أردوغـان على خطى "سليم الأول"

تطلع العثمانيون لأول مرة في تاريخهم الحديث للمنطقة العربية في عهد السلطان سليم الأول وذلك في العام 1516م، ويتحدث المؤرخون عن أسباب عديدة دفعت السلطان المذكور للتطلع إلى المنطقة العربية أهمها
1 ـ انتهاء العثمانيين من فتح القارة الأوروبية.
2 ـ قطع الطريق على الإيرانيين من الوصول إلى المنطقة العربية في ظل التنافس المحموم الذي كان بين البلدين.
وسهلت الظروف السياسية التي كانت تمر بها المنطقة العربية في تحقيق العثمانيين لأحلامهم بالوصول إلى تطلعاتهم، كان أهمها تدهور أوضاع الدولة المملوكية في أواخر حكمها الذي استمر للمنطقة العربية ما يقارب الـ 300عام، وجاءت معركة مرج دابق بالقرب من مدينة حلب السورية والتي هزم فيها المماليك شر هزيمة أمام الأتراك في العام 1516م، إيذانا بانتهاء الحكم المملوكي للمنطقة العربية إلى الأبد.
وتتشابه الظروف السياسية للمنطقة العربية اليوم إلى حد كبير، مع الظروف السياسية التي مرت بها في العهد المملوكي، فالمنطقة العربية اليوم هي محط أطماع وتطلعات الكثير من الدول، وذلك نتيجة للفراغ السياسي الناتج عن التمزق السياسي للأمة العربية، فحال العرب اليوم كم أسلفنا يتشابه إلى حد ما مع حال المماليك في أواخر عهدهم حيث الانقسامات السياسية، والخلافات الداخلية، والصراع على السلطة والنفوذ، والقائمة في هذا المجال تطول، حيث أصبحت أي محاولة عملية للم الشمل العربي غير ممكنة إن لم تكن مستحيلة، مع أن الواقعية السياسية، والمصلحة العربية العليا تقتضي أن يتناسى العرب خلافاتهم الداخلية وأن يوحدوا كلمتهم، وذلك لعظم التحديات الخارجية التي تهدد حاضرهم ومستقبلهم، ولعل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والأمريكي للعراق، يكفي لتوضيح حجم المخاطر الجمة التي تهدد الكيان السياسي العربي.
إن التوجه التركي للمنطقة العربية اليوم جاء بعدما غاب الأتراك عن المنطقة العربية ما يقارب المئة عام، وتحديدا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى في العام 1918م، وظلت الحكومات التركية المتعاقبة منذ ذلك التاريخ وإلى وقت قريب، تلهث خلف الانضمام للاتحاد الأوروبي رغبة في تحقيق حلم كمال آتاتورك، بأن تكون تركيا دولة علمانية، وجزء من القارة الأوروبية، ولكن الأوروبيين رغم وعودهم بضم تركيا للاتحاد الأوروبي إلا أنهم لم ينسوا أن تركيا في يوم من الأيام كانت دار الخلافة الإسلامية، حيث تم رفض طلب تركيا في نهاية المطاف بالانضمام للإتحاد.
إن عودة تركيا للمنطقة العربية، وتحديدا في عهد أرودغان ينبغي أن تلقى آذانا صاغية من العرب جميعا، وذلك لخطورة التحديات التي تتعرض لها الأمة العربية وتحديدا الاحتلال الإسرائيلي، والذي لم يكتف باحتلال فلسطين، وإنما يرفض حتى التسويات السياسية الموقعة معه، والتي تعيد للفلسطينيين جزء من حقوقهم، كما أنه بات يهدد الأمن القومي العربي، فالاقتراب التركي- العربي يمكن أن يحقق إلى حد ما نوع من التوازن السياسي والعسكري في المنطقة العربية، يخدم مصالح الطرفين في مواجهة التغول المتزايد لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
إن تركيا بإمكاناتها السياسية والاقتصادية- حيث تحتل اليوم المرتبة 17 اقتصاديا في العالم- يمكن أن تغير كثيرا في توازنات القوى في المنطقة العربية، ويبدو بأن تركيا أكثر فهما لمستقبل وأهمية علاقاتها مع العرب من فهم العرب لتركيا، فالأخيرة اليوم تدافع عن القضايا السياسية العربية وفى مقدمتها القضية الفلسطينية استشعارا بالدور الذي يريده الرأي العام العربي من تركيا، لتتأهل لقيادة العالم العربي والإسلامي، ولقد مهدت هذه المواقف القوية من القضية الفلسطينية الطريق أمام الأتراك ليكونوا أكثر قبولا في الشارع العربي أكثر من أي وقت مضى.
إن العرب جمعيا مطالبين بتسهيل عودة الدور التركي لمنطقة العربية، ومطالبين أيضا بعدم الوقوف موقف المتفرج من هدا التقارب، فاليد الواحدة لا تصفق، فمنظومة العلاقات السياسية تتميز أكثر ما تتميز بالتغير بحثا عن المصالح، فهل يدرك العرب طبيعة التغيرات السياسية التي تمر بهم؟
آخر تعديل: