ان اشكالية الانظمة السياسية العربية هي في شرعيتها واساليبها وادوات حكمها التي لم تستطع التطور وفق روح العصر واساليبه حيث فسدت المسالك واغلقت الطرق بدعوى العلم والمعرفة بشؤون الدولة والحكم والاخلاص لها
والحرص على مصالحهم وانكار هذا الحق على الاخرين مهما كان ألمامهم بشؤون الدولة ومهما كانت افكارهم حول تطويرها.فالسلطة الحقيقية مازالت بيد حزب او فرد سواء كان ملكاً ام رئيسا .إما المؤسسات والهياكل البرلمانية فكلها مؤسسات شكليةتضفي الشرعية على اعمال رأس الدولةوتباركها...الرئيس أو الأمير له مطلق الصلاحية بالدستور، معين مدى الحياة أو منتخب بوسيلة انتخاب على شخصه الوحيد.وهو الرقيب على اعمال المجالس والمؤسسات والموجه للقوانين والسياسات والضامن للوحدة والحريات له مطلق الصلاحية بحسب نصوص الدستور والقانون.ولقمع من لهم رأي من الخارجين عن إجماع الأمة وعن الشرعية والقانون كما يصفهم الحكام.إن السلطات والأنظمة السياسية العربية قامتا منذ البداية على فعل تعسفي فقد مارست وتمارس القوة بكل إشكالها ورموزها العنيفة في السياسة والاجتماع إذ واجهت منذ تكونها مشكلة الشرعية فالشرعية التاريخية مفقودة منذ انهيار الخلافة العثمانية وهذا الانهيار خلق فراغاً لم يملأ حتى الآن ومازال يتسبب في كثير من الخلافات وممارسة القوة والقهر على مجتمعاتها الى جانب الافتقار الى شرعية الوجود اي الشرعية التاريخية فكثير من الانظمة تفتقر ايضا الى شرعية الانجاز وهذا ما جعلها على الدوام على قطعية مع مجتمعاتها على الرغم من سياساتها الإصلاحية الملموسة احياناً وإذا كان ذلك يحدث فهو يحدث من باب خلق مصادر جديدة لشرعيتها وتثبيت كيانتها على حساب اهداف ومصالح مجتمعاتها .
لقد اخذت السلطات والانظمة العربية بعد استمرارها في ممارسة القوة والعنف الذي حمل بين ثناياه عوامل التفجر والعنف والاضطهاد.. تفقد المبرر الأخلاقي والسياسي لوجودها ليصبح مبرر وجودها الوحيد تأمين مصالح اصحاب السلطة والفئات الصغيرة من المنتفعين بها. وفي المقابل بدأ انحسار الولاء لها يتخذ شكل نفي سلطتها بشكل كامل في سبيل تأكيد سلطة اسلامية اوعربية اوسع دائرة او في سبيل الانكماش على دائرة العشيرة او الطائفة او الجماعة المحلية الضيقة.إذا شئنا توصيف واقع الانظمة السياسية العربية اليوم لتوجب القول بأن هذه الانظمة السياسيةتستند الى اعتبارات القوة المجردة اكثر من استنادها الى اعتبارات الادارة الحقيقية لمجتمعاتها.
فشرعيتها إذن أيا كان المعنى الذي يأخذ به تعبير الشرعية هي شرعية الامر الواقع . فلا هي شرعية القانون ولاهي شرعية الظرف التاريخي لان ادوات صنع القانون في مجتمعاتنا تقبض عليها السلطة التنفيذية باحكام ولانه لامجال للحديث عن شرعية القانون مالم تكن قاعدة القانون في صياغتها مستندة الى قواعد وأسس ثابته من البناء الديمقراطي والحرية الشعبية الحقيقية .
ولاهي شرعية الظرف التاريخي الذي يبرر مؤقتا التغاضي عن ضرورة كون السلطة السياسية مستندة الى اسس حقيقية من رضا المحكومين بها ومن الاقرار بمبدأ تدوال السلطة السياسية بين مختلف القوى والجماعات السياسية . فمن ناحية ان الاساس الديني الذي تستند اليه بعض الانظمة السياسية العربية في احتكارها لقاعدة الحكم بصورة دائمة أصبح أساساً ضعيفاً وعرضة للتصدع والانهيار يوما بعد آخر في ظل تصاعد حركات الاسلام السياسي وفي ظل شيوع مفاهيم دينية تحض على الثورة ومحاربة الظلم ومناوءة الحاكم الظالم .
