الجزائر، تاريخ. الجزائر دولة عربية ظلت تُعرف باسم المغرب الأوسط حتى دخولها تحت الحكم العثماني في العقد الثاني من القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي).
التاريخ المبكر للجزائر
دلت الآثار التي تم اكتشافها بولايات مستغانم وتبسة (بئر العاتر) وقسنطينة (مشتى العربي) على أن الجزائر كانت آهلة بالسكان قبل 500,000 عام. ومع بداية الفترة الألفية الأولى قبل الميلاد، انتظم سكان المنطقة في قبائل استغلت الأراضي والمراعي جماعيًا، وكونت إمارات مثلت المراحل الفينقية الأولى. ثم تأسست الدولة الجزائرية الأولى في القرن الثالث قبل الميلاد بقيادة سيفاكس ثم مسينيسا، وكانت الحروب البونية قد بدأت بين روما وقرطاج في ذلك الوقت. وقد فتح سقوط قرطاج عام 146 ق.م الطريق أمام روما للتوسع خاصة وأنها كانت لا تستطيع تحمل وجود دولة قوية مستقلة وموحدة كالتي تركها مسينيسا. وقد ساعد تفتت الدولة النوميدية وانقسامها بين الحلفاء المتنافسين روما لاحتلال نوميديا رغم المقاومة الطويلة التي أبداها يوغرطة (يوجورثا) وجوبا الأول، وكان ذلك في عام 25 ق.م. لم يهادن شعب نوميديا الاحتلال لفترة خمسة قرون، وفشلت روما في التوغل أكثر من 150كم من ساحل نوميديا، رغم قوتها في الفترة البيزنطية، وتمكنها من طرد الوندال في عهد جستنيان حتى انحنت أمام الفتح الإسلامي.
كانت الجزائر جزءًا من ولاية بلاد المغرب، التي كانت مدينة القيروان قاعدة لها، ضمن الدولة الإسلامية في العهد الأموي وفي مطلع العهد العباسي. لكن استقلال الأندلس عن بني العباس، ولجوء أصحاب المذاهب المناوئة لهم إلى الشمال الإفريقي، فتح الباب لظهور دويلات مستقلة في تلك الربوع النائية عن مركز الخلافة، وقد عرف تاريخ الجزائر في فترة ما بين منتصف القرن الثاني ومطلع القرن العاشر الهجري (آخر القرن التاسع إلى مطلع القرن السادس عشر الميلادي) بوقوعه تحت حكم دويلات مستقلة بالمغرب.
إمارات الخوارج. في سنة 160هـ، 777م نشأت في وسط المغرب الأوسط دولة صغيرة خارجية إباضية، خارجة عن القيروان التي كانت تحت حكم بني الأغلب الذين ظلوا مخلصين لبغداد. واستمرت هذه الدويلة قائمة بذاتها حتى سنة 296هـ، 909م، ليدخل المغرب الأوسط بعدها ضمن الدولة الفاطمية، التي ظهرت دعوتها قبيل هذا التاريخ في شرقي المغرب الأوسط نفسه، وامتدت إلى المغرب الأدنى لتخضع القيروان ثم تتخذ من مدينة المهدية عاصمة لها.وبقي المغرب الأوسط جزءًا من الدولة الزيرية التي انفصلت عن الخلافة الفاطمية سنة 435هـ، 1043م بعد انتقال مركزها إلى القاهرة المعزية. وقد دامت هذه الحالة من سنة 296هـ، 909م إلى 405هـ، 1014م، لينفصل فرع من بني زيري وهم بنو حماد بجزء من شرقي المغرب الأوسط عن القيروان، ويستقلوا بدويلة استمرت إلى سنة 547هـ، 1152م. وفي هذه الفترة كان الجزء الغربي من المغرب الأوسط قد دخل تحت سلطة المرابطين، الذين قامت دولتهم في المغرب الأقصى وامتدت شرقًا بهدف ضم كل بلاد المغرب وحمايته من الأخطار الأوروبية النصرانية، التي بدأت تهدد وجوده الإسلامي، وبخاصة من النورمنديين والأسبان والبرتغاليين. وقد واصلت دولة الموحدين هذا الدور، وكانت قد نشأت هي الأخرى بالمغرب الأقصى حوالي سنة 518هـ، 1124م، ونجحت في ضم كل المغرب العربي تحت سلطانها سنة 555هـ، 1160م. واستمرت هذه المرحلة إلى سنة 633هـ، 1235م، حيث قامت بتلمسان دولة بني عبد الواد، وهي دويلة انفصلت عن الدولة الموحدية واستمرت باسم الدولة الزيانية إلى حدود سنة 796هـ، 1394م. وتلت ذلك فترة من الاضطرابات امتدت إلى نهاية الثلث الأول من القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وانضواء البلاد تحت الخلافة العثمانية. وفي تلك الفترة خضعت أجزاء من بلاد المغرب الأوسط إلى الحفصيين تارة وإلى المرينيين تارة أخرى، واستعاد بنو زيان استقلالهم بتلمسان أحيانًا.
الدولة الرستمية. . عندما بلغت آراء أصحاب النِّحَل من الخوارج بالمشرق العربي إلى الشمال الإفريقي، اغتنمت بعض القبائل البربرية، فرصة انشقاق كلمة المسلمين لحمل راية العصيان في وجه أمراء القيروان. وقد انتشرت حركة الخوارج بسرعة في كافة بلاد المغرب والأندلس التابعة لإمارة القيروان إذ ذاك، ومن أشهر انتفاضاتهم في العصر الأموي انتفاضة عكاشة الأصفري سنة 124هـ، 771م التي حاصرت مدينة القيروان.
وفي سنة 160هـ، 777م أسس الخوارج دولتهم على جزء من المغرب الأوسط، متخذين من مدينة تاهرت عاصمة لها. وقد اختاروا عبد الرحمن بن رستم الفارسي الأصل إمامًا لهم، فسار سيرة حسنة وعرفت البلاد في عهده استقرارًا وازدهارًا. فلما مات سنة 171هـ، 788م اختارت القبائل الإباضية ابنه عبد الوهاب إمامًا، وخرجت عن تأييده بعض القبائل البربرية. وتولى بعده ابنه أفلح سنة 190هـ، 807م فحكم خمسين سنة رأى فيها الناس ما رأوا في عهد جده عبد الرحمن. وازدهرت الحركة الصناعية والتجارية.
وقد أقام بنو رستم علاقات حسنة مع بني أمية بالأندلس وعقدوا معهم اتفاقيات، لكن علاقاتهم مع جيرانهم السنة بإفريقية والأدارسة بالمغرب الأقصى كانت مضطربة. وقد نازع بنو رستم الأدارسة عندما أعلنت قبيلة زناتة عصيانها للرستميين واحتماءها بالأدارسة، كما حاربوا الأغالبة الذين لم يكفوا عن محاولاتهم لإعادة توحيد بلاد المغرب العربي تحت سلطتهم باسم العباسيين. وتمكن الفاطميون من التغلب على تاهرت واحتلالها سنة 297هـ، 909، فتفرق الخوارج في مناطق مختلفة من إفريقيا والمغرب الأوسط كجبال نفوسة وجزيرة جربة وورفلة ومزاب. انظر: الرستمية، الدولة.
دولة بني عبد الواد. ظهرت هذه الدولة في نهاية الثلث الأول من القرن السابع الهجري (نهاية الثلث الأول من القرن الثالث عشر الميلادي)، واتخذت من تلمسان حاضرة لها. وأول من استقل بها أبو يحيى يغمراسن بن زيان، الذي بويع بعد مقتل أخيه زيان سنة 633هـ. وكانت الدعوة في تلمسان للموحدين، وقد ضعف أمرهم وثار عليهم صاحب إفريقية أبو زكرياء الحفصي ووصل بجيشه تلمسان، فخرج منها أبو يحيى يغمراسن ثم انتهى الأمر بينهما بالصلح. وأقبل بعد ذلك السعيد المؤمني من مراكش سنة 646هـ، 1248م يريد حرب الحفصي بإفريقية، فقاتل أبا يحيى يغمراسن لكن النصر كان لهذا الأخير، فقتل السعيد وغنم ما كان معه من ذخائر الدولة الموحدية وما كان لجيشه من متاع ومال. وكان ذلك بدء استقلال بني عبد الواد في تلمسان وما حولها من وسط غربي المغرب الأوسط. وكان يغمراسن أول من خلط زي البداوة بأبهة الملك في تلك الدولة، فكان محبًا للعلم ومجالسة العلماء، وقد استمرت إمارته أكثر من أربع وأربعين سنة (ت سنة 681هـ، 1283م).
برزت تلمسان في ظل دولة بني عبد الواد كمركز ثقافي له أهميته، كما اشتهرت ببساتينها الغناء التي كانت منتجاتها تصدر عن طريق الموانئ الساحلية. وقد طمع جيرانها المرينيون والحفصيون في الاستيلاء عليها، فقد حاصرها أبو زكرياء الحفصي ودخلها سنة 640هـ، 1042م، وفرض عليها الولاء للحفصيين. وضمها المرينيون فعلاً بعد ذلك في سنة 737هـ، 1337م إلى أن أحيا الدولة أبو حمو الثاني 760هـ -791هـ، 1359- 1389م وأصبحت تُعرف بالدولة الزيانية، نسبة لبني زيان.
وفي الوقت الذي كانت فيه تلمسان حاضرة المغرب الأوسط، كانت المدن الساحلية تكوّن دويلات مستقلة شبيهة بالدويلات القائمة بإيطاليا. وقد أدى ذلك إلى طمع القوى الأوروبية النصرانية في البلاد، فغزا الصقليون بعض مدنها الساحلية واحتلوها فترة خلال القرن السابع الهجري (الرابع عشر الميلادي)، واشتد الخطر الأسباني عليها منذ بداية القرن العاشر الهجري (نهاية القرن الخامس عشر الميلادي). وقد كان الأسبان آنذاك يحتلون سبتة ومليلة، فاتجهوا بحملاتهم البحرية العدوانية شرقًا من ساحل الجزائر إلى طرابلس الغرب. وترجع هذه الحملات، بالإضافة إلى تمكن الروح الصليبية في الأسبان، إلى هجرة مسلمي الأندلس إلى موانئ المغرب العربي ومساهمتهم في تنشيط حركة الجهاد البحري وفي شن الغارات على ساحل أسبانيا. وقد شنت القوات البحرية الأسبانية حملة على ميناء المرسى الكبير في غرب الجزائر سنة 1505م، واستولت على حجر باديس سنة 1508م، وعلى وهران وبجاية سنة 1509م، وأجبرت ميناءي دلس والجزائر على دفع إتاوة، وأقام الأسبان أمام هذه الأخيرة حصنًا على صخرة مواجهة عُرف بالبينون.وعجزت مملكة تلمسان الزيانية عن مواجهة الخطر الأسباني، بسبب ضآلتها وتعرضها في تلك الفترة لتفكك جديد واضطرابات داخلية. فانتهى بها الأمر إلى عقد صلح مع الأسبان سنة 1512م، اعترفت فيه باستيلائهم على عدة موانئ في غربي البلاد. ولم ينقذ هذه الأخيرة من الهاوية التي تردت فيها، إلا ظهور الأسطول العثماني في غربي البحر المتوسط، كقوة قادرة على وقف الخطر الأسباني وعاملة، فيما بعد، على توحيد المغرب الأوسط سياسيًا.
الجزائر ولاية عثمانيةكانت الجزائر جزءًا من ولاية بلاد المغرب، التي كانت مدينة القيروان قاعدة لها، ضمن الدولة الإسلامية في العهد الأموي وفي مطلع العهد العباسي. لكن استقلال الأندلس عن بني العباس، ولجوء أصحاب المذاهب المناوئة لهم إلى الشمال الإفريقي، فتح الباب لظهور دويلات مستقلة في تلك الربوع النائية عن مركز الخلافة، وقد عرف تاريخ الجزائر في فترة ما بين منتصف القرن الثاني ومطلع القرن العاشر الهجري (آخر القرن التاسع إلى مطلع القرن السادس عشر الميلادي) بوقوعه تحت حكم دويلات مستقلة بالمغرب.
إمارات الخوارج. في سنة 160هـ، 777م نشأت في وسط المغرب الأوسط دولة صغيرة خارجية إباضية، خارجة عن القيروان التي كانت تحت حكم بني الأغلب الذين ظلوا مخلصين لبغداد. واستمرت هذه الدويلة قائمة بذاتها حتى سنة 296هـ، 909م، ليدخل المغرب الأوسط بعدها ضمن الدولة الفاطمية، التي ظهرت دعوتها قبيل هذا التاريخ في شرقي المغرب الأوسط نفسه، وامتدت إلى المغرب الأدنى لتخضع القيروان ثم تتخذ من مدينة المهدية عاصمة لها.وبقي المغرب الأوسط جزءًا من الدولة الزيرية التي انفصلت عن الخلافة الفاطمية سنة 435هـ، 1043م بعد انتقال مركزها إلى القاهرة المعزية. وقد دامت هذه الحالة من سنة 296هـ، 909م إلى 405هـ، 1014م، لينفصل فرع من بني زيري وهم بنو حماد بجزء من شرقي المغرب الأوسط عن القيروان، ويستقلوا بدويلة استمرت إلى سنة 547هـ، 1152م. وفي هذه الفترة كان الجزء الغربي من المغرب الأوسط قد دخل تحت سلطة المرابطين، الذين قامت دولتهم في المغرب الأقصى وامتدت شرقًا بهدف ضم كل بلاد المغرب وحمايته من الأخطار الأوروبية النصرانية، التي بدأت تهدد وجوده الإسلامي، وبخاصة من النورمنديين والأسبان والبرتغاليين. وقد واصلت دولة الموحدين هذا الدور، وكانت قد نشأت هي الأخرى بالمغرب الأقصى حوالي سنة 518هـ، 1124م، ونجحت في ضم كل المغرب العربي تحت سلطانها سنة 555هـ، 1160م. واستمرت هذه المرحلة إلى سنة 633هـ، 1235م، حيث قامت بتلمسان دولة بني عبد الواد، وهي دويلة انفصلت عن الدولة الموحدية واستمرت باسم الدولة الزيانية إلى حدود سنة 796هـ، 1394م. وتلت ذلك فترة من الاضطرابات امتدت إلى نهاية الثلث الأول من القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وانضواء البلاد تحت الخلافة العثمانية. وفي تلك الفترة خضعت أجزاء من بلاد المغرب الأوسط إلى الحفصيين تارة وإلى المرينيين تارة أخرى، واستعاد بنو زيان استقلالهم بتلمسان أحيانًا.
الدولة الرستمية. . عندما بلغت آراء أصحاب النِّحَل من الخوارج بالمشرق العربي إلى الشمال الإفريقي، اغتنمت بعض القبائل البربرية، فرصة انشقاق كلمة المسلمين لحمل راية العصيان في وجه أمراء القيروان. وقد انتشرت حركة الخوارج بسرعة في كافة بلاد المغرب والأندلس التابعة لإمارة القيروان إذ ذاك، ومن أشهر انتفاضاتهم في العصر الأموي انتفاضة عكاشة الأصفري سنة 124هـ، 771م التي حاصرت مدينة القيروان.
وفي سنة 160هـ، 777م أسس الخوارج دولتهم على جزء من المغرب الأوسط، متخذين من مدينة تاهرت عاصمة لها. وقد اختاروا عبد الرحمن بن رستم الفارسي الأصل إمامًا لهم، فسار سيرة حسنة وعرفت البلاد في عهده استقرارًا وازدهارًا. فلما مات سنة 171هـ، 788م اختارت القبائل الإباضية ابنه عبد الوهاب إمامًا، وخرجت عن تأييده بعض القبائل البربرية. وتولى بعده ابنه أفلح سنة 190هـ، 807م فحكم خمسين سنة رأى فيها الناس ما رأوا في عهد جده عبد الرحمن. وازدهرت الحركة الصناعية والتجارية.
وقد أقام بنو رستم علاقات حسنة مع بني أمية بالأندلس وعقدوا معهم اتفاقيات، لكن علاقاتهم مع جيرانهم السنة بإفريقية والأدارسة بالمغرب الأقصى كانت مضطربة. وقد نازع بنو رستم الأدارسة عندما أعلنت قبيلة زناتة عصيانها للرستميين واحتماءها بالأدارسة، كما حاربوا الأغالبة الذين لم يكفوا عن محاولاتهم لإعادة توحيد بلاد المغرب العربي تحت سلطتهم باسم العباسيين. وتمكن الفاطميون من التغلب على تاهرت واحتلالها سنة 297هـ، 909، فتفرق الخوارج في مناطق مختلفة من إفريقيا والمغرب الأوسط كجبال نفوسة وجزيرة جربة وورفلة ومزاب. انظر: الرستمية، الدولة.
دولة بني عبد الواد. ظهرت هذه الدولة في نهاية الثلث الأول من القرن السابع الهجري (نهاية الثلث الأول من القرن الثالث عشر الميلادي)، واتخذت من تلمسان حاضرة لها. وأول من استقل بها أبو يحيى يغمراسن بن زيان، الذي بويع بعد مقتل أخيه زيان سنة 633هـ. وكانت الدعوة في تلمسان للموحدين، وقد ضعف أمرهم وثار عليهم صاحب إفريقية أبو زكرياء الحفصي ووصل بجيشه تلمسان، فخرج منها أبو يحيى يغمراسن ثم انتهى الأمر بينهما بالصلح. وأقبل بعد ذلك السعيد المؤمني من مراكش سنة 646هـ، 1248م يريد حرب الحفصي بإفريقية، فقاتل أبا يحيى يغمراسن لكن النصر كان لهذا الأخير، فقتل السعيد وغنم ما كان معه من ذخائر الدولة الموحدية وما كان لجيشه من متاع ومال. وكان ذلك بدء استقلال بني عبد الواد في تلمسان وما حولها من وسط غربي المغرب الأوسط. وكان يغمراسن أول من خلط زي البداوة بأبهة الملك في تلك الدولة، فكان محبًا للعلم ومجالسة العلماء، وقد استمرت إمارته أكثر من أربع وأربعين سنة (ت سنة 681هـ، 1283م).
برزت تلمسان في ظل دولة بني عبد الواد كمركز ثقافي له أهميته، كما اشتهرت ببساتينها الغناء التي كانت منتجاتها تصدر عن طريق الموانئ الساحلية. وقد طمع جيرانها المرينيون والحفصيون في الاستيلاء عليها، فقد حاصرها أبو زكرياء الحفصي ودخلها سنة 640هـ، 1042م، وفرض عليها الولاء للحفصيين. وضمها المرينيون فعلاً بعد ذلك في سنة 737هـ، 1337م إلى أن أحيا الدولة أبو حمو الثاني 760هـ -791هـ، 1359- 1389م وأصبحت تُعرف بالدولة الزيانية، نسبة لبني زيان.
وفي الوقت الذي كانت فيه تلمسان حاضرة المغرب الأوسط، كانت المدن الساحلية تكوّن دويلات مستقلة شبيهة بالدويلات القائمة بإيطاليا. وقد أدى ذلك إلى طمع القوى الأوروبية النصرانية في البلاد، فغزا الصقليون بعض مدنها الساحلية واحتلوها فترة خلال القرن السابع الهجري (الرابع عشر الميلادي)، واشتد الخطر الأسباني عليها منذ بداية القرن العاشر الهجري (نهاية القرن الخامس عشر الميلادي). وقد كان الأسبان آنذاك يحتلون سبتة ومليلة، فاتجهوا بحملاتهم البحرية العدوانية شرقًا من ساحل الجزائر إلى طرابلس الغرب. وترجع هذه الحملات، بالإضافة إلى تمكن الروح الصليبية في الأسبان، إلى هجرة مسلمي الأندلس إلى موانئ المغرب العربي ومساهمتهم في تنشيط حركة الجهاد البحري وفي شن الغارات على ساحل أسبانيا. وقد شنت القوات البحرية الأسبانية حملة على ميناء المرسى الكبير في غرب الجزائر سنة 1505م، واستولت على حجر باديس سنة 1508م، وعلى وهران وبجاية سنة 1509م، وأجبرت ميناءي دلس والجزائر على دفع إتاوة، وأقام الأسبان أمام هذه الأخيرة حصنًا على صخرة مواجهة عُرف بالبينون.وعجزت مملكة تلمسان الزيانية عن مواجهة الخطر الأسباني، بسبب ضآلتها وتعرضها في تلك الفترة لتفكك جديد واضطرابات داخلية. فانتهى بها الأمر إلى عقد صلح مع الأسبان سنة 1512م، اعترفت فيه باستيلائهم على عدة موانئ في غربي البلاد. ولم ينقذ هذه الأخيرة من الهاوية التي تردت فيها، إلا ظهور الأسطول العثماني في غربي البحر المتوسط، كقوة قادرة على وقف الخطر الأسباني وعاملة، فيما بعد، على توحيد المغرب الأوسط سياسيًا.
اجتذب الصراع بين الإسلام والنصرانية (الأسبانية خصوصًا) في الحوض الغربي للبحر المتوسط في أوائل القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) عددًا كبيرًا من البحارة المغامرين، الذي نشأوا في خدمة الأسطول العثماني، ثم راحوا يكوّنون أساطيل صغيرة تعمل لحسابهم الخاص وتجاهد ضد أعداء الدين. ومن هؤلاء الأخوان عروج وخير الدين الذي عُرِف ببربروسة، أي (ذي اللحية الحمراء). فقد بدأ الأول نشاطه في غربي البحر المتوسط حوالي سنة 916هـ، 1510م، وفتح له الأمير الحفصي موانئ إفريقية. ولما سمع أهل المغرب الأوسط بغاراته الناجحة على الأسبان استقدموه إلى بلادهم، ليساعدهم على استرداد بجاية أكبر موانئ شرق الجزائر آنذاك. ثم استدعاه حاكم ميناء الجزائر، فنجح مع قوة عثمانية صغيرة في صد هجوم أسباني عن المدينة سنة 922هـ، 1517م. وحين خان بعض أهل تلمسان عروجًا اضطر للفرار فتتبعته القوات الأسبانية وقتلته وهو في طريقه إلى الجزائر.
تحرّج موقف خير الدين بالجزائر، فاستعان بالسلطان العثماني سليم سنة 924هـ، 1518م. فأرسل له السلطان ألفي إنكشاري وسمح لرعاياه بالتطوع في جيش المغرب، ودخلت الجزائر ضمن الولايات العثمانية. لكن كان على خير الدين أن يجاهد في جبهتين إحداهما ضد دول أوروبا وأسبانيا بخاصة، والأخرى توحيد البلاد في قوة إسلامية تواجه خصومه في المتوسط، فنجح في صراعه مع أوروبا وإلى قدر كبير في طرد الأسبان من الموانئ التي كانوا يحتلونها على سواحل المغرب الأوسط، باستثناء وهران التي ظلت تحت السيطرة الأسبانية حتى القرن الثامن عشر. وقد واجه في سبيل ذلك مؤامرات الحفصيين بإفريقية وبني زيان وغيرهم من القوى المحلية. لكن نجاحه سنة 936هـ، 1529م في القضاء على حصن البينون الأسباني، كان بداية حقيقية لتأسيس ولاية الجزائر وتحول ميناء الجزائر إلى عاصمة للمغرب الأوسط.
وأصبحت الجزائر عاصمة للولايات العثمانية في شمالي إفريقيا، بعد انضواء كل من تونس وطرابلس الغرب تحت لواء السلطنة العثمانية. فكان ممثل الدولة فيها يحمل لقب بيلرباي أي (رئيس البايات)، لكن هذا الإشراف لم يدم طويلاً. على أن تبعية ولاية الجزائر وغيرها من ولايات لم يقف عند حد الإدارة المحلية، بل تجاوز ذلك إلى التحكم في اختيار الولاة. فقد شهدت الجزائر تغيرات عدة في نظام الحكم، بحيث يمكن تمييز أربع مراحل هي: عهد النيابة (922 ـ 977هـ، 1516 ـ 1588م) حكم فيه البيلربايات فسيطروا على جند الإنكشارية والبحرية، عهد الباشوات (997 ـ 1070هـ، 1588 ـ 1659م) أصبحت فيه الجزائر ولاية عادية، وفقد الباشوات السيطرة على الإنكشارية، فانتقلت السلطة الفعلية إليهم في عهد حكم الأوجاق وهو المجلس الأعلى للجند (1070 ـ 1082هـ، 1659 ـ 1672م)، وقد انتشرت الفوضى مما جعل رؤساء البحر يضعون حدًا لسيطرة الإنكشارية فبدأ عهد الدايات (1082 ـ 1246هـ، 1672 ـ 1830م). وقد كانت الخلافة العثمانية تصادق على جميع هذه التغييرات، وظلت مستمرة على إرسال الباشوات الذين يمثلونها في الجزائر، حتى قرر علي داي سنة 1122هـ، 1710م إخراج الباشا من البلاد، ومنذ ذلك الوقت حمل الدايات لقب الباشا مع لقب الداي.
لم يقم نظام الحكم المحلي بالجزائر العثمانية على إدارة مباشرة، فاعتمد خارج المدن على تحالفات مع القبائل. وتركت الإدارة المركزية بعض التكتلات القبلية القوية دون التدخل في شؤونها، مكتفية بتلقي إتاوة غير منتظمة من بعضها. كما اشتهرت بعض القبائل بالتخصص في الخدمة العسكرية لدى العثمانيين مثل قبيلة زواوة. وظهرت طبقة خاصة من الجند العثمانيين تُعرف بالكورغلي، ناتجة عن زواج جند الأتراك من نساء محليات، عهد لها بالمحافظة على الأمن في الأقاليم. ولما استقر نظام الدايات تكون في مدينة الجزائر ديوان شبيه بمجلس الوزراء. وكان الداي يتخذ مقره في أعلى مدينة الجزائر بضاحية تُعرف بالجنينة، إلى أن انتقل عمر باشا سنة 1815م إلى القصبة في أسفل المدينة على البحر ليكون في مأمن من الاضطرابات.
وقد تجمعت لدى الدايات ثروة ضخمة من الهدايا التي كان يقدمها قناصل الدول الأجنبية، ومن نصيبهم من غنائم البحر، ومما يتلقونه من إتاوات لقاء تعيين حكام الأقاليم والنواحي. وازدهرت مدينة الجزائر وخاصة في القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين (القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين)، وبلغ سكانها حوالي مائة ألف نسمة. ولكن شأنها أخذ يتضاءل خلال القرن الثاني عشرالهجري (القرن الثامن عشر الميلادي)، حتى وصل عدد سكانها إلى ثلاثين ألفًا سنة 1246هـ، 1830م عندما احتلها الفرنسيون.
كانت علاقات الجزائر مع أوروبا سيئة في معظم فترات حكم الدولة العثمانية، وذلك بسبب الروح الصليبية التي تزعمتها أسبانيا وحركة الجهاد في البحر التي تزعمتها الجزائر، وهي ما ينعتها الأوروبيون بالقرصنة ظلمًا وقد هيأ موقع الجزائر وطول سواحلها لحكومتها تفوق بحري تجلّى خلال القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين (القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين) في امتلاكها أسطولاً ضخمًا من أحدث أساطيل العالم وأقواها، تجاوز نشاطه البحر المتوسط إلى بحار الشمال، وكان يدر أرباحًا طائلة على المساهمين فيه بسبب ما يأتي به من غنائم وأسرى، حتى عدت مسألة استرقاق الأسرى وافتدائهم من أهم المسائل التي شغلت العلاقات بين الجزائر وأوروبا. وأذل أسطول الجزائر كثيرًا من الدول الأوروبية وأجبرها على دفع إتاوات وهدايا لحكامها نظير تأمين ملاحتها في المتوسط، ولا تكاد تخرج دولة منها عن هذا الالتزام. واستمرت بعض الدول تدفع ما عليها من إتاوات بصورة منتظمة حتى تدهورت قوة الجزائر البحرية قبيل الغزو الفرنسي، أما فرنسا فقد كفت عن تقديم الهدايا منذ عهد نابليون. ورغم ما بدا على تلك القوة البحرية من علامات الضعف منذ مطلع القرن الثاني عشر الهجري (نهاية القرن السابع عشر الميلادي)، فإن الدايات لم يكفوا عن العمل من أجل تخليص البلاد من الاحتلال الأسباني. لكن ذلك لم يتحقق نهائيًا إلا على يد الداي محمد باشا (1183- 1203هـ، 1769- 1788م) الذي اشتهر بجهاده البحري ضد الأسبان، وقد تكلل جهاده بخيبة ملك أسبانيا شارل الثالث في ثلاث حملات بحرية متتالية شنها على الجزائر في عهد ذلك الداي بين سنتي 1189- 1200هـ، 1775- 1785م، وبتسليم ميناء وهران إلى حسان داي سنة 1206هـ، 1791م.
الجزائر مستعمرة فرنسيةتحرّج موقف خير الدين بالجزائر، فاستعان بالسلطان العثماني سليم سنة 924هـ، 1518م. فأرسل له السلطان ألفي إنكشاري وسمح لرعاياه بالتطوع في جيش المغرب، ودخلت الجزائر ضمن الولايات العثمانية. لكن كان على خير الدين أن يجاهد في جبهتين إحداهما ضد دول أوروبا وأسبانيا بخاصة، والأخرى توحيد البلاد في قوة إسلامية تواجه خصومه في المتوسط، فنجح في صراعه مع أوروبا وإلى قدر كبير في طرد الأسبان من الموانئ التي كانوا يحتلونها على سواحل المغرب الأوسط، باستثناء وهران التي ظلت تحت السيطرة الأسبانية حتى القرن الثامن عشر. وقد واجه في سبيل ذلك مؤامرات الحفصيين بإفريقية وبني زيان وغيرهم من القوى المحلية. لكن نجاحه سنة 936هـ، 1529م في القضاء على حصن البينون الأسباني، كان بداية حقيقية لتأسيس ولاية الجزائر وتحول ميناء الجزائر إلى عاصمة للمغرب الأوسط.
وأصبحت الجزائر عاصمة للولايات العثمانية في شمالي إفريقيا، بعد انضواء كل من تونس وطرابلس الغرب تحت لواء السلطنة العثمانية. فكان ممثل الدولة فيها يحمل لقب بيلرباي أي (رئيس البايات)، لكن هذا الإشراف لم يدم طويلاً. على أن تبعية ولاية الجزائر وغيرها من ولايات لم يقف عند حد الإدارة المحلية، بل تجاوز ذلك إلى التحكم في اختيار الولاة. فقد شهدت الجزائر تغيرات عدة في نظام الحكم، بحيث يمكن تمييز أربع مراحل هي: عهد النيابة (922 ـ 977هـ، 1516 ـ 1588م) حكم فيه البيلربايات فسيطروا على جند الإنكشارية والبحرية، عهد الباشوات (997 ـ 1070هـ، 1588 ـ 1659م) أصبحت فيه الجزائر ولاية عادية، وفقد الباشوات السيطرة على الإنكشارية، فانتقلت السلطة الفعلية إليهم في عهد حكم الأوجاق وهو المجلس الأعلى للجند (1070 ـ 1082هـ، 1659 ـ 1672م)، وقد انتشرت الفوضى مما جعل رؤساء البحر يضعون حدًا لسيطرة الإنكشارية فبدأ عهد الدايات (1082 ـ 1246هـ، 1672 ـ 1830م). وقد كانت الخلافة العثمانية تصادق على جميع هذه التغييرات، وظلت مستمرة على إرسال الباشوات الذين يمثلونها في الجزائر، حتى قرر علي داي سنة 1122هـ، 1710م إخراج الباشا من البلاد، ومنذ ذلك الوقت حمل الدايات لقب الباشا مع لقب الداي.
لم يقم نظام الحكم المحلي بالجزائر العثمانية على إدارة مباشرة، فاعتمد خارج المدن على تحالفات مع القبائل. وتركت الإدارة المركزية بعض التكتلات القبلية القوية دون التدخل في شؤونها، مكتفية بتلقي إتاوة غير منتظمة من بعضها. كما اشتهرت بعض القبائل بالتخصص في الخدمة العسكرية لدى العثمانيين مثل قبيلة زواوة. وظهرت طبقة خاصة من الجند العثمانيين تُعرف بالكورغلي، ناتجة عن زواج جند الأتراك من نساء محليات، عهد لها بالمحافظة على الأمن في الأقاليم. ولما استقر نظام الدايات تكون في مدينة الجزائر ديوان شبيه بمجلس الوزراء. وكان الداي يتخذ مقره في أعلى مدينة الجزائر بضاحية تُعرف بالجنينة، إلى أن انتقل عمر باشا سنة 1815م إلى القصبة في أسفل المدينة على البحر ليكون في مأمن من الاضطرابات.
وقد تجمعت لدى الدايات ثروة ضخمة من الهدايا التي كان يقدمها قناصل الدول الأجنبية، ومن نصيبهم من غنائم البحر، ومما يتلقونه من إتاوات لقاء تعيين حكام الأقاليم والنواحي. وازدهرت مدينة الجزائر وخاصة في القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين (القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين)، وبلغ سكانها حوالي مائة ألف نسمة. ولكن شأنها أخذ يتضاءل خلال القرن الثاني عشرالهجري (القرن الثامن عشر الميلادي)، حتى وصل عدد سكانها إلى ثلاثين ألفًا سنة 1246هـ، 1830م عندما احتلها الفرنسيون.
