بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
فلسطين في الشعر الجزائري
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
فلسطين في الشعر الجزائري
يعالج هذا البحث * قضية فلسطين في الشعر الجزائري, ويؤكّد أنَّ الشعراء الجزائريين لم يكونوا معزولين عن قضايا أُمتهم العربية, بالرُّغم من الجدار الحديدي الذي ضربه حولهم الاستعمار الفرنسي الغاشم منذ الاحتلال سنة (1830 م) وحتى الاستقلال سنة (1962 م) لأنَّ صلة الشاعر الجزائري بالمشرق العربي وقضاياه ومشاغله صلة وطيدة وعريقة, وتأتي قضية فلسطين في المقدمة , بِحيث لا نغالي إذا قلنا إن النتاج الأدبي الجزائري, شعرا ونثرا, في القرن الماضي دار في معظمه حول ثلاثة محاور : الوطنية, والعروبة, والوحدة العربية , وفلسطين(1).
ولسنا في حاجة إلى أن نعدّدَ الروابط التي تربط بين فلسطين والجزائر منذ فجر التاريخ العربي حتى الآن, كما أنَّه لا حاجة بنا إلى أن نقارن بين واقع فلسطين بعد أن تآمر عليها الاستعمار والصهيونية العالمية, وبين الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي البغيض, فكلاهما عرف الاستعمار الاستيطاني, وذاق الإرهاب بِشَتَّى صوره وأشكاله, وتعرّضَ لِمُحَاولات القضاء على مقوماته الأصلية من لغة ودين وتاريخ وحضارة, بل عرف أخطر من هذا, محاولة إلغاء كيانه ومحوه من الوجود, وهذا هو ما يفسر اهتمام الشعراء الجزائريين ب نكبة فلسطين, وكان إحساسهم حادا عنيفا ضد الاستعمار والصهيونية والتسلط والغزو الأجنبي(2).
وقد رافق الشعر العربي الجزائري قضية فلسطين منذ ظهورها على المسرح العالمي في العشرينيات من القرن الماضي, وكان الشعراء يستغلون كل مناسبة لتأييدها, وتابعوها في جميع مراحلها وأطوارها المختلفة منذ إعلان " وعد بلفور" (3) سنة 1917 م, مرورًا بانتفاضات الشعب الفلسطيني في الثلاثينيات, ثم رفضه لقرار التقسيم, وقد وقف شعراء الجزائر إلى جانب فلسطين والعرب أثناء حرب 1948 م, ونكسة 1967 م, ثم تجاوبوا مع انتصارات الثوار الفلسطينيين, وأبطال المقاومة, وأطفال الحجارة بعد ذلك حتى اليوم.
لقد كتبَ شاعرٌ جزائريٌّ ناشِئٌ لم يذكر اسمه خوفا من رقابة الاستعمار الفرنسي البغيض المتصهين, قصيدة شعرية عن فلسطين في سنة 1930 م, حيث نشرها آنذاك بمجلة " الشهاب " الجزائرية التي كان يديرها العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين, يصوّر فيها مشاعره النابضة نحو القدس وساكنيها, ويعبر فيها عن تعاطف الشعب الجزائري كله مع الشعب الفلسطيني الشقيق انطلاقا من إحساسه بخطر الاحتلال الصهيوني على قدس العروبة, يقول :
ناشـَدْتُكَ اللهَ ياقُـدْسَ العُروبَةِ لا *** تُقمْ حِسابًا, لِمَنْ قَـدْ رَامَ تَمْوِيَها
فَمَا طُموحُ يَهُـودِ الشَّرْقِ يَنْفَعُهُم *** وَلاَ يَنَالُـونَ إلاَّ الْمَقْتَ تَشْوِيهَا
يا أُمّةَ الْقُدْسِ, لا يُحْزِنْكَ مَطْمَحُهُم *** فَإنَّ لِلْقـُدْسِ رَبًّـا, هُوَ يَحْمِيهَا
أمَّا الْجَـزائِرُ, فَهي مِنْ مُصـابِكُم *** في حَر ِنارِ الأسَى, تَشْكُو لِبَارِيهَا
آهٍ عَلَى أُمَّـةِ الْقُدْسِ الَّتِي بَسَطَتْ *** لِلْجارِ إحْسَانَها, وأسأَلْ مُجِيِريهَا
آهٍ, عَلَى كـَأْسِ ذُلٍّ, وَهيَ تَرْشُفُها *** وعَنْ صِغَارِ كـآباتٍ تُقـاسِيهَا(4)
وباستثناء الوزن المختل في بعض الأبيـات, فـإنَّ المقطَّعة تزخر بالمشـاعر الفيّاضَةِ, والإيحـاءات القومية النافذة(5) .
وفي عام 1936 م قامت الثورة الفلسطينية, وكادت تقضي على النفوذ الأنجليزي والوجود الصهيوني؛ بدأت الثورة بإعلان الإضراب العام في جميع أنحاء فلسطين العربية تعبيرًا عن سخط الشعب الفلسطيني عن الانتداب البريطاني والدولة اليهودية المقترحة, وسرعان ما تحول الإضراب إلى ثورة علنية مسلحة, وتوافد المتطوعون من البلاد العربية المجاورة, واهتاج الرأي العام العربي في مختلف الأقطار العربية, وشعرت السلطات البريطانية بالخطر, فاستخدمت الدبابات والطائرات في قمع الثوار, وأخذت تنكل بالأحرار من أبناء فلسطين فأحس محمد العيد آل خليفة(6) " بالخطر على هذا الجزء من الوطن العربي وأدرك أنَّ يد بريطانيا وراء كل مؤامرة تعرضت لها فلسطين خفية مرة وعلنية أخرى, فكتب قصيدته (بني التايمز) التي يهاجم فيها الانجليز, ويتحسر على ما حلَّ بأولى القبلتين"(7), يقول:
" بنَي التَّايْمز " قَدْ جُرْتُمْ كَثيرًا *** فهَلْ لكُمْ عَنِ الْجَـوْرِ ازْدجَـارُ ؟
أَفي أَسْـواقِكُمْ نَصبًـا وغَصْبًا *** تَسـومُ (القِبْـلَة) الأُولى التّجَـارُ
إِخَالُ (القِبْلَةَ) انْسَجرتْ دِمَـاءً *** كَمَـا لِلْبَحْـرِ باللُّجـج انْسِجـارُ
تَرَوْنَ لَهـَا سِوَى العَرَبّي أَهْـلاً *** وتَـأْبَى التُّرْبُ فِيهَـا والْحِجَـارُ
فَـلَيْسَ لَهَـا بِلاَ فَمِهِ لِسَـانٌ *** وَلَيْسَ لَهَـا بِـلاَ دَمِـهِ نِجــارُ
ألَمْ يُؤْلِمْـكُمُ حَـرَمٌ مُبـاحٌ *** وشَعْبٌ يَسْتـجِـيرُ ولا يُجــارُ
إِذَنْ فالحَـرْبُ لِلْعَـربّي دَأْبٌ *** وَهَلْ تَخْفَى (الْبَسُوسُ) أو (الْفِجارُ)
شَدَدْتُمْ قَهْـرَهُ فَعَـلاَ انْفِجارًا *** وعُقُـبَى شِـدَّةِ القَهْر ِ انْفِجـارُ (8)
إنَّ هذا الإحساس بالخطر جعل الشاعر محمد العيد, كغيره من الشعراء العرب والمسلمين, يُحِسُّ بِهذا الاحساس العارم بالقدس وفلسطين وأرضها ونضالها, وبخاصة بعدَ أنْ بدأت خيوط المؤامرة تتضح والأطماع الصهيونية تكشر عن أنيابِها عندما دعت " لجنة بيل " إلى تقسيم فلسطين كحل وسط, أحس الشاعر بالكارثة, وتألَّمَ من هذا المشروع المبيت, وشعر بالخطر على " القدس " التي يقدّسُها ويَحْملُ لها في نفسه (كغيره من أبناء العرب والمسلمين) تقديرا خاصا لِمَا لَهَا من مكانة في النفوس, فتراه يتحدث في أسس عن " القدس " سنة 1937 م, ويؤكّدُ حقّ العرب فيها(9), يقول :
يا قِسْمَةَ القُدْسِ أَنْتِ ضِيزَى *** لم يَعْدِلْ القـاسِمونَ فِيكِ
مَضَوْا عَلى الحَيْفِ لَمْ يُبالُوا *** بِمَا جَـرَى مِنْ دَمٍ سَفيكِ
القُدْسُ لِلْعُربِ مِنْ زمـانٍ *** لَمْ يَقْبَلُـوا فيهِ مِنْ شريكِ
قَـدْ سامَهُ الأجْنَبُّي خَسْفًـا *** وهَـدَّ مِنْ رُكْنِهِ السَّمِيكِ
*
يا (لُنْدُرة) لـَوْدَرى بَنُونَـا *** لم يَأْمَنُوا الْغَـدْرَ مِنْ بَ***ِ
إخالُ شَعْبَ الْيَهُـودِ سـِرًّا *** سَبَاكِ بِالْعَسْجَـدِ السَّبِيكِ
أَهَكَـذَا تَفْصـِلُ الْقَضـاءِ *** بِحُكْمِهـا لَجْـنَةُ الْمَلِيكِ ؟
قَـدْ دَلَّ طُغْيانُ انْكِـلتْـرَا *** عَلَى فَـناء ٍ لَها وَشِيـكِ(10)
وفي سنة 1938 م نظم الشاعر قصيدته الموسومة بـ (يا عام), ونشرها في مجلة الشهاب الجزائرية يناجي فيها هذا العام ويستنطقه عن فلسطين, ويتحدّث فيها عن القضية العربية كلها سواء في فلسطين أو في شمال افريقيا, وما يجري فيها من مظالم ومآس يَمجُّهَا الذَّوق السليم, يقول:
يَا عـامُ هَلْ فِيكَ خَيرٌ *** لِلْمُسْلِمـينَ يُرَجَّـى
أَخُـوكَ يَا عـامُ فِيه *** لَيْلُ الْمَظَـالِم دَجَّى
صبَّ الأذَى فِيهِ صَبَّا *** فَرُجَّتِ الأَرْضُ رَجَّـا
ألَمْ تَـرَ الشّـرْقَ فِيهِ *** من المظَـالِم دَجَّـى
سِيمَتْ فلَسْطِينُ خَسْفًا *** عَجَّ الحِمَى مِنْهُ عَجَّـا
هَذا عن الأَهْل أُقْصِي *** وذَاكَ فِي السّجْنِ زُجَّا
وَفي الشّمـالِ هَنَاتٌ *** يَمُجُّهَا الذَّوْقُ مَجَّـا
والشَّرقُ وَلهانُ يَرْجُو *** أنْ يَسلكَ الأمْن فَجَّا
يـودُّ إقْنَـاعَ خَصْمٍ *** في غَمْطِه الحَقِّ لَجَّـا
ويَبْتَغـِي رَدْعَ جـانٍ *** وجْهَ الْعَدالةِ شَجَّـا(11)
"
ومن اللافت للنظر في هذه الأبيات أنَّها تنطبق حتى على وقتنا الحاضر, فهناك من لايزال يؤمن بِهذا الطريق الذي سلكه الجيل الماضي في مسالمتهم للاستعمار والصهيونية من الحكام العرب... وكأنَّ الشاعر تنبأ بِما يجري الآن, فيخاطب الحاضر في الماضي" (12)
وفي ختام القصيدة يتوجه الشـاعر بالحديث إلى ذلك العام, وهو لا يرجـو منه الشئ الكثير, لأنَّه أشبه بالطفل الذي لا يُفصح عمّا في نفسه, مثلما كان الأمر بالنسبة للأعوام السابقة عليه(13), يقول :
يَاعَامُ أشْبَهْتَ طِفلاً *** بالأبْجَـدِيَةِ هَجَّـا
هَلْ يَبْلُغُ الشَّطَّ أمْرٌ *** كالْفُلْكِ فِيكَ يُزَجَّى؟
وَهَلْ نُنَجَّى قَرِيبًّـا *** مِنَ الأَذَى هَلْ تُنَجَّى؟(14)
ولم يكتف محمد العيد بِمجـرد التعبير عن تضـامنه مع القضية الفلسطينية, وتأييده لقضـايا الأمـة العربية كلها سـواء في فلسطين أو في شمـال افريقيا, بل غيّر لهجته من التضـامن إلى التهـديد والوعيد, ووصف أخـلاق اليهـود وطبـاعهم الشـريرة التي عرفـوا بِها كالخـداع والجبن والغـرور وسـواها, يقـول محمد العيد في قصيدته " فلسطين العـزيزة " التي نظـمها سنة 1367 ه :
فَلَسْطينُ العـزيزةُ لاَ تُراعِي *** فَعَينُ اللهِ رَاصدِةٌ تُـراعِي
وحَوْلَكِ مِنْ بَنِي عَدْنانَ جُنْدٌ *** كَثِيرُ الْعَـدِّ يَزْأرُ كَالسِّباعِ
إذا اسْتَصْرَخْتِهِ لِلْحَـرْبِ لَبَّى *** وخَفَّ إلَيْكِ مِنْ كُلِّ الْبِقاعِ
يَجودُ بِكُلِّ مُرْتَخَصٍ وغـَالي *** لِيَدْفَعَ عَنْكَ غَاراتِ الضّباعِ
بُليتِ بِهِمْ صَهـايَنَةً جياعًـا *** فَسُحْقًا للصَّهايِنَةِ الْجِيـاعِ
سَتَكْشِفُ عَنْهُمُ الهَيْجاءُ سِتْرًا *** وتَرمِيهِمُ بِكُلِّ فَتَّى شُجـاعِ(15)
ثم يدخل في وصف أخلاق اليهود, وطباعهم التي عرفوا بِها, فيقول :
وكَيْفَ يُصادِفُ العِبْريُّ نُجْحًـا *** وَمَا أَخْـلاَقُـهُ غَيْرَ الْخِـدَاعِ
قد اشْتَهَر اليَهُـودُ بِكُلِّ قُطْرٍ *** بِأَنَّ طِبَـاعَهُم شَـرُّ الطّبَـاعِ
قَدِ اغْتَرَّ الْيَهُـودُ بِمَا أَصَابُـوا *** بِأَرْضِ الْقُدْسِ مِنْ بَعْضِ الْقِلاَعِ
مَتَى كَانَ الْيَهُـودُ جنُودَ حَربٍ *** وَكُفُؤًا لِلأعـارِبِ في الصّراعِ(16)
ويختم القصيدة بِهذا الصوت المتحمس الذي يأتي من الشاعر الثائر مُتوجها إلى فلسطين العزيزة :
فَلَسْطينُ الْعَـزِيزَةُ لا تَخَـافِي *** فَإنَّ العُرْبَ هَبُّـوا لِلدِّفَـاعِ
بِجَيْشٍ مُظِلمٍ كَاللَّيْلِ غَـطَّى *** حِيالَكِ كُلَّ سَهْلٍ أوْ يَفـَاعِ
ومـا أسْيَافُـهُ إلاَّ نُجـومٌ *** رُجـومٌ لِلْيَهـوُدِ بِلا نِزَاعِ
يُرابِطُ في ثُغُـورِكِ مُسْتَعِـدًّا *** عَلَى الأهْباتِ لِلأمْرِ المُطـاعِ
سَيَهْجُمُ مِنْ مَراكِـزِهِ عَلَيْهمْ *** هُجومَ الآكِلينَ عَلى القصاعي
ونَحْنُ بَنِي العُـروبَةِ قد خُلِقْنا *** نُلَبّي لِلْمَعـارِكِ كُلَّ دَاعِـي
لَنَا في الحَرْبِ غـاراتٌ كِبارٌ *** وأيَّـامٌ مُخـلَّدَةُ الْمَسَـاعِي
وكَيْفَ نَذِلُّ أوْ نَرْضَى انْخِفَاضًا *** ونَجْمُ جُـدُودِنَا نَجْمُ ارْتِفَاعِ(17)
تتميّزُ هذه القصيدة بوضوح معانيها ويسرها, فهي في الأعم الأغلب بينةٌ معروفةٌ, بل قريبة مألوفة, لاتستغلق على الفهم, وتكثر فيها الألفاظ الجزلة الفصيحة, وتتّسم تراكيبها بالمتانة والسلاسة, فهي تخلو من التعقيد والوعورة, ويغلبُ على صورها أنَّها تقوم على التشبيهات المعروفة والسيوف, شأنَّها في ذلك شأن الصور في شعر العرب, وهي تشبيهات مستمدةٌ من مكونات الطبيعة المختلفة.
ولمحمد العيد أيضا قصيدة " هيجت وجدي " التي يردُّ فيها عن رسالة شعرية وجّهها إليه الشاعر الجزائري الشيخ أحمد سحنون(18) سنة 1948 م, وهي في معظمها حماس وتضامن مع فلسطين, وتَهديد ووعيد للصهاينة, فيقول :
قُلْ لابْنِ صَهْيونَ اغْتَرَرْتَ فَلا تَجُرْ *** إنَّ ابنَ يَعْرُبَ نـاهِضٌ لِلَّثأرِ
أعْرَضْتَ عنْ خُطَطِ السَّلاَمِ مُولِّيا *** فَوَقَعْتَ مِنْهَا في خُطُوطِ النَّارِ
لاتَحْسبَنَّ بِأنَّ صُبْحَـكَ طـالِعٌ *** فالْبَدْرُ وَيْحَكَ خادِعٌ للسَّارِي
سَتَرَى أمـانِيكَ التي شيّـدْتَهَـا *** مُنْهـارةً مَعَ رُكْنِكَ الْمُنْهـَارِ
القُدْسِ لابْنِ الْقُدسِ لاَ لِمُشَـرَّدِ *** مُتَصَهْينٍ ومُهَـاجِرٍ غَــدَّارٍ
يالَجْنَةَ التَّقْسِيمِ حِدْتِ عَنْ الْهُدَى *** وسخَرتِ مِنْهُ فَبُؤْتِ بِالإنْكـارِ
***
القِبلَةُ الأولى التي استَصْـغَـرتِها هي لِلْعـُروبة قِبْلةُ الأنْظــارِ(19)
ويسير في هذا الاتجاه شاعر آخر من شعراء الجزائر, وهو محمد جريدي(20) الذي كتب قصيدة شعرية يعالج فيها قضية فلسطين أيام النكبة, ويكاد ينفرد عن بقية الشعراء الجزائريين - الذين كانوا يعيشون يومئذ تحت سيطرة ورقابة ومطاردة الاستعمار الفرنسي البغيض - باللهجة الحماسية التي عالج بِها القضية " إنَّه وهو يعتلي المنبر مستنفرا ومستصرخا, لا يستنفر الشعب العربي في الجـزائر, بل الشّعب العربي في كل قطر, ولا يكتفي بالتهديد الأعزل وهو يواجه الصهيونية, ولكنَّه يطلق الأوامـر الصارخة وهو يستَثير الشعب العربي, ولا يرضى بالتغمة التقريرية المائعة, ولكنَّه يعمد إلى الومضـات التعريضية الجـارحة, مستمدا لها من شرف العروبة وقدسية الإسـلام كل عناصر التأثير" (21), فيقول :
أَيَا شَعْبُ جـاهِرْ بالقِتالِ عَلَى العِدَا *** فَلَمْ يَبْقَ في دَفْعِ الْمَظَـالِم كِتْمـانُ
فَلَـوْلاَ التهابُ العُنْصُرية في الْحَشَا *** لَمَا استَفُحَلتْ صَهْيون وانْدَاسَ عُربَانُ
فَوا عَجَبًا مِنْ قِصَّةِ الأُسْدِ, قَدْ غَدَتْ *** يُهَاجِمُهَـا في الْمَرْبَضِ اليَوْمَ خِرْفـانُ
تَنَمَّرَ كُفَّـارُ (الكَلِيم) كَـأنْ لَمْ *** يَنُص لَنَـا عَنْ ذُلِّـهِم قُرآنٌ قُرْآنُ(22)
وبدأت الحرب عام 1948 م, ودخلت الجيوش العربية إلى فلسطين, وهبَّ الشعب الجزائري يناصر فلسطين, ففتح باب التطوع لتحريرها, ونظمت الحملات لجمع التبرعات لمساعدة الثوار, ومقاطعة البضائع اليهودية, وأنشئت بعض اللجان للدفاع عن حقوقها(23), ورغم الحواجز التي كانت تفصل الجزائر عن المشرق العربي, وعن فلسطين بالذات, كانت قلوب الجزائريين تخفق بحب فلسطين ومشاعرهم متألمة تحمل من الاشفاق على الشعب الشقيق بقدر ما تحمل من الإعجاب ببطولات المجاهدين. " ولا نقول جديدًا اذا ما سجلنا بأنَّ الكثيرين من الشعب الجزائري أثناء هذه الحرب خرجوا يَمشون على الأقدام محاولين تخطي هذه الحواجز, فمنهم من وصل, ومنهم من تلقفته سجون الاستعمار ومعتقلاته بليبيا تحت الحكم الإيطالي, أو في سجون تونس والجزائر تحت الاستعمار الفرنسي, قبل أن يصلوا إلى فلسطين " (24) .
وقد شبَّه الشاعر محمد جريدي هؤلاء الجزائريين الذين لم يتمكنوا من تخطي هذه الحواجز والوصول إلى فلسطين للمشاركة في المعاركة المقدسة بالبنوة التي ترى الأمومة ملطخة في دمائها ولا تملك إلى نصرتِهَا سبيلا, قيلتمس الشاعر المغفرة من الأم الجريحة فلسطين لأبنائها في الجزائر, فيقول :
فَلَسْطينُ, إنِّي الابْنُ والابْنُ طائِعُ *** فَهَا أَنَذَا أعْصي, فَهَلْ فيكِ غُفْرانُ
فَإِنَّ صُدُودِي عَنْ حِمـَاكِ جِنَايَةٌ *** وَإِنَّ قُعُـودِي عَنْ فِدَاكِ لَعِصْيانُ
فَلَسْطينُ, لا تَأْسى لَغَيْبِي فَـإِنَّني *** وَإن غِبْتُ, بِالحِرْمَانِ مِنْكَ لاسيانُ
وَإنْ فَقَدَتْ رِجْلي رَكَائِبَ لِلْفِدَا *** فَلَيْسَ لإحْسَاسِي وشِعْري فُقْدانُ
فَـإِنَّ إِذَا رُمْنَا لِأَرْضِـكِ سفْرةً *** يُعـارِضُنَا بِالْمَنْعِ والرَّدْع ِ طُغْيانُ
وإِنْ رامَ صهيـونُ لِغَزْوكِ هِجْرةً *** تُفْتَحُ لَهُمْ في الْجَـوِّ والْبَـرِّ بِيبَانُ
فَها هُوَ إيِمَانِي فِـداكِ ونَخْـوتي *** فَمَاذَا عَسَى يُجْدِيهم فِيكِ حِرْمانُ
وَهَمُّكِ هَمِّي يَا فَلسْطِينُ فاصْبري *** فَإنَّ اهْتِياجَ الْمَوْج تُفْنِيهِ شَطْـآنُ
ولَسْتُ لِبَحْرِ الظُّلِم إلاَّ شَواطِئًـا *** وَلَيْسَ لِمَوْجِ الظُّلِمْ بَعْدَكِ طُغْيانُ(25)
أمـا شاعر الثورة الجزائرية, وشـاعر وحـدة المغرب العربي الكبير والأمة العربية مفدي زكرياء(26), فقد اعتبر العدوان على فلسطين اعتداء على العروبة كُلّها, وضياع فلسطين مسؤولية العرب جميعًا - لا الفلسطينيين وحدهم - فقد باعوها وانحدروا بِهَا للهاوية وهم في غمرة سكر, ففي الذكرى الثالثة عشر لتقسيم فلسطين كتب قصيدة شعرية طويلة بعنوان : " فلسطين على الصليب " في شكل حوار بين الشاعر وفلسطين والعرب, وسنلاحظ بوضوح " الصراحة الجارحة, والنقد اللاذغ الهادف إلى تصحيح الأخطاء, ويطغى عليه أسلوب التحليل واستقراء الأوضاع, وتحديد الأسباب, وإقتراح الحلول بعيدًا عن ترديد الشعرات الرنانة الجوفاء " (27) , فهو يدق ناقوس خطر الاحتلال الصهيوني لفلسطين, ويحث على الجهاد, وعلى ضم الصفوف لمواجهة العدو, يقول :
أُناديكِ, في الصَّرصَرِ العاتِيَهْ *** وبَيْنَ قَـواصِفِها الذّارِيَـهْ
وأَدْعـوكِ, بَيْنَ أزيزِ الوَغَى *** وبَيْنَ جَمـاجِمِها الجـاثِيَهْ
وأَذْكُر جُرْحَـكِ, في حَرْبِنَا *** وفي ثَوْرةِ المغربِ القـانِيَهْ
فَلَسْطِينُ.. يا مهبـطَ الأنْبيأ *** ويا قِبْلَةَ العُـرْبِ الثـانِيَهْ
ويا حُجَّـةَ اللهِ في أرْضـِه *** ويا هِبَة الأزَلِ, السـامِيَهْ
فَلَسطينُ.. والعُرْبُ في سُكْرَةِ *** قد إنْحَدَرُوا بِكِ لِلهاويَهْ !
رَمـاكِ الزّمـانُ بِكُلّ لَئيمٍ *** زَنيمٍ, مِنَ الْفِئَةِ البـاغِيَهْ
وَصَبَّ بِكِ الغَرْبُ أقْـذَارَهُ *** وَرِجْسَ نِفَايَاتِهِ الْبـاقِيَهْ
وحَطَّ ابنُ (صهيونَ) أنْـذَالَهُ *** بِأَرْضِكِ, آمـِرةً نـاهِيَهْ(28)
ويستطرد الشاعر في تسليط الأضواء على ما آلت إليه فلسطين " فقد انقلبت الأوضاع, وذل العزيز, وعزَّ الذليل, و أصبحت فلسطين تبكي, وما يبكيها إلاَّ الذين كانوا قد اتخذوا حائطا يتباكون فيه ويستدرون عطف الناس " (29) :
بكيتِ, فَلَسْطِينُ, في حَائطٍ *** بِهِ - قَبْلُ - قَدْ كانتِ الْبَاكِيَهْ
فَيالَكَ مِنْ مَعْبَدٍ نَجَّسـُوا *** حنَـاياهُ بِالسُّـوْءَةِ البـادِيَهْ
وَيَالَكَ مِنْ قِبْلَةٍ كَدَّسـُوا *** بِمِحْـربِهَا الجيفَ البـالِيَهْ
وَيَالَكَ مِنْ حَـرمٍ آمِـنٍ *** جيَّاعُ ابنِ آوَى بِهَا عَـاوِيَهْ(30)
ولَمَّا تحدَّث الشاعر عن مأساة فلسطين, حمَّل العربَ مسؤولية ضياعها - على لسان فلسطين - يقول :
لَقَدْ كـانَ لي سَبَبٌ لِلْبَقَـا فَقَطَّـعَ قَـوْمي أسْبـابِيَهْ
ورُحْتُ أُبَاعُ, وأُشرَى كَمَا كَما تُباعُ لجزارها الْماشِيَهْ
وأُشْنَقُ في حَبْلِ مُسْتَعمِري وَأُصْلَبُ في كَفِّ جَـلاَّدِيِهْ
وفَرَّقَنِي (الخُلْفُ) أيْدِي سَبَأ وشَتَّتَ في الأرْضِ أوصالِيَهْ
فأَصْبَحْتُ أرْسُفُ في مِحْنَتِي وقَومِي - عن مِحْنتي- لاهِيَهْ
وَفِي سُكْرةِ ضَيَّعُوا عِـزَّتِي وَلَمْ يُغْـنِ عَنّي سُلْطـانِيَهْ
فَـلاَ أَنَا حَقَّقْـتُها بِيَدِي وَلا سَلَّحَ العُـرْبُ أَبْنَائِيَهْ(31)
والقصيدة طويلة تقع في تسعين بيتًا, وآخرها تفاؤل بالنصر بشرط أنْ يعتصم العرب جميعا بحبل الله ولا يتفرقوا, فهو يعد بنصر من ينصره, ولن يُخْلفَ وعده, ولا ريب أنَّ ساعة النصر آتية لا محالة, حيث يقول في آخر القصيدة :
يتبع
ولسنا في حاجة إلى أن نعدّدَ الروابط التي تربط بين فلسطين والجزائر منذ فجر التاريخ العربي حتى الآن, كما أنَّه لا حاجة بنا إلى أن نقارن بين واقع فلسطين بعد أن تآمر عليها الاستعمار والصهيونية العالمية, وبين الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي البغيض, فكلاهما عرف الاستعمار الاستيطاني, وذاق الإرهاب بِشَتَّى صوره وأشكاله, وتعرّضَ لِمُحَاولات القضاء على مقوماته الأصلية من لغة ودين وتاريخ وحضارة, بل عرف أخطر من هذا, محاولة إلغاء كيانه ومحوه من الوجود, وهذا هو ما يفسر اهتمام الشعراء الجزائريين ب نكبة فلسطين, وكان إحساسهم حادا عنيفا ضد الاستعمار والصهيونية والتسلط والغزو الأجنبي(2).
وقد رافق الشعر العربي الجزائري قضية فلسطين منذ ظهورها على المسرح العالمي في العشرينيات من القرن الماضي, وكان الشعراء يستغلون كل مناسبة لتأييدها, وتابعوها في جميع مراحلها وأطوارها المختلفة منذ إعلان " وعد بلفور" (3) سنة 1917 م, مرورًا بانتفاضات الشعب الفلسطيني في الثلاثينيات, ثم رفضه لقرار التقسيم, وقد وقف شعراء الجزائر إلى جانب فلسطين والعرب أثناء حرب 1948 م, ونكسة 1967 م, ثم تجاوبوا مع انتصارات الثوار الفلسطينيين, وأبطال المقاومة, وأطفال الحجارة بعد ذلك حتى اليوم.
لقد كتبَ شاعرٌ جزائريٌّ ناشِئٌ لم يذكر اسمه خوفا من رقابة الاستعمار الفرنسي البغيض المتصهين, قصيدة شعرية عن فلسطين في سنة 1930 م, حيث نشرها آنذاك بمجلة " الشهاب " الجزائرية التي كان يديرها العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين, يصوّر فيها مشاعره النابضة نحو القدس وساكنيها, ويعبر فيها عن تعاطف الشعب الجزائري كله مع الشعب الفلسطيني الشقيق انطلاقا من إحساسه بخطر الاحتلال الصهيوني على قدس العروبة, يقول :
ناشـَدْتُكَ اللهَ ياقُـدْسَ العُروبَةِ لا *** تُقمْ حِسابًا, لِمَنْ قَـدْ رَامَ تَمْوِيَها
فَمَا طُموحُ يَهُـودِ الشَّرْقِ يَنْفَعُهُم *** وَلاَ يَنَالُـونَ إلاَّ الْمَقْتَ تَشْوِيهَا
يا أُمّةَ الْقُدْسِ, لا يُحْزِنْكَ مَطْمَحُهُم *** فَإنَّ لِلْقـُدْسِ رَبًّـا, هُوَ يَحْمِيهَا
أمَّا الْجَـزائِرُ, فَهي مِنْ مُصـابِكُم *** في حَر ِنارِ الأسَى, تَشْكُو لِبَارِيهَا
آهٍ عَلَى أُمَّـةِ الْقُدْسِ الَّتِي بَسَطَتْ *** لِلْجارِ إحْسَانَها, وأسأَلْ مُجِيِريهَا
آهٍ, عَلَى كـَأْسِ ذُلٍّ, وَهيَ تَرْشُفُها *** وعَنْ صِغَارِ كـآباتٍ تُقـاسِيهَا(4)
وباستثناء الوزن المختل في بعض الأبيـات, فـإنَّ المقطَّعة تزخر بالمشـاعر الفيّاضَةِ, والإيحـاءات القومية النافذة(5) .
وفي عام 1936 م قامت الثورة الفلسطينية, وكادت تقضي على النفوذ الأنجليزي والوجود الصهيوني؛ بدأت الثورة بإعلان الإضراب العام في جميع أنحاء فلسطين العربية تعبيرًا عن سخط الشعب الفلسطيني عن الانتداب البريطاني والدولة اليهودية المقترحة, وسرعان ما تحول الإضراب إلى ثورة علنية مسلحة, وتوافد المتطوعون من البلاد العربية المجاورة, واهتاج الرأي العام العربي في مختلف الأقطار العربية, وشعرت السلطات البريطانية بالخطر, فاستخدمت الدبابات والطائرات في قمع الثوار, وأخذت تنكل بالأحرار من أبناء فلسطين فأحس محمد العيد آل خليفة(6) " بالخطر على هذا الجزء من الوطن العربي وأدرك أنَّ يد بريطانيا وراء كل مؤامرة تعرضت لها فلسطين خفية مرة وعلنية أخرى, فكتب قصيدته (بني التايمز) التي يهاجم فيها الانجليز, ويتحسر على ما حلَّ بأولى القبلتين"(7), يقول:
" بنَي التَّايْمز " قَدْ جُرْتُمْ كَثيرًا *** فهَلْ لكُمْ عَنِ الْجَـوْرِ ازْدجَـارُ ؟
أَفي أَسْـواقِكُمْ نَصبًـا وغَصْبًا *** تَسـومُ (القِبْـلَة) الأُولى التّجَـارُ
إِخَالُ (القِبْلَةَ) انْسَجرتْ دِمَـاءً *** كَمَـا لِلْبَحْـرِ باللُّجـج انْسِجـارُ
تَرَوْنَ لَهـَا سِوَى العَرَبّي أَهْـلاً *** وتَـأْبَى التُّرْبُ فِيهَـا والْحِجَـارُ
فَـلَيْسَ لَهَـا بِلاَ فَمِهِ لِسَـانٌ *** وَلَيْسَ لَهَـا بِـلاَ دَمِـهِ نِجــارُ
ألَمْ يُؤْلِمْـكُمُ حَـرَمٌ مُبـاحٌ *** وشَعْبٌ يَسْتـجِـيرُ ولا يُجــارُ
إِذَنْ فالحَـرْبُ لِلْعَـربّي دَأْبٌ *** وَهَلْ تَخْفَى (الْبَسُوسُ) أو (الْفِجارُ)
شَدَدْتُمْ قَهْـرَهُ فَعَـلاَ انْفِجارًا *** وعُقُـبَى شِـدَّةِ القَهْر ِ انْفِجـارُ (8)
إنَّ هذا الإحساس بالخطر جعل الشاعر محمد العيد, كغيره من الشعراء العرب والمسلمين, يُحِسُّ بِهذا الاحساس العارم بالقدس وفلسطين وأرضها ونضالها, وبخاصة بعدَ أنْ بدأت خيوط المؤامرة تتضح والأطماع الصهيونية تكشر عن أنيابِها عندما دعت " لجنة بيل " إلى تقسيم فلسطين كحل وسط, أحس الشاعر بالكارثة, وتألَّمَ من هذا المشروع المبيت, وشعر بالخطر على " القدس " التي يقدّسُها ويَحْملُ لها في نفسه (كغيره من أبناء العرب والمسلمين) تقديرا خاصا لِمَا لَهَا من مكانة في النفوس, فتراه يتحدث في أسس عن " القدس " سنة 1937 م, ويؤكّدُ حقّ العرب فيها(9), يقول :
يا قِسْمَةَ القُدْسِ أَنْتِ ضِيزَى *** لم يَعْدِلْ القـاسِمونَ فِيكِ
مَضَوْا عَلى الحَيْفِ لَمْ يُبالُوا *** بِمَا جَـرَى مِنْ دَمٍ سَفيكِ
القُدْسُ لِلْعُربِ مِنْ زمـانٍ *** لَمْ يَقْبَلُـوا فيهِ مِنْ شريكِ
قَـدْ سامَهُ الأجْنَبُّي خَسْفًـا *** وهَـدَّ مِنْ رُكْنِهِ السَّمِيكِ
*
يا (لُنْدُرة) لـَوْدَرى بَنُونَـا *** لم يَأْمَنُوا الْغَـدْرَ مِنْ بَ***ِ
إخالُ شَعْبَ الْيَهُـودِ سـِرًّا *** سَبَاكِ بِالْعَسْجَـدِ السَّبِيكِ
أَهَكَـذَا تَفْصـِلُ الْقَضـاءِ *** بِحُكْمِهـا لَجْـنَةُ الْمَلِيكِ ؟
قَـدْ دَلَّ طُغْيانُ انْكِـلتْـرَا *** عَلَى فَـناء ٍ لَها وَشِيـكِ(10)
وفي سنة 1938 م نظم الشاعر قصيدته الموسومة بـ (يا عام), ونشرها في مجلة الشهاب الجزائرية يناجي فيها هذا العام ويستنطقه عن فلسطين, ويتحدّث فيها عن القضية العربية كلها سواء في فلسطين أو في شمال افريقيا, وما يجري فيها من مظالم ومآس يَمجُّهَا الذَّوق السليم, يقول:
يَا عـامُ هَلْ فِيكَ خَيرٌ *** لِلْمُسْلِمـينَ يُرَجَّـى
أَخُـوكَ يَا عـامُ فِيه *** لَيْلُ الْمَظَـالِم دَجَّى
صبَّ الأذَى فِيهِ صَبَّا *** فَرُجَّتِ الأَرْضُ رَجَّـا
ألَمْ تَـرَ الشّـرْقَ فِيهِ *** من المظَـالِم دَجَّـى
سِيمَتْ فلَسْطِينُ خَسْفًا *** عَجَّ الحِمَى مِنْهُ عَجَّـا
هَذا عن الأَهْل أُقْصِي *** وذَاكَ فِي السّجْنِ زُجَّا
وَفي الشّمـالِ هَنَاتٌ *** يَمُجُّهَا الذَّوْقُ مَجَّـا
والشَّرقُ وَلهانُ يَرْجُو *** أنْ يَسلكَ الأمْن فَجَّا
يـودُّ إقْنَـاعَ خَصْمٍ *** في غَمْطِه الحَقِّ لَجَّـا
ويَبْتَغـِي رَدْعَ جـانٍ *** وجْهَ الْعَدالةِ شَجَّـا(11)
"
ومن اللافت للنظر في هذه الأبيات أنَّها تنطبق حتى على وقتنا الحاضر, فهناك من لايزال يؤمن بِهذا الطريق الذي سلكه الجيل الماضي في مسالمتهم للاستعمار والصهيونية من الحكام العرب... وكأنَّ الشاعر تنبأ بِما يجري الآن, فيخاطب الحاضر في الماضي" (12)
وفي ختام القصيدة يتوجه الشـاعر بالحديث إلى ذلك العام, وهو لا يرجـو منه الشئ الكثير, لأنَّه أشبه بالطفل الذي لا يُفصح عمّا في نفسه, مثلما كان الأمر بالنسبة للأعوام السابقة عليه(13), يقول :
يَاعَامُ أشْبَهْتَ طِفلاً *** بالأبْجَـدِيَةِ هَجَّـا
هَلْ يَبْلُغُ الشَّطَّ أمْرٌ *** كالْفُلْكِ فِيكَ يُزَجَّى؟
وَهَلْ نُنَجَّى قَرِيبًّـا *** مِنَ الأَذَى هَلْ تُنَجَّى؟(14)
ولم يكتف محمد العيد بِمجـرد التعبير عن تضـامنه مع القضية الفلسطينية, وتأييده لقضـايا الأمـة العربية كلها سـواء في فلسطين أو في شمـال افريقيا, بل غيّر لهجته من التضـامن إلى التهـديد والوعيد, ووصف أخـلاق اليهـود وطبـاعهم الشـريرة التي عرفـوا بِها كالخـداع والجبن والغـرور وسـواها, يقـول محمد العيد في قصيدته " فلسطين العـزيزة " التي نظـمها سنة 1367 ه :
فَلَسْطينُ العـزيزةُ لاَ تُراعِي *** فَعَينُ اللهِ رَاصدِةٌ تُـراعِي
وحَوْلَكِ مِنْ بَنِي عَدْنانَ جُنْدٌ *** كَثِيرُ الْعَـدِّ يَزْأرُ كَالسِّباعِ
إذا اسْتَصْرَخْتِهِ لِلْحَـرْبِ لَبَّى *** وخَفَّ إلَيْكِ مِنْ كُلِّ الْبِقاعِ
يَجودُ بِكُلِّ مُرْتَخَصٍ وغـَالي *** لِيَدْفَعَ عَنْكَ غَاراتِ الضّباعِ
بُليتِ بِهِمْ صَهـايَنَةً جياعًـا *** فَسُحْقًا للصَّهايِنَةِ الْجِيـاعِ
سَتَكْشِفُ عَنْهُمُ الهَيْجاءُ سِتْرًا *** وتَرمِيهِمُ بِكُلِّ فَتَّى شُجـاعِ(15)
ثم يدخل في وصف أخلاق اليهود, وطباعهم التي عرفوا بِها, فيقول :
وكَيْفَ يُصادِفُ العِبْريُّ نُجْحًـا *** وَمَا أَخْـلاَقُـهُ غَيْرَ الْخِـدَاعِ
قد اشْتَهَر اليَهُـودُ بِكُلِّ قُطْرٍ *** بِأَنَّ طِبَـاعَهُم شَـرُّ الطّبَـاعِ
قَدِ اغْتَرَّ الْيَهُـودُ بِمَا أَصَابُـوا *** بِأَرْضِ الْقُدْسِ مِنْ بَعْضِ الْقِلاَعِ
مَتَى كَانَ الْيَهُـودُ جنُودَ حَربٍ *** وَكُفُؤًا لِلأعـارِبِ في الصّراعِ(16)
ويختم القصيدة بِهذا الصوت المتحمس الذي يأتي من الشاعر الثائر مُتوجها إلى فلسطين العزيزة :
فَلَسْطينُ الْعَـزِيزَةُ لا تَخَـافِي *** فَإنَّ العُرْبَ هَبُّـوا لِلدِّفَـاعِ
بِجَيْشٍ مُظِلمٍ كَاللَّيْلِ غَـطَّى *** حِيالَكِ كُلَّ سَهْلٍ أوْ يَفـَاعِ
ومـا أسْيَافُـهُ إلاَّ نُجـومٌ *** رُجـومٌ لِلْيَهـوُدِ بِلا نِزَاعِ
يُرابِطُ في ثُغُـورِكِ مُسْتَعِـدًّا *** عَلَى الأهْباتِ لِلأمْرِ المُطـاعِ
سَيَهْجُمُ مِنْ مَراكِـزِهِ عَلَيْهمْ *** هُجومَ الآكِلينَ عَلى القصاعي
ونَحْنُ بَنِي العُـروبَةِ قد خُلِقْنا *** نُلَبّي لِلْمَعـارِكِ كُلَّ دَاعِـي
لَنَا في الحَرْبِ غـاراتٌ كِبارٌ *** وأيَّـامٌ مُخـلَّدَةُ الْمَسَـاعِي
وكَيْفَ نَذِلُّ أوْ نَرْضَى انْخِفَاضًا *** ونَجْمُ جُـدُودِنَا نَجْمُ ارْتِفَاعِ(17)
تتميّزُ هذه القصيدة بوضوح معانيها ويسرها, فهي في الأعم الأغلب بينةٌ معروفةٌ, بل قريبة مألوفة, لاتستغلق على الفهم, وتكثر فيها الألفاظ الجزلة الفصيحة, وتتّسم تراكيبها بالمتانة والسلاسة, فهي تخلو من التعقيد والوعورة, ويغلبُ على صورها أنَّها تقوم على التشبيهات المعروفة والسيوف, شأنَّها في ذلك شأن الصور في شعر العرب, وهي تشبيهات مستمدةٌ من مكونات الطبيعة المختلفة.
ولمحمد العيد أيضا قصيدة " هيجت وجدي " التي يردُّ فيها عن رسالة شعرية وجّهها إليه الشاعر الجزائري الشيخ أحمد سحنون(18) سنة 1948 م, وهي في معظمها حماس وتضامن مع فلسطين, وتَهديد ووعيد للصهاينة, فيقول :
قُلْ لابْنِ صَهْيونَ اغْتَرَرْتَ فَلا تَجُرْ *** إنَّ ابنَ يَعْرُبَ نـاهِضٌ لِلَّثأرِ
أعْرَضْتَ عنْ خُطَطِ السَّلاَمِ مُولِّيا *** فَوَقَعْتَ مِنْهَا في خُطُوطِ النَّارِ
لاتَحْسبَنَّ بِأنَّ صُبْحَـكَ طـالِعٌ *** فالْبَدْرُ وَيْحَكَ خادِعٌ للسَّارِي
سَتَرَى أمـانِيكَ التي شيّـدْتَهَـا *** مُنْهـارةً مَعَ رُكْنِكَ الْمُنْهـَارِ
القُدْسِ لابْنِ الْقُدسِ لاَ لِمُشَـرَّدِ *** مُتَصَهْينٍ ومُهَـاجِرٍ غَــدَّارٍ
يالَجْنَةَ التَّقْسِيمِ حِدْتِ عَنْ الْهُدَى *** وسخَرتِ مِنْهُ فَبُؤْتِ بِالإنْكـارِ
***
القِبلَةُ الأولى التي استَصْـغَـرتِها هي لِلْعـُروبة قِبْلةُ الأنْظــارِ(19)
ويسير في هذا الاتجاه شاعر آخر من شعراء الجزائر, وهو محمد جريدي(20) الذي كتب قصيدة شعرية يعالج فيها قضية فلسطين أيام النكبة, ويكاد ينفرد عن بقية الشعراء الجزائريين - الذين كانوا يعيشون يومئذ تحت سيطرة ورقابة ومطاردة الاستعمار الفرنسي البغيض - باللهجة الحماسية التي عالج بِها القضية " إنَّه وهو يعتلي المنبر مستنفرا ومستصرخا, لا يستنفر الشعب العربي في الجـزائر, بل الشّعب العربي في كل قطر, ولا يكتفي بالتهديد الأعزل وهو يواجه الصهيونية, ولكنَّه يطلق الأوامـر الصارخة وهو يستَثير الشعب العربي, ولا يرضى بالتغمة التقريرية المائعة, ولكنَّه يعمد إلى الومضـات التعريضية الجـارحة, مستمدا لها من شرف العروبة وقدسية الإسـلام كل عناصر التأثير" (21), فيقول :
أَيَا شَعْبُ جـاهِرْ بالقِتالِ عَلَى العِدَا *** فَلَمْ يَبْقَ في دَفْعِ الْمَظَـالِم كِتْمـانُ
فَلَـوْلاَ التهابُ العُنْصُرية في الْحَشَا *** لَمَا استَفُحَلتْ صَهْيون وانْدَاسَ عُربَانُ
فَوا عَجَبًا مِنْ قِصَّةِ الأُسْدِ, قَدْ غَدَتْ *** يُهَاجِمُهَـا في الْمَرْبَضِ اليَوْمَ خِرْفـانُ
تَنَمَّرَ كُفَّـارُ (الكَلِيم) كَـأنْ لَمْ *** يَنُص لَنَـا عَنْ ذُلِّـهِم قُرآنٌ قُرْآنُ(22)
وبدأت الحرب عام 1948 م, ودخلت الجيوش العربية إلى فلسطين, وهبَّ الشعب الجزائري يناصر فلسطين, ففتح باب التطوع لتحريرها, ونظمت الحملات لجمع التبرعات لمساعدة الثوار, ومقاطعة البضائع اليهودية, وأنشئت بعض اللجان للدفاع عن حقوقها(23), ورغم الحواجز التي كانت تفصل الجزائر عن المشرق العربي, وعن فلسطين بالذات, كانت قلوب الجزائريين تخفق بحب فلسطين ومشاعرهم متألمة تحمل من الاشفاق على الشعب الشقيق بقدر ما تحمل من الإعجاب ببطولات المجاهدين. " ولا نقول جديدًا اذا ما سجلنا بأنَّ الكثيرين من الشعب الجزائري أثناء هذه الحرب خرجوا يَمشون على الأقدام محاولين تخطي هذه الحواجز, فمنهم من وصل, ومنهم من تلقفته سجون الاستعمار ومعتقلاته بليبيا تحت الحكم الإيطالي, أو في سجون تونس والجزائر تحت الاستعمار الفرنسي, قبل أن يصلوا إلى فلسطين " (24) .
وقد شبَّه الشاعر محمد جريدي هؤلاء الجزائريين الذين لم يتمكنوا من تخطي هذه الحواجز والوصول إلى فلسطين للمشاركة في المعاركة المقدسة بالبنوة التي ترى الأمومة ملطخة في دمائها ولا تملك إلى نصرتِهَا سبيلا, قيلتمس الشاعر المغفرة من الأم الجريحة فلسطين لأبنائها في الجزائر, فيقول :
فَلَسْطينُ, إنِّي الابْنُ والابْنُ طائِعُ *** فَهَا أَنَذَا أعْصي, فَهَلْ فيكِ غُفْرانُ
فَإِنَّ صُدُودِي عَنْ حِمـَاكِ جِنَايَةٌ *** وَإِنَّ قُعُـودِي عَنْ فِدَاكِ لَعِصْيانُ
فَلَسْطينُ, لا تَأْسى لَغَيْبِي فَـإِنَّني *** وَإن غِبْتُ, بِالحِرْمَانِ مِنْكَ لاسيانُ
وَإنْ فَقَدَتْ رِجْلي رَكَائِبَ لِلْفِدَا *** فَلَيْسَ لإحْسَاسِي وشِعْري فُقْدانُ
فَـإِنَّ إِذَا رُمْنَا لِأَرْضِـكِ سفْرةً *** يُعـارِضُنَا بِالْمَنْعِ والرَّدْع ِ طُغْيانُ
وإِنْ رامَ صهيـونُ لِغَزْوكِ هِجْرةً *** تُفْتَحُ لَهُمْ في الْجَـوِّ والْبَـرِّ بِيبَانُ
فَها هُوَ إيِمَانِي فِـداكِ ونَخْـوتي *** فَمَاذَا عَسَى يُجْدِيهم فِيكِ حِرْمانُ
وَهَمُّكِ هَمِّي يَا فَلسْطِينُ فاصْبري *** فَإنَّ اهْتِياجَ الْمَوْج تُفْنِيهِ شَطْـآنُ
ولَسْتُ لِبَحْرِ الظُّلِم إلاَّ شَواطِئًـا *** وَلَيْسَ لِمَوْجِ الظُّلِمْ بَعْدَكِ طُغْيانُ(25)
أمـا شاعر الثورة الجزائرية, وشـاعر وحـدة المغرب العربي الكبير والأمة العربية مفدي زكرياء(26), فقد اعتبر العدوان على فلسطين اعتداء على العروبة كُلّها, وضياع فلسطين مسؤولية العرب جميعًا - لا الفلسطينيين وحدهم - فقد باعوها وانحدروا بِهَا للهاوية وهم في غمرة سكر, ففي الذكرى الثالثة عشر لتقسيم فلسطين كتب قصيدة شعرية طويلة بعنوان : " فلسطين على الصليب " في شكل حوار بين الشاعر وفلسطين والعرب, وسنلاحظ بوضوح " الصراحة الجارحة, والنقد اللاذغ الهادف إلى تصحيح الأخطاء, ويطغى عليه أسلوب التحليل واستقراء الأوضاع, وتحديد الأسباب, وإقتراح الحلول بعيدًا عن ترديد الشعرات الرنانة الجوفاء " (27) , فهو يدق ناقوس خطر الاحتلال الصهيوني لفلسطين, ويحث على الجهاد, وعلى ضم الصفوف لمواجهة العدو, يقول :
أُناديكِ, في الصَّرصَرِ العاتِيَهْ *** وبَيْنَ قَـواصِفِها الذّارِيَـهْ
وأَدْعـوكِ, بَيْنَ أزيزِ الوَغَى *** وبَيْنَ جَمـاجِمِها الجـاثِيَهْ
وأَذْكُر جُرْحَـكِ, في حَرْبِنَا *** وفي ثَوْرةِ المغربِ القـانِيَهْ
فَلَسْطِينُ.. يا مهبـطَ الأنْبيأ *** ويا قِبْلَةَ العُـرْبِ الثـانِيَهْ
ويا حُجَّـةَ اللهِ في أرْضـِه *** ويا هِبَة الأزَلِ, السـامِيَهْ
فَلَسطينُ.. والعُرْبُ في سُكْرَةِ *** قد إنْحَدَرُوا بِكِ لِلهاويَهْ !
رَمـاكِ الزّمـانُ بِكُلّ لَئيمٍ *** زَنيمٍ, مِنَ الْفِئَةِ البـاغِيَهْ
وَصَبَّ بِكِ الغَرْبُ أقْـذَارَهُ *** وَرِجْسَ نِفَايَاتِهِ الْبـاقِيَهْ
وحَطَّ ابنُ (صهيونَ) أنْـذَالَهُ *** بِأَرْضِكِ, آمـِرةً نـاهِيَهْ(28)
ويستطرد الشاعر في تسليط الأضواء على ما آلت إليه فلسطين " فقد انقلبت الأوضاع, وذل العزيز, وعزَّ الذليل, و أصبحت فلسطين تبكي, وما يبكيها إلاَّ الذين كانوا قد اتخذوا حائطا يتباكون فيه ويستدرون عطف الناس " (29) :
بكيتِ, فَلَسْطِينُ, في حَائطٍ *** بِهِ - قَبْلُ - قَدْ كانتِ الْبَاكِيَهْ
فَيالَكَ مِنْ مَعْبَدٍ نَجَّسـُوا *** حنَـاياهُ بِالسُّـوْءَةِ البـادِيَهْ
وَيَالَكَ مِنْ قِبْلَةٍ كَدَّسـُوا *** بِمِحْـربِهَا الجيفَ البـالِيَهْ
وَيَالَكَ مِنْ حَـرمٍ آمِـنٍ *** جيَّاعُ ابنِ آوَى بِهَا عَـاوِيَهْ(30)
ولَمَّا تحدَّث الشاعر عن مأساة فلسطين, حمَّل العربَ مسؤولية ضياعها - على لسان فلسطين - يقول :
لَقَدْ كـانَ لي سَبَبٌ لِلْبَقَـا فَقَطَّـعَ قَـوْمي أسْبـابِيَهْ
ورُحْتُ أُبَاعُ, وأُشرَى كَمَا كَما تُباعُ لجزارها الْماشِيَهْ
وأُشْنَقُ في حَبْلِ مُسْتَعمِري وَأُصْلَبُ في كَفِّ جَـلاَّدِيِهْ
وفَرَّقَنِي (الخُلْفُ) أيْدِي سَبَأ وشَتَّتَ في الأرْضِ أوصالِيَهْ
فأَصْبَحْتُ أرْسُفُ في مِحْنَتِي وقَومِي - عن مِحْنتي- لاهِيَهْ
وَفِي سُكْرةِ ضَيَّعُوا عِـزَّتِي وَلَمْ يُغْـنِ عَنّي سُلْطـانِيَهْ
فَـلاَ أَنَا حَقَّقْـتُها بِيَدِي وَلا سَلَّحَ العُـرْبُ أَبْنَائِيَهْ(31)
والقصيدة طويلة تقع في تسعين بيتًا, وآخرها تفاؤل بالنصر بشرط أنْ يعتصم العرب جميعا بحبل الله ولا يتفرقوا, فهو يعد بنصر من ينصره, ولن يُخْلفَ وعده, ولا ريب أنَّ ساعة النصر آتية لا محالة, حيث يقول في آخر القصيدة :
يتبع