بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة في حق الشيخ المحدث أبي إسحاق الحويني - حفظه الله -
لم يسلم علماء السنة قديما ولا حديثا ، من طعن أهل الزيغ والبدع والأهواء فيهم من المتعالمين والمتفيقهين وأنصاف المثقفين
فلا يلبث أحدهم إذا ما سمع مقالة لشيخ من شيوخ أهل السنة حتى يطير بذكرها ويملا الأفاق نعيقا وصراخا عله أن يظفر بمكان بين فضلاء الناس فيحمد له صنيعه ، وهو لا يعلم انه بذلك قد انكشفت عورته وصار حديث العام والخاص في مجالسهم
فما أكثر ما نسمع نعيق الغربان يطعنون في شيوخ السلفية كشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه ويقولون أنه يرى رأي الخوارج ويكفر عموم المسلمين ، على دين أبي بلال وحمزة الخارجي
وفي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ بسبب رسالته القيمة تحكيم القوانين
ومن قبلهم شيخ الاسلام بن تيمية ، الذي كان غصة في حلق اهل البدع والضلال
وها نحن اليوم نسمع ونقرأ من يطعن في الشيخ الذي اجتمعت القلوب على حبه ، وارتضاه الناس سميرهم في مجالسهم ونواديهم وانتفع كثير من أهل العلم بمقالاته واجتهاده ، ذلك الشيخ السمح دمث الأخلاق
العلامة الفقيه المحدث الحافظ الجهبذ بقية السلف
شيخ أرض الكنانة
أبي إسحاق الحويني حفظه الله ومتع به
وأطال في عمره ، وأبقاه سيفا في نحر أعدائه وشانئيه من أهل البدع والضلال
وما اكثر تلك التهم الباطلة التي ألحقت بأثواب الشيخ وهو منها براء
وسنورد هنا في بضعة اسطر تلك المقالة الساقطة وردها في نحر اصحابها إن شاء الله بما استفدناه قراءة في كثير مما كتب حولها
يقول المغرضون والمرجفون في المدينة من خصوم الشيخ وحساده لا كثر الله امثالهم
بأنه يقول بمقالة الخوارج في تكفير مرتكب الكبيرة , أو المصر على المعصية .
والذي أخذ على الشيخ الحويني قوله :
" أما الرجل المصر على المعصية وهو يعلم أنها معصية , فهذا مستحل , وهذا كفره ظاهر , كأن يقول: الربا أنا أعلم أنه حرام , لكنني سأفعله , هذا مستحل , واضح الاستحلال فيه , فلا شك في كفر مثل هذا "
والحقيقة من مذهب أهل السنة انه لا يستقيم بحال من الأحوال أن ينسب قائل هذه المقالة إلى مذهب الخوارج بتكفير مرتكب الكبيرة والمصر على المعصية
وذلك لأسباب كثيرة :
انه لا يمكن ان نعرف مذهب رجل من اهل العلم الا باجتماع اقواله في المسالة وان يحمل كلامه المجمل على المفصل منه
والمطلق على المقيد ، والعام منها على الخاص
وتلك قاعدة جليلة نستفيدها من كلام شيخ الاسلام بن تيمية رحمة الله عليه في قوله :
* يجب أن يفسر كلام المتكلم بعضه ببعض ويؤخذ كلامه هاهنا وهاهنا وتعرف ما عادته بعينه وما يريده بذلك اللفظ إذا تكلم به ونعرف المعاني التي عرف انه أرادها في موضع آخر .
فإذا عرف عرفه وعادته في معانيه وألفاظه كان هذا مما يستعان على معرفة مراده وأما إذا استعمل لفظه في معنى لم تجر عادته باستعماله فيه وترك استعماله في المعنى الذي جرت عادته باستعماله فيه وحمل كلامه على خلاف المعنى الذي قد عرف أنه يريده بذلك اللفظ يجعل كلامه متناقضا ويترك كلامه على ما يناسب سائر كلامه كان ذلك تحريفا لكلامه عن موضعه وتبديلا لمقاصده وكذبا عليه *
انظر / كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح
* وهؤلاء قد يجدون من كلام المشائخ كلمات مشتبهة مجملة فيحملونها على المعاني الفاسدة كما فعلت النصارى فيما نقل لهم عن الأنبياء فيدعون المحكم ويتبعون المتشابه *
وهذا عين الصواب في تقييم الرجال وتصنيفهم وعليه مدار اهل السنة في تجريح الرجال ونقد مقالاتهم
والعجب العجاب من رويبضة هذا الزمن ممن نصبو أنفسهم حملة لواء الجرح والتعديل ولو صدقوا لقالوا لواء الجرح والتطبيل
لم يسلم من طعنهم ولا من تصنيفهم احد
وتلك المقالة التي طار بها غراب البين عن الشيخ أبي إسحاق لو تريث قليلا لعلم أن لكثير من أهل العلم وجهابذته كلام قريب منها او شبيه لها ونورد هنا كلام شيخ الاسلام بن عثيمين في المسالة ذاتها
يقول الشيخ –رحمه الله- في : شرح رياض الصالحين ( 1\70 )
" هناك قسم ثالث فاسق مارد ماجن يتحدث بالزنا افتخارا والعياذ بالله يقول إنه سافر إلى البلد الفلاني وإلى البلد الفلاني وفجر وفعل وزنى بعدة نساء وما أشبه ذلك يفتخر بهذا..، هذا يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل لأن الذي يفتخر بالزنا مقتضى حاله أنه استحل الزنا والعياذ بالله ومن استحل الزنا فهو كافر . "
فسبحان الله هل من فرق بين ما قاله الشيخ ابي اسحاق والشيخ بن عثيمين ....؟
فليت غراب البين يجيبنا ..؟ وأنّى له ذلك
ولكن الغربان تعلم جيدا من هو الشيخ بن عثيمين وان الطعن فيه يورث فجوة بينهم وبين طلبة العلم وعموم الناس ويعلمون أن الرجل سلفي وان من خالفه بدعي لا يستحق التقدير ولا كرامة له .
وقال أيضا –رحمه الله- : في شرحه على كتاب السياسة الشرعية لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص\315) :
" مع الأسف يا إخواني أنه سمعنا –والله أعلم- أنه يوجد في بعض البلاد الإسلامية أن الخمر يشرب علنا ... , هؤلاء الذين يفعلون ذلك هل يقال: إنهم مستحلون له أو غير مستحلين؟ , الجواب: مستحلين له و لا شك , كيف يرخص له هذا الترخيص العام وفي الأسواق ويعطي رخصة إلا وأنه يرى أنه حلال ؟ لو رأى أنه حرام لم يفعل "
فهل يقال في الشيخ ابن عثيمين أنه يرى المجاهر بكبيرة الزنا كافر لأنه مستحل .. ؟
أم يقال أنه يتبنى كفر من يرخص لمحلات بيع الخمور , .. ؟
أم يقال: لا بد من حمل مجمل كلام الشيخ –رحمه الله- على مفصله ومطلقه على مقيده , وتفسير كلامه بكلامه نفسه , وإنزال إطلاقاته على أصوله
ورحم الله ابن قيم الجوزية حيث قال في مدارج السالكين (3/520-521) :
" والكلمة الواحدة يقولها اثنان، يريد بها أحدهما أعظم الباطل، ويريد بها الآخر محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل، وسيرته، ومذهبه، وما يدعو إليه ، ويناظر عليه "
وهذه فائدة عظيمة في الحكم على مقالات أهل العلم واستيعابها لا يغفل عنها إلا جاهل بحال السلف في إدراك النصوص وتفسيرها
وما علمنا قبل اليوم من الشيخ أبي إسحاق الا انه ينافح ويناظر ويدافع عن عقيدة اهل السنة والجماعة
قال الإمام الطحاوي :
( ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله )
فالاستحلال شرط في تكفير صاحب الذنب
فمن استحل النظر فقد كفر
لأنه صار لله ندا في التحليل والتحريم
ولو نظرنا إلى كلام الشيخين أبي اسحاق الحويني وبن عثيمين
لوجدنا إن علة الكفر التي صرح بها الشيخان هي استحلال المعصية ؛ وهي العلة المعتبرة عند أهل السنة والجماعة لتكفير من واقع المعاصي والذنوب غير الشرك والكفر ؛ فهم وافقا أهل السنة والجماعة في أصل معتقدهم في باب التكفير .
والخلاف في المسألة هو :
هل أن الإصرار على المعصية هو علامة على الاستحلال الموجب للتكفير أم لا .... ؟
وهذا الخلاف اجتهادي محض, ولا علاقة له بأصول الخوارج لا من قريب ولا من بعيد.
والراجح أن الإصرار لا يعتبر قرينة على الاستحلال؛ بدليل قوله (صلى الله عليه وسلم)
* من مات من أمتي وهو يشرب الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة ومن مات من أمتي وهو يتحلى بالذهب حرم الله عليه لباسه في الجنة *
فهذا مات وهو مصر على شرب الخمر ؛ ومع ذلك قد يدخل الجنة ؛ ودخوله الجنة علامة على عدم كفره.
وقد دافع الشيخ الحويني حفظه الله عن نفسه ، فننقل كلامه هنا مختصرا ونكتفي به فليس بعدتصريح الشيخ بعقيدته في المسألة
ما يمكن ان يقال بعدها ، وكلامه واضح لا يحتاج الى تفسير
دفاع الشيخ عن نفسه
"أيها الأخوة: بعض من لم يحسن الفهم مع ما رآه من القرائن الظاهرة من سوء القصد أشاعوا عنى مقالة ما اعتقدتها بقلبي يوما من الأيام و لا تلفظ بها لساني و لا في الخلوات . فضلا عن هذه المشاهد .
هذه المقالة الفاجرة الآثمة تقول: إنني أكفر المسلمين بالكبيرة . فأنا أنشد طلاب العلم الذين يسمعونني منذ قرابة خمسة وعشرون سنة و أنا أخطب على المنابر. هل سمعوا مني في يوم من الأيام أنني قلت أن فاعل الكبيرة كافر !!
فو الله ما اعتقدتها يوما من الأيام حتى و أنا حدث في الطلب . إنما غرهم عبارة سمعوها مع ما أراه من القرائن الظاهرة من سوء القصد . سمعوا مقالة لي هي انني قلت: (إن المَصِر مستحل) ؛ ثم ضربت مثلا فقلت: (لو قال رجلا إن الله عز وجل حرم الربا ولكنى آكله فذا كافر لا إشكال في كفره) , هذه العبارة التي قلتها .
قالوا: المصر مستحل !! هذا لم يقل به أحد .
قلت: أنا ما تكلمت عن من هو المصر ؛ و ما ورد في كلامي أصلا تعريف المصر ؛ و لكن إذا كان الكلام مجملاً (وهذا كلام أهل العلم) ثم ورد بعده مَثَل فينبغي أن نرد الكلام المجمل للمثل لأن الأمثال من باب المبين ولذلك يضربها الله عز وجل لتبين الكلام .
قال عمرو بن مرة:
إذا سمعت مثلا ضربه الله عز وجل فلم أفهمه بكيت على نفسي . لأن الله عز وجل يقول:
* و تلك الأمثال نضربها للناس و ما يعقلها إلا العالمون *
هذا الذي تيسر لنا جمعه في الذب عن شيخنا العالم الفاضل المحدث أبي إسحاق الحويني حفظه الله ورزقنا حبه وحب أهل السلف وأهل العلم وزادنا الله إليهم قربة ونفعنا بعلمهم وحشرنا الله وإياهم تحت لواء محمد صلى الله عليه وسلم
والله المستعان .