كمال الجزائري
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 14 أفريل 2009
- المشاركات
- 110
- نقاط التفاعل
- 0
- نقاط الجوائز
- 6
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(الخطبة الأولى )
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وسار على نهجه واستن بسنته .
أما بعد : إخوتي وأحبتي في الله يقول الله سبحانه وتعالى ((ونبلوكم بالخير والشر فتنة ))ويقول جل وعلا (( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ))ويقول جل وعلا (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عودا فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى تصير على قلبين ، قلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض وقلب أسود مرباد كالكوز مجخيا لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرا ليس له إلا ما أشرب من هواه " أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
أيها الإخوة : إن الدنيا دار ابتلاء (...) وامتحان يجتازه العبد في فترة وجيزة فإذا انطوى كأنه لم يمكث فيها يوماً أو بعض يوم ولذلك جاء في الحديث " أنه يؤتى بأنعم رجل في الدنيا من أهل الشقاء فيصبغ صبغة في النار ، يغمس غمسة في النار ثم يقال له كم لبثت ؟ قال لبثت يوماً أو بعض يوم ، ويؤتى بأبأس رجل في الدنيا - أشد الناس بؤساً وفقرا وضنكا وهو من أهل السعادة - فيصبغ صبغة في الجنة يغمس فيها غمسة فيقول هل مر بك بؤس قط ؟ فيقول والله ما مرني بؤس قط والأول يقول ما مر به نعيم قط .
إن الفتن عباد الله كثيرة مدلهِمّة تعصف بالمجتمع من فتن الشهوات وفتن الشبهات ، فتن الشهوات بالإغراءات وبالفضائيات وبالخرافات والخزعبلات ولذلك حفت النار بالشهوات .وكذلك بالشبهات التي يقع بها البعض لما يزينه أهل الأهواء حيث يزينون تلك الشبهات فيظهرونها في قالب ديني فيُفتن بها الكثير من الناس فيضل عن سبيل الله وهو يظن أنه على شيء (( قل هل ننبؤكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ))
فما المخرج يا عبد الله من تلك الفتن ؟ فتن الشهوات وفتن الشبهات .
أولاً يا عبد الله : عليك بالعلم والتعلم ، والفقه بدين الله فإنه هو الملاذ بعد توفيق الله الذي تتحصن به من الشهوات والشبهات حيث يُفهمك بالشهوات ويوضح لك الشبهات فتَسلم من هاذين التيارين المتضادين في الظاهر والمتوازيين ومتعاونين في الباطن ، عليك بالعلم المؤصّل من كتاب الله جل وعلا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذ أن العلم نور يضيء لك الطريق تميز به بين الحق والباطل وبين الهدى والضلال وبين الحلال والحرام وبين الشهوات والشبهات وبين التوحيد والشرك وبين السنة والبدعة وبين الطريق المستقيم والطريق المعوج .
وثانياً : العمل بهذا العلم والمبادرة إلى الخيرات قبل فوات الأوان ، قبل أن يندم المقصر ساعة لا ينفع الندم ، قبل أن (( يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا )) يعمل عمل مودع " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وصلي صلاة مودع وكن في هذه الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ".
وهذا ينقلنا إلى العمل الثالث : وهو مصاحبة الأخيار والبعد عن الأشرار الذين يُمْتعونك في الفتن الظاهرة و الباطنة ((فإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين )) . "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبا ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة ".
والأمر الرابع : الجد والإجتهاد في اللجوء إلى الله والدعاء وتحري الأوقات المناسبة للدعاء بأن يقيك الله شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ، ولا سيما آخر الليل عندما ينام الذين يُحرمون من الخير تقوم آخر الليل تقوم إلى الصلاة تصلي ما يشاء الله لك أن تصلي وتلجأ إلى الله تبارك وتعالى بأن يقيك شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يحفظك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك ومن فوقك ومن تحتك .
