بسم الله الرحمن الرحيم
خصم لأمريكا وعدو للعلماء! أليس ثمة فرق؟
د. أكرم حجازي / كاتب وأستاذ جامعي
drakramhijazi@yahii.com
8 / 10 / 2007
لما يكون انقضى من عمرك ستين أو سبعين عاما، فكم بقي لك من العمر كي تعمل لأجله فتستمتع، مثلا، بامرأة أو بأسرة أو بجاه أو منصب؟ ولما تكون أعمى البصر فماذا رأيت من الدنيا غير العمى؟ وكم استمتعت بزخارفها؟ في الحالتين لا شيء يستحق المخاطرة أو العناء. بعض الناس على جهلهم وأميتهم وبساطتهم يكتفي بالقول: نسأل الله حسن الختام، لكن الكثير من العلماء والفقهاء خاصة ممن يجيدون التبرج في اللحى والشوارب والحفحفة على الخيط والمسطرة حتى تخرج لحاهم وكأنها مصممة على الديجيتال يأبى إلا أن يسير في الاتجاه المعاكس وكأن الخلود بانتظاره.
كل الدنيا تقرأ وتشاهد وتسمع عن جهاد في العراق أو مقاومة في أسوأ الأحوال تشنها مجاميع جهادية ضد القوات الأمريكية وحلفائها من منافقين وخونة ومرتدين ورافضة وصفويين، ولا أظن أن أحدا سليم العقل وحسن البصيرة يجادل في حق العراقيين في جهاد القوى المحتلة وغيرها، لكن في الأسابيع القليلة الماضية استفقنا على رسائل وفتاوى ما زالت تداعياتها تتوالي وهي محملة بنقض كل جهاد وكل مقاومة، وكانت فتوى الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي السعودية هي الأبرز في هذا السياق سبقتها رسالة الشيخ سلمان العودة الموجهة إلى أسامة بن لادن. فما هي قصة هذه الفتاوى والرسائل؟ وفي أي سياق يمكن قراءتها؟
أولا: فتوى عبد العزيز آل الشيخ
على موقع البث الإسلامي (http://www.liveislam.net/browsearchive.php?sid=&id=38624) تسجيل صوتي لوقائع خطبة جمعة حول الجهاد في العراق ألقاها الشيخ في جامع الأمير تركي بن عبد الله في 28 / 6 / 2007 م الموافق 12 / 6 / 1428 هـ، وفيها يصف مفتي السعودية المجاهدين في العراق بأنهم ممن قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} (النساء 76)، وخاطب من يذهب منهم إلى العراق بالقول: "تلقفتكم أيدي الظالمين والمجرمين فجعلوكم دروعا أمامهم ليكون الضرب والقتل عليكم وهم آمنون مطمئنون" متسائلا: " أتجاهد مع قوم لا تربطك بهم أي رابطة لا عقديا ولا فكريا ولا سلوكيا؟".
وفي الثاني من الشهر الجاري تناقلت وكالات الأنباء والصحف ما قالت أنه "فتوى" للشيخ عبد العزيز آل الشيخ يحذر فيها "الشباب السعودي من الذهاب إلى الخارج بحجة قصد الجهاد في سبيل الله لأن الأوضاع كانت مضطربة، والأحوال ملتبسة، والرايات غير واضحة"، وبحسب صحيفة الشرق الأوسط فقد " ترتب على عصيان هؤلاء الشباب لولاتهم ولعلمائهم وخروجهم لما يسمى بالجهاد في الخارج مفاسد عظيمة منها:
· عصيان ولي أمرهم، والافتيات عليه، وهذه كبيرة من كبائر الذنوب ... والأدلة في تحريم معصية ولي الأمر كثيرة.
· وجد من بعض الشباب الذين خرجوا لما يظنونه جهادا، خلع بيعة صحيحة منعقدة لولي أمر هذه البلاد الطاهرة بإجماع أهل الحل والعقد، وهذا محرم ومن كبائر الذنوب؛
· وقوعهم فريسة سهلة لكل من أراد الإفساد في الأرض، واستغلال حماستهم حتى جعلوهم أفخاخا متحركة يقتلون أنفسهم، لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية لجهات مشبوهة؛
· استغلالهم من قبل أطراف خارجية، لإحراج هذه البلاد الطاهرة، وإلحاق الضرر والعنت بها، وتسليط الأعداء عليها، وتبرير مطامعهم فيها".
الثابت أن فتاوى الشيخ بهذا الشأن كثيرة، لكن السؤال هو: لماذا أخذت الفتوى هذه المرة حيزا أكبر من حجمها؟ وما الذي يمكن أن نلاحظه لو قمنا بتفكيك الفتوى والملابسات التي رافقتها؟
· فمنذ التاريخ الذي سجلت به الخطبة الأولى وحتى موعد الفتوى الأخيرة ظل الإعلام صامتا، بل أن الوقت طوى حيثيات الخطبة التي لم يتوقف عندها أحد يعتد به إلى أن جاءت الفتوى الأخيرة التي أثارت عاصفة لم يهدأ غبارها حتى هذه اللحظة.
· مفردات الفتوى تتشابه إلى حد كبير مع مفردات الخطبة بالرغم من الفارق الزمني بين الاثنتين. وكأن الخطبة إياها أعيد إخراجها بصيغة فتوى عن سابق تصميم.بل أن الشيخ نفسه أكد في تصريحات سابقة له في 28 أبريل / نيسان 2007 نقلتها صحيفة الشرق الأوسط:[ أن ما قامت به خلايا الفئة الضالة « يعد من كبائر الذنوب ومن ضلالات المبتدعة التي شابهوا فيها أهل الجاهلية» موضحا أن مبايعة هذه الفئة، لزعيم لهم على السمع والطاعة « يعد خروجاً على ولي الأمر وهو مطابق لفعل الخوارج» ]. فلماذا رممت الفتوى؟ هل لأن الإعلام تجاهلها ويراد تفعيلها الآن؟
· ما يمكن ملاحظته بجلاء أن مفردات الفتوى والخطبة سياسية وليست شرعية، وبالتالي فالأهداف والغايات سياسية صرفة أكثر منها بيان للموقف الشرعي خاصة وأن الفتوى والخطبة، بعيدا عن مسألة ولي الأمر، لم تأت أي منهما على بيان الوجه الشرعي للجهاد لا من قريب ولا من بعيد.
· نفس الفتوى أعيد تعميمها واجترارها على ألسنة مشايخ آخرين أبرزهم إمام الحرم الشيخ صالح بن حميد في خطبة يوم الجمعة الماضية (5/10/2007) دون زيادة أو نقصان ومستخدما ذات التعابير والمفردات.
ربما يشعر المتابع أن هناك حملة جديدة ليس على دولة العراق الإسلامية فحسب كما تعود المتابعون بين الفينة والأخرى خاصة كلما فشلت حملة سابقة، بل على الجهاد وأهله. فهل ما تقوله يا فضيلة المفتي عبد العزيز آل الشيخ من تراث الإمام محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة النجدية؟
ثانيا: رسالة سلمان العودة
في 15 / 9 / 2007 ، ومن على موقع الإسلام اليوم الذي يشرف عليه، وجه الشيخ سلمان العودة رسالة إلى بن لادن في الذكرى السادسة لأحداث الحادي عشر من سبتمبرنشر الموقع مقتطفات منها بعنوان: "سلمان العودة يوجه رسالة إلى أسامة بن لادن"، وبحسب الموقع يسأل العودة الشيخ بن لادن في الرسالة عن جدوى أعمال العنف التي انتهجتها القاعدة منذ 11 سبتمبر 2001 وحتىاليوم في العديد من بلدان العالم. مؤكدا له أن أصوات العلماء والدعاة والمخلصين المشفقين تعلن: "اللهم إننا نبرأ إليك مما يصنع أسامة".
أما الرسالة فقد اشتملت على ملاحظات وتساؤلات من نوع:
· " كم من الدماء أريقت؟ وكم من الأبرياء والشيوخ والأطفال قتلوا وشرّدوا تحت اسمالقاعدة؟ ... من المسئول عن شباب وفتيان في مقتبل أعمارهم وفي نشوة حماسهم، ذهبوا في طريق لا يعرفون نهايته؟ وربما ضلت بهم هذه السبل، وغابوا في متاهات لا نهاية لها"؛
خصم لأمريكا وعدو للعلماء! أليس ثمة فرق؟
د. أكرم حجازي / كاتب وأستاذ جامعي
drakramhijazi@yahii.com
8 / 10 / 2007
لما يكون انقضى من عمرك ستين أو سبعين عاما، فكم بقي لك من العمر كي تعمل لأجله فتستمتع، مثلا، بامرأة أو بأسرة أو بجاه أو منصب؟ ولما تكون أعمى البصر فماذا رأيت من الدنيا غير العمى؟ وكم استمتعت بزخارفها؟ في الحالتين لا شيء يستحق المخاطرة أو العناء. بعض الناس على جهلهم وأميتهم وبساطتهم يكتفي بالقول: نسأل الله حسن الختام، لكن الكثير من العلماء والفقهاء خاصة ممن يجيدون التبرج في اللحى والشوارب والحفحفة على الخيط والمسطرة حتى تخرج لحاهم وكأنها مصممة على الديجيتال يأبى إلا أن يسير في الاتجاه المعاكس وكأن الخلود بانتظاره.
كل الدنيا تقرأ وتشاهد وتسمع عن جهاد في العراق أو مقاومة في أسوأ الأحوال تشنها مجاميع جهادية ضد القوات الأمريكية وحلفائها من منافقين وخونة ومرتدين ورافضة وصفويين، ولا أظن أن أحدا سليم العقل وحسن البصيرة يجادل في حق العراقيين في جهاد القوى المحتلة وغيرها، لكن في الأسابيع القليلة الماضية استفقنا على رسائل وفتاوى ما زالت تداعياتها تتوالي وهي محملة بنقض كل جهاد وكل مقاومة، وكانت فتوى الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي السعودية هي الأبرز في هذا السياق سبقتها رسالة الشيخ سلمان العودة الموجهة إلى أسامة بن لادن. فما هي قصة هذه الفتاوى والرسائل؟ وفي أي سياق يمكن قراءتها؟
أولا: فتوى عبد العزيز آل الشيخ
على موقع البث الإسلامي (http://www.liveislam.net/browsearchive.php?sid=&id=38624) تسجيل صوتي لوقائع خطبة جمعة حول الجهاد في العراق ألقاها الشيخ في جامع الأمير تركي بن عبد الله في 28 / 6 / 2007 م الموافق 12 / 6 / 1428 هـ، وفيها يصف مفتي السعودية المجاهدين في العراق بأنهم ممن قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} (النساء 76)، وخاطب من يذهب منهم إلى العراق بالقول: "تلقفتكم أيدي الظالمين والمجرمين فجعلوكم دروعا أمامهم ليكون الضرب والقتل عليكم وهم آمنون مطمئنون" متسائلا: " أتجاهد مع قوم لا تربطك بهم أي رابطة لا عقديا ولا فكريا ولا سلوكيا؟".
وفي الثاني من الشهر الجاري تناقلت وكالات الأنباء والصحف ما قالت أنه "فتوى" للشيخ عبد العزيز آل الشيخ يحذر فيها "الشباب السعودي من الذهاب إلى الخارج بحجة قصد الجهاد في سبيل الله لأن الأوضاع كانت مضطربة، والأحوال ملتبسة، والرايات غير واضحة"، وبحسب صحيفة الشرق الأوسط فقد " ترتب على عصيان هؤلاء الشباب لولاتهم ولعلمائهم وخروجهم لما يسمى بالجهاد في الخارج مفاسد عظيمة منها:
· عصيان ولي أمرهم، والافتيات عليه، وهذه كبيرة من كبائر الذنوب ... والأدلة في تحريم معصية ولي الأمر كثيرة.
· وجد من بعض الشباب الذين خرجوا لما يظنونه جهادا، خلع بيعة صحيحة منعقدة لولي أمر هذه البلاد الطاهرة بإجماع أهل الحل والعقد، وهذا محرم ومن كبائر الذنوب؛
· وقوعهم فريسة سهلة لكل من أراد الإفساد في الأرض، واستغلال حماستهم حتى جعلوهم أفخاخا متحركة يقتلون أنفسهم، لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية لجهات مشبوهة؛
· استغلالهم من قبل أطراف خارجية، لإحراج هذه البلاد الطاهرة، وإلحاق الضرر والعنت بها، وتسليط الأعداء عليها، وتبرير مطامعهم فيها".
الثابت أن فتاوى الشيخ بهذا الشأن كثيرة، لكن السؤال هو: لماذا أخذت الفتوى هذه المرة حيزا أكبر من حجمها؟ وما الذي يمكن أن نلاحظه لو قمنا بتفكيك الفتوى والملابسات التي رافقتها؟
· فمنذ التاريخ الذي سجلت به الخطبة الأولى وحتى موعد الفتوى الأخيرة ظل الإعلام صامتا، بل أن الوقت طوى حيثيات الخطبة التي لم يتوقف عندها أحد يعتد به إلى أن جاءت الفتوى الأخيرة التي أثارت عاصفة لم يهدأ غبارها حتى هذه اللحظة.
