين دشنوا العمليات الأولى، وأصبح كاتب مساعد لسي الحواس في منطقة الصحراء، ترقي إلى رتبة ملازم، وفي أفريل 1958 أصبح ضابط أول سياسي، وسنة 1959 عين على رأس المنطقة الثالثة من الولاية السادسة. بعد إستشهاد العقيد سي الحواس خلفه على رأس الولاية السادسة. وكان له دور في توسيع العمليات العسكرية في الجنوب الكبير خاصة بعد إكتشاف البترول وسعي فرنسا إلى سياسة فصل الصحراء.توفي العقيد شعباني بعد أن حوكم ونفذ فيه حكم الإعدام يوم 03 سبتمبر 1964.
أرسل السيد عبد الرحمان شعباني شقيق العقيد محمد شعباني إلى أسبوعية وطنية مقالا مطولا وهو عبارة شبه دراسة جمع فيها ما بين الشهادة الذاتية والبحث التاريخي حول موضوعين مترابطين ومتلازمين هما الولاية السادسة ودورها في الثورة وترأس العقيد محمد شعباني لها وكيف سارت الأمور بعد الاستقلال وكيف تطورت إلى أن وصلت إلى تلك النهاية المفجعة، وهذا ملخص ما أرسل به السيد عبد الرحمان..
نظرا للتصريحات التي يدلي بها العقيد أحمد بن شريف هنا وهناك فيما يخص قضية العقيد المرحوم محمد شعباني والولاية السادسة التاريخية، يطيب لي -بصفتي شقيق المرحوم العقيد شعباني- أن أورد بعض الملاحظات، مع تقديم بعض التوضيحات، وتصحيح بعض المغالطات، وفي ذات الوقت عرض المسار الثوري لهذا الرجل(أحمد بن شريف)، ومعرفة مدى أهليته لتفسير بعض الوقائع أو إدانة بعض الأشخاص ·
الولاية السادسة : '' ضرورة استراتيجية ''
أول ما يمكن تسجيله هو استخفاف العقيد بن شريف بأهمية الولاية السادسة، وعدم تقدير لدورها الإستراتيجي، مما جعله تعتبروها قد حلّت، فضلا عن تطوّعه باتهام قادة هذه الولاية بالسيطرة على القيادة وبالانتهازية وغير ذلك من الاتهامات لرموز هذه الثورة، الذين تخرجوا من أكاديميات الجبال ·
في البداية يجدر التأكيد أن الولاية السادسة لم تُحل أبدا، ولكنها كانت عرضة للمؤامرات والدسائس وللاتهامات كما هو معلوم·· وبالطبع كان العدو الاستعماري أبرز المناوئين لهذه الولاية، فقد قضي على قيادتها يوم 29 مارس 1959 أثناء معركة (جبل ثامر) الذي يقع على مسافة تقدر بحوالي 30 كلم شرق بوسعادة (1) وهو المكان الذي أضحى شبه مقدس لأنه شهد مقتل اثنين من أشهر وأنبل أبناء الجزائر المقاتلة، كما شهد إلقاء القبض على الرائد إدريس عمر الذي ألقى عليه العدو القبض جريحا، وحوّل إلى ثكنة الجلفة وأعدم فيها دون محاكمة، وكما تعلم، العقيد ابن شريف، فإن الجيش الفرنسي لا يقبل المساجين من >الفلاقة<، وربما لعبت >الأقدار العقيد الحميدة< دورها في تجنيب العقيد هذا المصير أو ربما هذا الشرف كما سنبين للقارىء فيما بعد ·
وبالرغم من نجاح العدو في القضاء على مجلس الولاية السادسة في ,1959 لكن ذلك لم يمنع الثورة من أن تستمر في هذه الربوع، بل كان دافعا لإعادة تنظيم الصفوف من جديد وهو ما تحقق بفضل رؤساء المناطق الذين كانوا على قدر كبير من الوعي والمسؤولية، وعلى دراية تامة بأن للضرورة أحكام، ولذلك قرروا في اجتماع جوان 1959 سد الفراغ الناجم عن استشهاد أعضاء مجلس الولاية السادسة، فعينوا مجلس ولائي جديد ومؤقت، يتكون من شعباني محمد رئيسا لمجلس الولاية، وكل من روينة محمد، الشريف خير الدين، عمر صخري وسليمان سليماني نوابا له مكلفون بمهمة محددة ·
وهكذا، اختار رؤساء المناطق شعباني محمد، لا لشيء سوى لكونه رجل الظروف الصعبة· وإن المؤرخين المنصفين يقدرون حقيقة هؤلاء المجاهدين الذين كانوا وراء هذا الخيار، فهم فقط من يحسن تقدير مثل هذه الظروف، ويحرص على تجنيب الثورة الفراغ الذي قد تنجر عنه الفوضى، أما هؤلاء الذي كانوا بعيدون عن ساحة الوغى، فلا يمكنهم فهم أو تقدير ذلك ·
والأجدر بهم أي البعيدون عن ساحة المعركة أن لا يكيلوا التهم دون دليل، فشعباني لم ينتهز هذه الفرصة مثلما قال العقيد، لتقلد منصب قيادة الولاية، فهذا المنصب القيادي كان ثمرة مسار ثوري، ولم يكن أبدا نتيجة لعمل انتهازي، لأن الثورة عمل ديناميكي.
وللعلم فإن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وافقت على اختيار قادة المناطق، وعينت أعضاء هذا المجلس بناء على اقتراح من وزير الدفاع المرحوم كريم بلقاسم (أحد الرموز الخالدة للجزائر المقاتلة) وذلك وفق المادة 22 من قوانين المؤسسات المؤقتة للدولة الجزائرية، التي تخول للحكومة المؤقتة تعيين الضباط السامين وأعضاء قيادة الأركان ورؤساء البعثات الخارجية، كما تعين المرشحين لمناصب المسؤولية ·
وهذا يتناقض أيضا مع تصريحات العقيد التي تذهب فيها إلى أن العقيد بومدين هو الذي عين العقيد شعباني، فالتعيين كان بموجب المادة الأنفة الذكر، وليس من قبل شخص أنهى مهامه المرحوم بن خدة بصفته رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، كما أنهى مهام أعضاء قيادة الأركان (EMG) وعلى رأسها بومدين، والوثائق موجودة على مستوى الأرشيف الوطني ·
أما فيما يخص منطقة الجنوب الكبير، والتي كانت، أحد رهانات الاستقلال، فنظرا لأهميتها أرسلت قيادة الولاية الخامسة، التي كانت قد استقرت بالمغرب (وجدة)، وبالاتفاق مع قيادة الأركان والحكومة المؤقتة، مجموعة من الضباط لتنظيم المقاومة فيها، وفك الخناق عن الولاية السادسة، التي عانت من أهوال بلونيس واللفيف الأجـــنبي، خاصة من تلك المجموعة المسماة سرب كلاب الأب الأسـود
Meute de Papa Noizèa، التي حاربت الشلوح بالمغرب، وكانت هذه الفرقة تتكون من الضباط التالية أسماؤهم:
1 - عبد العزيز بوتفليقة: قائدا سياسيا وعسكريا
2 - عبد الله بلهوشات: مساعدا عسكريا
3 - دراية أحمد: مساعدا مكلفا بالاتصالات
4 - عيساني: مساعدا مكلفا بالتمويل
5 - مساعدية: مساعدا ومحافظا سياسيا
6 - موفق بودية نور الدين: مساعدا مكلفا بمراكز التدريب
ولمزيد من التفاصيل وما دام العقيد يملك الخط الهاتفي المباشر لعبدقة (Abdeka) كما ناداه مؤخرا، فهذا الأخير يمكن أن ينير المؤرخين عن هذه الصفحة من تاريخ الجزائر، لأنه كان أحد الفاعلين في هذه الحقبة، حين كان العقيد في السجن ·
'' رهـان الصحـراء ''
ويجرنا الحديث عن الولاية السادسة لتوضيح أهمية قضية الصحراء في حد ذاتها، وتبيان خطورة إخماد المقاومة فيها، لأن ذلك كان من أهم أغراض الاستعمار ليتسنى له الاستحواذ عليها، والمتفحص للمرجع الخاص بفصل الصحراء سوف تكتشف بأن تصريح ديغول ليوم 16/12/1959 الذي اقترح فيه على جبهة التحرير الوطني إجراء استفتاء بعد وقف دائم لإطلاق النار من أجل تقرير المصير، يستثني فيه أقاليم الصحراء، التي ستحتفظ بها فرنسا إذا ما اختار الجزائريون الاستقلال ·
كما أن الحكومة الفرنسية عبّرت عن هذه النوايا، وكشفت عن أهدافها من وراء ذلك، في جريدة البرلمان الفرنسي التي جاء فيها: >إن الصحراء هي الضامن لإستقلالنا الطاقوي· فهذه الأرض غنية بالغاز الطبيعي والبترول وهي كفيلة بضمان الاستقلال الطاقوي للأمم الغربية لقارتنا، وإذا مـــا تخلّت فرنسا عن الصحراء لصالح جبهة التحرير، فهذا يساوي الحكم بالإعدام على فرنسا مثلما خلصت إليه هذه الجريدة وهذا ما يفسر، لماذا جرت العديد من المحاولات لعزل الولاية السادسة من أجل منحها صفة الشريك الممتاز، كما تؤكد وثيقة فصل هذا الإقليم الكبير عن باقي الجزائر، ولكن مجلس الولاية السادسة الذي كان يرأسه محمد شعباني تفطن لهذا المخطط الخبيث، وندد بكافة محاولات الحكومة الفرنسية، بما في ذلك تلك التي كانت تهدف إلى جعل بني ميزاب شبه تجمع صغير مستقل ذاتيا على رأسه الشيخ بيوض، أي أنها كانت أيضا تسعى لإيجاد طائفة ذات امتيازات!
وإمعانا في هذا المخطط الاستعماري قررت فرنسا إنشاء وزارة صحراوية تحت إمّرة ماكس لو جين Max le Jeune، بميزانية خاصة، وذات شخصية معنوية، وغير تابعة للحاكم العام ·
وهذا ما بينه الجنرال ديغول من قوله: يجب القول بأن استغلال البترول يجب أن يكون خاضعا لصلاحيات فرنسا، وأن مصالح الغرب مرتبطة بقوة باستغلال البترول، ولذلك يجب أن نبعدها عن أي تنازل سياسي، حتى ولو تحملنا من أجل ذلك أكبر عدد من الصعوبات فهذا التصريح يكشف عن أهمية هذا الرهان، وعليه، فإن المنطق يقتضي من القيادة السياسية لجبهة التحرير تدعيم المقاومة في الجنوب، وهذا ما تم فيما بين 1959 و.1961 ولذلك طرح كل من جبهة التحرير وجيش التحرير مشروع الولاية السابعة بهدف إفشال المخطط الفرنسي الرامي إلى إنشاء دولة صحراوية تشمل كافة البلدان الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي مثل المالي.
ومن هنا، يعتبر حل الولاية السادسة، كما أشار العقيد، يصبّ في مصلحة الاستعمار، وهو ما لا يمكن أن توافق عليه الثورة، ولو من باب المقتضيات التكتيكية للمرحلة ·
'' المســار المشبوه ''
إذا كان لا بد من ذكر المسار الثوري، فلا بد أن نذكّر القارىء أولا بانتماء العقيد للعائلة التي تعرف بعائلة جواد، وهي التي أمدت فرنسا، على الدوام، برجال ارتدوا بدلاتها العسكرية، ويعتبر والد العقيد مثالا صارخا لهؤلاء الذين قدّموا خدمات جليلة لفرنسا ·
النقطة الثانية التي يجب التأكيد عليها، ليعلم القارىء مدى أهلية العقيد لإصدار الأحكام على رجالات الثورة الجزائرية، هو محدودية مساره الجهادي في الزمان (12 شهرا) وفي المكان (تنس، مليانة بالولاية الرابعة) وهو مسار كما يخوله لمعرفة ما جرى فعلا بالولاية السادسة، حتى يؤكد خبر حلّها.
نحن نعلم أنّ العقيد قد خدم تحت راية الاحتلال بصفته عسكري متطوع في الجيش الفرنسي منذ سنة 1948 وأنه تحصل على الجنسية الفرنسية، وحارب إلى جانبها ضد الفيتنام فيما بين 1949 ـ ,1952 وعاد بعد ذلك إلى الجزائر برتبة رقيب (سرجان )·
وبعد فترة تكوين بمدرسة الضباط بسان مكسنت Saint Maixent بفرنسا رقي إلى رتبة ملازم، وفي عام 1957 عين قائدا لمركز أولاد مريم بسور الغزلان، ثم التحقتم بالثورة، والله وحده يعلم هل كان الغيض هو الدافع لإقدامه على ذلك أم كان إستراتيجية ما؟!.
غداة فراره من الجيش الفرنسي أسند له جيش التحرير منطقة تنس ـ مليانة بالولاية الرابعة مثلما يروي لنا التاريخ، وبعد إثنى عشرة شهرا التحق بجيش الحدود (1958) ليعود إلى ذات الولاية خلال صائفة 1960 لإنجاز مهمة بعينها (اعتبرها شخصيا غير مشرفة) غير أن توقيفه في 23 أكتوبر1960 برفقة المجاهد فلاح قد وضع حدا لمساره كـ: متآمر في أوساط جيش التحرير الوطني.
ومن الصعب على المتتبع أن يفهم لماذا اغتيل الشهيد والبطل فلاح، رميا بالرصاص من مسافة قريبة، وقبل ذلك بسنة (1959) حظي الرائد الشهيد عمر ادريس بنفس الشرف الذي ناله البطل المحظوظ فلاح، أما العقيد فقد محاكمة من محاكمة أبقته على قيد الحياة داخل السجن إلى غاية الاستقلال؟!
ولم يصبح خافيا على أحد أن المسافة الزمنية بين المحاكمة بالمدية والسجن في فرنسا لم تكن من دون مهام، فقد تم تحويله مباشرة إلى فرنسا بقرار من وزير العدل إدموند ميشليه Edmond Michelet بطلب من الإليزيه.
والسؤال الذي يتبادر للذهن هو هل يمكن أن يكون انتماء العقيد لعائلة مقربة من فرنسا منذ عقود من الزمن مبررا كافيا لمثل هذا الإجراء رحيم؟. أم أن الأمر يخفي أشياء أخرى؟. فبعد يوم من إلقاء القبض عليه دق (24 أكتوبر) ناقوس الخطر من خلال توجيهكم للبرقية التالية إلى رئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس تقولون فيها: إن جيش التحرير أصبح معزولا، ومحروما من التموين والعتاد، وأن الشعب يطالب بإلحاح بالسلم؟!
كما أنتقد العقيد زيارته (بن خدة) الأخيرة إلى بيكين وموسكو بقوله: نحن نقف بكل قوة ضد الغزو الشيوعي··· قف·· وأطلب منكم للمرة الأخيرة وباسم جيش التحرير الوطني والشعب أن تستأ نفوا فورا المفاوضات مع الحكومة الفرنسية من أجل إيجاد حل سريع للمأساة الجزائرية··· قف·· وبوصفها ولاية نموذجية، فإن الولاية الرابعة ستتكفل بتأسيس هيئة عليا داخل التراب الوطني تتولى المفاوضات مع الجنرال ديغول حول مستقبل الجزائر···قف·· وأكرر للمرة الثانية أن ضميري هو الذي دفعني لتبني هذه اللهجة، وأخشى أنكم تجهلون تماما ما يجري داخل الجزائر؛ فعليكم إذن باتخاذ القرار قبل فوات الأوان، وفي حالة العكس فأنني لن أتحمل أية مسؤولية عما قد ينجر عن ذلك.
فهذا الاقتراح الصادر عن أحد المقربين من بومدين يذكرنا بمحاولة سي صالح (العقيد زعموم) التي سبقت هذا التصريح بأربعة شهور، ورفضتها حينها قيادة جبهة التحرير.
و لن نجد مثل الرائد بورقعة الثوري الأصيل بالولاية الرابعة ومساعد قائد الولاية منْ يفسر لنا مثل هذه التصريحات، وذلك من خلال تقديمه تعريفا دقيقا عن شخص العقيد، فهو يرسم في كتابه شاهد على اغتيال ثورة في الصفحة 126 صورة مثيرة لشخصيته كمبعوث لقيادة الأركان العامة إلى الولاية الرابعة في شهر جوان 1962 رفقة قايد أحمد فيقول: >القدر الذي كان فيه قايد أحمد صريحا وشجاعا ويعرف ماذا يريد، بالقدر نفسه كان ابن الشريف ماكرا وكذابا ومخادعا ومتاجرا، فضلا عن صفة الحماقة الممزوجة بانعدام الشجاعة لديه ········ فقدا كان الفار الوحيد من الجيش الفرنسي (AF) الذي تقلد منصب عضو المجلس الوطني للثورة الجزائرية ·(NRA)
ولإلقاء الضوء على شخصية العقيد مرة أخرى يمكن الرجوع إلى كتاب الجنرال موريس فافر Faivre مكيْفح المعنون الأرشيف غير المنشور للسياسة الجزائرية 1962/1958.
Les archives inédites de
la politique algérienne
فهو يقدّم لنا خريطة تفصيلية تتضمن أدق المعلومات عن المسار الذي سلكه أثناء عبوره من تونس إلى الولاية الرابعة ضمن وثيقة مصنفة سري للغاية إلى غاية 27 / 08 / 1999.
تحتل مدينة بسكرة موقعا هاما عند العارفين بالشؤون العسكرية و التنظيمات الحربية فهي زيادة على موقعها الإستراتيجي و الطبيعي كواحة تحيط بها سلاسل الأطلس الصحراوي من الشرق والشمال والغرب مشكلة هلالا فاسحا المجال للعمق الصحراوي في الجنوب والجنوب الشرقي، وتعد إحدى الولايات الشمالية للصحراء الجزائرية ومن المدن القديمة و العريقة في الجزائر، لعب سكانها ردحا طويلا من الزمن، في التواصل الحضاري و التاريخي حيث كانت حلقة وصل واتصال بين إفريقيا والوطن العربي وأوروبا و دونت أسفار كتب التاريخ ما تزخر به من علماء وحكماء وعظماء و حاملين لرسالة السماء، وقادة في ساحة الوغي ولم يتأخر سكانها في أي موعد حاسم للشعب الجزائري ويشهد التاريخ الحديث و المعاصر الملاحم البطولية التي خاضها سكان الزعاطشة والعامري و خنقة سيدي ناجي وما قدموه من تضحيات لنصرة إخوانهم و جيرانهم في الأوراس والمسيلة، الأغواط و ورقلة و توقرت والوادي مما اضطر السلطات الفرنسية الغازية إبقائها تحت الحكم العسكري حتى إسترجاع السيادة الوطنية كما كان لها دورا بارزا و مميزا في النهضة الفكرية و النضال السياسي والثورة التحريرية.
