المقال طويل لكنه جدير بالقراءة ، أنصحكم بالمحاولة
شبكة مخابرات اسرائيلية لتجنيد الشباب العرب من خلال المنتديات والشات
خبراء الموساد يحللون كل ما يبوح به الشباب العرب على شبكة الانترنت
السفير الاسرائيلي فى باريس يشن حملة اعلامية ضد المجلة
هل يمكن أن نتخيل أن نكون جميعا جواسيس دون أن ندرى أو نشعر وأن نقدم معلومات مهمة للمخابرات الإسرائيلية أو الأمريكية دون أن نعرف أننا نقدم لهم شيئاً مهما ؟!!
هذه هى الحقيقة فالأمر أصبح سهلا حيث لا يتطلب من أى شخص سوى الدخول إلى الإنترنت وخاصة غرف الدردشة، والتحدث بالساعات مع أى شخص لا يعرفه فى أى موضوع حتى فى الجنس معتقدًا أنه يفرغ شيئا من الكبت الموجود لديه ويضيع وقته ويتسلى فى نفس الوقت، ولكن الذى لا يعرفه أن هناك من ينتظر لتحليل كل كلمة نقوم بكتابتها أو بالحديث فيها لتحليلها واستخراج المعلومات المطلوبة منها دون أن يشعر هذا الشخص أنه أصبح جاسوسا وعميلا للمخابرات الإسرائيلية أو الأمريكية..
فإذا كانت التكنولوجيا الحديثة قد فرضت نفسها علينا وغيرت كل شىء من حولنا فأصبح كل شىء آليا ورقميا وكل ما يتخيله الإنسان الآن أصبح من السهل تحقيقه، فإن التكنولوجيا أيضا أصبحت إحدى وسائل الجاسوسية فى هذا العالم الملئ بالأسرار والغرائب والعجائب بل والطرائف أيضا.
هذه الحقيقة نشرتها مجلة (مجلة اسرائيل ) وهى المجلة اليهودية التى تصدر فى فرنسا منذ فترة قصيرة حيث نشرت ملفا عن (عملاء الإنترنت) الذين هم فى الحقيقة يشكلون اليوم إحدى أهم الركائز الإعلامية للمخابرات الإسرائيلية والأمريكية على حد سواء، وبالملف معلومات غاية فى الأهمية والخطورة عن أحدث طرق للجاسوسية تقوم بها كل من المخابرات الإسرائيلية والأمريكية عن طريق أشخاص عاديين مثلنا جميعا لا يعرفون أنهم يفعلون شيئا خطيرا بل يفتحون الإنترنت وبالتحديد صفحات الدردشة الفورية لقضاء الساعات فى الكلام عن أشياء قد تبدو من أول وهلة غير مهمة، وأحيانا تافهة أيضا، لكنها تشكل أهم المحاور التى تركز عليها أجهزة استقطاب المعلومات فى المخابرات الإسرائيلية (والأمريكية)؛ لأنها ببساطة تساعدها على قراءة السلوك العربى، سلوك الفرد وبالخصوص الشباب الذين يشكلون أكثر من 70% من سكان الوطن العربى..!
عملية الأمل الكبير!
والحكاية كما تحكيها المجلة اليهودية بدأت فى عام 1998 حين اجتمع ضابط المخابرات الإسرائيلى (موشى أهارون) مع نظيره الأمريكى فى مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، لم يكن الأمر يعدو اجتماعا روتينيا، بل كان الجانب الأمريكى يسعى فيه إلى الحصول على الحقائق اللوجستية التى من عادة المخابرات الإسرائيلية تقديمها للأمريكيين عن الدول المتهمة قبلا (بمحور الشر)، والتى تطلق عليها إدارة البيت الأبيض الدول المارقة، لكن الجانب الإسرائيلى كان يبحث عن الدعم اللوجستى غير المعلوماتى، بل المادى لتأسيس مكتب ظل ليكون بمثابة (الأمل الكبير) لموشى أهارون الذى كان من أبرز الوجوه الإسرائيلية المختصة فى الشئون الأمنية العربية، والذى كان وراء عمليات اغتيال شخصيات فلسطينية فى تركيا ونيروبى وساحل العاج وتونس ودول أخرى أوروبية -يوغسلافيا سابقا- واسبانيا وايطاليا.
