السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر
هل تخلت اسطنبول عن الجزائر ؟
إعداد لمياء قاسمي - الجزائر
في فصول الكتابات التاريخية بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830 تبرز دائماً مقاومة الشعب الجزائري منذ الوهلة الأولى لوطء أقدام الفرنسيين للبلاد ، وإن كان هذا الأمر واجباً وطنياً ودينياً ولا يستحق عليه الثناء.ولما كانت الجزائر حينها تحت سلطة الدولة العثمانية وجدنا أنه من الضروري أن نبحث ونعرف : كيف كان رد فعل الدولة العثمانية على اغتصاب عروس البحر المتوسط ؟ وماهي الأساليب التي اعتمدتها لاسترادد الجزائر؟ ولماذا سلّمت بعد ذلك بالاحتلال الفرنسي للجزائر وكفّت عن المطالبة بها، فكانت بذلك الجزائر كبش الفداء في استمرار الرجل المريض عقوداً قليلة من الزمان ؟ ولكن قد نفذت ثروته قبل مماته !
التواجد العثماني بالجزائر
أعلنت الجزائر كمقاطعة للسلطان العثماني منذ 1520ميلادية ، ويعود الفضل لذلك إلى الأخويين التركيين « خير الدين وعروج بربروس » ، وكانا قد غادرا بلادهما للقرصنة في المنطقة الغربية من البحر المتوسط ، وفي تلك الفترة كانت السواحل الجنوبية للمتوسط تحت سيطرة الإسبان والبرتغاليين وأدى هذا الأمر إلى اصطادمهما بالأخوين برباروس . وشهدت منطقة تلمسان عدة معارك بين الطرفيين وانتهت بموت « عروج » في إحدى هذه المعارك وأصبح بذلك خير الدين الحاكم الوحيد للجزائر.
وتيقن هذا الأخير أنه لن يستطيع حكم البلاد بمفرده لذا فالتجأ للدولة العثمانية وأعلن أن الجزائر مقاطعة للسلطان سنة 1520م.
وأرسل له السلطان سليم الأول ألفي عسكري مسلحين مع قوة مدفعية وقدم للذين يذهبون إلى الجزائر متطوعين امتيازات الإنكشارييين ، وتوالت انتصارات خير الدين بالجزائر وكان أعظمها احتلال قلعة « بينون » عام 1529 والتي أنشأها الإسبان على جزيرة صغيرة قرب السواحل الجزائرية.
كما بنى خيرُ الدين كاسرة أمواج توصل أطلال القلعة والجزيرة بالساحل وبذلك أوجد ميناءً حصيناً وأسس أوجاق الجزائر.
وقد أسَرَ هذا النجاح الدولة العثمانية التي قامت باستدعاء خير الدين برباروس من طرف السلطان سليمان القانوني سنة 1533 ، وهناك عهدت إليه ولاية الجزائر ونال رتبة وزير البحرية العثماني.
وفي الأستانة قام خير الدين ببناء عدة سفن عادت به إلى أفريقيا وقد حددت مهمته باحتلال تونس. وتمكن خير الدين من دخول مدينة تونس بسهولة عام 1534م ، ولكنه اصطدم فيما بعد بشارل الخامس إمبراطور هابسبورج وصاحب تاج إسبانيا سنة 1535 والذي احتل قواته مدينة تونس.
أما الجزائر فقد عين لولايتها ابن خير الدين حسن باشا وذلك على إثر وفاة أبيه عام 1546، والملاحظ أنه في هذا العهد وعهد من لحقوه أن الارتباط كان قوياً بالدولة العثمانية ، ولم يكن هذا الحال في الجزائر فحسب بل في معظم بلاد شمال أفريقيا ، وأعني بذلك تونس باحتلالها نهائياً عام 1574 بعد كر وفر مع الإسبان ، وطرابلس الغرب التي فتحت عام 1551 بيد توغرت باشا ، ورغم محاولات الدخول لمراكش كتلك التي حدثت عام 1554 بدخول مدينة فاس ، لكن العثمانين لم يتمكنوا من البقاء هناك.
وهذه الولايات كانت تابعة لسلطة وزير الحربية أو القائد العام للأسطول وكان حينها القائد كلج علي باشا. ولكن بموت هذا الأخير فكر العثمانيون في تأمين وحدة الدولة وذلك بفصل إدارة أوجاق الغرب بتعيين واليين مختلفين حتى تضمن أن لا تكون سلطة كاملة لشمال أفريقيا بيد قائد واحد.
واتخذ بذلك الحكم في الجزائر شكلاً ثالثاً.
عهد الدايات
ويقول الكاتب التركي الدكتور أوجمند كور أن السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر « في عهد الدايات البشاوات أخذت ولاية الجزائر شكلها الأخير وصار يوجد في المركز إلى جانب الولاية ديوان هو عبارة عن مجلس للشورى وكان أهم أعضائه المتألف من خمس موظفين هو المسئول عن الخزينة والناظر لشوون المالية ، ويأتي بعده المكلف بالشؤون البحرية ، و يسمى وزير البحرية . وكان يقوم بمهمة كتابة الديوان أربعة كُتَّاب . أما الشؤون الشرعية فكان ينظر فيها مفتيان أحدهما حنفي والآخر مالكي ، لأن الأتراك حنفيون أما الأهالي فمالكيون .
ثم إن الولاية قسمت إلى ثلاثة ألوية بالإضافة إلى اللواء المركزي ، وكان يوجد على رأس كل واحد من هذه الألوية الشرقية والجنوبية والغربية ما يُسمَّى بالباي ، وكانوا يدفعون الضرائب ، ولكنهم يعدّون مستقلين في إدارة ألويتهم. أما اللواء فقد انقسم إلى قواد ومشايخ وكانوا مستقلين في إدارة ألويتهم . أما اللواء فقد انقسم إلى قواد ومشايخ . وكان الإنكشاريون الذين ملأ قسم كبير منهم المركز موجودين أيضاً في الألوية .