ماهو موقعها الجيو استرتيجي في الحرب؟ وما هي عدته و عتاده ؟ و كيف عالجت السلطة المدنية و العسكرية هذا الموقف ؟
يظهر من خلال مجريات الأحداث و تسارعها أن محمد شعباني باغتته السلطة ولم تعطيه فرصة للتدبير و التخطيط ولم تكن له نية في الدخول في حرب مع السلطة التي ساهم في بنائها معتبرا ذلك مجرد إختلاف في وجهات النظر و سحابة صيف عابرة سرعان ما تزول وهذا إستنادا على أقوال طاقمه و المقربين إليه و خلو الساحة من أي تعبئة و إستعداد عسكري، أو نشر للقوات فالمتأمل لموقع بسكرة الطبيعي يكشف أنه ليس من السهل إقتحامها بحكم التحصينات الطبيعية و ذلك للأسباب التالية:
1- أن هو وجيشه من أبناء المنطقة و يعرفونها بالحجرة و الشجرة و الشعبة لأنهم عاشوا فيها مدة الثورة.
2-ما الذي منعه من وضع حاميات و سواتر دفاعية أمامية على الثغور في القنطرة وسبع مقاطع في بيطام وعلى بوكحيل و الشعيبة و خنقة سيدي ناجي و أمشونش وكلها أماكن إستراتيجية للدفاع.
3- لديه من العتاد و الذخيرة ما يكفيه لمدة من المقاومة.
4- بعيدة عن البحر ولم يبق إلا سلاح الطيران الذي يعرف قدرته ولديهم خبرة في مواجهته من الثورة التحريرية. وهذه المستلزمات لم تحصل وما جرى هو أن السلطة دخلت معه في مفاوضات مراطونية عقيمة لخداعه و إستكمال خططها و جمع قواتها وفي نفس الوقت بدأت وسائل الإعلام المختلفة لتحضير الجو وتأليب الشعب عليه، انتهت بإلقاء القبض على رفقائه الطاهر لعجال، محمد الشريف خير الدين محمد جغابة، السعيد عبادو، خبزي محمد، محمد شنوفي وغيرهم من المقربين إليه كرهائن ليسلم نفسه للسلطة، الأمر الذي اغتاظ له وانزعج منه كثيرا باعتبار أن هؤلاء مدنيون و إطارات منتخبة في الحزب و الدولة.
تصلبت كل الأطراف في مواقفها، وغابت الحكمة و التعقل و البحث على محاور التفاهم وساد حوار الطرش ووصفت وسائل الإعلام الرسمية العقيد وقيادة الناحية، بن قانة وانفراده في الصحراء و غيرها من الأوصاف و النعوت و التهم و تجريده من كل مناصبه في الحزب والدولة وإعلان التعبئة العامة كل قواة الأمن لمحاصرة حركة التمرد وإلقاء القبض على شعباني.
تحكم شعباني في نفسه و ضبط أعصابه في هذه الزوبعة ولم يكن راضيا على تجاوزات و تصرفات بعض قادته في الأزمة واجتمع بضابط الجيش و الدرك و الأمن و أعطى تعليماته بمراقبة الأوضاع الداخلية وقصد مقر البلدية الذي كان يغص بالمواطنين والمناضلين لشرح الأوضاع و أسباب الخلاف و إذ بخبر يأتيه بوصول قوات السلطة على مشارف المدينة وفضل الخروج و الانسحاب من المدنية كيلا يعرضها للخراب و الدمار مثل ما حصل في منطقة تيزي وزو في حركة تمرد " لافافاس ".
والحمد لله أن السلطة تمكنت في خلال أسبوع من إنهاء الحركة وإلقاء القبض على محمد شعباني ومرافيقه الحسين ساسي والعريف الجيلالي " سليم.
وهذا يتناقض أيضا مع تصريحات العقيد التي تذهب فيها إلى أن العقيد بومدين هو الذي عين العقيد شعباني، فالتعيين كان بموجب المادة الأنفة الذكر، وليس من قبل شخص أنهى مهامه المرحوم بن خدة بصفته رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، كما أنهى مهام أعضاء قيادة الأركان (EMG) وعلى رأسها بومدين، والوثائق موجودة على مستوى الأرشيف الوطني ·
أما فيما يخص منطقة الجنوب الكبير، والتي كانت، أحد رهانات الاستقلال، فنظرا لأهميتها أرسلت قيادة الولاية الخامسة، التي كانت قد استقرت بالمغرب (وجدة)، وبالاتفاق مع قيادة الأركان والحكومة المؤقتة، مجموعة من الضباط لتنظيم المقاومة فيها، وفك الخناق عن الولاية السادسة، التي عانت من أهوال بلونيس واللفيف الأجـــنبي، خاصة من تلك المجموعة المسماة سرب كلاب الأب الأسـود
Meute de Papa Noizèa، التي حاربت الشلوح بالمغرب، وكانت هذه الفرقة تتكون من الضباط التالية أسماؤهم:
1 - عبد العزيز بوتفليقة: قائدا سياسيا وعسكريا
2 - عبد الله بلهوشات: مساعدا عسكريا
3 - دراية أحمد: مساعدا مكلفا بالاتصالات
4 - عيساني: مساعدا مكلفا بالتمويل
5 - مساعدية: مساعدا ومحافظا سياسيا
6 - موفق بودية نور الدين: مساعدا مكلفا بمراكز التدريب
ولمزيد من التفاصيل وما دام العقيد يملك الخط الهاتفي المباشر لعبدقة (Abdeka) كما ناداه مؤخرا، فهذا الأخير يمكن أن ينير المؤرخين عن هذه الصفحة من تاريخ الجزائر، لأنه كان أحد الفاعلين في هذه الحقبة، حين كان العقيد في السجن ·
'' رهـان الصحـراء ''
ويجرنا الحديث عن الولاية السادسة لتوضيح أهمية قضية الصحراء في حد ذاتها، وتبيان خطورة إخماد المقاومة فيها، لأن ذلك كان من أهم أغراض الاستعمار ليتسنى له الاستحواذ عليها، والمتفحص للمرجع الخاص بفصل الصحراء سوف تكتشف بأن تصريح ديغول ليوم 16/12/1959 الذي اقترح فيه على جبهة التحرير الوطني إجراء استفتاء بعد وقف دائم لإطلاق النار من أجل تقرير المصير، يستثني فيه أقاليم الصحراء، التي ستحتفظ بها فرنسا إذا ما اختار الجزائريون الاستقلال ·
كما أن الحكومة الفرنسية عبّرت عن هذه النوايا، وكشفت عن أهدافها من وراء ذلك، في جريدة البرلمان الفرنسي التي جاء فيها: >إن الصحراء هي الضامن لإستقلالنا الطاقوي· فهذه الأرض غنية بالغاز الطبيعي والبترول وهي كفيلة بضمان الاستقلال الطاقوي للأمم الغربية لقارتنا، وإذا مـــا تخلّت فرنسا عن الصحراء لصالح جبهة التحرير، فهذا يساوي الحكم بالإعدام على فرنسا مثلما خلصت إليه هذه الجريدة وهذا ما يفسر، لماذا جرت العديد من المحاولات لعزل الولاية السادسة من أجل منحها صفة الشريك الممتاز، كما تؤكد وثيقة فصل هذا الإقليم الكبير عن باقي الجزائر، ولكن مجلس الولاية السادسة الذي كان يرأسه محمد شعباني تفطن لهذا المخطط الخبيث، وندد بكافة محاولات الحكومة الفرنسية، بما في ذلك تلك التي كانت تهدف إلى جعل بني ميزاب شبه تجمع صغير مستقل ذاتيا على رأسه الشيخ بيوض، أي أنها كانت أيضا تسعى لإيجاد طائفة ذات امتيازات!
وإمعانا في هذا المخطط الاستعماري قررت فرنسا إنشاء وزارة صحراوية تحت إمّرة ماكس لو جين Max le Jeune، بميزانية خاصة، وذات شخصية معنوية، وغير تابعة للحاكم العام ·
وهذا ما بينه الجنرال ديغول من قوله: يجب القول بأن استغلال البترول يجب أن يكون خاضعا لصلاحيات فرنسا، وأن مصالح الغرب مرتبطة بقوة باستغلال البترول، ولذلك يجب أن نبعدها عن أي تنازل سياسي، حتى ولو تحملنا من أجل ذلك أكبر عدد من الصعوبات فهذا التصريح يكشف عن أهمية هذا الرهان، وعليه، فإن المنطق يقتضي من القيادة السياسية لجبهة التحرير تدعيم المقاومة في الجنوب، وهذا ما تم فيما بين 1959 و.1961 ولذلك طرح كل من جبهة التحرير وجيش التحرير مشروع الولاية السابعة بهدف إفشال المخطط الفرنسي الرامي إلى إنشاء دولة صحراوية تشمل كافة البلدان الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي مثل المالي.
ومن هنا، يعتبر حل الولاية السادسة، كما أشار العقيد، يصبّ في مصلحة الاستعمار، وهو ما لا يمكن أن توافق عليه الثورة، ولو من باب المقتضيات التكتيكية للمرحلة ·
'' المســار المشبوه ''
إذا كان لا بد من ذكر المسار الثوري، فلا بد أن نذكّر القارىء أولا بانتماء العقيد للعائلة التي تعرف بعائلة جواد، وهي التي أمدت فرنسا، على الدوام، برجال ارتدوا بدلاتها العسكرية، ويعتبر والد العقيد مثالا صارخا لهؤلاء الذين قدّموا خدمات جليلة لفرنسا ·
النقطة الثانية التي يجب التأكيد عليها، ليعلم القارىء مدى أهلية العقيد لإصدار الأحكام على رجالات الثورة الجزائرية، هو محدودية مساره الجهادي في الزمان (12 شهرا) وفي المكان (تنس، مليانة بالولاية الرابعة) وهو مسار كما يخوله لمعرفة ما جرى فعلا بالولاية السادسة، حتى يؤكد خبر حلّها.
نحن نعلم أنّ العقيد قد خدم تحت راية الاحتلال بصفته عسكري متطوع في الجيش الفرنسي منذ سنة 1948 وأنه تحصل على الجنسية الفرنسية، وحارب إلى جانبها ضد الفيتنام فيما بين 1949 ـ ,1952 وعاد بعد ذلك إلى الجزائر برتبة رقيب (سرجان )·
وبعد فترة تكوين بمدرسة الضباط بسان مكسنت Saint Maixent بفرنسا رقي إلى رتبة ملازم، وفي عام 1957 عين قائدا لمركز أولاد مريم بسور الغزلان، ثم التحقتم بالثورة، والله وحده يعلم هل كان الغيض هو الدافع لإقدامه على ذلك أم كان إستراتيجية ما؟!.
غداة فراره من الجيش الفرنسي أسند له جيش التحرير منطقة تنس ـ مليانة بالولاية الرابعة مثلما يروي لنا التاريخ، وبعد إثنى عشرة شهرا التحق بجيش الحدود (1958) ليعود إلى ذات الولاية خلال صائفة 1960 لإنجاز مهمة بعينها (اعتبرها شخصيا غير مشرفة) غير أن توقيفه في 23 أكتوبر1960 برفقة المجاهد فلاح قد وضع حدا لمساره كـ: متآمر في أوساط جيش التحرير الوطني.
ومن الصعب على المتتبع أن يفهم لماذا اغتيل الشهيد والبطل فلاح، رميا بالرصاص من مسافة قريبة، وقبل ذلك بسنة (1959) حظي الرائد الشهيد عمر ادريس بنفس الشرف الذي ناله البطل المحظوظ فلاح، أما العقيد فقد محاكمة من محاكمة أبقته على قيد الحياة داخل السجن إلى غاية الاستقلال؟!
ولم يصبح خافيا على أحد أن المسافة الزمنية بين المحاكمة بالمدية والسجن في فرنسا لم تكن من دون مهام، فقد تم تحويله مباشرة إلى فرنسا بقرار من وزير العدل إدموند ميشليه Edmond Michelet بطلب من الإليزيه.
والسؤال الذي يتبادر للذهن هو هل يمكن أن يكون انتماء العقيد لعائلة مقربة من فرنسا منذ عقود من الزمن مبررا كافيا لمثل هذا الإجراء رحيم؟. أم أن الأمر يخفي أشياء أخرى؟. فبعد يوم من إلقاء القبض عليه دق (24 أكتوبر) ناقوس الخطر من خلال توجيهكم للبرقية التالية إلى رئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس تقولون فيها: إن جيش التحرير أصبح معزولا، ومحروما من التموين والعتاد، وأن الشعب يطالب بإلحاح بالسلم؟!
كما أنتقد العقيد زيارته (بن خدة) الأخيرة إلى بيكين وموسكو بقوله: نحن نقف بكل قوة ضد الغزو الشيوعي··· قف·· وأطلب منكم للمرة الأخيرة وباسم جيش التحرير الوطني والشعب أن تستأ نفوا فورا المفاوضات مع الحكومة الفرنسية من أجل إيجاد حل سريع للمأساة الجزائرية··· قف·· وبوصفها ولاية نموذجية، فإن الولاية الرابعة ستتكفل بتأسيس هيئة عليا داخل التراب الوطني تتولى المفاوضات مع الجنرال ديغول حول مستقبل الجزائر···قف·· وأكرر للمرة الثانية أن ضميري هو الذي دفعني لتبني هذه اللهجة، وأخشى أنكم تجهلون تماما ما يجري داخل الجزائر؛ فعليكم إذن باتخاذ القرار قبل فوات الأوان، وفي حالة العكس فأنني لن أتحمل أية مسؤولية عما قد ينجر عن ذلك.
فهذا الاقتراح الصادر عن أحد المقربين من بومدين يذكرنا بمحاولة سي صالح (العقيد زعموم) التي سبقت هذا التصريح بأربعة شهور، ورفضتها حينها قيادة جبهة التحرير.
و لن نجد مثل الرائد بورقعة الثوري الأصيل بالولاية الرابعة ومساعد قائد الولاية منْ يفسر لنا مثل هذه التصريحات، وذلك من خلال تقديمه تعريفا دقيقا عن شخص العقيد، فهو يرسم في كتابه شاهد على اغتيال ثورة في الصفحة 126 صورة مثيرة لشخصيته كمبعوث لقيادة الأركان العامة إلى الولاية الرابعة في شهر جوان 1962 رفقة قايد أحمد فيقول: >القدر الذي كان فيه قايد أحمد صريحا وشجاعا ويعرف ماذا يريد، بالقدر نفسه كان ابن الشريف ماكرا وكذابا ومخادعا ومتاجرا، فضلا عن صفة الحماقة الممزوجة بانعدام الشجاعة لديه ········ فقدا كان الفار الوحيد من الجيش الفرنسي (AF) الذي تقلد منصب عضو المجلس الوطني للثورة الجزائرية ·(NRA)
ولإلقاء الضوء على شخصية العقيد مرة أخرى يمكن الرجوع إلى كتاب الجنرال موريس فافر Faivre مكيْفح المعنون الأرشيف غير المنشور للسياسة الجزائرية 1962/1958.
Les archives inédites de
la politique algérienne
فهو يقدّم لنا خريطة تفصيلية تتضمن أدق المعلومات عن المسار الذي سلكه أثناء عبوره من تونس إلى الولاية الرابعة ضمن وثيقة مصنفة سري للغاية إلى غاية 27 / 08 / 1999.
تحتل مدينة بسكرة موقعا هاما عند العارفين بالشؤون العسكرية و التنظيمات الحربية فهي زيادة على موقعها الإستراتيجي و الطبيعي كواحة تحيط بها سلاسل الأطلس الصحراوي من الشرق والشمال والغرب مشكلة هلالا فاسحا المجال للعمق الصحراوي في الجنوب والجنوب الشرقي، وتعد إحدى الولايات الشمالية للصحراء الجزائرية ومن المدن القديمة و العريقة في الجزائر، لعب سكانها ردحا طويلا من الزمن، في التواصل الحضاري و التاريخي حيث كانت حلقة وصل واتصال بين إفريقيا والوطن العربي وأوروبا و دونت أسفار كتب التاريخ ما تزخر به من علماء وحكماء وعظماء و حاملين لرسالة السماء، وقادة في ساحة الوغي ولم يتأخر سكانها في أي موعد حاسم للشعب الجزائري ويشهد التاريخ الحديث و المعاصر الملاحم البطولية التي خاضها سكان الزعاطشة والعامري و خنقة سيدي ناجي وما قدموه من تضحيات لنصرة إخوانهم و جيرانهم في الأوراس والمسيلة، الأغواط و ورقلة و توقرت والوادي مما اضطر السلطات الفرنسية الغازية إبقائها تحت الحكم العسكري حتى إسترجاع السيادة الوطنية كما كان لها دورا بارزا و مميزا في النهضة الفكرية و النضال السياسي والثورة التحريرية.
ماهو موقعها الجيو استرتيجي في الحرب؟ وما هي عدته و عتاده ؟ و كيف عالجت السلطة المدنية و العسكرية هذا الموقف ؟
يظهر من خلال مجريات الأحداث و تسارعها أن محمد شعباني باغتته السلطة ولم تعطيه فرصة للتدبير و التخطيط ولم تكن له نية في الدخول في حرب مع السلطة التي ساهم في بنائها معتبرا ذلك مجرد إختلاف في وجهات النظر و سحابة صيف عابرة سرعان ما تزول وهذا إستنادا على أقوال طاقمه و المقربين إليه و خلو الساحة من أي تعبئة و إستعداد عسكري، أو نشر للقوات فالمتأمل لموقع بسكرة الطبيعي يكشف أنه ليس من السهل إقتحامها بحكم التحصينات الطبيعية و ذلك للأسباب التالية:
1- أن هو وجيشه من أبناء المنطقة و يعرفونها بالحجرة و الشجرة و الشعبة لأنهم عاشوا فيها مدة الثورة.
2-ما الذي منعه من وضع حاميات و سواتر دفاعية أمامية على الثغور في القنطرة وسبع مقاطع في بيطام وعلى بوكحيل و الشعيبة و خنقة سيدي ناجي و أمشونش وكلها أماكن إستراتيجية للدفاع.
3- لديه من العتاد و الذخيرة ما يكفيه لمدة من المقاومة.
4- بعيدة عن البحر ولم يبق إلا سلاح الطيران الذي يعرف قدرته ولديهم خبرة في مواجهته من الثورة التحريرية. وهذه المستلزمات لم تحصل وما جرى هو أن السلطة دخلت معه في مفاوضات مراطونية عقيمة لخداعه و إستكمال خططها و جمع قواتها وفي نفس الوقت بدأت وسائل الإعلام المختلفة لتحضير الجو وتأليب الشعب عليه، انتهت بإلقاء القبض على رفقائه الطاهر لعجال، محمد الشريف خير الدين محمد جغابة، السعيد عبادو، خبزي محمد، محمد شنوفي وغيرهم من المقربين إليه كرهائن ليسلم نفسه للسلطة، الأمر الذي اغتاظ له وانزعج منه كثيرا باعتبار أن هؤلاء مدنيون و إطارات منتخبة في الحزب و الدولة.
تصلبت كل الأطراف في مواقفها، وغابت الحكمة و التعقل و البحث على محاور التفاهم وساد حوار الطرش ووصفت وسائل الإعلام الرسمية العقيد وقيادة الناحية، بن قانة وانفراده في الصحراء و غيرها من الأوصاف و النعوت و التهم و تجريده من كل مناصبه في الحزب والدولة وإعلان التعبئة العامة كل قواة الأمن لمحاصرة حركة التمرد وإلقاء القبض على شعباني.
تحكم شعباني في نفسه و ضبط أعصابه في هذه الزوبعة ولم يكن راضيا على تجاوزات و تصرفات بعض قادته في الأزمة واجتمع بضابط الجيش و الدرك و الأمن و أعطى تعليماته بمراقبة الأوضاع الداخلية وقصد مقر البلدية الذي كان يغص بالمواطنين والمناضلين لشرح الأوضاع و أسباب الخلاف و إذ بخبر يأتيه بوصول قوات السلطة على مشارف المدينة وفضل الخروج و الانسحاب من المدنية كيلا يعرضها للخراب و الدمار مثل ما حصل في منطقة تيزي وزو في حركة تمرد " لافافاس ".
والحمد لله أن السلطة تمكنت في خلال أسبوع من إنهاء الحركة وإلقاء القبض على محمد شعباني ومرافيقه الحسين ساسي والعريف الجيلالي " سليم.
'' المـحـاكـمـة ''
نقل العقيد محمد شعباني و رفقائه إلى سجن سيدي الهواري بوهران و في الفترة من سبعة جويلية حتى 02 سبتمبر1964 عملت السلطة للقضاء على جيوب ( التمرد) وكثفت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة و المكتوبة في تشويه سمعة شعباني ووصفه بشتى نعوت الاحتقار والتشويه وصدرت عدة مراسيم رئاسية منها بتنفيذ الأحكام العرفية فورا ولا تقبل الطعون أو التأجيل حين إصدار الحكم.
وفي 02 سبتمبر 1964 نصبت المحكمة العرفية برئاسة قاضي مدني وسيق محمد شعباني ورفقائه إلى المحاكمة و دامت المحاكمة أكثر من 12 ساعة، وجهت فيها العديد من التهم التي تدين كلها محمد شعباني و يتذكر الرائد محمد الشريف خير الدين الذي كان من بين المتهمين بعض الإتهمات الخطيرة التي وجهت إليه منها عصيانه لأمر عسكري لمقاتلة قوات تمرد آيت أحمد حسين ورفضه لإدماج بعض ضباط جيش الحدود في قيادته وقتله للحركة و القومية وجماعة بن لونيس و الخونة بعد الاستقلال ومحاولة إنفراده بالصحراء.
وبعد رفع الجلسة الطويلة للتشاور و التقدير في الأحكام جاء الحكم بالإعدام على محمد شعباني والسجن المؤبد للضابط العريف الجيلالي وبرأت بقية المتهمين.
وطلب منه الرد على الحكم، و يتكلم مع من يشاء..؟ فكانت كلمته " إني أطلب من الله و الشعب الجزائري أن يغفر لي لأني كنت من المساهمين و المساعدين لهذه الفئة الضالمة في الحكم " و أوصي محمد الشريف خير الدين خيرا بأمه.
واتصل رئيس المحكمة برئيس الجمهورية أحمد بن بلة يعلمه بالحكم، و يلتمس منه توظيف صلاحيته القانونية المخولة له، إلا أن صمت الرئاسة أقر الحكم وفي فجر اليوم الموالي نفذ الحكم ومات محمد شعباني...
وشيع من الرئاسة في ذالك الوقت أن الرئيس أحمد بن بلة كان مستعجلا في قتله و تأخر سفره إلى القاهرة حتى نفذ الحكم؟ .. ويغلق أبواب الوساطة أو الشفاعة له من أي طرف وضاع دم شعباني بين الفئات المتنافسة على السلطة.
فالرئيس أحمد بن بلة اتهم الجيش بقتله وبومدين تبرأ من دمه متهما الرئاسة في استجوابه مع الصحفي المصري لطفي الخولي مدعما ذالك بإطلاق صراح رفقاء شعباني المسجونين.
هذا ما سمعناه و عاصرناه عن الحديث الذي فتح الباب أمام الجزائر بالدخول من جديد في دوامة العنف و العداء لتاريخها الوطني، و صب الزيت على نار الحقد على رموزها و أبطالها و قادتها مما يوحي بوجود أيادي خفية أرادت أن تنتقم من الجزائر أرضا و شعبا و قيما و مبادئ ولم ينج من هذه العملية إلا الرئيس أحمد بن بلة و آيت أحمد الحسين؟..
وبقراءة هادئة و متأنية و متبصرة لما اصطلح عليه " بتمرد شعباني" و التهم الموجهة له في المحكمة و غياب فتح هذا الملف للباحثين و الدارسين، وما عاشته المنطقة من تهميش سياسي و ركود اقتصادي و إقصاء اجتماعي لسنوات عديدة نستنتج أن محمد شعباني راح ضحية الصراع الدائر بين التغريبيين، والأصوليين... و الذي لازال قائما لحد الآن وذالك بتصديه و محاربته للمشروع الفرنسي حول فصل الصحراء في الثورة التحريرية ميدانيا و إعلاميا و صرامته و مواقفه التي كشف عنها في مؤتمر جبهة التحرير و عناده و تعنته و تصلب رأيه ولم يفهم قواعد اللعبة الجديدة وظل يعيش على الماضي الثوري و إلا كيف يحاسب على القصاص الشعبي للجرائم التي أرتكبها الخونة في حق الشعب أيام الثورة التحريرية مع أن هذا القصاص كان عاما في كل مناطق الوطن.
مع أنها ظاهرة عالمية مارستها الأمم و الشعوب ضد كل من كانت له مواقف غير مشرفة مع وطنه، حتى الفرنسيين الذين يتخذهم البعض منا قدوة لم يتساهلوا معهم بل سجلوا ذلك في أوراق ازديادهم لتبقى لهم وصمة عار طول الدهر.
ومن هذا نرى أن هناك العديد من الأسئلة لازالت محصورة في منطقة الظل ولم يكشف الزمن عنها ..؟ مثل هل كان فعلا يمثل خطرا على الدولة؟ ولمصلحة من قتله؟ ومن هي الأطراف المستفيدة من ذلك؟ ولماذا الكيل بمكيالين وهو ليس الوحيد الذي قام بالتمرد؟ لماذا تشذ الجزائر عن أمم العالم في تعاملها مع أخطأ قادتها التاريخيين؟ وما هي انعكاساتها على مسيرة الجزائر ؟.
وفي 02 سبتمبر 1964 نصبت المحكمة العرفية برئاسة قاضي مدني وسيق محمد شعباني ورفقائه إلى المحاكمة و دامت المحاكمة أكثر من 12 ساعة، وجهت فيها العديد من التهم التي تدين كلها محمد شعباني و يتذكر الرائد محمد الشريف خير الدين الذي كان من بين المتهمين بعض الإتهمات الخطيرة التي وجهت إليه منها عصيانه لأمر عسكري لمقاتلة قوات تمرد آيت أحمد حسين ورفضه لإدماج بعض ضباط جيش الحدود في قيادته وقتله للحركة و القومية وجماعة بن لونيس و الخونة بعد الاستقلال ومحاولة إنفراده بالصحراء.
وبعد رفع الجلسة الطويلة للتشاور و التقدير في الأحكام جاء الحكم بالإعدام على محمد شعباني والسجن المؤبد للضابط العريف الجيلالي وبرأت بقية المتهمين.
وطلب منه الرد على الحكم، و يتكلم مع من يشاء..؟ فكانت كلمته " إني أطلب من الله و الشعب الجزائري أن يغفر لي لأني كنت من المساهمين و المساعدين لهذه الفئة الضالمة في الحكم " و أوصي محمد الشريف خير الدين خيرا بأمه.
واتصل رئيس المحكمة برئيس الجمهورية أحمد بن بلة يعلمه بالحكم، و يلتمس منه توظيف صلاحيته القانونية المخولة له، إلا أن صمت الرئاسة أقر الحكم وفي فجر اليوم الموالي نفذ الحكم ومات محمد شعباني...
وشيع من الرئاسة في ذالك الوقت أن الرئيس أحمد بن بلة كان مستعجلا في قتله و تأخر سفره إلى القاهرة حتى نفذ الحكم؟ .. ويغلق أبواب الوساطة أو الشفاعة له من أي طرف وضاع دم شعباني بين الفئات المتنافسة على السلطة.
فالرئيس أحمد بن بلة اتهم الجيش بقتله وبومدين تبرأ من دمه متهما الرئاسة في استجوابه مع الصحفي المصري لطفي الخولي مدعما ذالك بإطلاق صراح رفقاء شعباني المسجونين.
هذا ما سمعناه و عاصرناه عن الحديث الذي فتح الباب أمام الجزائر بالدخول من جديد في دوامة العنف و العداء لتاريخها الوطني، و صب الزيت على نار الحقد على رموزها و أبطالها و قادتها مما يوحي بوجود أيادي خفية أرادت أن تنتقم من الجزائر أرضا و شعبا و قيما و مبادئ ولم ينج من هذه العملية إلا الرئيس أحمد بن بلة و آيت أحمد الحسين؟..
وبقراءة هادئة و متأنية و متبصرة لما اصطلح عليه " بتمرد شعباني" و التهم الموجهة له في المحكمة و غياب فتح هذا الملف للباحثين و الدارسين، وما عاشته المنطقة من تهميش سياسي و ركود اقتصادي و إقصاء اجتماعي لسنوات عديدة نستنتج أن محمد شعباني راح ضحية الصراع الدائر بين التغريبيين، والأصوليين... و الذي لازال قائما لحد الآن وذالك بتصديه و محاربته للمشروع الفرنسي حول فصل الصحراء في الثورة التحريرية ميدانيا و إعلاميا و صرامته و مواقفه التي كشف عنها في مؤتمر جبهة التحرير و عناده و تعنته و تصلب رأيه ولم يفهم قواعد اللعبة الجديدة وظل يعيش على الماضي الثوري و إلا كيف يحاسب على القصاص الشعبي للجرائم التي أرتكبها الخونة في حق الشعب أيام الثورة التحريرية مع أن هذا القصاص كان عاما في كل مناطق الوطن.
مع أنها ظاهرة عالمية مارستها الأمم و الشعوب ضد كل من كانت له مواقف غير مشرفة مع وطنه، حتى الفرنسيين الذين يتخذهم البعض منا قدوة لم يتساهلوا معهم بل سجلوا ذلك في أوراق ازديادهم لتبقى لهم وصمة عار طول الدهر.
ومن هذا نرى أن هناك العديد من الأسئلة لازالت محصورة في منطقة الظل ولم يكشف الزمن عنها ..؟ مثل هل كان فعلا يمثل خطرا على الدولة؟ ولمصلحة من قتله؟ ومن هي الأطراف المستفيدة من ذلك؟ ولماذا الكيل بمكيالين وهو ليس الوحيد الذي قام بالتمرد؟ لماذا تشذ الجزائر عن أمم العالم في تعاملها مع أخطأ قادتها التاريخيين؟ وما هي انعكاساتها على مسيرة الجزائر ؟.