تعمد الاستعمار سياسية تفكيك الأمة الاسلامية وتوزيعاها في شكل قوالب (خرائط) جغرافية ليمنعها من التفكير في التوحد ونشر مذهبها وسياستها الإسلامية،لكي يثبت هيمنته على العالم أجمع، ولطمس الحضارة الإسلامية وترسيخ الحضارة الغربية في عقول الأجيال الجديدة فدخلت الأمة الاسلامية على إثر هذا في دوامات التخالف والانشقاق وانجر عنه ما سيكتب في الاتي
وإذا كان التفكيك الأول بدأ بتفكيك الرابطة الإسلامية، فالمرحلة التالية للتفكيك وصلت لتفكيك الرابطة العربية، ولكن التفكيك لم يقف عند هذا الحد، فبدأ التفكيك العرقي والمذهبي والديني؛ حتى باتت المنطقة وكأنها مجموعات متحاربة أو مجموعات مستعدة للدخول في حروب أهلية، وبدأ نشر ثقافة التفكيك، وهي ثقافة تبدأ بنشر الفكرة القومية، ولا تنتهي إلا مع العصبية الضيقة. وكأننا بصدد زرع العنصرية في المنطقة العربية والإسلامية؛ لتشكيل عصبيات متناقضة لا يمكنها أن تتوحد.
لم يصنع الغرب كل الصراعات في المنطقة، بل صنع بعضها، ومهَّد لبعضها، واستخدم بعضها، وبعد أن تفككت الأمة طلت العلمانية القومية القطرية التي تم زرعها منذ عهد الاستعمار العسكري المباشر؛ لتصبح طوق النجاة من تلك الحالة المفككة؛ فالقومية القطرية تنهي النزاع بين القوميات بتفكيك العلاقة بينها وفصل كل قومية عن الأخرى، والعلمانية تنهي المشكلة بين المسلم وغير المسلم؛ لأنها تنحي الدين عن الحياة العامة، وعن النظام السياسي، وعن النظام الاجتماعي.
لقد زرع الاستعمار الغربي البذرة الأساسية للمشكلة، عندما قضى على الوحدة السياسية الإسلامية، وفكك الدول العربية والإسلامية، وظل يرعى تلك الحالة، ويقدم حلاًّ لها في النموذج السياسي القومي القطري، فالغرب رأى في الأمة الإسلامية العدو الرئيس له، ووجد الحل في تفكيك الأمة والنزعة القومية تفكك الأمة، وتضعفها، وتجعلها غير قادرة على مواجهة العدوان الخارجي، وتجعلها أيضًا عُرضةً لمزيدٍ من التفكيك، وبهذا ينتهي أي أمل في نهضة حضارية إسلامية جديدة، ويتخلص الغرب مما اعتبره المنافس الحضاري الأساسي له، أي: الحضارة الإسلامية.
ولكن تلك الحالة المفككة لا يمكن أن تستقر، إلا إذا تم تبنيها محليًّا، وقامت نخبةٌ بحمل مشروع التفكيك وتسويقه محليًّا، فلا يمكن لمشروع التفكيك أن يظل غربيًّا، فهذا يعني أنه سوف يظل مشروعًا خارجيًّا استعماريًّا، فالأمة الإسلامية عندما سقطت الدولة العثمانية، ظلت تحلم باستعادة وحدتها، وظل نموذج الدولة الواحدة أو الكيان السياسي الموحد، حُلمًا للأمة، وحتى يتم التخلص من هذا الحلم كان لا بد من نخبة جديدة تحمل المشروع القومي القطري، وكانت تلك النخبة هي النخب العلمانية التي قادت حركة التحرر الوطني، فقد اكتسبت شعبية وحضورًا بحملها لمشروع التحرر الوطني ومواجهتها للاستعمار؛ ما مكنها من زرع المشروع القومي القطري، ولكن تلك النخبة العلمانية تحولت إلى مشروع مستبد، واستشرى بها الفساد، وأصبحت متحالفة مع الغرب، وخرجت عن ثوابت الأمة الإسلامية، بل وخرجت حتى عن الثوابت الوطنية.
وإلى هنا نطرح تساؤلا لنفتح الموضوع القادم وهو السؤال الذي هو مفتاح معالجة هذه الأزمات وهو:
أين الرد الإسلامي على هذه السياسات؟؟