تابع الثورة الجزائرية ..تحدى ونجاح
5 ـ مؤتمر التضامن الأفرو-آسيوي:
وفي الجبهة السياسية بحثت جبهة التحرير طرقا جديدة للحصول على المال و لزيادة الضغط على حكومة "دجيا رد". اشتركت الجبهة في مؤتمر التضامن الأفرو-آسيوي المنعقد في القاهرة. وحيا المؤتمر الوفد الجزائري وأصدر قرارا يدعو إلى الاعتراف فورا بالاستقلال، و المفاوضة بين فرنسا و الجبهة على هذا الأساس وإطلاق سراح الزعماء الخمسة المسجونين و دعا أيضا إلى المظاهرات و الحملات الصحفية و الجهود الأخرى لتعبئة الرأي العام العالمي لاستنكار السياسة الفرنسية وأوصى أن يكون الثلاثون من مارس يوم التضامن مع الجزائر و طلب تكوين لجان لتحرير الجزائر و تقديم المساعدة الفعالة للاجئين الجزائريين و ناشد المؤتمر حكومات البلاد الأفريقية و الآسيوية أن تدافع عن استقلال الجزائر في المنظمات الدولية و أن تحاول التأثير على فرنسا لإنهاء الحرب الجزائرية وعلى الحكومات الغربية الأخرى كي تكف عن مساعدة فرنسا ووافقت الجبهة على الاشتراك في الأمانة الدائمة للمؤتمر التي أ قيمت في القاهرة و عينت الدكتور أمين الدباغين ممثلا لها، و فاض جمع الأموال في مختلف الدول الأفرو-آسيوية في 30 مارس على خزائن الجبهة و سافر مندوبوها إلى عدد من البلدان للاشتراك في الاحتفالات (14).
6 ـ قصف قرية ساقية سيدي يوسف:
في 8 فبراير 1958 قذف سلاح الجو الفرنسي قرية ساقية سيدي يوسف بتونس بالقنابل، و قد أدت الضربة العسكرية التي قبلت الحكومة الفرنسية مسؤوليتها إلى إدانة قوية من جانب دول كثيرة و قد قيل أن القذف بالقنابل كان موجها إلى الثوار الجزائريين الذين اتخذوا من القرية قاعدة لهم. و بالرغم من أنه لم يوجد ثوار بين السبعين من القتلى فقد لفتت الحادثة انتباه العالم إلى موضوع يتزايد منذ سنة 1956 و هو دور تونس في الحرب الجزائرية. فمنذ استقلالها في شهر مارس من سنة 1956 أخذت الحكومة التونسية تسير على حبل مشدود بين فرنسا و الجزائر بين الحياد والاشتراك في الحرب و عواطف تونس مع الشعب الجزائري تماما في النزاع و لكن الدولة ترغب أيضا في الحصول على المساعدة الاقتصادية الفرنسية كما أن الرئيس بورقيبة ميال بإخلاص للغرب (15).
7 ـ الضغوط المغربية:
منذ بلغ المغرب استقلاله في 2 مارس 1956، و تونس في 20 مارس 1956، وجدت جبهة التحرير الوطني نفسها إزاء مأ زق. إما ضمان قواعد خلفية للاعتماد على شعبي هذين البلدين عن طريق إدخال التحالف مع خصوم أي تسوية مع الإمبريالية في إستراتيجيتها أو القبول بالحكومتين القائمتين كمحاورتين. أدى ذلك إلى تخلي المقاومة المغربية على التعهد الذي كانت قد قطعته على نفسها بألا تلقي السلاح حتى استقلال الجزائر و هزيمة صالح بن يوسف أمام بورقيبة إلى التغلب على مقاومة النزعة المغربية المبلبلة لقادة جبهة التحرير الذين حزموا أمرهم و إن كان على مضض على التضحية بها لصالح الأهداف العاجلة . كان عام 1956 عام الآمال الكبرى في المغرب. كان التونسيون و المغاربة يستقبلون اللاجئين و يسمحون لهم بعبور الأسلحة و الذخيرة و يقبلون باستخدام أراضيهم كقواعد هجوم و انسحاب لفصائل الثورة بحيث كانوا يعتقدون بحل قريب للمشكلة الجزائرية. لكن خطف الطائرة الملكية المغربية في أكتوبر 1956 التي كانت تنقل قادة جبهة التحرير الوطني للمشاركة في مؤتمر تداولي مغربي أثبتت أن الحرب الفرنسية الجزائرية طويلة المدى. وبدأت التباينات في المصالح بين الشركاء المغاربة تظهر جهارا دون أن يستبعد ذلك التضامن استبعادا كاملا (16).
كانت المشكلة لجبهة التحرير الوطني تتمثل في توفير وسائل مواصلة الكفاح و اختيار حلفائها و إرساء إشرافها على الهجرة الجزائرية و التصرف بحرية كاملة بالقواعد الخلفية في تونس و المغرب. أما تونس و المغرب فكان تأ بيد سيادتهما و توطيد دعائم الدولة فيهما هما الاهتمامان الأساسيان بالنسبة إليهما و الحال أن حرب الجزائر كانت تهدد في حال إطالة أمدها بامتداد النزاع إلى أراضيهما مع ما يرافق من تشجيع لنمو قواعد اجتماعية ثورية و سوف يمارس الحكام التونسيون و المغاربة ضغوطهم على جبهة التحرير في عدة اتجاهات، إعادة دمج جبهة التحرير في إطار مغاربي و قطعها عن مصر، إجبارها على إعادة ترتيب أهدافها من الحرب و الإشراف بدقة على قواتها العسكرية و تسوية المشكلات الحدودية مع الجزائر قبل بلوغها الاستقلال و قد ظهرت هذه الأهداف خلال مؤتمر طنجة الداولي (27-30) أبريل 1958 و مؤتمر تونس 16 جوان 1958 و بمناسبة حوادث حقيقية أو مصطنعة وقعت على الحدود مع جيش التحرير الوطني (17).
8ـ حوادث هامة في حياة الثورة سنة 1958:
ودعت الثورة سنة 1957 كما ودعت سنوات قبلها بانتصاراتها و انكساراتها. ففي هذه السنة ظهرت حوادث هامة. ففي شهر فبراير 1958 قررت لجنة التنسيق و التنفيذ إقامة حكومة جزائرية مؤقتة في المنفى و في منتصف شهر أبريل اشتركت جبهة التحرير الوطني في مؤتمر الدول الأفريقية المنعقد في "آكرا عاصمة غانا" و تلقت تأييدها الحار من أجل استقلال الجزائر و عرض الأفريقيون التأييد الدبلوماسي بما في ذلك تأليف وفد أفريقي متنقل لشرح قضية الجزائر. و في جوان 1958 طالبت الجبهة الدول الأفريقية بمساعدتها في عرض قضيتها أمام الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة. و في أواخر شهر أوت ذهبت وفود أفريقية كثيرة إلى أوروبا و أمريكا اللاتينية لإطلاع حكومات و شعوب هذه البلدان على الموقف السياسي بالجزائر و السعي على كسب و تأييد هذه الحكومات (18). و في نهاية أبريل من نفس السنة بدأت وحدة دول المغرب التي سعت الجبهة إليها طويلا حتى جاء مؤتمر طنجة الداولي الذي انعقد فيما بين (27 - 30) أبريل 1958 الذي دعا إليه حزبا الاستقلال المغربي و الدستور التونسي بعد شهرين من قصف الجيش الفرنسي ساقية سيدي يوسف التونسية. و كان الحزم الذي أبداه الرئيس الحبيب بورقيبة بمناسبة الأزمة مع فرنسا برفضه أي تحديد لحدود بلاده رفع تحفظات العسكريين الجزائريين تجاهه و انتقاداتهم له. كان الهدف من المؤتمر هو توطيد التضامن المغربي و قد وافقت الأطراف الثلاثة على سلسلة من القرارات منها "حق الشعب الجزائري الثابت في السيادة و الاستقلال بوصفه الشرط الوحيد لفض النزاع الفرنسي الجزائري" و بجلاء القوات الفرنسية التي شاركت في الحرب انطلاقا من البلدين و بإرساء مؤسسات مشتركة. كما أوصى المؤتمر "بعد إجراء المشاورات بين حكومتي تونس و المغرب بإقامة حكومة جزائرية" (19).
و كانت الجبهة قد حصلت على موافقة البلدين كما اقترح المؤتمر إنشاء جمعية استشارية مغربية تعقد اجتماعات دورية و تدرس و تقدم توصيات للحكومات في المسائل ذات المصلحة المشتركة، و أوصى بأن يعقد زعماء البلدان الثلاثة اجتماعات لدراسة و بحث تنفيذ توصيات اللجنة الاستشارية و مما له أهمية أن الأحزاب المجتمعة في طنجة أوصت حكوماتها "ألا تربط على انفراد مصير شمال أفريقيا في حقل العلاقات الخارجية و الدفاع إلى أن تتم إقامة النظم الاتحادية" و كان هذا قرارا هاما على الخصوص للجبهة التي لم يكن لها مركز حكومي قانوني فهو يخول لها الحق في أن تستشار في علاقات شمال أفريقيا بالدول الأخرى و خاصة فرنسا و كون المؤتمر كتابة تتكون من ستة أعضاء اثنان منهم يحتلان كلا من المنظمات المشتركة في المؤتمر و لهما مكتبان أحدهما في الرباط و الآخر في مدينة تونس و عينت الجبهة اثنين من الزعماء السابقين هما "احمد بومنجل" و "احمد فرنسيس" لتمثيلها في الكتابة. ووجه المؤتمر نداء جديا و عاجلا يناشد فيه هذه الدول أن تضع حدا لكل مساعدة سياسية أو مادية يقصد بها مساعدة الحرب الاستعمارية في المغرب العربي و حيت الجبهة بحماسة قرارات طنجة (20).
وفي منتصف جوان 1958 اجتمعت الحكومتان التونسية و المغربية و لجنة التنسيق و التنفيذ في المهدية بتونس من اجل توصيات مؤتمر طنجة و نوقش موضوع التعاون السياسي و الدبلوماسي و لكن أرجى تشكيل الحكومة الجزائرية و برغم هذا أعاد المؤتمرون تأكيد حق الشعب الجزائري في السيادة و الاستقلال (21).
و في شهر أوت فتحت جبهة التحرير الوطني جبهة ثانية في فرنسا ذاتها و حدثت سلسلة من الهجمات الرائعة ضد المنشآت العسكرية و البوليسية و الأهداف الاقتصادية بما في ذلك خزانات البترول الرمزية، كانت شاهدا على أن للجبهة قوة لها اعتبارها على ارض فرنسا ذاتها. و في 19 من شهر سبتمبر أعلن المجلس الوطني للثورة الجزائرية في القاهرة و الرباط و تونس تشكيل حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية يتولى فيها "فرحات عباس" رئاسة الوزارة. و قد هيأ تأليف الحكومة دفعة قوية لروح القتال و ارتفعت معنويات المجاهدين حيث تحققت الشرعية و بدا أن الجدل الذي كان دائرا حول الصفة التمثيلية للجبهة قد حل على نحو ما. و قد تجاهلت حكومة "ديجول" الفرنسية الرمز الجديد للسلطة الجزائرية، و في أوائل سنة 1959 كانت الحكومات العربية و الشيوعية هي التي اعترفت بالحكومة المؤقتة (22).و بإعلان استقلال الجزائر الذي أذيع في القاهرة يوم 19 سبتمبر 1958 حيث رحبت اندونيسيا ترحيبا بقيام الحكومة الجديدة و قالت "أن الحكومة الاندونيسية تؤمن بأن ميثاق الأمم المتحدة و مبادئ مؤتمر باندونغ العشرة ستفتح مجالا للدولتين و هما الجزائر و فرنسا لتعيدا علاقتهما التي كانت قائمة على أسس استعمارية إلى علاقة بين دولتين مستقلتين تقوم على مبادئ القانون الدولي و العرف الدولي". إن قرار الحكومة الاندونيسية بالاعتراف بحكومة الجزائر المؤقتة يتفق مع رغبة الشعب الاندونيسي المناهض للاستعمار كما يتفق مع سياسة الحياد الايجابي التي تتمسك بها اندونيسيا (23).و تلقي رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية من وزير الشؤون الخارجية اللبناني "يسرني أن أؤكد لدولتكم مضمون البرقية التي تشرفت بإرسالها لكم لإبلاغكم اعتراف لبنان بحكومة الجزائر المؤقتة و هذا نصها: قررت الحكومة اللبنانية اليوم الاعتراف قانونيا بحكومة الجزائر المؤقتة".و أما البلد العربي الثاني فكان ليبيا. و قد جاء في وثيقة الاعتراف الصادرة عن بنغازي بتاريخ 19 من سبتمبر 1958 و الموشحة بتوقيع السيد عبد المجيد كبار رئيس الوزراء و وزير خارجية ليبيا:" يسعدني جدا أن أبادر بإبلاغ سيادتكم قرار الحكومة الليبية بالاعتراف بحكومة الجزائر كحكومة شرعية للشعب الجزائري المجاهد" (24).
أما الدول العربية الباقية "تونس، و المغرب، و الجمهورية العربية المتحدة، و السودان والعربية السعودية، والعراق، والأردن، واليمن" فقد اعترفت بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية دون بيان طبيعة هذا الاعتراف. إلا أن هذا الاعتراف لا يمكن أن يكون إلا بشرعية الحكومة. إذ لو أريد أن يقترن بتحفظ لما خلا منه (25) و فضلا عن هذا فإن مئات التصاريح الرسمية التي صدرت عن رجال السياسة العربية بمختلف المناسبات قد أكدت رغبة هذه البلاد في اعتبار الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية "حكومة شقيقة، و أنها دون سواها هي الحكومة الشرعية المشروعة و المحقة" (26).
الخاتمة
ثورة نوفمبر قادتها عناصر وطنية تنتمي إلى الفلاحين والعمال، ولا تنتمي إلى نخبة المثقفين أو البرجوازيين الثائرين على الفساد السياسي الموجود بالبلاد، ففي الجزائر كان العمل الثوري سبق التنظير السياسي بحيث أن قادة الثورة كانوا من الوطنيين المتشبعين بفكرة الثورة على الظلم والاضطهاد تحت النظام الاستعماري، أما المثقفون القليلون الذين صعدوا إلى مركز القيادة في الثورة انضموا إليها بعد أن رأوا فعالية وسلامة اتجاه التيار الثوري.
الهــــوامــش
1 – أحمد الخطيب: الثورة الجزائرية. دار العلم للملايين – بيروت. ص 225. الثورة الجزائرية. دار الشورى – بيروت العماد مصطفى طلاس ، والمقدم بسام العسلي ص 352.
2 – بوالطمين جوادي الأخضر: لمحات من ثورة الجزائر. المؤسسة الوطنية للكتاب. 3 شارع زيغوت يوسف – الجزائر ص 65 – 66.
3 – نفس المصدر السابق ص 66.
4 – أحمد الخطيب: المرجع السابق ص 225، مصطفى طلاس المرجع السابق ص 352.
5 – أحمد الخطيب: المرجع السابق ص 226، مصطفى طلاس المرجع السابق ص 352 – 353.
6 – أحمد الخطيب: المرجع السابق ص 227، مصطفى طلاس المرجع السابق ص 353.
7 – انظر مصطفى طلاس المرجع السابق ص 353 – 354.
8 – أحمد الخطيب: المرجع السابق ص 228.
9 – نفس المرجع السابق ص 229.
10 – جوان جليبي: ثورة الجزائر ج 7 سلسلة دراسات أفريقية ص 188.
11 – جوان جليبي: المرجع السابق ص 188 – 189.
12 – جوان جليبي: المرجع السابق ص 189 – 190.
13 – جوان جليبي: المرجع السابق ص 190.
14 – جوان جليبي: المرجع السابق ص 190 – 191.
15 – جوان جليبي: المرجع السابق ص 191 – 192.
16 – انظر محمد حربي الجزائر 1954 – 1962 جبهة التحرير الوطني – الأسطورة و الواقع – الطبعة العربية الأولى 1983 – مؤسسة الأبحاث العربية – بيروت لبنان ص 176.
17 – محمد حربي: المرجع السابق ص 176 – 177.
18 – جوان جليبي: المرجع السابق ص 193.
19 – محمد حربي: المرجع السابق ص 177.
20 - جوان جليبي: المرجع السابق ص 194.
21 – محمد حربي: المرجع السابق ص 177 و جوان جليبي: المرجع السابق ص 195.
22 – جوان جليبي: المرجع السابق ص 199.
23 – محمد البجاوي: الثورة الجزائرية و القانون – وزارة الثقافة و الإرشاد القومي – دار اليقظة العربية ص 178 – 179.
24 – محمد البجاوي: المرجع السابق ص 179 – 180.
25 – محمد البجاوي: المرجع السابق ص 180.
26 – محمد البجاوي: المرجع السابق ص 180.