امين الاغواطي
:: عضو منتسِب ::
- إنضم
- 21 سبتمبر 2007
- المشاركات
- 23
- نقاط التفاعل
- 0
- النقاط
- 2
وجها لوجه مع ملا عمر
بينما كان أسامة في جلال آباد حصل تطور هام في مسيرة الطالبان وهي دخولهم كابل بلا معارك تقريبا. وقد حول دخول كابل في سلطة طالبان الأوضاع لصالح طالبان ، حيث أصبحت طالبان هي القوة الأكبر في أفغانستان رغم الاعتراف المحدود بها. بينما كان ذلك يحصل كان أسامة يخطط للانتقال إلى قندهار ليكون في مأمن من محاولة الاختطاف التي ذكرناها سابقاً. جاء هذا التطور ليسهل مهمة انتقال أسامة إلى قندهار لأنه انتقل خلال كابل حيث ذهب إلى كابل بالسيارة ومن كابل إلى قندهار بالطائرة. بعد أن توجه أسامة إلى قندهار حرص على أن يقابل أمير الطالبان ملا عمر شخصيا لأنه إلى حد تلك اللحظة لم يقابل ملا عمر رغم المراسلات الكثيرة بينهما . تمت المقابلة فعلا وكان جوها وديا جدا حيث إنها حصلت قبل أن يختلف أسامة مع ملا عمر الخلافات الأخيرة. رحب ملا عمر بأسامة وعبر له عن سروره باستضافته وتشرفه تشرف طالبان بالدفاع عنه أولا كضيف عربي كريم وثانيا كمجاهد قاتل معهم في حرب أفغانستان.
في نفس اللقاء تحدث ملا عمر عن التحديات الخطيرة التي تواجه الطالبان بعد دخول كابل وخاصة مواجهة قوات دوستم وقال لأسامة إنه قد يكون من الأولى تخفيف الحملة الإعلامية وأن ذلك مجرد طلب وليس أمرا ولا إلزاما. رد عليه أسامة بأنه قرر التخفيف أو التجميد الكامل للنشاط الإعلامي لفترة حتى قبل أن يطلب منه فارتاح ملا عمر لذلك.
اعتراف سعودي
في تلك الأثناء كانت الحكومة السعودية قد اعترفت بطالبان فيما يعتقد أنه محاولة إحراج لطالبان للتعاون معها في قضية أسامة. ذهبت الحكومة السعودية شوطا أبعد حين أرسلت تدعو كل أعضاء حكومة طالبان والملا عمر شخصيا للحج و العمرة وتستضيفهم كضيوف رسميين. بل إن أحد الشخصيات الرئيسية في حكومة طالبان وهو محمد رباني رئيس الوزراء زار المملكة فعلا لآداء الحج لكن يبدوا أن "حسن الضيافة" لم تغير من مواقفه ولا مواقف حكومته. لم يتغير موقف طالبان من أسامة وردت بأدب عدة وفود أرسلتها الحكومة السعودية تفاوتت بين دبلوماسين ورجال أعمال وأقارب أسامة وشخصيات استخباراتية.
أسامة طرف في الحرب الأفغانية
تطور آخر حصل في تلك الأيام أدى إلى رفع أسهم أسامة عند الطالبان وهو تغييره موقف الحياد الذي التزم به في خلافات الفصائل الأفغانية واتخاذه قرارا بالدخول بقوة مع الطالبان ضد دوستم ووجه أوامر لرجاله بالقتال مع طالبان. وبعد أن أصر شاه مسعود أن يدخل طرفا في الحرب استصدر أسامة فتوى من طلبة العلم المرافقين له فتوى بأن قتال مسعود جهاد شرعي. كان لهذا القرار دور مهم في مساعدة الطالبان حيث إن طالبان لم يكونوا رتبوا أنفسهم بعد ، وكل انتصاراتهم الأولى حصلت تقريبا دون قتال بسبب حرص الناس عليهم وتنازل القواد الميدانيين لهم ، أما دوستم ومسعود فقواتهم أكثر تماسكا لأنهم أقنعوا أتباعهم أن الحرب عرقية وليست دينية وساعد على تماسكهم اعتماد دوستم على الاوزبك ومسعود على الطاجيك وسعى مسعود ودوستم إلى إقناع أتباعهما أن طالبان ليسوا إلا بشتون يريدون السيطرة عليهم. أضف إلى ذلك أن العالم الغربي لم يشعر بخطورة طالبان إلا بعد سقوط كابل وحمايتهم لأسامة ودعا ذلك إلى أن يحظى مسعود ودوستم بدعم سخي من روسيا وأمريكا وتركيا وإيران وجهات أخرى. كاد الطالبان أن ينهارون بعد أن واجهوا هذه القوات المنظمة المدعومة والمتماسكة وفي مرتين على الأقل كانت الكتائب التابعة لأسامة هي التي ردت تلك القوات عن كابل فحفظها له الطالبان وارتفع سهمه عندهم.
قضية أخرى رفعت أسهمه عندهم هو تفريغه عدد من الشباب المتخصصين لمساعدة الطالبان في قضايا التخطيط والإدارة والتنمية للدولة الجديدة ، حيث إنه رغم تواضع المجموعة التي مع أسامة ألا أنها بالنسبة لطالبان كانت فريقا من أساتذة الجامعات.
محاولة اختطاف أخرى
لم ييأس الامريكان وحلفائهم من محاولة الإمساك بأسامة. وبعد أن تبين أن إقناع الطالبان مستحيل فكر الأمريكان مع الباكستانيين والدولة الثالثة بإعداد خطة لخطف أسامة عن طريق عملية كوماندز منطلقة من الأراضي الباكستانية.
بدأ التدريب على العملية في نهاية ربيع عام 1997 على أن يتم التنفيذ في بداية الصيف وتم التكتم على العملية بشكل شديد لكن بسبب دخول باكستان طرفا فقد كان حفظ السر مستحيلا لأن المخابرات العسكرية الباكستانية فيها تعاطف كبير مع أسامة. تسرب الخبر لأسامة وجهات عربية أخرى فبادرت بتسريبه للصحافة فانفضحت الخطة الأمريكية وألغيت. الأمريكان لم يعترفوا بالقصة ابتداء ولكن اعترفوا بها بعد ذلك وأوعزوا إلغاء الفكرة إلى الخوف من وفيات في صفوف الأمريكان.
علماء طالبان مع بن لادن
في نهاية عام 1997 وبداية 1998 قرر أسامة أن يستعيد نشاطه فبدأ أولا مع علماء طالبان وباكستان. نجح أسامة في استصدار فتوى من حوالي أربعين عالما من علماء أفغانستان وباكستان تؤيد بيانه لإخراج القوات الكافرة من جزيرة العرب. وزعت الفتوى على نطاق واسع في باكستان وأفغانستان وسربت للصحافة حيث نشرت مقاطع منها جريدة القدس العربي.
كان أسامة يهدف لشيئين من هذا البيان ، الأول : مشروع إسلامي شامل لتجييش لعلماء المسلمين ضد الوجود الأمريكي في جزيرة العرب على أساس أن هذه التوقيعات ستجمع من جهات وبلاد أخرى ، والثاني : الحصول على غطاء أدبي وشرعي له داخل أفغانستان لأنه قرر إعادة التحرك إعلاميا ولا يريد أن يصبح في موقف الضعيف مع ملا عمر.
الجبهة الإسلامية العالمية
صادف هذا التطور -أو ربما كان من أسبابه أو من نتائجه و الله أعلم- تجمع عدد من قيادات الجماعات الإسلامية وخاصة جماعة الجهاد المصرية في أفغانستان وتقاطر عدد كبير من الوفود من باكستان وكشمير على أسامة. أحد هذه القيادات تمكن من إقناع أسامة بتوسيع مفهوم الحرب مع أمريكا إلى قتال لها في كل مكان. وتوسعت القناعة لتشمل بدلا من مقاتلة أمريكا قتل كل أمريكي في سن القتال في كل زمان ومكان ومعهم اليهود. الذين أقنعوا أسامة بالفكرة وضعوا لها مبررين شرعي وسياسي.
مبررهم أو المخرج الشرعي هو أن الأمريكان يحتلون بلاد الحرمين ولذلك فإن كل أمريكي يعتبر داعم لاحتلال الجزيرة العربية، وبما أن الأمريكان واليهود يقاتلون المسلمين في كل مكان وزمان ويستبيحون دم المدنيين من المسلمين فإن قتل الأمريكان واليهود مشروع أيا كان الزمان والمكان.
المبرر السياسي هو أن أمريكا أصبحت العدو الأول للإسلام وصارت تتربص بالمسلمين والجماعات الإسلامية الدوائر ولم يعد هناك قوة تنافسها ولذا فإن من الضروري أن يشعر المسلمون أنهم أعداء لأمريكا وأن تتحول هذه القضية لقضية إسلامية أولى في كافة أنحاء العالم الإسلامي.
تحولت القناعة إلى عمل وذلك من خلال إصدار بيان الجبهة الإسلامية العالمية في فبراير عام 1998 الذي يدعو إلى قتل الأمريكان واليهود في كل مكان وزمان. وقع البيان مع بن لادن عن جماعة الجهاد المصرية الدكتور أيمن الظواهري ورفاعي طه أحد مسئولي الجماعة الإسلامية المصرية كما وقعه رئيس أحد الفصائل الكشميرية وأحد القيادات الباكستانية المشهورة. وزع البيان و نشرته الصحافة وكان علامة تحول كبيرة بالنسبة لأسامة من عدة نواحي.
أولاً :
مثل هذا البيان القفز إلى مشروع عالمي بدلا من التركيز على قضية القوات الأمريكية في جزيرة العرب.
ثانياً :
مثل هذا البيان ما اعتبره البعض تخليا عن الحذر الذي كان يحرص عليه أسامة في الموقف الشرعي والإصرار على توسيع دائرة إباحة الدم.
ثالثاً :
دخول أسامة لأول مرة كطرف في ما يشبه تحالف إسلامي من الجماعات الجهادية بعد أن كان يعمل مع مجموعته ويرفض التحالفات المعلنة مع إقراره لفكرة التعاون والتنسيق دون حلف معلن.
خلاف مع ملا عمر
لم يكن ملا عمر راضيا عن هذه النشاطات واعتبرها خرقا للالتزام الأدبي الذي كان بينه وبين أسامة في لقائهما المذكور. أرسل الملا عمر لأسامة يستفسر عن الذي حصل فكان رد أسامة أن الظروف التي كانت سببا للهدوء الإعلامي قد انتهت ولا داعي للاستمرار في الصمت واستخدم أسامة ورقة العلماء لتقوية موقفه وذلك لأن العلماء لدى طالبان لا يرد كلامهم رغم احترامهم جميعا للملا عمر. غضب الملا عمر لكن كظم غيظه وحاول الاستمرار في إقناع أسامة بالصمت. بدلا من الصمت اتخذ أسامة موقفا تصعيديا ودعا إلى مؤتمر صحفي في حدود شهر مايو 1998 رتب له سراً في منطقة قرب الحدود مع باكستان في ضواحي خوست ودعي له عدد محدود من الصحفيين.
إضافة لذلك فقد كان أسامة أعطى مقابلة مطولة لمحطة ِabc الأمريكية قبيل المؤتمر بأيام. في المؤتمر وفي المقابلة أشار أسامة إشارة إلى احتمال حصول حوادث ضد الأمريكان خلال فترة قصيرة ولم يحدد أين.
أرسل الملا عمر إلى أسامة مرة أخرى يعترض على ما حصل و يطلب منه تفسيرا. لم يكن لدى أسامة أي أسلوب يقنع به الملا عمر إلا العلماء وفعلا رد عليه إنه يقبل بتحكيم العلماء. رفض الملا عمر الفكرة ليس عدم اعتبار للعلماء لكن منعا لفتح هذا الباب بحيث كل ما بدا لشخص أن يتمرد يقول نحتكم للعلماء. توترت العلاقات بين الرجلين لكن الملا عمر الذي كان يستطيع منع أسامة من النشاط الإعلامي فضل التحمل والاعتماد على الإقناع إلى أجل مسمى.
السفارات الأمريكية تتفجر
بعد تصريحات بن لادن بأنه سيضرب خلال أسابيع بقي الأمريكان في حالة ترقب وقد استعدوا في حالة تأهب قصوى ضد أي هجمات ولكن كل استعداداتهم كانت في المنطقة العربية والخليج و إلى حد ما القرن الأفريقي. وبينما الأمريكان في كامل التأهب أتتهم الضربة في الموقع الذي لم يتحسبوا له، سفاراتهم في كينيا وتنزانيا وذلك حين نسفت السفارتين شاحنتين ممتلئتين بالمتفجرات يوم السابع من أغسطس 1998 .
ولربما يكون من الأهم التعليق على التناول الغربي للقضية سواء من خلال جهات مسؤولة أو من خلال الإعلام ومراكز البحوث، بدلا من محاولة الغوص في حقيقة الانفجار، لأن آثار هذا الحدث سياسيا وأمنيا واستراتيجيا أهم من نفس الحدث، ويبدو أن انعكاسات مثل هذه الأحداث أهم من ذات الأحداث نفسها لما لها من تأثير خاص وطبيعة خاصة. رغم الحذر الذي ورد على لسان الناطقين الرسميين الأمريكان في وقتها عن اتهام جهات محدودة فإن الجهات الإعلامية والخبراء السياسيين والمصادر الرسمية التي ترفض ذكر اسمها تبرعت بكمية كبيرة من التعليقات والمعلومات والتحليلات التي تساعد في دراسة انعكاسات هذا الحدث. وعند تأمل ما صدر عن تلك الجهات تأملا عميقا يلاحظ الآتي:
أولا:
كانت الحركات الإسلامية أو ما يسمى في الغرب بالأصولية الإسلامية في مقدمة المتهمين، بل إن كل الجهات الأخرى مثل إيران والعراق وليبيا استبعدت بسهولة وتحدثت جهات كثيرة عن الشيخ بن لادن وجماعة الجهاد المصرية، وأشير بشكل كثيف إلى تهديدات بن لادن في مقابلة مع محطة Abc الأمريكية بضربة خلال أسابيع، كما أشير إلى بيان جماعة الجهاد الذي نشر في جريدة الحياة قبل يومين من الانفجار، وربط بين بن لادن والجهاد المصرية من خلال بيان الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين الذي كانت تلك الجهتين من بين الموقعين عليه.
ثانيا:
أعادت تلك التفجيرات فتح ملف انفجار الخبر ولم يعلن عن المسؤولين عنه لحد ذلك التأريخ. ولوحظ للمرة الأولى في الصحافة الأمريكية بالنسبة لمسؤولين أمريكان أن أمريكا تعتبر بن لادن مسؤولا عن انفجار الخبر بل وحتى عن انفجار الرياض. وكانت المصادر الأمريكية في السابق تكتفي بالتشكيك بالرواية السعودية عن تورط شيعة وإيران، وتشير إلى احتمالية وجود معارضة داخلية مسؤولة عن انفجار الخبر.
ثالثا:
لوحظ في التعليقات الصحفية والدراسية أن الحادثين ربطا بالوجود الأمريكي في المنطقة عموما وفي المملكة خصوصا وربطا بسياستها مع إسرائيل والعراق ودعمها للحكومات في المنطقة وتعاونها في القبض على مطلوبين من الإسلاميين وتشجيع اعتقال آخرين. من جهة ثانية بدا لهذه القضية أهمية من خلال إحراج الأنظمة العربية المتعاونة مع أمريكا في سياستها ضد الإسلام، حيث ساد شعور لدى تلك الأنظمة أن هؤلاء الجهاديون تجاوزوهم إلى أسيادهم الأمريكان، بمعنى أن لديهم من القدرات اللوجستية أكبر من مجرد مواجهة تلك الأنظمة، وهذا فيه درجة عالية من الإحراج.
ومع كثرة القرائن على مسؤولية جهات إسلامية معينة عن الحادث إلا أن الجهات المعروفة لم تعلن مسؤوليتها عن الحادث، ولم يخرج رسميا إلى العلن إلا بيان ما يسمى "بالجيش الإسلامي لتحرير المقدسات"، وهو اسم غير معروف من قبل، لكن محتوى البيان يربط مباشرة بالجماعات التي اجتمعت حولها القرائن. فالبيان هاجم السياسة الأمريكية وطالب بمغادرة القوات الأمريكية لجزيرة العرب وطالب بإطلاق سراح الشيخ عمر عبد الرحمن وذهب البيان أبعد من ذلك في تحديد هوية من أصدره بالمطالبة بإطلاق سراح المشايخ المعتقلين في سجون المملكة من أمثال الشيخين آنذاك سلمان وسفر. ولربما تكون الجماعات التي تنفذ مثل هذه الأعمال فهمت آنذاك أن الرسالة يمكن إيصالها دون تبني العمل علنا، فالأمريكان والأنظمة العربية عرفوا من خلال القراءة المخابراتية للبيان من يقف خلف القضية، وأما الجمهور فيكفيه أن يقرأ المطالب في البيان دون معرفة الجهة، وإذا كان هناك ما لا تريد هذه الجماعات أن يربط بها من آثار سلبية للحادث فإنها تكون قد تخلصت منه من خلال عدم تبني الحادث بشكل صريح ومعلن.
إعلان الحصار علىالطالبان
كما اشتهر وأعلن قررت أمريكا استثمار نفوذها على مجلس الأمن لفرض حصار على طالبان إلى أن تسلم بن لادن. كانت إجازة مجلس الأمن للقرار دليلا على إن كيان المجلس مستعد لتنفيذ أوامر أمريكية بطريقة مخجلة ولا نريد أن نعلق كثيرا لأن مجرد انصياع العالم لأمريكا في قضية مثل هذه هو تجسيد لوضع العالم في الوقت الحاضر. المهم أن أمريكا وغيرها لم تفهم أن طالبان لا ينفع معهم هذا الاسلوب وأنهم ليس من الوارد أن يسلموا بن لادن.
الوضع الحالي
لا يزال أسامة بن لادن في مكان خاص لحمايته مع عدد لا بأس به من الاخوة العرب ولم يحصل تطور ذو بال يغير وضعه ولا تزال علاقته مع طالبان على حالها من جهة الاحترام والتقدير والحماية ومن جهة أخرى تحفظ على أعماله الأخيرة. كذلك لم يطرأ أي تغير علىعلاقاته مع الجهات الأخرى.
أسئلة و أجوبة:
المحور الأول:
لماذا تبنت أمريكا مواجهة بن لادن رسميا ومن قبل أكبر رأس فيها و هو كلينتون؟
المحور الثاني:
لماذا حظي بن لادن بكل تلك الشعبية العارمة بين عامة المسلمين ؟
المحور الثالث:
لماذا يعلق آل سعود على بن لادن بهذا الأسلوب؟
قضية ما أسميته بالإجماع العالمي على وصف بن لادن بالإرهاب -ولعلك تقصد الحكومات و الأطراف السياسية- هذه فرع عن الموقف الأمريكي ولا تحتاج إلى تحليل خاص بها.
بالنسبة للمحور الأول
هناك ملاحظة هامة جدا وهي أن الأمريكان رغم اهتمامهم القديم بابن لادن من جهة المخابرات ألا أن الاهتمام السياسي والإعلامي لم يظهر إلا بعد إعلان الجبهة الإسلامية العالمية. فابن لادن لم يطرأ عليه جديد بخصوص التضحية والجهاد خلال السنتين الماضيتين فالرجل كان ذا تضحية وبذل منذ أن عرف أفغانستان.