كان الأمر على غرابته أول الأمر يبدو مثيرا للاهتمام بالنسبة للأمريكيين الذين اشترطوا أن يكونوا ضمن (الشبكة)، وماديا لم تكن إسرائيل قادرة على ضمان (نجاح) تجربة مخابراتية عبر الإنترنت من دون مساعدة أمريكية عبر الأقمار الصناعية، وعبر المواقع البريدية الأمريكية التى تخدم بالخصوص (الشات) بكل مجالاته والتى يقع الإقبال عليها من قبل شباب العالم الثالث فى القارات الخمس.
وفى الأول من مايو عام 2002 تم الكشف لأول مرة فى جريدة (التايمز) عن وجود شبكة مخابراتية تركز اهتماماتها على جمع أكبر عدد من (العملاء) أولا، وبالتالى من المعلومات التى يعرف الكثير من الاختصاصيين النفسانيين المنكبين على المشروع كيفية جمعها، وبالتالى كيفية استغلالها لتكون معلومة (ذات أهمية قصوى).
وقد جاء ما نشرته مجلة (لوماجازين ديسراييل) الصادرة فى فرنسا مثيرا للدهشة؛ ربما لأنها نقلت عن (ملفات سرية) الكثير من التفاصيل التى استطاعت أن تجمعها عن مصادر موثوقة فى إسرائيل، وهو ما أثار فى النهاية سخط السفير الإسرائيلى فى فرنسا ضد المجلة اليهودية التى اتهمتها الكثير من الجهات اليهودية بأنها كشفت أسراراً لا يحق لها كشفها للعدو وهو ما تراه المجلة نفسها: الحق فى المعرفة!
إلا أن الموضوع لم ينته عن هذا الحد بل بدأ الكل فى البحث والمعرفة عن مدى صحة هذا الكلام وهل صحيح أنه يمكن من خلال حوارات عابرة فى الشات أن يحصل جهاز مخابراتى على معلومات يبنى عليها شيئاً مهماً وهل هناك شىء اسمه (مخابرات الإنترنت).
تجنيد شباب العالم الثالث
يقول (جيرالد نيرو) أستاذ فى كلية علم النفس بجامعة بروفانس الفرنسية، وصاحب كتاب (مخاطر الإنترنت): إن هذه شبكة تم الكشف عنها سنة 2001، بالتحديد فى مايو 2001، وهى عبارة عن مجموعة شبكات يديرها مختصون نفسانيون إسرائيليون مجندون لاستقطاب شباب العالم الثالث وبالتحديد الشباب المقيم فى دول المحور (محور الصراع العربى الفلسطينى) من جهة، ومن جهة أخرى دول المحور الجنوب أمريكى (فنزويلا، نيكاراجوا.. الخ).
ويضيف (جيرالد نيرو) قائلا: فى الحقيقة إن كل من له قدرة على استخدام الإنترنت لسد وقت الفراغ أو لحاجة نفسية يعتبر (عميلا مميزا)؛ لأن المواقع التى تثير الشباب هى التى تمنحهم مساحة من الحوار ربما يفتقدونها فى حياتهم اليومية، ناهيك عن أن استعمال الإنترنت يضمن خصوصية معينة، حيث إن المتكلم يحتفظ عادة بسرية شخصه، كأن يستعمل اسما مستعارا، وبالتالى يكون إحساسه (الرمزى) بالحرية أكثر انطلاقا، ناهيك عن أن تركيز الشباب لا يكون على الموقع نفسه، بل على من سيلتقيه للحديث معه، وخاصة البحث عن الجنس اللطيف للحوار.
والمسألة تبدو سهلة بالنسبة لضباط المخابرات الذين ينشطون بشكل مكثف داخل مواقع الدردشة خاصة فى المناطق الأكثر حساسية فى العالم.
وربما يعتقد بعض مستخدمى الإنترنت أن الكلام عن (الجنس) مثلا ضمان يبعد الشبهة السياسية عن المتكلم، بينما الحقيقة أن الحوار الجنسى هو وسيلة خطيرة لكشف الأغوار النفسية، وبالتالى لكشف نقاط ضعف من الصعب اكتشافها فى الحوارات العادية الأخرى، لهذا يسهل (تجنيد) العملاء انطلاقا من تلك الحوارات الخاصة جدا، والتى تشمل فى العادة غرف النوم والصور الإباحية وما إلى ذلك، بحيث إنها السبيل الأسهل للإيقاع بالشخص ودمجه فى عالم يسعى رجل المخابرات إلى جعله عالم العميل، أى أفيونه الشخصى!.