والمخرج الخامس : هو الجد والإجتهاد في الإستعداد ليوم المعاد وعدم إضاعة الوقت فيما لا ينفعك والمحافظة على وقتك وتذكر الموت وتذكر الآخرة وتذكر ما عند الله تبارك وتعالى وتذكر ما أعد الله تبارك وتعالى لأهل الهدى من ثواب وخير وما أعده لأهل الشقاوة من عقاب ومنزل خطير .
والأمر السادس يا عبد الله : ألا تتعرض للفتن بل عليك أن تهرب منها وأن تبتعد عنها لأنه يأتي على الناس زمان تكثر فيه الفتن كما هو في زماننا هذا ، تكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي ومن يستشرف لها تستشرفه ، أي : تستهويه ويقع فيها ، فاحذر وابتعد عنها وإياك أن تقول
أنا أقتحمها وأستطيع مقاومتها ) فإنك قد تضعف ولذلك أُُمرنا بأن نتخذ الوقاية قبل العلاج .
الأمر السابع : تنظيف بيتك من كل أمر يودي إلى هذه الفتن مثل الفضائيات المشبوهة التي تنشر الشهوات والشبهات ، طهّر بيتك من هذه الفضائيات (فضائيات الخنى والغنا والتمثيليات ودواعي الزنا ) وفضائيات الشبهات التي ربما تنشر باسم الدين والدين منها براء وقد كثرت وعمت وطمت ولا أخال بأن واحداً منها صافي ( صافٍ مصفى أبدا ) وأقلها الذي فيه دخن . وأضرب لكم مثالاً : قناة فُتن بها كثير من الناس أو قناتان فُتن بهما كثير من الناس ما تسمى بقناة ( الرسالة ) وما فيها من أباطيل وما تسمى بقناة ( طيور الجنة ) وما فيها من أغاني وتماثيل وموسيقى ومياعة لا يغرنكم كونها تُضْفى عليها بعض المسميات الدينية فإن هذا مما ينخدع به بعض الجهلة ، فاجتهد يا عبد الله في أن تبتعد عن هذه الفتن وعن كل عمل يؤدي إلى الفتن .
والأمر الثامن : الرجوع إلى العلماء الربانيين الذين شابت نواصيهم في خدمة السنّة تلتزم غرسهم وتثني ركبك عندهم وتفيض من علمهم ( إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ) .
والأمر التاسع : البعد عن أهل البدع والأهواء الذين ربما تَسَمّى بعضهم بأسماء دينية براقة وهم يدسون السم في الدسم تحت مظلة مسميات وحزبيات يُراد ويُعاد عليها وهي بعيدة كل البعد عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ))
والأمر العاشر : لزوم السنة ولزوم الجماعة " فإن يد الله على الجماعة ومن شذّ شذ في النار" ولزوم الصراط المستقيم الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) .
لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فِراق الأمم " وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة " وفي رواية " من كان مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " .
فاجتهد يا عبد الله في البعد عن الفتن ما ظهر منها وما بطن واتخذ كافة الوسائل الإحتياطية التي تُبعدك عنها وابتعد عنها وعن أهلها والزم الحق فالحق أحق بالإتباع ولو خالفه الناس ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ))
بارك الله لي ولكم بالقرأن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل (...) إنه هو الغفور الرحيم .
( الخطبة الثانية )
الحمد لله حمداً كثيرا طيبا مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى أحمده تبارك وتعالى وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد ..
إخوتي وأحبتي في الله : نقول ( مُطرنا بفضل الله وبرحمته )وهنا أمر أنبه إليه الإخوة وهو أن بعض الناس في الجاهلية وقد امتدت إلى عصر قريب ينسبون المطر إلى الأنواء وإلى النجوم . والنبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم صلى بأصحابه على إثر السماء كانت من الليل صلى بأصحابه صلاة الفجر ، فقال صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فمن قال مطرنا بفضل الله ورحمته فهو مؤمن بي كافر بالكوكب ، ومن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب ).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم أربع أمور من أمر الجاهلية لا يقربونهن ( الفخر بالأحساب والطعن بالأنساب والإستسقاء بالنجوم والنياحة على الميت ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
فعلينا أن نحذر من ذلك وأن ننسب الأمر إلى خالقه هو المتفضل وهو المنعم ، وأما تحري الخير في بعض الفصول التي قضت سنة الله الكونية بأن تأتي فيها الأمطار والتفاؤل فهذا أمر طيب ولا حرج فيه وذكر الأجواء وعلم الفلك الذي هو علم التسيير من معرفة الطرق معرفة أوقات الزراعة ونحو ذلك فهذا لا حرج فيه (( وعلامات وبالنجم هم يهتدون )) ولكن المهم أن لا نقول مطرنا بأمر كذا وكذا ومن ذلك ما قد يُنشر في بعض الفضائيات من بيان الطالع ( فلان طالعه كذا ) مما يتعلق بمنازل القمر وهذه من أمور الجاهلية ، فالسعود والنحوس بيد الله سبحانه وتعالى أما نسبة ذلك إلى الكواكب والأنواء فإن هذا من أعمال الجاهلية فاحذروا من ذلك عباد الله واحذروا الذهاب إلى هؤلاء المنجمين أو العرافين أو الكهان فإن ذلك خطر عظيم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " من أتى كاهناً أو عرافاً يسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما " ويقول صلى الله عليه وسلم " من أتى كاهنا أو عرافا يسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " . فابتعدوا عن هذه التي تعرض في بعض الفضائيات فإن النظر فيها بمثابة الذهاب إلى أهلها ، التسلّي بها والجلوس عليها بمثابة الذهاب إلى أهلها مباشرة ، فاتقوا الله عباد الله واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمركم الله تعالى بقوله (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً )) وقال عليه الصلاة والسلام :" من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا أخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا من كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل الدين اللهم ابرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيها أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا وأغثنا اللهم اسقنا وأغثنا اللهم زدنا من معقل الخير يا حي يا قيوم اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وعافنا واعف عنا وآثرنا ولا تؤثر علينا اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم زد بلاد نا أمنا واستقرارا وقنا شر أعدائك أعداء الإسلام يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحبه وترضاه اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه وانصر به دينك واعلي به كلمته ووفقه لما فيه صلاح البلاد والعباد ووفق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرائعك ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار .
المصدر
http://www.alsoheemy.net/play.php?catsmktba=1001
(الخطبة الأولى )
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وسار على نهجه واستن بسنته .
أما بعد : إخوتي وأحبتي في الله يقول الله سبحانه وتعالى ((ونبلوكم بالخير والشر فتنة ))ويقول جل وعلا (( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ))ويقول جل وعلا (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عودا فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى تصير على قلبين ، قلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض وقلب أسود مرباد كالكوز مجخيا لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرا ليس له إلا ما أشرب من هواه " أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
أيها الإخوة : إن الدنيا دار ابتلاء (...) وامتحان يجتازه العبد في فترة وجيزة فإذا انطوى كأنه لم يمكث فيها يوماً أو بعض يوم ولذلك جاء في الحديث " أنه يؤتى بأنعم رجل في الدنيا من أهل الشقاء فيصبغ صبغة في النار ، يغمس غمسة في النار ثم يقال له كم لبثت ؟ قال لبثت يوماً أو بعض يوم ، ويؤتى بأبأس رجل في الدنيا - أشد الناس بؤساً وفقرا وضنكا وهو من أهل السعادة - فيصبغ صبغة في الجنة يغمس فيها غمسة فيقول هل مر بك بؤس قط ؟ فيقول والله ما مرني بؤس قط والأول يقول ما مر به نعيم قط .
إن الفتن عباد الله كثيرة مدلهِمّة تعصف بالمجتمع من فتن الشهوات وفتن الشبهات ، فتن الشهوات بالإغراءات وبالفضائيات وبالخرافات والخزعبلات ولذلك حفت النار بالشهوات .وكذلك بالشبهات التي يقع بها البعض لما يزينه أهل الأهواء حيث يزينون تلك الشبهات فيظهرونها في قالب ديني فيُفتن بها الكثير من الناس فيضل عن سبيل الله وهو يظن أنه على شيء (( قل هل ننبؤكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ))
فما المخرج يا عبد الله من تلك الفتن ؟ فتن الشهوات وفتن الشبهات .
