الدوله الفاطميه في مصر

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

ali333

:: عضو منتسِب ::
إنضم
13 أكتوبر 2007
المشاركات
28
نقاط التفاعل
0
النقاط
2
>أصل مؤسس الدولة
من الواضح إن الأقوال و المزاعم التي كانت بجملتها تتصاعد في كل مكان، و كلها تحمل الشك بانتساب أسرة عبيد الله المهدي، للأمام علي بن أبي طالب(ع) و زوجته السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي الكريم محمد(ص)، و التي تسمى قادة هذه الدولة باسمها، و لعل فترة التستر في مدينة (السلمية) في سوريا هي التي أسدلت هذا الستار من الشك على الحقيقة، و أوجدت ذلك الواقع الرهيب من المزاعم و من المعلوم إن الشيعة انقسمت بعد الأمام المعصوم السادس جعفر بن محمد الصادق(ع)، إلى إسماعيليين (نسبة إلى ولده الأكبر إسماعيل)، و موسويين (نسبة إلى ولده الأصغر موسى الكاظم)، و قد اتخذ الاسماعيليون الذين ينتسب إليهم الفاطميون زمام المبادرة، و وقفوا بصمود و عناد بوجه الخلفاء العباسيين و اتباعهم، يقارعونهم بأساليب عديدة.
و حين نجح عبيد الله المهدي في الهجرة و الوصول بسلام إلى بلاد المغرب، و وجد أمنه فيها، اقتنع بأنه آن الأوان لدحض تلك المزاعم و الأقوال المغرضه التي تشكك بنسبه، فأعلن بوضوح عن أصله من كونه ينحدر من سلالة أمير المؤمنين الأمام علي بن أبي طالب، و من فاطمة بنت الرسول الكريم محمد(ص) مباشرة، و في هذا ما يميزه عن الفروع العلوية الأخرى المنحدرة من علي(ع) و زوجاته ـ غير فاطمة.
و الجدير ذكره هنا إن عبيد الله كان قد ولد في (السلمية) في سوريا سنة 259 هـ، و مات و دفن في (المهدية) عاصمة دولته سنة 322 هـ عن عمر بلغ 63 عاما، أما مدة خلافته فهي 25 عاما (297 ـ 322هـ
يعتبر الأسماعيليون المستعلييون (البهرة) بفرعيهم السليماني و الداؤدي و هكذا الدروز ـ عبيد الله المهدي إماما ـ مستودعا ـ أي بمعنى إماما وكيلا أو وصيا أو نائبا للأمام الأصيل لفترة زمنية محدودة، و ليس له صلاحيته توريث الأمامه لأحد من أولاده، فمثله كمثل (الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب) عليهما السلام.
بينما يعتبره الأسماعيليون النزاريون إماما مستقرا ـ و صاحب نص ثابت، فهو كالأمام ( الحسين بن علي بن أبي طالب) عليهما السلام، له صلاحية توريث الأمامة لمن يقع إختياره عليه من أولاده.
بدايات نشر الدعوة الفاطمية:
من المعلوم أن الأئمة (العلويين ـ الاسماعيليين) الذين اتخذوا من (السلمية) في سوريا قاعدة لهم، و منطلقا لنشاطاتهم الفكرية و السياسية، بعد فرارهم من العراق و بلاد فارس (إيران) الذي تم تحت تأثير ضغط العباسيين. و من الواضح أن نزول هؤلاء الأئمة في هذه البقعة العزلاء البعيدة عن انظار خلفاء بغداد، سهل لهم الأسباب، و مهد أمامهم الطرق، لأطلاق دعاتهم و عمالهم بحرية و أمان إلى الأقطار العربية و الإسلامية البعيدة و القريبة على السواء للتبشير بأفكارهم و نشر مبادئ دعوتهم (الدينية) التي من أولى مبادئها الوصول إلى (الخلافة الإسلامية).