مخابرات الإنترنت
أما الدكتورة (مارى سيجال) وهى أخصائية اجتماعية مختصة فى السلوك البشرى فى جامعة (لوروا) ببلجيكا فتقول إن عبارة المخابرات الإنترنتية إنما هو مصطلح جديد على مسامع الآخرين، وبالرغم من حقيقة وجوده فإن الأمريكيين اعتبروا أنفسهم قبل غزو العراق أنهم (يسعون إلى قراءة الشخصية العراقية) من خلال الإنترنت، أى استقطاب أكبر عدد من العراقيين بمختلف مستوياتهم لدراسة شخصيتهم وكان ذلك المشروع قيد البدء فعلا، قبل أن تتسارع الأحداث بغزو العراق بتلك الطريقة.
ومن وجهة النظر العلمية فإن استقطاب المعلومات لم يعد أمرا معقدا، بل صار أسهل من السابق بكثير ربما فى السنوات العشرين السابقة، كان (العميل) شخصا يتوجب تجنيده بشكل مباشر، بينما الآن يبدو (العميل) شخصا جاهزا، يمكن إيجاده على الخط، وبالتالى تبادل الآراء معه ونبش أسراره الخاصة أحيانا، وأسراره العامة بشكل غير مباشر.
وهنالك حادثة غريبة نشرها ضابط المخابرات الإسرائيلى الأمريكى (وليام سميث) الذى اشتغل إبان الحرب الباردة ضمن فرقة (المخابرات المعلوماتية)، حيث نشر فى جريدة الواشنطن بوست قبل عامين أجزاء من كتابه (أسرار غير خاصة) ويحكى عن تجنيد شباب عاطلين عن العمل من أمريكا اللاتينية، كان دورهم فى غاية البساطة والخطورة فى نفس الوقت عبارة عن كتابة تقرير عن الأوضاع السائدة فى بلدانهم.
حرب الإنترنت
وما يسمى (أبواب التعارف عبر الشات) عبارة عن عوالم أعطت للشخص احتياجات كثيرة منها أنه مسموع، لأول مرة فى حياته يجد من يتحاور معه ويصغى إليه، ولهذا فإن أدق معلومة تبدو مهمة، بحيث يتم جمع أكبر معلومات عن نفسية الأشخاص المستعملين لتلك الغرف، وهذا نجده بشكل كامل فى كتاب (غرف الشات المزدوجة) والتى يعرض فيها الصحفى (وضابط المخابرات الإسرائيلى) (دان شستاسكى) أن التركيز على فئة الشباب هى المهمة؛ لأن الشباب مندفع فى الكلام، وبالتالى التعرف على الجنس اللطيف هو فى الأساس ما جعل مكتب مخابرات الإنترنت يلجأ إلى تجنيد ضابطات نساء من الشبكة، لأن الطلب عليهن أكبر فى العالم الثالث وفى الشرق الأوسط عموما!.
وفى 27 مايو من عام 2002م نشرت جريدة اللوموند الفرنسية ملفا عن حرب الإنترنت، وهى الحرب التى انطلقت فعلا منذ أكثر من عشرين سنة، وتوسعت منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، بحيث تحولت من حرب معلوماتية إلى حرب تدميرية كان الهدف الأساسى منها احتكار (سوق الإنترنت) عبر مجموعة من المواقع التى رأت النور بعد ذلك التاريخ الأسود من أيلول 2001 بحيث إن أكثر من 58% من المواقع التى ظهرت كانت فى الحقيقة فروعا مؤكدة من أجهزة الاستخبارات للعديد من الدول، أهمها الولايات الأمريكية، وإسرائيل، تليهما بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا.
وقد كشفت مجلة (لاتريبون) الفرنسية أن ضابط الاستخبارات الإسرائيلى (أدون وردان) المعروف فى الوسط المخابراتى داخل وخارج إسرائيل هو نفسه (دانيال دوميليو) الذى أطلق موقع (شباب حر) الذى استقطب أكثر من 10 ملايين زائر فى سنة انطلاقته عام 2003م، وكان هذا الموقع الذى توقف فجأة بعد أن كشفت صحيفة الصنداى شخصية مؤسسة من أهم مواقع التعارف والكتابة الحرة التى كان يعبر فيها ملايين الشباب عن (غضبهم) من حكوماتهم.
وبالتالى كان ثمة ضباط من العديد من الدول الذين (اعتقدوا) أنهم يؤدون مهمة إنسانية بالكشف عن أسرار عسكرية فى غاية الخطورة، منهم ضباط من كوت ديفوار نشروا وثائق خطيرة عن الوضع الأمنى الذى تم استغلاله من قبل المخابرات الإسرائيلية فى السنة الماضية لمعاقبة فرنسا على موقفها السلبى من الحرب على العراق، يقول (دونالد ماكرو) بالحرف الواحد: (لقد لعب الإنترنت المهمة الأخطر على المستوى العسكرى، إذ إن مجرد السؤال فى حوار عادى عن الوضع السائد فى البلد الفلانى لم يعد بريئا، لكن ثمة أخصائيين يجيدون طرح الأسئلة بتفادى طرحها بشكل مباشر، ولإجبار الطرف الآخر على طرحها، فقد كانت دولة مثل إسرائيل فى الستينات والسبعينات تصرف الملايين من الدولارات كرواتب لعملاء تعمل على تدريبهم وبالتالى على تهيئتهم للأعمال المطلوبة منهم. كان عالم الجواسيس دائما محاطا بنفس الهالة الرهيبة والمخاطر التى نجحت السينما الأمريكية فى صياغتها).
ضحية رغم أنفه
فالجاسوس أو العميل هو نفسه الخائن فى كل اللغات، هو الشخص الذى يعى أنه يختار الجهة المضادة لأسباب مادية وأحيانا ثأرية، وهؤلاء يفعلون ذلك عن مغامرة وعن سقوط إرادى، لكن الذى يجرى أن (العميل) الراهن لا يعرف الدور الذى يقوم به، لا يعرف أنه يخون ويبيع أسرار بلده، لا يعرف أنه ضحية حوار غير برىء، ولا يعرف أن كل كلمة يقولها تمر على عشرات المحللين النفسانيين وأنه هو فى الأخير فأر تجارب فى عالم متناقض ومشبوه.
لهذا من الصعب جدا تفادى (كارثة الإنترنت) يقول أكثر من رأى: من الصعب تفادى (كارثة الشات) لأنه يبقى هو العالم المغرى للملايين من الشباب خصوصا من هم دون العشرين سنة، ولهم ثقافة حياتية وفكرية جد محدودة، بحيث لا يهمهم سوى الكلام فى أشياء (محظورة) مع شخص يعتقدونه جنسا لطيفا! يقول (مايكل هيجل) فى مجلة (بون) الألمانية:
وما يبدو حقيقيا جدا، وباعتراف ضباط سابقين فى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مثل (جون دلتون) وضابط الاستخبارات البريطانية المتقاعد (هنرى سرلوب) صاحب كتاب (واجهة شاحبة)، وضابط الاستخبارات الإسرائيلية (ميخائيل ماتان)، هؤلاء كتبوا بأنفسهم عن الدور الذى لعبوه فى استقطاب عملاء بطرق لم يكونوا ليحلموا بها، أى بجرهم إلى الحوار عبر الإنترنت.
والغريب فى الأمر الذى يحكيه (هنرى سرلوب): إن مواقع التعارف عبر الإنترنت هى التى تستقطب الملايين من الناس عبر العالم. وأن ركن التعارف جلب أطباء وصحافيين مثلما جلب رجال أعمال وموظفين عاديين وعسكريين أيضا، لهذا كانت المواقع المعنية بالتعارف من أكثر المواقع زيارة فى أوروبا وطبعا مفتوحة لاستقطاب شباب من العالم العربى، ومن أمريكا اللاتينية، والطريقة فى غاية السهولة نجدها ببساطة فى كتاب (العميل البرىء) للكاتب الإنجليزى أدوارد ريتشارسون حيث يقول:
(العميل المثالى هو الأكثر حنقا على نفسه، هو الكاره لذاته، الذى لا يحمل أى هدف محدد، فتلتقيه فى حالة شرود، لتقوده إلى عالمك، ولتصقل شخصيته كما تشاء، بأن تصنع منه عميلا مثاليا و(بريئا) لمجرد أنه لا يعرف أنه يقدم لك خدمات كبيرة مقابل أن تكون صديقه .
