تعرض التأريخ الشيعي منذ نشوئه الى احداث هامة في سياقاته الفاعلة، فلقد مرت على الشيعة حقب زمنية عجيبة تعرضوا من خلالها الى اقسى حملات التصفية الفردية والجماعية بسبب الحكومات المتعاقبة في القرون الماضية وأخطر فترة زمينة تعرضت الشيعة فيها الى ألوان الاضطهاد والقتل هي عصر الدولة الاموية.
وكانوا يتطلعون الى وضع جديد عبر الثورات المتتالية التي قاموا بها واهمها ثورة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب في العراق (124)هـ لتصبح هذه الثورة اساساً ومنطلقاً في انقسام الشيعة الى حسنيين تبنوا المذهب الزيدي والى حسينيين (ائمة الشيعة الاثني عشرية).
وعند قيام الدولة العباسية (132) هـ وادى استئثار العباسيين بالخلافة دون العلويين الى تفجير الخلاف بين الطرفين اذ اشتد الصراع بين العباسيين والحسنيين. فنشط الحسنيون في الاعداد للثورة عبر ارسال الدعاة الى اطراف الدولة الاسلامية فكانت المغرب من ضمن تلك الاطراف التي شملها نشاط الزيدية.
كان الدعاة يوفدون من الشرق الى افريقية واول من وصلها من دعاة الزيدية عيسى بن عبدالله الذي انفذه محمد ذي النفس الزكية فأجابه خلق كثير من قبائل البربر ومع ذلك عاد ادراجه الى الشرق ربما خوفا من عيون العباسيين بأفريقية او للمشاركة عن كتب في الثورات الزيدية. وقد بعث محمد ذي النفس الزكية اخاه سليمان الى بلاد المغرب فنزل بتلمسان بعد رحلة طويلة عبر مصر وبلاد النوبة والسودان ويبدو ان الخوف من عيون العباسيين كان وراء تحاشي سليمان اتخاذ الطريق الساحلي المباشر من برقة الى تلمسان. وفي تلمسان اخذ يدعو للحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب بعد مقتل محمد ذي النفس الزكية. وقد احرز نجاحاً ملحوظاً قبل دعوته الى الشرق للمشاركة في ثورة الحسين ضد العباسيين وحل محله ادريس بن عبدالله الذي كان يدعو كذلك لامامة الحسين بن علي لكن مقامه في تلمسان لم يطل حيث اضطر للعودة كذلك الى الشرق للمشاركة في معركة الفخ المشهورة.
إدريس وثورة الفخ:
في سنة 169 هـ ظهر الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب بالمدينة بسبب سوء معاملة عمر بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عمر بن الخطاب عامل المدينة من قبل الهادي للعلويين وبويع الحسين بالخلافة في المدينة واقام بها 11 يوماً ثم سار الى مكة فالتقى مع الجيش العباسي بقيادة سليمان بن المنصور بفخ وهو وادي في طريق مكة يبعد نحو ستة اميال فانهزم العلويون وقتل في هذه الواقعة معظم اصحاب الحسين بن علي بن الحسن وكان قد اشترك في القتال معه ادريس بن عبدالله بن الحسن واخوه يحيى بن عبدالله بن الحسن ونجح ادريس في الافلات مع المنهزمين من بني الحسن فاستتر بعض الوقت والح العباسيون في طلبه.
بعد فشل ثورة الحسين بن علي في وقعة الفخ عاد سليمان اخو محمد ذي النفس الزكية الى تلمسان مرة اخرى يدعو لامامة يحيى بن عبدالله بن الحسن الذي نجح في تأسيس دولة بطبرستان ثم لحق به ادريس بن عبدالله للمرة الثانية من اجل الدعوة لأخيه يحيى كذلك فلما علم بنهايته اقام الدعوة لنفسه.
عندما وصل ادريس بن عبدالله تلمسان للمرة الثانية ومنها انتقل الى طنجة واتصل بزعيم قبيلة أوربة كان يعد العدة من خلال دعوة محكمة وتنظيم دقيق لتأسيس دولة علوية بالمغرب الأقصى دليلنا على ذلك انه ابان رحلته من مكة عبر مصر الى المغرب كان يرافقه مولاه راشد الذي لم يكن اختياره عبثاً اذ نعلم انه ينتمي في نسبه الى قبيلة أوربة وهو امر يتيح لادريس الاتصال باسحاق بن محمود بن عبدالحميد زعيم أوربة لتأسيس الدولة المنشودة وان دور راشد لم يكن مجرد ان يد له الى المغرب ذلك ان ادريس على دراية بمسالك المغرب الذي قدم اليه من قبل كداعية لمحمد ذي النفس الزكية وانما كانت مهمة راشد هي تمهيد الاتصال بين ادريس واسحاق الأوربي لتأسيس دولة بني ادريس.
قيام الدولة الادريسية في المغرب:
عندما نزل ادريس بمدينة وليلي في سنة 172 هـ نزل على اسحاق بن محمود بن عبدالحميد الأوربي امير أوربة وكبيرهم فأجاره واكرمه فاقام عنده زهاء ستة أشهر تمكن خلالها من نشر دعوته وتمكن بفضل فصاحة لسانه وبلاغته من التأثير في نفوس البربر خاصة بعد ان عرفوا قرابته من الرسول (صلى الله عليه وآله) فاجتمعت عليه قبائل أوربة ومغيلة وصدينة وتبعها قبائل زنانة وهي زواوه لواته وسداراته ونفزة ومكناسة وغمازة وبايعوه بالامامة وتمكن ادريس من تأليف جيش كبير غزا به بلاد تامسنا فأفتتح شالة وسائر حصون تامسنا حتى وصل الى تادلا فافتتح حصونها ثم بلغ ماسة وكان اكثر مكان هذه البلاد على دين النصرانية واليهودية والمجوسية ولم يكن الاسلام قد انتشر بعد في انحائها وعاد ادريس بعد هذه الغزوة الى وليلي في نفس السنة (172) هـ فأراح عسكره في محرم (173) هـ ثم خرج للغزو مرة ثانية فغزا حصون فندلاوة وحصون مديونة وبهلونة وقلاع غياثة وبلاد فازاز ثم عاد بعد ذلك الى وليلي فدخلها في منتصف جمادي الآخرة سنه (173) هـ واقام بوليلي بقية شهر جمادي الآخرة ونصف رجب التالي ريثما استراح جنده ثم خرج في منتصف رجب برسم غزو مدينة تلمسان ومحاربة من بها من قبائل مغراوة وبني يفرن الخوارج فحاصرها فخرج اليه صاحبها محمد بن خزر الزناتي مستأمناً وبايعه وبايعته قبائل البربر فقبل ادريس بيعتهم ودخل تلمسان وبنى فيها مسجداً ثم عاد الى وليلي وعلى هذا النحو تمكن ادريس من اقامة دولة قوية بالمغرب الاقصى ووضع دستورها وقانونها ضمن رسالة له نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل النصر لمن اطاعه وعاقبة السوء لمن عصاه ولا اله الا الله المتفرد بالوحدانية الدال على ذلك بما اظهر من عجيب حكمته ولطف تدبيره الذي لا يدرك الا اعلامه وصلى الله على محمد عبده ورسوله وخيرته من خلقه أحبه وأصطفاه واختاره وارتضاه صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين، اما بعد فاني: ادعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) والى العدل في الرعية والقسم بالسوية ورفع المظالم والاخذ بيد المظلوم واحياء السنة واماتة البدعة وانفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد. واذكروا الله في ملوك غيروا وللامان خفروا ولعهد الله وميثاقه نقضوا ولبني نبيه قتلوا، واذكركم الله في ارامل احتقرت وحدود عطلت وفي دماء بغير حق سفكت، فقد نبذوا الكتاب والاسلام فلم يبق من الاسلام الا اسمه ولا من القرآن الا رسمه. واعلموا عباد الله ان مما اوجب الله على اهل طاعته المجاهزة لاهل عداوته ومعصيته باليد واللسان فباللسان الدعاء الى الله بالموعظة الحسنة والنصيحة والحرص على طاعة الله والتوبة عن الذنوب بعد الانابة والاقلاع والنزوع عما يكرهه الله والتواصي بالحق والصدق والصبر والرحمة والرفق والتناهي عن معاصي الله كلها والتعليم والتقديم لمن استجاب لله ورسوله حتى تنفذ بصائرهم وتكمل وتجتمع كلمتهم وتنتظم فاذا اجتمع منهم من يكون للفساد دافعاً وللظالمين مقاوماً وعلى البغي والعدوان قاهراً. اظهروا دعوتهم وندبوا العباد الى طاعة ربهم ودافعوا اهل الجور على ارتكاب ما حرم الله عليهم وحالوا بين اهل المعاصي وبين العمل بها فان في معصية الله تلفاً لمن ركبها واهلاكاً لمن عمل بها. ولا يؤيسنّكم من علو الحق واضطهاده قلة انصاره فان في ما بدا من وحدة النبي (صلى الله عليه وآله) والانبياء الداعيين الى الله قبله وتكثيره اياهم بعد القلة واعزازهم بعد الذلة دليلا بيناً وبرهاناً واضحاً قال الله عز وجل: (ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة) وقال تعالى: (ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز).
البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان)، (ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي).
كما مدحهم واثنى عليهم كما يقول: (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، وقال عز وجل: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض).
وفرض الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واضافه الى الايمان والاقرار لمعرفته وامر بالجهاد عليه والدعاء اليه، قال تعالى: «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق».
وفرض قتال المعاندين على الحق والمعتدين عليه وعلى من آمن به وصدق بكتابه حتى يعود اليه ويفيء كما فرض قتال من كفر به وصد عنه حتى يؤمن به ويعترف بشرائعه قال تعالى: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله فان فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ان الله يحب المقسطين).
فهذا عهد الله اليكم وميثاقه عليكم بالتعاون على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان فرضاً من الله واجباً وحكماً لازماً واين من الله تذهبون؟ وانى تؤفكون؟
وقد خانت جبابرة في الآفاق شرقاً وغرباً واظهروا الفساد وامتلأت الارض ظلماً وجوراً فليس للناس ملجأ ولا لهم عند اعداءهم حسن رجاء فعسى ان تكونوا معاشر اخواننا من البربر اليد الحاصدة للظلم والجور وانصار الكتاب والسنة القائميين بحق المظلومين من ذرية النبيين فكونوا عندالله بمنزلة من جاهد من المرسلين ونصر الله مع النبيين...
واعلموا معاشر البربر اني اتيتكم وانا المظلوم الملهوف الطريد الشريد الخائف الموتور كثر واتره وجده واهلوه فاجيبوا داعي الله فقد دعاكم الى الله فان الله عز وجل يقول: «ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الارض وليس له من دونه اوليا اعذنا الله واياكم من الضلال واهدنا واياكم الى سبيل الرشاد.
وانا ادريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورسول الله وعلي بن ابي طالب جدّاي وحمزه سيدالشهداء وجعفر الطيار في الجنة عمّاي وخديجة الصديقة وفاطمة بنت اسد الشفيقة جدّتاي وفاطمة بنت رسول (صلى الله عليه وآله) وفاطمة بنت الحسين سيد ذراري النبيين امّاي والحسن والحسين ابنا رسول (صلى الله عليه وآله) ابوي ومحمد وابراهيم ابنا عبدالله المهدي والزاكي أخوي.
هذه دعوتي العادلة غير الجائرة فمن اجابني فله ما لي وعليه ما عليّ ومن أبى فحظه أخطأ وسيرى ذلك عالم الغيب والشهادة اني لم اسفك له دماً ولا استحلل محرماً ولا مالاً واستشهدك يا اكبر الشاهدين واستشهد جبريل وميكائيل اني اول من أجاب واناب اللهم لبيك مزجي السحاب وهازم الاحزاب مصير الجبال سرابا بعد ان كانت صماً صلاباً اسألك النصر لولد نبيك انك على كل شىء قدير والسلام وصلى الله على محمد وآله.
من خلال مضامين رسالة ادريس الى قبائل البربر اكد على قضايا اساسية تخص المسلم والقائد الاسلامي الملتزم وهي الدعوة الى كتاب الله وسنة نبيه واقامة العدل واحياء السنة واماتة البدعة.
كذلك اشار الى الواقع السياسي وسيرة الحكام في مخالفتهم لكتاب الله وسنة نبيه وقتلهم الابرياء. تم وجه نصائح تربويه وسياسية لاتباعه واشياعه يظهر فيما سعة افقه الاسلامي والشعور بالمسؤولية اتجاه الأمة بمختلف تياراتها ومذاهبها ونبه على قضايا مشتركة يستطيع من خلالها استقطاب الأمة.
ثم يفصح عن هويته ونسبه المحمدي العلوي الفاطمي الذي كان عاملاً اساسياً في التفاف الناس حوله.
بعد حركته الواسعة بين القبائل واعلان افكاره وآرائه واهدافه وهويته ونسبه استجابت له القبائل والطوائف وبايعته على نصرته والقتال دونه وبادر بدوره باعلان دولة اسلامية شيعية في المغرب التي تعتبر اول دولة شيعية في تأريخ المغرب العربي، اقلقت الدولة العباسية في بغداد وخشت انفصال المغرب عن مركز الدولة ووقوعه بيد البيت العلوي الذي لم تخمد ثوراته بعد لذا جد هارون الرشيد في القضاء على دولة ادريس الفتية بمختلف الوسائل بتجيش الجيوش ودس العيون والمتأمرين اذ ينقل المؤرخون محاولات هارون الرشيد المتكررة، ذكر الدكتور السيد عبدالعزيز سالم في كتابه المغرب الكبير: بعد ان تمكن ادريس من اقامة امارة قوية بالمغرب الاقصى واتصل بالرشيد ما بلغه ادريس في المغرب من دخول البربر في طاعته وافتتاحه مدن المغرب الاقصى بسيفه وابلغ حزمه وقوته فعظم عليه الامره وخاف ان يقضي الادارسة بفضل دعوتهم على النفوذ العباسي في افريقيه وطرابلس كما خاف ان يمتد نفوذهم الى مصر ولا شك ان اصطناع ادريس بن عبدالله بن الحسن لسياسة الغزو المسلح في نواحي تامسنا وتادلا وتلمسان يعبر عن رغبته في التوسع ومد نفوذه على المغرب كله. وكان لذلك صدى عميق في المشرق الاسلامي واصبح الخليفة العباسي قلقاً على مصير المغرب الاسلامي ومصر ففكر في اللجوء الى السيف في القضاء على الدولة الادريسية الناشئة ولكن الامر لم يكن من السهل على الخلافة الى هذا الحد فالنفوذ العباسي الفعلي لم يكن يتجاوز حدود مصر الغربية فاضطر الرشيد الى استشارة يحيى بن خالد البرمكي واخبره بامر ادريس واستشاره فيه وقال له: انه ولد علي بن ابي طالب وابن فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله) وقد قوى سلطانه وكثرت جيوشه وعلا شأنه واشتهر امره واسمه وفتح مدينة تلمسان وهو باب افريقيه ومن ملك الباب يوشك ان يدخل الدار وقد عزمت ان ابعث له جيشاً عظيماً لقتاله ثم اني فكرت في بعد البلاد وطول المسافة وتنائي المغرب عن المشرق ولا طاقة لجيوش العراق على الوصول الى السوس من ارض المغرب فرجعت عن ذلك وقد هالني امره فاشر عليَّ برأيك فيه. فأشار عليه يحيى بان يبعث الى ادريس رجلا تتوفر فيه صفات الذكاء والمكر والدهاء مع البلاغة والجرأة ليغتاله ووقع اختيار يحيى على سليمان ابن جرير ويعرف بالشماخ وكان هذا الرجل من اهل الشجاعة والدهاء والفصاحة فاخبره يحيى بالمهمة التي يعهد اليه بها، ووعده برفعة المنزلة والصلات السنية واعطاه اموالاً جزيلة وتحفاً مستطرفة وجهزه بما يحتاج اليه واعطاه قارورة فيها غالية مسمومة ثم وجه مع رجلا يثق بشجاعته فانطلق سليمان مع صاحبه من بغداد وهو يتظاهر بالطب وما زال يجد في السفر حتى وصل الى وليلي فاتصل بادريس فسأله عن اسمه ووطنه وسبب قدومه الى المغرب فذكر له انه من بعض موالي ابيه وانه اتصل به خبرة فأتاه برسم خدمته بسبب محبته لأهل البيت فأنس اليه ادريس وستر به واتخذه صاحباً ونديماً لا يجلس الامعه ولا يأكل الا اذا اكل معه اذ كان ادريس في هذا البلد البربري يحن الى مجالسة العرب ومحادثتهم وكان سليمان هذا قد ابدى من العلم والأدب والبلاغة والجدال ما جعل ادريس يرفعه الى تلك المنزلة. واخذ سليمان الشماخ يترصد فرصة لاغتيال ادريس بالسم فلم يتهأ له ذلك اذ كان راشد لا يفارقه وظل سليمان منتظراً الى ان وأتته الفرصة اخيراً غياب راشد ذات يوم في بعض شؤونه فدخل سليمان بن جرير على المولى ادريس فألقاه وحده فجلس بين يديه على عادته فتحدث معه مليا فلم ير لراشد اثراً فانتهز الفرصة واغتنم الخلوة فقال: يا سيدي جعلت فداك اني جئت من المشرق بقارورة طيب اتطيب بها ثم اني رأيت هذه البلاد ليس فيها طيب فرأيت ان الامام اولى بها مني فخذها تتطيب بها فقد آثرتك على نفسي وهو من بعض ما يجب لك عليّ ثم اخرجها من وعاء ووضعها بين يديه فشكره ادريس على ذلك ثم اخذ القارة وشمها وتحصل بمراده منه فتمت حيلته فيه وجعل يده في الارض وخرج كأنه يريد قضاء حاجة الانسان فسار الى منزله وركب فرساً له من عتاق الخيل وسباقتها كان قد اعدها لذلك وخرج من مدينة وليلي يطلب النجاة وكانت القارورة مسمومة فلما انتشق ادريس الطيب صعد السم الى خيشومه وانتهى الى دماغه فغشى عليه وسقط بالارض على وجهه لا يفهم ولا يعقل ولا يعلم احد ما اصابه وقضى ادريس في غشيته الى عشى النهار فتوفي في مستهل ربيع الآخر من سنة 177 هـ. وانتبه راشد مولى ادريس الى غياب الشماخ فعلم انه سمه وكان سليمان الشماخ وصاحبه قد قطعا على فرسيهما مسافة طويلة فركب راشد في طلبه مع جماعة من اصحابه حتى ادركه بوادي ملويه فضربه بسيفه ضربتين قطع بهما يده ولكنه لم يستطع ان يجهز عليه ونجح الشماخ في عبور الوالدي واحتمى في البربر فأمن الشماخ من مطاردة راشد وعصب جراحه ووصل الى بغداد فولاه الرشيد بريد مصر.
دولة الادارسة بعد اغتيال ادريس:
عند اغتيال ادريس لم يكن لديه ولد يخلفه من بعده لكنه ترك جارية له من جارياته اسمها كنزه حاملاً في السابع من اشهر حملها فجمع راشد قبائل البربر ما كان من امر هذه الجارية فقالوا له: ايها الشيخ المبارك تقوم بأمرنا كما كان ادريس يفعل فينا حتى تضع الجارية فان وضعت غلاماً ربيناه وبايعناه تبركاً بأهل بيت النبوة وذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان كانت جارية نظرنا لأنفسنا فقام راشد بأمرهم حتى وضعت كنزة وكان غلاما أشبه الناس بأبيه ادريس فأخرجه راشد الى رؤساء البربر فاعجبوا من شبهه الكبير بأبيه فقالوا: هذا ادريس كأنه لم يمت فسمي لذلك باسم أبيه وقام راشد مولاه بأمره وكفله الى ان فطن وشب فاحسن تأديبه وأقرأه القرآن واحفظه اياه ولم يتجاوز من العمر ثمان سنوات ثم علمه السنة والفقة واشعار العرب وايامهم وسير الملوك ثم دربه على ركوب الخيل والمصاولة والمجاورة واحكام الرماية بالسهام ولما تم ادريس من العمر عشر سنوات جدد له راشد البيعة بجامع وليلي في شهر ربيع الاول سنة (186) هـ.
ظل راشد وصياً على ادريس الثاني حتى اغتيال راشد ثم آلت الوصاية على ادريس الثاني الى عربي يدعى ابوخالد يزيد بن الياس العبدي حتى شب ادريس الثاني عن الطوق وباشر الحكم بنفسه دون معارضة احد مما يدلل على ان ذلك يعتبر من سمات قوة الدولة واستمرارها ووجودها وقوتها بغياب ادريس الاول.