· مفردات الفتوى تتشابه إلى حد كبير مع مفردات الخطبة بالرغم من الفارق الزمني بين الاثنتين. وكأن الخطبة إياها أعيد إخراجها بصيغة فتوى عن سابق تصميم.بل أن الشيخ نفسه أكد في تصريحات سابقة له في 28 أبريل / نيسان 2007 نقلتها صحيفة الشرق الأوسط:[ أن ما قامت به خلايا الفئة الضالة « يعد من كبائر الذنوب ومن ضلالات المبتدعة التي شابهوا فيها أهل الجاهلية» موضحا أن مبايعة هذه الفئة، لزعيم لهم على السمع والطاعة « يعد خروجاً على ولي الأمر وهو مطابق لفعل الخوارج» ]. فلماذا رممت الفتوى؟ هل لأن الإعلام تجاهلها ويراد تفعيلها الآن؟
· ما يمكن ملاحظته بجلاء أن مفردات الفتوى والخطبة سياسية وليست شرعية، وبالتالي فالأهداف والغايات سياسية صرفة أكثر منها بيان للموقف الشرعي خاصة وأن الفتوى والخطبة، بعيدا عن مسألة ولي الأمر، لم تأت أي منهما على بيان الوجه الشرعي للجهاد لا من قريب ولا من بعيد.
· نفس الفتوى أعيد تعميمها واجترارها على ألسنة مشايخ آخرين أبرزهم إمام الحرم الشيخ صالح بن حميد في خطبة يوم الجمعة الماضية (5/10/2007) دون زيادة أو نقصان ومستخدما ذات التعابير والمفردات.
ربما يشعر المتابع أن هناك حملة جديدة ليس على دولة العراق الإسلامية فحسب كما تعود المتابعون بين الفينة والأخرى خاصة كلما فشلت حملة سابقة، بل على الجهاد وأهله. فهل ما تقوله يا فضيلة المفتي عبد العزيز آل الشيخ من تراث الإمام محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة النجدية؟
ثانيا: رسالة سلمان العودة
في 15 / 9 / 2007 ، ومن على موقع الإسلام اليوم الذي يشرف عليه، وجه الشيخ سلمان العودة رسالة إلى بن لادن في الذكرى السادسة لأحداث الحادي عشر من سبتمبرنشر الموقع مقتطفات منها بعنوان: "سلمان العودة يوجه رسالة إلى أسامة بن لادن"، وبحسب الموقع يسأل العودة الشيخ بن لادن في الرسالة عن جدوى أعمال العنف التي انتهجتها القاعدة منذ 11 سبتمبر 2001 وحتىاليوم في العديد من بلدان العالم. مؤكدا له أن أصوات العلماء والدعاة والمخلصين المشفقين تعلن: "اللهم إننا نبرأ إليك مما يصنع أسامة".
أما الرسالة فقد اشتملت على ملاحظات وتساؤلات من نوع:
· " كم من الدماء أريقت؟ وكم من الأبرياء والشيوخ والأطفال قتلوا وشرّدوا تحت اسمالقاعدة؟ ... من المسئول عن شباب وفتيان في مقتبل أعمارهم وفي نشوة حماسهم، ذهبوا في طريق لا يعرفون نهايته؟ وربما ضلت بهم هذه السبل، وغابوا في متاهات لا نهاية لها"؛
- " إن صورة الإسلام اليوم ليست في أفضل حالاتها..."؛
· " إن ما جرى في 11 أيلول كانت نتيجته قتل بضعة آلاف من البشر، بينما تجد دعاة مغمورين قد لا يعرفهم كثير من الناس هدى الله على أيديهم عشرات بلمئات الآلاف الذين اهتدوا إلى الإسلام واستناروا بنوره"؛
· "ماذا جنينا من تدمير شعب بأكمله كما جري في العراق وأفغانستان؟ ... من المستفيد من محاولة تحويل المغرب والجزائر والسعودية وغيرهاإلى بلاد خائفة لا يأمن فيها المرء على نفسه؟ ... من المسئول عن تنشيط أفكار التكفير والقتل حتى تفشت بين الأسرة الواحدة وأدت إلى القطيعة والعقوق والتفكك؟ من المسئول عن شباب ذهبوا للقتال وتركوا خلفهمأمهات مكلومات وزوجات حزينات، وأطفالاً يتامى ينتظرون بذهول عودة أبيهم؟ من المسئول عن ملاحقة العمل الخيري والشك في كل مشروع إسلامي، ومطاردة الدعاة في كل مكان بتهمة العنف والإرهاب؟ ومن المسئول عن اكتظاظ السجون بالشباب، حتى أصبحت هذه السجون مفرخة لموجة جديدة من التكفير والغلو والعنف والتطرف؟"
· ويختم العودة حديثه نحو ابن لادن متسائلاً أيضاً: "ألا يسعك ما وسع محمدًا صلى الله عليه وسلم... هل اختصرنا الإسلام في رصاصة أو بندقية؟ ".
آمل أن يعذرني القارئ على طول الاقتباسات من مصادرها، وآمل أن يعذرني على عدم التعليق المعمق على ما ورد في الرسالة التي حازت على جائزة الأوسكار لكثرة الطعون التي تلقتها على ما فيها من انحياز وظلم وتعسف ولا موضوعية إطلاقا فيما تطرح، لكن لنثبت بعض الملاحظات على الرسالة:
· فقد اشتملت هي الأخرى على ذات العبارات والمفردات، أو الموضوعات إن شئت، التي نطقت بها فتاوى وخطب الشيخ عبد العزيز، مع زيادة في التفاصيل قليلا باتجاه الإدانة وبما يتطابق مع خطاب السلطة والخطاب السياسي والإعلامي الأمريكي تحديدا لا مع الخطاب الشرعي.
· لم تنتصر أي من النصوص المصدرية (الرسالة والفتوى والخطبة) لأية قضية من قضايا الأمة صغيرة كانت أو كبيرة على الإطلاق إلا قضايا الاتهام والتشكيك والطعن لطرف دون آخر ودون دليل يذكر.
· والأطرف أن الرسالة حمَّلت القاعدة وبن لادن على وجه التحديد والتخصيص مسؤولية كل الأحداث التي عصفت بالأمة دون الإشارة إلى الدورين الأمريكي والصهيوني ناهيك عن الدور الإيراني القذر في العراق وكأن القاعدة هي التي احتلت العراق وأفغانستان وغيرهما ومزقتهما شر ممزق، بل أن الولايات المتحدة تحديدا بدت وكأنها الضحية الأبرز للقاعدة سواء في نيويورك وواشنطن أو في أفغانستان والعراق أو في المغرب والجزائر أو حتى في السعودية.
· وفي المقابل خلت النصوص من أية مسؤولية يمكن لأعداء الأمة أن يتحملوها، فما أبانت عن أية مسؤولية فردية أو جماعية، رسمية أو غير رسمية، للولايات المتحدة أو الروس أو الأوروبيين ناهيك عن مسؤولية إسرائيل.
· والملاحظة الأشد فتكا وإيلاما أن النصوص قاطبة لم تذكر أية قوة معادية للأمة مجرد ذكر ولو من باب ذر الرماد في عيون الحرمات المنتهكة والضحايا من المجاهدين والمدنيين والشيوخ والأطفال والنساء والأسرى والمعذبين والمغدورين الذين ينتظرون منذ عقود، قبل أن تظهر القاعدة وأخواتها، من ينتصر لهم شرعا فإذا بهم يتلقون باسم المشايخ والفقهاء براءة ذمة من الجهاد والمجاهدين والمشبوهين من أصحاب الأعمال القذرة وصفعات من التجاهل والإنكار والتحقير.
على كل حال علينا أن نلاحظ أن الهجمة من العلماء جاءت بالتحديد بعد ظهور الشيخ أسامة بن لادن، وهذا معطى بالغ الأهمية كونه يفسر بعمق ما يجري على لسان بعض العلماء. إذ أن فتوى الشيخ عبد العزيز آل الشيخ هي في الحقيقة ترميم للخطبة ليس إلا، وكذا الأمر فيما يتعلق برسالة سلمان العودة. ولعل الخشية من ظهور بن لادن هي التي دفعت السلطات السعودية إلى شن هجمة جديدة خوفا من لحاق الشباب السعودي في ساحات الجهاد، ومن تابع رسالة بن لادن قبل أحداث سبتمبر والتي تسببت بنفير الكثير من الشباب السعودي إلى أفغانستان يدرك جيدا لماذا صدرت فتوى الشيخ عبد العزيزموجهة إلى الشباب السعودي حصرا، ويدرك أكثر لماذا تضمنت الفتوى هذه العبارة السحرية: " بعدما لوحظ منذ سنوات خروج بعض الشباب من المملكة إلى الخارج قاصدين الجهاد أن هؤلاء الشباب لديهم حماسة لدينهم وغيرة عليه؛ لكنهم لم يبلغوا في العلم مبلغاً يميزون به بين الحق والباطل، فكان هذا سبباً لاستدراجهم والإيقاع بهم من قبل أطراف مشبوهة لتحقيق أهدافهم المشينة التي أضرت بالإسلام وأهله".
المثير في الأمر أن الأعداء يتعاملون مع القاعدة أو تيار الجهاد العالمي بوصفه خصم عنيد وجدير بالاحترام، وتوصيفاتهم هذه لم يسبق أن أطلقوها على أي من خصومهم السابقين لهم في عالمنا، وإذا كان من الصحيح أن يقدمونهم بوصفهم إرهابيين وهذا من حقهم أن يسعوا إلى تشويههم عالميا ومحليا بما يشاؤون من التوصيفات في إطار الحرب بين الفريقين، لكن أليس من غرائب الزمن أن رؤوس الكنائس والحاقدين وأعداء الإسلام وبوش وتاتشر ومايكل شوير وروبرت فيسك والحاخامات وكل هؤلاء وأمثالهم من المفسدين في الأرض ينظرون لهم على أنهم خصوم لدرجة أنهم كانوا منصفين في توصيف قياداتهم كما فعلت كونداليزا رايس وهي تقيِّم أبو مصعب الزرقاوي كقائد عبقري فذ يتمتع بقدرات تنظيمية استراتيجية بينما يجهد علمائنا في التفتيش عن أحط التوصيفات لتقديمهم كأعداء وقتلة وخوارج وفرق ضالة ومشبوهون وذوي أعمال القذرة وصنائع المخابرات الأمريكية والصهيونية ممن يقاتلون في سبيل الشيطان وليسوا خصوما على الأقل. عجبا. خصم لأمريكا وعدو للعلماء! أليس ثمة فرق؟
علماؤنا الأفاضل باتوا يخاطبون الناس كما لو أنهم هم العالمون العارفون وغيرهم مجرد بلهاء وتوابع لهم يمكن أن يُحمَلوا إلى حيث يشاؤون، وكان الناس يصدقون لما كان فضيلتهم يقولون لنا أنهم لن يفتوا بدعم المقاومة الفلسطينية لأن رايتها علمانية ورجالها أغلبهم ملحدون، أما الآن وقد ذهبت الرايات الملحدة وحلت محلها رايات جهادية سواء كانت من القاعدة أو غيرها، أنكروا على الأمة الجهاد ونعتوا المجاهدين بأبشع النعوت التي تخرجهم من الملة؟ فمن هو التكفيري؟ المجاهدون الذين يطالبون العلماء باللحاق بهم؟ أم الناعتون الذين فضلوا القعود والمناصب ورغد الحياة؟ لعل علماءنا نسوا تماما أو تناسوا أنهم بفتاواهم المتناقضة هذه غدوا، منذ زمن بعيد، وفضلا عن مسؤوليتهم الدينية أمام الله، مسؤولون أمام العامة من الناس الذين لم يعودوا جهلة كما يريدهم سماحة المفتي. لأن مرجعيتهم ببساطة سياسية وليست دينية ولم تعد كذلك منذ استولت عليهم السلطة وسخرتهم لاحتياجاتها السياسية فلم يعودوا يشكلوا من واقع الأمة أكثر من ملحق بوزارة الداخلية، فلماذا لا يسألوا أمام العامة قبل أن يسألوا أمام الله؟
هؤلاء العلماء، إلا من رحم ربي، أصدروا الفتاوى زمن الجهاد الأفغاني ليس لأنهم حرصوا على إحياء فريضة الجهاد التي تذكروها ثم أنكروها في أفغانستان وفلسطين والعراق وكشمير والشيشان وباقي بقاع الأرض، بل لأن المصالح والعلاقات السياسية آنذاك اقتضت تفعيل الفريضة، وإلا فكيف يكون الجهاد محللا ضد السوفيات ومحرضا عليه ومحرما على الأمريكيين إن لم يكن مجرد فرض نكرة لا يتمنى أحد منهم سماع ذكره؟ أما الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وغيره فحبذا لو أجابوا "الخوارج"و"الأمة الجاهلة" على السؤال التالي: ماذا نفعل لو احتلت السعودية لا سمح الله من قبل الأمريكيين أو حلفائهم خاصة وأن أحدهم هدد بضرب مكة بقنبلة نووية وآخر وضع مشروعا لتقسيم المنطقة برمتها وكونغرس يقرر تقسيم العراق والحبل على الجرار؟ هل سيدعو الشيخ سلمان الشباب إلى مواصلة أعمالهم وحياتهم حتى لو كان أحدهم واقعا في جلسة تأمل؟ وهل ننتظر حتى ينادي السيد بول بريمر بالجهاد باعتباره ولي الأمر الجديد كما وصفه أحد المشايخ في العراق؟ وهل سيكون المجاهدون آنذاك خوارج وفئات ضالة!
· "ماذا جنينا من تدمير شعب بأكمله كما جري في العراق وأفغانستان؟ ... من المستفيد من محاولة تحويل المغرب والجزائر والسعودية وغيرهاإلى بلاد خائفة لا يأمن فيها المرء على نفسه؟ ... من المسئول عن تنشيط أفكار التكفير والقتل حتى تفشت بين الأسرة الواحدة وأدت إلى القطيعة والعقوق والتفكك؟ من المسئول عن شباب ذهبوا للقتال وتركوا خلفهمأمهات مكلومات وزوجات حزينات، وأطفالاً يتامى ينتظرون بذهول عودة أبيهم؟ من المسئول عن ملاحقة العمل الخيري والشك في كل مشروع إسلامي، ومطاردة الدعاة في كل مكان بتهمة العنف والإرهاب؟ ومن المسئول عن اكتظاظ السجون بالشباب، حتى أصبحت هذه السجون مفرخة لموجة جديدة من التكفير والغلو والعنف والتطرف؟"
· ويختم العودة حديثه نحو ابن لادن متسائلاً أيضاً: "ألا يسعك ما وسع محمدًا صلى الله عليه وسلم... هل اختصرنا الإسلام في رصاصة أو بندقية؟ ".
آمل أن يعذرني القارئ على طول الاقتباسات من مصادرها، وآمل أن يعذرني على عدم التعليق المعمق على ما ورد في الرسالة التي حازت على جائزة الأوسكار لكثرة الطعون التي تلقتها على ما فيها من انحياز وظلم وتعسف ولا موضوعية إطلاقا فيما تطرح، لكن لنثبت بعض الملاحظات على الرسالة:
· فقد اشتملت هي الأخرى على ذات العبارات والمفردات، أو الموضوعات إن شئت، التي نطقت بها فتاوى وخطب الشيخ عبد العزيز، مع زيادة في التفاصيل قليلا باتجاه الإدانة وبما يتطابق مع خطاب السلطة والخطاب السياسي والإعلامي الأمريكي تحديدا لا مع الخطاب الشرعي.
· لم تنتصر أي من النصوص المصدرية (الرسالة والفتوى والخطبة) لأية قضية من قضايا الأمة صغيرة كانت أو كبيرة على الإطلاق إلا قضايا الاتهام والتشكيك والطعن لطرف دون آخر ودون دليل يذكر.
· والأطرف أن الرسالة حمَّلت القاعدة وبن لادن على وجه التحديد والتخصيص مسؤولية كل الأحداث التي عصفت بالأمة دون الإشارة إلى الدورين الأمريكي والصهيوني ناهيك عن الدور الإيراني القذر في العراق وكأن القاعدة هي التي احتلت العراق وأفغانستان وغيرهما ومزقتهما شر ممزق، بل أن الولايات المتحدة تحديدا بدت وكأنها الضحية الأبرز للقاعدة سواء في نيويورك وواشنطن أو في أفغانستان والعراق أو في المغرب والجزائر أو حتى في السعودية.
· وفي المقابل خلت النصوص من أية مسؤولية يمكن لأعداء الأمة أن يتحملوها، فما أبانت عن أية مسؤولية فردية أو جماعية، رسمية أو غير رسمية، للولايات المتحدة أو الروس أو الأوروبيين ناهيك عن مسؤولية إسرائيل.
· والملاحظة الأشد فتكا وإيلاما أن النصوص قاطبة لم تذكر أية قوة معادية للأمة مجرد ذكر ولو من باب ذر الرماد في عيون الحرمات المنتهكة والضحايا من المجاهدين والمدنيين والشيوخ والأطفال والنساء والأسرى والمعذبين والمغدورين الذين ينتظرون منذ عقود، قبل أن تظهر القاعدة وأخواتها، من ينتصر لهم شرعا فإذا بهم يتلقون باسم المشايخ والفقهاء براءة ذمة من الجهاد والمجاهدين والمشبوهين من أصحاب الأعمال القذرة وصفعات من التجاهل والإنكار والتحقير.
على كل حال علينا أن نلاحظ أن الهجمة من العلماء جاءت بالتحديد بعد ظهور الشيخ أسامة بن لادن، وهذا معطى بالغ الأهمية كونه يفسر بعمق ما يجري على لسان بعض العلماء. إذ أن فتوى الشيخ عبد العزيز آل الشيخ هي في الحقيقة ترميم للخطبة ليس إلا، وكذا الأمر فيما يتعلق برسالة سلمان العودة. ولعل الخشية من ظهور بن لادن هي التي دفعت السلطات السعودية إلى شن هجمة جديدة خوفا من لحاق الشباب السعودي في ساحات الجهاد، ومن تابع رسالة بن لادن قبل أحداث سبتمبر والتي تسببت بنفير الكثير من الشباب السعودي إلى أفغانستان يدرك جيدا لماذا صدرت فتوى الشيخ عبد العزيزموجهة إلى الشباب السعودي حصرا، ويدرك أكثر لماذا تضمنت الفتوى هذه العبارة السحرية: " بعدما لوحظ منذ سنوات خروج بعض الشباب من المملكة إلى الخارج قاصدين الجهاد أن هؤلاء الشباب لديهم حماسة لدينهم وغيرة عليه؛ لكنهم لم يبلغوا في العلم مبلغاً يميزون به بين الحق والباطل، فكان هذا سبباً لاستدراجهم والإيقاع بهم من قبل أطراف مشبوهة لتحقيق أهدافهم المشينة التي أضرت بالإسلام وأهله".
المثير في الأمر أن الأعداء يتعاملون مع القاعدة أو تيار الجهاد العالمي بوصفه خصم عنيد وجدير بالاحترام، وتوصيفاتهم هذه لم يسبق أن أطلقوها على أي من خصومهم السابقين لهم في عالمنا، وإذا كان من الصحيح أن يقدمونهم بوصفهم إرهابيين وهذا من حقهم أن يسعوا إلى تشويههم عالميا ومحليا بما يشاؤون من التوصيفات في إطار الحرب بين الفريقين، لكن أليس من غرائب الزمن أن رؤوس الكنائس والحاقدين وأعداء الإسلام وبوش وتاتشر ومايكل شوير وروبرت فيسك والحاخامات وكل هؤلاء وأمثالهم من المفسدين في الأرض ينظرون لهم على أنهم خصوم لدرجة أنهم كانوا منصفين في توصيف قياداتهم كما فعلت كونداليزا رايس وهي تقيِّم أبو مصعب الزرقاوي كقائد عبقري فذ يتمتع بقدرات تنظيمية استراتيجية بينما يجهد علمائنا في التفتيش عن أحط التوصيفات لتقديمهم كأعداء وقتلة وخوارج وفرق ضالة ومشبوهون وذوي أعمال القذرة وصنائع المخابرات الأمريكية والصهيونية ممن يقاتلون في سبيل الشيطان وليسوا خصوما على الأقل. عجبا. خصم لأمريكا وعدو للعلماء! أليس ثمة فرق؟
علماؤنا الأفاضل باتوا يخاطبون الناس كما لو أنهم هم العالمون العارفون وغيرهم مجرد بلهاء وتوابع لهم يمكن أن يُحمَلوا إلى حيث يشاؤون، وكان الناس يصدقون لما كان فضيلتهم يقولون لنا أنهم لن يفتوا بدعم المقاومة الفلسطينية لأن رايتها علمانية ورجالها أغلبهم ملحدون، أما الآن وقد ذهبت الرايات الملحدة وحلت محلها رايات جهادية سواء كانت من القاعدة أو غيرها، أنكروا على الأمة الجهاد ونعتوا المجاهدين بأبشع النعوت التي تخرجهم من الملة؟ فمن هو التكفيري؟ المجاهدون الذين يطالبون العلماء باللحاق بهم؟ أم الناعتون الذين فضلوا القعود والمناصب ورغد الحياة؟ لعل علماءنا نسوا تماما أو تناسوا أنهم بفتاواهم المتناقضة هذه غدوا، منذ زمن بعيد، وفضلا عن مسؤوليتهم الدينية أمام الله، مسؤولون أمام العامة من الناس الذين لم يعودوا جهلة كما يريدهم سماحة المفتي. لأن مرجعيتهم ببساطة سياسية وليست دينية ولم تعد كذلك منذ استولت عليهم السلطة وسخرتهم لاحتياجاتها السياسية فلم يعودوا يشكلوا من واقع الأمة أكثر من ملحق بوزارة الداخلية، فلماذا لا يسألوا أمام العامة قبل أن يسألوا أمام الله؟
هؤلاء العلماء، إلا من رحم ربي، أصدروا الفتاوى زمن الجهاد الأفغاني ليس لأنهم حرصوا على إحياء فريضة الجهاد التي تذكروها ثم أنكروها في أفغانستان وفلسطين والعراق وكشمير والشيشان وباقي بقاع الأرض، بل لأن المصالح والعلاقات السياسية آنذاك اقتضت تفعيل الفريضة، وإلا فكيف يكون الجهاد محللا ضد السوفيات ومحرضا عليه ومحرما على الأمريكيين إن لم يكن مجرد فرض نكرة لا يتمنى أحد منهم سماع ذكره؟ أما الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وغيره فحبذا لو أجابوا "الخوارج"و"الأمة الجاهلة" على السؤال التالي: ماذا نفعل لو احتلت السعودية لا سمح الله من قبل الأمريكيين أو حلفائهم خاصة وأن أحدهم هدد بضرب مكة بقنبلة نووية وآخر وضع مشروعا لتقسيم المنطقة برمتها وكونغرس يقرر تقسيم العراق والحبل على الجرار؟ هل سيدعو الشيخ سلمان الشباب إلى مواصلة أعمالهم وحياتهم حتى لو كان أحدهم واقعا في جلسة تأمل؟ وهل ننتظر حتى ينادي السيد بول بريمر بالجهاد باعتباره ولي الأمر الجديد كما وصفه أحد المشايخ في العراق؟ وهل سيكون المجاهدون آنذاك خوارج وفئات ضالة!