المصدر : مركز العهد الثقافي
منقول
شبكة مخابرات اسرائيلية لتجنيد الشباب العرب من خلال المنتديات والشات
خبراء الموساد يحللون كل ما يبوح به الشباب العرب على شبكة الانترنت
السفير الاسرائيلي فى باريس يشن حملة اعلامية ضد المجلة
هل يمكن أن نتخيل أن نكون جميعا جواسيس دون أن ندرى أو نشعر وأن نقدم معلومات مهمة للمخابرات الإسرائيلية أو الأمريكية دون أن نعرف أننا نقدم لهم شيئاً مهما ؟!!
هذه هى الحقيقة فالأمر أصبح سهلا حيث لا يتطلب من أى شخص سوى الدخول إلى الإنترنت وخاصة غرف الدردشة، والتحدث بالساعات مع أى شخص لا يعرفه فى أى موضوع حتى فى الجنس معتقدًا أنه يفرغ شيئا من الكبت الموجود لديه ويضيع وقته ويتسلى فى نفس الوقت، ولكن الذى لا يعرفه أن هناك من ينتظر لتحليل كل كلمة نقوم بكتابتها أو بالحديث فيها لتحليلها واستخراج المعلومات المطلوبة منها دون أن يشعر هذا الشخص أنه أصبح جاسوسا وعميلا للمخابرات الإسرائيلية أو الأمريكية..
فإذا كانت التكنولوجيا الحديثة قد فرضت نفسها علينا وغيرت كل شىء من حولنا فأصبح كل شىء آليا ورقميا وكل ما يتخيله الإنسان الآن أصبح من السهل تحقيقه، فإن التكنولوجيا أيضا أصبحت إحدى وسائل الجاسوسية فى هذا العالم الملئ بالأسرار والغرائب والعجائب بل والطرائف أيضا.
هذه الحقيقة نشرتها مجلة (مجلة اسرائيل ) وهى المجلة اليهودية التى تصدر فى فرنسا منذ فترة قصيرة حيث نشرت ملفا عن (عملاء الإنترنت) الذين هم فى الحقيقة يشكلون اليوم إحدى أهم الركائز الإعلامية للمخابرات الإسرائيلية والأمريكية على حد سواء، وبالملف معلومات غاية فى الأهمية والخطورة عن أحدث طرق للجاسوسية تقوم بها كل من المخابرات الإسرائيلية والأمريكية عن طريق أشخاص عاديين مثلنا جميعا لا يعرفون أنهم يفعلون شيئا خطيرا بل يفتحون الإنترنت وبالتحديد صفحات الدردشة الفورية لقضاء الساعات فى الكلام عن أشياء قد تبدو من أول وهلة غير مهمة، وأحيانا تافهة أيضا، لكنها تشكل أهم المحاور التى تركز عليها أجهزة استقطاب المعلومات فى المخابرات الإسرائيلية (والأمريكية)؛ لأنها ببساطة تساعدها على قراءة السلوك العربى، سلوك الفرد وبالخصوص الشباب الذين يشكلون أكثر من 70% من سكان الوطن العربى..!
عملية الأمل الكبير!
والحكاية كما تحكيها المجلة اليهودية بدأت فى عام 1998 حين اجتمع ضابط المخابرات الإسرائيلى (موشى أهارون) مع نظيره الأمريكى فى مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، لم يكن الأمر يعدو اجتماعا روتينيا، بل كان الجانب الأمريكى يسعى فيه إلى الحصول على الحقائق اللوجستية التى من عادة المخابرات الإسرائيلية تقديمها للأمريكيين عن الدول المتهمة قبلا (بمحور الشر)، والتى تطلق عليها إدارة البيت الأبيض الدول المارقة، لكن الجانب الإسرائيلى كان يبحث عن الدعم اللوجستى غير المعلوماتى، بل المادى لتأسيس مكتب ظل ليكون بمثابة (الأمل الكبير) لموشى أهارون الذى كان من أبرز الوجوه الإسرائيلية المختصة فى الشئون الأمنية العربية، والذى كان وراء عمليات اغتيال شخصيات فلسطينية فى تركيا ونيروبى وساحل العاج وتونس ودول أخرى أوروبية -يوغسلافيا سابقا- واسبانيا وايطاليا.
كان الأمر على غرابته أول الأمر يبدو مثيرا للاهتمام بالنسبة للأمريكيين الذين اشترطوا أن يكونوا ضمن (الشبكة)، وماديا لم تكن إسرائيل قادرة على ضمان (نجاح) تجربة مخابراتية عبر الإنترنت من دون مساعدة أمريكية عبر الأقمار الصناعية، وعبر المواقع البريدية الأمريكية التى تخدم بالخصوص (الشات) بكل مجالاته والتى يقع الإقبال عليها من قبل شباب العالم الثالث فى القارات الخمس.
وفى الأول من مايو عام 2002 تم الكشف لأول مرة فى جريدة (التايمز) عن وجود شبكة مخابراتية تركز اهتماماتها على جمع أكبر عدد من (العملاء) أولا، وبالتالى من المعلومات التى يعرف الكثير من الاختصاصيين النفسانيين المنكبين على المشروع كيفية جمعها، وبالتالى كيفية استغلالها لتكون معلومة (ذات أهمية قصوى).
وقد جاء ما نشرته مجلة (لوماجازين ديسراييل) الصادرة فى فرنسا مثيرا للدهشة؛ ربما لأنها نقلت عن (ملفات سرية) الكثير من التفاصيل التى استطاعت أن تجمعها عن مصادر موثوقة فى إسرائيل، وهو ما أثار فى النهاية سخط السفير الإسرائيلى فى فرنسا ضد المجلة اليهودية التى اتهمتها الكثير من الجهات اليهودية بأنها كشفت أسراراً لا يحق لها كشفها للعدو وهو ما تراه المجلة نفسها: الحق فى المعرفة!
إلا أن الموضوع لم ينته عن هذا الحد بل بدأ الكل فى البحث والمعرفة عن مدى صحة هذا الكلام وهل صحيح أنه يمكن من خلال حوارات عابرة فى الشات أن يحصل جهاز مخابراتى على معلومات يبنى عليها شيئاً مهماً وهل هناك شىء اسمه (مخابرات الإنترنت).
تجنيد شباب العالم الثالث
يقول (جيرالد نيرو) أستاذ فى كلية علم النفس بجامعة بروفانس الفرنسية، وصاحب كتاب (مخاطر الإنترنت): إن هذه شبكة تم الكشف عنها سنة 2001، بالتحديد فى مايو 2001، وهى عبارة عن مجموعة شبكات يديرها مختصون نفسانيون إسرائيليون مجندون لاستقطاب شباب العالم الثالث وبالتحديد الشباب المقيم فى دول المحور (محور الصراع العربى الفلسطينى) من جهة، ومن جهة أخرى دول المحور الجنوب أمريكى (فنزويلا، نيكاراجوا.. الخ).
ويضيف (جيرالد نيرو) قائلا: فى الحقيقة إن كل من له قدرة على استخدام الإنترنت لسد وقت الفراغ أو لحاجة نفسية يعتبر (عميلا مميزا)؛ لأن المواقع التى تثير الشباب هى التى تمنحهم مساحة من الحوار ربما يفتقدونها فى حياتهم اليومية، ناهيك عن أن استعمال الإنترنت يضمن خصوصية معينة، حيث إن المتكلم يحتفظ عادة بسرية شخصه، كأن يستعمل اسما مستعارا، وبالتالى يكون إحساسه (الرمزى) بالحرية أكثر انطلاقا، ناهيك عن أن تركيز الشباب لا يكون على الموقع نفسه، بل على من سيلتقيه للحديث معه، وخاصة البحث عن الجنس اللطيف للحوار.
والمسألة تبدو سهلة بالنسبة لضباط المخابرات الذين ينشطون بشكل مكثف داخل مواقع الدردشة خاصة فى المناطق الأكثر حساسية فى العالم.
وربما يعتقد بعض مستخدمى الإنترنت أن الكلام عن (الجنس) مثلا ضمان يبعد الشبهة السياسية عن المتكلم، بينما الحقيقة أن الحوار الجنسى هو وسيلة خطيرة لكشف الأغوار النفسية، وبالتالى لكشف نقاط ضعف من الصعب اكتشافها فى الحوارات العادية الأخرى، لهذا يسهل (تجنيد) العملاء انطلاقا من تلك الحوارات الخاصة جدا، والتى تشمل فى العادة غرف النوم والصور الإباحية وما إلى ذلك، بحيث إنها السبيل الأسهل للإيقاع بالشخص ودمجه فى عالم يسعى رجل المخابرات إلى جعله عالم العميل، أى أفيونه الشخصى!.
مخابرات الإنترنت
أما الدكتورة (مارى سيجال) وهى أخصائية اجتماعية مختصة فى السلوك البشرى فى جامعة (لوروا) ببلجيكا فتقول إن عبارة المخابرات الإنترنتية إنما هو مصطلح جديد على مسامع الآخرين، وبالرغم من حقيقة وجوده فإن الأمريكيين اعتبروا أنفسهم قبل غزو العراق أنهم (يسعون إلى قراءة الشخصية العراقية) من خلال الإنترنت، أى استقطاب أكبر عدد من العراقيين بمختلف مستوياتهم لدراسة شخصيتهم وكان ذلك المشروع قيد البدء فعلا، قبل أن تتسارع الأحداث بغزو العراق بتلك الطريقة.
ومن وجهة النظر العلمية فإن استقطاب المعلومات لم يعد أمرا معقدا، بل صار أسهل من السابق بكثير ربما فى السنوات العشرين السابقة، كان (العميل) شخصا يتوجب تجنيده بشكل مباشر، بينما الآن يبدو (العميل) شخصا جاهزا، يمكن إيجاده على الخط، وبالتالى تبادل الآراء معه ونبش أسراره الخاصة أحيانا، وأسراره العامة بشكل غير مباشر.
وهنالك حادثة غريبة نشرها ضابط المخابرات الإسرائيلى الأمريكى (وليام سميث) الذى اشتغل إبان الحرب الباردة ضمن فرقة (المخابرات المعلوماتية)، حيث نشر فى جريدة الواشنطن بوست قبل عامين أجزاء من كتابه (أسرار غير خاصة) ويحكى عن تجنيد شباب عاطلين عن العمل من أمريكا اللاتينية، كان دورهم فى غاية البساطة والخطورة فى نفس الوقت عبارة عن كتابة تقرير عن الأوضاع السائدة فى بلدانهم.
حرب الإنترنت
وما يسمى (أبواب التعارف عبر الشات) عبارة عن عوالم أعطت للشخص احتياجات كثيرة منها أنه مسموع، لأول مرة فى حياته يجد من يتحاور معه ويصغى إليه، ولهذا فإن أدق معلومة تبدو مهمة، بحيث يتم جمع أكبر معلومات عن نفسية الأشخاص المستعملين لتلك الغرف، وهذا نجده بشكل كامل فى كتاب (غرف الشات المزدوجة) والتى يعرض فيها الصحفى (وضابط المخابرات الإسرائيلى) (دان شستاسكى) أن التركيز على فئة الشباب هى المهمة؛ لأن الشباب مندفع فى الكلام، وبالتالى التعرف على الجنس اللطيف هو فى الأساس ما جعل مكتب مخابرات الإنترنت يلجأ إلى تجنيد ضابطات نساء من الشبكة، لأن الطلب عليهن أكبر فى العالم الثالث وفى الشرق الأوسط عموما!.
وفى 27 مايو من عام 2002م نشرت جريدة اللوموند الفرنسية ملفا عن حرب الإنترنت، وهى الحرب التى انطلقت فعلا منذ أكثر من عشرين سنة، وتوسعت منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، بحيث تحولت من حرب معلوماتية إلى حرب تدميرية كان الهدف الأساسى منها احتكار (سوق الإنترنت) عبر مجموعة من المواقع التى رأت النور بعد ذلك التاريخ الأسود من أيلول 2001 بحيث إن أكثر من 58% من المواقع التى ظهرت كانت فى الحقيقة فروعا مؤكدة من أجهزة الاستخبارات للعديد من الدول، أهمها الولايات الأمريكية، وإسرائيل، تليهما بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا.
وقد كشفت مجلة (لاتريبون) الفرنسية أن ضابط الاستخبارات الإسرائيلى (أدون وردان) المعروف فى الوسط المخابراتى داخل وخارج إسرائيل هو نفسه (دانيال دوميليو) الذى أطلق موقع (شباب حر) الذى استقطب أكثر من 10 ملايين زائر فى سنة انطلاقته عام 2003م، وكان هذا الموقع الذى توقف فجأة بعد أن كشفت صحيفة الصنداى شخصية مؤسسة من أهم مواقع التعارف والكتابة الحرة التى كان يعبر فيها ملايين الشباب عن (غضبهم) من حكوماتهم.