أما أمن البلاد في الداخل فكان تؤمنه القبائل المعفاة من الضرائب والمتمتعة بالامتيازات ، إذ كانت وظيفة هذه القبائل المسماة بالمخزن هي فرض الطاعة على القبائل الأخرى الملزمة بدفع الضرائب ، وقد استفاد الأتراك بمهارة من العداوة التي بين القبائل ؛ ولكي يستطيعوا أن يتابعوا حكم الأهالي فقد انتهجوا سياسة التعامل بالحسنى مع المرابطين الذين يعدون من الأولياء وهم أصحاب النفوذ.
ومن الأمور التي راعاها الأتراك في ولاية الجزائر أنهم كانوا لا يولون مواليد الإنكشاريين من النساء المواطنات المناصب العليا وكانوا يطلقون عليهم أبناء العبيد أي « الكراغلة » وهم يشكلون القوة المدفعية للأوجاق.
وفي أوائل القرن التاسع عشر صارت تبعية ولاية الجزائر للدولة العثمانية عبارة عن تصديق السلطان لتولية الداي كل سنتين أو ثلاث والتحاق سفن الأوجاق بالأسطول العثماني كلما تطلب الأمر ذلك. وغير هذا فقد كان أوجاق الجزائر يجلبون جنوداً أتراكاً من جزر البحر المتوسط ومن الأناضول بما في ذلك الإنكشاريين ، وربح الولاة الحرية لدرجة أنهم يستطيعون توقيع المعاهدات مع الدول الأجنبية مباشرة .
وكانت معظم المعاهدات التي عقدها أوجاق الجزائر تمضى مع دول صغرى فكان يقوم صلح لمدة معينة مقابل ضريبة سنوية تدفع للأوجاق.
العلاقات الفرنسية الجزائرية قبل الاحتلال
حسب الكتب والمراجع التاريخية ، فإن علاقات الصداقة بين فرنسا و الدولة العثمانية قد بدأت منذ السنوات الأولى لخلافة سليمان القانوني،فكانت بالتالي هذه العلاقة تفرض على الجزائر نفس الشيء بما أنها ولاية تابعة للإمبراطورية العثمانية.
ومازاد في توطيد هذه الصداقة هو العدواة المشتركة للإسبان ، قد تم تحالف بين فرنسا وخير الدين بارباروس في حصار قلعة نيس سنة 1543 التابعة للإمبراطور شارل الخامس.
واستغل الفرنسيون هذه الصداقة أيما استغلال فقد تمكنوا من تعيين قنصل لهم في الجزائر عام 1577 .كما حصلوا على إذن من السلطان أيصا بالسماح لهم باصطياد المرجان في السواحل الشرقية للبلاد بشرط أن يدفعوا الضريبة ولا ينشؤا قلعة، ولكن رغم هذا المنع فقد أسسوا مركزاً تجارياً أسموه «الباستيون».
وفي سنة 1604 عم الجزائر قحط ، لكن الفرنسيين قاموا بشراء المحصول الزراعي من الأهالي وباعوه خارج البلاد للأوروبين ، وهذا الأمر كان سبباً في غضب العثمانيين الذين أمروا بهدم الباستيون. وقد أعيد بناؤه ثانية عام 1628 وهدم مرة أخرى بعد تسع سنوات بسسب تردي العلاقات بين الجانبين. ولكن الوالي عام 1640 اضطر لقبول إعادة بناء هذا المركز .
وكان الباستيون يُدار من قبل شركة فرنسية خاصة ، وتم تأسيس عام 1741 شركة رسمية لإدارة أشغاله تعرف باسم «الشركة الملكية لأفريقيا» ، وحققت الشركة أرباحا طائلة ولكن بعد الثورة الفرنسية 1789 استمرت الشركة في عملها باسم «الوكالة الأفريقية» تحت إدارة تجار مرسيليا.
بين المواجهة العسكرية والمعاهدات السلمية
وقعت مواجهة عسكرية بين فرنسا والجزائر في عهد لويس الرابع عشر في النصف الثاني من القرن السابع عشر حيث قام بإرسال الأسطول الفرنسي للجزائر للحد من القرصنة في البحر المتوسط وضربت المدينة بالمدفعية ثلاث مرات . ولما لم تجد سياسة القوة تم عقد معاهدة صلح مع والي الجزائر في 1689.
ولكن بعد الحملة الفرنسية لمصر بقيادة بونابرت في 1798 أُكره والي الجزائر على إعلان الحرب على فرنسا بعد إنذار شديد من السلطان وقطع علاقاته مع فرنسا. لكن بعد تصالح العثمانيين مع الفرنسيين عادت الجزائر وأبرمت معاهدة صداقة مع فرنسا عام 1801 التي لم تسلم هي الأخرى من تقلبات السياسة. إذ صادف في عهد نابليون أن انتصرت انجلترا على فرنسا في معركة الطرف الأغر وبسطت بذلك نفوذها على البحر الأبيض المتوسط سنة 1805، فاستولى والي الجزائر على مراكز التجارة الفرنسية وأجَّرها للإنجليز وأثار هذا التصرف نابليون فبدأ يخطط للإستلاء على الجزائر فعقد مع امبراطور روسيا معاهدة «تلسيت» 1807 وأمن أوروبا من جهة ، وبدأ بتنفيذ خطته فأمر وزير الحربية بإيفاد ضابط استحكام ليقوم بجمع كل المعلومات عن مدينة الجزائر وما جاورها. ...........................يتبــــــــــــــــــع