ومن ناحية ثانية فان التذرع بالتحديات الثورية التي تواجه الوطن العربي وان مواجهة ومقاومة بعض قوى الغرب تبرز ممارسة العنف وقهر المواطنين وبأنه لامجال للحديث عن الحريات وحقوق الانسان في وقت يتهدد فيه الوجود العربي والحدود العربية اصبح هذا الحديث امراً مرفوضاً في وقت عدلت فيه الكثير من الانظمة مواقفها تجاه الكثير من القضايا الوطنية والقومية. -أي مبرر إذن يمكن أن يقدم تبريراً لقهر المواطن وحرمانه من المشاركة السياسية؟
-وأي شرعية إذن تستند اليها الانظمة السياسية العربية الحاكمة التي تفتقر الى رضا وتأييد ومساندة مجتمعاتها؟
إن الشرعية الديقراطية السياسية هي اليوم الشرعية الوحيدة التي لابديل منها والشرعية الثورية التي نادت بتأجيل الديمقراطية السياسية بذريعة اعطاء الأسبقية لأهداف وطنية وقومية قد عجزت عن تحقيق اهدافها تلك سواء كان فشلها بسبب عوامل ذاتية داخلية ام بسبب تدخلات خارجية وعليه فالنتيجة الوحيدة التي تفرض نفسها اليوم هي الحاجة الى الديمقراطية بوصفها حقا لاشي يبرر تعليقه او وضعه تحت الرقابة او الوصاية من اية جهة كانت اما الشرعية التاريخية او العائلية التي قد يدعيها هذا الحاكم او ذاك فانها لم تعد قادرة على تبرير ذاتها بذاتها في الوقت الحاضر. ان الشيء الوحيد الذي يعينها على تبرير نفسهاهو دخولها تحت الشرعية الديمقراطية السياسية وتكيفها مع احكامها لان ذلك وحده هو الذي يمكن ان يعطيها معنى في الحاضر ويفتح امامها باب الاستمرارية في المستقبل .
إذا لايمكن معالجة إشكالية الشرعية في الانظمة السياسية العربية الا من خلال المسالة الديمقراطية التي لايمكن طرحها طرحاً جدياً وبناء خلال النظر اليها في ضوء الواقع العربي كما هو في ضوء المحاولات والتجارب والمعطيات التي يزخر بها. فالمنظور الواقعي يستلهم الممارسة الديمقراطية كما هي في العصر الحاضر. انها نظام سياسي اجتماعي اقتصادي يقوم على ثلاثة اركان هي :ـ
ـ دولة المؤسسات السياسية والمدنية التي تعلو على الافراد مهما كانت مراتبهم وانتماءاتهم العرقية والدينية والحزبية.
ـ فاعلية الانظمة السياسية المتطابقة مع مصالح المجتمع ومايتفرغ عن ذلك من حقوق وحريات تداول السلطة داخل هذه المؤسسات بين القوى السياسية والاجتماعية المتعددة وذلك على اساس حكم الاغلبية مع حفظ حقوق الاقلية.
على هذا الاساس فان مستقبل الشرعية في الانظمة السياسية العربية يرتبط ويعتمد موضوعة الديمقراطية التي هي الاساس التي تستند اليها فكرة الشرعية.
ان الازمات السياسية التي تعانيها الانظمة العربية ليست وليدة الحاضر الراهن وحده. وليست نتاج لحظاتها الظرفية الانية، وانما هي اعراض لتراكم واقع موضوعي طويل الأمد تميز بالركود والتخلف وتداخلت فيه عوامل متوارثة ومختلفة، وهي ممتدة الى عمق الواقع الموضوعي المعاش في الوقت الحاضر وبمختلف مظاهره واعراضه التي تعانيها المجتمعات العربية اليوم.فإشكالية الشرعية العربية هي واحدة من هذه الازمات في امتدادها من الماضي الى الحاضر، والكتاب ينصب على شرعية الانظمة السياسية العربية الراهنة من دون الخوض في تفاصيل اوضاعها جميعا. غير ان الحالة المشخصة لهذا الكتاب هي ستقع حصراً على الجزائر، لما في الحدث الجزائري من اهمية حاضرة، ولما فيه من تجسيد مهم لهذه الاشكالية حيث النظام السياسي الجزائري في هذه المرحلة قد ضعفت شرعيته التي استند اليها وقام عليها طوال سنواته منذ الاستقلال حتى الوقت الحاضر.
ولم تعد تسعفه شرعيته التاريخية ولا شرعيته الثورية ولا شرعيته الدستورية امام اخفاقاته في تحقيق الاهداف التي طرحها على المجتمع الجزائري التي كانت في بادىء الامر مبعث ارتياح وقبول ورضا الشعب الجزائري.
اما الان فالنظام السياسي الجزائري اخذ يبحث عن شرعية جديدة تحوز على رضا واعتراف الشعب بها، اما شرعيات بديلة اخذت تطرح نفسها في الحياة السياسية الجزائرية في الوقت الحاضر.
واهم هذه الشرعيات البديلة هي الشرعية الاسلامية التي تقدمها الجماعات الاسلامية المختلفة في مواجهة شرعيةالنظام القائم التي بدا عليها التأكل والانحسار إذا لم يسارع النظام لانقاذ نفسه من خلال تقديمه شرعية جديدة ومقبولة تعينه على الاستمرار والبقاء والحفاظ على وجوده.ان البحث في اشكالية الشرعية الجزائرية، هو في ظاهرة تحكم القوة في السياسة والمجتمع وفي معارضة المجتمع المدني لهذا التحكم. وقد تجسدت هذه الظاهرة بثنائية طرفيها:ـ اولها ـ تيار عربي اسلامي سياسي له احقية في الحكمة ويعلن عن امكانات ووسائل تؤهله لقيادة المجتمع وتيارثان يعمل من أجل تمسكه بالسلطة وامتلاكه التجربة والاحقية التاريخية والثورية التي تؤهله للمحافظة على استمراية الدولة والنظام ومؤسساتها.هذا التصور الذي ما يزال يتحكم في الازمة يدفع بدوره الى طرح الاشكالية التالية والمتمثلة في ان المجتمع الجزائري المبني على تقاليد الثورة وعلى تاريخ لم يبلور لديه مفهوم المركزية والقانون قد بدأ امام وجود سلطة ضعيفة ضعفت شرعيتها، يسعى للتمرد من اجل التعبير عن ذاته، الانتقام من الرموز التي قادته الى الازمة، احيانا بالانتخابات ضدها لصالح القوى الجديدة . ولاسيما ـ الجبهة الاسلامية للانقاذ ـ احيانا اخرى بالاحتجاج ضد النظام السياسي الذي يعمل على تجديد نفسه لكسب المجتمع لصالحه.اما هذا التقابل، عبرت تلك الثنائية ولاول مرة عن نفسها باساليب استعمال العنف والعنف المضاد متجاوزة بذلك مصالح المجتمع الذي ما زال يبحث عن الاسلوب الافضل من اجل التعبير الحقيقي عن ذاته.
والحرص على مصالحهم وانكار هذا الحق على الاخرين مهما كان ألمامهم بشؤون الدولة ومهما كانت افكارهم حول تطويرها.فالسلطة الحقيقية مازالت بيد حزب او فرد سواء كان ملكاً ام رئيسا .إما المؤسسات والهياكل البرلمانية فكلها مؤسسات شكليةتضفي الشرعية على اعمال رأس الدولةوتباركها...الرئيس أو الأمير له مطلق الصلاحية بالدستور، معين مدى الحياة أو منتخب بوسيلة انتخاب على شخصه الوحيد.وهو الرقيب على اعمال المجالس والمؤسسات والموجه للقوانين والسياسات والضامن للوحدة والحريات له مطلق الصلاحية بحسب نصوص الدستور والقانون.ولقمع من لهم رأي من الخارجين عن إجماع الأمة وعن الشرعية والقانون كما يصفهم الحكام.إن السلطات والأنظمة السياسية العربية قامتا منذ البداية على فعل تعسفي فقد مارست وتمارس القوة بكل إشكالها ورموزها العنيفة في السياسة والاجتماع إذ واجهت منذ تكونها مشكلة الشرعية فالشرعية التاريخية مفقودة منذ انهيار الخلافة العثمانية وهذا الانهيار خلق فراغاً لم يملأ حتى الآن ومازال يتسبب في كثير من الخلافات وممارسة القوة والقهر على مجتمعاتها الى جانب الافتقار الى شرعية الوجود اي الشرعية التاريخية فكثير من الانظمة تفتقر ايضا الى شرعية الانجاز وهذا ما جعلها على الدوام على قطعية مع مجتمعاتها على الرغم من سياساتها الإصلاحية الملموسة احياناً وإذا كان ذلك يحدث فهو يحدث من باب خلق مصادر جديدة لشرعيتها وتثبيت كيانتها على حساب اهداف ومصالح مجتمعاتها .