و ثمة عوامل عديدة ساعدت على إنجاح الفكرة و الدعوة الفاطمية على يد رائدها عبيد الله المهدي و بعون و دعم من جانب نصيره أبو عبد الله الشيعي، فالناس في هذه الأرجاء كانوا قد وصلوا إلى مرحلة قصوى من القلق و التبرم من حياة الظلم و التعسف و الفساد و الأستئثار و اهمال مطاليب الأمة، و هضمها من جانب حكومة الخلافة العباسية المتمركزه في بغداد، و من يحيط بها من الأعوان و الحلفاء.
و هكذا إنضوى تحت لواء الدعاة الفاطميين آلاف من الناس و الجماعات و القبائل و فئات اخرى من أجزاء عديدة من العالم العربي الإسلامي.
برع الأئمة الاسماعيليون في إختراع أساليب الدعاية و نشر الأفكار و التعاليم، و كانت أولى طلائع تلك الجهود، حملة الدعاة الفاطميين الذين راحوا يجوبون البلدان لتثبيت دعوتهم، و لا سيما في مواسم الحج في مكة و المدينة، و أيضاً اليمن و العراق و بلدان مصر و المغرب، و من هؤلاء الدعاة البارزين (الحلواني و أبو سفيان) و (رستم بن الحسين بن فرج بن حوشب) و الداعي الكبير (الحسين الأهوازي) الذي شاءت الأقدار أن يتعرف إلى (الحسن بن أحمد بن زكريا) الذي عُرف بالتاريخ فيما بعد بـ (أبو عبد الله الشيعي)، و هذا يمني الأصل كان يعيش في بغداد، و أن يقيم الاهوازي علاقة وثيقة معه، و من ثم يرسله إلى اليمن للألتحاق بالداعي ابن حوشب للعمل معه في اليمن و معاونته في نشر الفكر الفاطمي.
بعد ما شعر عبيد الله المهدي بعدم امكانية بقاءه في السلمية، إثر إنقلاب حلفاءه القرامطة عليه و تحولهم إلى عدو لدود يبيت له العداوة و القتل، و كذا الحال بالنسبة للحكم العباسي، و مطاردته له للقبض عليه قرر الخروج من السلمية يرافقه و لي العهد (القائم بأمر الله) و بعض القريبين له، حيث انتقل إلى مدينة حماه، ثم خرج باتجاه الشام في رحلة شاقة و طويلة، فقصد حوران ثم الأردن، فنابلس، و بينما هو في مدينة الرملة متخفيا عن أعين العباسيين، وصلته أبناء المذبحة الدامية التي حلت بأهله و انصاره ممن تركهم في مدينة السلمية حين اجتياحها من قبل جيش القرامطة بقيادة (يحيى بن زكرويه) إلا أن هذا الموقف العصيب لم يمنع عبيد الله المهدي من مواصلة رحلته من أجل الغاية الكبرى التي خرج لأجلها، فخرج من الرملة تحت جنح الظلام باتجاه الاراضي المصرية، و من مصر واصل سيره إلى ليبيا ثم تونس، بعدها توغل في أراضي المغرب الأقصى حتى وصل (سجلماسة)، و هناك قبض عليه أميرها (أليسع بن مدرار) و اودعه السجن و كان ذلك سنة 296 هـ.
و بينما كان أبو عبد الله الشيعي يتابع فتوحاته في المغرب الاوسط، جاءه خبر ما وقع للمهدي في سجلماسه، و لذا تظاهر بعدم المبالاة في بادئ الامر، فيما عزم على وضع خطة بنفسه لانقاذه، و هو ما تم بالفعل بعد أشهر وجيزة، و نجح في ذلك حيث كانت قواته تزحف لاحتلال سجلماسه، إذ سقطت هذه المدينة بيد أبو عبد الله و فر حاكمها (أليسع)، و كان أولى المهام التي وضعها القائد الفاطمي الفاتح على جدول مخططه هو التوجه إلى سجن بني مدرار، و تحرير الأمام الفاطمي المعتقل عبيد الله المهدي.