ادريس الثاني:
استقام امر المغرب لأدريس بن ادريس وتوطد ملكه وعظم سلطانه وكثرت جيوشه واتباعه ووفدت عليه الوفود من البلدان وقصد الناس حضرته من كل صقع ومكان فاستمر بقية سنة (188) هـ يستقبل الوفود ويبذل الاموال ويستميل الرؤساء والاقيال ولما دخلت سنة (189) هـ وفدت عليه وفود العرب من افريقيه والاندلس نازعين اليه وملتفين عليه فسرا ادريس بوفادتهم واحسن صلتهم فلما كثرت الوفود من العرب وغيرهم على ادريس وضاقت بهم مدينة وليلي اراد ان يبني لنفسه مدينةً يسكنها هو وخاصته ووجوه دولته وبعد بحث طويل على بقعة مناسبة تفي بالغرض المطلوب انتهى الى مدينة فاس ولما فرغ ادريس الثاني من بناء مدينة فاس وانتقل اليها بمجلسه واستوطنها بحاشيته وارباب دولته واتخذها دار ملكه واقام بها سنة (197) هـ ثم خرج غازيا بلاد المصامدة فانتهى اليها واستولى عليها ودخل مدينة نفيس ومدينة اغمات وفتح سائر بلاد المصامدة وعاد الى فاس فأقام بها سنة (199) هـ وفيها خرج في المحرم برسم غزو قبائل نغزه من اهل المغرب الاوسط ومن بقي هناك على دين الخارجية من البربر فسار حتى غلب عليهم ودخل مدينة تلمسان فنظر في احوالها واصلح سورها وجامعها واقام بها ثلاث سنين ثم رجع الى مدينة فاس. وقد انتظمت لادريس الثاني كلمة البربر وزناته ومما دعوة الخوارج منهم واقتطع المغربيين من دعوة العباسيين من لدن السوس الاقصى الى وادي شلف واستمر بدار ملكه من فاس ساكناً، الى ان توفاه الله ثاني جمادي الاخرى سنه (213) هـ وعمره نحو ست وثلاثون سنه وقيل في سبب وفاته اكل عنباً فشرق بحبة منه فمات وخلف من الولد اثنى عشر ذكراً وقيل انه توفي مسموما ودفن على حد قول المؤرخين في مدينة وليلي وذكر بعضهم انه دفن في مدينة فاس في مسجد الشرفاء ازاء الجدار الشرقي منه وقد أنشأ في ذلك بعض الشعراء:
منازل اهل الله آل رسوله فاحبب بهم اهلاً واحبب بهم مغنى
مدينة ادريس بن ادريس التي بها قبره نار وقبره مبنى
محمد بن ادريس:
لما توفي ادريس الثاني ابن ادريس قام الامر بعده ابنه محمد بعهد منه اليه، واوصته جدته كنزة ان يشرك معه اخوته في سلطانه فيقسم دولته الى اعمال يتولاها اخوته فولى اخاه القاسم سبته وطنجه وقلعه حجر النسر وبكسره وتيطاون وما يلحق بهذه المدن من بلاد وقبائل واختص اخاه عمرا ببلاد صنهاجه الهبط وغمارة وولي داود بلاد هوارة وتسول وتازى وما بينهما من قبائل مكناسة وغياثة، اما عبدالله فولاه انجات وبلد نفيس وجبال المصامدة وبلاد لمطة والسوس الاقصى وولي ـ عيسى على آحيلا والعرائش وبلاد زواغه وخص عيسى بشالة وسالا وآزمور وتامسا وبرغواطة وخص احمد بمدينة مكناسة ومدينة تادلا وما بينهما من بلاد فازاز وولي حمزه على وليلي واعمالها وابقى تلمسان لابن عمه سليمان بن عبدالله، اما الباقون فقد ابقاهم في كفالة جدته كنزة لصغر اعمارهم عن الولاية اما هو فقد اكتفى بحاضرة فاس.
ان كثرة القبائل انذاك في المغرب لا يمكن السيطرة عليها من خلال الحكومة المركزية المتمثلة في الخليفة لذا كان هدف السياسة الجديدة في دولة الادارسة، تقسيم الحكم والولايات هو تقوية الاسرة الادريسية بأن تكون الولايات في ايدي افراد تلك الاسرة وقد ادى ذلك الى وضع حد لصراع القبائل حول المناصب في تلك الولايات والثاني الهيمنة التامة من قبل الأسرة الادريسية على كل المناصب وبالتالي تقويه الدولة.
انتهت فترة حكم محمد بن ادريس الثاني اثر وفاته، بمدينة فاس في ربيع الثاني سنه (221) هـ بعد أن عهد بالامر لابنه علي بن محمد المعروف بحيده.
هذا تسلسل لملوك دولة الادارسة:
1 ـ ادريس الاول بن عبدالله بن الحسن الثاني بن الحسن بن علي بن ابي طالب.
2 ـ ادريس الثاني بن ادريس الاول.
3 ـ محمد بن ادريس الثاني.
4 ـ علي بن محمد بن ادريس الثاني.
5 ـ يحيى بن علي بن محمد بن ادريس الثاني.
6 ـ يحيى بن يحيى بن علي بن محمد بن ادريس الثاني.
7 ـ علي بن عمر بن ادريس الثاني.
8 ـ يحيى بن القاسم بن ادريس الثاني.
9 ـ يحيى بن ادريس بن عمر بن ادريس الثاني.
10 ـ الحسن الحجام بن محمد بن القاسم بن ادريس الثاني.
سياسة الادارسة ازاء العباسيين:
عرفت سياسة الادارسة ازاء العباسيين بالعداء بالرغم الانتماء المشترك بينهما الى البيت الهاشمي وسبب ذلك العداء يرجع الى ان كل منهما يعتبر نفسه اهلاً للخلافة الاسلامية وكذلك التنكيل والقتل الذي طال البيت العلوي من قبل العباسيين اخذ الادارسة بالتفكير بالانتقام لماحل بالبيت العلوي من مجازر على ايدي ابناء عمومتهم العباسيين. كذلك مشاركة العلويين في الثورة على الدولة الاموية والقضاء عليها سنة (132) هـ وبذل الجهد في ازالتها وتنصيب بني العباس انفسهم على الخلافة دون العلويين وابعادهم عن الحكم جعل طموح العلويين يكبر في حقهم بالخلافة.
الطابع الفكري في المغرب يتميز بغياب الصراع المذهبي على عكس الشرق قيام الصراع المذهبي (الشيعي ـ السني) (الاشاعره ـ المعتزله ـ الخوارح...)
وتميز بسيادة مذهب فقهي واحد المشتمل بالمالكية. ظاهرة حب اهل البيت والبيت العلوي الهاشمي عند عموم الناس وهذا من اثارة وبركة دولة الادارسة التي ابتنت على حب اهل البيت.
الانفتاح على اللغة العربية باعتبارها لغة الاسلام مما ادى الى انقراض اللغات المحليه ادى الى التمسك بالاسلام.
ان اشكالية الصراع الفكري القائمة في المغرب العربي هو صراع الاسلام والكفر وليس الصراع المذهبي او القومي. وتميز كذلك الشعب في المغرب العربى باستجابته للدعوة التي ترفع الاسلام شعارا لها وعنوانا لحركتها كما في حركه ادريس.
على ضوء القراءة التأريخية لحركة الاسلام والفكر الشيعي في المغرب العربي والظاهر السلمية وقبول الميول الشيعية بحب اهل البيت (عليهم السلام) واحترامهم منذ حركة الادارسة ودولتهم يمكن ان نجعل هذا نموذجا للتعايش الفكري في العالم الاسلامي. وكذلك التحسس الحاجات الاساسية للمجتمع الاسلامي في المغرب.
ونود الاشارة الى قضية نعتقد، بأهميتها في مؤتمرنا الذي يظهر من عنوانه مشروع حضاري، والقضية هي ان الاساس للوحدة السياسية والفكرية التي يمكن ان تكون منطلقاً لحركة الاسلام السياسية والفكرية بعد تثبيتها واقرارها من قبل دعاة الوحدة منذ مشروع الوحده لجمال الدين والسلطان عبدالحميد وحتى مؤتمرنا هذا قضايا قد كثر الكلام فيها والذي ندعو اليه في اثارتنا هذه ان تكون بحوث تفصيلية تأريخية واجتماعيه ميدانيه يقوم بها العلماء والباحثون والمهتمون وبالتعاون مع الحركات الاسلامية بدراسة تأريخية لكل اقليم من اقاليم العالم الاسلامي ومعرفة الافكار الرائجة التي ساهمت في تشكيل شخصية ذلك الاقليم ثم توجيه خطاباً خاصاً لكل اقليم حسب تاريخه وذهنيته وايمانه بالافكار الوحدوية والخلافية.
وبهذا نرى ان يكون خطابان لمشروع الوحدة احدهما، الخطاب العام الذي تعودنا عليه، والاخر خاص الذي ندعو اليه عبر الدراسات التفصلية.
والحمد لله رب العالمين
[FONT=Arial (Arabic)]
[/FONT]
وكانوا يتطلعون الى وضع جديد عبر الثورات المتتالية التي قاموا بها واهمها ثورة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب في العراق (124)هـ لتصبح هذه الثورة اساساً ومنطلقاً في انقسام الشيعة الى حسنيين تبنوا المذهب الزيدي والى حسينيين (ائمة الشيعة الاثني عشرية).
وعند قيام الدولة العباسية (132) هـ وادى استئثار العباسيين بالخلافة دون العلويين الى تفجير الخلاف بين الطرفين اذ اشتد الصراع بين العباسيين والحسنيين. فنشط الحسنيون في الاعداد للثورة عبر ارسال الدعاة الى اطراف الدولة الاسلامية فكانت المغرب من ضمن تلك الاطراف التي شملها نشاط الزيدية.
كان الدعاة يوفدون من الشرق الى افريقية واول من وصلها من دعاة الزيدية عيسى بن عبدالله الذي انفذه محمد ذي النفس الزكية فأجابه خلق كثير من قبائل البربر ومع ذلك عاد ادراجه الى الشرق ربما خوفا من عيون العباسيين بأفريقية او للمشاركة عن كتب في الثورات الزيدية. وقد بعث محمد ذي النفس الزكية اخاه سليمان الى بلاد المغرب فنزل بتلمسان بعد رحلة طويلة عبر مصر وبلاد النوبة والسودان ويبدو ان الخوف من عيون العباسيين كان وراء تحاشي سليمان اتخاذ الطريق الساحلي المباشر من برقة الى تلمسان. وفي تلمسان اخذ يدعو للحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب بعد مقتل محمد ذي النفس الزكية. وقد احرز نجاحاً ملحوظاً قبل دعوته الى الشرق للمشاركة في ثورة الحسين ضد العباسيين وحل محله ادريس بن عبدالله الذي كان يدعو كذلك لامامة الحسين بن علي لكن مقامه في تلمسان لم يطل حيث اضطر للعودة كذلك الى الشرق للمشاركة في معركة الفخ المشهورة.
إدريس وثورة الفخ:
في سنة 169 هـ ظهر الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب بالمدينة بسبب سوء معاملة عمر بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عمر بن الخطاب عامل المدينة من قبل الهادي للعلويين وبويع الحسين بالخلافة في المدينة واقام بها 11 يوماً ثم سار الى مكة فالتقى مع الجيش العباسي بقيادة سليمان بن المنصور بفخ وهو وادي في طريق مكة يبعد نحو ستة اميال فانهزم العلويون وقتل في هذه الواقعة معظم اصحاب الحسين بن علي بن الحسن وكان قد اشترك في القتال معه ادريس بن عبدالله بن الحسن واخوه يحيى بن عبدالله بن الحسن ونجح ادريس في الافلات مع المنهزمين من بني الحسن فاستتر بعض الوقت والح العباسيون في طلبه.
بعد فشل ثورة الحسين بن علي في وقعة الفخ عاد سليمان اخو محمد ذي النفس الزكية الى تلمسان مرة اخرى يدعو لامامة يحيى بن عبدالله بن الحسن الذي نجح في تأسيس دولة بطبرستان ثم لحق به ادريس بن عبدالله للمرة الثانية من اجل الدعوة لأخيه يحيى كذلك فلما علم بنهايته اقام الدعوة لنفسه.
عندما وصل ادريس بن عبدالله تلمسان للمرة الثانية ومنها انتقل الى طنجة واتصل بزعيم قبيلة أوربة كان يعد العدة من خلال دعوة محكمة وتنظيم دقيق لتأسيس دولة علوية بالمغرب الأقصى دليلنا على ذلك انه ابان رحلته من مكة عبر مصر الى المغرب كان يرافقه مولاه راشد الذي لم يكن اختياره عبثاً اذ نعلم انه ينتمي في نسبه الى قبيلة أوربة وهو امر يتيح لادريس الاتصال باسحاق بن محمود بن عبدالحميد زعيم أوربة لتأسيس الدولة المنشودة وان دور راشد لم يكن مجرد ان يد له الى المغرب ذلك ان ادريس على دراية بمسالك المغرب الذي قدم اليه من قبل كداعية لمحمد ذي النفس الزكية وانما كانت مهمة راشد هي تمهيد الاتصال بين ادريس واسحاق الأوربي لتأسيس دولة بني ادريس.
قيام الدولة الادريسية في المغرب:
عندما نزل ادريس بمدينة وليلي في سنة 172 هـ نزل على اسحاق بن محمود بن عبدالحميد الأوربي امير أوربة وكبيرهم فأجاره واكرمه فاقام عنده زهاء ستة أشهر تمكن خلالها من نشر دعوته وتمكن بفضل فصاحة لسانه وبلاغته من التأثير في نفوس البربر خاصة بعد ان عرفوا قرابته من الرسول (صلى الله عليه وآله) فاجتمعت عليه قبائل أوربة ومغيلة وصدينة وتبعها قبائل زنانة وهي زواوه لواته وسداراته ونفزة ومكناسة وغمازة وبايعوه بالامامة وتمكن ادريس من تأليف جيش كبير غزا به بلاد تامسنا فأفتتح شالة وسائر حصون تامسنا حتى وصل الى تادلا فافتتح حصونها ثم بلغ ماسة وكان اكثر مكان هذه البلاد على دين النصرانية واليهودية والمجوسية ولم يكن الاسلام قد انتشر بعد في انحائها وعاد ادريس بعد هذه الغزوة الى وليلي في نفس السنة (172) هـ فأراح عسكره في محرم (173) هـ ثم خرج للغزو مرة ثانية فغزا حصون فندلاوة وحصون مديونة وبهلونة وقلاع غياثة وبلاد فازاز ثم عاد بعد ذلك الى وليلي فدخلها في منتصف جمادي الآخرة سنه (173) هـ واقام بوليلي بقية شهر جمادي الآخرة ونصف رجب التالي ريثما استراح جنده ثم خرج في منتصف رجب برسم غزو مدينة تلمسان ومحاربة من بها من قبائل مغراوة وبني يفرن الخوارج فحاصرها فخرج اليه صاحبها محمد بن خزر الزناتي مستأمناً وبايعه وبايعته قبائل البربر فقبل ادريس بيعتهم ودخل تلمسان وبنى فيها مسجداً ثم عاد الى وليلي وعلى هذا النحو تمكن ادريس من اقامة دولة قوية بالمغرب الاقصى ووضع دستورها وقانونها ضمن رسالة له نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل النصر لمن اطاعه وعاقبة السوء لمن عصاه ولا اله الا الله المتفرد بالوحدانية الدال على ذلك بما اظهر من عجيب حكمته ولطف تدبيره الذي لا يدرك الا اعلامه وصلى الله على محمد عبده ورسوله وخيرته من خلقه أحبه وأصطفاه واختاره وارتضاه صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين، اما بعد فاني: ادعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) والى العدل في الرعية والقسم بالسوية ورفع المظالم والاخذ بيد المظلوم واحياء السنة واماتة البدعة وانفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد. واذكروا الله في ملوك غيروا وللامان خفروا ولعهد الله وميثاقه نقضوا ولبني نبيه قتلوا، واذكركم الله في ارامل احتقرت وحدود عطلت وفي دماء بغير حق سفكت، فقد نبذوا الكتاب والاسلام فلم يبق من الاسلام الا اسمه ولا من القرآن الا رسمه. واعلموا عباد الله ان مما اوجب الله على اهل طاعته المجاهزة لاهل عداوته ومعصيته باليد واللسان فباللسان الدعاء الى الله بالموعظة الحسنة والنصيحة والحرص على طاعة الله والتوبة عن الذنوب بعد الانابة والاقلاع والنزوع عما يكرهه الله والتواصي بالحق والصدق والصبر والرحمة والرفق والتناهي عن معاصي الله كلها والتعليم والتقديم لمن استجاب لله ورسوله حتى تنفذ بصائرهم وتكمل وتجتمع كلمتهم وتنتظم فاذا اجتمع منهم من يكون للفساد دافعاً وللظالمين مقاوماً وعلى البغي والعدوان قاهراً. اظهروا دعوتهم وندبوا العباد الى طاعة ربهم ودافعوا اهل الجور على ارتكاب ما حرم الله عليهم وحالوا بين اهل المعاصي وبين العمل بها فان في معصية الله تلفاً لمن ركبها واهلاكاً لمن عمل بها. ولا يؤيسنّكم من علو الحق واضطهاده قلة انصاره فان في ما بدا من وحدة النبي (صلى الله عليه وآله) والانبياء الداعيين الى الله قبله وتكثيره اياهم بعد القلة واعزازهم بعد الذلة دليلا بيناً وبرهاناً واضحاً قال الله عز وجل: (ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة) وقال تعالى: (ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز).
البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان)، (ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي).
كما مدحهم واثنى عليهم كما يقول: (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، وقال عز وجل: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض).
وفرض الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واضافه الى الايمان والاقرار لمعرفته وامر بالجهاد عليه والدعاء اليه، قال تعالى: «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق».
وفرض قتال المعاندين على الحق والمعتدين عليه وعلى من آمن به وصدق بكتابه حتى يعود اليه ويفيء كما فرض قتال من كفر به وصد عنه حتى يؤمن به ويعترف بشرائعه قال تعالى: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله فان فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ان الله يحب المقسطين).
فهذا عهد الله اليكم وميثاقه عليكم بالتعاون على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان فرضاً من الله واجباً وحكماً لازماً واين من الله تذهبون؟ وانى تؤفكون؟
وقد خانت جبابرة في الآفاق شرقاً وغرباً واظهروا الفساد وامتلأت الارض ظلماً وجوراً فليس للناس ملجأ ولا لهم عند اعداءهم حسن رجاء فعسى ان تكونوا معاشر اخواننا من البربر اليد الحاصدة للظلم والجور وانصار الكتاب والسنة القائميين بحق المظلومين من ذرية النبيين فكونوا عندالله بمنزلة من جاهد من المرسلين ونصر الله مع النبيين...
واعلموا معاشر البربر اني اتيتكم وانا المظلوم الملهوف الطريد الشريد الخائف الموتور كثر واتره وجده واهلوه فاجيبوا داعي الله فقد دعاكم الى الله فان الله عز وجل يقول: «ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الارض وليس له من دونه اوليا اعذنا الله واياكم من الضلال واهدنا واياكم الى سبيل الرشاد.
وانا ادريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورسول الله وعلي بن ابي طالب جدّاي وحمزه سيدالشهداء وجعفر الطيار في الجنة عمّاي وخديجة الصديقة وفاطمة بنت اسد الشفيقة جدّتاي وفاطمة بنت رسول (صلى الله عليه وآله) وفاطمة بنت الحسين سيد ذراري النبيين امّاي والحسن والحسين ابنا رسول (صلى الله عليه وآله) ابوي ومحمد وابراهيم ابنا عبدالله المهدي والزاكي أخوي.
هذه دعوتي العادلة غير الجائرة فمن اجابني فله ما لي وعليه ما عليّ ومن أبى فحظه أخطأ وسيرى ذلك عالم الغيب والشهادة اني لم اسفك له دماً ولا استحلل محرماً ولا مالاً واستشهدك يا اكبر الشاهدين واستشهد جبريل وميكائيل اني اول من أجاب واناب اللهم لبيك مزجي السحاب وهازم الاحزاب مصير الجبال سرابا بعد ان كانت صماً صلاباً اسألك النصر لولد نبيك انك على كل شىء قدير والسلام وصلى الله على محمد وآله.
من خلال مضامين رسالة ادريس الى قبائل البربر اكد على قضايا اساسية تخص المسلم والقائد الاسلامي الملتزم وهي الدعوة الى كتاب الله وسنة نبيه واقامة العدل واحياء السنة واماتة البدعة.
كذلك اشار الى الواقع السياسي وسيرة الحكام في مخالفتهم لكتاب الله وسنة نبيه وقتلهم الابرياء. تم وجه نصائح تربويه وسياسية لاتباعه واشياعه يظهر فيما سعة افقه الاسلامي والشعور بالمسؤولية اتجاه الأمة بمختلف تياراتها ومذاهبها ونبه على قضايا مشتركة يستطيع من خلالها استقطاب الأمة.
ثم يفصح عن هويته ونسبه المحمدي العلوي الفاطمي الذي كان عاملاً اساسياً في التفاف الناس حوله.
بعد حركته الواسعة بين القبائل واعلان افكاره وآرائه واهدافه وهويته ونسبه استجابت له القبائل والطوائف وبايعته على نصرته والقتال دونه وبادر بدوره باعلان دولة اسلامية شيعية في المغرب التي تعتبر اول دولة شيعية في تأريخ المغرب العربي، اقلقت الدولة العباسية في بغداد وخشت انفصال المغرب عن مركز الدولة ووقوعه بيد البيت العلوي الذي لم تخمد ثوراته بعد لذا جد هارون الرشيد في القضاء على دولة ادريس الفتية بمختلف الوسائل بتجيش الجيوش ودس العيون والمتأمرين اذ ينقل المؤرخون محاولات هارون الرشيد المتكررة، ذكر الدكتور السيد عبدالعزيز سالم في كتابه المغرب الكبير: بعد ان تمكن ادريس من اقامة امارة قوية بالمغرب الاقصى واتصل بالرشيد ما بلغه ادريس في المغرب من دخول البربر في طاعته وافتتاحه مدن المغرب الاقصى بسيفه وابلغ حزمه وقوته فعظم عليه الامره وخاف ان يقضي الادارسة بفضل دعوتهم على النفوذ العباسي في افريقيه وطرابلس كما خاف ان يمتد نفوذهم الى مصر ولا شك ان اصطناع ادريس بن عبدالله بن الحسن لسياسة الغزو المسلح في نواحي تامسنا وتادلا وتلمسان يعبر عن رغبته في التوسع ومد نفوذه على المغرب كله. وكان لذلك صدى عميق في المشرق الاسلامي واصبح الخليفة العباسي قلقاً على مصير المغرب الاسلامي ومصر ففكر في اللجوء الى السيف في القضاء على الدولة الادريسية الناشئة ولكن الامر لم يكن من السهل على الخلافة الى هذا الحد فالنفوذ العباسي الفعلي لم يكن يتجاوز حدود مصر الغربية فاضطر الرشيد الى استشارة يحيى بن خالد البرمكي واخبره بامر ادريس واستشاره فيه وقال له: انه ولد علي بن ابي طالب وابن فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله) وقد قوى سلطانه وكثرت جيوشه وعلا شأنه واشتهر امره واسمه وفتح مدينة تلمسان وهو باب افريقيه ومن ملك الباب يوشك ان يدخل الدار وقد عزمت ان ابعث له جيشاً عظيماً لقتاله ثم اني فكرت في بعد البلاد وطول المسافة وتنائي المغرب عن المشرق ولا طاقة لجيوش العراق على الوصول الى السوس من ارض المغرب فرجعت عن ذلك وقد هالني امره فاشر عليَّ برأيك فيه. فأشار عليه يحيى بان يبعث الى ادريس رجلا تتوفر فيه صفات الذكاء والمكر والدهاء مع البلاغة والجرأة ليغتاله ووقع اختيار يحيى على سليمان ابن جرير ويعرف بالشماخ وكان هذا الرجل من اهل الشجاعة والدهاء والفصاحة فاخبره يحيى بالمهمة التي يعهد اليه بها، ووعده برفعة المنزلة والصلات السنية واعطاه اموالاً جزيلة وتحفاً مستطرفة وجهزه بما يحتاج اليه واعطاه قارورة فيها غالية مسمومة ثم وجه مع رجلا يثق بشجاعته فانطلق سليمان مع صاحبه من بغداد وهو يتظاهر بالطب وما زال يجد في السفر حتى وصل الى وليلي فاتصل بادريس فسأله عن اسمه ووطنه وسبب قدومه الى المغرب فذكر له انه من بعض موالي ابيه وانه اتصل به خبرة فأتاه برسم خدمته بسبب محبته لأهل البيت فأنس اليه ادريس وستر به واتخذه صاحباً ونديماً لا يجلس الامعه ولا يأكل الا اذا اكل معه اذ كان ادريس في هذا البلد البربري يحن الى مجالسة العرب ومحادثتهم وكان سليمان هذا قد ابدى من العلم والأدب والبلاغة والجدال ما جعل ادريس يرفعه الى تلك المنزلة. واخذ سليمان الشماخ يترصد فرصة لاغتيال ادريس بالسم فلم يتهأ له ذلك اذ كان راشد لا يفارقه وظل سليمان منتظراً الى ان وأتته الفرصة اخيراً غياب راشد ذات يوم في بعض شؤونه فدخل سليمان بن جرير على المولى ادريس فألقاه وحده فجلس بين يديه على عادته فتحدث معه مليا فلم ير لراشد اثراً فانتهز الفرصة واغتنم الخلوة فقال: يا سيدي جعلت فداك اني جئت من المشرق بقارورة طيب اتطيب بها ثم اني رأيت هذه البلاد ليس فيها طيب فرأيت ان الامام اولى بها مني فخذها تتطيب بها فقد آثرتك على نفسي وهو من بعض ما يجب لك عليّ ثم اخرجها من وعاء ووضعها بين يديه فشكره ادريس على ذلك ثم اخذ القارة وشمها وتحصل بمراده منه فتمت حيلته فيه وجعل يده في الارض وخرج كأنه يريد قضاء حاجة الانسان فسار الى منزله وركب فرساً له من عتاق الخيل وسباقتها كان قد اعدها لذلك وخرج من مدينة وليلي يطلب النجاة وكانت القارورة مسمومة فلما انتشق ادريس الطيب صعد السم الى خيشومه وانتهى الى دماغه فغشى عليه وسقط بالارض على وجهه لا يفهم ولا يعقل ولا يعلم احد ما اصابه وقضى ادريس في غشيته الى عشى النهار فتوفي في مستهل ربيع الآخر من سنة 177 هـ. وانتبه راشد مولى ادريس الى غياب الشماخ فعلم انه سمه وكان سليمان الشماخ وصاحبه قد قطعا على فرسيهما مسافة طويلة فركب راشد في طلبه مع جماعة من اصحابه حتى ادركه بوادي ملويه فضربه بسيفه ضربتين قطع بهما يده ولكنه لم يستطع ان يجهز عليه ونجح الشماخ في عبور الوالدي واحتمى في البربر فأمن الشماخ من مطاردة راشد وعصب جراحه ووصل الى بغداد فولاه الرشيد بريد مصر.
دولة الادارسة بعد اغتيال ادريس:
عند اغتيال ادريس لم يكن لديه ولد يخلفه من بعده لكنه ترك جارية له من جارياته اسمها كنزه حاملاً في السابع من اشهر حملها فجمع راشد قبائل البربر ما كان من امر هذه الجارية فقالوا له: ايها الشيخ المبارك تقوم بأمرنا كما كان ادريس يفعل فينا حتى تضع الجارية فان وضعت غلاماً ربيناه وبايعناه تبركاً بأهل بيت النبوة وذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان كانت جارية نظرنا لأنفسنا فقام راشد بأمرهم حتى وضعت كنزة وكان غلاما أشبه الناس بأبيه ادريس فأخرجه راشد الى رؤساء البربر فاعجبوا من شبهه الكبير بأبيه فقالوا: هذا ادريس كأنه لم يمت فسمي لذلك باسم أبيه وقام راشد مولاه بأمره وكفله الى ان فطن وشب فاحسن تأديبه وأقرأه القرآن واحفظه اياه ولم يتجاوز من العمر ثمان سنوات ثم علمه السنة والفقة واشعار العرب وايامهم وسير الملوك ثم دربه على ركوب الخيل والمصاولة والمجاورة واحكام الرماية بالسهام ولما تم ادريس من العمر عشر سنوات جدد له راشد البيعة بجامع وليلي في شهر ربيع الاول سنة (186) هـ.
ظل راشد وصياً على ادريس الثاني حتى اغتيال راشد ثم آلت الوصاية على ادريس الثاني الى عربي يدعى ابوخالد يزيد بن الياس العبدي حتى شب ادريس الثاني عن الطوق وباشر الحكم بنفسه دون معارضة احد مما يدلل على ان ذلك يعتبر من سمات قوة الدولة واستمرارها ووجودها وقوتها بغياب ادريس الاول.
