سلسلة إعداد وتربية
المرأة بين الإسلام ودعاوى التحرر
مقدمة عامة
من المهم بمكان قبل عقد أي مقارنات في هذا الصدد أو غيره ، أن نتفق علي معني واضح ومحدد للفظ الحرية ، إذ أن الملاحظ أن دعاة التحرر منذ إطلاق شعارها الأول إبان الثورة الفرنسية لم يقدموا لنا المعاني أو الأهداف التي يدل عليها اللفظ ، وكذلك لم يقدم مفكر وهم لنا ما نطلبه .
ولسنا نزعم أننا نتحدث باسم الطرف المقابل ، ولكن نتحدث رداً علي ماصدرعنهم من ملاحظات ، وما يقدمونه من طلبات انتصاراً لدعوتهم ، ونزعم أن هذه المطالب إنما تعبر عن منهج لديهم ، يقتنعون به ويدعون إليه ، بل ويسعون لحمل الناس عليه .
والذي يبدو لنا أن معني الحرية حسب قصدهم ، هو أن يفعل الإنسان ما يشاء ، وغير مسموح لأي مبدأ أو شخص أن يعطل هذه الإرادة أو يقف في سبيل تلك الرغبة ، فهذا هو ما يبدوا من خلال نمط دعوتهم ، ومن الأفكار التي يتبناها مثقفوهم .
وعلي ذلك فإن معني الحرية التي يدعوا إليها أنصارها الغربيون ومن شايعهم من أقوامنا يبتعد كثيرا عن مفهوم الحرية الذي يأمر به الإسلام ، فإن معني الحرية في الإسلام يكمن في تمكين الإنسان من القيام بدوره الطبيعي في الحياة ، دون عوائق أو مضايقات .
وهذا التعريف يقتضي مراعاة طبيعة ووظيفة الإنسان ، وبالتالي فهو يحتكم إلي المبادئ التي تحكم وظيفة الإنسان وإلي طبيعة الإنسان نفسه ، فهناك فرق بين الرجل والمرأة وبين الصغير والكبير . ومفهوم الحرية من منطلقها الشرعي يضمن لكل صنف من هؤلاء ممارسة أقصي ما تضمنه له المرحلة التي يحياها أو الوصف الذي يتصف به ، أما معاندة الطبيعة والخروج علي مقتضيات الوظيفة ، سواء كان ذلك في هذا الشأن أو غيره ، فإنها تجر علي البشرية الويل والهلاك .
هذا فيما يتعلق بالمفهوم وتحديده ، أما من ناحية التطبيق فإننا لاندعي أن المسلمين قد التزموا بكل ما فهموه من شرعهم الحنيف في هذه الناحية ( موضوع المناقشة ) أو في غيره من القضايا ، بل إن التقصير الذي مارسه المســـلمون في كل جوانب الحياة الأخرى قد مارسوه أيضاً – وربما بصورة أشد وأبشع – في كل ما يخص المرأة ، وأخطر صور هذه الممارسات ليست في مسلك الكثير من الآباء والأزواج والأخوة ، ولكن في تلك السطور التي كتبها بعض أهل العلم والتي أخذت زاوية متشددة في بيان طبيعة المرأة وتقييد وظيفتها ، ومن الواضح أن الخوف والذعر والهوي هو الذي أملي الكثير من هذه الأحكام .
بين يدي الموضوع
من ترتيب الأقدار أن تكون مكانة المرأة محل أخذ ورد بين الإسلام وغيره من التوجهات 00 ففي مواجهة الواقع المتدهور للمرأة في البيئة العربية أعلن الرسول منهجه علي الملأ بقوله ( حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة ) النسائي وأحمد 0 قالها النبي ليدلل علي علو مكانة المرأة في الإسلام خلافاً لما كان سائداً وقتها عند العرب وعند غيرهم من القوميات 0 حيث كانت المرأة في نظر بعض الأطروحات مصدر عار وخزي ولا تستحق سوى الدفن في صغرها 0 بينما كان البعض الآخر ينظر إليها باعتبارها نجس ورجس 0 بينما كان المفكرون عند فريق ثالث يبحث عن تحديد طبيعة المرأة أهي حيوان أم إنسان 0
واستمر الأخذ والرد حتى وقتنا هذا ولكن تغيرت الصورة حيث تم عكس الصورة عمدا ووُضع الإسلام في موضع المتهم ، إذ يدعي الآخرون أن الإسلام هضم حقوق المرأة وانتقص من مكانتها وفرض عليها وضع التابع للرجل 0
وهذا التجاذب الفكري حمل بعض السمات التي نشير إليها فيما يلي : -
السمة الأولي : الخلاف في تحديد طبيعة المرأة وإمكاناتها0
إن تحديد طبيعة الأشياء أمر لازم 00 إذ أن توزيع الأدوار يتم بالنظر إلي طبيعة وقدرات من يتحمل المسئولية 0
ولو أعرضنا عن الأقوال التي تبحث عن كينونة المرأة بشكل عبثي " أهي حيوان نجس أم إنسان نجس " 0 قل أن تجد من تعرض لبيان طبيعة المرأة سوي الإسلام 0
فهو الذي يقرر وضعها الإنساني ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي 0000 ) بل هي في هذه الناحية النصف المساوي للرجل بغير تمييز وذلك قول الرسول ( إن النساء شقائق الرجال ) الترمذي وأبو داود وغيرهما 0
والإسلام يعترف أن ما يطرأ علي المرأة من تغيرات قد تثير نفور الرجل ( الحيض والنفاس ) إنما هو قدر لا دخل لها فيه فلا يجوز تضخيم الأثر السيئ أو المعاناة التي يعانيها الرجل من جراء هذه التغيرات ( يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن 000 ) وفي ذلك يقول النبي ( إن حيضتك ليست في يدك ) مسلم وغيره 0
وقرر الإسلام أيضاً ما جاء الواقع ليؤكده من تغليب المرأة لعاطفتها علي مقتضيات التعقل فذلك قول النبي ( ناقصات عقل ودين ) متفق عليه 0 وقوله ( فإن المرأة خلقت من ضلع وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج ) متفق عليه ، وبين أن هذا ليس عيباً فيها بل هو معين لها علي وظيفتها فإن العقل لا ينهض للقيام بالمسئوليات التي تقوم بها المرأة مثل الحمل والإرضاع وتنظيف الصغار ، بل إن العاطفة وحدها هي التي تنشط للقيام بمثل هذه الأعمال ، ليس فقط من منطلق الواجب ، بل بالحب والرضا أيضاً .
كما يقرر الإسلام ميل المرأة إلي النعومة وقلة الجلد في المواجهات قال تعالي ( أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) 0
ومع ذلك فهو يعترف بخطورة هذا المخلوق الرقيق الحساس الناعم علي الرجل إذا انبعثت الفتنة من مرقدها فقال النبي ( ما تركت بعدي فتنة أضر علي الرجال من النساء ) متفق عليه 0 أما إذا حبست الفتنة وكان الإيمان والصلاح فهي حسنة الدنيا ( الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ) مسلم 0 بل إن نعم الجنة جزء أساسي منها الحور العين 0
السمة الثانية : الاختلاف في تحديد الوظيفة 0
من المسلم به أن الوظائف تتحدد بناءاً علي طبيعة وإمكانات الأفراد من جهة 0 ومن جهة أخري علي احتياجات وأهداف المجتمع 0 وإذا تم ذلك كان الانسجام وتحقق النجاح 0
في مملكة النحل كل فرد من أفرادها يدرك طبيعته ودوره ، والانسجام هو السمة الواضحة بين جميع أفرادها ، والعسل هو الناتج 00 الملكة هي الملكة 0 والذكور لا ينجو منهم كل عام إلا واحد والباقي مصيره القتل 0 والشغالات يعملن ليل نهار 0 ولم يحدث أن تمرد أحد علي دوره 0 ولو حدث لما كان هناك عسل 0 وفي النهاية سيلقي صاحب الخلية بالخلية وما فيها في مقالب القمامة إذ لم يعد منها فائدة 0
ولقد سبقت الإشارة إلي أن الآخرين لم ينظروا إلي طبيعة المرأة بعين الاعتبار ( ضعف البنيان البدني – تفوق العاطفة علي العقل – الميل إلي التنعم والراحة ) 0 وأيضاً لم يضعوا في الاعتبار أهداف واحتياجات المجتمعات حين حددوا وظيفة المرأة في المجتمعات فظلموها ولم ينصفوا المجتمعات 0
إن أهم احتياجات المجتمعات علي الإطلاق هو إصلاح الواقع ثم توريث الصلاح للأجيال المقبلة ، وتلك مهمة شاقة تحتاج إلي كل الجهود ، وإذا كان من الممكن في وقت ما تحقيق النجاح فإن الأهم هو الحفاظ علي هذا النجاح ، ولهذا كان من توجيهات الإسلام في هذا الشأن ما يلي :
1) إصلاح الواقع يحتاج إلي بيئة مناسبة فيها التوجيه والتأديب والأسوة أكثر من احتياجه إلي الأموال 00 فهو يحتاج إلي إعداد جيل صالح قادر علي عمارة الأرض .. ومن هنا كان خطورة وأهمية الدور الذي تقوم به المرأة حسب توجيه الإسلام لها 00 فهي المنوط بها أن تحمل العبء الأكبر من متطلبات الإصلاح ، وصدق من قال :
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
إن النصائح التي يلقيها الرجل علي مسامع أبنائه خلال فترات تواجده القليلة بينهم تذهب أدراج الرياح إذا لم تجد الأم التي تتابع تنفيذ هذه النصائح 0 فهل هناك بديل إذا صرفنا الأم عن هذا الواجب ؟0
إن المرأة تمثل الماعون أو الأرض الحاضنة لنبتة المستقبل ، ولهذا فقد اعتبر كثير من الفقهاء أن اختيار الزوجة هو حق من حقوق الأبناء علي الآباء ، وهذا هو فحوي الرد الذي أجاب به ابن الخطاب علي الولد الذي سأل إن كان له من حق علي والده حيث قال : أن ينتقي أمه وأن يحسن اسمه وأن يعلمه القرآن .
2) الجو الأسري المفعم بالحنان والرحمة ( عطاء الأم ) أصل لازم لاستقامة الصغار وخلوهم من العقد النفسية 0 والأب بحكم مسئولياته مشغول بكسب المعاش فكيف إذا شاركته الأم هذا الانشغال 00 فمن للصغار ؟ وتكفي نظرة إلي صغار الغرب 0 إذ يصدر عنهم كل غريب من السلوك والحقد علي المجتمعات والتمرد علي كل الثوابت وغير ذلك من مظاهر الشذوذ ، وما ذلك إلا رد فعل تجاه تلك المجتمعات التي سلبت الصغار حقهم في الالتصاق بأمهم فقتل فيهم الانتماء إلي كل شيء 0
ولقد أشارت إلي ذلك د / ايدالين الأمريكية حيث قالت : إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق 0 ولقد أثبتت التجارب أن عودة المرأة إلي الحريم هو الطريقة الوحيدة لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذى يسير فيه 0
ووافقها عضوان من الكونجرس حيث قال أحدهما إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقاً إذا بقيت في البيت الذى هو كيان الأسرة 0 بينما قال الآخر : إن الله عندما منح المرأة ميزة إنجاب الأولاد لم يطلب منها أن تتركهم لتعمل في الخارج 0
3) الكسب والكــد يحتاج إلي مــواصفات خاصة لا تتوفر إلا عند الرجل ولهذا كُلف بها قال تعالي ( فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقي ) لم يقل فتشقيا 0 فالشقاء بمعنى الكد والسعي من نصيب الرجل 0 وهذا بعض معاني قول الله تعالي ( الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض 00 )
والمرأة في أعماقها _ إذا استثنينا الشواذ منهن وصاحبات التجارب الخاصة وهن قلة وإن كن أعلي صوتاً – تدرك هذه الحقيقة 00 وحين تضطرها الأحوال للخروج طلباً للمعاش تتمنى لو أسعدها الحظ بالعودة إلي مملكتها 0 ومثال هذا المرأة الصالحة التي حدثنا القرآن عنها حين وجدت الفرصة للعودة إلي بيتها وترك السعي بين الرجال 00 لقد كانت العلة في خروجهن كما قال القرآن الكريم ( وأبونا شيخ كبير ) وحين توفر البديل كان المطلب كما حكي القرآن الكريم ( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين 000 ) 0
4) بناءاً علي ما سبق تقريره عن طبيعة المرأة فلقد فرض الإسلام الحماية لها وليس عليها 00 فالمقصد منها حمايتها من ضعفها ومن تسلط المجتمع عليها 0
- فهو يجعلها دائماً مسئولة من أقرب الرجال إليها ( الزوج 0 الأب 0 الأخ 0 الابن 000 ) ليقوم علي رعايتها ويتشاور معها فيما يخصها 0
- وحين يجعل الطلاق بيد الرجل فلأن الرجل غالباً يحسن التبصر بعواقب الأمور فيتروى ويفكر قبل أن يقدم علي الطلاق 00 وحين يجعل الخلع حقاً للمرأة فكأنما يدعوها للتفكير وإعادة النظر حيث عليها أن تتحمل الخسارة المادية 00 فلن تقدم علي هذه الخطوة إلا إذا سدت جميع الطرق الأخرى 0
- وحين يأمرها بإخفاء زينتها فهو يجنبها الأذى ، قال تعالي ( ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين 00) ويدفع عنها أصحاب القلوب المريضة – وما أكثرهم – كما أنه بشكل أو بآخر يحمي المرأة من نفسها 00 إذ أن المرأة التي تعرض اليوم سوف تكبر غدا وينزوي شبابها ويتغير جمالها ، وحينئذ سوف تعاني وتندم حين تري الأخريات يعرضن أنفسهن في وقت لا تستطيع هي فيه أن تعرض ، فماذا لو أمر الإسلام بإغلاق هذا الباب؟ .
السمة الثالثة : التناقض بين الدعوة والتطبيق عند كافة الأطراف 0
- فنرى العرب الذين صوروا المرأة قديماً علي أنها مصدر للخزي والعار 0 نراهم قد قدسوها وقبلوا الأرض تحت أقدامها وجعلوها محور اهتمامهم 00 ويكفي أن تقرأ شيئا من شعر العرب القديم لتدرك مدى التناقض الذي سقط فيه أولئك الناس 0
- أما اليهود فقد كانوا أقرب الأصناف إلي الوضوح والصراحة في تعاملهم مع المرأة واقترب مسلكهم من اعتقادهم في المرأة 00 فهم قد صوروها علي أنها النجس والرجس فتعاملوا معها في بيوتهم بناءً علي هذا الاعتقاد ، وإذا حاضت اعتزلوها فلم يخالطوها وفرضوا عليها حصاراً شديداً ، وعلموا أثرها الخطير علي الناس فعمدوا إلي استثمار هذا الأثر علي الآخرين ، حيث أدركوا مدي تأثيرها علي الرجال فجعلوا المرأة أكبر أسلحتهم التي استخدموها لإفساد الناس .
- أما أولئك الذين يزعمون تحرير المرأة فبنظرة واحدة ندرك أنهم أخطر الأصناف على الإطلاق فالمرأة عندهم سلعة تباع وتشتري 00 بل وتستخدم لترويج غيرها من السلع 00 والمستفيد الوحيد من دعوتهم هم الرجال المستهترون 00 الذين يحبون قضاء ما يشاءون من المرأة ثم يتركونها وحيدة بدون أن يتحملوا مسئولية في ذلك مادية كانت أو معنوية 00 ثم حاول المصلحون منهم أن يصححوا هذا الخطأ فجاءوا بخطأ جديد حين قالوا إن الدول لابد أن ترتب نظاماً ثابتاً لرعاية مثل هذه المرأة هي ومن يخرج من أحشائها من أطفال الخطيئة 0
- أما في الإسلام فبرغم ما ذكرته قيمه ومبادئه من إعلاء لشأن المرأة 0 فإن التطبيق في معظم فترات التاريخ – كما هو الحال مع كل القيم الإسلامية – قد جاء مخالفاً أو ناقصاً عما يدعوا إليه الإسلام 0 فأعطي المسلمون بذلك الذريعة لأعدائهم كي يتهموا الإسلام بمعاداة المرأة 0
إن الله تعالي قدم الدينونة ( التدين ومراقبة الله عز وجل والخوف من عقابه ) علي القضاء ( أحكام المحاكم أو المجالس العرفية ) خاصةً في مجال التعامل مع المرأة ( خلافاً لما تتبناه القوانين الوضعية التي لا تترك مكاناً للدينونة أصلاً ) وهذا كفيل بحل كل المشكلات أو في أضعف الأحوال يخفف من حدتها 0 ولكن لأن المرض واحد أصبح المسلمون يعملون ألف حساب للقضاء بينما لا يبالون بتوجيه الله تعالي 0
من ذلك مثلاً قول الله تعالي ( 00 ولاتعضلوهن لتذهبوا ببعض ماآتيتموهن000 ) وقوله ( 000 فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به 000 ) نهي عن العضل من جانب الرجل وهو إكراه المرأة بوسيلة أو بأخرى علي طلب الفراق طمعا في تنازلها عن بعض ما أخذت من الرجل عند الزواج 00 وبمقاييس البشر فإن إثبات العضل أمر عسير عند القضاء فلو لم يكن هناك دين يرد الرجل لتنازلت المرأة عن حق هي أولي به 00 لكن الدَّين الذي يراقب ربه يعلم أن ما دفعه إنما هو مقابل ما اطلع عليه من المرأة وأنه إن سعي إلي استرداده فهو إثم وبهتان ( 000 أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبينا * وكيف تأخذونه وقد أفضي بعضكم إلي بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً ) 0
ومن ذلك أيضاً التهديد المبهم الذي وجهه الله إلي رجال الأمة إذا فكروا في إساءة استخدام صلاحيتهم عند تأديب المرأة فقال تعالي ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا 0 إن الله كان علياً كبيرا ) 0
بل ويصل الأمر إلي تنبيه الذين يتدخلون للإصلاح بين الزوجين بضرورة إصلاح النية واعتبار ذلك شرطاً لتحقيق المصالحة وإلا فإن الله مطلع علي سرائرهم فقال تعالي ( إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً ) 0
وحين يجعل القيادة للرجل يحذر من إساءة استخدامها 0 وإن ظن الرجل قدرته علي المرأة فالله أقدر عليه ( وللرجال عليهن درجة 0 والله عزيز حكيم ) 0
وعند موت الرجل فلها عند موته كما كان لها في حياته ( 000 وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً ) 0
وبرغم كل ذلك فإن واقع المسلمين ليس أفضل من غيرهم 00 فإن العضل علي أشده 0 وإساءة استخدام حق القوامة حدث عنه ولا حرج 0 ولازالت مجتمعات كاملة تري عيباً أن ترث المرأة حقها المقرر شرعاً 0
أوضح مظاهر الاختلاف
أولا : العلاقات الزوجية
الخطبة
حقيقة الخطبة تكمن في أنها إظهار للرغبة في إنشاء بيت جديد وهي لاتزيد عن ذلك في شئ ولا يترتب عليها أي حقوق أو التزامات ، ولهذا لم يعطها الإسلام إلا بالقدر الذي يتناسب ومكانتها ، حيث أباح للخاطبين أن يري كل منهما الآخر ، وأن يستمع إليه ، يحدث ذلك بغير خلوة ، وبعد ذلك فهما صاحبا القرار ، ولئن جعل الإسلام الولاية للرجل في عقد النكاح ؛ فإن ذلك من أجل التحام العقل مع العاطفة في اختيار شريك المستقبل الذي تقضي المرأة معه باقي حياتها ، وبرغم هذه الولاية فإن القرار النهائي بيد صاحبة الأمر ، إن شاءت قبلت أو رفضت .
والإسلام لم يجعل الخطبة مسوغاً لكشف المستور ، أو الإطلاع علي العورات ، بل يظل كل ذلك مستوراً لاينفك ستره إلا بالعقد ، ويظل مصوناً حتى يتسلم الرجل أمانته علي رؤوس الأشهاد ، وبعد أن يؤدي ما عليه من التزامات .
أما إذا لم يحدث وفاق فإن كل طرف ينصرف إلي حاله ، وهو مأمور شرعاً بستر مارآه ، ولا يجوز أن يطلق لسانه بالقول في الطرف الآخر بما يسيء .
ولدي القوم ما يخالف ذلك ، فإن الخطبة عندهم تعني إباحة كل شيء ، وممارسة كل شيء ، ولا مانع أن يقدر بينهم ولد ، ثم بعد ذلك لهما أن يقررا إما الاستمرار أو التوقف .
وحتى نبين بعض مميزات النمط الإسلامي في الخطبة ، نذكر أن عامة النساء في دول المعمورة يسرهن عند الزفاف أن يظهرن بصورة البكر ، التي لم يسبق لها معاشرة الرجال ، كما أن التقاليد في بعض الأماكن تجعل للبكر ثوباً ابيض عند الزفاف ولغيرها ما شاءت من الألوان ، فإن تاقت نفس إحداهن ( غير بكر ) إلي الثوب الأبيض قيل لها أن الشباب يعلمون أنها غير صادقة .
المعاشرة بالتراضي واغتصاب الزوجات
يطلق القوم علي مواقعة الزوجة بغير رضاها الاغتصاب ، ويطالبون بتجريم الفعل وتوقيع العقوبة علي الفاعل ، استناداً إلي القاعدة التي وضعوها لأنفسهم وجعلوها مصدراً من مصادر التشريع عندهم وهي أن رغبة المرأة هي الموجبة للفعل أو الترك .
وتصور الإسلام للعلاقة : أن المرأة لا يجوز لها أن تمتنع عن زوجها إذا طلبها ، كما أن عليه أن يتشوف رغبتها ليقضيها لها ، أي أن الأمر يتم بتكامل ، يقوم علي أساس مراعاة المشاعر والاحتياجات .
والإسلام بذلك يتعامل مع القضية بمنتهي العمق ويراعي كافة الأبعاد الاجتماعية والنفسية والأخلاقية ، فهو بذلك يقرر ماشهد الواقع بصدقة من أن المرأة ذات طابع تغلب عليه العاطفة ، تلك العاطفة التي تكون أحياناً مثالاً للرقة ، وقد تنقلب في حالات أخري مثالاً للقسوة ، وهذا شأن كل متقلب كالعواطف ، ولو أن المرأة لأي سبب تجرأت علي هجر زوجها فلئن تركت لمرة أو مرتين فذلك يورثها قسوة لاتنتهي أبداً , وهذا بالتأكيد يسبب انفصام عري الزوجية وقطع كافة العلائق بين الزوجين ، في حين أن الإسلام حريص علي إبقاء الرغبة بين الزوجين حفاظاً علي النوع ، وفي نفس الوقت فكما يقول العقلاء : إن تلك الغريزة تحل أكبر المشكلات ، ففي حال بقائها تدفع الطرفين إلي تجاوز الكثير من المشكلات الصغيرة ، تلك المشكلات التي يقول العقل أن تجاوزها أفضل من الخوض فيها .
ومن ناحية أخري فإن الرجل إذا تأبت عليه امرأته ثارت كرامته ، وخرجت رغبته عن حدها الطبيعي ، وما لم يكن له دين يرده ، فمن المحتمل أن يلجأ إلي وسائل أخرى يعوض بها هذا النقص ، ويكون ذلك سبباً في انهيار الأخلاق ، وانتشار الرذيلة
القوامة
من المسلم به لدي جميع الخلق أن كل جمع من الناس لابد له من قائد ، يتولي مسئولية التخطيط والإشراف علي التنفيذ ، ومكافأة المحسن ومعاقبة المسيء ، ولابد أن يكون لدية من الملكات والطاقات ما يؤهله لهذا العمل ، لابد لكل سفينة من ربان تلك قاعدة لا يختلف عليها أحد ، ,إذا كانت الحياة الزوجية هي أهم سفننا علي الإطلاق ، تري لمن نسلم قيادها ؟ ألمن يقدر خطورة الأمر ولدية طاقات تمكنه من التبصر والنظر إلي النتائج وتقدير العواقب أم إلي من لا يلقي بالاً إلا لمشاعره ورغباته .
لقد ثبت يقيناً أن المرأة تميل إلي تحكيم عاطفتها ( وهذا لايعد عيباً فيها ) بينما يغلب علي الرجل تحكيم عقله ، ولو نظرنا إلي أرض الواقع لوجدناه خير شاهد علي ذلك ، فمثلا بينما ينشغل الرجل بحسابات المواجهة مع العدو ، وحساب النتائج المترتبة علي أي تصرف يصدر من هنا أو هناك ، قد نجد المرأة توجه اهتمامها الأكبر إلي لون عين العدو ومدي عذوبة كلماته ، وربما لا يعنيها ما يسببه لها أو لقومها من آلام . وهناك من الأحداث ما يؤيد هذا القول ، فمن وقت قريب انتشر خبر جريمة أخلاقية ارتكبها رئيس دولة كبري مع موظفة لديه ، وفي التحقيقات كذب علي شعبه ، فهي جريمة مزدوجة لا تغتفر في حق القادة ، وهذا الشعب أسقط من قبل رؤساء لفعل أهون من ذلك ، ولكن كانت المفاجأة في استطلاعات الرأي أن شعبيته زادت ، وقيل صراحة أن سبب ذلك هو إقبال النساء علي التصويت لصالحه ، وتناست النسوة ما قام به وتضليل شعبه ، حيث لعب لون عينيه ورشاقته وحسن هندامه دوراً كبيراً في ارتفاع أسهمه بين النساء . ومنذ وقت قريب وبرغم الحملة الشعواء التي تشنها أمريكا وتؤيدها كافة حكومات العالم - علي أفغانستان عامة وبن لادن خاصة بدعوى محاربة الإرهاب ( مع تحفظنا علي الأمر برمته ) ، إلا أن أسامة بن لادن أصبح معبود ملايين النسوة في أنحاء العالم ، وعبر الكثير منهن ( وهن لسن مسلمات ) عن رغبتهن في الزواج من أسامة بن لادن .
إن الإسلام يسلم القيادة لمن يري أنه جدير بها ، أو بعبارة أخري من لديه القدرة علي القيام بمسئولياتها ، هذه القدرة التى هي في الأصل هبة ( بما فضل الله بعضهم علي بعض ) ومنها المكتسب ( وبما أنفقوا من أموالهم ) ، وفي نفس الوقت يطالب هذا القائد وهو الرجل بمشاورة باقي الطاقم من أجل الحرص علي تنقيح الأفكار ودراسة كل التصورات والوصول إلي أفضل الحلول ، فالرجل وهو يشاور أهل بيته يكتسب عقلهم إلي عقله وخبرتهم إلي خبرته ، فالكل شريك في سفينة واحدة وفي مصير واحد ، وعليه في النهاية مسئولية اتخاذ القرار .
وحتى الآن لم يقدم لنا المخالفون إجابة واضحة عن السؤال ، هم فقط عابوا علي الإسلام أن جعل القوامة محصورة في الرجل ولكن لم يقولوا لنا إن لم تكن للرجل فلمن تكون ؟ أتكون للمرأة ؟ أم نلجأ إلي أسلوب مجلس الإدارة ( وهذا بالضبط ما يأمر به الإسلام ) ؟ أم في النهاية نتركها مع الرجل ونقرر للمرأة حق النقض ( الفيتو ) ونجعل بيت الزوجية صورة من العالم الحديث بصراعاته ومشاكله ؟ .
التأديب
من المسلم به أن لكل إنسان شطحات ونزوات ، ونحن نلجأ إلي العقل كثيراً لنتجنب هذه الشطحات التي يمكن أن تدمر حياتنا ، ولكن إذا أفلت شئ من زمام العقل فهل نتركه أو نصوبه ، لابد إذا من التصويب ، لأن ترك الخطأ معناه تدمير الحياة العامة والخاصة ، فمن الذي يملك سلطة التأديب ، وهل هناك من يرفض هذا النظام ؟ إن كان كذلك فلم لا يرفض وجود الشرطة والمحاكم وغير ذلك من وسائل إحقاق الحقوق ومنع المنكرات ومقاومة الانحراف ، وكل هذه التنظيمات ضرورية ولازمة لاستتباب الأمن وضمان الحقوق .
لقد قام منهج الإسلام أن المسئولية يقابلها حقوق وواجبات ، ومادام نظام الإسلام قد قرر أن المسئولية تقع علي عاتق الرجل فلابد من أن يكون بين يديه من الصلاحيات ما يمكنه من تحقيق النتيجة المكلف بها ، ومن هذه الصلاحيات تأديب المخطئ حتى ولو كان الزوجة ، وهذا الأمر له إطار شرعي فليس معناه التسلط ، فإننا نعيب علي أي صاحب سلطة التسلط والقهر الذي يمارسه علي الآخرين بسلطانه ، ولكن يكون استخدام السلطة فقط بما يضمن إصلاح الخطأ .
ولضمان عدم إساءة استخدام هذه السلطة ، فلقد جعل الإسلام الرقيب عليها أولا هو الله العليم ببواطن الأمر وظواهرها ، وهذا في حد ذاته أكبر عامل تخويف لكل إنسان فهو يجعله في مواجهة دائمة مع نفسه ، ,وإن كان يستطيع الكذب علي الدنيا كلها فهو لا يقدر أن يفعل ذلك مع نفسه ، ولهذا فإنه سيفكر ألف مرة قبل أن يتمادي في استخدام السلطات التي أعطاها له رب العزة ، وسيذكر إضافة إلي ذلك أن الكريم فقط هو الذي يكرم نساءه وأن اللئيم فقط هو الذي يهين نساءه ، فهذا ما وصي به نبي الإسلام كل المسلمين .
وفي المقابل فإذا رأت المرأة من زوجها تعنتاً في استخدام سلطاته فهناك من الطرق الشرعية ما يضمن لها حقها فهناك التحكيم ( فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ) ، وإن عجز الحكمان ( فالسلطان ولي من لاسلطان له ) .
التعدد
إذا تحدثنا عن التعدد فإننا نعجب ممن يسخر من مواطن الفخر لدي الآخرين ، في حين أنه لايحظي بمثلها ، كما أنه لم يحاول أن يتعرف إلي مبررات وجودها لدي الآخرين ، وها هنا مثل يقال ( عابوا علي الورد احمرار خده ) .
إن الإسلام بإقراره نظام التعدد إنما يراعي الفطرة الإنسانية السليمة ( وليست المريضة أو الفاسدة ) وتكون أحكامه طبقاً لطبيعة من ينفذ هذا الحكم وهناك بعض المعلومات نقدمها لمن لا يعرفها وكلها تتعلق بالتعدد الذي شرعه الإسلام :
1) إن طبيعة المرأة لاتقبل إلا الرجل الواحد وهذا من شأن ذوات العواطف المرهفة ، وفي نفس الوقت فهو رحمة من الله ، فلقد ثبت أن تعدد الماء في الماعون الواحد يجلب من الأمراض ما لاحصر له ( المرأة تكون لأكثر من رجل ) ، هذا إذا استثنينا الشواذ من النساء اللاتي لايستقيم معهن هذا الحكم وتلك الفطرة ، وأما الرجل فإن طبيعته تقبل العديد من النساء وليس في الأمر مبالغة إذا قلنا بل هو يتمني ذلك ، فيا تري لو أغلق أمامه باب الحلال لتحقيق هذه الرغبة فهل سيجد باباً سوي باب الحرام ؟ ومن عجيب الأمر أن الذين ينددون بنظام التعدد الذي أقره الإسلام يقبلون بنظيره عندهم وهو تعدد الأخلة وصدق من يقول : يقبلونها خليلة ويرفضونها حليلة .
2) التعدد فيه مصلحة بدنية ونفسية لكل أطراف العلاقة الزوج والزوجات علي السواء ،إذ أنه من أخطر عوامل الهدم علي العلاقة الزوجية الرتابة والتكرار الذي يوصل كافة الأطراف إلي حالة الملل ، وهناك من أهل العلم من يسعي لإيجاد حلول مبتكرة للقضاء علي هذا الملل الذي يقتل العواطف ويقيم جبال الثلج بين الزوجين ، فيأتي التعدد ليقطع الطريق علي تلال الملل ويجعل الدفء والحيوية يعودان إلي تلك السفينة التي كانت قبل قليل توشك أن تدخل تيه الملل والرتابة ، ولا غرابة إذا رأينا الحذاق من الأطباء ينصحون بالتعدد لمن شكا ضعف معاشرته لامرأته بغير مرض ، ولمن شاء فليستطلع رأي النسوة اللائي عدد أزواجهن الزوجات في المعاشرة قبل التعدد وبعده ، والنتيجة معروفة فهي دراسات علمية موثقة لاينكرها عاقل .
3) التعدد فيه حل لمشكلة لا تحل إلا به ، ونحن نتحدي من عابوا التعدد أن يقدموا لنا حلاً لتلك المشكلة ، ألا وهي كثرة عدد النسوة ليس فقط في أوقات الحروب بل حتى في ذلك الوقت وفي الظروف العادية وكأنه تحدي من الله ، فليرنا كل صاحب فكر ماعنده لحل هذه المشكلة ، إن الإحصاءات شبه الرسمية تبشرنا بأن عدد النسوة في سن الزواج يفوق عدد الشباب في سن الزواج بنسبة كبيرة يوصلها البعض إلي ثلاثة أضعاف ، وإذا قلنا أن التقدير فيه مبالغة وهو أقل من ذلك فعلي الأقل هذا العدد يمثل مشكلة للمجتمع ، ولو أضفنا إلي هذا العدد ما أظهرته دراسة حديثة من مركز بحوث الدراسات الجنائية والاجتماعية أن عدد النسوة اللائي تجاوزن سن الزواج في مصر وحدها وهن فوق الثلاثين قد بلغ ستة ملايين ونصف المليون منهن ثلاثة ملايين مطلقة وأرملة ، لو أضفنا هذا العدد إلي النسبة المذكورة لعلمنا أننا أمام مشكلة حقيقية ، فكل امرأة يلا زوج هي قنبلة موقوتة توشك عل الانفجار فما هو الحل ؟ .
إن الآخرين لا يرون في التعدد إلا أنه إيلام للمرأة وإنقاص لحقها ، ويقولون إنه امتهان لكرامتها ، وأذكر أنه ذات مرة سألت امرأة غير مسلمة امرأة مسلمة فقالت : إن الإسلام قد ضيع كرامة المرأة بالتعدد ، فقلت لها : أسألك بالله ولا تكذبي ، كيف حال الزنا عندكم ؟ فقالت في تلقائية وسرعة : إنهم جميعاً أنجاس ويباشرون الزنا ويحبونه ، فقلت لها : أيهما أكرم للمرأة أن يتزوج زوجها بأخرى أم يزني ؟ فأجابت : بل يتزوج .
أضف إلي ما سبق وذكرناه عن الجوانب الإيجابية بل والضرورة الحتمية للتعدد ، أضف إليه أمراً آخر ، وهو أن الذين يخفون الكثير من هذه الجوانب رغبة منهم في هزيمة الإسلام وقيمه ، قد فاتهم أمر آخر وهو نور الإسلام وبهاؤه وإشراقة في قلب من دان به ، ومدي تقبله لأحكام شريعته ، فبينما يدعي هؤلاء القوم أنهم يسعون لتقديم الراحة والحقوق إلي الناس تماماً كما زعم غيرهم من قبل ممن روج للشيوعية ، ينسون أن الحياة فيها التعب والمعاناه ، وأنها لن تخلو من ذلك أبداً ، وأن ادعاء إقامة الفردوس علي الأرض هو ضرب من الخيال محال المنال ، وعلي الناس أن يتكيفوا مع هذه الحقيقة ، تلك الحقيقة التي لم تغب عن بال المسلم أبداً ، حيث يعلم ويوقن بقول الله تعالي ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) وهويتعامل مع هذه الحقيقة ويتكيف معها ، فلا يجزع ولا ييأس ابداً ، بل يرجو رحمة الله في الدنيا بتخفيف المتاعب وفي الآخرة بالأجر علي ما كابد في الدنيا وتحمل طاعة لله ، وأنه إذا كان الله قد كتب الجهاد علي الرجال فلقد كتب الغيرة علي النساء وأن من صبرت منهن علي غيرتها فقد كتب الله لها أجر المجاهدين في سبيل الله .
في الميراث .
لقد عاب القوم علي الإسلام إنقاص حق المرأة عن الرجل في الميراث ، مستدلين بالتوجيه السماوي في حق البنت أو الأخت أنها علي النصف من أخيها ، ولما قيل لهم أن عليهم أن يقارنوا ما جاء به الإسلام بما كانت عليه المرأة في ذلك الوقت ، كأنما نزل القول عليهم كهدية من السماء ، إذ رأوا فيه انتصاراً لقولهم فأضافوا : لا ننكر أن الإسلام قد أنصف المرأة في هذه الناحية وقت نزوله ؛ ولكن المقارنة الآن ليست مع الإسلام وجاهلية العرب بل مع الحضارات الحديثة .
وهنا ؛ لابد أن ننبه علي أمرين حتى يستقيم الحوار :
أما الأمر الأول فهو : كيف يعيب من لا نظام لديه علي من لديه نظام ؟ فحتى الآن وكل دول العالم قاطبة فيما عدا الدول الإسلامية ليس لديها نظام للمواريث ، بل إن الأمر يتم وفق رغبة المورث ، يعطي من شاء ويمنع من شاء ، بل كثيراً ما نسمع أن بعضهم يترك ثروة بالملايين لمن ؟ ربما لكلبه ، وربما يحرم جميع الورثة ويوقف المال علي أي عمل أو مشروع المهم أن يبعده عن مستحقيه ، بالمقارنة فإن الإسلام يحرم علي المورث أن يمنع وارثاً من إرثه ، وإن فعل فمن حق الورثة أن يغيروا الوصية ، ومن حق المتضرر أن يطعن فيها .
ولقد تنبهت بعض الدول إلي خطورة هذا الأمر ولكنها حسبت الأمر من وجهة نظر اقتصادية بحتة فجعلت الميراث منحصراً في أكبر أولاده الذكور ، حتى لا يتفتت رأس المال ، أو إن كانت صناعة فلا تتوقف .
ثانياً : نحن نرفض وبشدة المنهج الإبليسي في تفسير القرآن وأحكامه ، نقول ذلك لأن إبليس لا يعترف من القرآن إلا بقوله تعالي ( لاتقربوا الصلاة ) وقوله ( فويل للمصلين ) دون أن يلتفت إلي ما قبلها أو ما بعدها مدعياً أن هذا ما يحفظه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها . فالقوم فعلوا ذلك ، حيث نظروا إلي جزئية من جزئيات التشريع وفصلوها عن أصلها ، وفي العادة لا يلجأ إلي هذا الأسلوب إلا من لاحجة لديه ، وهذا مما يسمي ( لوي عنق النص ) .
إنهم نظروا إلي نصيب المرأة في الحالتين المذكورتين ، ولم ينظروا إلي وضعها العام في المنهج الإسلامي ، كإبنة أو أخت أو زوجة ، إنها في كل الحالات مسئولة من أقرب رجل لها ، من زوجها أو أبيها أو أخيها ، وهذا فرض شرعي لايخضع لتقلبات الأعراف بل هو مطلوب ديانةً وقضاءً ، وفي ظل هذا التصور فإن المرأة لا تكلف بالإنفاق علي نفسها حتى ولو كانت موسرة ، وبالتالي فإن كل ما تحصل عليه من الميراث إنما هو فضل زائد ، بخلاف ما يحصل عليه الرجل ، فهو يدخل في صلب النفقات المكلف بها شرعاً .
في نظام الحياة العامة .
العمل
والمقصود بالعمل هو خروج الرجل والمرأة إلي ميدان الحياة اليومية ، في كل الأماكن وفي كل الأوقات تري الرجل جنباً إلي جنب مع المرأة ، و تقوم فكرة العمل لدي القوم علي أنها حق وواجب مطلق لكل من الطرفين ، بصرف النظر عن أي اعتبارات أخري من دين أو عقل أو مشاهدة .
وفي التصور الإسلامي فإن العمل بالنسبة للمرأة له نظامه ، فعليها أن تقوم بدورها الرئيس في صنع الأجيال ، وهذا يستغرق كل وقتها وجهدها ، بل قل من تقوم به منهن ، وإذا كان البعض يستعيض عن دور المرأة في الواجبات المنزلية باستحضار الشغالات و الطباخين وما إلي ذلك ، برغم الكلفة العالية وعدم الأمانة التي قد تظهر من البعض ، إضافة إلي هتك الأسرار الذي يدمر البيوت ، إذا كان من الممكن أن يحل ذلك ولو بصورة جزئية مشكلة عدم تواجد المرأة في البيت ، فماذا نحن فاعلون في رعاية الأولاد ؟ وهل يمكن أن تقوم المربية المستأجرة بنفس الدور ؟ هل تعطي الحنان كالأم ؟ هل ترعي المصلحة كالأم ؟ هل تنجح المربية في نزع عقد الطفولة ؟ هل يمكن أن تفرز جيلاً سوياً ؟ إن نظرة واحدة إلي أطفال الغرب ، وكذلك من تربوا بعيدا عن حضن أمهاتهم لتكشف زيف ذلك .
لقد قرر الإسلام بناءً علي ما سبق ذكره من تحديد وظيفة كل طرف من الأطراف وفق إمكاناته ووفق احتياجات المجتمع منه ، أن دور المرأة الأساسي الذي تثاب عليه والذي يحقق عائداً فعلياً للمجتمعات هو تأمين مملكتها الذي هو بيت الزوجية ، وإعداد أجيال المستقبل القادرة علي حمل الأمانة ، مع هذا يجوز لها أن تضيف إلي هذا الواجب واجب العمل في ميادين الحياة وذلك في إحدى الحالتين :
الحالة الأولي : إذا احتاج المجتمع إليها أخرجها ، كمدرسة أوطبيبة أو ممرضة أو غير ذلك من الأعمال التي تنجح فيها المرأة أفضل من الرجل ، أو تلك الأعمال التي يمارسها الرجل وفيها احتكاك دائم بالمرأة ويلزم وجود امرأة لتتطلع علي ما لا يجوز للرجل أن يطلع عليه .
الحالة الثانية : وهي أن تخرج المرأة للعمل إذا احتاجت ولم يكن لها من يعولها ، وإن كان الأولي أن يقوم المجتمع برعايتها وكفايتها حتى تعود إلي مملكتها ، والمؤمنة الصادقة تترقب الفرصة التي تتخلص فيها من مزاحمة الرجال لتعود إلي مملكتها كما فعلت ابنتا شعيب عليه السلام حينما قيض الله لهما موسى عليه السلام ليحمل عنهما عبء السعي .
الزينة
مما لاشك فيه أن المرأة مخلوق مميز حقاً ، ويكفي أنها تثير في نفس الرجل ما لا تثيره غيره من المغريات ، فكيف إذا أضفنا إلي هذا المخلوق المثير مزيد فتنة وأطلقناها في الشارع يراها الناس بغير حساب ، إننا أولا نسكب البنزين علي النار في نفس الوقت الذي نطالبها فيه ألا تشتعل ، وثانيا فإننا بهذا الفعل ننتقص من حق صاحب الحق الأصلي وهو الزوج ، وثالثاً فإننا نخلق جواً من العبث الذي لا يليق بإنسان صاحب رسالة .
فمن حيث هو فتنة فهو ما تقرره المشاهدة ، وإن الرجل ليجد خارج بيته من الزينة والفتنة ما لا يجده في بيته ، فما الذي يدفعه للإبقاء علي من في البيت ، ولو تصورت تلك التي تعرض نفسها الآن ما سيكون عليه الحال بعد ثلاثين سنة مثلاً فهل تقبل أن تمارس معها أخري ما فعلته هي منذ وقت طويل ؟ إن الإسلام بمحاربة الفتنة إنما يؤمن البيوت من الفتنة ويحميها بسياج الأخلاق الفاضلة .
ومن حيث هو انتقاص من حق صاحب الحق الأصلي ، فإن الرجل هو صاحب هذا الكنز الثمين ولا يوجد عاقل يقبل بأن يوزع ثروته هكذا علي الناس بغير حساب ، ومن هنا حتى وإن تغاضي الرجل في بعض الحالات إلا أن الغيرة تنهشه والظنون تفترسه ، حتى وإن كان لا يدري سبباً ظاهراً لذلك ، ونحـن طبعاً نتحدث عن الرجال الأسوياء سليمي الفطرة ، لا عن أولئك الذين ماتت فيهم النخوة ، أو الذين أماتت فيهم الخمر موازين الحكمة و قواعد الرجولة .
أما من حيث هو عبث ، فلأن المرأة تخبرك أنها تتزين لا لشيء إلا للزينة وتقول لك بلسانها ( هذا أمر عادي لا أفعله لسبب ) ، وهذا في حد ذاته صورة من العبث ، وهو أن يعمل الإنسان العمل بغير هدف ، وهذا أصلاً نابع من حالة العبث التي تحياها الأمة ، فنحن نري ونسمع ( الرياضة للرياضة والفن للفن وغير ذلك ) ، في حين أن القوم أصحاب الرسالة لا يعملون عملاً إلا له هدف ، وهم يرون أن كل عمل لا يخدم قضية الإنسان إنما هو من ضروب العبث التي لا تليق بأصحاب المبادئ .
استثمار بدن المرأة بين الإسلام وغيره
من الأمور التي شدد فيها الإسلام ، عدم جواز استعمال بدن المرأة في الترويج لغيرها من السلع ، حيث رفضه بشدة ونبه علي حرمته ، مبشراً من يفعل ذلك بخراب عاجل ، وهذا من مناطق الخطر التي لا يجوز لمسلم أن يقترب منها .
وعند القوم فبرغم ما يروجونه من احترام للمرأة وتقديس لدورها ، فإن المرأة عندهم من أهم العوامل المساعدة التي تروج لغيرها من السلع وكل السلع ، علي الرغم من أنه لا توجد علاقة بين جسد المرأة وبين تلك المنتجات ، وإلا فليقل لنا القوم ما هي علاقة جسد المرآة بأمواس الحلاقة ومعجون الأسنان وأجهزة التكييف والسيارات والأجهزة الكهربائية ، إذ لا يخلو إعلان من صورة لامرأة عارية تغلف تلك المنتجات ، كأنما يتعاملون مع مجتمعات لاتبني قراراتها إلا علي الشهوة ومن أجل الصورة الجميلة والجسد الفتان .
وإذا قال لنا القوم أن هذا لا يرضيهم ، وأنهم ضد هذا العمل ، لسألناهم فما الذي فعلتموه لإيقاف هذه النخاسة الحديثة ؟ ، هل ثارت جمعيات حقوق المرأة التي أزعجتنا خلال السنوات الماضية بالصراخ علي حقوق المرأة المضيعة في المجتمع المسلم ؟ هل قامت برفع دعاوى ضد الشركات المعلنة ؟ هل تبرأت النساء ممن تقمن بهذا العمل ؟ .
والله ولي التوفيق ،،،
الشيخ / مرسي بسيوني مرسي
المرأة بين الإسلام ودعاوى التحرر
مقدمة عامة
من المهم بمكان قبل عقد أي مقارنات في هذا الصدد أو غيره ، أن نتفق علي معني واضح ومحدد للفظ الحرية ، إذ أن الملاحظ أن دعاة التحرر منذ إطلاق شعارها الأول إبان الثورة الفرنسية لم يقدموا لنا المعاني أو الأهداف التي يدل عليها اللفظ ، وكذلك لم يقدم مفكر وهم لنا ما نطلبه .
ولسنا نزعم أننا نتحدث باسم الطرف المقابل ، ولكن نتحدث رداً علي ماصدرعنهم من ملاحظات ، وما يقدمونه من طلبات انتصاراً لدعوتهم ، ونزعم أن هذه المطالب إنما تعبر عن منهج لديهم ، يقتنعون به ويدعون إليه ، بل ويسعون لحمل الناس عليه .
والذي يبدو لنا أن معني الحرية حسب قصدهم ، هو أن يفعل الإنسان ما يشاء ، وغير مسموح لأي مبدأ أو شخص أن يعطل هذه الإرادة أو يقف في سبيل تلك الرغبة ، فهذا هو ما يبدوا من خلال نمط دعوتهم ، ومن الأفكار التي يتبناها مثقفوهم .
وعلي ذلك فإن معني الحرية التي يدعوا إليها أنصارها الغربيون ومن شايعهم من أقوامنا يبتعد كثيرا عن مفهوم الحرية الذي يأمر به الإسلام ، فإن معني الحرية في الإسلام يكمن في تمكين الإنسان من القيام بدوره الطبيعي في الحياة ، دون عوائق أو مضايقات .
وهذا التعريف يقتضي مراعاة طبيعة ووظيفة الإنسان ، وبالتالي فهو يحتكم إلي المبادئ التي تحكم وظيفة الإنسان وإلي طبيعة الإنسان نفسه ، فهناك فرق بين الرجل والمرأة وبين الصغير والكبير . ومفهوم الحرية من منطلقها الشرعي يضمن لكل صنف من هؤلاء ممارسة أقصي ما تضمنه له المرحلة التي يحياها أو الوصف الذي يتصف به ، أما معاندة الطبيعة والخروج علي مقتضيات الوظيفة ، سواء كان ذلك في هذا الشأن أو غيره ، فإنها تجر علي البشرية الويل والهلاك .
هذا فيما يتعلق بالمفهوم وتحديده ، أما من ناحية التطبيق فإننا لاندعي أن المسلمين قد التزموا بكل ما فهموه من شرعهم الحنيف في هذه الناحية ( موضوع المناقشة ) أو في غيره من القضايا ، بل إن التقصير الذي مارسه المســـلمون في كل جوانب الحياة الأخرى قد مارسوه أيضاً – وربما بصورة أشد وأبشع – في كل ما يخص المرأة ، وأخطر صور هذه الممارسات ليست في مسلك الكثير من الآباء والأزواج والأخوة ، ولكن في تلك السطور التي كتبها بعض أهل العلم والتي أخذت زاوية متشددة في بيان طبيعة المرأة وتقييد وظيفتها ، ومن الواضح أن الخوف والذعر والهوي هو الذي أملي الكثير من هذه الأحكام .
بين يدي الموضوع
من ترتيب الأقدار أن تكون مكانة المرأة محل أخذ ورد بين الإسلام وغيره من التوجهات 00 ففي مواجهة الواقع المتدهور للمرأة في البيئة العربية أعلن الرسول منهجه علي الملأ بقوله ( حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة ) النسائي وأحمد 0 قالها النبي ليدلل علي علو مكانة المرأة في الإسلام خلافاً لما كان سائداً وقتها عند العرب وعند غيرهم من القوميات 0 حيث كانت المرأة في نظر بعض الأطروحات مصدر عار وخزي ولا تستحق سوى الدفن في صغرها 0 بينما كان البعض الآخر ينظر إليها باعتبارها نجس ورجس 0 بينما كان المفكرون عند فريق ثالث يبحث عن تحديد طبيعة المرأة أهي حيوان أم إنسان 0
واستمر الأخذ والرد حتى وقتنا هذا ولكن تغيرت الصورة حيث تم عكس الصورة عمدا ووُضع الإسلام في موضع المتهم ، إذ يدعي الآخرون أن الإسلام هضم حقوق المرأة وانتقص من مكانتها وفرض عليها وضع التابع للرجل 0
وهذا التجاذب الفكري حمل بعض السمات التي نشير إليها فيما يلي : -
السمة الأولي : الخلاف في تحديد طبيعة المرأة وإمكاناتها0
إن تحديد طبيعة الأشياء أمر لازم 00 إذ أن توزيع الأدوار يتم بالنظر إلي طبيعة وقدرات من يتحمل المسئولية 0
ولو أعرضنا عن الأقوال التي تبحث عن كينونة المرأة بشكل عبثي " أهي حيوان نجس أم إنسان نجس " 0 قل أن تجد من تعرض لبيان طبيعة المرأة سوي الإسلام 0
فهو الذي يقرر وضعها الإنساني ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي 0000 ) بل هي في هذه الناحية النصف المساوي للرجل بغير تمييز وذلك قول الرسول ( إن النساء شقائق الرجال ) الترمذي وأبو داود وغيرهما 0
والإسلام يعترف أن ما يطرأ علي المرأة من تغيرات قد تثير نفور الرجل ( الحيض والنفاس ) إنما هو قدر لا دخل لها فيه فلا يجوز تضخيم الأثر السيئ أو المعاناة التي يعانيها الرجل من جراء هذه التغيرات ( يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن 000 ) وفي ذلك يقول النبي ( إن حيضتك ليست في يدك ) مسلم وغيره 0
وقرر الإسلام أيضاً ما جاء الواقع ليؤكده من تغليب المرأة لعاطفتها علي مقتضيات التعقل فذلك قول النبي ( ناقصات عقل ودين ) متفق عليه 0 وقوله ( فإن المرأة خلقت من ضلع وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج ) متفق عليه ، وبين أن هذا ليس عيباً فيها بل هو معين لها علي وظيفتها فإن العقل لا ينهض للقيام بالمسئوليات التي تقوم بها المرأة مثل الحمل والإرضاع وتنظيف الصغار ، بل إن العاطفة وحدها هي التي تنشط للقيام بمثل هذه الأعمال ، ليس فقط من منطلق الواجب ، بل بالحب والرضا أيضاً .
كما يقرر الإسلام ميل المرأة إلي النعومة وقلة الجلد في المواجهات قال تعالي ( أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) 0
ومع ذلك فهو يعترف بخطورة هذا المخلوق الرقيق الحساس الناعم علي الرجل إذا انبعثت الفتنة من مرقدها فقال النبي ( ما تركت بعدي فتنة أضر علي الرجال من النساء ) متفق عليه 0 أما إذا حبست الفتنة وكان الإيمان والصلاح فهي حسنة الدنيا ( الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ) مسلم 0 بل إن نعم الجنة جزء أساسي منها الحور العين 0
السمة الثانية : الاختلاف في تحديد الوظيفة 0
من المسلم به أن الوظائف تتحدد بناءاً علي طبيعة وإمكانات الأفراد من جهة 0 ومن جهة أخري علي احتياجات وأهداف المجتمع 0 وإذا تم ذلك كان الانسجام وتحقق النجاح 0
في مملكة النحل كل فرد من أفرادها يدرك طبيعته ودوره ، والانسجام هو السمة الواضحة بين جميع أفرادها ، والعسل هو الناتج 00 الملكة هي الملكة 0 والذكور لا ينجو منهم كل عام إلا واحد والباقي مصيره القتل 0 والشغالات يعملن ليل نهار 0 ولم يحدث أن تمرد أحد علي دوره 0 ولو حدث لما كان هناك عسل 0 وفي النهاية سيلقي صاحب الخلية بالخلية وما فيها في مقالب القمامة إذ لم يعد منها فائدة 0
ولقد سبقت الإشارة إلي أن الآخرين لم ينظروا إلي طبيعة المرأة بعين الاعتبار ( ضعف البنيان البدني – تفوق العاطفة علي العقل – الميل إلي التنعم والراحة ) 0 وأيضاً لم يضعوا في الاعتبار أهداف واحتياجات المجتمعات حين حددوا وظيفة المرأة في المجتمعات فظلموها ولم ينصفوا المجتمعات 0
إن أهم احتياجات المجتمعات علي الإطلاق هو إصلاح الواقع ثم توريث الصلاح للأجيال المقبلة ، وتلك مهمة شاقة تحتاج إلي كل الجهود ، وإذا كان من الممكن في وقت ما تحقيق النجاح فإن الأهم هو الحفاظ علي هذا النجاح ، ولهذا كان من توجيهات الإسلام في هذا الشأن ما يلي :
1) إصلاح الواقع يحتاج إلي بيئة مناسبة فيها التوجيه والتأديب والأسوة أكثر من احتياجه إلي الأموال 00 فهو يحتاج إلي إعداد جيل صالح قادر علي عمارة الأرض .. ومن هنا كان خطورة وأهمية الدور الذي تقوم به المرأة حسب توجيه الإسلام لها 00 فهي المنوط بها أن تحمل العبء الأكبر من متطلبات الإصلاح ، وصدق من قال :
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
إن النصائح التي يلقيها الرجل علي مسامع أبنائه خلال فترات تواجده القليلة بينهم تذهب أدراج الرياح إذا لم تجد الأم التي تتابع تنفيذ هذه النصائح 0 فهل هناك بديل إذا صرفنا الأم عن هذا الواجب ؟0
إن المرأة تمثل الماعون أو الأرض الحاضنة لنبتة المستقبل ، ولهذا فقد اعتبر كثير من الفقهاء أن اختيار الزوجة هو حق من حقوق الأبناء علي الآباء ، وهذا هو فحوي الرد الذي أجاب به ابن الخطاب علي الولد الذي سأل إن كان له من حق علي والده حيث قال : أن ينتقي أمه وأن يحسن اسمه وأن يعلمه القرآن .
2) الجو الأسري المفعم بالحنان والرحمة ( عطاء الأم ) أصل لازم لاستقامة الصغار وخلوهم من العقد النفسية 0 والأب بحكم مسئولياته مشغول بكسب المعاش فكيف إذا شاركته الأم هذا الانشغال 00 فمن للصغار ؟ وتكفي نظرة إلي صغار الغرب 0 إذ يصدر عنهم كل غريب من السلوك والحقد علي المجتمعات والتمرد علي كل الثوابت وغير ذلك من مظاهر الشذوذ ، وما ذلك إلا رد فعل تجاه تلك المجتمعات التي سلبت الصغار حقهم في الالتصاق بأمهم فقتل فيهم الانتماء إلي كل شيء 0
ولقد أشارت إلي ذلك د / ايدالين الأمريكية حيث قالت : إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق 0 ولقد أثبتت التجارب أن عودة المرأة إلي الحريم هو الطريقة الوحيدة لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذى يسير فيه 0
ووافقها عضوان من الكونجرس حيث قال أحدهما إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقاً إذا بقيت في البيت الذى هو كيان الأسرة 0 بينما قال الآخر : إن الله عندما منح المرأة ميزة إنجاب الأولاد لم يطلب منها أن تتركهم لتعمل في الخارج 0
3) الكسب والكــد يحتاج إلي مــواصفات خاصة لا تتوفر إلا عند الرجل ولهذا كُلف بها قال تعالي ( فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقي ) لم يقل فتشقيا 0 فالشقاء بمعنى الكد والسعي من نصيب الرجل 0 وهذا بعض معاني قول الله تعالي ( الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض 00 )
والمرأة في أعماقها _ إذا استثنينا الشواذ منهن وصاحبات التجارب الخاصة وهن قلة وإن كن أعلي صوتاً – تدرك هذه الحقيقة 00 وحين تضطرها الأحوال للخروج طلباً للمعاش تتمنى لو أسعدها الحظ بالعودة إلي مملكتها 0 ومثال هذا المرأة الصالحة التي حدثنا القرآن عنها حين وجدت الفرصة للعودة إلي بيتها وترك السعي بين الرجال 00 لقد كانت العلة في خروجهن كما قال القرآن الكريم ( وأبونا شيخ كبير ) وحين توفر البديل كان المطلب كما حكي القرآن الكريم ( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين 000 ) 0
4) بناءاً علي ما سبق تقريره عن طبيعة المرأة فلقد فرض الإسلام الحماية لها وليس عليها 00 فالمقصد منها حمايتها من ضعفها ومن تسلط المجتمع عليها 0
- فهو يجعلها دائماً مسئولة من أقرب الرجال إليها ( الزوج 0 الأب 0 الأخ 0 الابن 000 ) ليقوم علي رعايتها ويتشاور معها فيما يخصها 0
- وحين يجعل الطلاق بيد الرجل فلأن الرجل غالباً يحسن التبصر بعواقب الأمور فيتروى ويفكر قبل أن يقدم علي الطلاق 00 وحين يجعل الخلع حقاً للمرأة فكأنما يدعوها للتفكير وإعادة النظر حيث عليها أن تتحمل الخسارة المادية 00 فلن تقدم علي هذه الخطوة إلا إذا سدت جميع الطرق الأخرى 0
- وحين يأمرها بإخفاء زينتها فهو يجنبها الأذى ، قال تعالي ( ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين 00) ويدفع عنها أصحاب القلوب المريضة – وما أكثرهم – كما أنه بشكل أو بآخر يحمي المرأة من نفسها 00 إذ أن المرأة التي تعرض اليوم سوف تكبر غدا وينزوي شبابها ويتغير جمالها ، وحينئذ سوف تعاني وتندم حين تري الأخريات يعرضن أنفسهن في وقت لا تستطيع هي فيه أن تعرض ، فماذا لو أمر الإسلام بإغلاق هذا الباب؟ .
السمة الثالثة : التناقض بين الدعوة والتطبيق عند كافة الأطراف 0
- فنرى العرب الذين صوروا المرأة قديماً علي أنها مصدر للخزي والعار 0 نراهم قد قدسوها وقبلوا الأرض تحت أقدامها وجعلوها محور اهتمامهم 00 ويكفي أن تقرأ شيئا من شعر العرب القديم لتدرك مدى التناقض الذي سقط فيه أولئك الناس 0
- أما اليهود فقد كانوا أقرب الأصناف إلي الوضوح والصراحة في تعاملهم مع المرأة واقترب مسلكهم من اعتقادهم في المرأة 00 فهم قد صوروها علي أنها النجس والرجس فتعاملوا معها في بيوتهم بناءً علي هذا الاعتقاد ، وإذا حاضت اعتزلوها فلم يخالطوها وفرضوا عليها حصاراً شديداً ، وعلموا أثرها الخطير علي الناس فعمدوا إلي استثمار هذا الأثر علي الآخرين ، حيث أدركوا مدي تأثيرها علي الرجال فجعلوا المرأة أكبر أسلحتهم التي استخدموها لإفساد الناس .
- أما أولئك الذين يزعمون تحرير المرأة فبنظرة واحدة ندرك أنهم أخطر الأصناف على الإطلاق فالمرأة عندهم سلعة تباع وتشتري 00 بل وتستخدم لترويج غيرها من السلع 00 والمستفيد الوحيد من دعوتهم هم الرجال المستهترون 00 الذين يحبون قضاء ما يشاءون من المرأة ثم يتركونها وحيدة بدون أن يتحملوا مسئولية في ذلك مادية كانت أو معنوية 00 ثم حاول المصلحون منهم أن يصححوا هذا الخطأ فجاءوا بخطأ جديد حين قالوا إن الدول لابد أن ترتب نظاماً ثابتاً لرعاية مثل هذه المرأة هي ومن يخرج من أحشائها من أطفال الخطيئة 0
- أما في الإسلام فبرغم ما ذكرته قيمه ومبادئه من إعلاء لشأن المرأة 0 فإن التطبيق في معظم فترات التاريخ – كما هو الحال مع كل القيم الإسلامية – قد جاء مخالفاً أو ناقصاً عما يدعوا إليه الإسلام 0 فأعطي المسلمون بذلك الذريعة لأعدائهم كي يتهموا الإسلام بمعاداة المرأة 0
إن الله تعالي قدم الدينونة ( التدين ومراقبة الله عز وجل والخوف من عقابه ) علي القضاء ( أحكام المحاكم أو المجالس العرفية ) خاصةً في مجال التعامل مع المرأة ( خلافاً لما تتبناه القوانين الوضعية التي لا تترك مكاناً للدينونة أصلاً ) وهذا كفيل بحل كل المشكلات أو في أضعف الأحوال يخفف من حدتها 0 ولكن لأن المرض واحد أصبح المسلمون يعملون ألف حساب للقضاء بينما لا يبالون بتوجيه الله تعالي 0
من ذلك مثلاً قول الله تعالي ( 00 ولاتعضلوهن لتذهبوا ببعض ماآتيتموهن000 ) وقوله ( 000 فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به 000 ) نهي عن العضل من جانب الرجل وهو إكراه المرأة بوسيلة أو بأخرى علي طلب الفراق طمعا في تنازلها عن بعض ما أخذت من الرجل عند الزواج 00 وبمقاييس البشر فإن إثبات العضل أمر عسير عند القضاء فلو لم يكن هناك دين يرد الرجل لتنازلت المرأة عن حق هي أولي به 00 لكن الدَّين الذي يراقب ربه يعلم أن ما دفعه إنما هو مقابل ما اطلع عليه من المرأة وأنه إن سعي إلي استرداده فهو إثم وبهتان ( 000 أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبينا * وكيف تأخذونه وقد أفضي بعضكم إلي بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً ) 0
ومن ذلك أيضاً التهديد المبهم الذي وجهه الله إلي رجال الأمة إذا فكروا في إساءة استخدام صلاحيتهم عند تأديب المرأة فقال تعالي ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا 0 إن الله كان علياً كبيرا ) 0
بل ويصل الأمر إلي تنبيه الذين يتدخلون للإصلاح بين الزوجين بضرورة إصلاح النية واعتبار ذلك شرطاً لتحقيق المصالحة وإلا فإن الله مطلع علي سرائرهم فقال تعالي ( إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً ) 0
وحين يجعل القيادة للرجل يحذر من إساءة استخدامها 0 وإن ظن الرجل قدرته علي المرأة فالله أقدر عليه ( وللرجال عليهن درجة 0 والله عزيز حكيم ) 0
وعند موت الرجل فلها عند موته كما كان لها في حياته ( 000 وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً ) 0
وبرغم كل ذلك فإن واقع المسلمين ليس أفضل من غيرهم 00 فإن العضل علي أشده 0 وإساءة استخدام حق القوامة حدث عنه ولا حرج 0 ولازالت مجتمعات كاملة تري عيباً أن ترث المرأة حقها المقرر شرعاً 0
أوضح مظاهر الاختلاف
أولا : العلاقات الزوجية
الخطبة
حقيقة الخطبة تكمن في أنها إظهار للرغبة في إنشاء بيت جديد وهي لاتزيد عن ذلك في شئ ولا يترتب عليها أي حقوق أو التزامات ، ولهذا لم يعطها الإسلام إلا بالقدر الذي يتناسب ومكانتها ، حيث أباح للخاطبين أن يري كل منهما الآخر ، وأن يستمع إليه ، يحدث ذلك بغير خلوة ، وبعد ذلك فهما صاحبا القرار ، ولئن جعل الإسلام الولاية للرجل في عقد النكاح ؛ فإن ذلك من أجل التحام العقل مع العاطفة في اختيار شريك المستقبل الذي تقضي المرأة معه باقي حياتها ، وبرغم هذه الولاية فإن القرار النهائي بيد صاحبة الأمر ، إن شاءت قبلت أو رفضت .
والإسلام لم يجعل الخطبة مسوغاً لكشف المستور ، أو الإطلاع علي العورات ، بل يظل كل ذلك مستوراً لاينفك ستره إلا بالعقد ، ويظل مصوناً حتى يتسلم الرجل أمانته علي رؤوس الأشهاد ، وبعد أن يؤدي ما عليه من التزامات .
أما إذا لم يحدث وفاق فإن كل طرف ينصرف إلي حاله ، وهو مأمور شرعاً بستر مارآه ، ولا يجوز أن يطلق لسانه بالقول في الطرف الآخر بما يسيء .
ولدي القوم ما يخالف ذلك ، فإن الخطبة عندهم تعني إباحة كل شيء ، وممارسة كل شيء ، ولا مانع أن يقدر بينهم ولد ، ثم بعد ذلك لهما أن يقررا إما الاستمرار أو التوقف .
وحتى نبين بعض مميزات النمط الإسلامي في الخطبة ، نذكر أن عامة النساء في دول المعمورة يسرهن عند الزفاف أن يظهرن بصورة البكر ، التي لم يسبق لها معاشرة الرجال ، كما أن التقاليد في بعض الأماكن تجعل للبكر ثوباً ابيض عند الزفاف ولغيرها ما شاءت من الألوان ، فإن تاقت نفس إحداهن ( غير بكر ) إلي الثوب الأبيض قيل لها أن الشباب يعلمون أنها غير صادقة .
المعاشرة بالتراضي واغتصاب الزوجات
يطلق القوم علي مواقعة الزوجة بغير رضاها الاغتصاب ، ويطالبون بتجريم الفعل وتوقيع العقوبة علي الفاعل ، استناداً إلي القاعدة التي وضعوها لأنفسهم وجعلوها مصدراً من مصادر التشريع عندهم وهي أن رغبة المرأة هي الموجبة للفعل أو الترك .
وتصور الإسلام للعلاقة : أن المرأة لا يجوز لها أن تمتنع عن زوجها إذا طلبها ، كما أن عليه أن يتشوف رغبتها ليقضيها لها ، أي أن الأمر يتم بتكامل ، يقوم علي أساس مراعاة المشاعر والاحتياجات .
والإسلام بذلك يتعامل مع القضية بمنتهي العمق ويراعي كافة الأبعاد الاجتماعية والنفسية والأخلاقية ، فهو بذلك يقرر ماشهد الواقع بصدقة من أن المرأة ذات طابع تغلب عليه العاطفة ، تلك العاطفة التي تكون أحياناً مثالاً للرقة ، وقد تنقلب في حالات أخري مثالاً للقسوة ، وهذا شأن كل متقلب كالعواطف ، ولو أن المرأة لأي سبب تجرأت علي هجر زوجها فلئن تركت لمرة أو مرتين فذلك يورثها قسوة لاتنتهي أبداً , وهذا بالتأكيد يسبب انفصام عري الزوجية وقطع كافة العلائق بين الزوجين ، في حين أن الإسلام حريص علي إبقاء الرغبة بين الزوجين حفاظاً علي النوع ، وفي نفس الوقت فكما يقول العقلاء : إن تلك الغريزة تحل أكبر المشكلات ، ففي حال بقائها تدفع الطرفين إلي تجاوز الكثير من المشكلات الصغيرة ، تلك المشكلات التي يقول العقل أن تجاوزها أفضل من الخوض فيها .
ومن ناحية أخري فإن الرجل إذا تأبت عليه امرأته ثارت كرامته ، وخرجت رغبته عن حدها الطبيعي ، وما لم يكن له دين يرده ، فمن المحتمل أن يلجأ إلي وسائل أخرى يعوض بها هذا النقص ، ويكون ذلك سبباً في انهيار الأخلاق ، وانتشار الرذيلة
القوامة
من المسلم به لدي جميع الخلق أن كل جمع من الناس لابد له من قائد ، يتولي مسئولية التخطيط والإشراف علي التنفيذ ، ومكافأة المحسن ومعاقبة المسيء ، ولابد أن يكون لدية من الملكات والطاقات ما يؤهله لهذا العمل ، لابد لكل سفينة من ربان تلك قاعدة لا يختلف عليها أحد ، ,إذا كانت الحياة الزوجية هي أهم سفننا علي الإطلاق ، تري لمن نسلم قيادها ؟ ألمن يقدر خطورة الأمر ولدية طاقات تمكنه من التبصر والنظر إلي النتائج وتقدير العواقب أم إلي من لا يلقي بالاً إلا لمشاعره ورغباته .
لقد ثبت يقيناً أن المرأة تميل إلي تحكيم عاطفتها ( وهذا لايعد عيباً فيها ) بينما يغلب علي الرجل تحكيم عقله ، ولو نظرنا إلي أرض الواقع لوجدناه خير شاهد علي ذلك ، فمثلا بينما ينشغل الرجل بحسابات المواجهة مع العدو ، وحساب النتائج المترتبة علي أي تصرف يصدر من هنا أو هناك ، قد نجد المرأة توجه اهتمامها الأكبر إلي لون عين العدو ومدي عذوبة كلماته ، وربما لا يعنيها ما يسببه لها أو لقومها من آلام . وهناك من الأحداث ما يؤيد هذا القول ، فمن وقت قريب انتشر خبر جريمة أخلاقية ارتكبها رئيس دولة كبري مع موظفة لديه ، وفي التحقيقات كذب علي شعبه ، فهي جريمة مزدوجة لا تغتفر في حق القادة ، وهذا الشعب أسقط من قبل رؤساء لفعل أهون من ذلك ، ولكن كانت المفاجأة في استطلاعات الرأي أن شعبيته زادت ، وقيل صراحة أن سبب ذلك هو إقبال النساء علي التصويت لصالحه ، وتناست النسوة ما قام به وتضليل شعبه ، حيث لعب لون عينيه ورشاقته وحسن هندامه دوراً كبيراً في ارتفاع أسهمه بين النساء . ومنذ وقت قريب وبرغم الحملة الشعواء التي تشنها أمريكا وتؤيدها كافة حكومات العالم - علي أفغانستان عامة وبن لادن خاصة بدعوى محاربة الإرهاب ( مع تحفظنا علي الأمر برمته ) ، إلا أن أسامة بن لادن أصبح معبود ملايين النسوة في أنحاء العالم ، وعبر الكثير منهن ( وهن لسن مسلمات ) عن رغبتهن في الزواج من أسامة بن لادن .
إن الإسلام يسلم القيادة لمن يري أنه جدير بها ، أو بعبارة أخري من لديه القدرة علي القيام بمسئولياتها ، هذه القدرة التى هي في الأصل هبة ( بما فضل الله بعضهم علي بعض ) ومنها المكتسب ( وبما أنفقوا من أموالهم ) ، وفي نفس الوقت يطالب هذا القائد وهو الرجل بمشاورة باقي الطاقم من أجل الحرص علي تنقيح الأفكار ودراسة كل التصورات والوصول إلي أفضل الحلول ، فالرجل وهو يشاور أهل بيته يكتسب عقلهم إلي عقله وخبرتهم إلي خبرته ، فالكل شريك في سفينة واحدة وفي مصير واحد ، وعليه في النهاية مسئولية اتخاذ القرار .
وحتى الآن لم يقدم لنا المخالفون إجابة واضحة عن السؤال ، هم فقط عابوا علي الإسلام أن جعل القوامة محصورة في الرجل ولكن لم يقولوا لنا إن لم تكن للرجل فلمن تكون ؟ أتكون للمرأة ؟ أم نلجأ إلي أسلوب مجلس الإدارة ( وهذا بالضبط ما يأمر به الإسلام ) ؟ أم في النهاية نتركها مع الرجل ونقرر للمرأة حق النقض ( الفيتو ) ونجعل بيت الزوجية صورة من العالم الحديث بصراعاته ومشاكله ؟ .
التأديب
من المسلم به أن لكل إنسان شطحات ونزوات ، ونحن نلجأ إلي العقل كثيراً لنتجنب هذه الشطحات التي يمكن أن تدمر حياتنا ، ولكن إذا أفلت شئ من زمام العقل فهل نتركه أو نصوبه ، لابد إذا من التصويب ، لأن ترك الخطأ معناه تدمير الحياة العامة والخاصة ، فمن الذي يملك سلطة التأديب ، وهل هناك من يرفض هذا النظام ؟ إن كان كذلك فلم لا يرفض وجود الشرطة والمحاكم وغير ذلك من وسائل إحقاق الحقوق ومنع المنكرات ومقاومة الانحراف ، وكل هذه التنظيمات ضرورية ولازمة لاستتباب الأمن وضمان الحقوق .
لقد قام منهج الإسلام أن المسئولية يقابلها حقوق وواجبات ، ومادام نظام الإسلام قد قرر أن المسئولية تقع علي عاتق الرجل فلابد من أن يكون بين يديه من الصلاحيات ما يمكنه من تحقيق النتيجة المكلف بها ، ومن هذه الصلاحيات تأديب المخطئ حتى ولو كان الزوجة ، وهذا الأمر له إطار شرعي فليس معناه التسلط ، فإننا نعيب علي أي صاحب سلطة التسلط والقهر الذي يمارسه علي الآخرين بسلطانه ، ولكن يكون استخدام السلطة فقط بما يضمن إصلاح الخطأ .
ولضمان عدم إساءة استخدام هذه السلطة ، فلقد جعل الإسلام الرقيب عليها أولا هو الله العليم ببواطن الأمر وظواهرها ، وهذا في حد ذاته أكبر عامل تخويف لكل إنسان فهو يجعله في مواجهة دائمة مع نفسه ، ,وإن كان يستطيع الكذب علي الدنيا كلها فهو لا يقدر أن يفعل ذلك مع نفسه ، ولهذا فإنه سيفكر ألف مرة قبل أن يتمادي في استخدام السلطات التي أعطاها له رب العزة ، وسيذكر إضافة إلي ذلك أن الكريم فقط هو الذي يكرم نساءه وأن اللئيم فقط هو الذي يهين نساءه ، فهذا ما وصي به نبي الإسلام كل المسلمين .
وفي المقابل فإذا رأت المرأة من زوجها تعنتاً في استخدام سلطاته فهناك من الطرق الشرعية ما يضمن لها حقها فهناك التحكيم ( فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ) ، وإن عجز الحكمان ( فالسلطان ولي من لاسلطان له ) .
التعدد
إذا تحدثنا عن التعدد فإننا نعجب ممن يسخر من مواطن الفخر لدي الآخرين ، في حين أنه لايحظي بمثلها ، كما أنه لم يحاول أن يتعرف إلي مبررات وجودها لدي الآخرين ، وها هنا مثل يقال ( عابوا علي الورد احمرار خده ) .
إن الإسلام بإقراره نظام التعدد إنما يراعي الفطرة الإنسانية السليمة ( وليست المريضة أو الفاسدة ) وتكون أحكامه طبقاً لطبيعة من ينفذ هذا الحكم وهناك بعض المعلومات نقدمها لمن لا يعرفها وكلها تتعلق بالتعدد الذي شرعه الإسلام :
1) إن طبيعة المرأة لاتقبل إلا الرجل الواحد وهذا من شأن ذوات العواطف المرهفة ، وفي نفس الوقت فهو رحمة من الله ، فلقد ثبت أن تعدد الماء في الماعون الواحد يجلب من الأمراض ما لاحصر له ( المرأة تكون لأكثر من رجل ) ، هذا إذا استثنينا الشواذ من النساء اللاتي لايستقيم معهن هذا الحكم وتلك الفطرة ، وأما الرجل فإن طبيعته تقبل العديد من النساء وليس في الأمر مبالغة إذا قلنا بل هو يتمني ذلك ، فيا تري لو أغلق أمامه باب الحلال لتحقيق هذه الرغبة فهل سيجد باباً سوي باب الحرام ؟ ومن عجيب الأمر أن الذين ينددون بنظام التعدد الذي أقره الإسلام يقبلون بنظيره عندهم وهو تعدد الأخلة وصدق من يقول : يقبلونها خليلة ويرفضونها حليلة .
2) التعدد فيه مصلحة بدنية ونفسية لكل أطراف العلاقة الزوج والزوجات علي السواء ،إذ أنه من أخطر عوامل الهدم علي العلاقة الزوجية الرتابة والتكرار الذي يوصل كافة الأطراف إلي حالة الملل ، وهناك من أهل العلم من يسعي لإيجاد حلول مبتكرة للقضاء علي هذا الملل الذي يقتل العواطف ويقيم جبال الثلج بين الزوجين ، فيأتي التعدد ليقطع الطريق علي تلال الملل ويجعل الدفء والحيوية يعودان إلي تلك السفينة التي كانت قبل قليل توشك أن تدخل تيه الملل والرتابة ، ولا غرابة إذا رأينا الحذاق من الأطباء ينصحون بالتعدد لمن شكا ضعف معاشرته لامرأته بغير مرض ، ولمن شاء فليستطلع رأي النسوة اللائي عدد أزواجهن الزوجات في المعاشرة قبل التعدد وبعده ، والنتيجة معروفة فهي دراسات علمية موثقة لاينكرها عاقل .
3) التعدد فيه حل لمشكلة لا تحل إلا به ، ونحن نتحدي من عابوا التعدد أن يقدموا لنا حلاً لتلك المشكلة ، ألا وهي كثرة عدد النسوة ليس فقط في أوقات الحروب بل حتى في ذلك الوقت وفي الظروف العادية وكأنه تحدي من الله ، فليرنا كل صاحب فكر ماعنده لحل هذه المشكلة ، إن الإحصاءات شبه الرسمية تبشرنا بأن عدد النسوة في سن الزواج يفوق عدد الشباب في سن الزواج بنسبة كبيرة يوصلها البعض إلي ثلاثة أضعاف ، وإذا قلنا أن التقدير فيه مبالغة وهو أقل من ذلك فعلي الأقل هذا العدد يمثل مشكلة للمجتمع ، ولو أضفنا إلي هذا العدد ما أظهرته دراسة حديثة من مركز بحوث الدراسات الجنائية والاجتماعية أن عدد النسوة اللائي تجاوزن سن الزواج في مصر وحدها وهن فوق الثلاثين قد بلغ ستة ملايين ونصف المليون منهن ثلاثة ملايين مطلقة وأرملة ، لو أضفنا هذا العدد إلي النسبة المذكورة لعلمنا أننا أمام مشكلة حقيقية ، فكل امرأة يلا زوج هي قنبلة موقوتة توشك عل الانفجار فما هو الحل ؟ .
إن الآخرين لا يرون في التعدد إلا أنه إيلام للمرأة وإنقاص لحقها ، ويقولون إنه امتهان لكرامتها ، وأذكر أنه ذات مرة سألت امرأة غير مسلمة امرأة مسلمة فقالت : إن الإسلام قد ضيع كرامة المرأة بالتعدد ، فقلت لها : أسألك بالله ولا تكذبي ، كيف حال الزنا عندكم ؟ فقالت في تلقائية وسرعة : إنهم جميعاً أنجاس ويباشرون الزنا ويحبونه ، فقلت لها : أيهما أكرم للمرأة أن يتزوج زوجها بأخرى أم يزني ؟ فأجابت : بل يتزوج .
أضف إلي ما سبق وذكرناه عن الجوانب الإيجابية بل والضرورة الحتمية للتعدد ، أضف إليه أمراً آخر ، وهو أن الذين يخفون الكثير من هذه الجوانب رغبة منهم في هزيمة الإسلام وقيمه ، قد فاتهم أمر آخر وهو نور الإسلام وبهاؤه وإشراقة في قلب من دان به ، ومدي تقبله لأحكام شريعته ، فبينما يدعي هؤلاء القوم أنهم يسعون لتقديم الراحة والحقوق إلي الناس تماماً كما زعم غيرهم من قبل ممن روج للشيوعية ، ينسون أن الحياة فيها التعب والمعاناه ، وأنها لن تخلو من ذلك أبداً ، وأن ادعاء إقامة الفردوس علي الأرض هو ضرب من الخيال محال المنال ، وعلي الناس أن يتكيفوا مع هذه الحقيقة ، تلك الحقيقة التي لم تغب عن بال المسلم أبداً ، حيث يعلم ويوقن بقول الله تعالي ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) وهويتعامل مع هذه الحقيقة ويتكيف معها ، فلا يجزع ولا ييأس ابداً ، بل يرجو رحمة الله في الدنيا بتخفيف المتاعب وفي الآخرة بالأجر علي ما كابد في الدنيا وتحمل طاعة لله ، وأنه إذا كان الله قد كتب الجهاد علي الرجال فلقد كتب الغيرة علي النساء وأن من صبرت منهن علي غيرتها فقد كتب الله لها أجر المجاهدين في سبيل الله .
في الميراث .
لقد عاب القوم علي الإسلام إنقاص حق المرأة عن الرجل في الميراث ، مستدلين بالتوجيه السماوي في حق البنت أو الأخت أنها علي النصف من أخيها ، ولما قيل لهم أن عليهم أن يقارنوا ما جاء به الإسلام بما كانت عليه المرأة في ذلك الوقت ، كأنما نزل القول عليهم كهدية من السماء ، إذ رأوا فيه انتصاراً لقولهم فأضافوا : لا ننكر أن الإسلام قد أنصف المرأة في هذه الناحية وقت نزوله ؛ ولكن المقارنة الآن ليست مع الإسلام وجاهلية العرب بل مع الحضارات الحديثة .
وهنا ؛ لابد أن ننبه علي أمرين حتى يستقيم الحوار :
أما الأمر الأول فهو : كيف يعيب من لا نظام لديه علي من لديه نظام ؟ فحتى الآن وكل دول العالم قاطبة فيما عدا الدول الإسلامية ليس لديها نظام للمواريث ، بل إن الأمر يتم وفق رغبة المورث ، يعطي من شاء ويمنع من شاء ، بل كثيراً ما نسمع أن بعضهم يترك ثروة بالملايين لمن ؟ ربما لكلبه ، وربما يحرم جميع الورثة ويوقف المال علي أي عمل أو مشروع المهم أن يبعده عن مستحقيه ، بالمقارنة فإن الإسلام يحرم علي المورث أن يمنع وارثاً من إرثه ، وإن فعل فمن حق الورثة أن يغيروا الوصية ، ومن حق المتضرر أن يطعن فيها .
ولقد تنبهت بعض الدول إلي خطورة هذا الأمر ولكنها حسبت الأمر من وجهة نظر اقتصادية بحتة فجعلت الميراث منحصراً في أكبر أولاده الذكور ، حتى لا يتفتت رأس المال ، أو إن كانت صناعة فلا تتوقف .
ثانياً : نحن نرفض وبشدة المنهج الإبليسي في تفسير القرآن وأحكامه ، نقول ذلك لأن إبليس لا يعترف من القرآن إلا بقوله تعالي ( لاتقربوا الصلاة ) وقوله ( فويل للمصلين ) دون أن يلتفت إلي ما قبلها أو ما بعدها مدعياً أن هذا ما يحفظه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها . فالقوم فعلوا ذلك ، حيث نظروا إلي جزئية من جزئيات التشريع وفصلوها عن أصلها ، وفي العادة لا يلجأ إلي هذا الأسلوب إلا من لاحجة لديه ، وهذا مما يسمي ( لوي عنق النص ) .
إنهم نظروا إلي نصيب المرأة في الحالتين المذكورتين ، ولم ينظروا إلي وضعها العام في المنهج الإسلامي ، كإبنة أو أخت أو زوجة ، إنها في كل الحالات مسئولة من أقرب رجل لها ، من زوجها أو أبيها أو أخيها ، وهذا فرض شرعي لايخضع لتقلبات الأعراف بل هو مطلوب ديانةً وقضاءً ، وفي ظل هذا التصور فإن المرأة لا تكلف بالإنفاق علي نفسها حتى ولو كانت موسرة ، وبالتالي فإن كل ما تحصل عليه من الميراث إنما هو فضل زائد ، بخلاف ما يحصل عليه الرجل ، فهو يدخل في صلب النفقات المكلف بها شرعاً .
في نظام الحياة العامة .
العمل
والمقصود بالعمل هو خروج الرجل والمرأة إلي ميدان الحياة اليومية ، في كل الأماكن وفي كل الأوقات تري الرجل جنباً إلي جنب مع المرأة ، و تقوم فكرة العمل لدي القوم علي أنها حق وواجب مطلق لكل من الطرفين ، بصرف النظر عن أي اعتبارات أخري من دين أو عقل أو مشاهدة .
وفي التصور الإسلامي فإن العمل بالنسبة للمرأة له نظامه ، فعليها أن تقوم بدورها الرئيس في صنع الأجيال ، وهذا يستغرق كل وقتها وجهدها ، بل قل من تقوم به منهن ، وإذا كان البعض يستعيض عن دور المرأة في الواجبات المنزلية باستحضار الشغالات و الطباخين وما إلي ذلك ، برغم الكلفة العالية وعدم الأمانة التي قد تظهر من البعض ، إضافة إلي هتك الأسرار الذي يدمر البيوت ، إذا كان من الممكن أن يحل ذلك ولو بصورة جزئية مشكلة عدم تواجد المرأة في البيت ، فماذا نحن فاعلون في رعاية الأولاد ؟ وهل يمكن أن تقوم المربية المستأجرة بنفس الدور ؟ هل تعطي الحنان كالأم ؟ هل ترعي المصلحة كالأم ؟ هل تنجح المربية في نزع عقد الطفولة ؟ هل يمكن أن تفرز جيلاً سوياً ؟ إن نظرة واحدة إلي أطفال الغرب ، وكذلك من تربوا بعيدا عن حضن أمهاتهم لتكشف زيف ذلك .
لقد قرر الإسلام بناءً علي ما سبق ذكره من تحديد وظيفة كل طرف من الأطراف وفق إمكاناته ووفق احتياجات المجتمع منه ، أن دور المرأة الأساسي الذي تثاب عليه والذي يحقق عائداً فعلياً للمجتمعات هو تأمين مملكتها الذي هو بيت الزوجية ، وإعداد أجيال المستقبل القادرة علي حمل الأمانة ، مع هذا يجوز لها أن تضيف إلي هذا الواجب واجب العمل في ميادين الحياة وذلك في إحدى الحالتين :
الحالة الأولي : إذا احتاج المجتمع إليها أخرجها ، كمدرسة أوطبيبة أو ممرضة أو غير ذلك من الأعمال التي تنجح فيها المرأة أفضل من الرجل ، أو تلك الأعمال التي يمارسها الرجل وفيها احتكاك دائم بالمرأة ويلزم وجود امرأة لتتطلع علي ما لا يجوز للرجل أن يطلع عليه .
الحالة الثانية : وهي أن تخرج المرأة للعمل إذا احتاجت ولم يكن لها من يعولها ، وإن كان الأولي أن يقوم المجتمع برعايتها وكفايتها حتى تعود إلي مملكتها ، والمؤمنة الصادقة تترقب الفرصة التي تتخلص فيها من مزاحمة الرجال لتعود إلي مملكتها كما فعلت ابنتا شعيب عليه السلام حينما قيض الله لهما موسى عليه السلام ليحمل عنهما عبء السعي .
الزينة
مما لاشك فيه أن المرأة مخلوق مميز حقاً ، ويكفي أنها تثير في نفس الرجل ما لا تثيره غيره من المغريات ، فكيف إذا أضفنا إلي هذا المخلوق المثير مزيد فتنة وأطلقناها في الشارع يراها الناس بغير حساب ، إننا أولا نسكب البنزين علي النار في نفس الوقت الذي نطالبها فيه ألا تشتعل ، وثانيا فإننا بهذا الفعل ننتقص من حق صاحب الحق الأصلي وهو الزوج ، وثالثاً فإننا نخلق جواً من العبث الذي لا يليق بإنسان صاحب رسالة .
فمن حيث هو فتنة فهو ما تقرره المشاهدة ، وإن الرجل ليجد خارج بيته من الزينة والفتنة ما لا يجده في بيته ، فما الذي يدفعه للإبقاء علي من في البيت ، ولو تصورت تلك التي تعرض نفسها الآن ما سيكون عليه الحال بعد ثلاثين سنة مثلاً فهل تقبل أن تمارس معها أخري ما فعلته هي منذ وقت طويل ؟ إن الإسلام بمحاربة الفتنة إنما يؤمن البيوت من الفتنة ويحميها بسياج الأخلاق الفاضلة .
ومن حيث هو انتقاص من حق صاحب الحق الأصلي ، فإن الرجل هو صاحب هذا الكنز الثمين ولا يوجد عاقل يقبل بأن يوزع ثروته هكذا علي الناس بغير حساب ، ومن هنا حتى وإن تغاضي الرجل في بعض الحالات إلا أن الغيرة تنهشه والظنون تفترسه ، حتى وإن كان لا يدري سبباً ظاهراً لذلك ، ونحـن طبعاً نتحدث عن الرجال الأسوياء سليمي الفطرة ، لا عن أولئك الذين ماتت فيهم النخوة ، أو الذين أماتت فيهم الخمر موازين الحكمة و قواعد الرجولة .
أما من حيث هو عبث ، فلأن المرأة تخبرك أنها تتزين لا لشيء إلا للزينة وتقول لك بلسانها ( هذا أمر عادي لا أفعله لسبب ) ، وهذا في حد ذاته صورة من العبث ، وهو أن يعمل الإنسان العمل بغير هدف ، وهذا أصلاً نابع من حالة العبث التي تحياها الأمة ، فنحن نري ونسمع ( الرياضة للرياضة والفن للفن وغير ذلك ) ، في حين أن القوم أصحاب الرسالة لا يعملون عملاً إلا له هدف ، وهم يرون أن كل عمل لا يخدم قضية الإنسان إنما هو من ضروب العبث التي لا تليق بأصحاب المبادئ .
استثمار بدن المرأة بين الإسلام وغيره
من الأمور التي شدد فيها الإسلام ، عدم جواز استعمال بدن المرأة في الترويج لغيرها من السلع ، حيث رفضه بشدة ونبه علي حرمته ، مبشراً من يفعل ذلك بخراب عاجل ، وهذا من مناطق الخطر التي لا يجوز لمسلم أن يقترب منها .
وعند القوم فبرغم ما يروجونه من احترام للمرأة وتقديس لدورها ، فإن المرأة عندهم من أهم العوامل المساعدة التي تروج لغيرها من السلع وكل السلع ، علي الرغم من أنه لا توجد علاقة بين جسد المرأة وبين تلك المنتجات ، وإلا فليقل لنا القوم ما هي علاقة جسد المرآة بأمواس الحلاقة ومعجون الأسنان وأجهزة التكييف والسيارات والأجهزة الكهربائية ، إذ لا يخلو إعلان من صورة لامرأة عارية تغلف تلك المنتجات ، كأنما يتعاملون مع مجتمعات لاتبني قراراتها إلا علي الشهوة ومن أجل الصورة الجميلة والجسد الفتان .
وإذا قال لنا القوم أن هذا لا يرضيهم ، وأنهم ضد هذا العمل ، لسألناهم فما الذي فعلتموه لإيقاف هذه النخاسة الحديثة ؟ ، هل ثارت جمعيات حقوق المرأة التي أزعجتنا خلال السنوات الماضية بالصراخ علي حقوق المرأة المضيعة في المجتمع المسلم ؟ هل قامت برفع دعاوى ضد الشركات المعلنة ؟ هل تبرأت النساء ممن تقمن بهذا العمل ؟ .
والله ولي التوفيق ،،،
الشيخ / مرسي بسيوني مرسي