صِناعَة ُالكلامِ (ابن خلدون)

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

manel06

:: عضو مُشارك ::
إنضم
23 سبتمبر 2008
المشاركات
429
نقاط التفاعل
8
النقاط
17
بسم الله الرحمن الرحيم


صِناعَة ُالكلامِ (ابن خلدون)


اِعْلمْ أنَّ صِناعَة َالكلامِ نَظمًا وَنثرًا إنَّمَا هِيَ فِي الألفاظِ لا فِي المَعَانِي، وَإنَّمَا المَعَانِي تبَعٌ لهَا ،وَهِيَ أصْلٌ. فالصَّانِعُ الذِي يُحَاولُ مَلكة َالكلامِ فِي النَّظمِ وَالنثرِ إنمَا يُحاولهَا في الألفاظ بحفظ أمثالِها من كلامِ العرَب، ليَكثرَ استِعمَالهُ وَجريُهُ على لسانِه، حتى تستقرَّ لهُ الملكة ُفي لسان مُضَرٍ، ويَتخلصَ مِن العُجْمَةِ التي ربِّيَ عليْها في جيلِه٬ ويَفرضَ نفسَهُ مثلَ وليدٍ ينشأ في جيل العرب ويُلقنُ لغتَهُم كما يُلقنُها الصَّبِيُّ حتى يصيرَ كأنهُ واحدٌ منهم في لسانهم وذلك أنَّا قدَّمْنا أنَّ للسان ملكة ًمنَ الملكات في النطق يحاول تحصيلها بتكرارها ...أما المعاني فهي في الضمائر. وأيضا فالمعانِي موجودة عند كلِّ واحدٍ في طلوع كل فكر منها ما يشاء ويرضى٬ فلا تحتاج إلى صناعة ٬وتأليف الكلام للعبارة عنها هو المحتاج للصناعة كما قلناه.
وهو بمثابة القوالب للمعاني. فكما أنَّ الأواني التي يُغترَفُ بها الماء من البحر منها آنية ُالذهبِ والفضةِ والصَّدَف والزجاج والخزف٬ والماءُ واحدٌ في نفسه؛ وتختلف الجودة في الأواني المملوءة بالماء باختلاف جنسها لا باختلاف الماء؛ كذلك جودة اللغة وبلاغتها في الاستعمال تختلف باختلاف طبقات الكلام في تأليفه باعتبار تطبيقه على المقاصد،والمعاني واحدة في نفسها. وإنما الجاهل بتأليف الكلام وأساليبه على مقتضى مَلكة اللسان إذا حاول العبارة عن مقصوده ولم يحسن بمثابة المُقعَدِ الذي يرومُ النهوض ولا يستطيعه لفقدان القدرة عليه . والله يُعلمُكم ما لم تكونوا تعلمون .
(...)
واعلم أن الكلام الذي هو العبارة والخطاب إنما سِرُّه ورُوحه في إفادة المعنى . وأمَّا إذا كان مهملا فهو كالمَوَات الذي لا عِبرة َبه . وكمالُ الإفادة هو البلاغة على ما عرَفتَ من حدِّها عند أهل البيان لأنهم يقولون: هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال. ومعرفة الشروط والأحكام التي بها تُطابِق التراكيبُ اللفظية مُقتضىَ الحال وهو فن البلاغة . وتلك الشروط والأحكام للتراكيب في المطابقة اسْتُقرِئَتْ من لغة العرب وصارت كالقوانين.

بتصرف

مقدمة ابن خلدون ،تحقيق أبو عبد الله السعيد المندوة . مؤسسة الكتب الثقافية . الطبعة 2 . ص 282 -284 .
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top