ادريس الثاني:
استقام امر المغرب لأدريس بن ادريس وتوطد ملكه وعظم سلطانه وكثرت جيوشه واتباعه ووفدت عليه الوفود من البلدان وقصد الناس حضرته من كل صقع ومكان فاستمر بقية سنة (188) هـ يستقبل الوفود ويبذل الاموال ويستميل الرؤساء والاقيال ولما دخلت سنة (189) هـ وفدت عليه وفود العرب من افريقيه والاندلس نازعين اليه وملتفين عليه فسرا ادريس بوفادتهم واحسن صلتهم فلما كثرت الوفود من العرب وغيرهم على ادريس وضاقت بهم مدينة وليلي اراد ان يبني لنفسه مدينةً يسكنها هو وخاصته ووجوه دولته وبعد بحث طويل على بقعة مناسبة تفي بالغرض المطلوب انتهى الى مدينة فاس ولما فرغ ادريس الثاني من بناء مدينة فاس وانتقل اليها بمجلسه واستوطنها بحاشيته وارباب دولته واتخذها دار ملكه واقام بها سنة (197) هـ ثم خرج غازيا بلاد المصامدة فانتهى اليها واستولى عليها ودخل مدينة نفيس ومدينة اغمات وفتح سائر بلاد المصامدة وعاد الى فاس فأقام بها سنة (199) هـ وفيها خرج في المحرم برسم غزو قبائل نغزه من اهل المغرب الاوسط ومن بقي هناك على دين الخارجية من البربر فسار حتى غلب عليهم ودخل مدينة تلمسان فنظر في احوالها واصلح سورها وجامعها واقام بها ثلاث سنين ثم رجع الى مدينة فاس. وقد انتظمت لادريس الثاني كلمة البربر وزناته ومما دعوة الخوارج منهم واقتطع المغربيين من دعوة العباسيين من لدن السوس الاقصى الى وادي شلف واستمر بدار ملكه من فاس ساكناً، الى ان توفاه الله ثاني جمادي الاخرى سنه (213) هـ وعمره نحو ست وثلاثون سنه وقيل في سبب وفاته اكل عنباً فشرق بحبة منه فمات وخلف من الولد اثنى عشر ذكراً وقيل انه توفي مسموما ودفن على حد قول المؤرخين في مدينة وليلي وذكر بعضهم انه دفن في مدينة فاس في مسجد الشرفاء ازاء الجدار الشرقي منه وقد أنشأ في ذلك بعض الشعراء:
منازل اهل الله آل رسوله فاحبب بهم اهلاً واحبب بهم مغنى
مدينة ادريس بن ادريس التي بها قبره نار وقبره مبنى
محمد بن ادريس:
لما توفي ادريس الثاني ابن ادريس قام الامر بعده ابنه محمد بعهد منه اليه، واوصته جدته كنزة ان يشرك معه اخوته في سلطانه فيقسم دولته الى اعمال يتولاها اخوته فولى اخاه القاسم سبته وطنجه وقلعه حجر النسر وبكسره وتيطاون وما يلحق بهذه المدن من بلاد وقبائل واختص اخاه عمرا ببلاد صنهاجه الهبط وغمارة وولي داود بلاد هوارة وتسول وتازى وما بينهما من قبائل مكناسة وغياثة، اما عبدالله فولاه انجات وبلد نفيس وجبال المصامدة وبلاد لمطة والسوس الاقصى وولي ـ عيسى على آحيلا والعرائش وبلاد زواغه وخص عيسى بشالة وسالا وآزمور وتامسا وبرغواطة وخص احمد بمدينة مكناسة ومدينة تادلا وما بينهما من بلاد فازاز وولي حمزه على وليلي واعمالها وابقى تلمسان لابن عمه سليمان بن عبدالله، اما الباقون فقد ابقاهم في كفالة جدته كنزة لصغر اعمارهم عن الولاية اما هو فقد اكتفى بحاضرة فاس.
ان كثرة القبائل انذاك في المغرب لا يمكن السيطرة عليها من خلال الحكومة المركزية المتمثلة في الخليفة لذا كان هدف السياسة الجديدة في دولة الادارسة، تقسيم الحكم والولايات هو تقوية الاسرة الادريسية بأن تكون الولايات في ايدي افراد تلك الاسرة وقد ادى ذلك الى وضع حد لصراع القبائل حول المناصب في تلك الولايات والثاني الهيمنة التامة من قبل الأسرة الادريسية على كل المناصب وبالتالي تقويه الدولة.
انتهت فترة حكم محمد بن ادريس الثاني اثر وفاته، بمدينة فاس في ربيع الثاني سنه (221) هـ بعد أن عهد بالامر لابنه علي بن محمد المعروف بحيده.
هذا تسلسل لملوك دولة الادارسة:
1 ـ ادريس الاول بن عبدالله بن الحسن الثاني بن الحسن بن علي بن ابي طالب.
2 ـ ادريس الثاني بن ادريس الاول.
3 ـ محمد بن ادريس الثاني.
4 ـ علي بن محمد بن ادريس الثاني.
5 ـ يحيى بن علي بن محمد بن ادريس الثاني.
6 ـ يحيى بن يحيى بن علي بن محمد بن ادريس الثاني.
7 ـ علي بن عمر بن ادريس الثاني.
8 ـ يحيى بن القاسم بن ادريس الثاني.
9 ـ يحيى بن ادريس بن عمر بن ادريس الثاني.
10 ـ الحسن الحجام بن محمد بن القاسم بن ادريس الثاني.
سياسة الادارسة ازاء العباسيين:
عرفت سياسة الادارسة ازاء العباسيين بالعداء بالرغم الانتماء المشترك بينهما الى البيت الهاشمي وسبب ذلك العداء يرجع الى ان كل منهما يعتبر نفسه اهلاً للخلافة الاسلامية وكذلك التنكيل والقتل الذي طال البيت العلوي من قبل العباسيين اخذ الادارسة بالتفكير بالانتقام لماحل بالبيت العلوي من مجازر على ايدي ابناء عمومتهم العباسيين. كذلك مشاركة العلويين في الثورة على الدولة الاموية والقضاء عليها سنة (132) هـ وبذل الجهد في ازالتها وتنصيب بني العباس انفسهم على الخلافة دون العلويين وابعادهم عن الحكم جعل طموح العلويين يكبر في حقهم بالخلافة.
«
خاتمة »
الطابع الفكري في المغرب يتميز بغياب الصراع المذهبي على عكس الشرق قيام الصراع المذهبي (الشيعي ـ السني) (الاشاعره ـ المعتزله ـ الخوارح...)
وتميز بسيادة مذهب فقهي واحد المشتمل بالمالكية. ظاهرة حب اهل البيت والبيت العلوي الهاشمي عند عموم الناس وهذا من اثارة وبركة دولة الادارسة التي ابتنت على حب اهل البيت.
الانفتاح على اللغة العربية باعتبارها لغة الاسلام مما ادى الى انقراض اللغات المحليه ادى الى التمسك بالاسلام.
ان اشكالية الصراع الفكري القائمة في المغرب العربي هو صراع الاسلام والكفر وليس الصراع المذهبي او القومي. وتميز كذلك الشعب في المغرب العربى باستجابته للدعوة التي ترفع الاسلام شعارا لها وعنوانا لحركتها كما في حركه ادريس.
على ضوء القراءة التأريخية لحركة الاسلام والفكر الشيعي في المغرب العربي والظاهر السلمية وقبول الميول الشيعية بحب اهل البيت (عليهم السلام) واحترامهم منذ حركة الادارسة ودولتهم يمكن ان نجعل هذا نموذجا للتعايش الفكري في العالم الاسلامي. وكذلك التحسس الحاجات الاساسية للمجتمع الاسلامي في المغرب.
ونود الاشارة الى قضية نعتقد، بأهميتها في مؤتمرنا الذي يظهر من عنوانه مشروع حضاري، والقضية هي ان الاساس للوحدة السياسية والفكرية التي يمكن ان تكون منطلقاً لحركة الاسلام السياسية والفكرية بعد تثبيتها واقرارها من قبل دعاة الوحدة منذ مشروع الوحده لجمال الدين والسلطان عبدالحميد وحتى مؤتمرنا هذا قضايا قد كثر الكلام فيها والذي ندعو اليه في اثارتنا هذه ان تكون بحوث تفصيلية تأريخية واجتماعيه ميدانيه يقوم بها العلماء والباحثون والمهتمون وبالتعاون مع الحركات الاسلامية بدراسة تأريخية لكل اقليم من اقاليم العالم الاسلامي ومعرفة الافكار الرائجة التي ساهمت في تشكيل شخصية ذلك الاقليم ثم توجيه خطاباً خاصاً لكل اقليم حسب تاريخه وذهنيته وايمانه بالافكار الوحدوية والخلافية.
وبهذا نرى ان يكون خطابان لمشروع الوحدة احدهما، الخطاب العام الذي تعودنا عليه، والاخر خاص الذي ندعو اليه عبر الدراسات التفصلية.
والحمد لله رب العالمين
[FONT=Arial (Arabic)]
[/FONT]