كانت علاقات الجزائر مع أوروبا سيئة في معظم فترات حكم الدولة العثمانية، وذلك بسبب الروح الصليبية التي تزعمتها أسبانيا وحركة الجهاد في البحر التي تزعمتها الجزائر، وهي ما ينعتها الأوروبيون بالقرصنة ظلمًا وقد هيأ موقع الجزائر وطول سواحلها لحكومتها تفوق بحري تجلّى خلال القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين (القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين) في امتلاكها أسطولاً ضخمًا من أحدث أساطيل العالم وأقواها، تجاوز نشاطه البحر المتوسط إلى بحار الشمال، وكان يدر أرباحًا طائلة على المساهمين فيه بسبب ما يأتي به من غنائم وأسرى، حتى عدت مسألة استرقاق الأسرى وافتدائهم من أهم المسائل التي شغلت العلاقات بين الجزائر وأوروبا. وأذل أسطول الجزائر كثيرًا من الدول الأوروبية وأجبرها على دفع إتاوات وهدايا لحكامها نظير تأمين ملاحتها في المتوسط، ولا تكاد تخرج دولة منها عن هذا الالتزام. واستمرت بعض الدول تدفع ما عليها من إتاوات بصورة منتظمة حتى تدهورت قوة الجزائر البحرية قبيل الغزو الفرنسي، أما فرنسا فقد كفت عن تقديم الهدايا منذ عهد نابليون. ورغم ما بدا على تلك القوة البحرية من علامات الضعف منذ مطلع القرن الثاني عشر الهجري (نهاية القرن السابع عشر الميلادي)، فإن الدايات لم يكفوا عن العمل من أجل تخليص البلاد من الاحتلال الأسباني. لكن ذلك لم يتحقق نهائيًا إلا على يد الداي محمد باشا (1183- 1203هـ، 1769- 1788م) الذي اشتهر بجهاده البحري ضد الأسبان، وقد تكلل جهاده بخيبة ملك أسبانيا شارل الثالث في ثلاث حملات بحرية متتالية شنها على الجزائر في عهد ذلك الداي بين سنتي 1189- 1200هـ، 1775- 1785م، وبتسليم ميناء وهران إلى حسان داي سنة 1206هـ، 1791م.
جمعت الدول الأوروبية قواها لإرغام الجزائر على التوقف عن تعرضها لسفن تلك الدول، فهاجمت البحريتان البريطانية والهولندية الأسطول الجزائري سنة 1231هـ، 1815م فأصبحت سواحل الجزائر مكشوفة لهجمات الأعداء.
وقد دفعت فرنسا لاحتلال الجزائر عدة أسباب، منها فقدان فرنسا لمستعمراتها خلال حروب نابليون ورغبتها في تكوين إمبراطوريتها من جديد، وقد لقيت في ذلك تأييد دول أوروبا من وجهة نظر صليبية. كما أن الملك الفرنسي تشارل العاشر كان يعاني من تفاقم المعارضة الداخلية ضده، فرأى أن يصرف أنظار شعبه إلى الخارج بافتعال الحرب ضد الجزائر ويكسب نصرًا سهلاً. أما السبب المباشر فيكمن في أن فرنسا كانت قد مرت بضائقة اقتصادية شديدة إبان حروب نابليون وعداء الدول الأوروبية لها، فساعدتها الجزائر بأن باعتها حبوبًا بأثمان مؤجلة، وكان التاجران اليهوديان الأخوان بوشناق قد قاما بدور الوساطة في تلك الصفقة، فتآمرا وتلكأت فرنسا في دفع ما عليها، وألح داي الجزائر في الخلاص، فكانت حادثة المروحة التي اتخذتها فرنسا مبررًا لاحتلال الجزائر. لقد ادعت فرنسا أن قنصلها أهين من قِبَل الداي حسين في موكب رسمي، عندما جاء يهنئ هذا الأخير بعيد فطر سنة 1242هـ (28/ 4/1827م) فخاطبه بشأن الدين وغضب لرد ذلك القنصل، فضربه بكشاشة الذباب على وجهه. وجرت أحداث عدة وتهديد من فرنسا للداي بحصار إن لم يقدم اعتذارًا مهينًا عن الواقعة، ورفض الداي تقديم الاعتذار. وأخيرًا شنت حملة بحرية ضخمة على الجزائر، شاركت فيها 503 سفينة تحمل أربعين ألف جندي وثلاثة آلاف مدفع.
أنزلت الحملة الفرنسية قواتها بضاحية سيدي فرج، وهزمت جند الجزائر بعد خمسة أيام من المعارك، فدخلت مدينة الجزائر يوم 14/1/1246هـ (5/7/1830م). لكن سقوط مدينة الجزائر بتلك السهولة لم يؤد إلى خضوع البلاد، وإنما دفعها للسير في اتجاهين متوازيين: اتجاه الفرنسة والإلحاق الذي تبنته السلطات الاستعمارية، واتجاه المقاومة والجهاد الذي التزم به الشعب الجزائري واستمات فيه.
عمدت فرنسا إلى إلحاق الجزائر بها، وعينت عليها حاكمًا عامًا فرنسيًا يرجع بالنظر إلى وزارة الداخلية. وعملت جهدها لفَرْنَسَة البلاد، عن طريق محاولة فَرْنَسَة عرب الجزائر من ناحية، وجلب أعداد كبيرة من المهاجرين الأجانب عامة، والفرنسيين خاصة، ليستوطنوا الجزائر من ناحية أخرى. ولما أبدى الجزائريون رفضهم للتفرنس، عملت فرنسا على إبادتهم وتشريدهم ونشر الجهل والفقر بينهم. ومن الأساليب التي اتبعتها لتحقيق تلك الأهداف، محاربة اللغة العربية والدين الإسلامي بغلق الكتاتيب القائمة ومنع انتشار المدارس الأهلية، وفرض اللغة الفرنسية وحدها في التعليم، وبهدم المساجد وتحويل بعضها إلى كنائس (من أبرزها الجامع الكبير بمدينة الجزائر). والاستيلاء على مصادر الثروة، ومن ذلك مصادرة الأراضي الخصبة سواء أكانت ملكيات خاصة أم أراضي أوقاف أم أراضي جماعية للقبائل، لتسلمها إلى المستوطنين الأجانب. وقد فرض دستور سنة 1339هـ، 1920م الجنسية الفرنسية على الجزائريين، وكانت فرنسا بعد صدور هذا الدستور تفرض على الجزائريين واجبات المواطن الفرنسي كالخدمة العسكرية لكنها تحرمهم حقوق المواطنة، وتمارس عليهم تفرقة عنصرية ودينية. وبموجب تلك السياسة ساقت فرنسا عشرات الآلاف من شباب الجزائر إلى جبهات القتال أثناء الحربين العالميتين الأولى (1914 - 1918م) والثانية (1939 - 1945م)، وأجبرتهم على القتال في حروبها الاستعمارية لقمع انتفاضات شعوب المستعمرات الفرنسية في سوريا وإفريقيا والهند الصينية. تمسك الجزائريون بعروبتهم وإسلامهم، وقاوموا مائة و اثنين وثلاثين عامًا جنود الاحتلال قدموا فيها ما لا يقل عن مليون من الشهداء حتى أرغموا المستعمر على التسليم
وقد دفعت فرنسا لاحتلال الجزائر عدة أسباب، منها فقدان فرنسا لمستعمراتها خلال حروب نابليون ورغبتها في تكوين إمبراطوريتها من جديد، وقد لقيت في ذلك تأييد دول أوروبا من وجهة نظر صليبية. كما أن الملك الفرنسي تشارل العاشر كان يعاني من تفاقم المعارضة الداخلية ضده، فرأى أن يصرف أنظار شعبه إلى الخارج بافتعال الحرب ضد الجزائر ويكسب نصرًا سهلاً. أما السبب المباشر فيكمن في أن فرنسا كانت قد مرت بضائقة اقتصادية شديدة إبان حروب نابليون وعداء الدول الأوروبية لها، فساعدتها الجزائر بأن باعتها حبوبًا بأثمان مؤجلة، وكان التاجران اليهوديان الأخوان بوشناق قد قاما بدور الوساطة في تلك الصفقة، فتآمرا وتلكأت فرنسا في دفع ما عليها، وألح داي الجزائر في الخلاص، فكانت حادثة المروحة التي اتخذتها فرنسا مبررًا لاحتلال الجزائر. لقد ادعت فرنسا أن قنصلها أهين من قِبَل الداي حسين في موكب رسمي، عندما جاء يهنئ هذا الأخير بعيد فطر سنة 1242هـ (28/ 4/1827م) فخاطبه بشأن الدين وغضب لرد ذلك القنصل، فضربه بكشاشة الذباب على وجهه. وجرت أحداث عدة وتهديد من فرنسا للداي بحصار إن لم يقدم اعتذارًا مهينًا عن الواقعة، ورفض الداي تقديم الاعتذار. وأخيرًا شنت حملة بحرية ضخمة على الجزائر، شاركت فيها 503 سفينة تحمل أربعين ألف جندي وثلاثة آلاف مدفع.
أنزلت الحملة الفرنسية قواتها بضاحية سيدي فرج، وهزمت جند الجزائر بعد خمسة أيام من المعارك، فدخلت مدينة الجزائر يوم 14/1/1246هـ (5/7/1830م). لكن سقوط مدينة الجزائر بتلك السهولة لم يؤد إلى خضوع البلاد، وإنما دفعها للسير في اتجاهين متوازيين: اتجاه الفرنسة والإلحاق الذي تبنته السلطات الاستعمارية، واتجاه المقاومة والجهاد الذي التزم به الشعب الجزائري واستمات فيه.
عمدت فرنسا إلى إلحاق الجزائر بها، وعينت عليها حاكمًا عامًا فرنسيًا يرجع بالنظر إلى وزارة الداخلية. وعملت جهدها لفَرْنَسَة البلاد، عن طريق محاولة فَرْنَسَة عرب الجزائر من ناحية، وجلب أعداد كبيرة من المهاجرين الأجانب عامة، والفرنسيين خاصة، ليستوطنوا الجزائر من ناحية أخرى. ولما أبدى الجزائريون رفضهم للتفرنس، عملت فرنسا على إبادتهم وتشريدهم ونشر الجهل والفقر بينهم. ومن الأساليب التي اتبعتها لتحقيق تلك الأهداف، محاربة اللغة العربية والدين الإسلامي بغلق الكتاتيب القائمة ومنع انتشار المدارس الأهلية، وفرض اللغة الفرنسية وحدها في التعليم، وبهدم المساجد وتحويل بعضها إلى كنائس (من أبرزها الجامع الكبير بمدينة الجزائر). والاستيلاء على مصادر الثروة، ومن ذلك مصادرة الأراضي الخصبة سواء أكانت ملكيات خاصة أم أراضي أوقاف أم أراضي جماعية للقبائل، لتسلمها إلى المستوطنين الأجانب. وقد فرض دستور سنة 1339هـ، 1920م الجنسية الفرنسية على الجزائريين، وكانت فرنسا بعد صدور هذا الدستور تفرض على الجزائريين واجبات المواطن الفرنسي كالخدمة العسكرية لكنها تحرمهم حقوق المواطنة، وتمارس عليهم تفرقة عنصرية ودينية. وبموجب تلك السياسة ساقت فرنسا عشرات الآلاف من شباب الجزائر إلى جبهات القتال أثناء الحربين العالميتين الأولى (1914 - 1918م) والثانية (1939 - 1945م)، وأجبرتهم على القتال في حروبها الاستعمارية لقمع انتفاضات شعوب المستعمرات الفرنسية في سوريا وإفريقيا والهند الصينية. تمسك الجزائريون بعروبتهم وإسلامهم، وقاوموا مائة و اثنين وثلاثين عامًا جنود الاحتلال قدموا فيها ما لا يقل عن مليون من الشهداء حتى أرغموا المستعمر على التسليم