[font="]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/font][font="][/font]
[font="]أما بعد:[/font][font="][/font]
[font="]فيا عباد الله، اشكروا الله - تبارك وتعالى - على ما نوّع لكم من مواسم الخيرات التي تتكرّر عليكم لتزدادوا بها إيمانًا وإكثارًا من الأعمال الصالحات، ثم اشكروه على ما أبانَ لكم من معالم الدين، والتزموا طاعته وتقواه فإنها سيرة النبيين والمرسلين.[/font][font="][/font]
[font="]إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيّعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، ألا وإن مِمَّا حدَّه الله تعالى وأوضحه وأبانه وأظهره ذلكم الصوم الذي هو أحد أركان الإسلام، فقد بيَّن الله تعالى ابتداءه وانتهاءه شهريًّا، وابتداءه وانتهاءه يوميًّا، بيَّن الله ذلك في كتابه وفي سنَّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال الله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غُمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين»(1)، وقال الله تعالى في تحديده اليومي: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187] .[/font][font="][/font]
[font="]إن الخيط الأبيض: بياض النهار، والخيط الأسود: سواد الليل، وقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لأصحابه: «كُلُوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم؛ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر»(2)، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إذا أقبلَ الليل من هاهنا - وأشار إلى المشرق - وأدبر النهار من هاهنا - وأشار إلى المغرب - فقد أفطر الصائم»(3)، فمتى شاهد الإنسان الفجر المعترض في الأفق أو سمع المؤذن الثقة الذي لا يؤذن حتى يطلع الفجر وجبَ عليه الإمساك، ومتى شاهد قرص الشمس غائبًا في الأفق ولو كان شعاعها باقيًا في السماء أو سمع المؤذن الثقة الذي لا يؤذن حتى تغرب الشمس حَلَّ له الفطر، ولو سمع المؤذن لأذان المغرب ولكنه يرى الشمس لم تغب فإنه لا يَحِل له أن يفطر؛ لأن العبرة بغروب الشمس، ولو شاهد الفجر ولم يسمع المؤذن وجَبَ عليه الإمساك؛ لأن العبرة بطلوع الفجر .[/font][font="][/font]
[font="]أيها المسلمون، إن الصوم الشرعي هو: التعبد لله - تبارك وتعالى - بالإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن المفطّرات التي بيَّنها الله تعالى في كتابه وبيَّنها رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في سنَّته، وهي سبعة أنواع:[/font][font="][/font]
[font="]الأول: الجِماع وهو أعظم المفطّرات وأشدها وفيه الكفّارة المغلظة إذا حصل في نهار رمضان مِمَّن يجب عليه الصوم، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر فيهما يومًا واحدًا إلا من عذر، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، هكذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، «فقد جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلَكْت، قال: ما أهلكك ؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم، فأمره صلى الله عليه وسلم بالعتق، فقال: إنه لا يجد، ثم أمره بالصيام فقال: إنه لا يستطيع، ثم أمره بالإطعام فقال: إنه لا يجد»(4) .[/font][font="][/font]
[font="]المفطّر الثاني: إنزال المني باختياره بتقبيلٍ، أو لمس، أو ضمٍّ، أو استمناء أو غير ذلك، فأما إنزال المني بالاحتلام فلا يفطّر؛ لأنه من نائم والنائم لا اختيار له، وأما المذي فلا يفطّر أيضًا؛ لأنه لا دليل على أنه يفطر، والأصل بقاء الصوم حتى يقوم الدليل على أنه فاسد .[/font][font="][/font]
[font="]المفطّر الثالث: الأكل والشرب وهو: إيصال الطعام أو الشراب إلى جوفه سواء كان الطعام أو الشراب حلالاً أم حرامًا، نافعًا أم غير نافع، وسواء كان عن طريق الفم أم عن طريق الأنف لقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - للصحابي لقيط بن صبرة رضي الله عنه: «بالِغْ في الاستنشاق - يعني: في الوضوء - إلا أن تكون صائمًا»(5)، وفي هذا إشارة إلى أن الداخل من الأنف كالداخل من الفم، فأما شم الروائح فإنه لا يفطّر؛ يعني: لو أن الإنسان شم دهن عود، أو ماء ورد، أو غيرهما مِمَّا له رائحة قوية أو ضعيفة فإنه لا يفطّر ولو وصل ذلك إلى حلقه؛ لأنه ليس للرائحة جرمٌ يصل إلى الجوف، وأما دخان البخور فإنه لا يشمه الإنسان ولكن له أن يتبخر ولا حرج عليه، وله أن يضع المبخرة تحت غترته، وله أن يضعها تحت لحيته ولا حرج عليه لكن لا يشم الدخان؛ لأن الدخان له جرمٌ يصل إلى الجوف .[/font][font="][/font]
[font="]الرابع: ما كان بمعنى الأكل والشرب، مثل: الإبر المغذِّية التي يُستغنى بها عن الطعام والشراب؛ لأنها بمعنى الأكل والشرب، والشريعة الإسلامية لا تفرّق بين شيئين متماثلين كما أنها لا تجمع بين شيئين متفارقين، أما الإبر غير المغذّية فإنها لا تفطّر سواء أُخذت للتداوي، أم للتنشيط أم لغير ذلك، وسواء أُخذت مع العرق أم مع العضلات؛ لأنها ليست بمعنى الأكل والشرب .[/font][font="][/font]
[font="]وهنا قاعدة أحبُّ أن أزفّها إليكم معشر الإخوة من طلاب علْم وغيرهم وهي: أن الأصل صحة الصيام وبقاؤه صحيحًا حتى يثبت ما يفسده بالنص، أو الإجماع أو القياس الصحيح .[/font][font="][/font]
[font="]المفطر الخامس: إخراج الدم بالحجامة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم»(6)، فأما أَخْذُ الدم من البدن للتحليل فإنه لا يفطّر؛ لأنه يسيرٌ لا يؤثر على البدن تأثير الحجامة، ولا يفطّر خروج الدم بالرعاف ولو كثر؛ لأنه بغير اختيار الإنسان، ومثل ذلك: لو خرج الدم من جرح سكين، أو زجاجة، أو حادث ولو كثر؛ لأنه بغير اختياره، ولا يفطّر خروج الدم من قلع السن أو الضرس ولكن لا يبلع الدم؛ لأن بلع الدم حرام على الصائم وغيره؛ وعلى هذا فيجوز للصائم أن يقلع ضرسه وسنَّه ولا إثم عليه في ذلك، ولو وصل شيء من الدم إلى جوفه بغير اختياره في هذه الحال فإنه لا حرج عليه، ولا يفطر الصائم بشق الجرح لإخراج المادة منه ولو خرج معها دم، أما سحب الدم من شخص ليُحْقَنَ في شخص آخر فإنه يفطّر إذا كان كثيرًا يؤثر على البدن تأثير الحجامة؛ وعلى هذا فمَن كان صومه واجبًا فإنه لا يحلُّ له أن يتبرع بشيء من دمه إلا أن يكون لشخص مضطر لا يمكن صبره إلى الغروب فإنه يجوز للإنسان أن يتبرع بدم منه لهذا المضطر إذا قال الأطباء إنه تزول به الضرورة، وإذا سُحب منه الدم لهذا المضطر فإنه يكون مفطرًا بسبب مباح ويجوز له أن يأكل ويشرب بقية يومه ويقضي يومًا مكانه .[/font][font="][/font]
[font="]المفطر السادس: القيء وهو: إخراج ما في المعدة من طعام أو شراب، فإن خرج ذلك بدون تعمّد فلا حرج، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَن ذرعه القيء - أي: غَلَبَه - فليس عليه قضاء، ومَن استقاء عمدًا فلْيقْضِ»(7).[/font][font="][/font]
[font="]وهذه المفطّرات الستة لا تفطّر الصائم إلا بشروط وهي: أن يكون عالِمًا، ذاكرًا، مُختارًا، هذه شروط المفطّرات، فأما إذا فعلها جاهلاً فإنه لا يفطر سواء كان جاهلاً بالحكم أم جاهلاً بالوقت، فمَن أكل مثلاً يظن أن الفجر لم يطلع ثم تبيَّن له أنه طالع فصيامه صحيح، مثاله: رجل قام من النوم فأدنى سحوره وجعل يتسحّر وإذا بالناس يُقيمون الصلاة فإنه يجب عليه الإمساك حينئذٍ وليس عليه قضاء وصومه صحيح؛ لأنه جاهل، وكذلك لو أن أحدًا سمع مؤذِنًا للمغرب ثم أفطر وتبيَّن أن الشمس لم تغرب فإن صومه صحيح ولا قضاء عليه .[/font][font="][/font]
[font="]إني أقول هذا بدلالة الكتاب والسنَّة على ذلك، أما الكتاب فاسمعوا قول الله عزَّ وجل: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: 5]، وهذا الرجل الذي أكل في النهار من أوله أو آخره وهو لا يدري لم يتعمّد الإثم ولا الفطر ولكنه أخطأ، وقد نفى ربنا - وهو أرحم الراحمين - الجناحَ علينا إذا كان ذلك عن خطإٍ .[/font][font="][/font]
[font="]وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: «أفطرنا على عهد النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في يوم غيم ثم طلعت الشمس، فقد أفطروا في النهار لكنهم يظنّون أن الشمس قد غربت ولم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء»(8)، ولو كان القضاء واجبًا لأمَرَهم به؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجب عليه أن يبلّغ رسالة ربه لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة: 67]، ولو أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء لنُقِل إلينا نقلاً صحيحًا واضحًا؛ لأنه حينئذٍ يكون من شرع الله، وقد تكفَّل الله تعالى ببيانه وأوجب على رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - تبليغه، ولكن متى علم أنه في نهار وجب عليه أن يُمسك، فإن استمر بعد علمه بطَلَ صومه، ومَن أتى شيئًا من المفطرات ناسيًا فصومه تامٌّ ولا قضاء عليه حتى لو أكل حتى شبع أو شرب حتى روي وهو ناسٍ فإن صومه تامٌّ لا نقص فيه ولا قضاء عليه، أسْتَدِلُ لذلك بكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، أما كلام الله فقد قال الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286]، فقال الله تعالى: «قد فعلت»(9) أي: لا أؤاخذكم بالنسيان أو الخطأ، وأما كلام النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقد قال: «مَن نسي وهو صائم فأكل أو شرب فلْيُتمّ صومه فإنما أطعمه الله وسقاه»(10)، وتأمَّل - يا أخي - قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «فلْيُتمّ صومه» ليتبيَّن لك أن الصوم تامٌّ لا نقص فيه، ولكن متى ذَكَرَ أو ذُكِّرَ وجب عليه أن يُمسك حتى الذي في فمه يجب أن يلفظه، فإن بلعه بعد أن ذَكَرَ أو ذُكِّرَ بطل صومه، ومَن رأى صائمًا يأكل أو يشرب ناسيًا فلْيذكِّره؛ فإنه من التعاون على البر والتقوى، ومَن حصل عليه شيء من المفطّرات بغير اختياره فصومه صحيح، فلو طار إلى جوفه غبار أو تسرّب إليه ماء من المضمضة أو الاستنشاق فإن صومه صحيح ولا قضاء عليه .[/font][font="][/font]
[font="]النوع السابع من المفطرات: خروج دم الحيض والنفاس فهذا يختص بالنساء، فمتى خرج من المرأة حيض أو نفاس قبل الغروب ولو بلحظة بطلَ صومها، فإن خرج بعد الغروب ولو بلحظة فصومها صحيح ولا قضاء عليها حتى لو أن المرأة أحسّت بقرب خروج الحيض أو النفاس قبل الغروب ولكنه لم يخرج إلا بعد غروب الشمس فإن صومها صحيح ولا قضاء عليها، وأما ما اشتهر عند النساء من أن المرأة إذا حاضت بعد غروب الشمس وقبل أن تصلي المغرب فصومها باطل فإن هذا لا أساس له من الصحة .[/font][font="][/font]
[font="]ويجوز للصائم أن يكتحل وأن يتداوى بأي كحل أو دواء شاء وأن يقطّر دواء في أذنه ولا يُفطر بذلك ولو وجد طعمه في حلقه، ويجوز للصائم أن يداوي جروحه وأن يتطيَّب بالبخور وغيره ولكن لا يستنشق دخان البخور فيصلُ إلى جوفه .[/font][font="][/font]
[font="]ويجوز للصائم أن يستاك في أول النهار وآخر النهار بل السواك سنَّة للصائم وغير الصائم قبل الزوال وبعد الزوال ويتأكد عند الوضوء والصلاة والقيام من النوم ودخول البيت أول ما يدخل؛ فإن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - كان إذا دخل بيته أول ما يبدأ به السواك .[/font][font="][/font]
[font="]أيها الإخوة المسلمون، ماذا تظنون بفرض الصيام عليكم ؟ أَتَظُنُّون أنه للإمساك عن الأكل، والشرب، ومباشرة النساء، وغيرها من المفطّرات ؟ [/font][font="][/font]
[font="]نعم، هذا هو الصيام الحسي ولكن الصيام المعنوي الذي هو روح الصيام هو أن تتقوا الله تعالى كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَن لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»(11).[/font][font="][/font]
[font="]فاحفظوا - أيها المسلمون - صيامكم وحافظوا عليه والتزموا فيه حدود الله غير مُغالين ولا مفرّطين؛ فإن دين الله تعالى وسط بين الغالي فيه والجافي عنه «وتسحّروا فإن في السحور بركة»(12) كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمِن بركته: أنه يُعين على الصيام، ومن بركته: أن فيه امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ومِن بركته: أن فيه تأسِّيًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان يتسحر، وأخِّروا السحور فإن تأخيره أفضل، وأفطروا إذا غربت الشمس وبادروا بالفطر «فلا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر»(13)، وأفطروا على رُطَب، فإن لم يكن فتمر، فإن لم يكن فماء فإنه طهور، فإن لم يكن فعَلَى أي طعام أو شراب حلال، فإذا غربت الشمس والإنسان في مكان ليس فيه ما يفطر به فإنه ينوي الفطر بقلبه، وما اشتهر عند العوام أنه يمصّ أصبعه أو يعلك ثوبه ثم يمصّ ريقه الذي ابتلَّ به ثوبه فإن هذا لا أساس له من الصحة .[/font][font="][/font]