المكتبة
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
أفريقيا الشمالية
الجزائر
رقم الوثيقة: MDE 28/008/2006 18 إبريل 2006
الجزائر:التعذيب في "الحرب على الإرهاب" - مذكرة إلى الرئيس الجزائري
تصف المذكرة المرفقة الموجهة إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بواعث قلق منظمة العفو الدولية فيما يتعلق باستمرار ورود أنباء الاعتقال السري للمتهمين بالإرهاب في الجزائر وتعذيبهم. وتقدم توصيات لمعالجة بواعث القلق هذه وتدعو السلطات الجزائرية إلى تقديم معلومات حول أية تحقيقات جرت بشأن الحالات الاثنتي عشرة المحددة للاعتقال السري والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة المزعومة التي تناهت إلى علم منظمة العفو الدولية منذ العام 2002.
وإدراكاً من منظمة العفو الدولية بأن وضع حد للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة هو أولاً وأخيراً مسألة إرادة سياسية، فإنها توجه بواعث قلقها إلى الرئيس الجزائري بوصفه الممثل الأعلى للدولة الجزائرية. كما أن الرئيس يتولى حقيبة وزارة الدفاع التي يشرف فيها بهذه الصفة على دائرة الاستعلام والأمن، جهاز المخابرات العسكرية الذي يتردد ذكره في أغلب الأحيان في أنباء تعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم. وتهيب منظمة العفو الدولية بالرئيس الجزائري اتخاذ خطوات ملموسة لوضع حد للاعتقال السري والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، وضمان تنفيذ الضمانات المنصوص عليها في القانون الجزائري والدولي والتي ينبغي أن تحمي المعتقلين من هذه الانتهاكات.
ولقد لفتت منظمة العفو الدولية في السابق نظر السلطات الجزائرية إلى بواعث قلقها في عدد من المناسبات، بما فيها زيارة قام بها مندوبوها إلى الجزائر في مايو/أيار 2005. وبعض بواعث القلق قائمة منذ زمن طويل وقد وثقتها منظمة العفو الدولية في تقاريرها. لكن بواعث القلق الأخرى تتعلق بالنتائج التي توصلت إليها خلال الزيارة التي قامت بها المنظمة في مايو/أيار 2005 1 وبالمعلومات التي تلقتها منذ ذلك الحين من الضحايا وعائلاتهم، فضلاً عن المحامين ومنظمات حقوق الإنسان في الجزائر.
وقد انخفض مستوى العنف بصورة متواصلة في السنوات الأخيرة، رغم أن حوالي 400 شخص لقوا مصرعهم في العام 2005 كما ورد نتيجة استمرار العنف. وأُجري عدد أقل من الاعتقالات كما ورد وأُحرز بعض التقدم باتجاه تعزيز الضمانات لحماية المعتقلين في الحجز. ورغم استمرار شيوع سوء المعاملة، إلا أن أنباء التعذيب في حجز الشرطة والدرك شهدت تراجعاً كما ورد.
ورغم هذا التحسن، يظل التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة منهجياً وواسع النطاق على السواء في حالات الاعتقال المرتبطة بالأنشطة الإرهابية المزعومة. وتجري دائرة الاستعلام والأمن العديد من هذه الاعتقالات، ورغم أنها أصبحت أقل عدداً منها خلال ذروة العنف الذي شهدته السنوات السابقة، إلا أن دائرة الاستعلام والأمن تظل قوة رهيبة. ويُحتجز الأشخاص الذين تعتقلهم الدائرة في الاعتقال السري بصورة منهجية ويُحرمون من أي اتصال بالعالم الخارجي، غالباً لفترات مطولة – في أوضاع تسهل حدوث التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة. وكأفراد عسكريين، يعمل موظفو دائرة الاستعلام والأمن تحت إمرة القيادة العليا للجيش والرئيس الجزائري بوصفه وزيراً للدفاع.
وتقر منظمة العفو الدولية بحق الدول لا بل واجبها في حماية الأشخاص الخاضعين لولايتها القضائية من الأفعال الإرهابية. بيد أنها ينبغي أن تفعل ذلك على نحو يتقيد تقيداً تاماً بالقانون الدولي. وقد أكدت هذا المبدأ عدة قرارات صادرة عن هيئات الأمم المتحدة، بما فيها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.
ولم تعالج التدابير الأخيرة التي اتخذتها السلطات الجزائرية، والتي كان هدفها المعلن تعزيز "المصالحة الوطنية"، مشكلة التعذيب. وفي فبراير/شباط 2006، بدأ العمل بقوانين جديدة لإعفاء المدانين أو المعتقلين بتهم ممارسة أنشطة إرهابية مزعومة من المقاضاة، أو الإفراج عنهم بموجب عفو، وتوسيع الحصانة الشاملة من العقاب لتشمل أفراد قوات الأمن المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان. واستندت التدابير إلى وثيقة إطار هي ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي اعتُمد في استفتاء وطني جرى في سبتمبر/أيلول 2005. ووفقاً للبيانات الحكومية، أُفرج عن 2000 شخص وفقاً لقوانين "المصالحة الوطنية". وهم يشملون المتهمين بالإرهاب الذين احتُجزوا رهن الاعتقال السري وتعرضوا كما ورد للتعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، والذين وُصفت حالات بعضهم في المذكرة المرفقة.
وزعمت بعض الحكومات الأجنبية بأن تدابير "المصالحة الوطنية" ألغت خطر أقدام الجزائر على اعتقال وتعذيب الجزائريين المتهمين بمزاولة أنشطة إرهابية سواء في الخارج أو في الجزائر. وما برحت إحدى هذه الحكومات تجري مفاوضات لعقد اتفاقية يمكن بموجبها أن يُعاد قسراً إلى الجزائر المواطنون الجزائريون الذين يُعتبرون بأنهم يشكلون خطراً على الأمن القومي استناداً إلى تأكيدات دبلوماسية بعدم تعرضهم للتعذيب أو غيره من انتهاكات حقوق الإنسان. بيد أن هذه الاتفاقيات الثنائية بين الحكومات هي أدنى منـزلة بموجب القانون الدولي من المعاهدات الدولية التي تحظر التعذيب والتي تشكل الجزائر دولة طرفاً فيها، لكن جرى انتهاكاً بثبات. ولدى منظمة العفو الدولية بواعث قلق أساسية إزاء استخدام التأكيدات الدبلوماسية أو الاتصالات الدبلوماسية في عملية إعادة الرعايا الأجانب غير المرغوب فيهم.2 غير أنه في حالة الجزائر، يساور منظمة العفو الدولية قلق إضافي من أن السلطات المدنية لا تمارس عملياً أية سيطرة على سلوك دائرة الاستعلام والأمن وأنشطتها. وفي ضوء ذلك، ترى المنظمة أن أي شخص يُعاد بموجب مثل هذه الاتفاقية سيظل معرضاً لخطر التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، بصرف النظر عن أية تأكيدات تعطيها السلطات المدنية.
كذلك يساور منظمة العفو الدولية القلق من أن تدابير "المصالحة الوطنية" يمكن، من خلال إخفاقها في معاجلة الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان المرتكبة في الماضي، أن ترسخ أكثر استخدام التعذيب في الجزائر. وعبر توسيع العفو غير المشروط ليشمل أفراد قوات الأمن الذين ارتكبوا جرائم بموجب القانون الدولي ومنع المحاكم الجزائرية من النظر في الشكاوى المرفوعة ضدهم، أعطت قوانين فبراير/شباط 2006 مرتكبي التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة ضد السجناء إشارة مفادها أنهم يستطيعون الإفلات من العقاب. وعلاوة على ذلك، فإن القانون يجعل حتى من الانتقاد العلني لسلوك قوات الأمن جريمة جنائية يُعاقب عليها بالسجن مدة تصل إلى 10 سنوات، وهو لا يتضمن أية ضمانات فعالة ضد الاعتقال السري والتعذيب.3
وعلقت منظمة العفو الدولية في بداية مارس/آذار على الجوانب الأخرى لقوانين العفو الصادرة في فبراير/شباط 2006 وذلك في بيان مشترك أصدرته مع منظمات دولية أخرى لحقوق الإنسان.4 لذا تركز المذكرة الحالية على تلك الجوانب من القوانين التي تتعلق ببواعث قلق المنظمة إزاء استخدام الاعتقالات السرية والتعذيب وسوء المعاملة ضد المتهمين المزعومين بالإرهاب. وبينما تسعى السلطات الجزائرية إلى إحلال السلام بعد عقد من أعمال العنف، تدعو منظمة العفو الدولية إلى اتخاذ تدابير فورية لمعالجة استمرار استخدام التعذيب وتحث الحكومة على وضع ضمانات لحماية المعتقلين من الانتهاكات. والحظر الدولي للتعذيب شامل ومطلق، ولا يمكن لأي تهديد أمني أن يبرر استخدامه. وتعتقد منظمة العفو الدولية أن حرمان المعتقلين من حقوقهم الأساسية وتغاضي الحكومة عن التعذيب لا يخدمان العدالة ولا الأمن بفعالية.
هوامش :
13 إبريل/نيسان 2006
الإشارة : TG MDE 28/06.02
رقم الوثيقة: MDE 28/008/2006 18 إبريل 2006
الجزائر:التعذيب في "الحرب على الإرهاب" - مذكرة إلى الرئيس الجزائري
تصف المذكرة المرفقة الموجهة إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بواعث قلق منظمة العفو الدولية فيما يتعلق باستمرار ورود أنباء الاعتقال السري للمتهمين بالإرهاب في الجزائر وتعذيبهم. وتقدم توصيات لمعالجة بواعث القلق هذه وتدعو السلطات الجزائرية إلى تقديم معلومات حول أية تحقيقات جرت بشأن الحالات الاثنتي عشرة المحددة للاعتقال السري والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة المزعومة التي تناهت إلى علم منظمة العفو الدولية منذ العام 2002.
وإدراكاً من منظمة العفو الدولية بأن وضع حد للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة هو أولاً وأخيراً مسألة إرادة سياسية، فإنها توجه بواعث قلقها إلى الرئيس الجزائري بوصفه الممثل الأعلى للدولة الجزائرية. كما أن الرئيس يتولى حقيبة وزارة الدفاع التي يشرف فيها بهذه الصفة على دائرة الاستعلام والأمن، جهاز المخابرات العسكرية الذي يتردد ذكره في أغلب الأحيان في أنباء تعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم. وتهيب منظمة العفو الدولية بالرئيس الجزائري اتخاذ خطوات ملموسة لوضع حد للاعتقال السري والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، وضمان تنفيذ الضمانات المنصوص عليها في القانون الجزائري والدولي والتي ينبغي أن تحمي المعتقلين من هذه الانتهاكات.
ولقد لفتت منظمة العفو الدولية في السابق نظر السلطات الجزائرية إلى بواعث قلقها في عدد من المناسبات، بما فيها زيارة قام بها مندوبوها إلى الجزائر في مايو/أيار 2005. وبعض بواعث القلق قائمة منذ زمن طويل وقد وثقتها منظمة العفو الدولية في تقاريرها. لكن بواعث القلق الأخرى تتعلق بالنتائج التي توصلت إليها خلال الزيارة التي قامت بها المنظمة في مايو/أيار 2005 1 وبالمعلومات التي تلقتها منذ ذلك الحين من الضحايا وعائلاتهم، فضلاً عن المحامين ومنظمات حقوق الإنسان في الجزائر.
وقد تعاملت السلطات الجزائرية مع تدابير مكافحة الإرهاب مدة تزيد كثيراً على عقد من الزمن، وتعرضت خلال التسعينيات لانتقادات واسعة على انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة خلال النـزاع الداخلي الذي عصف بالبلاد في ذلك الحين. لكن في الآونة الأخيرة، رغم أن إرث تلك السنوات يظل دون معالجة بمعظمه، إلا أن الجزائر باتت حليفاً أساسياً للولايات المتحدة وغيرها من الحكومات المنهمكة بما يسمى بالحرب على الإرهاب. وفي هذا السياق، فإن الحالات وبواعث القلق التي أُثيرت في هذه المذكرة وثيقة الصلة بهذا الموضوع، ولهذا السبب تنشر منظمة العفو الدولية هذه المعلومات الآن. وستُصدر المنظمة تقريراً أشمل في الأشهر المقبلة، سيعكس من جملة أمور، أي رد على المذكرة الحالية تتلقاه من السلطات الجزائرية.
وتخرج الجزائر من أكثر من عقد من العنف الذي أودى بحياة 200,000 شخص. وقد ارتُكبت انتهاكات هائلة لحقوق الإنسان خلال النـزاع على أيدي الجماعات المسلحة وقوات الأمن والميليشيات التي تسلحها الدولة، حيث كان المدنيون الجزائريون هم الضحايا الرئيسيين، ومع ذلك لم تُجر السلطات الجزائرية أية تحقيقات في الأغلبية العظمى من هذه الانتهاكات. وباتت ممارسة التعذيب وسوء المعاملة منهجية مع انحسار الضمانات القانونية وسواها من الضمانات الرامية إلى منع هذه الانتهاكات وذلك باسم محاربة الإرهاب.
وقد انخفض مستوى العنف بصورة متواصلة في السنوات الأخيرة، رغم أن حوالي 400 شخص لقوا مصرعهم في العام 2005 كما ورد نتيجة استمرار العنف. وأُجري عدد أقل من الاعتقالات كما ورد وأُحرز بعض التقدم باتجاه تعزيز الضمانات لحماية المعتقلين في الحجز. ورغم استمرار شيوع سوء المعاملة، إلا أن أنباء التعذيب في حجز الشرطة والدرك شهدت تراجعاً كما ورد.
ورغم هذا التحسن، يظل التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة منهجياً وواسع النطاق على السواء في حالات الاعتقال المرتبطة بالأنشطة الإرهابية المزعومة. وتجري دائرة الاستعلام والأمن العديد من هذه الاعتقالات، ورغم أنها أصبحت أقل عدداً منها خلال ذروة العنف الذي شهدته السنوات السابقة، إلا أن دائرة الاستعلام والأمن تظل قوة رهيبة. ويُحتجز الأشخاص الذين تعتقلهم الدائرة في الاعتقال السري بصورة منهجية ويُحرمون من أي اتصال بالعالم الخارجي، غالباً لفترات مطولة – في أوضاع تسهل حدوث التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة. وكأفراد عسكريين، يعمل موظفو دائرة الاستعلام والأمن تحت إمرة القيادة العليا للجيش والرئيس الجزائري بوصفه وزيراً للدفاع.
وتقر منظمة العفو الدولية بحق الدول لا بل واجبها في حماية الأشخاص الخاضعين لولايتها القضائية من الأفعال الإرهابية. بيد أنها ينبغي أن تفعل ذلك على نحو يتقيد تقيداً تاماً بالقانون الدولي. وقد أكدت هذا المبدأ عدة قرارات صادرة عن هيئات الأمم المتحدة، بما فيها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.
ولم تعالج التدابير الأخيرة التي اتخذتها السلطات الجزائرية، والتي كان هدفها المعلن تعزيز "المصالحة الوطنية"، مشكلة التعذيب. وفي فبراير/شباط 2006، بدأ العمل بقوانين جديدة لإعفاء المدانين أو المعتقلين بتهم ممارسة أنشطة إرهابية مزعومة من المقاضاة، أو الإفراج عنهم بموجب عفو، وتوسيع الحصانة الشاملة من العقاب لتشمل أفراد قوات الأمن المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان. واستندت التدابير إلى وثيقة إطار هي ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي اعتُمد في استفتاء وطني جرى في سبتمبر/أيلول 2005. ووفقاً للبيانات الحكومية، أُفرج عن 2000 شخص وفقاً لقوانين "المصالحة الوطنية". وهم يشملون المتهمين بالإرهاب الذين احتُجزوا رهن الاعتقال السري وتعرضوا كما ورد للتعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، والذين وُصفت حالات بعضهم في المذكرة المرفقة.
وزعمت بعض الحكومات الأجنبية بأن تدابير "المصالحة الوطنية" ألغت خطر أقدام الجزائر على اعتقال وتعذيب الجزائريين المتهمين بمزاولة أنشطة إرهابية سواء في الخارج أو في الجزائر. وما برحت إحدى هذه الحكومات تجري مفاوضات لعقد اتفاقية يمكن بموجبها أن يُعاد قسراً إلى الجزائر المواطنون الجزائريون الذين يُعتبرون بأنهم يشكلون خطراً على الأمن القومي استناداً إلى تأكيدات دبلوماسية بعدم تعرضهم للتعذيب أو غيره من انتهاكات حقوق الإنسان. بيد أن هذه الاتفاقيات الثنائية بين الحكومات هي أدنى منـزلة بموجب القانون الدولي من المعاهدات الدولية التي تحظر التعذيب والتي تشكل الجزائر دولة طرفاً فيها، لكن جرى انتهاكاً بثبات. ولدى منظمة العفو الدولية بواعث قلق أساسية إزاء استخدام التأكيدات الدبلوماسية أو الاتصالات الدبلوماسية في عملية إعادة الرعايا الأجانب غير المرغوب فيهم.2 غير أنه في حالة الجزائر، يساور منظمة العفو الدولية قلق إضافي من أن السلطات المدنية لا تمارس عملياً أية سيطرة على سلوك دائرة الاستعلام والأمن وأنشطتها. وفي ضوء ذلك، ترى المنظمة أن أي شخص يُعاد بموجب مثل هذه الاتفاقية سيظل معرضاً لخطر التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، بصرف النظر عن أية تأكيدات تعطيها السلطات المدنية.
كذلك يساور منظمة العفو الدولية القلق من أن تدابير "المصالحة الوطنية" يمكن، من خلال إخفاقها في معاجلة الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان المرتكبة في الماضي، أن ترسخ أكثر استخدام التعذيب في الجزائر. وعبر توسيع العفو غير المشروط ليشمل أفراد قوات الأمن الذين ارتكبوا جرائم بموجب القانون الدولي ومنع المحاكم الجزائرية من النظر في الشكاوى المرفوعة ضدهم، أعطت قوانين فبراير/شباط 2006 مرتكبي التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة ضد السجناء إشارة مفادها أنهم يستطيعون الإفلات من العقاب. وعلاوة على ذلك، فإن القانون يجعل حتى من الانتقاد العلني لسلوك قوات الأمن جريمة جنائية يُعاقب عليها بالسجن مدة تصل إلى 10 سنوات، وهو لا يتضمن أية ضمانات فعالة ضد الاعتقال السري والتعذيب.3
وعلقت منظمة العفو الدولية في بداية مارس/آذار على الجوانب الأخرى لقوانين العفو الصادرة في فبراير/شباط 2006 وذلك في بيان مشترك أصدرته مع منظمات دولية أخرى لحقوق الإنسان.4 لذا تركز المذكرة الحالية على تلك الجوانب من القوانين التي تتعلق ببواعث قلق المنظمة إزاء استخدام الاعتقالات السرية والتعذيب وسوء المعاملة ضد المتهمين المزعومين بالإرهاب. وبينما تسعى السلطات الجزائرية إلى إحلال السلام بعد عقد من أعمال العنف، تدعو منظمة العفو الدولية إلى اتخاذ تدابير فورية لمعالجة استمرار استخدام التعذيب وتحث الحكومة على وضع ضمانات لحماية المعتقلين من الانتهاكات. والحظر الدولي للتعذيب شامل ومطلق، ولا يمكن لأي تهديد أمني أن يبرر استخدامه. وتعتقد منظمة العفو الدولية أن حرمان المعتقلين من حقوقهم الأساسية وتغاضي الحكومة عن التعذيب لا يخدمان العدالة ولا الأمن بفعالية.
هوامش :
1. الجزائر : التقرير الأولي لزيارة وفد عن منظمة العفو الدولية إلى الجزائر، 6-25 مايو/أيار 2005 (رقم الوثيقة : MDE 28/008/2005).
2. المملكة المتحدة/الشرق الأوسط وشمال أفريقيا : مذكرات التفاهم ومراقبة المنظمات غير الحكومية : تحدٍ لحقوق الإنسان الأساسية، يناير/كانون الثاني 2006 (رقم الوثيقة : POL 30/002/2006).
3. أصدرت منظمة العفو الدولية بصورة متكررة توصيات للسلطات الجزائرية لوضع حد للاعتقال السري والتعذيب، انظر مثلاً تقرير الجزائر : خطوات نحو التغيير أم وعود جوفاء؟ (رقم الوثيقة : MDE 28/005/2003).
4. الجزائر : قانون العفو الجديد سيكفل عدم المعاقبة على الفظائع، 1 مارس/آذار 2006، رقم الوثيقة : MDE 28/005/2006.
2. المملكة المتحدة/الشرق الأوسط وشمال أفريقيا : مذكرات التفاهم ومراقبة المنظمات غير الحكومية : تحدٍ لحقوق الإنسان الأساسية، يناير/كانون الثاني 2006 (رقم الوثيقة : POL 30/002/2006).
3. أصدرت منظمة العفو الدولية بصورة متكررة توصيات للسلطات الجزائرية لوضع حد للاعتقال السري والتعذيب، انظر مثلاً تقرير الجزائر : خطوات نحو التغيير أم وعود جوفاء؟ (رقم الوثيقة : MDE 28/005/2003).
4. الجزائر : قانون العفو الجديد سيكفل عدم المعاقبة على الفظائع، 1 مارس/آذار 2006، رقم الوثيقة : MDE 28/005/2006.
مذكرة من منظمة العفو الدولية إلى الرئيس
عبد العزيز بو تفليقة
التعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان
التي ترتكبها دائرة الاستعلام والأمن في الجزائر
عبد العزيز بو تفليقة
التعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان
التي ترتكبها دائرة الاستعلام والأمن في الجزائر
13 إبريل/نيسان 2006
الإشارة : TG MDE 28/06.02
بواعث قلق منظمة العفو الدولية
يساور منظمة العفو الدولية القلق إزاء مجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة التي ارتكبها دائرة الاستعلام والأمن في السنوات الأخيرة. وتستند بواعث القلق هذه من جملة معلومات إلى تحليل حوالي 45 حالة اعتقال سري وتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة يُزعم أن متهمين بالإرهاب تعرضوا لها منذ العام 2002. وتسلط هذه المذكرة الضوء بالتفصيل على اثنتي عشرة حالة منها.
ويساور منظمة العفو الدولية القلق تحديداً إزاء انتهاكات قانون الإجراءات الجزائية الجزائري والقانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان لجهة إجراءات الاعتقال والتوقيف للنظر ومعاملة المعتقلين، فضلاً عن تقاعس السلطات القضائية عن التحقيق في هذه الانتهاكات مما يؤدي إلى انتهاكات إضافية لضمانات المحاكمات العادلة.
وقد أثار مندوبو منظمة العفو الدولية معظم بواعث القلق المبينة أدناه بالتفصيل خلال لقاء عُقد في 24 مايو/أيار 2005 مع ممثلي وزارة العدل الذين لم يعطوا أجوبة جوهرية على العديد من الأسئلة التي طرحتها منظمة العفو الدولية. وفي بعض الحالات، وعد المسؤولون بنقل بواعث القلق إلى وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع الوطني. وفي حالات أخرى، تلقت منظمة العفو الدولية تأكيدات بأنه سيتم إعطاء الأجوبة خطياً في مرحلة لاحقة. وبحلول نهاية مارس/آذار 2006، لم تكن منظمة العفو الدولية قد تلقت أية معلومات من وزارة العدل أو أية مؤسسة رسمية أخرى.
وخلال الزيارة التي قامت بها إلى الجزائر في مايو/أيار 2005، طلبت منظمة العفو الدولية الاجتماع بممثلين عن وزارة الداخلية ووزارة الدفاع الوطني، لكنها لم تتلق رداً على طلباتها.
1. إجراءات التوقيف
أسباب وإجراءات التوقيف
في معظم الحالات الاثنتي عشرة المبينة أدناه بالتفصيل، ورد أن الاعتقالات جرت على أيدي أفراد في دائرة الاستعلام والأمن يرتدون ملابس مدنية، لكنهم لم يُعرِّفوا بأنفسهم واستخدموا سيارات لا تحمل علامات تدل على أنها تعود إلى قوات أمنية. ولم يحيطوا المتهمين علماً بأسباب توقيفهم.
ولا يوجد شرط صريح بموجب القانون الجزائري يقتضي من الضباط الذين ينفذون عملية التوقيف التعريف بأنفسهم أو إبلاغ الشخص بأسباب توقيفه.
بيد أن القانون الجزائري لا يتماشى مع القانون الدولي. فالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي تشكل الجزائر دولة طرفاً فيه ينص في المادة 9(2) منه على أنه :
"يتوجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه كما يتوجب إبلاغه سريعاً بأية تهمة توجه إليه."
وينص المبدأ 12 من مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن (التي يشار إليها فيما يلي بمجموعة المبادئ) والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1998، على وجوب إبلاغ المعتقلين، من جملة أمور، بأسباب توقيفهم وهوية الموظفين الذين ينفذون عملية التوقيف :
1. تسجل حسب الأصول :
(أ) أسباب القبض،
(ب) وقت القبض ووقت اقتياد الشخص المقبوض عليه إلى مكان الحجز وكذلك وقت مثوله لأول مرة أمام سلطة قضائية أو سلطة أخرى،
(ج) هوية موظفي إنفاذ القوانين المعنيين،
(د) المعلومات الدقيقة المتعلقة بمكان الحجز.
2. تبلغ هذه السجلات إلى الشخص المحتجز أو إلى محاميه، إن وجد، بالشكل الذي يقرره القانون.
إخطار المعتقلين بحقوقهم
في جميع الحالات، لم يُبلَّغ المعتقلون بحقهم في الاتصال فوراً بعائلاتهم وفي إجراء فحص طبي لهم. ولا يبدو أن عائلات المعتقلين أُبلغت باعتقال المعتقلين وبمكان وجودهم، ولم تتمكن من الاتصال بهم أو زيارتهم.
ووفقاً للمادة 51 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية، ينبغي على الموظفين الذين يقومون بالتوقيف إبلاغ أي شخص يُحبس بحقوقه خلال التوقيف للنظر. وتنص المادة 51 مكرر 1 من قانون العقوبات الجزائية، كما بدأ العمل بها في العام 2001، على أن المحتجزين في التوقيف للنظر يجب أن يُمنحوا فوراً وسيلة للاتصال بعائلتهم وتلقي زيارات.
وينص المبدأ 13 من مجموعة المبادئ على أن :
تقوم السلطة المسؤولة عن إلقاء القبض أو الاحتجاز أو السجن على التوالي، بتزويد الشخص لحظة القبض عليه وعند بدء الاحتجاز أو السجن أو بعدهما مباشرة، بمعلومات عن حقوقه وبتفسير لهذه الحقوق وكيفية استعمالها.
وينص المبدأ 16(1) من مجموعة المبادئ على أن :
يكون للشخص المحتجز أو المسجون، بعد إلقاء القبض عليه مباشرة وبعد كل مرة ينقل فيها من مكان احتجاز أو مكان سجن إلى آخر، الحق في أن يخطر، أو يطلب من السلطة المختصة أن تخطر أفراداً من أسرته أو أشخاصاً مناسبين آخرين يختارهم، بالقبض عليه أو احتجازه أو سجنه أو بنقله وبالمكان الذي هو محتجز فيه.
إخطار وكيل الجمهورية
تقول العائلات والمحامون الذين اتصلوا بالسلطات القضائية بينما كان الأشخاص محتجزين لدى دائرة الاستعلام والأمن إنهم لم يتمكنوا من الحصول على تأكيد رسمي بأن الأشخاص قد اعتُقلوا. كذلك يذكرون أنهم لم يتلقوا أية معلومات من السلطات القضائية حول أسباب إجراء الاعتقالات ومكان اعتقال الشخص.
وهذا يوحي بأن السلطات القضائية لم تُبلَّغ أولاً بأول بالاعتقالات التي أجرتها دائرة الاستعلام والأمن، كما يقتضي القانون. فالمادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية تنص على أنه كلما وُضع شخص قيد التوقيف للنظر، ينبغي على موظف الشرطة القضائية أن يُبلِّغ وكيل الجمهورية على الفور ويزوده بتقرير حول أسباب الاعتقال.
والمعايير الدولية مثل المادة 9(1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تنص على أنه لا يجوز إجراء الاعتقالات إلا "لأسباب ينص عليها القانون وطبقاً للإجراء المقرر فيه".
وينص المبدأ الثاني من مجموعة المبادئ على أنه : "لا يجوز إلقاء القبض أو الاحتجاز أو السجن إلا مع التقيد الصارم بأحكام القانون وعلى يد موظفين مختصين أو أشخاص مرخص لهم بذلك."
واحتجاز أشخاص بدون الاعتراف بمكان وجودهم يشكل انتهاكاً للمادة 10 من الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي تنص على أنه :
1. يجب أن يكون كل شخص محروم من حريته موجوداً في مكان احتجاز معترف به رسمياً، وأن يمثل وفقاً للقانون الوطني، أمام سلطة قضائية بعد احتجازه دون تأخير.
2. توضع فوراً معلومات دقيقة عن احتجاز الأشخاص ومكان أو أمكنة احتجازهم، بما في ذلك حركة نقلهم من مكان إلى آخر، في متناول أفراد أسرهم أو محاميهم أو أي شخص آخر له مصلحة مشروعة في الإحاطة بهذه المعلومات، ما لم يعرب الأشخاص المحتجزون عن رغبة مخالفة لذلك.
دور دائرة الاستعلام والأمن
يبدو أن عدداً كبيراً من الأشخاص الذين أُوقفوا للاشتباه بقيامهم بأنشطة إرهابية مزعومة تم القبض عليهم مباشرة من جانب دائرة الاستعلام والأمن أو نقلوا إلى الحجز لديها خلال الأيام القليلة الأولى لاعتقالهم وجُلبوا لاحقاً للمثول أمام محكمة الجزائر العاصمة. وقد طلبت منظمة العفو الدولية معلومات من وزارة العدل لتبرير دور دائرة الاستعلام والأمن في توقيف واعتقال المتهمين بالإرهاب. وخلال اجتماع عُقد في العام 2005، أبلغ مسؤولو وزارة العدل منظمة العفو الدولية أن الشرطة تعاملت مع الأغلبية العظمى من الحالات المتعلقة بالإرهاب وأن أية محكمة يمكن أن تتعامل مع هذه الحالات، لكن النتائج التي توصلت إليها المنظمة تتعارض مع هذا التأكيد. وترحب منظمة العفو الدولية بتوضيح دور دائرة الاستعلام والأمن في إجراء تحقيقات في الجرائم الإرهابية المزعومة.
التوصيات
تدعو منظمة العفو الدولية السلطات الجزائرية إلى اتخاذ التدابير التالية لمنع الاعتقال التعسفي : <li type="disc">التأكد من أن الموطفين الذين يقومون بعمليات الاعتقال يُعرِّفون الشخص المعتقل بأنفسهم ويرتدون شارات تحمل أسماءهم أو أرقامهم بحيث يمكن التعرف عليهم بوضوح وأن تكون مركبات الشرطة والجيش تحمل علامات مميزة تدل على أنها كذلك؛ <li type="disc">إصدار تشريعات تكفل بأن يُعرِّف جميع الموظفين الذين يجرون عمليات الاعتقال بأنفسهم لأولئك الذين يتم اعتقالهم وبأن يبلغونهم بأسباب اعتقالهم؛ <li type="disc">التأكد من أن جميع الموظفين الذين يجرون تحقيقات في الجرائم الإرهابية، بمن فيهم موظفو دائرة الاستعلام والأمن، يتقيدون تقيداً تاماً بالضمانات الواردة بموجب القانون الجزائري والتي تحمي المعتقلين من الاعتقال التعسفي، وبخاصة واجب إبلاغ المعتقلين بحقوقهم خلال الاعتقال، وإبلاغ وكلاء الجمهورية فوراً بالاعتقالات وبأسبابها دون تأخير.
2. التوقيف للنظر
الحدود الزمنية
في ثماني من الحالات الاثنتي عشرة المبينة أدناه بالتفصيل، احتُجز المعتقلون إلى ما بعد مدة الاثني عشر يوماً، المحددة في المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية، بوصفها الحد القانوني للتوقيف للنظر في الحالات المتعلقة "بأفعال إرهابية أو تخريبية". وفي خمس حالات، جرى تجاوز الحد القانوني بعدة أشهر، وفي حالة واحدة بسنتين و34 يوماً.
ويشكل هذا الأمر انتهاكاً صارخاً للحدود القانونية للتوقيف للنظر وحبساً تعسفياً، يُعاقب عليه بموجب القانون الجزائري وفقاً للمادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية والمادتين 107 و291 من قانون العقوبات.
وفي ضوء المعايير الدولية، يشكل الحد القانوني البالغ 12 يوماً فترة حبس مفرطة أصلاً قبل توجيه تهم للمشتبه بهم وجلبهم للمثول أمام قاضٍ أو الإفراج عنهم. وحد الـ 12 يوماً ينتهك مثلاً المادة 9(3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن أي شخص يُلقى القبض عليه بتهمة جنائية يجب أن يُقدَّم "سريعاً" إلى السلطات القضائية. وتكفل المادة 9(4) حق كل شخص "حُرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال ... حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني". وقد أشارت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان تحديداً إلى أن عمليات التأخير في تقديم أي شخص يتم توقيفه أو اعتقاله للمثول أمام قاض أو موظف آخر مفوض قانونياً بممارسة سلطة قضائية لا يجوز أن تتعدى بضعة أيام.1 ويقول المقرر الخاص بالمعني بالتعذيب إن "الذين يُقبض عليهم قانونياً لا يجوز أن يُحتجزوا في مرافق خاضعة لسيطرة المستنطقين أو المحققين لمدة تزيد على الوقت الذي يقتضيه القانون للحصول على مذكرة قضائية للاعتقال السابق للمحاكمة، والذي لا يجوز في أية حالة أن يتجاوز فترة 48 ساعة."2
الاعتقال غير المعترف به
في حالتين من الحالات المبينة أدناه بالتفصيل، يبدو أن تاريخ التوقيف المسجل في الوثيقتين الرسميتين الصادرتين عن الشرطة القضائية قد زُوِّر بمدة يوم ويومين على التوالي، لإخفاء حقيقة أن المعتقلين احتُجزا إلى ما بعد الحدود القضائية القانونية للتوقيف للنظر.
وفي أربع من الحالات المبينة أدناه التي تجاوز فيها الاعتقال المدة القانونية للتوقيف للنظر بشكل ملموس، وُضع المعتقلون رسمياً قيد الإقامة الجبرية بأمر من وزارة الداخلية. وصدرت الأوامر بعد توقيفهم واعتقالهم من جانب دائرة الاستعلام والأمن.
وكبديل للسجن أو الاعتقال، تشكل هذه الأوامر تدابير تُخضع الشخص للإقامة الجبرية في مكان إقامة محدد. بيد أن الأوامر تشير فقط إلى أن الشخص لا يُسمح له بمغادرة حدود ولاية الجزائر العاصمة بدون تحديد عنوان الإقامة أو مدة التدبير. ونظراً لأنه في جميع الحالات كان الأشخاص معتقلين أصلاً في ثكنة جهاز المخابرات العسكرية، تخشى منظمة العفو الدولية من أن التدبير يُستخدم لإخفاء انتهاكات القانون الجزائري من جانب دائرة الاستعلام والأمن.
وتصدر الأوامر بالإشارة إلى السلطات الخاصة الممنوحة إلى وزير الداخلية في إطار حالة الطوارئ السارية المفعول منذ العام 1992. فالمادة 6-4 من المرسوم الخاص بحالة الطوارئ (المرسوم الرئاسي رقم 92/44 الصادر في 9 فبراير/شباط 1992) تخول وزير الداخلية إصدار أوامر بفرض الإقامة الجبرية على الأشخاص، في عنوان محدد، إذا كان نشاطهم يشكل خطراً على النظام العام. ولا ينص المرسوم على تفاصيل تتعلق بالتطبيق العملي لهذا النص.
وتعتبر منظمة العفو الدولية أن هذه السلطات الكاسحة، بدون توافر إمكانية لإجراء مراجعة قضائية، تُخل بالضمانات المنصوص عليها في القانون الجزائري للحماية من الحبس التعسفي وتمس بالحق في الحرية المكرس في المادة 9(1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تحظر التوقيف أو الحبس التعسفي. وعلاوة على ذلك، صرحت مجموعة العمل المعنية بالاعتقال التعسفي التابعة للأمم المتحدة بأن "استخدام ’الاعتقال الإداري‘ بموجب قانون الأمن العام أو قوانين الهجرة أو غيرها من القوانين الإدارية ذات الصلة، والمؤدي إلى الحرمان من الحرية لمدة غير محدودة أو لفترات طويلة جداً من دون إشراف قضائي فعال، كوسيلة لاعتقال أشخاص متهمين بالتورط في الإرهاب أو غيره من الجرائم، يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان."3
ويساور منظمة العفو الدولية القلق إزاء تمديد القانون الخاص بحالة الطوارئ، والذي يجب أن يكون إجراء مؤقتاً، في العام 1993 وعدم إعادة النظر فيه منذ ذلك الحين. والمادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تسمح بإعلان حالة الطوارئ خلال "حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة." بيد أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان صرحت بأن "الشرط الأساسي لأية تدابير ... كما تنص على ذلك الفقرة 1 من المادة 4، هو أن تقتصر هذه التدابير على المدى الذي تقتضيه تماماً ضرورات الموقف. ويتعلق هذا الشرط بمدة حالة الطوارئ ورقعتها الجغرافية ونطاقها الفعلي وأية تدابير للانتقاص (للتقييد) يتم اتخاذها بسبب حالة الطوارئ."4 لذا من الضروري أن تكون حالات الطوارئ محدودة، وأن تتناسب التدابير المتخذة مع ضرورات الموقف.5 كذلك أشارت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان تحديداً إلى أن "ضروب الحظر المفروض على [...] الاعتقال غير المعترف لا تخضع للانتقاص. وتُبرَّر الطبيعة المطلقة لضروب الحظر هذه، حتى في أوقات الطوارئ، بوضعها كمعيار للقانون الدولي العام."6
الاعتقال بمعزل عن العامل الخارجي
في جميع الحالات، ورد أن المعتقلين احتُجزوا لدى دائرة الاستعلام والأمن بدون اتصال بالعالم الخارجي. وخلال هذه الفترة ورد أنهم حُرموا من الاتصال بعائلاتهم والاستعانة بمستشار قانوني ومن الرعاية الطبية، حتى عندما تم تجاوز الحد القانوني للتوقيف للنظر بشكل ملموس.
وحق الاتصال بالعائلات وتلقي زيارات منها، فضلاً عن الحق في الحصول على فحص طبي في نهاية المدة القانونية للتوقيف للنظر، مكفول بموجب المادة 51 مكرر 1 من قانون الإجراءات الجزائية. بيد أن القانون الجزائري لا يمنح المعتقلين حق مقابلة محامين خلال التوقيف للنظر.
وقد صرحت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها العام رقم 20 على المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأن :
حماية المعتقلين ... تقتضي السماح للأطباء والمحامين بمقابلة المعتقلين بصورة سريعة ومنتظمة، وكذلك بمقابلة أفراد العائلة تحت الإشراف المناسب عندما يستلزم التحقيق ذلك.
وقد كررت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان مؤخراً بأن "الاعتقال المطول بمعزل عن العالم الخارجي أو الاعتقال في أماكن سرية يمكن أن يُسهِّل ارتكاب التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ويمكن أن يشكل بحد ذاته ضرباً من هذه المعاملة".7
وقد شدد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب على أن الاتصال الفوري بالعالم الخارجي ضروري لمنع التعذيب. ودعا بصورة متكررة إلى فرض حظر تام على الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي حيث يكون المعتقلون معرضين إلى أقصى حد لخطر التعذيب، مشيراً إلى أن "الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي يجب أن يصبح غير قانوني وينبغي إطلاق سراح الأشخاص المحتجزين بمعزل عن العالم الخارجي دون إبطاء".8
كذلك دعا المقرر الخاص لوضع نصوص قانونية تكفل السماح للمعتقلين بمقابلة مستشار قانوني خلال 24 ساعة.9 وينص المبدأ 7 من المبادئ الأساسية بشأن دون المحامين على أن يكفل "لجميع الأشخاص المقبوض عليهم أو المحتجزين بتهمة جنائية أو بدون تهمة جنائية إمكانية الاستعانة بمحام فوراً، وبأي حال خلال مهلة لا تزيد عن ثمان وأربعين ساعة من وقت القبض عليهم أو احتجازهم." ولا يرد حالياً نص حول هذه الضمانات في القانون الجزائري الذي يجيز اعتقال المتهمين بالإرهاب بدون السماح لهم بمقابلة مستشار قانوني مدة تصل إلى 12 يوماً.
يساور منظمة العفو الدولية القلق إزاء مجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة التي ارتكبها دائرة الاستعلام والأمن في السنوات الأخيرة. وتستند بواعث القلق هذه من جملة معلومات إلى تحليل حوالي 45 حالة اعتقال سري وتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة يُزعم أن متهمين بالإرهاب تعرضوا لها منذ العام 2002. وتسلط هذه المذكرة الضوء بالتفصيل على اثنتي عشرة حالة منها.
ويساور منظمة العفو الدولية القلق تحديداً إزاء انتهاكات قانون الإجراءات الجزائية الجزائري والقانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان لجهة إجراءات الاعتقال والتوقيف للنظر ومعاملة المعتقلين، فضلاً عن تقاعس السلطات القضائية عن التحقيق في هذه الانتهاكات مما يؤدي إلى انتهاكات إضافية لضمانات المحاكمات العادلة.
وقد أثار مندوبو منظمة العفو الدولية معظم بواعث القلق المبينة أدناه بالتفصيل خلال لقاء عُقد في 24 مايو/أيار 2005 مع ممثلي وزارة العدل الذين لم يعطوا أجوبة جوهرية على العديد من الأسئلة التي طرحتها منظمة العفو الدولية. وفي بعض الحالات، وعد المسؤولون بنقل بواعث القلق إلى وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع الوطني. وفي حالات أخرى، تلقت منظمة العفو الدولية تأكيدات بأنه سيتم إعطاء الأجوبة خطياً في مرحلة لاحقة. وبحلول نهاية مارس/آذار 2006، لم تكن منظمة العفو الدولية قد تلقت أية معلومات من وزارة العدل أو أية مؤسسة رسمية أخرى.
وخلال الزيارة التي قامت بها إلى الجزائر في مايو/أيار 2005، طلبت منظمة العفو الدولية الاجتماع بممثلين عن وزارة الداخلية ووزارة الدفاع الوطني، لكنها لم تتلق رداً على طلباتها.
1. إجراءات التوقيف
أسباب وإجراءات التوقيف
في معظم الحالات الاثنتي عشرة المبينة أدناه بالتفصيل، ورد أن الاعتقالات جرت على أيدي أفراد في دائرة الاستعلام والأمن يرتدون ملابس مدنية، لكنهم لم يُعرِّفوا بأنفسهم واستخدموا سيارات لا تحمل علامات تدل على أنها تعود إلى قوات أمنية. ولم يحيطوا المتهمين علماً بأسباب توقيفهم.
ولا يوجد شرط صريح بموجب القانون الجزائري يقتضي من الضباط الذين ينفذون عملية التوقيف التعريف بأنفسهم أو إبلاغ الشخص بأسباب توقيفه.
بيد أن القانون الجزائري لا يتماشى مع القانون الدولي. فالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي تشكل الجزائر دولة طرفاً فيه ينص في المادة 9(2) منه على أنه :
"يتوجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه كما يتوجب إبلاغه سريعاً بأية تهمة توجه إليه."
وينص المبدأ 12 من مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن (التي يشار إليها فيما يلي بمجموعة المبادئ) والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1998، على وجوب إبلاغ المعتقلين، من جملة أمور، بأسباب توقيفهم وهوية الموظفين الذين ينفذون عملية التوقيف :
1. تسجل حسب الأصول :
(أ) أسباب القبض،
(ب) وقت القبض ووقت اقتياد الشخص المقبوض عليه إلى مكان الحجز وكذلك وقت مثوله لأول مرة أمام سلطة قضائية أو سلطة أخرى،
(ج) هوية موظفي إنفاذ القوانين المعنيين،
(د) المعلومات الدقيقة المتعلقة بمكان الحجز.
2. تبلغ هذه السجلات إلى الشخص المحتجز أو إلى محاميه، إن وجد، بالشكل الذي يقرره القانون.
إخطار المعتقلين بحقوقهم
في جميع الحالات، لم يُبلَّغ المعتقلون بحقهم في الاتصال فوراً بعائلاتهم وفي إجراء فحص طبي لهم. ولا يبدو أن عائلات المعتقلين أُبلغت باعتقال المعتقلين وبمكان وجودهم، ولم تتمكن من الاتصال بهم أو زيارتهم.
ووفقاً للمادة 51 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية، ينبغي على الموظفين الذين يقومون بالتوقيف إبلاغ أي شخص يُحبس بحقوقه خلال التوقيف للنظر. وتنص المادة 51 مكرر 1 من قانون العقوبات الجزائية، كما بدأ العمل بها في العام 2001، على أن المحتجزين في التوقيف للنظر يجب أن يُمنحوا فوراً وسيلة للاتصال بعائلتهم وتلقي زيارات.
وينص المبدأ 13 من مجموعة المبادئ على أن :
تقوم السلطة المسؤولة عن إلقاء القبض أو الاحتجاز أو السجن على التوالي، بتزويد الشخص لحظة القبض عليه وعند بدء الاحتجاز أو السجن أو بعدهما مباشرة، بمعلومات عن حقوقه وبتفسير لهذه الحقوق وكيفية استعمالها.
وينص المبدأ 16(1) من مجموعة المبادئ على أن :
يكون للشخص المحتجز أو المسجون، بعد إلقاء القبض عليه مباشرة وبعد كل مرة ينقل فيها من مكان احتجاز أو مكان سجن إلى آخر، الحق في أن يخطر، أو يطلب من السلطة المختصة أن تخطر أفراداً من أسرته أو أشخاصاً مناسبين آخرين يختارهم، بالقبض عليه أو احتجازه أو سجنه أو بنقله وبالمكان الذي هو محتجز فيه.
إخطار وكيل الجمهورية
تقول العائلات والمحامون الذين اتصلوا بالسلطات القضائية بينما كان الأشخاص محتجزين لدى دائرة الاستعلام والأمن إنهم لم يتمكنوا من الحصول على تأكيد رسمي بأن الأشخاص قد اعتُقلوا. كذلك يذكرون أنهم لم يتلقوا أية معلومات من السلطات القضائية حول أسباب إجراء الاعتقالات ومكان اعتقال الشخص.
وهذا يوحي بأن السلطات القضائية لم تُبلَّغ أولاً بأول بالاعتقالات التي أجرتها دائرة الاستعلام والأمن، كما يقتضي القانون. فالمادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية تنص على أنه كلما وُضع شخص قيد التوقيف للنظر، ينبغي على موظف الشرطة القضائية أن يُبلِّغ وكيل الجمهورية على الفور ويزوده بتقرير حول أسباب الاعتقال.
والمعايير الدولية مثل المادة 9(1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تنص على أنه لا يجوز إجراء الاعتقالات إلا "لأسباب ينص عليها القانون وطبقاً للإجراء المقرر فيه".
وينص المبدأ الثاني من مجموعة المبادئ على أنه : "لا يجوز إلقاء القبض أو الاحتجاز أو السجن إلا مع التقيد الصارم بأحكام القانون وعلى يد موظفين مختصين أو أشخاص مرخص لهم بذلك."
واحتجاز أشخاص بدون الاعتراف بمكان وجودهم يشكل انتهاكاً للمادة 10 من الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي تنص على أنه :
1. يجب أن يكون كل شخص محروم من حريته موجوداً في مكان احتجاز معترف به رسمياً، وأن يمثل وفقاً للقانون الوطني، أمام سلطة قضائية بعد احتجازه دون تأخير.
2. توضع فوراً معلومات دقيقة عن احتجاز الأشخاص ومكان أو أمكنة احتجازهم، بما في ذلك حركة نقلهم من مكان إلى آخر، في متناول أفراد أسرهم أو محاميهم أو أي شخص آخر له مصلحة مشروعة في الإحاطة بهذه المعلومات، ما لم يعرب الأشخاص المحتجزون عن رغبة مخالفة لذلك.
دور دائرة الاستعلام والأمن
يبدو أن عدداً كبيراً من الأشخاص الذين أُوقفوا للاشتباه بقيامهم بأنشطة إرهابية مزعومة تم القبض عليهم مباشرة من جانب دائرة الاستعلام والأمن أو نقلوا إلى الحجز لديها خلال الأيام القليلة الأولى لاعتقالهم وجُلبوا لاحقاً للمثول أمام محكمة الجزائر العاصمة. وقد طلبت منظمة العفو الدولية معلومات من وزارة العدل لتبرير دور دائرة الاستعلام والأمن في توقيف واعتقال المتهمين بالإرهاب. وخلال اجتماع عُقد في العام 2005، أبلغ مسؤولو وزارة العدل منظمة العفو الدولية أن الشرطة تعاملت مع الأغلبية العظمى من الحالات المتعلقة بالإرهاب وأن أية محكمة يمكن أن تتعامل مع هذه الحالات، لكن النتائج التي توصلت إليها المنظمة تتعارض مع هذا التأكيد. وترحب منظمة العفو الدولية بتوضيح دور دائرة الاستعلام والأمن في إجراء تحقيقات في الجرائم الإرهابية المزعومة.
التوصيات
تدعو منظمة العفو الدولية السلطات الجزائرية إلى اتخاذ التدابير التالية لمنع الاعتقال التعسفي : <li type="disc">التأكد من أن الموطفين الذين يقومون بعمليات الاعتقال يُعرِّفون الشخص المعتقل بأنفسهم ويرتدون شارات تحمل أسماءهم أو أرقامهم بحيث يمكن التعرف عليهم بوضوح وأن تكون مركبات الشرطة والجيش تحمل علامات مميزة تدل على أنها كذلك؛ <li type="disc">إصدار تشريعات تكفل بأن يُعرِّف جميع الموظفين الذين يجرون عمليات الاعتقال بأنفسهم لأولئك الذين يتم اعتقالهم وبأن يبلغونهم بأسباب اعتقالهم؛ <li type="disc">التأكد من أن جميع الموظفين الذين يجرون تحقيقات في الجرائم الإرهابية، بمن فيهم موظفو دائرة الاستعلام والأمن، يتقيدون تقيداً تاماً بالضمانات الواردة بموجب القانون الجزائري والتي تحمي المعتقلين من الاعتقال التعسفي، وبخاصة واجب إبلاغ المعتقلين بحقوقهم خلال الاعتقال، وإبلاغ وكلاء الجمهورية فوراً بالاعتقالات وبأسبابها دون تأخير.
2. التوقيف للنظر
الحدود الزمنية
في ثماني من الحالات الاثنتي عشرة المبينة أدناه بالتفصيل، احتُجز المعتقلون إلى ما بعد مدة الاثني عشر يوماً، المحددة في المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية، بوصفها الحد القانوني للتوقيف للنظر في الحالات المتعلقة "بأفعال إرهابية أو تخريبية". وفي خمس حالات، جرى تجاوز الحد القانوني بعدة أشهر، وفي حالة واحدة بسنتين و34 يوماً.
ويشكل هذا الأمر انتهاكاً صارخاً للحدود القانونية للتوقيف للنظر وحبساً تعسفياً، يُعاقب عليه بموجب القانون الجزائري وفقاً للمادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية والمادتين 107 و291 من قانون العقوبات.
وفي ضوء المعايير الدولية، يشكل الحد القانوني البالغ 12 يوماً فترة حبس مفرطة أصلاً قبل توجيه تهم للمشتبه بهم وجلبهم للمثول أمام قاضٍ أو الإفراج عنهم. وحد الـ 12 يوماً ينتهك مثلاً المادة 9(3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن أي شخص يُلقى القبض عليه بتهمة جنائية يجب أن يُقدَّم "سريعاً" إلى السلطات القضائية. وتكفل المادة 9(4) حق كل شخص "حُرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال ... حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني". وقد أشارت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان تحديداً إلى أن عمليات التأخير في تقديم أي شخص يتم توقيفه أو اعتقاله للمثول أمام قاض أو موظف آخر مفوض قانونياً بممارسة سلطة قضائية لا يجوز أن تتعدى بضعة أيام.1 ويقول المقرر الخاص بالمعني بالتعذيب إن "الذين يُقبض عليهم قانونياً لا يجوز أن يُحتجزوا في مرافق خاضعة لسيطرة المستنطقين أو المحققين لمدة تزيد على الوقت الذي يقتضيه القانون للحصول على مذكرة قضائية للاعتقال السابق للمحاكمة، والذي لا يجوز في أية حالة أن يتجاوز فترة 48 ساعة."2
الاعتقال غير المعترف به
في حالتين من الحالات المبينة أدناه بالتفصيل، يبدو أن تاريخ التوقيف المسجل في الوثيقتين الرسميتين الصادرتين عن الشرطة القضائية قد زُوِّر بمدة يوم ويومين على التوالي، لإخفاء حقيقة أن المعتقلين احتُجزا إلى ما بعد الحدود القضائية القانونية للتوقيف للنظر.
وفي أربع من الحالات المبينة أدناه التي تجاوز فيها الاعتقال المدة القانونية للتوقيف للنظر بشكل ملموس، وُضع المعتقلون رسمياً قيد الإقامة الجبرية بأمر من وزارة الداخلية. وصدرت الأوامر بعد توقيفهم واعتقالهم من جانب دائرة الاستعلام والأمن.
وكبديل للسجن أو الاعتقال، تشكل هذه الأوامر تدابير تُخضع الشخص للإقامة الجبرية في مكان إقامة محدد. بيد أن الأوامر تشير فقط إلى أن الشخص لا يُسمح له بمغادرة حدود ولاية الجزائر العاصمة بدون تحديد عنوان الإقامة أو مدة التدبير. ونظراً لأنه في جميع الحالات كان الأشخاص معتقلين أصلاً في ثكنة جهاز المخابرات العسكرية، تخشى منظمة العفو الدولية من أن التدبير يُستخدم لإخفاء انتهاكات القانون الجزائري من جانب دائرة الاستعلام والأمن.
وتصدر الأوامر بالإشارة إلى السلطات الخاصة الممنوحة إلى وزير الداخلية في إطار حالة الطوارئ السارية المفعول منذ العام 1992. فالمادة 6-4 من المرسوم الخاص بحالة الطوارئ (المرسوم الرئاسي رقم 92/44 الصادر في 9 فبراير/شباط 1992) تخول وزير الداخلية إصدار أوامر بفرض الإقامة الجبرية على الأشخاص، في عنوان محدد، إذا كان نشاطهم يشكل خطراً على النظام العام. ولا ينص المرسوم على تفاصيل تتعلق بالتطبيق العملي لهذا النص.
وتعتبر منظمة العفو الدولية أن هذه السلطات الكاسحة، بدون توافر إمكانية لإجراء مراجعة قضائية، تُخل بالضمانات المنصوص عليها في القانون الجزائري للحماية من الحبس التعسفي وتمس بالحق في الحرية المكرس في المادة 9(1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تحظر التوقيف أو الحبس التعسفي. وعلاوة على ذلك، صرحت مجموعة العمل المعنية بالاعتقال التعسفي التابعة للأمم المتحدة بأن "استخدام ’الاعتقال الإداري‘ بموجب قانون الأمن العام أو قوانين الهجرة أو غيرها من القوانين الإدارية ذات الصلة، والمؤدي إلى الحرمان من الحرية لمدة غير محدودة أو لفترات طويلة جداً من دون إشراف قضائي فعال، كوسيلة لاعتقال أشخاص متهمين بالتورط في الإرهاب أو غيره من الجرائم، يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان."3
ويساور منظمة العفو الدولية القلق إزاء تمديد القانون الخاص بحالة الطوارئ، والذي يجب أن يكون إجراء مؤقتاً، في العام 1993 وعدم إعادة النظر فيه منذ ذلك الحين. والمادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تسمح بإعلان حالة الطوارئ خلال "حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة." بيد أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان صرحت بأن "الشرط الأساسي لأية تدابير ... كما تنص على ذلك الفقرة 1 من المادة 4، هو أن تقتصر هذه التدابير على المدى الذي تقتضيه تماماً ضرورات الموقف. ويتعلق هذا الشرط بمدة حالة الطوارئ ورقعتها الجغرافية ونطاقها الفعلي وأية تدابير للانتقاص (للتقييد) يتم اتخاذها بسبب حالة الطوارئ."4 لذا من الضروري أن تكون حالات الطوارئ محدودة، وأن تتناسب التدابير المتخذة مع ضرورات الموقف.5 كذلك أشارت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان تحديداً إلى أن "ضروب الحظر المفروض على [...] الاعتقال غير المعترف لا تخضع للانتقاص. وتُبرَّر الطبيعة المطلقة لضروب الحظر هذه، حتى في أوقات الطوارئ، بوضعها كمعيار للقانون الدولي العام."6
الاعتقال بمعزل عن العامل الخارجي
في جميع الحالات، ورد أن المعتقلين احتُجزوا لدى دائرة الاستعلام والأمن بدون اتصال بالعالم الخارجي. وخلال هذه الفترة ورد أنهم حُرموا من الاتصال بعائلاتهم والاستعانة بمستشار قانوني ومن الرعاية الطبية، حتى عندما تم تجاوز الحد القانوني للتوقيف للنظر بشكل ملموس.
وحق الاتصال بالعائلات وتلقي زيارات منها، فضلاً عن الحق في الحصول على فحص طبي في نهاية المدة القانونية للتوقيف للنظر، مكفول بموجب المادة 51 مكرر 1 من قانون الإجراءات الجزائية. بيد أن القانون الجزائري لا يمنح المعتقلين حق مقابلة محامين خلال التوقيف للنظر.
وقد صرحت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها العام رقم 20 على المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأن :
حماية المعتقلين ... تقتضي السماح للأطباء والمحامين بمقابلة المعتقلين بصورة سريعة ومنتظمة، وكذلك بمقابلة أفراد العائلة تحت الإشراف المناسب عندما يستلزم التحقيق ذلك.
وقد كررت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان مؤخراً بأن "الاعتقال المطول بمعزل عن العالم الخارجي أو الاعتقال في أماكن سرية يمكن أن يُسهِّل ارتكاب التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ويمكن أن يشكل بحد ذاته ضرباً من هذه المعاملة".7
وقد شدد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب على أن الاتصال الفوري بالعالم الخارجي ضروري لمنع التعذيب. ودعا بصورة متكررة إلى فرض حظر تام على الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي حيث يكون المعتقلون معرضين إلى أقصى حد لخطر التعذيب، مشيراً إلى أن "الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي يجب أن يصبح غير قانوني وينبغي إطلاق سراح الأشخاص المحتجزين بمعزل عن العالم الخارجي دون إبطاء".8
كذلك دعا المقرر الخاص لوضع نصوص قانونية تكفل السماح للمعتقلين بمقابلة مستشار قانوني خلال 24 ساعة.9 وينص المبدأ 7 من المبادئ الأساسية بشأن دون المحامين على أن يكفل "لجميع الأشخاص المقبوض عليهم أو المحتجزين بتهمة جنائية أو بدون تهمة جنائية إمكانية الاستعانة بمحام فوراً، وبأي حال خلال مهلة لا تزيد عن ثمان وأربعين ساعة من وقت القبض عليهم أو احتجازهم." ولا يرد حالياً نص حول هذه الضمانات في القانون الجزائري الذي يجيز اعتقال المتهمين بالإرهاب بدون السماح لهم بمقابلة مستشار قانوني مدة تصل إلى 12 يوماً.