الربانيون الذين صنعتهم العقيدة
قال القعقاع بن حكيم : كنت عند المهدي وأتى سفيان الثوري فلما دخل عليه ، سلم تسليم العامة ولم يسلم بالخلافة و – الربيع – قائم على رأسه متكئا على سيفه يرقب أمره ، فأقبل عليه المهدي بوجه طلق وقال له :
يا سفيان تفر ها هنا وهاهنا وتظن أنّا لو أردناك بسوء لم نقدر عليك ؟
فقد قدرنا عليك الآن، أفما تخشى أن نحكم فيك بهوانا ؟ قال سفيان :
إن تحكم في يحكم فيك ملك قادر يفرق بين الحق والباطل، فقال الربيع:
يا أمير المؤمنين ألهذا الجاهل أن يستقبلك بمثل هذا ؟ إئذن لي أن أضرب عنقه ،فقال له المهدي : أسكت ويلك ، وهل يريد هذا وأمثاله إلا أن نقتلهم
فنشقى لسعادتهم ؟ اكتبوا عهده على قضاة الكوفة على ألا يُعترض عليه
في حكم، فكتب عهده ودفع إليه، فأخذه وخرج ورمى به في دجلة وهرب
فطُلب في كل بلد فلم يوجد، ولما امتنع من قضاء الكوفة تولاه شريك ألنخعي فقال شاعر:
تحرز سفيان وفرّ بديـــنه ** وأمسى شريك مرصدا للدراهم
****
كان هذا حال سفيان – رحمة الله عليه – مع أمير المؤمنين المهدي .. والمهدي هو المهدي.. أمير المؤمنين.. بكل ما كانت تحمله هذه الكلمة من سطوة وجاه وسلطان، لم يساوره يوما شك في انه يجب أن يحكم بين الناس بالعدل.. العدل الذي انزله الله للناس كافة.. العدل الذي نقرؤه في كتاب الله وسنة نبيه ، ونتعبد الله بإتباعه والتسليم والرضى به ولا نجد في أنفسنا حرجا من ذلك أبدا ..
ولم يكن سفيان يريد أن يشق عصا الطاعة ويفرق جماعة المسلمين لأنه يعلم .. وهو من هو في الحديث والعلم .. يعلم يقينه انه لو فعل ومات، مات ميتة جاهلية، وأنه لو فعل لكان دمه هدرا. ويعلم جليا أن للمهدي حق الطاعة .. ما حَكَم بين الناس بكتاب الله وسنة نبيه...
المهدي أمير المؤمنين يريد سفيانا للقضاء وسفيان يفر من القضاء .. يفر من المسؤولية.. يفر منها كما يفر الناس من الطاعون .. يا سبحان الله
لقد ذكرني هذا ، بعض من عرفنا قبل اليوم كانوا ربانيين لا يخلوا مسجد منهم ولا مجلس ذكر من وجوههم النييرة فلما أن ابتلانا الله بهذا الطاعون
اقبلوا عليه من كل حدب وصوب، فلا الوجوه هي الوجوه ولا المجالس هي المجالس..
كان هذا حال سفيان الرجل الذي ربته العقيدة مع رجل مثله لا يقل شانا عنه .. فكيف حال من ربتهم العقيدة اليوم .. في غياب المهدي والعدل
مضى الرجال المقتدى بفعالهم
المنكرون لكل أمر منكر
وبقيت في خلف يزكي بعضهم
بعضا ليستر مُعورٌ عن مُعورٍ