يؤكد تقرير علمي نشرته اخيرا مجلة دير شبيغل الالمانية ان المنطقة الممتدة من ايران الى جنوب فلسطين لديها مشاكل جديدة تفوق الصراعات السياسية والعسكرية الدائرة فيها الآن، فشعوب هذه المنطقة على موعد مع حرب قاسية اصطلح على تسميتها حرب المياه وذلك نتيجة تناقص حصة الفرد من المياه السطحية القابلة للشرب والري وتعرض هذه المنطقة لتغيرات مناخية قد لا تنتهي قريبا وقد بدأت بوادرها بأعوام من انخفاض منسوب الامطار تؤدي بدورها الى جفاف الانهار بتأثير ارتفاع الحرارة في العالم، وتتحول الاراضي الزراعية بحلول منتصف القرن الحالي الى صحراء قاحلة. هذا التقرير المتشائم، بات اليوم محل بحث ودراسة معمقة في الامم المتحدة ومنظمات اخرى معنية، لتقديم الحلول العاجلة قبل فوات الأوان. التحذير من ازمة او حروب مياه الشرق الاوسط ليس حديثا ومن الدراسات المبكرة التي أجريت حول أزمة المياه في الشرق الأوسط ما أشار إليه التقرير الذي نشره معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن عام 1989م والذي جاء فيه أن الشرق الأوسط سيشهد في غضون السنوات العشر القادمة حرباً للسيطرة على مصادر المياه نظراً لزيادة عدد السكان في تلك المنطقة وزيادة برامج النمو الاقتصادي مع انحسار وتضاؤل في كميات المياه المتاحة لذلك فإن مثل ذلك الصراع قد يؤدي إلى تحطيم الروابط الهشة بين دول المنطقة كما أشار مساعد وزير الخارجية الأميركية هارولد سوندرز في تقرير أعده عن الشرق الأوسط خلال فترة عمله، الى ان هناك مصدرا آخر للخطر غير النفط يجب أن تقال فيه كلمة وهو ندرة المياه. وقال تقرير سوندرز إن قضايا المياه سوف تحظى على نحو متزايد باهتمام القيادات السياسية في المنطقة خلال السنوات المقبلة. كما تحدث الكاتب الأميركي جول كولي في كتابه حرب المياه، عن تلك الازمة بالقول إن الشرق الأوسط بعد نضوب النفط سوف يشهد حروباً بسبب الصراع على المياه ذلك أن خطط التنمية في المنطقة سوف تعتمد على المياه فقط. كما تحدث الكاتب الأميركي توماس ستوفر في الندوة الدولية حول «إسرائيل والمياه العربية» والتي عقدت في عمان عام 1984م، حيث اعتبر أن المياه العربية التي استولت عليها إسرائيل بعد حرب عام 1967م «غنائم حرب» حيث احتلت إسرائيل منابع نهر الأردن واليرموك، وبانياس. وأضاف قائلاً: إن أطماع إسرائيل في المياه العربية هي جزء من مفهوم إسرائيلي متكامل لسياسة الموارد التي تشتمل أيضاً على النفط والمعادن والسباق التجاري والحصول على الأيدي العاملة الرخيصة والموارد الاقتصادية الأخرى.
هناك حرب على المياه في منطقة الشرق الأوسط، هذا ما أشارت اليه العديد من الدراسات والتقارير التي أعدتها مراكز بحوث متخصصة معنية بواقع المياه في العالم، وتحديدا في منطقة الهلال الخصيب، فالبنك الدولي أكد مؤخرا أن هذه المنطقة ستواجه أزمة مياه خطيرة بحلول منتصف القرن الحالي، وقد تكون سببا آخر لاندلاع جملة حروب مستقبلية تضاف لسلسة الحروب التي نجمت عن توفر النفط وبكميات هائلة.
قام معهد الموارد العالمية وهو أحد معاهد الدراسات الأميركية وهو يعنى بأبحاث الموارد الطبيعية في العالم برفع تقرير إلى الحكومة الأميركية عام 1991م محذراً فيه من أن اهتمامها بحل الصراع القديم في الشرق الأوسط يتركز على إيجاد صيغ لم تتبدل منذ بدأت تلك الجهود وانما تتجاهل أزمة خطيرة قادمة حتما وهي أزمة المياه وما سوف تسببه من تأجيج للصراع حولها. وقالت جيسيكا ماثيوز نائبة رئيس المعهد في مقال لها نشر في واشنطن، إنه إذا كانت مبادلة الأرض مقابل السلام تبدو صعبة بما فيه الكفاية أمام الجهود المبذولة لتسوية الصراع في الشرق الأوسط فإن مبادلة المياه بالسلام سوف تكون مستحيلة. وأضافت قائلة: إن أي اتفاق سلام يتم الاتفاق عليه لا يعالج مشكلة الموارد المائية سيكون اتفاقا هشاً ولن يصمد أمام الحاجة إلى المياه وما يترتب على ذلك من صراع لذلك فإن اعتقاداً جازماً بأن المياه سوف تكون سبباً في صراعات جديدة أو ذريعة لها وفي مكان آخر قالت جيسيكا نقلاً عن أحد المصادر قوله «انكم تظنون أننا خضنا حرباً من أجل النفط فلتنتظروا إلى أن يبدأ الصراع حول المياه».
الصراع على استغلال الفرات
يحدد تقرير صادر عن وكالة المخابرات المركزية الأميركية، المناطق المرشحة لحدوث صدام عسكري مسّلح في المستقبل بين دولها، بسبب شحة المياه لديها وهي:
- المجموعة الأولى: وتضم دول مصر والسودان وإثيوبيا وكينيا وزائير وبوروندي وتنزانيا وراوندا، وتشترك جميعها بحـــوض نهر النيل.
- المجموعة الثانية: وتشمل تركيا وسوريا والعـــراق حول نهريّ الفرات ودجلة.
- المجموعة الثالثة: وتضم فلسطين والأردن وسوريا ولبنان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى،
وهي الدول التي تشترك بأنــهار الأردن واليرموك والليطاني والحاصباني والوزان. وأكثر المجاميع أهمية في الوقت الحاضر هي المجموعة الثانية التي لايزال فيها الخلاف المائي قائماً حتى اليوم، بسبب عدم وجود اتفاق دولي مسبق يقّسم مياه هذين النهرين بين الدول الثلاث المعنية، رغم عقد العديد من المباحثات والمفاوضات الثنائية والثلاثية بين الأطراف المتنازعة من دون أن يسفر ذلك عن تقدمٍ ملحوظ يذكر. وبدلاً من أن يتم البحث عن اتفاق موحد يضمن الحقوق الكاملة لكل طرف متنازع، اتجهت حكومات الدول الثلاث نحو بناء عشرات المشاريع المائية على هذين النهرين وروافدهما، مما أدى بالتالي إلى حدوث توتر سياسي كبير في علاقاتهما كاد أن يؤدي إلى نشوب صراع مسلح حولها، كما حدث في عام 1975 عندما تأزمت العلاقات العراقية-السورية جراء إقدام الأخيرة على ملء سد الطبقة (الثورة حاليا)، وتخفيض كميات المياه الجارية من نهر الفرات باتجاه الأراضي العراقية.كما قام الأتراك بقطع مياه نهر الفرات عن العراق وسوريا تمهيدا لملء سد اتاتورك في سنة 1990.
وقد بدأت فعلا بوادر أزمة الحصص المائية بين العراق وتركيا وسوريا بالظهور مجددا ، وهذا الملف مفتوح منذ زمن حيث وجدت تلك الدول طرقا مختلفة اعتمادا على القانون الدولي او الاتفاقيات الثنائية للخروج من المآزق والازمات و توقع بعض الخبراء العراقيين أن مناسيب المياه لنهري دجلة والفرات ستشهد بحلول سبتمبر المقبل مستويات منخفضة مخيفة قد تصل لدون 50% ورغم ذلك فإن بعض الخبراء يقللون من النتائج السلبية للأمربالقول ان هناك أساليب أكثر علمية لقياس هذا الأمر، وان موقف المياه في العراق لا يمكن تحديده عبر رصد شح المياه في بحيرة معينة أو توقف جريان المياه في رافد ينبع من إيران ويصب في العراق، بل يمكن قياسه عبر قياس المياه على خريطة العراق ككل بجميع بحيراتها وانهرها وروافدها وأمطارها.
الحكومة العراقية بدورها تتابع هي الأخرى مناسيب نهري دجلة والفرات وتراجع معدلات الأراضي المزروعة وتزايد الأراضي المتصحرة، وهذا ما دفعها لتشكيل لجنة خاصة بمتابعة أزمة الجفاف التي شكلها مجلس الوزراء وأشركت فيها وزارات النفط والكهرباء والداخلية والبلديات.
مختصون وأكاديميون عراقيون حذروا من أن العراق مقبل على أزمة كبيرة نتيجة نقص كمية المياه الواردة إلى العراق بسبب السياسات المائية التي تتخذها الدول المجاورة والتي تؤثر سلبا على كمية المياه الواصلة إلى العراق عبر نهري دجلة والفرات وروافدهما، وطالبوا الجهات الحكومية المختصة باتخاذ الإجراءات الضرورية واللازمة لتفادي «كارثة» بيئية توشك أن تحل بالعراق.
مفاوضات ثلاثية
الحكومة العراقية اطلعت الحكومة التركية على الوضع المائي الحالي الجديد في العراق ، وقلة المناسيب في الخزانات، وطالبت بزيادة الاطلاقات المائية الواردة من تركيا في نهر الفرات. وقد وعدت الحكومة التركية بدراسة الوضع بشكل دقيق والنظر فيه وإبداء المساعدة الممكنة لزيادة الاطلاقات المائية واكدت أن المنطقة ككل تعاني من تدني مستويات المياه بسبب قلة سقوط الأمطار.
الحكومة السورية بدورها تلقت طلبات مماثلة من العراق وابدت استعداد سوريا لتقديم المساعدة الممكنة للعراق في مجال المياه إضافة إلى تقديم المؤازرة اللازمة في عمليات استصلاح الأراضي وبناء السدود ومحطات الضخ في العراق. ومن الملاحظ هنا ان التعاون في مجال استغلال نهري دجلة والفرات بين الدول الثلاث يخضع دائما لمزاج العلاقات بين تلك الحكومات فقد عانت سوريا سابقا من قيام الجانب التركي في عهد حكومة تانسو تشيلر من تلاعب تركيا بالحصص المائية وتقليلها او زيادتها بما يربك او يعوق الخطط السورية لاستغلال تلك المياه في حين سادت فترة من التعاون الايجابي بين البلدين في عهدي رئيس الوزراء عبد الله غول ورجب طيب اردوغان اللذين حسنا علاقة تركيا بسوريا ورغم ذلك فان تركيا ما زالت تحتفظ بنظرية استغلال غنى تركيا بمصادر المياه كرصيد استراتيجي مقابل ما يتمتع به العراق من رصيد استراتيجي نفطي.
مشكلة المياه طرحت مع عودة المفاوضات السورية - الاسرائيلية بوساطة تركية وتجاوزت حدود التفاوض بين سوريا وإسرائيل سياسياً لتشتبك مع العلاقة بين سوريا وتركيا، حيث أثار نائب زعيم حزب (الشعب الجمهوري) في تركيا أونور أويمان موضوع تقاسم مياه الفرات مع سوريا، بمجرد الإعلان عن بدء المفاوضات غير المباشرة برعاية تركية، وحذر أويمان من أن تدفع تركيا ثمن السلام من المياه، وقال كانت هناك «محاولات قبل عشر سنوات لمساومة تركيا على المياه»، وأن الولايات المتحدة كانت تخطط لتجعل من مياه دجلة والفرات ثمنا للسلام فـ«الخطة كانت تقترح أن تنسحب إسرائيل من الجولان.. مقابل تعهد سوريا بتزويد اسرائيل بكمية معينة من المياه سنويا دون مقابل، وبالتالي كانت سوريا تريد من الولايات المتحدة مقابل هذا إقناع تركيا بتزويدها بنفس كمية المياه التي ستذهب إلى إسرائيل».
عجز مائي في الأردن
في الاردن حذر خبراء من ان البلاد تقف على أعتاب أزمة مائية ما لم تتخذ إجراءات فورية لمعالجة العجز المائي، لاسيما أن مشروع قناة البحرين (الاحمر والميت) لن ينفذ قبل 30 عاما، بالإضافة إلى عدم توصل لجنة فنية أردنية - سورية إلى أي قرار بشأن مطالب الأردن بحصته من مياه نهر اليرموك. وعند الحديث عن العجز المائي الذي يواجهه الاردن، يتسابق المسؤولون للحديث عن مشروع قناة البحرين باعتباره أحد أهم وسائل مواجهة هذا العجز، فضلا عن دوره في الحد من جفاف البحر الميت. ومشروع قناة البحرين هو مشروع إقليمي مشترك من المقترح أن يبدأ التنفيذ عام 2013 والانجاز عام 2020 ولكن وزير المياه الاردني السابق محمد العالم بصفته منسقا سابقا للمشروع ورئيس اللجنة التوجيهية المكونة من الاردن وفلسطين واسرائيل يقول «لست متفائلا بالجدول الزمني المقرر لما لمسته من الاطراف المعنية والبنك الدولي والدول الممولة وأعتقد انه لن يتم تنفيذ المشروع الا بعد 30 عاما في حال توافرت النية الحسنة والاهتمام من تلك الاطراف. ويضيف «أنا متخوف من تغير موقف الإسرائيليين فهم غير مهتمين بالمشروع، وللاسف الفلسطينيون من جانب آخر يتمسكون بحل المشكلات السياسية قبل الفنية وهذا الأمر يتطلب سنوات عديدة».
وبحسب القائمين على المشروع فهو سيؤمن قرابة 850 مليون متر مكعب من المياه العذبة سنويا للدول الثلاث المتشاطئة للبحر وستكون حصة الاردن نحو الثلثين لتصل الى 570 مليون متر مكعب إلى جانب حصوله على نحو 550 ميغاوات من الكهرباء سنويا. وتُقدركلفة شق القناة أربعة مليارات دولار ويأمل القائمون عليها في تمويل جزء منها بمنحة تبلغ مليار دولار والباقي عن طريق قروض تحصل عليها الشركة المنفذة للمشروع.
وأن الأردن هي إحدى الدول العشر الأكثر فقرا بالموارد المائية عالميا، إذ تبلغ حصة الفرد من المياه للاستخدامات كافة سنويا 160 مترا مكعبا مقابل 1200 على المستوى العربي و6000 على المستوى العالمي.
هناك حرب على المياه في منطقة الشرق الأوسط، هذا ما أشارت اليه العديد من الدراسات والتقارير التي أعدتها مراكز بحوث متخصصة معنية بواقع المياه في العالم، وتحديدا في منطقة الهلال الخصيب، فالبنك الدولي أكد مؤخرا أن هذه المنطقة ستواجه أزمة مياه خطيرة بحلول منتصف القرن الحالي، وقد تكون سببا آخر لاندلاع جملة حروب مستقبلية تضاف لسلسة الحروب التي نجمت عن توفر النفط وبكميات هائلة.
قام معهد الموارد العالمية وهو أحد معاهد الدراسات الأميركية وهو يعنى بأبحاث الموارد الطبيعية في العالم برفع تقرير إلى الحكومة الأميركية عام 1991م محذراً فيه من أن اهتمامها بحل الصراع القديم في الشرق الأوسط يتركز على إيجاد صيغ لم تتبدل منذ بدأت تلك الجهود وانما تتجاهل أزمة خطيرة قادمة حتما وهي أزمة المياه وما سوف تسببه من تأجيج للصراع حولها. وقالت جيسيكا ماثيوز نائبة رئيس المعهد في مقال لها نشر في واشنطن، إنه إذا كانت مبادلة الأرض مقابل السلام تبدو صعبة بما فيه الكفاية أمام الجهود المبذولة لتسوية الصراع في الشرق الأوسط فإن مبادلة المياه بالسلام سوف تكون مستحيلة. وأضافت قائلة: إن أي اتفاق سلام يتم الاتفاق عليه لا يعالج مشكلة الموارد المائية سيكون اتفاقا هشاً ولن يصمد أمام الحاجة إلى المياه وما يترتب على ذلك من صراع لذلك فإن اعتقاداً جازماً بأن المياه سوف تكون سبباً في صراعات جديدة أو ذريعة لها وفي مكان آخر قالت جيسيكا نقلاً عن أحد المصادر قوله «انكم تظنون أننا خضنا حرباً من أجل النفط فلتنتظروا إلى أن يبدأ الصراع حول المياه».
الصراع على استغلال الفرات
يحدد تقرير صادر عن وكالة المخابرات المركزية الأميركية، المناطق المرشحة لحدوث صدام عسكري مسّلح في المستقبل بين دولها، بسبب شحة المياه لديها وهي:
- المجموعة الأولى: وتضم دول مصر والسودان وإثيوبيا وكينيا وزائير وبوروندي وتنزانيا وراوندا، وتشترك جميعها بحـــوض نهر النيل.
- المجموعة الثانية: وتشمل تركيا وسوريا والعـــراق حول نهريّ الفرات ودجلة.
- المجموعة الثالثة: وتضم فلسطين والأردن وسوريا ولبنان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى،
وهي الدول التي تشترك بأنــهار الأردن واليرموك والليطاني والحاصباني والوزان. وأكثر المجاميع أهمية في الوقت الحاضر هي المجموعة الثانية التي لايزال فيها الخلاف المائي قائماً حتى اليوم، بسبب عدم وجود اتفاق دولي مسبق يقّسم مياه هذين النهرين بين الدول الثلاث المعنية، رغم عقد العديد من المباحثات والمفاوضات الثنائية والثلاثية بين الأطراف المتنازعة من دون أن يسفر ذلك عن تقدمٍ ملحوظ يذكر. وبدلاً من أن يتم البحث عن اتفاق موحد يضمن الحقوق الكاملة لكل طرف متنازع، اتجهت حكومات الدول الثلاث نحو بناء عشرات المشاريع المائية على هذين النهرين وروافدهما، مما أدى بالتالي إلى حدوث توتر سياسي كبير في علاقاتهما كاد أن يؤدي إلى نشوب صراع مسلح حولها، كما حدث في عام 1975 عندما تأزمت العلاقات العراقية-السورية جراء إقدام الأخيرة على ملء سد الطبقة (الثورة حاليا)، وتخفيض كميات المياه الجارية من نهر الفرات باتجاه الأراضي العراقية.كما قام الأتراك بقطع مياه نهر الفرات عن العراق وسوريا تمهيدا لملء سد اتاتورك في سنة 1990.
وقد بدأت فعلا بوادر أزمة الحصص المائية بين العراق وتركيا وسوريا بالظهور مجددا ، وهذا الملف مفتوح منذ زمن حيث وجدت تلك الدول طرقا مختلفة اعتمادا على القانون الدولي او الاتفاقيات الثنائية للخروج من المآزق والازمات و توقع بعض الخبراء العراقيين أن مناسيب المياه لنهري دجلة والفرات ستشهد بحلول سبتمبر المقبل مستويات منخفضة مخيفة قد تصل لدون 50% ورغم ذلك فإن بعض الخبراء يقللون من النتائج السلبية للأمربالقول ان هناك أساليب أكثر علمية لقياس هذا الأمر، وان موقف المياه في العراق لا يمكن تحديده عبر رصد شح المياه في بحيرة معينة أو توقف جريان المياه في رافد ينبع من إيران ويصب في العراق، بل يمكن قياسه عبر قياس المياه على خريطة العراق ككل بجميع بحيراتها وانهرها وروافدها وأمطارها.
الحكومة العراقية بدورها تتابع هي الأخرى مناسيب نهري دجلة والفرات وتراجع معدلات الأراضي المزروعة وتزايد الأراضي المتصحرة، وهذا ما دفعها لتشكيل لجنة خاصة بمتابعة أزمة الجفاف التي شكلها مجلس الوزراء وأشركت فيها وزارات النفط والكهرباء والداخلية والبلديات.
مختصون وأكاديميون عراقيون حذروا من أن العراق مقبل على أزمة كبيرة نتيجة نقص كمية المياه الواردة إلى العراق بسبب السياسات المائية التي تتخذها الدول المجاورة والتي تؤثر سلبا على كمية المياه الواصلة إلى العراق عبر نهري دجلة والفرات وروافدهما، وطالبوا الجهات الحكومية المختصة باتخاذ الإجراءات الضرورية واللازمة لتفادي «كارثة» بيئية توشك أن تحل بالعراق.
مفاوضات ثلاثية
الحكومة العراقية اطلعت الحكومة التركية على الوضع المائي الحالي الجديد في العراق ، وقلة المناسيب في الخزانات، وطالبت بزيادة الاطلاقات المائية الواردة من تركيا في نهر الفرات. وقد وعدت الحكومة التركية بدراسة الوضع بشكل دقيق والنظر فيه وإبداء المساعدة الممكنة لزيادة الاطلاقات المائية واكدت أن المنطقة ككل تعاني من تدني مستويات المياه بسبب قلة سقوط الأمطار.
الحكومة السورية بدورها تلقت طلبات مماثلة من العراق وابدت استعداد سوريا لتقديم المساعدة الممكنة للعراق في مجال المياه إضافة إلى تقديم المؤازرة اللازمة في عمليات استصلاح الأراضي وبناء السدود ومحطات الضخ في العراق. ومن الملاحظ هنا ان التعاون في مجال استغلال نهري دجلة والفرات بين الدول الثلاث يخضع دائما لمزاج العلاقات بين تلك الحكومات فقد عانت سوريا سابقا من قيام الجانب التركي في عهد حكومة تانسو تشيلر من تلاعب تركيا بالحصص المائية وتقليلها او زيادتها بما يربك او يعوق الخطط السورية لاستغلال تلك المياه في حين سادت فترة من التعاون الايجابي بين البلدين في عهدي رئيس الوزراء عبد الله غول ورجب طيب اردوغان اللذين حسنا علاقة تركيا بسوريا ورغم ذلك فان تركيا ما زالت تحتفظ بنظرية استغلال غنى تركيا بمصادر المياه كرصيد استراتيجي مقابل ما يتمتع به العراق من رصيد استراتيجي نفطي.
مشكلة المياه طرحت مع عودة المفاوضات السورية - الاسرائيلية بوساطة تركية وتجاوزت حدود التفاوض بين سوريا وإسرائيل سياسياً لتشتبك مع العلاقة بين سوريا وتركيا، حيث أثار نائب زعيم حزب (الشعب الجمهوري) في تركيا أونور أويمان موضوع تقاسم مياه الفرات مع سوريا، بمجرد الإعلان عن بدء المفاوضات غير المباشرة برعاية تركية، وحذر أويمان من أن تدفع تركيا ثمن السلام من المياه، وقال كانت هناك «محاولات قبل عشر سنوات لمساومة تركيا على المياه»، وأن الولايات المتحدة كانت تخطط لتجعل من مياه دجلة والفرات ثمنا للسلام فـ«الخطة كانت تقترح أن تنسحب إسرائيل من الجولان.. مقابل تعهد سوريا بتزويد اسرائيل بكمية معينة من المياه سنويا دون مقابل، وبالتالي كانت سوريا تريد من الولايات المتحدة مقابل هذا إقناع تركيا بتزويدها بنفس كمية المياه التي ستذهب إلى إسرائيل».
عجز مائي في الأردن
في الاردن حذر خبراء من ان البلاد تقف على أعتاب أزمة مائية ما لم تتخذ إجراءات فورية لمعالجة العجز المائي، لاسيما أن مشروع قناة البحرين (الاحمر والميت) لن ينفذ قبل 30 عاما، بالإضافة إلى عدم توصل لجنة فنية أردنية - سورية إلى أي قرار بشأن مطالب الأردن بحصته من مياه نهر اليرموك. وعند الحديث عن العجز المائي الذي يواجهه الاردن، يتسابق المسؤولون للحديث عن مشروع قناة البحرين باعتباره أحد أهم وسائل مواجهة هذا العجز، فضلا عن دوره في الحد من جفاف البحر الميت. ومشروع قناة البحرين هو مشروع إقليمي مشترك من المقترح أن يبدأ التنفيذ عام 2013 والانجاز عام 2020 ولكن وزير المياه الاردني السابق محمد العالم بصفته منسقا سابقا للمشروع ورئيس اللجنة التوجيهية المكونة من الاردن وفلسطين واسرائيل يقول «لست متفائلا بالجدول الزمني المقرر لما لمسته من الاطراف المعنية والبنك الدولي والدول الممولة وأعتقد انه لن يتم تنفيذ المشروع الا بعد 30 عاما في حال توافرت النية الحسنة والاهتمام من تلك الاطراف. ويضيف «أنا متخوف من تغير موقف الإسرائيليين فهم غير مهتمين بالمشروع، وللاسف الفلسطينيون من جانب آخر يتمسكون بحل المشكلات السياسية قبل الفنية وهذا الأمر يتطلب سنوات عديدة».
وبحسب القائمين على المشروع فهو سيؤمن قرابة 850 مليون متر مكعب من المياه العذبة سنويا للدول الثلاث المتشاطئة للبحر وستكون حصة الاردن نحو الثلثين لتصل الى 570 مليون متر مكعب إلى جانب حصوله على نحو 550 ميغاوات من الكهرباء سنويا. وتُقدركلفة شق القناة أربعة مليارات دولار ويأمل القائمون عليها في تمويل جزء منها بمنحة تبلغ مليار دولار والباقي عن طريق قروض تحصل عليها الشركة المنفذة للمشروع.
وأن الأردن هي إحدى الدول العشر الأكثر فقرا بالموارد المائية عالميا، إذ تبلغ حصة الفرد من المياه للاستخدامات كافة سنويا 160 مترا مكعبا مقابل 1200 على المستوى العربي و6000 على المستوى العالمي.