لقد اخذت السلطات والانظمة العربية بعد استمرارها في ممارسة القوة والعنف الذي حمل بين ثناياه عوامل التفجر والعنف والاضطهاد.. تفقد المبرر الأخلاقي والسياسي لوجودها ليصبح مبرر وجودها الوحيد تأمين مصالح اصحاب السلطة والفئات الصغيرة من المنتفعين بها. وفي المقابل بدأ انحسار الولاء لها يتخذ شكل نفي سلطتها بشكل كامل في سبيل تأكيد سلطة اسلامية اوعربية اوسع دائرة او في سبيل الانكماش على دائرة العشيرة او الطائفة او الجماعة المحلية الضيقة.إذا شئنا توصيف واقع الانظمة السياسية العربية اليوم لتوجب القول بأن هذه الانظمة السياسيةتستند الى اعتبارات القوة المجردة اكثر من استنادها الى اعتبارات الادارة الحقيقية لمجتمعاتها.
فشرعيتها إذن أيا كان المعنى الذي يأخذ به تعبير الشرعية هي شرعية الامر الواقع . فلا هي شرعية القانون ولاهي شرعية الظرف التاريخي لان ادوات صنع القانون في مجتمعاتنا تقبض عليها السلطة التنفيذية باحكام ولانه لامجال للحديث عن شرعية القانون مالم تكن قاعدة القانون في صياغتها مستندة الى قواعد وأسس ثابته من البناء الديمقراطي والحرية الشعبية الحقيقية .
ولاهي شرعية الظرف التاريخي الذي يبرر مؤقتا التغاضي عن ضرورة كون السلطة السياسية مستندة الى اسس حقيقية من رضا المحكومين بها ومن الاقرار بمبدأ تدوال السلطة السياسية بين مختلف القوى والجماعات السياسية . فمن ناحية ان الاساس الديني الذي تستند اليه بعض الانظمة السياسية العربية في احتكارها لقاعدة الحكم بصورة دائمة أصبح أساساً ضعيفاً وعرضة للتصدع والانهيار يوما بعد آخر في ظل تصاعد حركات الاسلام السياسي وفي ظل شيوع مفاهيم دينية تحض على الثورة ومحاربة الظلم ومناوءة الحاكم الظالم .
ومن ناحية ثانية فان التذرع بالتحديات الثورية التي تواجه الوطن العربي وان مواجهة ومقاومة بعض قوى الغرب تبرز ممارسة العنف وقهر المواطنين وبأنه لامجال للحديث عن الحريات وحقوق الانسان في وقت يتهدد فيه الوجود العربي والحدود العربية اصبح هذا الحديث امراً مرفوضاً في وقت عدلت فيه الكثير من الانظمة مواقفها تجاه الكثير من القضايا الوطنية والقومية. -أي مبرر إذن يمكن أن يقدم تبريراً لقهر المواطن وحرمانه من المشاركة السياسية؟
-وأي شرعية إذن تستند اليها الانظمة السياسية العربية الحاكمة التي تفتقر الى رضا وتأييد ومساندة مجتمعاتها؟
إن الشرعية الديقراطية السياسية هي اليوم الشرعية الوحيدة التي لابديل منها والشرعية الثورية التي نادت بتأجيل الديمقراطية السياسية بذريعة اعطاء الأسبقية لأهداف وطنية وقومية قد عجزت عن تحقيق اهدافها تلك سواء كان فشلها بسبب عوامل ذاتية داخلية ام بسبب تدخلات خارجية وعليه فالنتيجة الوحيدة التي تفرض نفسها اليوم هي الحاجة الى الديمقراطية بوصفها حقا لاشي يبرر تعليقه او وضعه تحت الرقابة او الوصاية من اية جهة كانت اما الشرعية التاريخية او العائلية التي قد يدعيها هذا الحاكم او ذاك فانها لم تعد قادرة على تبرير ذاتها بذاتها في الوقت الحاضر. ان الشيء الوحيد الذي يعينها على تبرير نفسهاهو دخولها تحت الشرعية الديمقراطية السياسية وتكيفها مع احكامها لان ذلك وحده هو الذي يمكن ان يعطيها معنى في الحاضر ويفتح امامها باب الاستمرارية في المستقبل .
إذا لايمكن معالجة إشكالية الشرعية في الانظمة السياسية العربية الا من خلال المسالة الديمقراطية التي لايمكن طرحها طرحاً جدياً وبناء خلال النظر اليها في ضوء الواقع العربي كما هو في ضوء المحاولات والتجارب والمعطيات التي يزخر بها. فالمنظور الواقعي يستلهم الممارسة الديمقراطية كما هي في العصر الحاضر. انها نظام سياسي اجتماعي اقتصادي يقوم على ثلاثة اركان هي :ـ
ـ دولة المؤسسات السياسية والمدنية التي تعلو على الافراد مهما كانت مراتبهم وانتماءاتهم العرقية والدينية والحزبية.
