بسم الله الرحمن الرحيم
من رصافة بغداد.. عاصمة أعرق حضارة سطّرت بأناملها على قصر الخلد أمجاد الإسلام.. وهارون الرشيد يمشي بين الحدائق الغنّاء... يمازح الغيمة المارة في السماء قائلاً : أمطري أنىّ شئت فإن خراجك سيأتيني ولو بعد حين... فتضحك زبيدة واثقة من قوة سيف الحق على جبروت الباطل، وقد أتحفها الرشيد بتأديب أباطرة الروم وإجبارهم على دفع الجزية مضاعفة... لتقف حامدة لله شاكرة عطاءه بأن منّ عليها أن عاشت في عصر العظماء.. فكانت منهم ولا تقل شأناً عنهم.. من هناك نكتب لكم ..
بين أرجاء قصر الخلد عاشت زبيدة بنت جعفر بن المنصور العباسية الهاشمية.. فتزوجت من ابن عمها هارون الرشيد وأنجبت له الأمين الخليفة الهاشمي الوحيد في بني العباس.
كانت لزبيدة أم الأمين حظوة قلّ أن تنالها امرأة عبر العصور... فقد نعمت بعيشة الأميرات المدللات بين كنف جدها المنصور و عمّها المهدي، ثم زوجها هارون الرشيد فأعطتها الدنيا ما نقشته كتب التاريخ بماء الذهب تحكي عن حياة أسطورية كأنها من حكايا ألف ليلة وليلة ...
إلى جانب هذا الترف كانت زبيدة زوجة الخليفة مثقفة واعية تنهل من معين العلم كما نهل المسلمون من نهر دجلة... ويُروى عنها أنها كانت شاعرة... فكثيراً ما بعثت لزوجها الرشيد برسائلها في أبيات من الشعر... بل إنها استخدمت هذه الطريقة الأدبية الجميلة في معظم مراسلاتها التي حفظتها كتب التاريخ ، فقد أرسلت للخليفة المأمون رسالة بعد مقتل ابنها الأمين تدل على رقي كعبها ومقامها في السياسة والكياسة والأدب والشعر جاء فيها ...
«أهنئك بخلافة قد هنأت بها نفسي عنك قبل أن أراك... ولئن كنتُ قد فقدتُ ابناً خليفة.. فقد عُوضتُ عنه ابناً خليفةً لم ألده... وما خسر من استعاض الملك مثلك.. ولا ثكلتك أم ملأت يدها منك... وأنا أسأل الله أجراً على ما أخذ وإمتاعاً بما عوّض ثم أنشدت تقول...
عرفت زبيدة الحياة بحلوها وطيب متاعها فنالت منها ما شاءت... وعلمت حق ربها وأهوال آخرتها، فعملت لها بقدر ما خافت... إذ يروى أنها كانت فقيهة عابدة، وكان لها مائة جارية كلهن يحفظن القرآن.. وكان يُسمع لهن دويٌ كدوي النحل... وقد جعلت زبيدة لكل منهن ورداً يومياً بقراءة عُشر القرآن.
تمتعت زبيدة بقسط وافر من الهيبة والكلمة المسموعة في الدولة العباسية فسخّرت تلك المكانة لأعمال البر وأسبغت عليها من الإنفاق ما سابقت به أكابر الرجال..
يروى أنها حجت ذات مرة إلى بيت الله الحرام ولمست وهي في أبهة موكبها ما يلاقيه الحجاج وأهل مكة من المشاق في الحصول على ماء الشرب.. فدعت خازن مالها وأمرته أن يدعو المهندسين والعمال من أنحاء البلاد وقالت له: اعمل ولو كلفتك ضربة الفأس ديناراً.. فوفد على مكة أكفأ المهندسين والعمال، ووصلوا بين منابع الماء من حنين حتى مكة بمسيرة عشرة كيلومترات حتى فاض الماء يحمل معه اسم زبيدة في صدقة جارية تجاوز عمرها الآن مئات السنين.. تحمل الخير لحجاج بيت الله الحرام والحسنات الدائمة لزبيدة صاحبة هذا المشروع العظيم الذي بلغت نفقاته في تقدير ذلك العصر مليوناً وسبعمائة ألف دينار..
كما أمرت بتمهيد الطريق الذي يصل بين العراق ومكة وحفرت له الآبار وشيدت له المنازل والدور بما يعرف باسم (درب زبيدة) وقد وصلت نفقات مشروعها في تلك الحجة أربعة وخمسين مليون درهم ...
فما أجمل أن يصبح المال نعمة بين يدي صاحبه.. يحمل له الثواب إلى قبره في كل يوم، بل وفي كل لحظة.. لتبقى عبق الذكرى عطرة بين المسلمين إلى ما شاء الله لها أن تبقى.... وهكذا هي عين زبيدة ...
من رصافة بغداد.. عاصمة أعرق حضارة سطّرت بأناملها على قصر الخلد أمجاد الإسلام.. وهارون الرشيد يمشي بين الحدائق الغنّاء... يمازح الغيمة المارة في السماء قائلاً : أمطري أنىّ شئت فإن خراجك سيأتيني ولو بعد حين... فتضحك زبيدة واثقة من قوة سيف الحق على جبروت الباطل، وقد أتحفها الرشيد بتأديب أباطرة الروم وإجبارهم على دفع الجزية مضاعفة... لتقف حامدة لله شاكرة عطاءه بأن منّ عليها أن عاشت في عصر العظماء.. فكانت منهم ولا تقل شأناً عنهم.. من هناك نكتب لكم ..
بين أرجاء قصر الخلد عاشت زبيدة بنت جعفر بن المنصور العباسية الهاشمية.. فتزوجت من ابن عمها هارون الرشيد وأنجبت له الأمين الخليفة الهاشمي الوحيد في بني العباس.
كانت لزبيدة أم الأمين حظوة قلّ أن تنالها امرأة عبر العصور... فقد نعمت بعيشة الأميرات المدللات بين كنف جدها المنصور و عمّها المهدي، ثم زوجها هارون الرشيد فأعطتها الدنيا ما نقشته كتب التاريخ بماء الذهب تحكي عن حياة أسطورية كأنها من حكايا ألف ليلة وليلة ...
إلى جانب هذا الترف كانت زبيدة زوجة الخليفة مثقفة واعية تنهل من معين العلم كما نهل المسلمون من نهر دجلة... ويُروى عنها أنها كانت شاعرة... فكثيراً ما بعثت لزوجها الرشيد برسائلها في أبيات من الشعر... بل إنها استخدمت هذه الطريقة الأدبية الجميلة في معظم مراسلاتها التي حفظتها كتب التاريخ ، فقد أرسلت للخليفة المأمون رسالة بعد مقتل ابنها الأمين تدل على رقي كعبها ومقامها في السياسة والكياسة والأدب والشعر جاء فيها ...
«أهنئك بخلافة قد هنأت بها نفسي عنك قبل أن أراك... ولئن كنتُ قد فقدتُ ابناً خليفة.. فقد عُوضتُ عنه ابناً خليفةً لم ألده... وما خسر من استعاض الملك مثلك.. ولا ثكلتك أم ملأت يدها منك... وأنا أسأل الله أجراً على ما أخذ وإمتاعاً بما عوّض ثم أنشدت تقول...
لخير إمام قام من خير عنصر ** وأفضل راقِ فوق أعواد منبر
ووارث علم الأولين وفخرهم ** وللملك المأمون من أم جعفــــر
كتبت وعيني تستهل دموعهــا ** إليك ابن عمي مع جفوني ومحجري
أصبت بأدنى الناس منك قرابةً ** ومَنْ زال عن كبدي فقل تصبري
عرفت زبيدة الحياة بحلوها وطيب متاعها فنالت منها ما شاءت... وعلمت حق ربها وأهوال آخرتها، فعملت لها بقدر ما خافت... إذ يروى أنها كانت فقيهة عابدة، وكان لها مائة جارية كلهن يحفظن القرآن.. وكان يُسمع لهن دويٌ كدوي النحل... وقد جعلت زبيدة لكل منهن ورداً يومياً بقراءة عُشر القرآن.
تمتعت زبيدة بقسط وافر من الهيبة والكلمة المسموعة في الدولة العباسية فسخّرت تلك المكانة لأعمال البر وأسبغت عليها من الإنفاق ما سابقت به أكابر الرجال..
يروى أنها حجت ذات مرة إلى بيت الله الحرام ولمست وهي في أبهة موكبها ما يلاقيه الحجاج وأهل مكة من المشاق في الحصول على ماء الشرب.. فدعت خازن مالها وأمرته أن يدعو المهندسين والعمال من أنحاء البلاد وقالت له: اعمل ولو كلفتك ضربة الفأس ديناراً.. فوفد على مكة أكفأ المهندسين والعمال، ووصلوا بين منابع الماء من حنين حتى مكة بمسيرة عشرة كيلومترات حتى فاض الماء يحمل معه اسم زبيدة في صدقة جارية تجاوز عمرها الآن مئات السنين.. تحمل الخير لحجاج بيت الله الحرام والحسنات الدائمة لزبيدة صاحبة هذا المشروع العظيم الذي بلغت نفقاته في تقدير ذلك العصر مليوناً وسبعمائة ألف دينار..
كما أمرت بتمهيد الطريق الذي يصل بين العراق ومكة وحفرت له الآبار وشيدت له المنازل والدور بما يعرف باسم (درب زبيدة) وقد وصلت نفقات مشروعها في تلك الحجة أربعة وخمسين مليون درهم ...
فما أجمل أن يصبح المال نعمة بين يدي صاحبه.. يحمل له الثواب إلى قبره في كل يوم، بل وفي كل لحظة.. لتبقى عبق الذكرى عطرة بين المسلمين إلى ما شاء الله لها أن تبقى.... وهكذا هي عين زبيدة ...