

لنادي برشلونة مع كُرةِ القدم علاقة قائمة على أساسٍ ينبغي من خلاله على الأول تقديم كُل ما هُو مُثير وجميل للثّاني ، وتعاهد الطّرفان قديماً على ذلك ووثّقوا من خلالها المواثيق فأكدت الأيام بأن هذه الشّراكة كأسمى ما يكون ، وأرفع ما ينبغي .
وعليه ، وحتّى يكونَ عُنصر الجمال حاضراً فلابدَ بأن يكون مصدره متواجداً ، ومصادره كثيرة
إذ ما عرفنا أن الأكاديميّة البرّشلونيّة أخذت على عاتقها مُهمة الامداد والتّمويل بعدَ عمليّة الصّناعة
لذاك النّجم ، ليُمارس بعدها السّحر الحلال ، فكان تشافي امتداداً لغوارديولا ، وبرز الرّاقي تشافي
بأنهُ بحر زاخر بالايقاع ، وشُعاع صلب ، ولن أجنحَ به كثيراً فثمت ظواهر أكدت هذه الملامح باهرة
ولكي نفخر به علينا الابتعاد على المُباشرة المُصطنعة ، والمعاني الدّارجة ، ليُصبح هو والتّميّز شيئاً واحداً لا انفصام بينهُما ، وكُل منهُما يتوحد في الاخر .
قـيـمـة ٌكُـرويّـة ٌ، وإحـيـاءُ لـلـمَـهـجُـور .