وبالتالى كان ثمة ضباط من العديد من الدول الذين (اعتقدوا) أنهم يؤدون مهمة إنسانية بالكشف عن أسرار عسكرية فى غاية الخطورة، منهم ضباط من كوت ديفوار نشروا وثائق خطيرة عن الوضع الأمنى الذى تم استغلاله من قبل المخابرات الإسرائيلية فى السنة الماضية لمعاقبة فرنسا على موقفها السلبى من الحرب على العراق، يقول (دونالد ماكرو) بالحرف الواحد: (لقد لعب الإنترنت المهمة الأخطر على المستوى العسكرى، إذ إن مجرد السؤال فى حوار عادى عن الوضع السائد فى البلد الفلانى لم يعد بريئا، لكن ثمة أخصائيين يجيدون طرح الأسئلة بتفادى طرحها بشكل مباشر، ولإجبار الطرف الآخر على طرحها، فقد كانت دولة مثل إسرائيل فى الستينات والسبعينات تصرف الملايين من الدولارات كرواتب لعملاء تعمل على تدريبهم وبالتالى على تهيئتهم للأعمال المطلوبة منهم. كان عالم الجواسيس دائما محاطا بنفس الهالة الرهيبة والمخاطر التى نجحت السينما الأمريكية فى صياغتها).
ضحية رغم أنفه
فالجاسوس أو العميل هو نفسه الخائن فى كل اللغات، هو الشخص الذى يعى أنه يختار الجهة المضادة لأسباب مادية وأحيانا ثأرية، وهؤلاء يفعلون ذلك عن مغامرة وعن سقوط إرادى، لكن الذى يجرى أن (العميل) الراهن لا يعرف الدور الذى يقوم به، لا يعرف أنه يخون ويبيع أسرار بلده، لا يعرف أنه ضحية حوار غير برىء، ولا يعرف أن كل كلمة يقولها تمر على عشرات المحللين النفسانيين وأنه هو فى الأخير فأر تجارب فى عالم متناقض ومشبوه.
لهذا من الصعب جدا تفادى (كارثة الإنترنت) يقول أكثر من رأى: من الصعب تفادى (كارثة الشات) لأنه يبقى هو العالم المغرى للملايين من الشباب خصوصا من هم دون العشرين سنة، ولهم ثقافة حياتية وفكرية جد محدودة، بحيث لا يهمهم سوى الكلام فى أشياء (محظورة) مع شخص يعتقدونه جنسا لطيفا! يقول (مايكل هيجل) فى مجلة (بون) الألمانية:
وما يبدو حقيقيا جدا، وباعتراف ضباط سابقين فى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مثل (جون دلتون) وضابط الاستخبارات البريطانية المتقاعد (هنرى سرلوب) صاحب كتاب (واجهة شاحبة)، وضابط الاستخبارات الإسرائيلية (ميخائيل ماتان)، هؤلاء كتبوا بأنفسهم عن الدور الذى لعبوه فى استقطاب عملاء بطرق لم يكونوا ليحلموا بها، أى بجرهم إلى الحوار عبر الإنترنت.
والغريب فى الأمر الذى يحكيه (هنرى سرلوب): إن مواقع التعارف عبر الإنترنت هى التى تستقطب الملايين من الناس عبر العالم. وأن ركن التعارف جلب أطباء وصحافيين مثلما جلب رجال أعمال وموظفين عاديين وعسكريين أيضا، لهذا كانت المواقع المعنية بالتعارف من أكثر المواقع زيارة فى أوروبا وطبعا مفتوحة لاستقطاب شباب من العالم العربى، ومن أمريكا اللاتينية، والطريقة فى غاية السهولة نجدها ببساطة فى كتاب (العميل البرىء) للكاتب الإنجليزى أدوارد ريتشارسون حيث يقول:
(العميل المثالى هو الأكثر حنقا على نفسه، هو الكاره لذاته، الذى لا يحمل أى هدف محدد، فتلتقيه فى حالة شرود، لتقوده إلى عالمك، ولتصقل شخصيته كما تشاء، بأن تصنع منه عميلا مثاليا و(بريئا) لمجرد أنه لا يعرف أنه يقدم لك خدمات كبيرة مقابل أن تكون صديقه .
المصدر : مركز العهد الثقافي
منقول