Jeremy Bowen
جيرمي بوين
محرر بي بي سي لشؤون الشرق الاوسط
رجل يبيع الموز في غزة
الاقتصاد الفلسطيني في حالة انهيار بسبب الحصار
كان يوما حارا مع دخول شهر رمضان عندما كنت جالسا مع راجي الصوراني، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الانسان في مدينة غزة.
لم يكن هناك شيء يتحرك في الشارع، ولم يجب ذلك؟ فالاقتصاد في القطاع في حالة انهيار.
ومنذ استيلاء حركة حماس بالقوة على القطاع وتنحية حركة فتح في يونيو حزيران الماضي أغلق المعبر الذي كان يستخدم لمرور البضائع بين غزة وإسرائيل والعالم الخارجي.
ومن بين الـ 1.4 مليون نسمة الذين يسكنون قطاع غزة، يتلقى 1.1 مليون منهم معونات غذائية من الامم المتحدة.
وتنظر إسرائيل، وكذلك معظم حلفائها في الغرب، إلى حماس باعتبارها منظمة إرهابية تسعى للقضاء على الدولة اليهودية وتعتقد أن الحصار والعزلة سيسهمان في تقويضها ووضعها في مزبلة التاريخ.
جرافة ودبابة إسرائيلية تتخذان مواقع داخل غزة
إسرائيل تقول إنها تسعى لوقف الهجمات الصاروخية على أراضيها
حركة فتح من جانبها تحتج على حصار غزة وتأثيره على السكان هناك، لكنها تمنح موافقتها الضمنية على ذلك سرا.
ومن الامور المثيرة للسخرية بالنسبة لكثير من الفلسطينيين استعداد الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاجراء محادثات مع المسؤولين الاسرائيليين في الوقت الذي يرفض فيه التفاوض مع حماس التي فازت في انتخابات ديمقراطية في يناير كانون الثاني عام 2006.
عقاب جماعي
ناقشت الصوراني كل هذا، ثم حدثني عن بعض أشجار البرتقال التي تملكها أسرته.
ورغم أن غزة تعد أحد أكثر المناطق المكتظة في العالم، فإن بها مساحات من الاراضي الزراعية وهو ما يثير الاندهاش.
وتحدث الصوراني كيف أنه في الايام شديدة الحرارة مثل ذلك اليوم الذي كنا نجلس فيه كان يتوجه مع أسرته في رحلة خلوية تحت ظل هذه الاشجار.
أسرة فلسطينية تنعي مقتل ثلاثة أطفال برصاص إسرائيلي
أسرة فلسطينية تنعي مقتل ثلاثة أطفال برصاص إسرائيلي
وأوضح صوراني أنه لم يعد بإمكانهم القيام بذلك الان لان الجرافات الاسرائيلية اقتحمت غزة ودمرت بساتين البرتقال.
وقد دمرت القوات الاسرائيلية شريطا عريضا من الاراضي الحدودية لاسباب أمنية كما تقول، حتى يتمكن الجيش من كشف المسلحين الذين يسعون لقتل إسرائيليين.
ويعتقد كثير من الفلسطينيين أن الدواعي الامنية قد تكون أيضا غطاء للعقاب الجماعي.
"أمور أسوأ تقع"
وكنت أتوقع أن يتحدث صوراني عن الاسى الذي يشعر به لخسارة شيء له فيه ذكريات أسرية كثيرة، وقد أكد لي أنه شعر بالالم لذلك.
لكنه أيضا وصف كيف أن والدته المسنة طالبت الاسرة بالتماسك وشرحت لهم أن ما دمر هو مجرد أشجار يمكن أن تنمو ثانية وأن الاهم أن أيا منهم لم يمت.
الحكمة من الكتابة عن ذلك هو أن الام قالت أن هناك أمورا كثيرة أسوأ مما حدث لهم تقع في غزة حيث التعرض للقتل يعد جزءا من حياة كل إنسان في القطاع.
أسرة فقدت ثلاثة أطفال
في وقت لاحق من ذات اليوم ذهبت إلى منزل أسرة تقيم حدادا لفقدان ثلاثة أطفال، صبيان وفتاة يبلغون من العمر 10 و 12 و 12 عاما.
وقتل أبناء العم بطريق الخطأ على يد القوات الاسرائيلية الشهر الماضي لانهم كانوا يلهون بالقرب من قاذفات صواريخ خارج بيت حانون.
إحباط إسرائيلي
محتجون في سيدروت على ما يعتبرونه عدم تحرك من جانب حكومتهم
محتجون في سيدروت على ما يعتبرونه عدم تحرك من جانب حكومتهم
على الجانب الاخر من الاسلاك الحدودية وفي بلدة سديروت جنوب إسرائيل سقط صاروخ بعد يومين من لقائي بصوراني بالقرب من دار الحضانة بالبلدة.
ولحسن الحظ لم يصب أحد بسوء في الهجوم. لكن الحادث ملأ الاسرائيليين الذين شاهدوا على شاشات التلفزيون الاطفال المذعورين، بالغضب والاحباط.
وتساءلت الصحف الاسرائيلية عما كانت ستفعله إسرائيل في حال مقتل أطفال في حضانة سيدروت (وكانت إجابتهم: لنعيد احتلال غزة) ورفضوا بغضب فكرة أن يكون معدل القتل الذي تحدثه الصواريخ الفلسطينية معيارا للسياسة الاسرائيلية تجاه غزة.
وهذا أدى إلى دعوات إلى إيجاد سبل لمعاقبة سكان غزة لسماحهم بانطلاق صواريخ من أراضيهم، وتعالت هذه الصيحات بعد إصابة أكثر من 60 جنديا إسرائيليا في هجوم صاروخي آخر.
وجاءت إجابة الحكومة الاسرائيلية هذا الاسبوع بأن صنفت غزة على أنها "كيانا معاديا" وأنها ستحتفظ بحق فرض عقوبات جماعية بقطع إمدادات الوقود والكهرباء عن القطاع والحد من تنقل الافراد.
"سجن كبير"
ومن شأن وضع غزة الجديدة أن يمأسس الاساليب التي تستخدمها إسرائيل بالفعل لتخفيف الضغوط عليها.
وطالب الامين العام للامم المتحدة بان كي-مون إسرائيل بإعادة النظر في موقفها قائلا إنه يجب "ألا يعاقب سكان غزة بجريرة أعمال غير مقبولة من مسلحين ومتطرفين".
الفلسطينيون الذين التقيتهم تساءلوا عن الجديد في القرار الاسرائيلي وقالوا إنهم لسنوات يعتبرون غزة سجنا كبيرا.
وفي الواقع يصعب تفنيد وصف كهذا.
حيث أن فرض العقوبات الجماعية التي تنتهك معاهدة جنيف الرابعة ظل أمرا شائع الحدوث منذ احتلال القطاع قبل 40 عاما.
أصدقاء أمريكا فقط
ومع تدهور الاوضاع الحياتية لسكان غزة، يأمل السياسيون والدبلوماسيون الغربيون في وجود فرصة مواتية لاحياء عملية السلام بشكل حقيقي لاول مرة منذ انهيار قمة كامب ديفيد عام 2000.
فبالنسبة لهم كل الامور باتت أسهل بعد استيلاء حماس على غزة حيث بإمكانهم الان التعامل بشكل منفرد مع حركة فتح التي شكلت حكومة تكنوقراط دون مشاركة حماس.
ويركز الاسرائيليون والغرب والسلطة الفلسطينية الان على المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الاوسط الذي دعت إليه واشنطن والمقرر في نوفمبر تشرين الثاني المقبل.
ولا يزال يتعين على وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس، التي تبذل جهودا في منطقة الشرق الاوسط للتحضير لانجاح المؤتمر، التعامل مع مشكلة تجاهل الاستراتيجية الامريكية في المنطقة لكل من حماس والحكومة السورية، وهما الكيانان القادران على تقويض أي نتائج يخرج بها المؤتمر لا تتوافق مع رغباتهما.
فقط أصدقاء الولايات المتحدة دعوا إلى هذا المؤتمر.
ووصلت دعوة لمكتب صوراني لمقابلة مبعوث الرباعية للسلام في الشرق الاوسط توني بلير.
لكن صوراني لم يمنح تصريحا من السلطات الاسرائيلية للسفر إلى القدس.
وقد أصابه ذلك بالاحباط، لكنه أيضا لم يمنح تصريحا لزيارة زوجته وأطفاله في مصر.
والان يتعين على المرء التخمين أيهما يؤلم بشكل أكبر.
جيرمي بوين
محرر بي بي سي لشؤون الشرق الاوسط
رجل يبيع الموز في غزة
الاقتصاد الفلسطيني في حالة انهيار بسبب الحصار
كان يوما حارا مع دخول شهر رمضان عندما كنت جالسا مع راجي الصوراني، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الانسان في مدينة غزة.
لم يكن هناك شيء يتحرك في الشارع، ولم يجب ذلك؟ فالاقتصاد في القطاع في حالة انهيار.
ومنذ استيلاء حركة حماس بالقوة على القطاع وتنحية حركة فتح في يونيو حزيران الماضي أغلق المعبر الذي كان يستخدم لمرور البضائع بين غزة وإسرائيل والعالم الخارجي.
ومن بين الـ 1.4 مليون نسمة الذين يسكنون قطاع غزة، يتلقى 1.1 مليون منهم معونات غذائية من الامم المتحدة.
وتنظر إسرائيل، وكذلك معظم حلفائها في الغرب، إلى حماس باعتبارها منظمة إرهابية تسعى للقضاء على الدولة اليهودية وتعتقد أن الحصار والعزلة سيسهمان في تقويضها ووضعها في مزبلة التاريخ.
جرافة ودبابة إسرائيلية تتخذان مواقع داخل غزة
إسرائيل تقول إنها تسعى لوقف الهجمات الصاروخية على أراضيها
حركة فتح من جانبها تحتج على حصار غزة وتأثيره على السكان هناك، لكنها تمنح موافقتها الضمنية على ذلك سرا.
ومن الامور المثيرة للسخرية بالنسبة لكثير من الفلسطينيين استعداد الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاجراء محادثات مع المسؤولين الاسرائيليين في الوقت الذي يرفض فيه التفاوض مع حماس التي فازت في انتخابات ديمقراطية في يناير كانون الثاني عام 2006.
عقاب جماعي
ناقشت الصوراني كل هذا، ثم حدثني عن بعض أشجار البرتقال التي تملكها أسرته.
ورغم أن غزة تعد أحد أكثر المناطق المكتظة في العالم، فإن بها مساحات من الاراضي الزراعية وهو ما يثير الاندهاش.
وتحدث الصوراني كيف أنه في الايام شديدة الحرارة مثل ذلك اليوم الذي كنا نجلس فيه كان يتوجه مع أسرته في رحلة خلوية تحت ظل هذه الاشجار.
أسرة فلسطينية تنعي مقتل ثلاثة أطفال برصاص إسرائيلي
أسرة فلسطينية تنعي مقتل ثلاثة أطفال برصاص إسرائيلي
وأوضح صوراني أنه لم يعد بإمكانهم القيام بذلك الان لان الجرافات الاسرائيلية اقتحمت غزة ودمرت بساتين البرتقال.
وقد دمرت القوات الاسرائيلية شريطا عريضا من الاراضي الحدودية لاسباب أمنية كما تقول، حتى يتمكن الجيش من كشف المسلحين الذين يسعون لقتل إسرائيليين.
ويعتقد كثير من الفلسطينيين أن الدواعي الامنية قد تكون أيضا غطاء للعقاب الجماعي.
"أمور أسوأ تقع"
وكنت أتوقع أن يتحدث صوراني عن الاسى الذي يشعر به لخسارة شيء له فيه ذكريات أسرية كثيرة، وقد أكد لي أنه شعر بالالم لذلك.
لكنه أيضا وصف كيف أن والدته المسنة طالبت الاسرة بالتماسك وشرحت لهم أن ما دمر هو مجرد أشجار يمكن أن تنمو ثانية وأن الاهم أن أيا منهم لم يمت.
الحكمة من الكتابة عن ذلك هو أن الام قالت أن هناك أمورا كثيرة أسوأ مما حدث لهم تقع في غزة حيث التعرض للقتل يعد جزءا من حياة كل إنسان في القطاع.
أسرة فقدت ثلاثة أطفال
في وقت لاحق من ذات اليوم ذهبت إلى منزل أسرة تقيم حدادا لفقدان ثلاثة أطفال، صبيان وفتاة يبلغون من العمر 10 و 12 و 12 عاما.
وقتل أبناء العم بطريق الخطأ على يد القوات الاسرائيلية الشهر الماضي لانهم كانوا يلهون بالقرب من قاذفات صواريخ خارج بيت حانون.
إحباط إسرائيلي
محتجون في سيدروت على ما يعتبرونه عدم تحرك من جانب حكومتهم
محتجون في سيدروت على ما يعتبرونه عدم تحرك من جانب حكومتهم
على الجانب الاخر من الاسلاك الحدودية وفي بلدة سديروت جنوب إسرائيل سقط صاروخ بعد يومين من لقائي بصوراني بالقرب من دار الحضانة بالبلدة.
ولحسن الحظ لم يصب أحد بسوء في الهجوم. لكن الحادث ملأ الاسرائيليين الذين شاهدوا على شاشات التلفزيون الاطفال المذعورين، بالغضب والاحباط.
وتساءلت الصحف الاسرائيلية عما كانت ستفعله إسرائيل في حال مقتل أطفال في حضانة سيدروت (وكانت إجابتهم: لنعيد احتلال غزة) ورفضوا بغضب فكرة أن يكون معدل القتل الذي تحدثه الصواريخ الفلسطينية معيارا للسياسة الاسرائيلية تجاه غزة.
وهذا أدى إلى دعوات إلى إيجاد سبل لمعاقبة سكان غزة لسماحهم بانطلاق صواريخ من أراضيهم، وتعالت هذه الصيحات بعد إصابة أكثر من 60 جنديا إسرائيليا في هجوم صاروخي آخر.
وجاءت إجابة الحكومة الاسرائيلية هذا الاسبوع بأن صنفت غزة على أنها "كيانا معاديا" وأنها ستحتفظ بحق فرض عقوبات جماعية بقطع إمدادات الوقود والكهرباء عن القطاع والحد من تنقل الافراد.
"سجن كبير"
ومن شأن وضع غزة الجديدة أن يمأسس الاساليب التي تستخدمها إسرائيل بالفعل لتخفيف الضغوط عليها.
وطالب الامين العام للامم المتحدة بان كي-مون إسرائيل بإعادة النظر في موقفها قائلا إنه يجب "ألا يعاقب سكان غزة بجريرة أعمال غير مقبولة من مسلحين ومتطرفين".
الفلسطينيون الذين التقيتهم تساءلوا عن الجديد في القرار الاسرائيلي وقالوا إنهم لسنوات يعتبرون غزة سجنا كبيرا.
وفي الواقع يصعب تفنيد وصف كهذا.
حيث أن فرض العقوبات الجماعية التي تنتهك معاهدة جنيف الرابعة ظل أمرا شائع الحدوث منذ احتلال القطاع قبل 40 عاما.
أصدقاء أمريكا فقط
ومع تدهور الاوضاع الحياتية لسكان غزة، يأمل السياسيون والدبلوماسيون الغربيون في وجود فرصة مواتية لاحياء عملية السلام بشكل حقيقي لاول مرة منذ انهيار قمة كامب ديفيد عام 2000.
فبالنسبة لهم كل الامور باتت أسهل بعد استيلاء حماس على غزة حيث بإمكانهم الان التعامل بشكل منفرد مع حركة فتح التي شكلت حكومة تكنوقراط دون مشاركة حماس.
ويركز الاسرائيليون والغرب والسلطة الفلسطينية الان على المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الاوسط الذي دعت إليه واشنطن والمقرر في نوفمبر تشرين الثاني المقبل.
ولا يزال يتعين على وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس، التي تبذل جهودا في منطقة الشرق الاوسط للتحضير لانجاح المؤتمر، التعامل مع مشكلة تجاهل الاستراتيجية الامريكية في المنطقة لكل من حماس والحكومة السورية، وهما الكيانان القادران على تقويض أي نتائج يخرج بها المؤتمر لا تتوافق مع رغباتهما.
فقط أصدقاء الولايات المتحدة دعوا إلى هذا المؤتمر.
ووصلت دعوة لمكتب صوراني لمقابلة مبعوث الرباعية للسلام في الشرق الاوسط توني بلير.
لكن صوراني لم يمنح تصريحا من السلطات الاسرائيلية للسفر إلى القدس.
وقد أصابه ذلك بالاحباط، لكنه أيضا لم يمنح تصريحا لزيارة زوجته وأطفاله في مصر.
والان يتعين على المرء التخمين أيهما يؤلم بشكل أكبر.