لاحظ كذلك أنه لم يبدأ بمعاداة أمريكا علنا بعد إعلان الجبهة الإسلامية العالمية سنة 1998 حين أبدت الإدارة الأمريكية ومن ثم الإعلام الأمريكي اهتماما غير عادي به، بل انه سبق أن أصدر بيان الجهاد لإخراج القوات الأمريكية وغيرها من القوات غير المسلمة من جزيرة العرب سنة 1996 ولم يحظ ذلك إلا باهتمام محدود جدا بل يؤكد بعض المتابعين لقضية بن لادن إن الأمريكان ربما حاولوا تفادي الرد على ذلك الإعلان تجنبا لإعطائه الضجة الإعلامية التي كانت ستشهره.
لاحظ كذلك انه رغم ربط اسمه بانفجار الرياض والخبر فانه لم تبد السلطات الأمريكية أي حرص يذكر لإثبات ذلك مقارنة بمحاولتها ربطه بانفجاري كينيا وتنزانيا، و نفس الملاحظة السابقة تنطبق هنا حيث حرص الأمريكان في تلك المرحلة التقليل من شأن أي دور لابن لادن في انفجاري الرياض والخبر مقابل التأكيد والقطع والتضخيم لدور بن لادن في انفجاري كينيا وتنزانيا.
يبدو لي أن سبب التحول في الموقف الأمريكي من التجاهل التام لبيان سنة 1996 إلى الاهتمام الانفجاري سنة 1998 يعود إلى إدراك الأمريكان للفرق بين الدعوة إلى إخراج قوات محتلة كافرة من جزيرة العرب المحرمة على الكفار وبين الدعوة إلى قتل الأمريكان في كل مكان وزمان. فالأمريكان يدركون أن الدعوة الأولى دعوة مليئة بالحجة والإقناع وهي فضلا عن كونها مرتكزة على تعاليم شرعية وتلاقي قبولا عظيما عند المسلمين لمن يدعوا إلى إخراج الكفار الغزاة من أقدس بلاد المسلمين، فضلا عن ذلك فهي دعوة مقبولة تماما من قبل غير المسلمين بما فيهم الرأي العام الأمريكي، ذلك لأن مطلب إخراج قوات محتلة من بلد محتل مطلب مشروع ومبرر ويلقى صدى عند قوى التحرر والمطالبة بإعطاء الشعوب حقوقها وهي قضية محرجة جدا للحكومة الأمريكية التي تزعم أنها تدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها. ويوازي ذلك عمليتي الرياض والخبر ففي تلك العمليتين -اللتان لدى الأمريكان معلومات عن دور لابن لادن فيها- كان الهدف هو القوات الأمريكية داخل جزيرة العرب، فالمستهدف هو قوات عسكرية والمبرر هو وجودها على شكل قوات محتلة في أراض مقدسة.
أما الدعوة الثانية أو الإعلان الثاني المتمثل في إعلان الجبهة الإسلامية العالمية فقد كان مختلفا، لأنه دعوة إلى قتل الأمريكان مدنيين كانوا أو عسكريين، ليس في جزيرة العرب فحسب بل في كل مكان. والأمريكان يدركون أن هذا الكلام من الصعب أن يحظى بأي تعاطف في الرأي العام الأمريكي فضلا عن أنه لن يحظى بنفس القبول الذي لقيه البيان الأول لدى المسلمين وذلك لأنه لا يستند إلى حجة شرعية مقنعة توازي الحجة الشرعية في البيان الأول. ثم جاء انفجاري كينيا وتنزانيا ليثبتا محتوى بيان الجبهة -أو هكذا وضعه الأمريكان- فالمستهدف هنا ليس قوات أمريكية بل بضعة أمريكان وليمت معهم من يمت من الضحايا حتى لو كانوا أبرياء بل حتى لو كانوا مسلمين ولا مانع أن يقتل المئات مادام هناك ضحايا أمريكان. والميدان هنا ليس الأراضي المقدسة ولا حتى أمريكا نفسها وبذلك يمكن تجريد بن لادن من التعاطف الإسلامي والعالمي من خلال إظهاره كشخص متعطش للدماء بلا مبرر ديني ولا منطق سياسي مقبول.
من هنا جاء الحماس الأمريكي لمواجهة بن لادن بعد قضية إعلان الجبهة والانفجارين لكن هذا الحماس الأمريكي تزامن بقدر الله مع قضية فضيحة كلينتون مع لوينسكي مما أدى إلى تخبط مضحك في السياسة الأمريكية تبعه رد الفعل الإسلامي وهو ما نناقشه في المحور الثاني.
المحور الثاني:
وهو لماذا حظي بن لادن بكل تلك الشعبية العارمة بين عامة المسلمين ؟ هذه القضية فرع عن الأولى.
في نظري فإن أهم عامل في ذلك لم يكن بيانات بن لادن ولا تفجيري كينيا وتنزانيا ولا تفجيرات الرياض والخبر.
العامل الرئيسي –والله أعلم- هو ردة الفعل الأمريكية المتمثلة في ضرب أفغانستان والسودان وتصريح كلينتون بأنه أتخذ قرار الضرب ردا على بن لادن. من أجل تصور هذه النتيجة ينبغي فهم العقلية الإسلامية الحالية التي تشعر بعداء أمريكا بسبب مواقفها ضد المسلمين وفي المقابل ترى انبطاح حكام المسلمين لأمريكا واستعدادهم لتنفيذ خططها وبرامجها، ولهذا فهم متعطشون ومتلهفون وبقوة لمن يقف بوجه أمريكا ويثبت أنه أوجعها، وأي إثبات بأن بن لادن أوجع أمريكا وشفى صدور المسلمين أكثر من أن يقف كلينتون بنفسه ويردد اسم بن لادن ثلاث مرات وهو يعلن عن ضرب السودان وأفغانستان كرد على بن لادن وينفجر بعدها الإعلام الأمريكي وتبعا له الإعلام العالمي والعربي بوصف الحرب الدائرة بين بن لادن وأمريكا. و أنني أعتقد -وأرجو أن لا يساء فهمي- أنه لو لم تعمد أمريكا إلى الرد بهذه الصورة لربما لم يتحول بن لادن إلى ذلك البطل الأسطوري، بل انه لو تمهلت أمريكا وحاولت استغلال الثغرات الشرعية في بيان الجبهة العالمية مستعينة بمن ترشحهم الحكومة السعودية والمصرية من علماء السلطة وركزت على الدماء والأشلاء في كينيا وتنزانيا حيث قتل عدد كبير من المسلمين، لو عملت ذلك لم يحصل ما حصل من الشعبية لابن لادن والله أعلم، ولعل الله أراد أن يربك الأمريكان حين قدر أن يتورط رئيسهم بتلك الفضيحة فانقلبت المعادلة بالكامل.
المحور الثالث:
وهو لماذا يعلق آل سعود على بن لادن بهذا الأسلوب؟ وكما قلنا فهو فرع عن المحور الأول كذلك، آل سعود لم يتبرأوا من بن لادن لأنه "إرهابي"، بل تبرأوا منه لأنه اشتهر وأصبح أعظم منهم شأنا، فالإرهابيين "السعوديين" كثير ومع ذلك لم يتبرأ آل سعود إلا من بن لادن. والسبب له علاقة بتركيبة آل سعود النفسية أكثر من علاقته بابن لادن فآل سعود لا يريدون لأحد ينتمي للبلد المسمى باسمهم أن يكون أعظم شأنا منهم. وعادة ما يتعامل آل سعود مع هذه المشكلة بتحجيم الشخص الذي كبر حجمه مثل ما عملوا مع القصيبي وعايض القرني وسلمان العودة وسفر الحوالي، أما بن لادن فليس لهم سبيل لتحجيمه لأنه بعيد عن نفوذهم وكان الحل الوحيد هو نزع صفة الانتماء للمملكة، ولذلك كانت رائحة الانزعاج من شهرة بن لادن و التأذي من علو شأنه تفوح من التعبير والأسلوب الذي استخدمه الأمير نايف والأمير سلطان في التعليق على قضية بن لادن. وقياسا على هذه القاعدة لن نستغرب إذا صدر أمر بسحب ***ية الخطاب الذي يجاهد في الشيشان إذا استمرت شهرته في التنامي وانتظروا تصريحات لنايف عن الخطاب تشبه تصريحاته عن بن لادن.
المصادر هي إما معلومات مباشرة شخصية بمعنى معايشة مباشرة. أو رواية من عدد كبير ممن عايش بن لادن مباشرة من علماء او مرافقين أو أتباع أو حتى من عائلة بن لان. أو بيانات الشيخ باسمه أو باسم الهيئات أو الجهات التي ارتبط بها. أو المقالات التي صدرت عنه بالصحافة باللغتين العربية والانجليزية. أو تسجيلات لمقابلات تلفيزيونية لعدة محطات مثل Cnn و Abc وغيرهما.
شخصية بن لادن
نشأ بن لادن نشأة صالحة سواء من حيث الالتزام بفروض الإسلام أو من حيث الأخلاق والأدب العام. تعوّد بن لادن في ظلال تربية والده على المسؤولية والثقة بالنفس والكرم والتواضع و هي صفات قلما تجتمع في شخص واحد. ويعرف عنه كذلك الحياء وقلة الكلام ويبدوا عليه ملامح الجدية معظم الأحيان و يحاول مع ذلك أن يبدو بشوشا لكنه يتجنب رفع الصوت عموما أو المبالغة بالضحك. هذا كله عرف عنه حتى قبل أن ينخرط في الجهاد.
بعد أن انخرط في الجهاد تجلت فيه صفات أخرى من بينها البذل والتضحية و الصبر و التحمل، وترجمت ثقته بنفسه وقدرته على تحمل المسؤولية إلى قدرة قيادية سواء من حيث المفهوم الميداني أو من حيث مفهوم قيادة الجماعة. و لابن لادن شعبية قوية عند أتباعه فهم يحبونه حبا جما، لكن يقول العارفون به عن قرب أنه لسبب أو لآخر فإن "الكاريزما" عنده ليست طاغية ربما لأنه يتجنب التميز عن أتباعه ويتبسط أكثر من اللازم فتزول آثار الهيبة. ويحرص بن لادن على مشاركة الشباب المرافقين له في كل نشاطاتهم وحياتهم اليومية ويتجنب أن يتميز عنهم بأكل أو شرب أو ملبس أو سكن. ورغم أنه متزوج من عدة نساء ألا أنه يقضي مع أتباعه وقتا أكثر مما يقضي مع أسرته.
القدرات القيادية والذهنية
من حيث المستوى العقلي والقدرات الذهنية يوصف بن لادن بأنه على درجة جيدة من الذكاء والثقة بالنفس ودقة الملاحظة والبديهة. لكن من حيث ربط هذه القدرات الذهنية بقدرته القيادية والتخطيطية يشير العارفون بشخصيته أن لديه شيء من التردد في اتخاذ القرارات والحكم على الأمور إلى درجة تؤدي إلى الضرر بعض الأحيان. لكن هناك من يبرر تردده بأنه يفضل التريث في اتخاذ القرارات واستشارة العلماء والمشايخ وليس بسبب عدم ثقة بالنفس. ويحرص بن لادن فعلا على استشارة العلماء حتى مع الظروف الأمنية الصعبة ولعل هذا كان من أسباب تأخر القرارات من قبله. وفي حين يعتبر بعضهم ذلك دليلا على الرشد والتروي فإن آخرين ينظرون إلى توسيع دائرة الاستشارة وتضمنها للقضايا الحركية بتفاصيلها وانتظار الرأي من عدد من العلماء الذين يصعب الاتصال بهم تكلفا زائدا يتعارض مع طبيعة الحسم و العزيمة في القيادة.
الشجاعة والحذر
من الصفات الصارخة التي يتحلى بها والتي يجمع عليها أنصاره وأعداؤه صفة الشجاعة، ويقول القريبون منه أنه بالإمكان أن تنفجر قنبلة ضخمة على مسافة قريبة ولا تتحرك منه شعرة. ولقد تعرض خلال أحداث أفغانستان إلى أكثر من أربعين مرة لحوادث قصف ثقيل وفي ثلاث حالات منها كان اللحم يتطاير عن يمينه وشماله ولم يظهر عليه ما يدل على تأثر يذكر سوى الحزن على فقد بعض أحبائه.
من الحوادث الخطيرة والتي أنجاه الله منها بما يشبه المعجزة ما حصل حين انفجر صاروخ سكود على بعد سبعة عشر مترا فقط، وفي أكثر من مرة ينقل إلى المستشفى أو إلى المسعف المحلي بسبب جروح يصاب بها ، وفي مرة من المرات شارف على الموت لأن سحابة السلاح الكيماوي وصلت إليه. وكان بن لادن ولا يزال يتمنى الشهادة وهو يعتبر نفسه يعيش بما يشبه العمر الإضافي لأنه أشرف على الموت كثيرا وكتبت له الحياة، وقد أعطاه هذا الشعور دفعة إيمانية وشعور بضرورة الاجتهاد في الحرص على رضا على أساس أنه من فضل الله وأعطاه مزيدا من الشجاعة ولا مبالاة بخطط الأعداء كونه تساوى عنده الموت والحياة.
لكن برغم شجاعته فقد كان حذرا جدا وقد تعلم من خلال تجربته الشخصية ومما أخبره بعض أصحابه من أهل الخبرة السابقة بقضايا الأمن فنونا كثيرة في الاحتياطات الأمنية. يذكر عنه مثلا أنه لا يسمح بوجود أي آله إلكترونية في المكان الذي يقيم فيه حتى لو كانت ساعة كهربائية لأن ذلك مما يمكن أن يساعد في الاستدلال عليه من خلال أجهزة خاصة. إضافة لذلك فإن لديه فريق للأمن والحراسة لديهم تدريب خاص على ذلك. ويذكر عنه كذلك أنه منذ أن أصبح خصما لجهات لها نفوذ ومخابرات قوية لم يعد يثق إلا بالمجموعة التي يعرفها جيدا ولا يقبل بالتزكيات الخارجية. ومن الطبيعي لمثله أن يحيط تحركاته و تنقلاته بسرية تامة ويستخدم وسائل وحيل للتضليل عن تحركاته .
العاطفة مقابل الشدة
ومن المفارقات المجتمعة في بن لادن العاطفة والرقة من جهة والشدة والعناد من جهة أخرى، فهو شديد التأثر إذا مر بتجربة رأى فيها شخصا عزيزا عليه يصاب بمكروه أو ذكر بقصة مرت عليه فيها أحداث عاطفية لكنه في نفس الوقت ورغم هذا التأثر لا يغير مواقفه مراعاة لذلك التأثر. ولهذا السبب فهو يعاني بشكل كبير حيث يفكر كثيرا بالشباب الذين أوذوا من أجله سواء داخل المملكة أو خارجها وفي نفس الوقت لا يخطر بباله أن يغير أيا من مواقفه بسبب ما أصاب هؤلاء. ونفس الكلام ينطبق على موقفه من أهله وإخوانه ووالدته فهو من أشد الناس برا بوالدته وحنينا إليها وحملا لهمها وخوفا على ما يصيبها من مضايقات ومع ذلك لا يعتبر ذلك أبدا من الأسباب الداخلة في صياغة برنامجه و قراراته.
أما إخوانه فكما سنرى خلال الحديث عن العائلة أنه من أهل الصلة والحرص على الروابط العائلية والخوف على إخوانه لكن لا يعطي ذلك أي دور في قراراته وبرامجه.
ومن العواطف المؤثرة في ابن لادن حبه للحجاز حبا جما وكان يقول إن خيمة تحت جبال الحجاز أحب إليه من قصر على النيل، و هو يعتبر حبه لذلك الموطن مضاعف لأنه أولا موطن شرفه الله بالرسالة ، وثانيا موطن ولد فيه وترعرع وله فيه ذكريات جميلة. لكن مع ذلك لا يعدل بن لادن بأرض الجهاد موطنا ولا يعدل بذكرياتها ذكريات. ولذلك فإن بعض مواقع أفغانستان التي جرت فيها أخطر المواجهات مع الروس وشارك فيها بنفسه وفقد فيها عددا من رجاله تعتبر بالنسبة له من أجمل المواطن وذكرياتها من أحلى الذكريات.
الثقافة والعلم
أما من حيث الثقافة والمعلومات العامة والتحصيل العلمي والشرعي فيقال أنه على درجة جيدة وهو يحب القراءة ويكثر منها وعنده شغف غير عادي بالمعلومات والوثائق والأرشفة ومتابعة الصحافة والتقارير الخاصة، ولذلك يحرص دائما أن يكون معه فريق من الباحثين والمهتمين بقضايا المعلومات أينما رحل. وقد حرص بن لادن على تحسين معرفته بالعلوم الشرعية واللغة العربية ولذلك يرتب دائما أن يكون من بين المرافقين له أحد طلاب العلم المتمكنين .
ويعرف عن بن لادن حب الشعر وتذوقه ويقال أن له محاولات شعرية ربما ليس فيها من التميز ما دعا لأن تظهر، ويقال إنه يراعي الدقة في اللغة العربية إلى درجة الوسواس عند مشاركته في نشاط إعلامي أو كتابة بيان أو رسالة. لكن يقال أن بن لادن لا يحب أن يتفرد بكتابة ما ينشر منسوبا له بل يفضل إشراك بعض طلبة العلم المرافقين له.
الفكر و المنهج
تأثر بن لادن خلال حياته بالحركات الإسلامية بشكل عام لكنه لم ينتم لأي منها انتماء تنظيميا و إنما تأثر بالأفكار و المفاهيم التي طرحتها تلك الجماعات مثل التذكير بشمولية الإسلام والاهتمام بقضية الحاكمية والحث على العودة للعلم الشرعي وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير الخلفاء وضرورة العمل الجماعي للمشروع الإسلامي.
وتأثر بن لادن كذلك ببعض الشخصيات الدعوية والجهادية والفكرية وكان من أبرز من تأثر به الأستاذ محمد قطب والشيخ عبد الله عزام. ورغم أن بن لادن شخص مشهور وله أتباع من الناحية الحركية فإنه لا يمثل مدرسة مستقلة من الناحية الفكرية. ويعتبر بن لادن غير مكثر من جهة الحديث والكتابة والمحاضرة والإنتاج الثقافي والفكري. ولو جمعت المحاضرات التي ألقاها لما تجاوزت أصابع اليد ولذلك لم تنتشر له تسجيلات إلا قليل جدا وفي دائرة ضيقة. كما إنه لا يعرف له مؤلفات أو كتب أو رسائل سوى البيانات المنسوبة له والجهات التي أسسها.
وإذا أريد وصف بن لادن من حيث المنهج فإنه أقرب إلى السمت العام للشباب الملتزم في بلاد الحرمين من أتباع علماء الصحوة، فهو ممن يؤمن بالنهج السلفي من جهة الاعتماد على الدليل الشرعي وذلك مقابل احترام أقوال العلماء الآخرين والأدب عموما مع العلماء حتى مع من يوالي الحكام منهم فيما عدا استثناءات قليلة. كما إنه يحترم الجماعات الإسلامية العاملة في العالم الإسلامي رغم مؤاخذته عليها في قضايا معينة. أما من جهة الحكم على المسلمين فهو ممن يؤمن بأن عامة المسلمين مغلوب على أمرهم، وهم ما بين ملبس عليه أو منحرف لأسباب ومصالح دنيوية، ورغم أن بن لادن يهتم بقضية الحاكمية كما هو حال معظم الجماعات والحركات الإسلامية التغييرية ويعتبر معظم أو ربما كل الأنظمة الحاكمة غير شرعية ألا أنه يتجنب تكفير الأعيان ولم ينسب له - على حد علمنا - تكفير أي من الأعيان المعروفين.
بينما كان أسامة في جلال آباد حصل تطور هام في مسيرة الطالبان وهي دخولهم كابل بلا معارك تقريبا. وقد حول دخول كابل في سلطة طالبان الأوضاع لصالح طالبان ، حيث أصبحت طالبان هي القوة الأكبر في أفغانستان رغم الاعتراف المحدود بها. بينما كان ذلك يحصل كان أسامة يخطط للانتقال إلى قندهار ليكون في مأمن من محاولة الاختطاف التي ذكرناها سابقاً. جاء هذا التطور ليسهل مهمة انتقال أسامة إلى قندهار لأنه انتقل خلال كابل حيث ذهب إلى كابل بالسيارة ومن كابل إلى قندهار بالطائرة. بعد أن توجه أسامة إلى قندهار حرص على أن يقابل أمير الطالبان ملا عمر شخصيا لأنه إلى حد تلك اللحظة لم يقابل ملا عمر رغم المراسلات الكثيرة بينهما . تمت المقابلة فعلا وكان جوها وديا جدا حيث إنها حصلت قبل أن يختلف أسامة مع ملا عمر الخلافات الأخيرة. رحب ملا عمر بأسامة وعبر له عن سروره باستضافته وتشرفه تشرف طالبان بالدفاع عنه أولا كضيف عربي كريم وثانيا كمجاهد قاتل معهم في حرب أفغانستان.
في نفس اللقاء تحدث ملا عمر عن التحديات الخطيرة التي تواجه الطالبان بعد دخول كابل وخاصة مواجهة قوات دوستم وقال لأسامة إنه قد يكون من الأولى تخفيف الحملة الإعلامية وأن ذلك مجرد طلب وليس أمرا ولا إلزاما. رد عليه أسامة بأنه قرر التخفيف أو التجميد الكامل للنشاط الإعلامي لفترة حتى قبل أن يطلب منه فارتاح ملا عمر لذلك.
اعتراف سعودي
في تلك الأثناء كانت الحكومة السعودية قد اعترفت بطالبان فيما يعتقد أنه محاولة إحراج لطالبان للتعاون معها في قضية أسامة. ذهبت الحكومة السعودية شوطا أبعد حين أرسلت تدعو كل أعضاء حكومة طالبان والملا عمر شخصيا للحج و العمرة وتستضيفهم كضيوف رسميين. بل إن أحد الشخصيات الرئيسية في حكومة طالبان وهو محمد رباني رئيس الوزراء زار المملكة فعلا لآداء الحج لكن يبدوا أن "حسن الضيافة" لم تغير من مواقفه ولا مواقف حكومته. لم يتغير موقف طالبان من أسامة وردت بأدب عدة وفود أرسلتها الحكومة السعودية تفاوتت بين دبلوماسين ورجال أعمال وأقارب أسامة وشخصيات استخباراتية.
أسامة طرف في الحرب الأفغانية
تطور آخر حصل في تلك الأيام أدى إلى رفع أسهم أسامة عند الطالبان وهو تغييره موقف الحياد الذي التزم به في خلافات الفصائل الأفغانية واتخاذه قرارا بالدخول بقوة مع الطالبان ضد دوستم ووجه أوامر لرجاله بالقتال مع طالبان. وبعد أن أصر شاه مسعود أن يدخل طرفا في الحرب استصدر أسامة فتوى من طلبة العلم المرافقين له فتوى بأن قتال مسعود جهاد شرعي. كان لهذا القرار دور مهم في مساعدة الطالبان حيث إن طالبان لم يكونوا رتبوا أنفسهم بعد ، وكل انتصاراتهم الأولى حصلت تقريبا دون قتال بسبب حرص الناس عليهم وتنازل القواد الميدانيين لهم ، أما دوستم ومسعود فقواتهم أكثر تماسكا لأنهم أقنعوا أتباعهم أن الحرب عرقية وليست دينية وساعد على تماسكهم اعتماد دوستم على الاوزبك ومسعود على الطاجيك وسعى مسعود ودوستم إلى إقناع أتباعهما أن طالبان ليسوا إلا بشتون يريدون السيطرة عليهم. أضف إلى ذلك أن العالم الغربي لم يشعر بخطورة طالبان إلا بعد سقوط كابل وحمايتهم لأسامة ودعا ذلك إلى أن يحظى مسعود ودوستم بدعم سخي من روسيا وأمريكا وتركيا وإيران وجهات أخرى. كاد الطالبان أن ينهارون بعد أن واجهوا هذه القوات المنظمة المدعومة والمتماسكة وفي مرتين على الأقل كانت الكتائب التابعة لأسامة هي التي ردت تلك القوات عن كابل فحفظها له الطالبان وارتفع سهمه عندهم.
قضية أخرى رفعت أسهمه عندهم هو تفريغه عدد من الشباب المتخصصين لمساعدة الطالبان في قضايا التخطيط والإدارة والتنمية للدولة الجديدة ، حيث إنه رغم تواضع المجموعة التي مع أسامة ألا أنها بالنسبة لطالبان كانت فريقا من أساتذة الجامعات.
محاولة اختطاف أخرى
لم ييأس الامريكان وحلفائهم من محاولة الإمساك بأسامة. وبعد أن تبين أن إقناع الطالبان مستحيل فكر الأمريكان مع الباكستانيين والدولة الثالثة بإعداد خطة لخطف أسامة عن طريق عملية كوماندز منطلقة من الأراضي الباكستانية.
بدأ التدريب على العملية في نهاية ربيع عام 1997 على أن يتم التنفيذ في بداية الصيف وتم التكتم على العملية بشكل شديد لكن بسبب دخول باكستان طرفا فقد كان حفظ السر مستحيلا لأن المخابرات العسكرية الباكستانية فيها تعاطف كبير مع أسامة. تسرب الخبر لأسامة وجهات عربية أخرى فبادرت بتسريبه للصحافة فانفضحت الخطة الأمريكية وألغيت. الأمريكان لم يعترفوا بالقصة ابتداء ولكن اعترفوا بها بعد ذلك وأوعزوا إلغاء الفكرة إلى الخوف من وفيات في صفوف الأمريكان.
علماء طالبان مع بن لادن
في نهاية عام 1997 وبداية 1998 قرر أسامة أن يستعيد نشاطه فبدأ أولا مع علماء طالبان وباكستان. نجح أسامة في استصدار فتوى من حوالي أربعين عالما من علماء أفغانستان وباكستان تؤيد بيانه لإخراج القوات الكافرة من جزيرة العرب. وزعت الفتوى على نطاق واسع في باكستان وأفغانستان وسربت للصحافة حيث نشرت مقاطع منها جريدة القدس العربي.
كان أسامة يهدف لشيئين من هذا البيان ، الأول : مشروع إسلامي شامل لتجييش لعلماء المسلمين ضد الوجود الأمريكي في جزيرة العرب على أساس أن هذه التوقيعات ستجمع من جهات وبلاد أخرى ، والثاني : الحصول على غطاء أدبي وشرعي له داخل أفغانستان لأنه قرر إعادة التحرك إعلاميا ولا يريد أن يصبح في موقف الضعيف مع ملا عمر.
الجبهة الإسلامية العالمية
صادف هذا التطور -أو ربما كان من أسبابه أو من نتائجه و الله أعلم- تجمع عدد من قيادات الجماعات الإسلامية وخاصة جماعة الجهاد المصرية في أفغانستان وتقاطر عدد كبير من الوفود من باكستان وكشمير على أسامة. أحد هذه القيادات تمكن من إقناع أسامة بتوسيع مفهوم الحرب مع أمريكا إلى قتال لها في كل مكان. وتوسعت القناعة لتشمل بدلا من مقاتلة أمريكا قتل كل أمريكي في سن القتال في كل زمان ومكان ومعهم اليهود. الذين أقنعوا أسامة بالفكرة وضعوا لها مبررين شرعي وسياسي.
مبررهم أو المخرج الشرعي هو أن الأمريكان يحتلون بلاد الحرمين ولذلك فإن كل أمريكي يعتبر داعم لاحتلال الجزيرة العربية، وبما أن الأمريكان واليهود يقاتلون المسلمين في كل مكان وزمان ويستبيحون دم المدنيين من المسلمين فإن قتل الأمريكان واليهود مشروع أيا كان الزمان والمكان.
المبرر السياسي هو أن أمريكا أصبحت العدو الأول للإسلام وصارت تتربص بالمسلمين والجماعات الإسلامية الدوائر ولم يعد هناك قوة تنافسها ولذا فإن من الضروري أن يشعر المسلمون أنهم أعداء لأمريكا وأن تتحول هذه القضية لقضية إسلامية أولى في كافة أنحاء العالم الإسلامي.
تحولت القناعة إلى عمل وذلك من خلال إصدار بيان الجبهة الإسلامية العالمية في فبراير عام 1998 الذي يدعو إلى قتل الأمريكان واليهود في كل مكان وزمان. وقع البيان مع بن لادن عن جماعة الجهاد المصرية الدكتور أيمن الظواهري ورفاعي طه أحد مسئولي الجماعة الإسلامية المصرية كما وقعه رئيس أحد الفصائل الكشميرية وأحد القيادات الباكستانية المشهورة. وزع البيان و نشرته الصحافة وكان علامة تحول كبيرة بالنسبة لأسامة من عدة نواحي.
أولاً :
مثل هذا البيان القفز إلى مشروع عالمي بدلا من التركيز على قضية القوات الأمريكية في جزيرة العرب.
ثانياً :
مثل هذا البيان ما اعتبره البعض تخليا عن الحذر الذي كان يحرص عليه أسامة في الموقف الشرعي والإصرار على توسيع دائرة إباحة الدم.
ثالثاً :
دخول أسامة لأول مرة كطرف في ما يشبه تحالف إسلامي من الجماعات الجهادية بعد أن كان يعمل مع مجموعته ويرفض التحالفات المعلنة مع إقراره لفكرة التعاون والتنسيق دون حلف معلن.
خلاف مع ملا عمر
لم يكن ملا عمر راضيا عن هذه النشاطات واعتبرها خرقا للالتزام الأدبي الذي كان بينه وبين أسامة في لقائهما المذكور. أرسل الملا عمر لأسامة يستفسر عن الذي حصل فكان رد أسامة أن الظروف التي كانت سببا للهدوء الإعلامي قد انتهت ولا داعي للاستمرار في الصمت واستخدم أسامة ورقة العلماء لتقوية موقفه وذلك لأن العلماء لدى طالبان لا يرد كلامهم رغم احترامهم جميعا للملا عمر. غضب الملا عمر لكن كظم غيظه وحاول الاستمرار في إقناع أسامة بالصمت. بدلا من الصمت اتخذ أسامة موقفا تصعيديا ودعا إلى مؤتمر صحفي في حدود شهر مايو 1998 رتب له سراً في منطقة قرب الحدود مع باكستان في ضواحي خوست ودعي له عدد محدود من الصحفيين.
إضافة لذلك فقد كان أسامة أعطى مقابلة مطولة لمحطة ِabc الأمريكية قبيل المؤتمر بأيام. في المؤتمر وفي المقابلة أشار أسامة إشارة إلى احتمال حصول حوادث ضد الأمريكان خلال فترة قصيرة ولم يحدد أين.
أرسل الملا عمر إلى أسامة مرة أخرى يعترض على ما حصل و يطلب منه تفسيرا. لم يكن لدى أسامة أي أسلوب يقنع به الملا عمر إلا العلماء وفعلا رد عليه إنه يقبل بتحكيم العلماء. رفض الملا عمر الفكرة ليس عدم اعتبار للعلماء لكن منعا لفتح هذا الباب بحيث كل ما بدا لشخص أن يتمرد يقول نحتكم للعلماء. توترت العلاقات بين الرجلين لكن الملا عمر الذي كان يستطيع منع أسامة من النشاط الإعلامي فضل التحمل والاعتماد على الإقناع إلى أجل مسمى.
السفارات الأمريكية تتفجر
بعد تصريحات بن لادن بأنه سيضرب خلال أسابيع بقي الأمريكان في حالة ترقب وقد استعدوا في حالة تأهب قصوى ضد أي هجمات ولكن كل استعداداتهم كانت في المنطقة العربية والخليج و إلى حد ما القرن الأفريقي. وبينما الأمريكان في كامل التأهب أتتهم الضربة في الموقع الذي لم يتحسبوا له، سفاراتهم في كينيا وتنزانيا وذلك حين نسفت السفارتين شاحنتين ممتلئتين بالمتفجرات يوم السابع من أغسطس 1998 .
ولربما يكون من الأهم التعليق على التناول الغربي للقضية سواء من خلال جهات مسؤولة أو من خلال الإعلام ومراكز البحوث، بدلا من محاولة الغوص في حقيقة الانفجار، لأن آثار هذا الحدث سياسيا وأمنيا واستراتيجيا أهم من نفس الحدث، ويبدو أن انعكاسات مثل هذه الأحداث أهم من ذات الأحداث نفسها لما لها من تأثير خاص وطبيعة خاصة. رغم الحذر الذي ورد على لسان الناطقين الرسميين الأمريكان في وقتها عن اتهام جهات محدودة فإن الجهات الإعلامية والخبراء السياسيين والمصادر الرسمية التي ترفض ذكر اسمها تبرعت بكمية كبيرة من التعليقات والمعلومات والتحليلات التي تساعد في دراسة انعكاسات هذا الحدث. وعند تأمل ما صدر عن تلك الجهات تأملا عميقا يلاحظ الآتي:
أولا:
كانت الحركات الإسلامية أو ما يسمى في الغرب بالأصولية الإسلامية في مقدمة المتهمين، بل إن كل الجهات الأخرى مثل إيران والعراق وليبيا استبعدت بسهولة وتحدثت جهات كثيرة عن الشيخ بن لادن وجماعة الجهاد المصرية، وأشير بشكل كثيف إلى تهديدات بن لادن في مقابلة مع محطة Abc الأمريكية بضربة خلال أسابيع، كما أشير إلى بيان جماعة الجهاد الذي نشر في جريدة الحياة قبل يومين من الانفجار، وربط بين بن لادن والجهاد المصرية من خلال بيان الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين الذي كانت تلك الجهتين من بين الموقعين عليه.
ثانيا:
أعادت تلك التفجيرات فتح ملف انفجار الخبر ولم يعلن عن المسؤولين عنه لحد ذلك التأريخ. ولوحظ للمرة الأولى في الصحافة الأمريكية بالنسبة لمسؤولين أمريكان أن أمريكا تعتبر بن لادن مسؤولا عن انفجار الخبر بل وحتى عن انفجار الرياض. وكانت المصادر الأمريكية في السابق تكتفي بالتشكيك بالرواية السعودية عن تورط شيعة وإيران، وتشير إلى احتمالية وجود معارضة داخلية مسؤولة عن انفجار الخبر.
ثالثا:
لوحظ في التعليقات الصحفية والدراسية أن الحادثين ربطا بالوجود الأمريكي في المنطقة عموما وفي المملكة خصوصا وربطا بسياستها مع إسرائيل والعراق ودعمها للحكومات في المنطقة وتعاونها في القبض على مطلوبين من الإسلاميين وتشجيع اعتقال آخرين. من جهة ثانية بدا لهذه القضية أهمية من خلال إحراج الأنظمة العربية المتعاونة مع أمريكا في سياستها ضد الإسلام، حيث ساد شعور لدى تلك الأنظمة أن هؤلاء الجهاديون تجاوزوهم إلى أسيادهم الأمريكان، بمعنى أن لديهم من القدرات اللوجستية أكبر من مجرد مواجهة تلك الأنظمة، وهذا فيه درجة عالية من الإحراج.
ومع كثرة القرائن على مسؤولية جهات إسلامية معينة عن الحادث إلا أن الجهات المعروفة لم تعلن مسؤوليتها عن الحادث، ولم يخرج رسميا إلى العلن إلا بيان ما يسمى "بالجيش الإسلامي لتحرير المقدسات"، وهو اسم غير معروف من قبل، لكن محتوى البيان يربط مباشرة بالجماعات التي اجتمعت حولها القرائن. فالبيان هاجم السياسة الأمريكية وطالب بمغادرة القوات الأمريكية لجزيرة العرب وطالب بإطلاق سراح الشيخ عمر عبد الرحمن وذهب البيان أبعد من ذلك في تحديد هوية من أصدره بالمطالبة بإطلاق سراح المشايخ المعتقلين في سجون المملكة من أمثال الشيخين آنذاك سلمان وسفر. ولربما تكون الجماعات التي تنفذ مثل هذه الأعمال فهمت آنذاك أن الرسالة يمكن إيصالها دون تبني العمل علنا، فالأمريكان والأنظمة العربية عرفوا من خلال القراءة المخابراتية للبيان من يقف خلف القضية، وأما الجمهور فيكفيه أن يقرأ المطالب في البيان دون معرفة الجهة، وإذا كان هناك ما لا تريد هذه الجماعات أن يربط بها من آثار سلبية للحادث فإنها تكون قد تخلصت منه من خلال عدم تبني الحادث بشكل صريح ومعلن.
إعلان الحصار علىالطالبان
كما اشتهر وأعلن قررت أمريكا استثمار نفوذها على مجلس الأمن لفرض حصار على طالبان إلى أن تسلم بن لادن. كانت إجازة مجلس الأمن للقرار دليلا على إن كيان المجلس مستعد لتنفيذ أوامر أمريكية بطريقة مخجلة ولا نريد أن نعلق كثيرا لأن مجرد انصياع العالم لأمريكا في قضية مثل هذه هو تجسيد لوضع العالم في الوقت الحاضر. المهم أن أمريكا وغيرها لم تفهم أن طالبان لا ينفع معهم هذا الاسلوب وأنهم ليس من الوارد أن يسلموا بن لادن.
الوضع الحالي
لا يزال أسامة بن لادن في مكان خاص لحمايته مع عدد لا بأس به من الاخوة العرب ولم يحصل تطور ذو بال يغير وضعه ولا تزال علاقته مع طالبان على حالها من جهة الاحترام والتقدير والحماية ومن جهة أخرى تحفظ على أعماله الأخيرة. كذلك لم يطرأ أي تغير علىعلاقاته مع الجهات الأخرى.
أسئلة و أجوبة:
المحور الأول:
لماذا تبنت أمريكا مواجهة بن لادن رسميا ومن قبل أكبر رأس فيها و هو كلينتون؟
المحور الثاني:
لماذا حظي بن لادن بكل تلك الشعبية العارمة بين عامة المسلمين ؟
المحور الثالث:
لماذا يعلق آل سعود على بن لادن بهذا الأسلوب؟
قضية ما أسميته بالإجماع العالمي على وصف بن لادن بالإرهاب -ولعلك تقصد الحكومات و الأطراف السياسية- هذه فرع عن الموقف الأمريكي ولا تحتاج إلى تحليل خاص بها.
بالنسبة للمحور الأول
هناك ملاحظة هامة جدا وهي أن الأمريكان رغم اهتمامهم القديم بابن لادن من جهة المخابرات ألا أن الاهتمام السياسي والإعلامي لم يظهر إلا بعد إعلان الجبهة الإسلامية العالمية. فابن لادن لم يطرأ عليه جديد بخصوص التضحية والجهاد خلال السنتين الماضيتين فالرجل كان ذا تضحية وبذل منذ أن عرف أفغانستان.
لاحظ كذلك أنه لم يبدأ بمعاداة أمريكا علنا بعد إعلان الجبهة الإسلامية العالمية سنة 1998 حين أبدت الإدارة الأمريكية ومن ثم الإعلام الأمريكي اهتماما غير عادي به، بل انه سبق أن أصدر بيان الجهاد لإخراج القوات الأمريكية وغيرها من القوات غير المسلمة من جزيرة العرب سنة 1996 ولم يحظ ذلك إلا باهتمام محدود جدا بل يؤكد بعض المتابعين لقضية بن لادن إن الأمريكان ربما حاولوا تفادي الرد على ذلك الإعلان تجنبا لإعطائه الضجة الإعلامية التي كانت ستشهره.
لاحظ كذلك انه رغم ربط اسمه بانفجار الرياض والخبر فانه لم تبد السلطات الأمريكية أي حرص يذكر لإثبات ذلك مقارنة بمحاولتها ربطه بانفجاري كينيا وتنزانيا، و نفس الملاحظة السابقة تنطبق هنا حيث حرص الأمريكان في تلك المرحلة التقليل من شأن أي دور لابن لادن في انفجاري الرياض والخبر مقابل التأكيد والقطع والتضخيم لدور بن لادن في انفجاري كينيا وتنزانيا.
يبدو لي أن سبب التحول في الموقف الأمريكي من التجاهل التام لبيان سنة 1996 إلى الاهتمام الانفجاري سنة 1998 يعود إلى إدراك الأمريكان للفرق بين الدعوة إلى إخراج قوات محتلة كافرة من جزيرة العرب المحرمة على الكفار وبين الدعوة إلى قتل الأمريكان في كل مكان وزمان. فالأمريكان يدركون أن الدعوة الأولى دعوة مليئة بالحجة والإقناع وهي فضلا عن كونها مرتكزة على تعاليم شرعية وتلاقي قبولا عظيما عند المسلمين لمن يدعوا إلى إخراج الكفار الغزاة من أقدس بلاد المسلمين، فضلا عن ذلك فهي دعوة مقبولة تماما من قبل غير المسلمين بما فيهم الرأي العام الأمريكي، ذلك لأن مطلب إخراج قوات محتلة من بلد محتل مطلب مشروع ومبرر ويلقى صدى عند قوى التحرر والمطالبة بإعطاء الشعوب حقوقها وهي قضية محرجة جدا للحكومة الأمريكية التي تزعم أنها تدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها. ويوازي ذلك عمليتي الرياض والخبر ففي تلك العمليتين -اللتان لدى الأمريكان معلومات عن دور لابن لادن فيها- كان الهدف هو القوات الأمريكية داخل جزيرة العرب، فالمستهدف هو قوات عسكرية والمبرر هو وجودها على شكل قوات محتلة في أراض مقدسة.
أما الدعوة الثانية أو الإعلان الثاني المتمثل في إعلان الجبهة الإسلامية العالمية فقد كان مختلفا، لأنه دعوة إلى قتل الأمريكان مدنيين كانوا أو عسكريين، ليس في جزيرة العرب فحسب بل في كل مكان. والأمريكان يدركون أن هذا الكلام من الصعب أن يحظى بأي تعاطف في الرأي العام الأمريكي فضلا عن أنه لن يحظى بنفس القبول الذي لقيه البيان الأول لدى المسلمين وذلك لأنه لا يستند إلى حجة شرعية مقنعة توازي الحجة الشرعية في البيان الأول. ثم جاء انفجاري كينيا وتنزانيا ليثبتا محتوى بيان الجبهة -أو هكذا وضعه الأمريكان- فالمستهدف هنا ليس قوات أمريكية بل بضعة أمريكان وليمت معهم من يمت من الضحايا حتى لو كانوا أبرياء بل حتى لو كانوا مسلمين ولا مانع أن يقتل المئات مادام هناك ضحايا أمريكان. والميدان هنا ليس الأراضي المقدسة ولا حتى أمريكا نفسها وبذلك يمكن تجريد بن لادن من التعاطف الإسلامي والعالمي من خلال إظهاره كشخص متعطش للدماء بلا مبرر ديني ولا منطق سياسي مقبول.
من هنا جاء الحماس الأمريكي لمواجهة بن لادن بعد قضية إعلان الجبهة والانفجارين لكن هذا الحماس الأمريكي تزامن بقدر الله مع قضية فضيحة كلينتون مع لوينسكي مما أدى إلى تخبط مضحك في السياسة الأمريكية تبعه رد الفعل الإسلامي وهو ما نناقشه في المحور الثاني.
المحور الثاني:
وهو لماذا حظي بن لادن بكل تلك الشعبية العارمة بين عامة المسلمين ؟ هذه القضية فرع عن الأولى.
في نظري فإن أهم عامل في ذلك لم يكن بيانات بن لادن ولا تفجيري كينيا وتنزانيا ولا تفجيرات الرياض والخبر.
العامل الرئيسي –والله أعلم- هو ردة الفعل الأمريكية المتمثلة في ضرب أفغانستان والسودان وتصريح كلينتون بأنه أتخذ قرار الضرب ردا على بن لادن. من أجل تصور هذه النتيجة ينبغي فهم العقلية الإسلامية الحالية التي تشعر بعداء أمريكا بسبب مواقفها ضد المسلمين وفي المقابل ترى انبطاح حكام المسلمين لأمريكا واستعدادهم لتنفيذ خططها وبرامجها، ولهذا فهم متعطشون ومتلهفون وبقوة لمن يقف بوجه أمريكا ويثبت أنه أوجعها، وأي إثبات بأن بن لادن أوجع أمريكا وشفى صدور المسلمين أكثر من أن يقف كلينتون بنفسه ويردد اسم بن لادن ثلاث مرات وهو يعلن عن ضرب السودان وأفغانستان كرد على بن لادن وينفجر بعدها الإعلام الأمريكي وتبعا له الإعلام العالمي والعربي بوصف الحرب الدائرة بين بن لادن وأمريكا. و أنني أعتقد -وأرجو أن لا يساء فهمي- أنه لو لم تعمد أمريكا إلى الرد بهذه الصورة لربما لم يتحول بن لادن إلى ذلك البطل الأسطوري، بل انه لو تمهلت أمريكا وحاولت استغلال الثغرات الشرعية في بيان الجبهة العالمية مستعينة بمن ترشحهم الحكومة السعودية والمصرية من علماء السلطة وركزت على الدماء والأشلاء في كينيا وتنزانيا حيث قتل عدد كبير من المسلمين، لو عملت ذلك لم يحصل ما حصل من الشعبية لابن لادن والله أعلم، ولعل الله أراد أن يربك الأمريكان حين قدر أن يتورط رئيسهم بتلك الفضيحة فانقلبت المعادلة بالكامل.
المحور الثالث:
وهو لماذا يعلق آل سعود على بن لادن بهذا الأسلوب؟ وكما قلنا فهو فرع عن المحور الأول كذلك، آل سعود لم يتبرأوا من بن لادن لأنه "إرهابي"، بل تبرأوا منه لأنه اشتهر وأصبح أعظم منهم شأنا، فالإرهابيين "السعوديين" كثير ومع ذلك لم يتبرأ آل سعود إلا من بن لادن. والسبب له علاقة بتركيبة آل سعود النفسية أكثر من علاقته بابن لادن فآل سعود لا يريدون لأحد ينتمي للبلد المسمى باسمهم أن يكون أعظم شأنا منهم. وعادة ما يتعامل آل سعود مع هذه المشكلة بتحجيم الشخص الذي كبر حجمه مثل ما عملوا مع القصيبي وعايض القرني وسلمان العودة وسفر الحوالي، أما بن لادن فليس لهم سبيل لتحجيمه لأنه بعيد عن نفوذهم وكان الحل الوحيد هو نزع صفة الانتماء للمملكة، ولذلك كانت رائحة الانزعاج من شهرة بن لادن و التأذي من علو شأنه تفوح من التعبير والأسلوب الذي استخدمه الأمير نايف والأمير سلطان في التعليق على قضية بن لادن. وقياسا على هذه القاعدة لن نستغرب إذا صدر أمر بسحب ***ية الخطاب الذي يجاهد في الشيشان إذا استمرت شهرته في التنامي وانتظروا تصريحات لنايف عن الخطاب تشبه تصريحاته عن بن لادن.
المصادر هي إما معلومات مباشرة شخصية بمعنى معايشة مباشرة. أو رواية من عدد كبير ممن عايش بن لادن مباشرة من علماء او مرافقين أو أتباع أو حتى من عائلة بن لان. أو بيانات الشيخ باسمه أو باسم الهيئات أو الجهات التي ارتبط بها. أو المقالات التي صدرت عنه بالصحافة باللغتين العربية والانجليزية. أو تسجيلات لمقابلات تلفيزيونية لعدة محطات مثل Cnn و Abc وغيرهما.
شخصية بن لادن
نشأ بن لادن نشأة صالحة سواء من حيث الالتزام بفروض الإسلام أو من حيث الأخلاق والأدب العام. تعوّد بن لادن في ظلال تربية والده على المسؤولية والثقة بالنفس والكرم والتواضع و هي صفات قلما تجتمع في شخص واحد. ويعرف عنه كذلك الحياء وقلة الكلام ويبدوا عليه ملامح الجدية معظم الأحيان و يحاول مع ذلك أن يبدو بشوشا لكنه يتجنب رفع الصوت عموما أو المبالغة بالضحك. هذا كله عرف عنه حتى قبل أن ينخرط في الجهاد.
بعد أن انخرط في الجهاد تجلت فيه صفات أخرى من بينها البذل والتضحية و الصبر و التحمل، وترجمت ثقته بنفسه وقدرته على تحمل المسؤولية إلى قدرة قيادية سواء من حيث المفهوم الميداني أو من حيث مفهوم قيادة الجماعة. و لابن لادن شعبية قوية عند أتباعه فهم يحبونه حبا جما، لكن يقول العارفون به عن قرب أنه لسبب أو لآخر فإن "الكاريزما" عنده ليست طاغية ربما لأنه يتجنب التميز عن أتباعه ويتبسط أكثر من اللازم فتزول آثار الهيبة. ويحرص بن لادن على مشاركة الشباب المرافقين له في كل نشاطاتهم وحياتهم اليومية ويتجنب أن يتميز عنهم بأكل أو شرب أو ملبس أو سكن. ورغم أنه متزوج من عدة نساء ألا أنه يقضي مع أتباعه وقتا أكثر مما يقضي مع أسرته.
القدرات القيادية والذهنية
من حيث المستوى العقلي والقدرات الذهنية يوصف بن لادن بأنه على درجة جيدة من الذكاء والثقة بالنفس ودقة الملاحظة والبديهة. لكن من حيث ربط هذه القدرات الذهنية بقدرته القيادية والتخطيطية يشير العارفون بشخصيته أن لديه شيء من التردد في اتخاذ القرارات والحكم على الأمور إلى درجة تؤدي إلى الضرر بعض الأحيان. لكن هناك من يبرر تردده بأنه يفضل التريث في اتخاذ القرارات واستشارة العلماء والمشايخ وليس بسبب عدم ثقة بالنفس. ويحرص بن لادن فعلا على استشارة العلماء حتى مع الظروف الأمنية الصعبة ولعل هذا كان من أسباب تأخر القرارات من قبله. وفي حين يعتبر بعضهم ذلك دليلا على الرشد والتروي فإن آخرين ينظرون إلى توسيع دائرة الاستشارة وتضمنها للقضايا الحركية بتفاصيلها وانتظار الرأي من عدد من العلماء الذين يصعب الاتصال بهم تكلفا زائدا يتعارض مع طبيعة الحسم و العزيمة في القيادة.
الشجاعة والحذر
من الصفات الصارخة التي يتحلى بها والتي يجمع عليها أنصاره وأعداؤه صفة الشجاعة، ويقول القريبون منه أنه بالإمكان أن تنفجر قنبلة ضخمة على مسافة قريبة ولا تتحرك منه شعرة. ولقد تعرض خلال أحداث أفغانستان إلى أكثر من أربعين مرة لحوادث قصف ثقيل وفي ثلاث حالات منها كان اللحم يتطاير عن يمينه وشماله ولم يظهر عليه ما يدل على تأثر يذكر سوى الحزن على فقد بعض أحبائه.
من الحوادث الخطيرة والتي أنجاه الله منها بما يشبه المعجزة ما حصل حين انفجر صاروخ سكود على بعد سبعة عشر مترا فقط، وفي أكثر من مرة ينقل إلى المستشفى أو إلى المسعف المحلي بسبب جروح يصاب بها ، وفي مرة من المرات شارف على الموت لأن سحابة السلاح الكيماوي وصلت إليه. وكان بن لادن ولا يزال يتمنى الشهادة وهو يعتبر نفسه يعيش بما يشبه العمر الإضافي لأنه أشرف على الموت كثيرا وكتبت له الحياة، وقد أعطاه هذا الشعور دفعة إيمانية وشعور بضرورة الاجتهاد في الحرص على رضا على أساس أنه من فضل الله وأعطاه مزيدا من الشجاعة ولا مبالاة بخطط الأعداء كونه تساوى عنده الموت والحياة.
لكن برغم شجاعته فقد كان حذرا جدا وقد تعلم من خلال تجربته الشخصية ومما أخبره بعض أصحابه من أهل الخبرة السابقة بقضايا الأمن فنونا كثيرة في الاحتياطات الأمنية. يذكر عنه مثلا أنه لا يسمح بوجود أي آله إلكترونية في المكان الذي يقيم فيه حتى لو كانت ساعة كهربائية لأن ذلك مما يمكن أن يساعد في الاستدلال عليه من خلال أجهزة خاصة. إضافة لذلك فإن لديه فريق للأمن والحراسة لديهم تدريب خاص على ذلك. ويذكر عنه كذلك أنه منذ أن أصبح خصما لجهات لها نفوذ ومخابرات قوية لم يعد يثق إلا بالمجموعة التي يعرفها جيدا ولا يقبل بالتزكيات الخارجية. ومن الطبيعي لمثله أن يحيط تحركاته و تنقلاته بسرية تامة ويستخدم وسائل وحيل للتضليل عن تحركاته .
العاطفة مقابل الشدة
ومن المفارقات المجتمعة في بن لادن العاطفة والرقة من جهة والشدة والعناد من جهة أخرى، فهو شديد التأثر إذا مر بتجربة رأى فيها شخصا عزيزا عليه يصاب بمكروه أو ذكر بقصة مرت عليه فيها أحداث عاطفية لكنه في نفس الوقت ورغم هذا التأثر لا يغير مواقفه مراعاة لذلك التأثر. ولهذا السبب فهو يعاني بشكل كبير حيث يفكر كثيرا بالشباب الذين أوذوا من أجله سواء داخل المملكة أو خارجها وفي نفس الوقت لا يخطر بباله أن يغير أيا من مواقفه بسبب ما أصاب هؤلاء. ونفس الكلام ينطبق على موقفه من أهله وإخوانه ووالدته فهو من أشد الناس برا بوالدته وحنينا إليها وحملا لهمها وخوفا على ما يصيبها من مضايقات ومع ذلك لا يعتبر ذلك أبدا من الأسباب الداخلة في صياغة برنامجه و قراراته.
أما إخوانه فكما سنرى خلال الحديث عن العائلة أنه من أهل الصلة والحرص على الروابط العائلية والخوف على إخوانه لكن لا يعطي ذلك أي دور في قراراته وبرامجه.
ومن العواطف المؤثرة في ابن لادن حبه للحجاز حبا جما وكان يقول إن خيمة تحت جبال الحجاز أحب إليه من قصر على النيل، و هو يعتبر حبه لذلك الموطن مضاعف لأنه أولا موطن شرفه الله بالرسالة ، وثانيا موطن ولد فيه وترعرع وله فيه ذكريات جميلة. لكن مع ذلك لا يعدل بن لادن بأرض الجهاد موطنا ولا يعدل بذكرياتها ذكريات. ولذلك فإن بعض مواقع أفغانستان التي جرت فيها أخطر المواجهات مع الروس وشارك فيها بنفسه وفقد فيها عددا من رجاله تعتبر بالنسبة له من أجمل المواطن وذكرياتها من أحلى الذكريات.
الثقافة والعلم
أما من حيث الثقافة والمعلومات العامة والتحصيل العلمي والشرعي فيقال أنه على درجة جيدة وهو يحب القراءة ويكثر منها وعنده شغف غير عادي بالمعلومات والوثائق والأرشفة ومتابعة الصحافة والتقارير الخاصة، ولذلك يحرص دائما أن يكون معه فريق من الباحثين والمهتمين بقضايا المعلومات أينما رحل. وقد حرص بن لادن على تحسين معرفته بالعلوم الشرعية واللغة العربية ولذلك يرتب دائما أن يكون من بين المرافقين له أحد طلاب العلم المتمكنين .
ويعرف عن بن لادن حب الشعر وتذوقه ويقال أن له محاولات شعرية ربما ليس فيها من التميز ما دعا لأن تظهر، ويقال إنه يراعي الدقة في اللغة العربية إلى درجة الوسواس عند مشاركته في نشاط إعلامي أو كتابة بيان أو رسالة. لكن يقال أن بن لادن لا يحب أن يتفرد بكتابة ما ينشر منسوبا له بل يفضل إشراك بعض طلبة العلم المرافقين له.
الفكر و المنهج
تأثر بن لادن خلال حياته بالحركات الإسلامية بشكل عام لكنه لم ينتم لأي منها انتماء تنظيميا و إنما تأثر بالأفكار و المفاهيم التي طرحتها تلك الجماعات مثل التذكير بشمولية الإسلام والاهتمام بقضية الحاكمية والحث على العودة للعلم الشرعي وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير الخلفاء وضرورة العمل الجماعي للمشروع الإسلامي.
وتأثر بن لادن كذلك ببعض الشخصيات الدعوية والجهادية والفكرية وكان من أبرز من تأثر به الأستاذ محمد قطب والشيخ عبد الله عزام. ورغم أن بن لادن شخص مشهور وله أتباع من الناحية الحركية فإنه لا يمثل مدرسة مستقلة من الناحية الفكرية. ويعتبر بن لادن غير مكثر من جهة الحديث والكتابة والمحاضرة والإنتاج الثقافي والفكري. ولو جمعت المحاضرات التي ألقاها لما تجاوزت أصابع اليد ولذلك لم تنتشر له تسجيلات إلا قليل جدا وفي دائرة ضيقة. كما إنه لا يعرف له مؤلفات أو كتب أو رسائل سوى البيانات المنسوبة له والجهات التي أسسها.
وإذا أريد وصف بن لادن من حيث المنهج فإنه أقرب إلى السمت العام للشباب الملتزم في بلاد الحرمين من أتباع علماء الصحوة، فهو ممن يؤمن بالنهج السلفي من جهة الاعتماد على الدليل الشرعي وذلك مقابل احترام أقوال العلماء الآخرين والأدب عموما مع العلماء حتى مع من يوالي الحكام منهم فيما عدا استثناءات قليلة. كما إنه يحترم الجماعات الإسلامية العاملة في العالم الإسلامي رغم مؤاخذته عليها في قضايا معينة. أما من جهة الحكم على المسلمين فهو ممن يؤمن بأن عامة المسلمين مغلوب على أمرهم، وهم ما بين ملبس عليه أو منحرف لأسباب ومصالح دنيوية، ورغم أن بن لادن يهتم بقضية الحاكمية كما هو حال معظم الجماعات والحركات الإسلامية التغييرية ويعتبر معظم أو ربما كل الأنظمة الحاكمة غير شرعية ألا أنه يتجنب تكفير الأعيان ولم ينسب له - على حد علمنا - تكفير أي من الأعيان المعروفين.