أولاً يا عبد الله : عليك بالعلم والتعلم ، والفقه بدين الله فإنه هو الملاذ بعد توفيق الله الذي تتحصن به من الشهوات والشبهات حيث يُفهمك بالشهوات ويوضح لك الشبهات فتَسلم من هاذين التيارين المتضادين في الظاهر والمتوازيين ومتعاونين في الباطن ، عليك بالعلم المؤصّل من كتاب الله جل وعلا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذ أن العلم نور يضيء لك الطريق تميز به بين الحق والباطل وبين الهدى والضلال وبين الحلال والحرام وبين الشهوات والشبهات وبين التوحيد والشرك وبين السنة والبدعة وبين الطريق المستقيم والطريق المعوج .
وثانياً : العمل بهذا العلم والمبادرة إلى الخيرات قبل فوات الأوان ، قبل أن يندم المقصر ساعة لا ينفع الندم ، قبل أن (( يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا )) يعمل عمل مودع " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وصلي صلاة مودع وكن في هذه الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ".
وهذا ينقلنا إلى العمل الثالث : وهو مصاحبة الأخيار والبعد عن الأشرار الذين يُمْتعونك في الفتن الظاهرة و الباطنة ((فإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين )) . "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبا ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة ".
والأمر الرابع : الجد والإجتهاد في اللجوء إلى الله والدعاء وتحري الأوقات المناسبة للدعاء بأن يقيك الله شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ، ولا سيما آخر الليل عندما ينام الذين يُحرمون من الخير تقوم آخر الليل تقوم إلى الصلاة تصلي ما يشاء الله لك أن تصلي وتلجأ إلى الله تبارك وتعالى بأن يقيك شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يحفظك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك ومن فوقك ومن تحتك .
والمخرج الخامس : هو الجد والإجتهاد في الإستعداد ليوم المعاد وعدم إضاعة الوقت فيما لا ينفعك والمحافظة على وقتك وتذكر الموت وتذكر الآخرة وتذكر ما عند الله تبارك وتعالى وتذكر ما أعد الله تبارك وتعالى لأهل الهدى من ثواب وخير وما أعده لأهل الشقاوة من عقاب ومنزل خطير .
والأمر السادس يا عبد الله : ألا تتعرض للفتن بل عليك أن تهرب منها وأن تبتعد عنها لأنه يأتي على الناس زمان تكثر فيه الفتن كما هو في زماننا هذا ، تكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي ومن يستشرف لها تستشرفه ، أي : تستهويه ويقع فيها ، فاحذر وابتعد عنها وإياك أن تقول
الأمر السابع : تنظيف بيتك من كل أمر يودي إلى هذه الفتن مثل الفضائيات المشبوهة التي تنشر الشهوات والشبهات ، طهّر بيتك من هذه الفضائيات (فضائيات الخنى والغنا والتمثيليات ودواعي الزنا ) وفضائيات الشبهات التي ربما تنشر باسم الدين والدين منها براء وقد كثرت وعمت وطمت ولا أخال بأن واحداً منها صافي ( صافٍ مصفى أبدا ) وأقلها الذي فيه دخن . وأضرب لكم مثالاً : قناة فُتن بها كثير من الناس أو قناتان فُتن بهما كثير من الناس ما تسمى بقناة ( الرسالة ) وما فيها من أباطيل وما تسمى بقناة ( طيور الجنة ) وما فيها من أغاني وتماثيل وموسيقى ومياعة لا يغرنكم كونها تُضْفى عليها بعض المسميات الدينية فإن هذا مما ينخدع به بعض الجهلة ، فاجتهد يا عبد الله في أن تبتعد عن هذه الفتن وعن كل عمل يؤدي إلى الفتن .
والأمر الثامن : الرجوع إلى العلماء الربانيين الذين شابت نواصيهم في خدمة السنّة تلتزم غرسهم وتثني ركبك عندهم وتفيض من علمهم ( إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ) .
والأمر التاسع : البعد عن أهل البدع والأهواء الذين ربما تَسَمّى بعضهم بأسماء دينية براقة وهم يدسون السم في الدسم تحت مظلة مسميات وحزبيات يُراد ويُعاد عليها وهي بعيدة كل البعد عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ))
والأمر العاشر : لزوم السنة ولزوم الجماعة " فإن يد الله على الجماعة ومن شذّ شذ في النار" ولزوم الصراط المستقيم الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) .
لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فِراق الأمم " وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة " وفي رواية " من كان مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " .
فاجتهد يا عبد الله في البعد عن الفتن ما ظهر منها وما بطن واتخذ كافة الوسائل الإحتياطية التي تُبعدك عنها وابتعد عنها وعن أهلها والزم الحق فالحق أحق بالإتباع ولو خالفه الناس ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ))
بارك الله لي ولكم بالقرأن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل (...) إنه هو الغفور الرحيم .
( الخطبة الثانية )
الحمد لله حمداً كثيرا طيبا مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى أحمده تبارك وتعالى وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد ..
إخوتي وأحبتي في الله : نقول ( مُطرنا بفضل الله وبرحمته )وهنا أمر أنبه إليه الإخوة وهو أن بعض الناس في الجاهلية وقد امتدت إلى عصر قريب ينسبون المطر إلى الأنواء وإلى النجوم . والنبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم صلى بأصحابه على إثر السماء كانت من الليل صلى بأصحابه صلاة الفجر ، فقال صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فمن قال مطرنا بفضل الله ورحمته فهو مؤمن بي كافر بالكوكب ، ومن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب ).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم أربع أمور من أمر الجاهلية لا يقربونهن ( الفخر بالأحساب والطعن بالأنساب والإستسقاء بالنجوم والنياحة على الميت ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
فعلينا أن نحذر من ذلك وأن ننسب الأمر إلى خالقه هو المتفضل وهو المنعم ، وأما تحري الخير في بعض الفصول التي قضت سنة الله الكونية بأن تأتي فيها الأمطار والتفاؤل فهذا أمر طيب ولا حرج فيه وذكر الأجواء وعلم الفلك الذي هو علم التسيير من معرفة الطرق معرفة أوقات الزراعة ونحو ذلك فهذا لا حرج فيه (( وعلامات وبالنجم هم يهتدون )) ولكن المهم أن لا نقول مطرنا بأمر كذا وكذا ومن ذلك ما قد يُنشر في بعض الفضائيات من بيان الطالع ( فلان طالعه كذا ) مما يتعلق بمنازل القمر وهذه من أمور الجاهلية ، فالسعود والنحوس بيد الله سبحانه وتعالى أما نسبة ذلك إلى الكواكب والأنواء فإن هذا من أعمال الجاهلية فاحذروا من ذلك عباد الله واحذروا الذهاب إلى هؤلاء المنجمين أو العرافين أو الكهان فإن ذلك خطر عظيم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " من أتى كاهناً أو عرافاً يسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما " ويقول صلى الله عليه وسلم " من أتى كاهنا أو عرافا يسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " . فابتعدوا عن هذه التي تعرض في بعض الفضائيات فإن النظر فيها بمثابة الذهاب إلى أهلها ، التسلّي بها والجلوس عليها بمثابة الذهاب إلى أهلها مباشرة ، فاتقوا الله عباد الله واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمركم الله تعالى بقوله (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً )) وقال عليه الصلاة والسلام :" من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا أخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا من كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل الدين اللهم ابرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيها أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا وأغثنا اللهم اسقنا وأغثنا اللهم زدنا من معقل الخير يا حي يا قيوم اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وعافنا واعف عنا وآثرنا ولا تؤثر علينا اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم زد بلاد نا أمنا واستقرارا وقنا شر أعدائك أعداء الإسلام يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحبه وترضاه اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه وانصر به دينك واعلي به كلمته ووفقه لما فيه صلاح البلاد والعباد ووفق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرائعك ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار .
المصدر
http://www.alsoheemy.net/play.php?catsmktba=1001