المـقـطـع الاول : دَمعة وداع>
بعد جولة تفحص لجميع أركان منزلي الصغير، تأكدت من إغلاق حصار المياه و قارورة الغاز و النوافذ...وقفت أمام صورتي المعكوسة في المرآة لألقي على صديقتي الوحيدة أخر نظرات الوداع.>
ثم فتحت الباب و انصرفت ...>
في المطار، تجمدت حركتي في صالة الانتظار و غطست في بحر الخواطر أتجول بين ذكريات أيام مضت و توقعات ستمضي في مستقبل قريب، إلى أن نبهني الصوت المنتظر أن آن موعد إقلاع الطائرة...</>
تقدمت بخطوات ناكرة لحنيني اتجاه هذه الأرض... فتذكرت يومي الأول في حضن الغربة، يوم اختلطت جزيئات عبراتي بغبار القهر و الوحدة و لم تجد سوى تراب هذا الوطن لدفن دموعي الغزيرة، وجدت نفسي أمام حقل شاسع وحيدة ، لا أعلم لمن ألجأ و لا مع من أتحدث، أرى في كل الوجوه غربتي و وحدتي ، فلا يبرح شوقي لوطني يستكين حتى يؤجج من جديد كنار خامدة تحت الرماد تؤرث بنسمات ريح خفيفة فتعيد لها الحياة و يعلو لهيبها صاعدا إلى أعالي السماء و حاملا لواء دخان متطاير بين السحب معلنا ثورته ضد السكون ! </>
...كيف لي الآن أن أودع هذا الوطن دون دمعة واحدة من دموع الوداع ؟>
خشيت أن يطرق باب قلبي الحنين لبلد غير بلدي فأخذت نفسا عميقا بنبضات خائنة حزينة ، صعدت السلم و سرعان ما ابتلعتني بوابة الطائرة قبل أن أطبع آخر قبلة على جبين ذكرياتي هناك >
----------------------------------------------------------------------</
المـقـطـع الثاني : بجناح مكسور
ما إن سمعت ذلك الصوت الرخامي يبشرني بأن أوان اللقاء غدا قريبا جدا حتى اخترقت فؤادي رصاصات الفرح و أردت طلقات السعادة جثمان حزني صريعا >
و مسخ الخيال بسطوع شمس الحقيقة بعد أن اجتاحت صدري أول نسمة ريا من عليل الوطن ... >ما إن سمعت ذلك الصوت الرخامي يبشرني بأن أوان اللقاء غدا قريبا جدا حتى اخترقت فؤادي رصاصات الفرح و أردت طلقات السعادة جثمان حزني صريعا >
أي شوق ألجم حروفي بالسكون و عفا عن دموع جمدتها رياح الشمال بقسوتها لسبع سنوات من الأسر ! </>
... كعصفورة صغيرة في أول محاولة تحليق رميت خطواتي وسط الحشود أبحث عن ملامح صهرت في ذاكرتي لوجوه تصحرت الشوق و عبثت بكثبانها رياح الزمن وإذا بجسم تكور وارتطم بي خانقا ساقي بضمته الصغيرة ليشكو الحرمان بدموع متوهجة ، كانت أول مرة استطعت فيها أن أحضن أختي بدلا من ألبوم الصور فنشرت جناحي و تحررت من قيد الجاذبية و لم أشعر بعد ذلك إلا بسماء تضمني في صدر أخت أختي ... </>
في الحقيقة، لم يكن اللقاء كما توقعت، رجوت من شعلة الأمومة أن تكون أول من يطفئ شمعة الشوق الا أن عبير أمي افتقد و غاب منذ أول لقاء >
لم يتحرك لساني بما جال في خاطري عن سبب غيابها، لكن الشفاه تحركت بمتمتمات مشفرة سرعان ما ترجمتها العبرات الساخنة ملبية طلب الاستغاثة ...لم تنتهي دموعي لكن وقت ذرفها قد انتهى ، فانصرفت من المطار مكسورة الجناح و تركت الذكرى تردد صرخة قلبي الأولى بفرحة اللقاء -----------------------------------------------------------------------
>
المقطع الثالث : صدى الأحزان
المقطع الثالث : صدى الأحزان
>
بدا صدى الصرخة أزليا يرن بهتاف العودة الى أحضان الوطن...و>عزفت ألحان فرحتي بنغمات متبددة في عالم الضياع على ايقاع كلاسيكي حزين، فازداد توهج عشقي للحزن بعدما بدت معالم الواقع يغزوها الدمار ...
امتطت كلماتي صهوة الصمت و لاذ فرساني بالفرار من مواجهة الحوار حتمي مع الواقع ، فاذا بابتسامة أبي تربت على نظراتي الخائفة ... ابتسامة نقشت على وجه أبي كما نقشت على جدار الذاكرة.
غريبة بحزني و سعادتي .. غريبة باهلي و وطني .. لا تنتهي الفوارق و التناقضات في عالمي.. و يا لغرابتي عندما التمست القوة من جسد أختي الذي تكور شوقا لسجن الأمومة ، و كأن لهيبي الآفل أذاب كرة الثلج تلك ، ف</span>غابت روحها حاضنة عالما بلا حرمان و في عمق بحر الشرود تركتني أداعب خصلات شعرها الذهبي ...
</ توقف محرك السيارة معلنا البداية ، اختطفت نظراتي الجريئة و قرأت : "مستشفى ابن سينا "... صرت بوقعها الحاد شاردة في عالم متلاطم ، تعمه فوضى المعاني و ترتبه برونقها الخاص ، شلت حركة قلوب الضعيفة فيه و ماتت مكفنة بيأسها و مدفونة في بحر الدماء بالكاد أنقذتني دمعة يتيمة تدحرجت حارقة مسارها لو لم تقاطعها يد أبي الحسناء و تعاتب تهور عبراتي / الغابرة >
دخلت المشفى بخطوات محبطة كئيبة ، تائهة في سراديبه قصدت سبيل لقاء أمي .. الى أن وجدت الغرفة المقصودة ، طارت أناملي ببطء في الفراغ تداعبه و تطرد التردد ثم طرقت الباب طرقا خفيفا