بسم الله الرحمن الرحيم
خط الانحراف في المشهد الفلسطيني بين خيار المقاومة وخيار السلام
مقدمـــــــــــــة
منذ فترة وأنا أعيد قراءاتي لتلك الأحداث التي عمقت هوة الخلاف والانشقاق بين حركتي فتح والسلطة الفلسطينية من جهة و حركة حما س من جهة ثانية ، وكنت في كل مرة أشعر بالإحباط لأن تفكيري المحدود لم يستطع أن يجد مبررا مقنعا لكثير من تلك الوقائع المؤلمة
وفي هذه الأسطر المتواضعة سأحاول أن انقل لأخواني في هذا القسم السياسي من هذا المنتدى المبارك – وبعيدا عن قناعاتي الشخصية - بعض تفاصيل تلك الأحداث والقطرة التي أفاضت الكأس ، وانتقال الصراع من حرب التصريحات إلى الميدان وما شهدته الساحة من فلتان أمني وصراع أقل ما يمكن أن يوصف به ، ما اصطلح على تسميته من بعض صناع القرار بصراع الإرادات .
لله وللتاريخ ، فإنه لا بد من الاعتراف لحركة فتح بالفضل في إصرارهم على إجراء انتخابات المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية ، وعدم استجابتهم لضغوط استبعاد حركة حماس من تلك الانتخابات ، وكذلك رفضهم تأجيلها استجابة لبعض الأطراف في حركة الفتح بعد التأجيل الذي حصل في جويلية 2006
وكان الطرف الإسرائيلي قد اتخذ كثيرا من التدابير الأمنية والعسكرية في حال فوز حركة حماس بالانتخابات
و قبل تلك الانتخابات بقليل كان محمد دحلان المنافس الرئيسي لحماس قد شن هجوما عنيفا
في 15/01/2006 في خان يونس في قطاع غزة على حركة حماس ، ومحذرا حركة فتح من خسارة الانتخابات بقوله :
ليس في وسعنا الحديث عن ذلك لأنه لن يكون لنا مكان في هذا البلد ..
وبعدها بأيام قلائل في 18/01/2006 حمل الدكتور نبيل شعث حركة حماس كامل المسؤولية على حالة الفلتان الأمني في الشارع الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة .
ولم يكن فوز حماس متوقعا بالشكل الذي أسفرت عنه الانتخابات بل كان صدمة عنيفة لحركة فتح كوادرها
واندلعت حرب التصريحات العلنية والسرية، وبرزت لهجة التصعيد منذرة بشرارة الفرقة والخلاف على الساحة الفلسطينية
حرب التصريحات
فخلال مسيرة نظمها مسلحون من حركة فتح أعلن محمد دحلان
أنه من العار على فتح أن تشارك في حكومة تقودها حماس ،
وأضاف قائلا :
نحن سنكون معارضة شديدة وقوية ، وإذا فكر أي شخص مهما علا شأنه في أن يقترب من وظيفة أي مواطن سيكون قد ارتكب الخطأ الأخير في حياته .
استطيع كمثقف عربي يقف على رصيف الحياة ، أن أضع نقطة هنا لتكون تلك النقطة
في تصوري المحدود هي بداية خط الانحراف والصراع الدامي في القطاع .
ولنا أن نتساءل في صمت ونترك الجواب مفتوحا على مصراعيه فنقول :
ما دامت حركة حماس قد رضيت بدخول معترك الانتخابات واللعبة السياسية علما أنها تدار في الكواليس بأصابع إسرائيلية ، وهذا لا يخفى على كوادر حماس ، وان تلك اللعبة من شروطها القبول بكثير من إملاءات المحتل بالاتفاق مع السلة الفلسطينية ، وعلى رأسها محمود عباس ....
ألم يكن الأولى أن تبقى حركة حماس في صف الصراع مع المحتل كحركة جهادية وحركة مقاومة إسلامية وهو الخيار الأمثل لنصرة الشعب الفلسطيني .. ؟
فتكون بذلك قد انتزعت ورقة التأييد العربي والإسلامي من أياد حركة فتح ..؟
مجرد سؤال ويبقى الجواب معلقا إلى حين الإفراج عنه .. في كواليس صناع القرار في البيت الحمساوي ..
ومن خلال كتاب التكليف الذي سلمه محمود عباس لإسماعيل هنية في 21/02/2006
ودعا فيه حكومة حماس إلى العمل وفق الالتزامات التي وردت في خطابه أمام المجلس التشريعي في جلسته الافتتاحية ، نستطيع أن نقول أن قبول حماس بالوضع على تلك الصورة يضعها في مأزق تاريخي بين خيارين ، إما السير في ركاب السلطة مدعومة بمسلسل السقوط في جب عمليات السلام ، أو خيار المقاومة والسلاح .
ولم يكن محمود عباس ولا من يملي عليه قراراته ليترك الحبل على الغارب لحركة حماس وحكومتها ، فبعد يوم واحد من إعلان نتائج الانتخابات ، عقد عباس اجتماعا طارئا أبلغ فيه قادة الأجهزة الأمنية أنهم خاضعون له وليس لرئيس الحكومة المقبلة وأمرهم بتقديم تقاريرهم له شخصيا ، وأضاف انه عند الجد الرئاسة هي صاحبة القرار ،
فلم يبقى أمام حركة حماس ألا هزل الحكومة ومخازيها ..
فبعد تشكيل الحكومة قررت رئاسة عباس قرارات مستعجلة تنص على نقل مسؤولية كل من الأمن الداخلي ، والإدارة العامة للمعابر والحدود للرئاسة مباشرة ، بعد أن كانت تابعة لوزارة الداخلية، وتم تعيين رشيد أبو شباك مديرا للأمن الداخلي والذي يشمل أجهزة الأمن الداخلي الوقائي ، والشرطة والدفاع المدني ، التي تتبع لوزارة الداخلية دون التشاور مع الحكومة أو وزير الداخلية ، علما على أن القانون الأساسي ينص على أن يصادق الرئيس على من ينصبه وزير الداخلية ولا يعطيه صلاحية التعيين فيه دون موافقة الوزير أو الحكومة
وكانت هذه الإجراءات الرئاسية المستعجلة سببا في أزمة صراع الصلاحيات بين الرئاسة والحكومة ، وبرز على الساحة تكرار استخدام مصطلح انقلاب من طرف حركة فتح وصفا لمعارضة حركة حماس توسيع صلاحيات الرئيس ، واعتبر صائب عريقات في 19/02/2006 رفض حماس سياسات محمود عباس انتهاكا للدستور
وقال: إنه عندما يكلف الرئيس شخصية لتشكيل الحكومة المقبلة سيكلفه وفق برنامجه السياسي وإذا رفض المجلس التشريعي الحكومة فهذا يعني سيكون هناك انقلاب احمر وبداية للازمة ....
ضاقت حكومة حماس بتلك الإجراءات التي جردتها من صلاحياتها كحكومة شرعية ، حتى لقد بات في تصور بعض قيادات الحكومة أن تلك الإجراءات الرئاسية غير المسبوقة ليست أكثر من انقلاب أبيض أو تمهيدا لانقلاب أحمر على حد تعبير صائب عريقات رجل الإملاءات الحفية في السلطة الفلسطينية ومهندس الاتفاقيات السرية والعلنية للسلام
ولذلك اتخذ وزير الداخلية سعيد صيام رحمه الله قرارا بتشكيل القوة التنفيذية في 20/04/2006
واتخذت مواقف حركة فتح وحماس منحنى تصعيديا ، فأعلن عباس إلغاء هذا القرار ، واعتبره ياسر عبد ربه محاولة من حماس لشرعنة المجموعات المسلحة التابعة لها ، وظهر خالد مشعل ليعلن عن ضيق حركة حماس مما تراه تعطيلا وإفشالا لعمل الحكومة ،
فألقى خطابا شديد اللهجة في 21/04/2006 شن فيه هجوما لاذعا ضد عباس ومن اسماه بأذناب في السلطة الفلسطينية ، متهما إياهم بتشكيل حكومة موازية ، الغرض منها الانقلاب الأحمر على حكومة حماس الشرعية ، وكان ذلك الخطاب بداية عاصفة من التصريحات المضادة من طرف حركة فتح ، واعتبرت أن خطاب مشعل خطاب فتنة يهدف إلى إراقة الدم الفلسطيني ، ومما جاء في بيان حركة فتح
إن هذا الخطاب الهستيري من شخص اعتقد البعض انه سيكون أكثر مسؤولية بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة لكنه كشف حقيقته بأنه ليس أكثر من أداة رخيصة لتدمير النظام السياسي الفلسطيني والسلطة الوطنية الفلسطينية
واتهم احمد عبد الرحمن المستشار الرئاسي للسلطة خالد مشعل بالتحريض على الفتنة
وفي 07/05/2006 أوردت جريدة صنداي تايمز البريطانية تقريرا حول إحباط إسرائيل مخططا لكتائب القسام لاغتيال الرئيس محمود عباس ومحمد دحلان ، إلا أن الرئاسة والقسام نفتا ذلك وتزامن ذلك عن أنباء فشل اللقاء بين عباس وهنية في غزة في 06/05/2006
المواجهة والفلتان الامني
وعقب تلك الأجواء المشحونة من حرب التصريحات شهد القطاع تصعيدا ميدانيا خطيرا وجولة من أعمال العنف والخطف والاغتيالات ، مما دفع بوزير الداخلية إلى نشر القوة التنفيذية ، واعتبر الناطق باسم حركة فتح توفيق أبو خوصة إن نشر القوة التنفيذية تصعيد خطير باتجاه الفتنة والاقتتال الداخلي يقوده وزير الداخلية سعيد صيام
واستمرت الاتهامات على خلفية التوتر الأمني حيث اتهمت حركة فتح عناصر من حماس عن مقتل الضابط في الأمن الوقائي صقر عنبر في خان يونس في 02/08/2006
واغتيال العقيد في الاستخبارات العسكرية محمد الموسة في مخيم جباليا في 06/08/2006 ،
واسهم اغتيال العميد جاد التايه مسؤول العلاقات الدولية في جهاز المخابرات وأربعة من مرافقيه في 05/09/2006 في تأجيج الخلاف بين فتح وحماس ، حيث وجهت فتح الاتهام بصورة مباشرة لحماس وقال محمد دحلان :
حماس قامت باغتيالات سياسية لم تشهدها الأراضي الفلسطينية من قبل ..