لم يُعرف يوماً بأنهُ ذو نزعة احتجاجيّة غاضبة ، ولم يكُن أبداً داعياً إلى أفكاراً صارمة ، كانَ
عطاؤه دائماً مثار تساؤل يهز سكون المُتلقي ، ويرجّ دواخله ، إذ لا جواب ، قلّما يُخطئ بتمريرة
فهُناك في السّان سيرو يوماً طالب مُعلّق ايطالي كُل من يُتابع لقاء الانتر مع برشلونة بالوقوف
كون الملك قد أخطأ بتمريرة ، وتلكَ لحظة صنّفوها بنادرةٍ من نوادر الكُرة ، فهو انسان عادي
جداً لم يتمرد على المألوف ، حتّى وإن خرج فيرقسون ذات مساء خاسراً أمامه لقاء وقال :
" المُشكلة التي واجهناها هي كيفية استخراج الكُرة من قدمي تشافي " !
هُو احساس مرهف يُمثل التّردد بينَ الماضي والحاضر ، ففيه من عبق زيكو ، ومن سلطنة ريدندو
ففي تمريراته أحوال مصحوبة بالفرح ، وفي طريقة استدراجه للخصوم اندهاش لما يحدث ، وفي
لحظة قيامه بمُحاصرة الخُصوم في نصف ملعبهم شعور بالاندماج والتّلاحم ، وفي كُراته القاتلة
التي تأتي كالهمس تدفق عاطفي يقف خلفه تفاصيل وجزئيات ، وأما إن كانت تلكَ التّمريرة لـ ميسي
كما يحدث في برشلونة ، فحتماً ستكون النّهاية سيلاً من الذّكريات التي أشعلت قناديل الفرح طويلاً
في الكامب نو .
تبلورَ صغيراً في أكاديميّة برشلونة ، إلاّ إنهُ أظهر تطوراً أكثر من غيره ، بحيث تمّ حرق الكثير من
المراحلِ التي يمرُ بها بقيّة اللاعبين في طريقهم للوصول للقمّة ، وكانَ للنّجوم الذين عاصرهم فور
انطلاقه دوراً في مرحلة الانفجار التي يعيشها الآن ، قدّم نفسه لاعباً مُتخصصاً في تسيير ايقاع
اللّعب كيف يشاء ، وأظهر بأنهُ يُقدم مصلحة المجموعة على ذاته ، وأضفى بذلك مفهوماً جديداً
غير ذاك الذي سيطر على الاذهان لدى المُتابعين ، يتوحد داخل المُستطيل الأخضر على نحو
يوحي بالسّلطنة ، فيثور برشلونة بثورته ، وينتصر الاسبان بتمريرته ، ذو يقظة وصحوة ورشد
يُعمق الاحساس بالأزمة لدى الخُصوم ، وفعلها ليلة البرنابيو في لقاء اللّيغا ، يومَ أن أنهى كُل
الجدل حول البطل ووصيفه بتمريرتين ، تعملق في الأولى ميسي ، وأنهى الجدل في الأخرى
بيدرو ، وأمام البرتغال فعلها لفيا بتمريرة بإضافة تراكميّة ، وأفق جديد .
طوّر مهام وأعمال لاعب خط الوسط ، وأتى بمفهومِ جديد في ذلك ، ولم يجعلْ منه لاعباً واضح
المَعالم يقوم بأدوار دفاعيّة وتمريرة للهجوم ، بل أظهر توجهاً جديداً في ذلك ، فقد عمدَ واعتمدَ
إلى شيئاً من اللّين في مُمارستة لمحبوبته ، لا يعتمد على القوّة في أحلكِ الظّروف ، بل يُعمق
الألم لديهم بطريقتهِ الخاصة ، كُل ما يفعلهُ هو إرضاء لمطالب جماهيريّة بحتة ، وما يأتي منهُ
عفوياً بحتاً ، قدمهُ اليمنى ماهي إلاّ حديثُ همس ، وأمّا اليُسرى فمُهمتها المُحافظة على إيقاعه
المُتدافع ، حملَ على عاتقه أعباء التّجديد في أسلوب كُرتي البرّشا والأسبان ، فهو من أصلّ
طريقة برّشلونة السّاحقة التي أكلت الأخضر واليابس ، وهو من بعث حدثاً تاريخياً شكل
انتفاضة قاد بها بلاده لتحقيق كأس العالم ، يومَ أن عبثَ بالألمان ، وأجبر اخطبوطهم بول
على اختياره ورفقائه كمُنتصرين أمام المانيا ، وأبطال أمامَ هولندا .
ذاتَ يومٍ قال أحدهُم : أعجبُ منه ! كيفَ يُفكر تشافي ؟
قالها مُتعجباً ، ومُستفسراً ، ولهُ أقول :
لعقل برّشلونة المُدبر فلسفة تقليديّة ، وتقدميّة .
تقليديّة استمدها ممّن سبقوه ، وفيها حافظ على عمليّة نقل التّراث القديم في برّشلونة وهولندا
معاً ، وذلكَ ما يُعرف بـ الكُرة الشّاملة التي اشتهرت في السّابقين فقط ، ويؤكد التّقليديون بأن
من أرادَ معرفة أساسياتهم القديمة بأن ما عليه إلاّ مُتابعة تشافي وكيف يفعل في وسط الملعب
فهو من طينة اللاعبين الذين لا تعرف قيمتهم إلاّ في حال فقدانهم ، إنهُ يا اخوان يملكُ فلسفة
خاصة تُترجمها قدماه في الملاعب الخضراء ، ومعها يملك خُلقاً هائلاً وكأنهُ يُريد به احداث
تعديل على اخلاقيّات كُرة القدم التي شوّهها المُشوهون ، وجعلوا من ميادينها ساحات
لمعارك رحلّ منها كثيرون .
وأمّا التّقدميّة فهو تجديد أتى به وحده ، وهي الفلسفة التي احدثت ثورة كبرى في مجال كُرة
القدم ، ومن خلال تلكَ الفلسفة أكدّ اكزافي بأن العقل هو الأداة الأولى للانتصار ، وعليه رسّخ
تشافي نظرية أن الأفكار أزليّة لا تتغيّر ، ووافق بذلك نظرية اليوناني افلاطون الذي ذهب بأن
قلّة من النّاس يستنطيعون التّوصل إلى المعلومات والأفكار نظراً لطيبعتهم الخاصة التي
تؤهلهم للقيام بمثل تلكَ الأعمال ، إنه يا سادة تشافي أحد أولئكَ القلّة الذين حملوا على عاتقهم
إعادة مُجريات الكُرة لنصابها ، وعليه تُبنى قاعدة لعب برّشلونة الهائلة المعروفة عند الجميع
وتحتَ عنوان : نحنُ فقط وتمتعوا !

آخر تعديل: