chevalierx
:: عضو منتسِب ::
- إنضم
- 9 أكتوبر 2008
- المشاركات
- 52
- نقاط التفاعل
- 17
- النقاط
- 3
فضيلة العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني : السائل : الإقامة في بلاد الكفر هذا هو السؤال . يعني : سؤال عن هذا الأمر ، وزيادة عليه على : الناس الأمريكان في الأصل - ثم أمريكان مسلمين - هل يجب عليهم الهجرة من هناك !؟
الشيخ : وهل من شك في ذلك لهؤلاء . قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا ) . [ النساء : 97 ] .
نعم . لكن قبل سؤالك الأخير - الشطر الأول منه - ما أدري أنت ثابت على سؤاله ، فنجيب عنه !؟
السائل : أكون شاكر لو تجيب عنه . بارك الله فيك .
الشيخ : أنا في اعتقادي : أن الشطر الأول من السؤال يفهم ضمنًا من الجواب على الشطر الثاني منه . لكن لعله من الأفضل بيان ما جاء في السنة من الأحاديث الصحيحة التي تحذر المسلم من أن يستوطن بلاد الكفر .
هناك في علم الفقه والأصول قياس يسمى بالقياس الأولوي . إذا كان أهل البلد ولادة ووراثة إذا ما أسلموا وجب عليهم أن يهاجروا إلى بلاد الإسلام فمن باب أولى من كان على العكس من ذلك ولد في بلاد الإسلام ونشأ وتربى : أنه لا يجوز له أن يسافر ، ولا أقول : أن يهاجر إلى بلاد الكفر - هذا من باب أولى - ؛ لكن مع ذلك أقول الأحاديث جاءت تترًا لتنهى المسلم من أن يسافر إلى بلاد الكفر .
فمن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أبو داوود في " سننه " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال بأوجد عبارة : ( من جامع المشرك فهو مثله ) . والمجامعة هنا المقصود : المخالطة ، أي : المساكنة .
وجاءت أحاديث أخرى تؤكد هذا المعنى في أوضح عبارة ، فيقول - عليه الصلاة والسلام - : ( المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما ) . هذا كناية عن أنه يجب على المسلم أن يكون مسكنه بعيدًا عن مسكن المشرك لأن العرب من عادتهم أنهم كانوا يوقدون النار أمام دورهم ، أمام خيامهم فيترءى النار للقادم من بعيد ، فكأن الرسول - عليه السلام - يقول للمسلم : إبعد إبعد ما استطعت عن أن يرى نارك الكافر المشرك . ( المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما ) .
يؤكد أيضًا هذا ، حديث ثالث ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين ) .
هذه نصوص واضحة جدًا أنها تؤكد : أنه لا يجوز للمسلم أن يسكن بين ظهراني المشركين ، والحكمة من ذلك واضحة جدًا ليس من الناحية المنطقية ، أو العقلية ، أو التجربية ؛ لأن هذا الأمر ثانوي بالنسبة للنصوص النقلية ، فهناك بعض الأحاديث التي يمكن أن يُعتمد عليها لأخذ جواب .
سؤال قد يتبادر لبعض الأدهان حينما يسمعون تلك الأحاديث . ما هو السر !؟ ما هي الغاية !؟ ما هي الحكمة من نهي الرسول - عليه السلام - من المسلم من مخالطة المشرك !؟
هناك حديثان من المناسب ذكرهما ؛ كجواب عن هذا التساؤل !؟
الأول : قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : ( مثل الجليس الصالح ؛ كمثل بائع المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تشتري منه ، وإما أن تشم منه رائحة طيبة . ومثل الجليس السوء ؛ كمثل الحداد إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تشم منه رائحة كريهة ) .
هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضرب مثلاً في المجلس المصغر ، مجلس مصغر تجلس مع إنسان واحد ، فرد ، فيقول لك : إن كان صالحًا ؛ ( فمثله كمثل بائع المسك ) ... إلى آخر الحديث ، أو كان طالحًا ؛ فكالحداد ( إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تشم منه رائحة كريهة ) .
الحديث الثاني : الذي يؤكد الحديث الأول - والواقع أيضًا يزيده تأكيدًا - وهو ما رواه الإمام مسلم وربما البخاري أيضًا في " الصحيح " عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : ( قتل رجل ممن قبلكم تسعة وتسعين نفسًا ثم أراد أن يتوب فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على راهب فأتاه وقال له : أنا قتلت تسعة وتسعين نفسًا فهل لي من توبة !؟ قال : قتلت تسعة وتسعين نفسًا وتسأل هل لك من توبة !؟ لا توبة لك . فأكمل به عدد المئة . ثم لم يزل يسأل حتى دُل على عالم ) . وهو من قبل دُل على راهب . أي : متعبد جاهل ؛ فأفتاه بجهله ، فكان عاقبة أمره أن ألحقه بالسابقين من القتلى .
في المرة الثانية دُل على عالم ؛ فجاءه قال له : ( أنا قتلت مئة نفس بغير حق ، فهل لي من توبة !؟ قال : ومن يحول بينك وبين التوبة !؟ ولكنك بأرض سوء ) . هنا الشاهد ( بأرض سوء فأخرج منها إلى القرية الفلانية الصالح أهلها فانطلق إليهم ) ... إلى تمام الحديث . وهو معروف إن شاء الله .
الشاهد : أن هذا الرجل العالم متفقه بفقه هذا الحديث أو هذه الأحاديث ، وهذا لا يمنع أنه هذه الأحاديث حدثنا بها الرسول - عليه السلام - ، لا يمنع أن يكون هذا من فقه الأنبياء من قبله - عليه السلام - ؛ لأنهم جميعًا كانوا يستقون من مشكاة واحدة . فإذا هذا العالم فهم هذه الحقيقة : أن الجو الموجود فهو قد يعدي الشخص الصالح فيما إذا خالطه ، وهذا مثال ومن النواحي المادية المرضية ، الأمراض التي تتعدى ، ولذلك فجاء الحج الصح المعروف اليوم ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد وضع قاعدته في الحديث المعروف : ( إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها ، وإذا وقع الطاعون في أرض لستم فيها فلا تدخلوا إليها ) ، وهكذا .
إذًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما حرم على المسلمين : أن يستوطنوا بلاد الكفر إنما هو محافظة على عقيدتهم ، على عبادتهم ، على سلوكهم ؛ فلهذا أوجب ليس على المشركين ، هذا أمر مهم جدًا أيضًا ، وربما قل ما تعرضت له حينما نتكلم عن مثل هذه المسألة : الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس فقط أو الشارع الحكيم أوجب على المشركين إذا أسلموا أن يهاجروا إلى بلاد الإسلام بل أوجب على الأعراب أن يهاجروا من بداوتهم إلى حضرهم ؛ هذا فيه أيضًا مراعاة بعض نفس المعنى ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول في بعض الأحاديث : ( من بدا جفا ) . فإذا عاش الأعرابي بعد أن تلقن التوحيد وتعلم ما يجب عليه لتصحيح إيمانه وإسلامه ثم رجع إلى باديته وعاش فيها ؛ فقد يتأثر بالجفاء الذي هو من طبيعة الأعراب . فإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم -حض الأعراب أولاً على أن يعودوا حضرًا ثم ربط بذلك حكمًا شرعيًا ، وهو أنهم ليس لهم حق في المغانم التي يغنمها المسلمون بسبب مقاتلة الكفار ، فأولى وأولى وأولى أن يوجب على المسلمين أن يلزموا ديارهم ، وأن لا ينتقلوا إلى بلاد الكفر ، والشرك ، والضلال ، وبخاصة في هذه الأيام . لأنكم تعلمون بأن اليهود والنصارى ، وإن كانوا ضالين - بسبب إنحرافهم أولاً عن التوحيد الذي بلغهم عن أنبيائهم ثم بسبب كفرهم بنبينا - صلى الله عليه وسلم - فهم مع ذلك كانوا على شيء من السلوك الحسن والأخلاق الطيبة ووو إلخ .
ومن كان في سني أو قريبًا منه فهو يعلم أن نساء النصارى في بلاد الإسلام كنا يتحجبن بحجاب أحسن من كثير من المسلمات اليوم ، ومعنى هذا الكلام أن أهل الكتاب ما كان انتشر فيهم الفسق والفجور والخلاعة ، الإنتشار الذي أخذ يشكو منه العقلاء - إن كان فيهم عقلاء - من هؤلاء الكفار في بلادهم .
فلذلك كيف يجوز للمسلم أن يعرض نفسه لهذا المجتمع الموصوف بالتفسخ الخلقي والتحلل الخلقي !؟ هذا ما عندي جوابًا عن هذا السؤال .
السائل : هذه الأحاديث هناك من يؤولها بأن هذه الأحاديث كلها نوع من الأمر بالهجرة إلى المدينة المنورة ، والهجرة كانت أمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - للناس أن يهاجروا إليه ، للمسلمين أن يهاجروا إلى المدينة فالذين ما هاجروا كانوا قد اقترفوا هذا الإثم .
فهذه الأحاديث تعني : إنما وجوب هجرة المسلم إلى دار الإسلام حينما يكون للمسلمين إمام يأمرهم بالهجرة إليه ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه لما فتحت مكة قال : ( لا هجرة بعد الفتح ) . فأوقف هذه الهجرة . يعني : ما طلب من الناس الذين هم في ديار الشرك أن يأتونه لأنه قد قال : ( لا هجرة بعد الفتح ) . وحديث : ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين ) . مرادف للآية : ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ ) . [ الأنفال : 72 ] .
هذا معنى : أنا بريء ، أنا بريء يعني : أنهم ليس لهم حق المواطنة في المدينة المنورة ، في الدولة المسلمة لذلك هو بريء من دماءهم إن حصلت حرب بينه وبينهم وآتوا مع المشركين ، أو إذا غار على قوم مشركين ، وكانوا منهم وقتل منهم ؛ فكأنهم ما هاجروا ؛ كما في بعض الأحاديث : ( أن بعض المسلمين آتوا مع بعض المشركين في غزوة بدر فقتلوا وما علم المسلمين على قتلهم ) . وفي نفس الحديث : ( أنا بريء من كل مسلم أقام بين ظهراني المشركين ) . في تكملة في بدايته ونهايته : أن المسلمين أغاروا على قوم على قوم مشركين ، وكان فيهم مسلمون ؛ فالمسلمون اللي مع المشركين سجدوا حتى ينبهون المسلمين إلى أنهم مسلمون فأسرع فيهم القتل . فالمسلمون شكوا في ذلك كيف قتلوا إخوانهم ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين ) .
فهذه الأحاديث إذا فسرت بأنها كانت أمر بالهجرة ، والهجرة يعني : هي أمر بالهجرة إلى دار الإسلام ، وليس أمر وزيد مشروط وجود إمارة ودولة مسلمة تأمر بالهجرة . حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا هجرة بعد الفتح ) . انتهى هذا الأمر ؛ فإن هذا التأويل لهذه الأحاديث وممكن ...
الشيخ : أنا أعتقد ؛ كما يقال - ولا مؤاخذة - : لقد أبعدت النجعة .
ما أدري أنت تشعر معي : أنه نحن تطرقنا للجواب عن سؤالك ذي الشقين .
أحدهما : يتعلق بالهجرة التي أنت - الآن - تدندن حولها .
والأخر يتعلق بـ : - لا أقول مكررًا لما قلت آنفًا - لا أقول بـ : هجرة المسلم إلى بلاد الكافر ، وإنما بسفره إلى بلاد الكفر ، وأنا آراك - الآن - أنت تدندن حول ، ليس فقط الحديث أو الأحاديث التي تأمر الكافر بأن يهاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام ؛ بل والآية التي - أنا - أشرت إليها آنفا .
أنت تدندن حول هذه النقطة بالذات .
وجوابًا على هذه الدندنة : أنا أقول : أعجبني منك حينما قلت : إن بعض الناس يتأولون هذه النصوص بهذا التأويل ؛ لكني خشيت أنك قد لا تعني بلفظة التأويل المعنى الإصطلاحي له ، لأن التأويل لغة : قد يأتي بمعنى التفسير ؛ فخشيت أن تعني بكلمة التأويل : هو التفسير .
وهذه الخشية بدت لي أخيرًا حينما استعملت التفسير لفظة التفسير ، فأظنك إذن لا تعني التأويل بمعنى التأويل الإصطلاحي ، وإنما التأويل بمعنى التفسير .
السائل : نعم .
الشيخ : طيب .
الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ كما ذكرت تمامًا أنه قال : ( لا هجرة بعد الفتح ) . هل هذا النص فيما تعلم هو عام أم خاص !؟
السائل : عام في ماذا تقصد ، عفوا !؟
الشيخ : يعني لا هجرة مطلقًا إلى أي بلد إسلامي من أي بلد كافر ، أم لا هجرة فقط إلى المدينة .
السائل : هو هذا السؤال المطروح يعني هذا السؤال : لا هجرة تعني : لا هجرة إلى المدينة المنورة ، أم أنه لا هجرة معناها : لا وجوب للهجرة إلى ديار المسلمين ، وإنما كان الأمر بالمجيء إلى دار المسلمين إنما هو أمر بالهجرة .
الشيخ : أنا ما فهمت أنه كان هذا سؤالك ، فهمت أنه كان تفسيرك لتلك النصوص ، وحمل لها على الهجرة التي كانت من قبل واجبة ثم أصبحت منسوخة بقوله - عليه السلام - : ( لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية ؛ وإذا استنفرتم فانفروا ) . هكذا فهمت من كلامك .
وما فهمت : أنك وجهت سؤالاً ، هذا السؤال الذي أنا وجهته إليك : قوله - عليه السلام - : ( لا هجرة بعد الفتح ) . هل يعني لا هجرة مطلقًا ، أم هو يعني : لا هجرة إلى المدينة ؛ لأن الله - عز وجل - نصر نبيه ، وعز جنده ، ومكن لدينه في المدينة ، بعد ذلك لم يكن هناك حاجة بعد أن تمكن الإسلام والمسلمون في بلدهم وقامت دولتهم . ( لا هجرة بعد الفتح ) .
فأنا أقول جوابًا على هذا السؤال : الحديث - بارك الله فيك - ليس عامًا . أي : هو لا ينفي استمرارية الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ، وإنما هو يعني لا هجرة بعد فتح مكة إلى المدينة ؛ لأن الرسول - عليه السلام - كان قد خطط بأمر من الله - عز وجل - أن يتجمع المسلمون ، وأن يتكتلوا في دار المدينة لتقوم دولتهم ، وليتجمعوا لمحاربة الكفار في مكة الذين استضعفوا المؤمنين وعذبوهم . فلما نصر الله - عز وجل - نبيه ، وعز جنده ، وفتح مكة . قال : ( لا هجرة بعد الفتح ، ولكنه جهاد ونية ؛ وإذا استنفرتم فانفروا ) .
الشيخ : وهل من شك في ذلك لهؤلاء . قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا ) . [ النساء : 97 ] .
نعم . لكن قبل سؤالك الأخير - الشطر الأول منه - ما أدري أنت ثابت على سؤاله ، فنجيب عنه !؟
السائل : أكون شاكر لو تجيب عنه . بارك الله فيك .
الشيخ : أنا في اعتقادي : أن الشطر الأول من السؤال يفهم ضمنًا من الجواب على الشطر الثاني منه . لكن لعله من الأفضل بيان ما جاء في السنة من الأحاديث الصحيحة التي تحذر المسلم من أن يستوطن بلاد الكفر .
هناك في علم الفقه والأصول قياس يسمى بالقياس الأولوي . إذا كان أهل البلد ولادة ووراثة إذا ما أسلموا وجب عليهم أن يهاجروا إلى بلاد الإسلام فمن باب أولى من كان على العكس من ذلك ولد في بلاد الإسلام ونشأ وتربى : أنه لا يجوز له أن يسافر ، ولا أقول : أن يهاجر إلى بلاد الكفر - هذا من باب أولى - ؛ لكن مع ذلك أقول الأحاديث جاءت تترًا لتنهى المسلم من أن يسافر إلى بلاد الكفر .
فمن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أبو داوود في " سننه " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال بأوجد عبارة : ( من جامع المشرك فهو مثله ) . والمجامعة هنا المقصود : المخالطة ، أي : المساكنة .
وجاءت أحاديث أخرى تؤكد هذا المعنى في أوضح عبارة ، فيقول - عليه الصلاة والسلام - : ( المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما ) . هذا كناية عن أنه يجب على المسلم أن يكون مسكنه بعيدًا عن مسكن المشرك لأن العرب من عادتهم أنهم كانوا يوقدون النار أمام دورهم ، أمام خيامهم فيترءى النار للقادم من بعيد ، فكأن الرسول - عليه السلام - يقول للمسلم : إبعد إبعد ما استطعت عن أن يرى نارك الكافر المشرك . ( المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما ) .
يؤكد أيضًا هذا ، حديث ثالث ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين ) .
هذه نصوص واضحة جدًا أنها تؤكد : أنه لا يجوز للمسلم أن يسكن بين ظهراني المشركين ، والحكمة من ذلك واضحة جدًا ليس من الناحية المنطقية ، أو العقلية ، أو التجربية ؛ لأن هذا الأمر ثانوي بالنسبة للنصوص النقلية ، فهناك بعض الأحاديث التي يمكن أن يُعتمد عليها لأخذ جواب .
سؤال قد يتبادر لبعض الأدهان حينما يسمعون تلك الأحاديث . ما هو السر !؟ ما هي الغاية !؟ ما هي الحكمة من نهي الرسول - عليه السلام - من المسلم من مخالطة المشرك !؟
هناك حديثان من المناسب ذكرهما ؛ كجواب عن هذا التساؤل !؟
الأول : قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : ( مثل الجليس الصالح ؛ كمثل بائع المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تشتري منه ، وإما أن تشم منه رائحة طيبة . ومثل الجليس السوء ؛ كمثل الحداد إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تشم منه رائحة كريهة ) .
هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضرب مثلاً في المجلس المصغر ، مجلس مصغر تجلس مع إنسان واحد ، فرد ، فيقول لك : إن كان صالحًا ؛ ( فمثله كمثل بائع المسك ) ... إلى آخر الحديث ، أو كان طالحًا ؛ فكالحداد ( إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تشم منه رائحة كريهة ) .
الحديث الثاني : الذي يؤكد الحديث الأول - والواقع أيضًا يزيده تأكيدًا - وهو ما رواه الإمام مسلم وربما البخاري أيضًا في " الصحيح " عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : ( قتل رجل ممن قبلكم تسعة وتسعين نفسًا ثم أراد أن يتوب فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على راهب فأتاه وقال له : أنا قتلت تسعة وتسعين نفسًا فهل لي من توبة !؟ قال : قتلت تسعة وتسعين نفسًا وتسأل هل لك من توبة !؟ لا توبة لك . فأكمل به عدد المئة . ثم لم يزل يسأل حتى دُل على عالم ) . وهو من قبل دُل على راهب . أي : متعبد جاهل ؛ فأفتاه بجهله ، فكان عاقبة أمره أن ألحقه بالسابقين من القتلى .
في المرة الثانية دُل على عالم ؛ فجاءه قال له : ( أنا قتلت مئة نفس بغير حق ، فهل لي من توبة !؟ قال : ومن يحول بينك وبين التوبة !؟ ولكنك بأرض سوء ) . هنا الشاهد ( بأرض سوء فأخرج منها إلى القرية الفلانية الصالح أهلها فانطلق إليهم ) ... إلى تمام الحديث . وهو معروف إن شاء الله .
الشاهد : أن هذا الرجل العالم متفقه بفقه هذا الحديث أو هذه الأحاديث ، وهذا لا يمنع أنه هذه الأحاديث حدثنا بها الرسول - عليه السلام - ، لا يمنع أن يكون هذا من فقه الأنبياء من قبله - عليه السلام - ؛ لأنهم جميعًا كانوا يستقون من مشكاة واحدة . فإذا هذا العالم فهم هذه الحقيقة : أن الجو الموجود فهو قد يعدي الشخص الصالح فيما إذا خالطه ، وهذا مثال ومن النواحي المادية المرضية ، الأمراض التي تتعدى ، ولذلك فجاء الحج الصح المعروف اليوم ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد وضع قاعدته في الحديث المعروف : ( إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها ، وإذا وقع الطاعون في أرض لستم فيها فلا تدخلوا إليها ) ، وهكذا .
إذًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما حرم على المسلمين : أن يستوطنوا بلاد الكفر إنما هو محافظة على عقيدتهم ، على عبادتهم ، على سلوكهم ؛ فلهذا أوجب ليس على المشركين ، هذا أمر مهم جدًا أيضًا ، وربما قل ما تعرضت له حينما نتكلم عن مثل هذه المسألة : الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس فقط أو الشارع الحكيم أوجب على المشركين إذا أسلموا أن يهاجروا إلى بلاد الإسلام بل أوجب على الأعراب أن يهاجروا من بداوتهم إلى حضرهم ؛ هذا فيه أيضًا مراعاة بعض نفس المعنى ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول في بعض الأحاديث : ( من بدا جفا ) . فإذا عاش الأعرابي بعد أن تلقن التوحيد وتعلم ما يجب عليه لتصحيح إيمانه وإسلامه ثم رجع إلى باديته وعاش فيها ؛ فقد يتأثر بالجفاء الذي هو من طبيعة الأعراب . فإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم -حض الأعراب أولاً على أن يعودوا حضرًا ثم ربط بذلك حكمًا شرعيًا ، وهو أنهم ليس لهم حق في المغانم التي يغنمها المسلمون بسبب مقاتلة الكفار ، فأولى وأولى وأولى أن يوجب على المسلمين أن يلزموا ديارهم ، وأن لا ينتقلوا إلى بلاد الكفر ، والشرك ، والضلال ، وبخاصة في هذه الأيام . لأنكم تعلمون بأن اليهود والنصارى ، وإن كانوا ضالين - بسبب إنحرافهم أولاً عن التوحيد الذي بلغهم عن أنبيائهم ثم بسبب كفرهم بنبينا - صلى الله عليه وسلم - فهم مع ذلك كانوا على شيء من السلوك الحسن والأخلاق الطيبة ووو إلخ .
ومن كان في سني أو قريبًا منه فهو يعلم أن نساء النصارى في بلاد الإسلام كنا يتحجبن بحجاب أحسن من كثير من المسلمات اليوم ، ومعنى هذا الكلام أن أهل الكتاب ما كان انتشر فيهم الفسق والفجور والخلاعة ، الإنتشار الذي أخذ يشكو منه العقلاء - إن كان فيهم عقلاء - من هؤلاء الكفار في بلادهم .
فلذلك كيف يجوز للمسلم أن يعرض نفسه لهذا المجتمع الموصوف بالتفسخ الخلقي والتحلل الخلقي !؟ هذا ما عندي جوابًا عن هذا السؤال .
السائل : هذه الأحاديث هناك من يؤولها بأن هذه الأحاديث كلها نوع من الأمر بالهجرة إلى المدينة المنورة ، والهجرة كانت أمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - للناس أن يهاجروا إليه ، للمسلمين أن يهاجروا إلى المدينة فالذين ما هاجروا كانوا قد اقترفوا هذا الإثم .
فهذه الأحاديث تعني : إنما وجوب هجرة المسلم إلى دار الإسلام حينما يكون للمسلمين إمام يأمرهم بالهجرة إليه ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه لما فتحت مكة قال : ( لا هجرة بعد الفتح ) . فأوقف هذه الهجرة . يعني : ما طلب من الناس الذين هم في ديار الشرك أن يأتونه لأنه قد قال : ( لا هجرة بعد الفتح ) . وحديث : ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين ) . مرادف للآية : ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ ) . [ الأنفال : 72 ] .
هذا معنى : أنا بريء ، أنا بريء يعني : أنهم ليس لهم حق المواطنة في المدينة المنورة ، في الدولة المسلمة لذلك هو بريء من دماءهم إن حصلت حرب بينه وبينهم وآتوا مع المشركين ، أو إذا غار على قوم مشركين ، وكانوا منهم وقتل منهم ؛ فكأنهم ما هاجروا ؛ كما في بعض الأحاديث : ( أن بعض المسلمين آتوا مع بعض المشركين في غزوة بدر فقتلوا وما علم المسلمين على قتلهم ) . وفي نفس الحديث : ( أنا بريء من كل مسلم أقام بين ظهراني المشركين ) . في تكملة في بدايته ونهايته : أن المسلمين أغاروا على قوم على قوم مشركين ، وكان فيهم مسلمون ؛ فالمسلمون اللي مع المشركين سجدوا حتى ينبهون المسلمين إلى أنهم مسلمون فأسرع فيهم القتل . فالمسلمون شكوا في ذلك كيف قتلوا إخوانهم ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين ) .
فهذه الأحاديث إذا فسرت بأنها كانت أمر بالهجرة ، والهجرة يعني : هي أمر بالهجرة إلى دار الإسلام ، وليس أمر وزيد مشروط وجود إمارة ودولة مسلمة تأمر بالهجرة . حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا هجرة بعد الفتح ) . انتهى هذا الأمر ؛ فإن هذا التأويل لهذه الأحاديث وممكن ...
الشيخ : أنا أعتقد ؛ كما يقال - ولا مؤاخذة - : لقد أبعدت النجعة .
ما أدري أنت تشعر معي : أنه نحن تطرقنا للجواب عن سؤالك ذي الشقين .
أحدهما : يتعلق بالهجرة التي أنت - الآن - تدندن حولها .
والأخر يتعلق بـ : - لا أقول مكررًا لما قلت آنفًا - لا أقول بـ : هجرة المسلم إلى بلاد الكافر ، وإنما بسفره إلى بلاد الكفر ، وأنا آراك - الآن - أنت تدندن حول ، ليس فقط الحديث أو الأحاديث التي تأمر الكافر بأن يهاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام ؛ بل والآية التي - أنا - أشرت إليها آنفا .
أنت تدندن حول هذه النقطة بالذات .
وجوابًا على هذه الدندنة : أنا أقول : أعجبني منك حينما قلت : إن بعض الناس يتأولون هذه النصوص بهذا التأويل ؛ لكني خشيت أنك قد لا تعني بلفظة التأويل المعنى الإصطلاحي له ، لأن التأويل لغة : قد يأتي بمعنى التفسير ؛ فخشيت أن تعني بكلمة التأويل : هو التفسير .
وهذه الخشية بدت لي أخيرًا حينما استعملت التفسير لفظة التفسير ، فأظنك إذن لا تعني التأويل بمعنى التأويل الإصطلاحي ، وإنما التأويل بمعنى التفسير .
السائل : نعم .
الشيخ : طيب .
الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ كما ذكرت تمامًا أنه قال : ( لا هجرة بعد الفتح ) . هل هذا النص فيما تعلم هو عام أم خاص !؟
السائل : عام في ماذا تقصد ، عفوا !؟
الشيخ : يعني لا هجرة مطلقًا إلى أي بلد إسلامي من أي بلد كافر ، أم لا هجرة فقط إلى المدينة .
السائل : هو هذا السؤال المطروح يعني هذا السؤال : لا هجرة تعني : لا هجرة إلى المدينة المنورة ، أم أنه لا هجرة معناها : لا وجوب للهجرة إلى ديار المسلمين ، وإنما كان الأمر بالمجيء إلى دار المسلمين إنما هو أمر بالهجرة .
الشيخ : أنا ما فهمت أنه كان هذا سؤالك ، فهمت أنه كان تفسيرك لتلك النصوص ، وحمل لها على الهجرة التي كانت من قبل واجبة ثم أصبحت منسوخة بقوله - عليه السلام - : ( لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية ؛ وإذا استنفرتم فانفروا ) . هكذا فهمت من كلامك .
وما فهمت : أنك وجهت سؤالاً ، هذا السؤال الذي أنا وجهته إليك : قوله - عليه السلام - : ( لا هجرة بعد الفتح ) . هل يعني لا هجرة مطلقًا ، أم هو يعني : لا هجرة إلى المدينة ؛ لأن الله - عز وجل - نصر نبيه ، وعز جنده ، ومكن لدينه في المدينة ، بعد ذلك لم يكن هناك حاجة بعد أن تمكن الإسلام والمسلمون في بلدهم وقامت دولتهم . ( لا هجرة بعد الفتح ) .
فأنا أقول جوابًا على هذا السؤال : الحديث - بارك الله فيك - ليس عامًا . أي : هو لا ينفي استمرارية الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ، وإنما هو يعني لا هجرة بعد فتح مكة إلى المدينة ؛ لأن الرسول - عليه السلام - كان قد خطط بأمر من الله - عز وجل - أن يتجمع المسلمون ، وأن يتكتلوا في دار المدينة لتقوم دولتهم ، وليتجمعوا لمحاربة الكفار في مكة الذين استضعفوا المؤمنين وعذبوهم . فلما نصر الله - عز وجل - نبيه ، وعز جنده ، وفتح مكة . قال : ( لا هجرة بعد الفتح ، ولكنه جهاد ونية ؛ وإذا استنفرتم فانفروا ) .