إلا أن حماس أدانت الاغتيال ونفت أي صلة لها به
وفي أكتوبر 2006 تصاعد التوتر الأمني في قطاع غزة واندلعت اشتباكات بين القوة التنفيذية وعناصر الأجهزة الأمنية الذين كانوا يتظاهرون بسلاحهم احتجاجا على انقطاع رواتبهم وأدت تلك الاشتباكات إلى وقوع 08 قتلى و70 جريحا ، واثر تلك الأحداث الدامية حمل النائب جمال الطيراوي الناطق الرسمي باسم كتلة فتح في البرلمان عناصر القوة التنفيذية مسؤولية الاشتباكات ودعا القاعدة الشعبية لحركة فتح إلى الثورة على القوة التنفيذية والميليشيا السوداء وقال :
يجب استنهاض الجماهير بكاملها للوقوف أمام هذه العصابة التي تسمى حماس
وهدد بيان صادر باسم كتائب شهداء الأقصى بتصفية قادة حماس وخصوصا خالد مشعل وسعيد صيام ويوسف الزهار مسؤول القوة التنفيذية
وعلى الرغم من هذا الفلتان الأمني والتصعيد في التصريحات وعلى الميدان إلا أن جهود التهدئة والوساطة استمرت قائمة وأثمرت اتفاقا على إنهاء الاحتقان في
07/10/2006
وساد الهدوء النسبي في القطاع
***
كان هذا جانب من جوانب خط الانحراف على الساحة الفلسطينية لخصناه وأردنا
من خلاله أن نلقي الضوء على أبعاده السياسية والأمنية و لم نتطرق إلى كثير من تلك الأحداث الدامية التي شهدها قطاع غزة
فهل كان بالإمكان تفادي ذلك كله ..؟
لا يمكن أن نجزم بذلك لان الاختلاف في الساحة الفلسطينية ليس خلافا من اجل صلاحيات سياسية كما يبدو لأول وهلة ، بل هو خلاف جوهري بين تصورين للقضية
فهناك السلطة الفلسطينية التي تتمتع بالشرعية التاريخية وتنظر إلى كوادرها على أنهم يمثلون الامتداد الطبيعي لمنظمة التحرير الفلسطيني الممثل الشرعي لشعب الفلسطيني
فباسم هذه المنظمة تم التوقيع على جميع اتفاقيات السلام على الساحة الفلسطينية
وإعلان دولة فلسطين
وهناك حركة حماس ذات التوجه الإسلامي ، وهي حركة جهادية اختارت سبيل المقاومة والجهاد لتحرير فلسطين
والطرفين على خط التناقض التام فاعتراف حركة حماس بمنظمة التحرير الفلسطيني كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني اعتراف ضمني بحركة فتح والسلطة الفلسطينية وهو اعتراف أيضا بقرارات هذه السلطة بما فيها اتفاقيات السلام مع إسرائيل .
وخيار المقاومة يعني ضرب تلك القرارات بعرض الحائط ، ويعني أيضا دخول الانتخابات التشريعية نوع من التناقض في قرارات حركة حماس ...
فلا يمكن لسلطة عباس أن تمثل الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية وتتبنى مشروع السلام وتوقع على اتفاقياته بيدها اليمنى وتضع يدها اليسرى في يد حركة حماس بينما اليد الأخرى لحماس تضع الأصبع على زناد المقاومة
هذا التناقض هو الذي يجعل من الصعب تصور
المشهد الفلسطيني في المدى القريب
بين خيار المقاومة وخيار السلام
كتبته وجمع سطوره سراي علي / الجلفة
آخر تعديل: