أولاً : اعتقد أنك إذا قمت إلى الصلاة فإنما تقوم بين يدي الله عز وجل الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم ما توسوس به نفسك ، وحينئذٍ حافظ على أن يكون قلبك مشغولاً بصلاتك، كما أن جسمك مشغول بصلاتك، جسمك متجه إلى القبلة إلى الجهة التي أمرك الله عز وجل فليكن قلبك أيضاً متجهاً إلى الله . أما أن يتجه الجسم إلى ما أمر الله بالتوجه إليه ولكن القلب ضائع فهذا نقص كبير، حتى إن بعض العلماء يقول: إذا غلب الوسواس - أي الهواجس - على أكثر الصلاة فإنها تبطل ، والأمر شديد .
فإذا أقبلت إلى الصلاة فاعتقد أنك مقبل على الله عز وجل .
وإذا وقفت تصلى فاعتقد أنك تناجي الله عز وجل ، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا قام أحدكم يصلي ، فإنه يناجي ربه) رواه البخاري .
وإذا وقفت في الصلاة فاعتقد أن الله عز وجل قبل وجهك ، ليس في الأرض التي أنت فيها، ولكنه قبل وجهك وهو على عرشه عز وجل ، وما ذلك على الله بعسير، فإن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته ، فهو فوق عرشه ، وهو قبل وجه المصلي إذا صلى ، وحينئذٍ تدخل وقلبك مملوء بتعظيم الله عز وجل ، ومحبته ، والتقرب إليه .
فتكبر وتقول : الله أكبر .
ومع هذا التكبير ترفع يديك حذو منكبيك ، أو إلى فروع أذنيك .
ثم تضع يدك اليمنى على يدك اليسرى، على الذراع، كما صح ذلك في البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال : (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) رواه البخاري .
ثم تخفض رأسك فلا ترفعه إلى السماء لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- (نهى عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة) رواه البخاري .
واشتد قوله في ذلك حتى قال: (لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم) رواه البخاري ومسلم .
ولهذا ذهب من ذهب من أهل العلم إلى تحريم رفع المصلي بصره إلى السماء، وهو قول وجيه جداً لأنه لا وعيد على شيء إلا وهو محرم .
فتخفض بصرك وتطأطئ رأسك لكن كما قال العلماء : لا يضع ذقنه على صدره -أي لا يخفضه كثيراً- حتى يقع الذقن وهو مجمع اللحيين على الصدر بل يخفضه مع فاصل يسير عن صدره .
ويستفتح ويقول: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) رواه أبو داود، وهذا هو الاستفتاح الذي سأل أبو هريرة النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال : يا رسول الله أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ فذكر له الحديث .
وله أن يستفتح بغير ذلك وهو : (سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدك ، ولا إله غيرك) رواه أبو داود .
ويستفتح صلاة الليل بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستفتح به وهو : (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كان فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) رواه مسلم .
ولكن لا يجمع بين هذه الاستفتاحات، بل يقول هذه مرة وهذه مرة ليأتي بالسنة على جميع وجوهها .
ثم يقول {بسم الله الرحمن الرحيم} بعد التعوذ .
ويقرأ الفاتحة ، والفاتحة سبع آيات أولها {الحمد لله رب العالمين}، وآخرها {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} ، ودليل ذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (قال الله تبارك وتعالى : "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل، يقول العبد : {الحمد الله رب العالمين} يقول الله تعالى : حمدني عبدي ويقول العبد : {الرحمن الرحيم} قال الله : أثنى علي عبدي . ويقول العبد: {مالك يوم الدين} يقول الله تعالى: مجدني عبدي . فإذا قال : {إياك نعبد وإياك نستعين} قال الله : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل . فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم ..} الآية قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) رواه مسلم ، فتبين بهذا الحديث أن أول الفاتحة {الحمد لله رب العالمين} .
أما البسملة فهي آية في كتاب الله ، ولكنها ليست آية من كل سورة، بل هي أية مستقلة يؤتى بها في كل سورة سوى سورة براءة فإنه ليس فيها بسملة ، وليس فيها بدل ، خلافاً لما يوجد في بعض المصاحف، يكتب على الهامش عند ابتداء براءة، "أعوذ بالله من النار، ومن كيد الفجار، ومن غضب الجبار ، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين" وهذا خطأ ليس بصواب، فهي ليس فيها بسملة وليس فيها شيء يدل على البسملة .
فإذا انتهى من الفاتحة يقول: (آمين) ومعاناها : اللهم استجب، فهي اسم فعل أمر بمعنى استجب .
ثم يقرأ بعد ذلك سورة ينبغي أن تكون:
في المغرب غالباً بقصار المفصّل .
وفي الفجر بطوال المفصّل .
وفي الباقي بأوساطه .
والمفصل أوله {ق} وآخره {قل أعوذ برب الناس}، وسمي مفصلاً لكثرة فواصله .
وطوال المفصل من {ق} إلى {عم} ، وأوساطه من {عم} إلى {الضحى} .
وقصاره من {الضحى} إلى آخر القرآن.
ولا بأس بل من السنة أن يقرأ الإنسان بطوال المفصل، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قرأ في المغرب بـ (الطور) و(المرسلات) رواه البخاري ومسلم .
وبعد أن يقرأ السورة مع الفاتحة .
يرفع يديه مكبراً ليركع ويضع اليدين على الركبتين، مفرجتي الأصابع، ويجافي عضديه عن جانبيه، ويسوي ظهره برأسه فلا يقوسه، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك) رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
ويقول : (سبحان ربي العظيم) رواه أحمد وأبو داود يكررها ثلاث مرات.
ويقول أيضاً: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لّي) رواه البخاري.
ويقول أيضاً : (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
ويكثر من تعظيم الله سبحانه وتعالى في حال الركوع.
ثم يرفع رأسه قائلاً: (سمع الله لمن حمده) رواه البخاري ومسلم . رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه .
ويضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى في هذا القيام لقول سهل بن سعد : (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) رواه أحمد والبخاري.
وهذا عام يستثنى منه السجود والجلوس والركوع:
لأن السجود توضع فيه اليد على الأرض
والجلوس على الفخذين .
والركوع على الركبتين.
فيبقى القيام الذي قبل الركوع والذي بعده داخلاً في عموم قوله :(في الصلاة) .
ويقول بعد رفعه: (ربنا لك الحمد) رواه البخاري ومسلم.
أو (ربنا ولك الحمد) رواه البخاري ومسلم.
أو (اللهم ربنا لك الحمد) رواه البخاري ومسلم أو (اللهم ربنا ولك الحمد) رواه مسلم.
فهذه أربع صفات ولكن لا يقولها في آن واحد بل يقول هذا مرة وهذا مرة.
وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يفهمها: أن العبادات إذا وردت على وجوه متنوعة فإنها تفعل على هذه الوجوه، على هذه مرة ، وعلى هذه مرة ، وفي ذلك ثلاث فوائد:
الفائدة الأولى: الإتيان بالسنة على جميع وجوهها.
الفائدة الثانية: حفظ السنة، لأنك لو أهملت إحدى الصفتين نُسيت ولم تحفظ..
الفائدة الثالثة: ألا يكون فعل الإنسان لهذه السنة على سبيل العادة، لأن كثيراً من الناس إذا أخذ بسنة واحدة صار يفعلها على سبيل العادة ولا يستحضرها، ولكن إذا كان يعودّ نفسه أن يقول هذا مرة وهذا مرة صار متنبهاً للسنة.
وإذا كان الإنسان مأموماً فإنه لا يقول (سمع الله لمن حمده) لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (وإذا قال - أي الإمام - سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد) رواه مسلم ويكون هذا في حال رفعه من الركوع قبل أن يستقم قائماً .
وبعد أن يقول (ربنا ولك الحمد) بصفتها الأربع ، يقول : (ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعده، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) رواه مسلم والنسائي.
ثم يكبر للسجود بدون رفع اليدين، لقول ابن عمر: (وكان لا يفعل ذلك في السجود).
ويخرُّ على الركبتين لا على يديه لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) رواه البخاري والبعير عند بروكه يقدم اليدين فيخرّ البعير لوجهه، فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخرّ الإنسان في سجوده على يديه، لأنه إذا فعل ذلك برك كما يبرك البعير، هذا ما يدل عليه الحديث خلافاً لمن قال: إنه يدل على أنك تقدم يديك ولا تخرّ على ركبتيك لأن البعير عند البروك يخرّ على ركبتيه، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يقل فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير .... فلو قال ذلك، لقلنا نعم إذن لا تبرك على الركبتين، لأن البعير يبرك على ركبتيه، لكنه قال : (فلا يبرك كما يبرك البعير) فالنهي إذن عن الصفة لا عن العضو الذي يسجد عليه الإنسان ويخر عليه، والأمر في هذا واضح جداً لمن تأمله، فلا حاجة إلى أن نتعب أنفسنا وأن نحاول أن نقول: إن ركبتي البعير في يديه، وأنه يبرك عليهما، لأننا في غنى عن هذا الجدل، حيث إن النهي ظاهر الصفة لا عن العضو الذي يسجد عليه .
ولهذا قال ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد: إن قوله في آخر الحديث: (وليضع يديه قبل ركبتيه) منقلب على الراوي لأنه لا يطابق مع أول الحديث، وإذا كان الأمر كذلك فإننا نأخذ بالأصل لا بالمثال فإنه قوله: (وليضع يديه قبل ركبتيه) هذا على سبيل التمثيل، وحينئذٍ إذا أردنا أن نرده إلى أصل الحديث صار صوابه: (وليضع ركبتيه قبل يديه) .
إذاً يخرّ على ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه.
ويسجد على سبعة أعضاء لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم. ثم فصلها النبي صلى الله عليه وسلم : على الجبهة، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين) رواه البخاري ومسلم فيسجد الإنسان على هذه الأعضاء.
وينصب ذراعيه فلا يضعهما على الأرض ولا على ركبتيه .
ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه فيكون الظهر مرفوعاً .
ولا يمد ظهره كما يفعله بعض الناس، تجده يمد ظهره حتى إنك تقول: أمنبطح هو أم ساجد؟ فالسجود ليس فيه مد ظهر، بل يرفع ويعلو حتى يتجاف عن الفخذين، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (اعتدلوا في السجود) وهذا الامتداد الذي يفعله بعض الناس في السجود يظن أنه السنة ، هو مخالف للسنة، وفيه مشقة على الإنسان شديدة؛ لأنه إذا امتد تحمل نقل البدن على الجبهة، وانخنعت رقبته، وشق عليه ذلك كثيراً، وعلى كل حال لو كان هذا هو السنة لتحمل الإنسان ولكنه ليس هو السنة.
فإذا أقبلت إلى الصلاة فاعتقد أنك مقبل على الله عز وجل .
وإذا وقفت تصلى فاعتقد أنك تناجي الله عز وجل ، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا قام أحدكم يصلي ، فإنه يناجي ربه) رواه البخاري .
وإذا وقفت في الصلاة فاعتقد أن الله عز وجل قبل وجهك ، ليس في الأرض التي أنت فيها، ولكنه قبل وجهك وهو على عرشه عز وجل ، وما ذلك على الله بعسير، فإن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته ، فهو فوق عرشه ، وهو قبل وجه المصلي إذا صلى ، وحينئذٍ تدخل وقلبك مملوء بتعظيم الله عز وجل ، ومحبته ، والتقرب إليه .
فتكبر وتقول : الله أكبر .
ومع هذا التكبير ترفع يديك حذو منكبيك ، أو إلى فروع أذنيك .
ثم تضع يدك اليمنى على يدك اليسرى، على الذراع، كما صح ذلك في البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال : (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) رواه البخاري .
ثم تخفض رأسك فلا ترفعه إلى السماء لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- (نهى عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة) رواه البخاري .
واشتد قوله في ذلك حتى قال: (لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم) رواه البخاري ومسلم .
ولهذا ذهب من ذهب من أهل العلم إلى تحريم رفع المصلي بصره إلى السماء، وهو قول وجيه جداً لأنه لا وعيد على شيء إلا وهو محرم .
فتخفض بصرك وتطأطئ رأسك لكن كما قال العلماء : لا يضع ذقنه على صدره -أي لا يخفضه كثيراً- حتى يقع الذقن وهو مجمع اللحيين على الصدر بل يخفضه مع فاصل يسير عن صدره .
ويستفتح ويقول: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) رواه أبو داود، وهذا هو الاستفتاح الذي سأل أبو هريرة النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال : يا رسول الله أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ فذكر له الحديث .
وله أن يستفتح بغير ذلك وهو : (سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدك ، ولا إله غيرك) رواه أبو داود .
ويستفتح صلاة الليل بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستفتح به وهو : (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كان فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) رواه مسلم .
ولكن لا يجمع بين هذه الاستفتاحات، بل يقول هذه مرة وهذه مرة ليأتي بالسنة على جميع وجوهها .
ثم يقول {بسم الله الرحمن الرحيم} بعد التعوذ .
ويقرأ الفاتحة ، والفاتحة سبع آيات أولها {الحمد لله رب العالمين}، وآخرها {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} ، ودليل ذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (قال الله تبارك وتعالى : "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل، يقول العبد : {الحمد الله رب العالمين} يقول الله تعالى : حمدني عبدي ويقول العبد : {الرحمن الرحيم} قال الله : أثنى علي عبدي . ويقول العبد: {مالك يوم الدين} يقول الله تعالى: مجدني عبدي . فإذا قال : {إياك نعبد وإياك نستعين} قال الله : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل . فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم ..} الآية قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) رواه مسلم ، فتبين بهذا الحديث أن أول الفاتحة {الحمد لله رب العالمين} .
أما البسملة فهي آية في كتاب الله ، ولكنها ليست آية من كل سورة، بل هي أية مستقلة يؤتى بها في كل سورة سوى سورة براءة فإنه ليس فيها بسملة ، وليس فيها بدل ، خلافاً لما يوجد في بعض المصاحف، يكتب على الهامش عند ابتداء براءة، "أعوذ بالله من النار، ومن كيد الفجار، ومن غضب الجبار ، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين" وهذا خطأ ليس بصواب، فهي ليس فيها بسملة وليس فيها شيء يدل على البسملة .
فإذا انتهى من الفاتحة يقول: (آمين) ومعاناها : اللهم استجب، فهي اسم فعل أمر بمعنى استجب .
ثم يقرأ بعد ذلك سورة ينبغي أن تكون:
في المغرب غالباً بقصار المفصّل .
وفي الفجر بطوال المفصّل .
وفي الباقي بأوساطه .
والمفصل أوله {ق} وآخره {قل أعوذ برب الناس}، وسمي مفصلاً لكثرة فواصله .
وطوال المفصل من {ق} إلى {عم} ، وأوساطه من {عم} إلى {الضحى} .
وقصاره من {الضحى} إلى آخر القرآن.
ولا بأس بل من السنة أن يقرأ الإنسان بطوال المفصل، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قرأ في المغرب بـ (الطور) و(المرسلات) رواه البخاري ومسلم .
وبعد أن يقرأ السورة مع الفاتحة .
يرفع يديه مكبراً ليركع ويضع اليدين على الركبتين، مفرجتي الأصابع، ويجافي عضديه عن جانبيه، ويسوي ظهره برأسه فلا يقوسه، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك) رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
ويقول : (سبحان ربي العظيم) رواه أحمد وأبو داود يكررها ثلاث مرات.
ويقول أيضاً: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لّي) رواه البخاري.
ويقول أيضاً : (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
ويكثر من تعظيم الله سبحانه وتعالى في حال الركوع.
ثم يرفع رأسه قائلاً: (سمع الله لمن حمده) رواه البخاري ومسلم . رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه .
ويضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى في هذا القيام لقول سهل بن سعد : (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) رواه أحمد والبخاري.
وهذا عام يستثنى منه السجود والجلوس والركوع:
لأن السجود توضع فيه اليد على الأرض
والجلوس على الفخذين .
والركوع على الركبتين.
فيبقى القيام الذي قبل الركوع والذي بعده داخلاً في عموم قوله :(في الصلاة) .
ويقول بعد رفعه: (ربنا لك الحمد) رواه البخاري ومسلم.
أو (ربنا ولك الحمد) رواه البخاري ومسلم.
أو (اللهم ربنا لك الحمد) رواه البخاري ومسلم أو (اللهم ربنا ولك الحمد) رواه مسلم.
فهذه أربع صفات ولكن لا يقولها في آن واحد بل يقول هذا مرة وهذا مرة.
وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يفهمها: أن العبادات إذا وردت على وجوه متنوعة فإنها تفعل على هذه الوجوه، على هذه مرة ، وعلى هذه مرة ، وفي ذلك ثلاث فوائد:
الفائدة الأولى: الإتيان بالسنة على جميع وجوهها.
الفائدة الثانية: حفظ السنة، لأنك لو أهملت إحدى الصفتين نُسيت ولم تحفظ..
الفائدة الثالثة: ألا يكون فعل الإنسان لهذه السنة على سبيل العادة، لأن كثيراً من الناس إذا أخذ بسنة واحدة صار يفعلها على سبيل العادة ولا يستحضرها، ولكن إذا كان يعودّ نفسه أن يقول هذا مرة وهذا مرة صار متنبهاً للسنة.
وإذا كان الإنسان مأموماً فإنه لا يقول (سمع الله لمن حمده) لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (وإذا قال - أي الإمام - سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد) رواه مسلم ويكون هذا في حال رفعه من الركوع قبل أن يستقم قائماً .
وبعد أن يقول (ربنا ولك الحمد) بصفتها الأربع ، يقول : (ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعده، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) رواه مسلم والنسائي.
ثم يكبر للسجود بدون رفع اليدين، لقول ابن عمر: (وكان لا يفعل ذلك في السجود).
ويخرُّ على الركبتين لا على يديه لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) رواه البخاري والبعير عند بروكه يقدم اليدين فيخرّ البعير لوجهه، فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخرّ الإنسان في سجوده على يديه، لأنه إذا فعل ذلك برك كما يبرك البعير، هذا ما يدل عليه الحديث خلافاً لمن قال: إنه يدل على أنك تقدم يديك ولا تخرّ على ركبتيك لأن البعير عند البروك يخرّ على ركبتيه، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يقل فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير .... فلو قال ذلك، لقلنا نعم إذن لا تبرك على الركبتين، لأن البعير يبرك على ركبتيه، لكنه قال : (فلا يبرك كما يبرك البعير) فالنهي إذن عن الصفة لا عن العضو الذي يسجد عليه الإنسان ويخر عليه، والأمر في هذا واضح جداً لمن تأمله، فلا حاجة إلى أن نتعب أنفسنا وأن نحاول أن نقول: إن ركبتي البعير في يديه، وأنه يبرك عليهما، لأننا في غنى عن هذا الجدل، حيث إن النهي ظاهر الصفة لا عن العضو الذي يسجد عليه .
ولهذا قال ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد: إن قوله في آخر الحديث: (وليضع يديه قبل ركبتيه) منقلب على الراوي لأنه لا يطابق مع أول الحديث، وإذا كان الأمر كذلك فإننا نأخذ بالأصل لا بالمثال فإنه قوله: (وليضع يديه قبل ركبتيه) هذا على سبيل التمثيل، وحينئذٍ إذا أردنا أن نرده إلى أصل الحديث صار صوابه: (وليضع ركبتيه قبل يديه) .
إذاً يخرّ على ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه.
ويسجد على سبعة أعضاء لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم. ثم فصلها النبي صلى الله عليه وسلم : على الجبهة، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين) رواه البخاري ومسلم فيسجد الإنسان على هذه الأعضاء.
وينصب ذراعيه فلا يضعهما على الأرض ولا على ركبتيه .
ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه فيكون الظهر مرفوعاً .
ولا يمد ظهره كما يفعله بعض الناس، تجده يمد ظهره حتى إنك تقول: أمنبطح هو أم ساجد؟ فالسجود ليس فيه مد ظهر، بل يرفع ويعلو حتى يتجاف عن الفخذين، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (اعتدلوا في السجود) وهذا الامتداد الذي يفعله بعض الناس في السجود يظن أنه السنة ، هو مخالف للسنة، وفيه مشقة على الإنسان شديدة؛ لأنه إذا امتد تحمل نقل البدن على الجبهة، وانخنعت رقبته، وشق عليه ذلك كثيراً، وعلى كل حال لو كان هذا هو السنة لتحمل الإنسان ولكنه ليس هو السنة.