أخرج أبو عبد الله الشيعي (عبيد الله المهدي) من سجن بني مدرار أصحاب سجلماسة، مجللا بالنصر، و جاء به إلى قصر المدرايين، و أجلسه في مقام الخلافة، و اوعز إلى قواد ألوية الجيش و رؤساء الكتائب بمبايعته و المناداة به خليفة للمسلمين، و اميرا للمؤمنين. و قد تم ذلك في جو زاخر بأفراح النصر، و استغرقت احتفالات المبايعة عدة أيام، و كان ذلك في مطلع شهر رجب 296 هـ، و شملت شيوخ القبائل و العلماء و رجالات الدين و سائر طبقات الناس.
و بعد أن تم ذلك إنتقل إلى مدينة (رقادة) سنة 297، فبايعه فريق آخر من الناس، و كان يقف بين يديه قائده الكبير و مستشاره الأول أبو عبد الله الشيعي و رؤساء كتامة، و هكذا أقام في قصر الأمارة، مبتدأ سلطة حكم دولة الخلافة الإسلامية الفاطمية
لم تكن دولة الخلافة الفاطمية في المغرب، تظهر على مسرح الدنيا العربية و الإسلامية، أو تعيش طويلا لو لا أن يكون من مبادئها التنظيم و الأدارة، و إقامة العدل، و احلال النظام، و قد وضعوا منذ بادئ الأمر نصب أعينهم مبدأ منافسة العباسيين و إنهاء حالات الظلم و التعسف و الفساد التي تسببوا بها، و هكذا بالنسبة للأمويين، فوضعوا القواعد و أقاموا الأعمدة، و تطلعوا إلى الديار المصرية التي هي مهوى افئدتهم، فأرسلوا إليها الدعاة للقيام بالدعوة و كسب الأنصار و المؤيدين، و كان ذلك في وقت مبكر من ظهور دولتهم. و قد نجحوا على هذا الصعيد، بعد ذلك راحت القيادة الفاطمية تمهد للعمل العسكري بغية فتح مصر على يدها و ضمها إلى دولتها، إذ تم ارسال ثلاث حملات عسكرية إلى الديار المصرية في عهد .
ـ الحملة الاولى: كانت في سنة 301هـ، و كان يقود الجيش الفاطمي القائد الكتامي (جناسه ابن يوسف) و قد نجح في احتلال الاسكندرية و الوجه البحري، إلا أن جيش الخليفة العباسي المقتدر بقيادة (مؤنس الخادم) سرعان ما استردهما من الفاطميين و أرغم جناسه على التراجع، و ابدى قطاع واسع من الشعب المصري موقفا ميالا لصالح الفاطميين بغية التخلص من تسلط العباسيين.
ب ـ الحملة الثانية: تحت سنة 307 هـ من قبل الاسطول البحري الفاطمي بقيادة ولي العهد (القائم بأمر الله)، و تمكن الفاطميون من احتلال الاسكندرية و الجيزة و الوجه البحري، إلا أن جيش الخليفة العباسي بقيادة مؤنس الخادم، تمكن ثانية من إلحاق الهزيمة بالجيش الفاطمي و اجباره على التراجع.
ج ـ الحملة الثالثة: تمت ما بين سنة 321 ـ 324، و كان يقود الجيش الفاطمي الكبير هذه المرة القائد الكتامي (حبش بن أحمد) و في هذه المرة نجح الفاطميون في احتلال معظم أرجاء مصر و ضمها لدولتهم، مما دعا زعماء البلاد و الشيوخ إلى المثول للحكم الفاطمي و إعلان الطاعة و الولاء، و قد اتفقوا على توقيع معاهدة صلح اعتبروا فيه أنفسهم من رعايا الدولة الفاطمية.
و مع ضم مصر، أصبحت الدولة الفاطمية تشتمل على ثلاث ولايات: هي مصر وتعتبر مركز الخلافة العامة، و الشام و أفريقية، و نواب الخليفة فيها يعرفون بـ (الولاة)، و للشام واليان هما والي دمشق و والي الرملة و يشمل حكمه سائر فلسطين، و كان القطر المصري ينقسم إلى اربعة اقاليم أو ولايات هي: ولاية قوص و هي أعظمها، و كانت تشمل الوجه القبلي كله، و الشرقية و الغربية و الأسكندرية و هي أقلها. و أما أفريقية فقد لبثت مدى حين تابعة للخلافة، ثم إستقلت بشؤونها فيما بعد. و أستأثر الأمراء البربر بالسلطان فيها، و لبثت صقلية كذلك تابعه من الناحية الدينية للخلافة عصرا حتى انتهت بالسقوط في يد الفرنج النورمان في سنة 462 هـ (1072 م)، و كانت أعمال الحرمين و اليمن أيضا تابعة للخلافة الفاطمية من الوجهة المذهبية، يُدعى فيها الخليفة الفاطمي، و لكنها كانت مستقلة بشؤونها.
اتجهت سياسة الفاطميين بعد أن امتد نفوذهم إلى مصر في عهد المعز لدين الله الفاطمي سنة 358 هـ / 969م إلى إستعادة المدن التي استولى عليها البيزنطيون في شمال الشام، و لقد كان الفاطميون بعيدي النظر حين أدركوا أن الجيوش البرية وحدها لا تكفي لحماية العالم الإسلامي و انقاذ الوطن العربي، فأنشأوا إسطولا ضخما حمى البلاد من الهجمات البيزنطية ثم دافع عنها بعد ذلك في الحروب الصليبية.
و إلى جانب ذلك فأن الفاطميين وضعوا منذ الساعة الأولى لحكمهم خطة هي أن يقوم هذا الحكم على قواعد ثابتة من العلم و المعرفة، و خططوا كما يقال اليوم لسياسة تعليمية شاملة ترتكز على إنشاء جامعة كبرى، ثم على تفريغ العلماء للعلم، ثم أرسلوا يستدعون العلمــاء من الخارج و قد اشتــد هذا المــنهج و اتسع و قوي بعد إقامة الوحدة بضم البلاد الأخرى إلى مصر، و انشاء القاهرة و اقامة الأزهر.
و قام بتنفيذ هذه السياسة القائد الفاطمي جعفر بن فلاح الذي جهز جيشا كبيرا لأسترداد أنطاكية من الروم، و لكن الحملات الفاطمية التي أرسلت لأجلائهم عنها، فشلت في تحقيق هذه السياسة. و ظلت النزاعات و الغارات العسكرية المتبادلة قائمة بين الدولة الفاطمية و الدولة البيزنطية حتى عام 377هـ / 987م حيث قدمت إلى مصر رسل الامبراطور بارسيل الثاني، تحمل الهدايا للخليفة الفاطمي العزيز، و تطلب عقد الصلح بين الدولتين، و ابرمت اتفاقية للهدنه بينهما إلا إنها سرعان ما انهارت بعد فترة لم تدم طويلا، و ظل الروم البيزنطيون ينتهزون الفرص للنيل من الفاطميين، و تكررت المواجهات المسلحة بين الطرفين، و على الرغم من تتابع انتصارات الفاطميين على البيزنطيين في شمال الشام، فأن القائد الفاطمي برجوان عول على مهادنتهم ليتسنى له التفرغ للقضاء على الفتن الداخلية في مصر، و بعد مراسلات سلمية بين قادة الدولتين إستؤنفت المفاوضات و لما تم الأتفاق على شروط الصلح، انتدب برجوان ارسطيس بطريرك بيت المقدس لمصاحبة السفير البيزنطي لدى مصرف سفره إلى القسطنطنية لعرض هذه الشروط على الامبراطور الرومي و اقرارها منه، فقام ارسطيس بهذه المهمة، و تم بذلك إبرام معاهدة صداقة بين مصر و الدولة البيزنطية تقرر فيها ما يأتي:
تظل الهدنة قائمة بين مصر و الدولة البيزنطية مدة عشر سنوات.
يتمتع المسيحيون الذين يقيمون في أنحاء الدولة الفاطمية بالحرية الدينية، و يسمح لهم بتجديد كنائسهم و بناءها.
يتعهد امبراطور الروم باسيل الثاني بأمداد مصر بما تحتاج إليه من الحبوب.
و رغم معاهدة الصلح هذه ظلت الأجواء المتوترة تحكم العلاقات ما بين الفاطميين و البيزنطيين إلى أن توفي الخليفة الفاطمي العزيز سنة 411 هـ / 1020م و خلفه إبنه الظاهر، الذي تم في عهده ابرام معاهدة صلح جديدة تضمنت الشروط التالية:
أن يسمح للامبراطور البيزنطي بأعادة بناء كنيسة القيامة ببيت المقدس.
أن يسمح لكافة المسيحيين بأعادة بناء الكنائس التي هدمها الحاكم عدا التي حولت إلى جوامع.
أن يعين الامبراطور البيزنطي بطريقا في بيت المقدس.
أن لا يقوم الفاطميون بــأي عمل عدائــي نحو حـــلب، حتى تقـــوم بســـداد الجزية السنوية التي كانت تدفعها للدولة البيزنطية منذ عام 970م.
ألا تمد الدولة الفاطمية يد المساعدة لأي عدو من أعداء الدولة البيزنطية و خاصة أهل صقلية الذين هددوا هذه الدولة و عاثوا في جزر بحر الأرخبيل.
و في مقابل هذه الشروط، يتعهد الأمبراطور بما يأتي:
أن يعمل على ذكر اسم الخليفة الفاطمي في الخطبة في جامع القسطنطنية و المساجد الواقعة داخل حدود الدولة البيزنطية.
أن يعيد بناء جامع القسطنطينية، و كان قد هدم ردا على هدم كنيسة القيامة في عهد الحاكم بأمر الله.
أن يطلق سراح الأسرى المسلمين الذين في قبضة الروم.
أن لا يقدم الامبراطور أية مساعدة لحسان بن مخرج بن الجراح الطائي صاحب الرملة الذي خرج على الخليفة الظاهر الفاطمي.
و في سنة 429هـ / 1027م تجدد ابرام اتفاق صلح جديد بين الخليفة الفاطمي المستنصر بالله و الامبراطور ميخائيل الرابع، بعد تعرض الاتفاق السابق لخروقات كانت سببا في تعكير جو العلاقات بين الدولتين.
كان نظام الحكم في ظل الخلافة الفاطمية، كما كان في سائر الدول الإسلامية الأخرى، في العصور الوسطى، نظاما مطلقا يستأثر فيه الخليفة بجميع السلطات الروحية و الزمنية، و قد سارت الخلافة الفاطمية على هذا النحو منذ قيامها بالمغرب، ثم بعد ذلك منذ قيامها بمصر، فكان الخليفة الفاطمي، هو الدولة، و هو صاحب السلطات المطلق. و صورة الأمور السلطانية تضم الشروح الآتية:
(
إن طاعة الأمام جامعة للملوك و الرعايا، و الرعايا تجمع الأعطاء و الطاعة، و إن الوزير يجمع السياسة، و الجباية، و الجباية جامعة للوزراء و العمال، و أن الملك يجمع الطاعة و السياسة، و العامل يجمع الجباية و الأعطاء و إن الأعطاء جامع للعمال و الرعايا، و أن السياسة مشتركة).
و من هذه الشروح الفلسفية لنظرية الحكم الفاطمية، يتضح إن الأمام هو رئيس الدولة الأعلى، و قد يكون هو الأمام الروحي و الملك الزمني معا، و قد يكون تحت رياسته ملوك آخرون، يدينون له بالطاعة الدينية و الدنيويه، و هو الحاكم المطلق، و من تحته تتدرج السلطات من أعلى إلى أسفل، و أول من يليه من أهل السلطات هو الوزير، و بأسمه و بتوجيهه يزاول سلطاته في الحكم، و يلي الوزير العمال أو حكام الولايات و الثغور، و هؤلاء يزاولون سلطات الحكم على من دونهم من الرعايا، و ليس للرعية شأن و لا قول و لا رأي، و ليس لها أن، تتصل بالعامل أو الوزير أو الملك، إلا بالطاعة المطلقة.
و الخلاصة إنها من الناحية الدستورية (نظرية الحكم المطلق) بل هي تمتاز فوق ذلك، بأن رئيس الدولة الاعلى فيها، و هو الأمام يمتاز بصفات العصمة و القداسة، باعتباره قائم الزمان، و أن قيامه يرجع إلى مشيئة الله.
و من الميزات التي تميزت بها الدولة الفاطمية صبغتها المذهبية العميقة، كما كانت تمتاز بطرافة نظمها السياسية و قد كانت الدولة الفاطمية مبتكرة مجددة في كثير من قواعد الحكم و الأدارة، و في كثير من الرسوم و النظم، و كانت هذه الرسوم و النظم فوق طرافتها الدستورية تطبعها نفس الصبغة الباذخة، التي تطبع الدولة الفاطمية و سائر مظاهرها.
كانت الخلافة الفاطمية خلافة مذهبية (شيعية) شعارها الأمامة الدينية، و كان لهذه الصفة المذهبية أثرها في صوغ كثير من النظم و الرسوم التي اختصت بها. و قد نشأت الدولة الفاطمية في قفار المغرب، دولة عسكرية ساذجة تظللها الصبغة الدينية، فلما اتسع ملكها و عظم سلطانها بأفتتاح مصر و الشام، شعرت بالحاجة إلى التوسع في النظم السياسية و الأدارية، التي يقوم عليها هذا الملك الباذخ، و لم تكتف بالأعتماد على الخطط العسكرية و الدينية و المدنية المعروفة، بل عمدت إلى الأبتكار في تنظيم الاصول و الخطط الدستورية، وفقا لحاجاتها و غاياتها السياسية و المذهبية.
و ليس من المبالغة القول إن ديوان الأنشاء كان أعظم الدواوين قاطبة في إدارة الحكم الفاطمية، و كانت مهمته من أخطر و أدق المهام. ففي دولة كالدولة الفاطمية، لها صبغة مذهبية خاصة، كانت السجلات أو المراسيم تصاغ في أساليب عالية، و كان بث الدعوة المذهبية و عرضها خلال المكاتبات السياسية، يتطلب أرقى و أبلغ الصيغ البيانية.
أما الخطط الدينية فكانت تشمل عدة وظائف خطيرة، أعظمها و أجلها قدرا منصب قاضي القضاة، و منصب الدعاة، و كان قاضي القضاة أعظم زعيم ديني في الدولة، و إليه مرجع الأحكام الشرعية في العبادات و المعاملات و الحدود، و النظر في شؤون السكة (دار الضرب)، و شؤون المساجد و أئمتها و سائر المتصرفين فيها، و كان اختصاصه يشمل مصر و الشام و المغرب و الحرمين، و مركزه العام بالقاهرة.
أما عن المتون الشرعية التي كانت مرجعا للقضــاء في العصر الـــفاطمي، فقـــد كانت تتضمن أساسا متون الفقه الشيعي أو فقه الأمامية الأسماعيلية، و ذلك سواءا في العبادات، أو المعاملات أو الحدود، و كان العلامة الفقيه الشيعي الكبير النعمان بن محمد القيرواني قاضي المعز لدين الله، هو أول من وضع متونا منفصلة في أحكام الفقه الأسماعيلي، لبثت طوال العصر الفاطمي، هي المرجع الأول للقضاء.
من جهة أخرى إتسمت الخلافة الفاطمية على الصعيد الديني بسياسة ثابته، اتسمت بجانب من المرونة، تمثلت في إستمالة أهل السنة و الجماعة، و تمكينهم من إظهار شعائرهم على إختلاف مذاهبهم، و كانت المذاهب السنية المعروفة، الشافعي و مالك و أحمد (بخلاف أبي حنيفه) ظاهرة الشعائر في مملكتهم، و كان مذهب مالك بالأخص ذائعا، و من سأل الحكم به أجيب إلى طلبه.
و قد أنشئت في الخلافة الفاطمية لأول مرة هيئة رسمية خاصة للنظر في شؤون العلوية و المنتسبين إلى آل البيت(ع)، و عرفت هذه الهيئة يومئذ بـ (نقابة الطالبيين)، و كان يتولى النظر عليها واحد من أكبر شيوخهم و أجلهم قدرا، يسهر على صحة الأنساب و اثباتها و رعاية شؤونهم و رعاية مصالحهم، و فيما بعد عرفت هذه الهيئة بأسم (نقابة الأشراف).
كانت الدولة الفاطمية أشد الدول الإسلامية حرصا على أن تطبع الشعب والمجتمع بطابعها الخاص، و أن تصوغ روح الشعب و عقليته و تفكيره و برامجه وفقا لمناهجها و رسومها.
تركزت الأعياد الدينية الرسمية في عهد الدولة الفاطمية، بجملة أعياد خاصه بها شرعت لغايات دينية و سياسية، أما الأعياد العامة، فهي رأس السنة الهجرية، و ليلة المولد النبوي الكريم، و ليلة أول رجب وليلة نصفه، و ليلة أول شعبان و ليلة نصفه، و غرة رمضان، و يوم الفطر، و يوم النحر أو عيد الأضحى، و أما الأعياد المذهبية فهي الأحتفال بمولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، و مولد ولديه الحسن و الحسين، و مولد زوجته السيدة فاطمة الزهراء ابنة النبي(ص)، و هي التي ينتسب إليها الخلفاء الفاطميون، و يوم عاشوراء أو عاشر المحرم، أي اليوم الذي يصادف فيه مقتل الإمام الحسين(ع) في طف كربلاء سنة 61 هـ هذا إلى جانب أعياد مصرية قديمة، كعيد فتح الخليج، و يوم النوروز، و عيد الشهيد.
و كانت الخلافة الفاطمية ترمي بترتيب هذه الرسوم و المناسبات إلى غايتين: الأولى أن تثبت هيبتها الدينية بما تسيغه من الخطورة و الخشوع على بعض المظاهر و الرسوم المذهبية، و الثانية أن تغمر الناس بفيض من الحفلات و المآدب و المواكب الباهرة، و أن تنثر عليها ما استطاعت من دواعي البهجة و المرح، و ذلك لكي تكسب ولاء الناس و عرفانهم و تأييدهم لها.
[FONT=Times New Roman (Arabic)]الحركه العليمه والفكريه في ضل الفاطميين
[/FONT]قامت الدولة الفاطمية بمصر و الحركة العقلية المصرية تشكل طورا من أطوار قوتها، ذلك أن الدولة الأخشيدية التي استخلص الفاطميون منها تراث مصر، كانت نصيرة للعلوم و الآداب، و في ظلها إزدهرت الحركة الفكرية و الأدبية، ونبغ عدة من المفكرين. و الكتاب الممتازين، مثل ابن يونس المحدث و المؤرخ، و الفقيه أبوبكر الحداد، و أبو عمر الكندي المؤرخ، و الأديبين الشاعرين أبو جعفر النحاس و أبو القاسم بن طباطبا الحسيني، و الحسن بن زولاق الفقيه و المؤرخ.
و لما قامت الدولة الفاطمية بمصر ما لبثت الحركة العقلية أن لقيت ملاذها في قيام الجامعة الفاطمية الكبرى، التي تمثلت بـ (الجامع الأزهر) الذي أقيم في البداية ليكون مسجد الدولة الجديدة و منبرها الرسمي، ثم أنشئت فيه منذ عهد العزيز بالله تلك الحلقات الدراسية التي إستحالت فيما بعد إلى جامعة حقة، و كانت الدولة الفاطمية تعني منذ قيامها بناحية معينة من الدراسات الدينية هي الناحية المذهبية، و انشئت (جامعة دار الحكمة) الشهيرة في عهد الحاكم بأمر الله.
و أيضا أنشئ منصب داعي الدعاة ليشرف على بث الدعوة على يد نوابه و نقبائه، و تولي تدريس الأصول الشيعية و فقه آل البيت(ع) منذ البداية، جماعة من الفقهاء الممتازين، و في مقدمتهم بنو النعمان. و أولى الحاكم الفاطمي الحركة العقلية شيئا أو جانبا من رعايته، فأجزل النفقة لجامعة دار الحكمة كما هو بالنسبة للجامع الأزهر، و زودها بخزائن الكتب الجليلة، وعقد مجالس المناظرة للعلماء و الأدباء، و غمرهم بصلاته، و قرب إليه عدة من أقطاب المفكرين و الأدباء، أمثال الكاتب و المؤرخ الكبير محمد بن القاسم بن عاصم شاعر الحاكم و جليسه، و أبي الحسن علي بن محمد الشابشتي الكاتب صاحب الديارات، و قد توفي سنة 390 هـ، و ابن يونس العلامة و الرياضي و الفلكي الشهير و غيرهم.
كما نبغ في مجال علوم الطب عدة من أكابر الأطباء، منهم محمد بن أحمد سعيد التميمي طبيب العزيز بالله، و أبو الفتح منصور بن مقشر النصراني، ثم طبيب ولده الحاكم من بعده.
و ازدهرت الحركة الفكرية المصرية نوعا ما خـــلال النصـــف الأول مـــن القرن الخامس، بـــيد إنها ضعفت في أواخر هذا القرن في عهد المستنصر بالله، و كانت هـــذه الفترة غـــاصة بالمحن و الأحـــداث و الفتن الداخلية و الخارجية، فلم تلـــق الحركة الأدبــية كثــــيرا من الرعاية أو التعضيد، بيد إنها عادت في أوائل القرن السادس فانتعشت، و استمرت على إنتعاشا و قوتها حتى نـــهاية الدولة الفاطمية سنة 567هـ / 1172م.
و في الفترة الأخيرة من عصر الدولة الفاطمية، ازدهرت حركة الكتابة في مجال النثر من حيث براعته وروعة إسلوبه و افتنانه، و تعاقب فيها من ديوان الأنشاء عدة من أئمة البيان الرائع، الذين جعلوا من رسائلهم الحلافية و الديوانية نماذج من الفصاحـــة الباهــرة، و كـــان من هؤلاء أبو الفتوح الدمياطي شيخ القاضي الفاضل، و ابن الخلال.
و من ابرز الفلاسفة الكثيرين الذين تأثروا بالعقائد الشيعية عامة و الفاطمية خاصة أحمد حميد الدين الكرماني فيلسوف الدعوة وحجتها في العراق و صاحب الكتب الفلسفية الفاطمية مثل كتاب راحة العقل و كتاب المصابيح و كتاب الأقوال الذهبية و غيرها، و كذلك المؤيد في الدين و غيره.
و لعل أشهر عالم رياضي شهدته مصر الفاطمية هو الفيلسوف أبو علي محمد بن الحسن الهيثم الذي تضاهي مرتبته العلمية مرتبة اينشتاين في العصر الحديث.
لقد تفرد الفاطميون بانشاء دور الكتب الكبرى في الاسلام و بلغت تلك الدور حداً عجيباً، و اجتمع فيها من امهات الكتب و مصادر العلوم المختلفة. من مآثر الفاطميين التي لا يزال المسلمون يستفيدون منها حتى اليوم جامع الأزهر، و قد شرع القائد الفاطمي جوهر في بناء الأزهر بأمر من المعز عندما شرع في بناء مدينة القاهرة يوم السبت لست بقين من جمادي الأولى سنة 359هـ، و تم بناؤه في التاسع من رمضان سنة 361هـ، ثم جدد فيه العزيز بالله و الحاكم بأمر الله ثم جدده المستنصر بالله و الحافظ لدين الله. و كان هذا المسجد محل رعاية الخلفاء الفاطميين و عنايتهم فلم يقصروا في تجديده و الزيادة فيه، و وقفوا لمؤذنيه و خدمه وسائل نظافته و انارته و فرشه ما هو مذكور في كتب التاريخ.

المصادر

[FONT=Times New Roman (Arabic)]/السيد حسن الامين/ موسوعة دائرة المعارف الشيعيه
الدكتور عارف تامر/الموسوعه التاريخيه الفاطميه
محمد عبدالله عنان/ الحاكم بامر الله وسرار الدعوه الفاطميه
[/FONT]
 
على فكرة خويا على عاصمة الدولة الفاطية في مدينتي انا في المهدية (تونس) وكان بغتو نوريك تضاور نتع الاثار
 
شكرا لمروركم الطيب
تحياتي
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top