ـ فاعلية الانظمة السياسية المتطابقة مع مصالح المجتمع ومايتفرغ عن ذلك من حقوق وحريات تداول السلطة داخل هذه المؤسسات بين القوى السياسية والاجتماعية المتعددة وذلك على اساس حكم الاغلبية مع حفظ حقوق الاقلية.
على هذا الاساس فان مستقبل الشرعية في الانظمة السياسية العربية يرتبط ويعتمد موضوعة الديمقراطية التي هي الاساس التي تستند اليها فكرة الشرعية.
ان الازمات السياسية التي تعانيها الانظمة العربية ليست وليدة الحاضر الراهن وحده. وليست نتاج لحظاتها الظرفية الانية، وانما هي اعراض لتراكم واقع موضوعي طويل الأمد تميز بالركود والتخلف وتداخلت فيه عوامل متوارثة ومختلفة، وهي ممتدة الى عمق الواقع الموضوعي المعاش في الوقت الحاضر وبمختلف مظاهره واعراضه التي تعانيها المجتمعات العربية اليوم.فإشكالية الشرعية العربية هي واحدة من هذه الازمات في امتدادها من الماضي الى الحاضر، والكتاب ينصب على شرعية الانظمة السياسية العربية الراهنة من دون الخوض في تفاصيل اوضاعها جميعا. غير ان الحالة المشخصة لهذا الكتاب هي ستقع حصراً على الجزائر، لما في الحدث الجزائري من اهمية حاضرة، ولما فيه من تجسيد مهم لهذه الاشكالية حيث النظام السياسي الجزائري في هذه المرحلة قد ضعفت شرعيته التي استند اليها وقام عليها طوال سنواته منذ الاستقلال حتى الوقت الحاضر.
ولم تعد تسعفه شرعيته التاريخية ولا شرعيته الثورية ولا شرعيته الدستورية امام اخفاقاته في تحقيق الاهداف التي طرحها على المجتمع الجزائري التي كانت في بادىء الامر مبعث ارتياح وقبول ورضا الشعب الجزائري.
اما الان فالنظام السياسي الجزائري اخذ يبحث عن شرعية جديدة تحوز على رضا واعتراف الشعب بها، اما شرعيات بديلة اخذت تطرح نفسها في الحياة السياسية الجزائرية في الوقت الحاضر.
واهم هذه الشرعيات البديلة هي الشرعية الاسلامية التي تقدمها الجماعات الاسلامية المختلفة في مواجهة شرعيةالنظام القائم التي بدا عليها التأكل والانحسار إذا لم يسارع النظام لانقاذ نفسه من خلال تقديمه شرعية جديدة ومقبولة تعينه على الاستمرار والبقاء والحفاظ على وجوده.ان البحث في اشكالية الشرعية الجزائرية، هو في ظاهرة تحكم القوة في السياسة والمجتمع وفي معارضة المجتمع المدني لهذا التحكم. وقد تجسدت هذه الظاهرة بثنائية طرفيها:ـ اولها ـ تيار عربي اسلامي سياسي له احقية في الحكمة ويعلن عن امكانات ووسائل تؤهله لقيادة المجتمع وتيارثان يعمل من أجل تمسكه بالسلطة وامتلاكه التجربة والاحقية التاريخية والثورية التي تؤهله للمحافظة على استمراية الدولة والنظام ومؤسساتها.هذا التصور الذي ما يزال يتحكم في الازمة يدفع بدوره الى طرح الاشكالية التالية والمتمثلة في ان المجتمع الجزائري المبني على تقاليد الثورة وعلى تاريخ لم يبلور لديه مفهوم المركزية والقانون قد بدأ امام وجود سلطة ضعيفة ضعفت شرعيتها، يسعى للتمرد من اجل التعبير عن ذاته، الانتقام من الرموز التي قادته الى الازمة، احيانا بالانتخابات ضدها لصالح القوى الجديدة . ولاسيما ـ الجبهة الاسلامية للانقاذ ـ احيانا اخرى بالاحتجاج ضد النظام السياسي الذي يعمل على تجديد نفسه لكسب المجتمع لصالحه.اما هذا التقابل، عبرت تلك الثنائية ولاول مرة عن نفسها باساليب استعمال العنف والعنف المضاد متجاوزة بذلك مصالح المجتمع الذي ما زال يبحث عن الاسلوب الافضل من اجل التعبير الحقيقي عن ذاته.