- إنضم
- 16 ماي 2010
- المشاركات
- 2,232
- نقاط التفاعل
- 4
- نقاط الجوائز
- 457
- آخر نشاط
بسم الله الرحمن الرحيم
لحظة محاسبة
إن الإنسان بما أودعه الله فيه من غريزة وشهوة وطاقة تحمل فقد أوجد له ما يسد حاجة ما أودعه له ,
إلا أن الإنسان في كثير من الأحيان يطغى ويسرف في غرائزه وشهواته ويتمادى في غرائزه وعناده
ويرخي العنان لنفسه الأمارة بالسوء التي تقوده إلى الضلال وقسوة القلب وجشع النفس , ومن رحمة الله
بنا أن أودع فينا النفس اللوامة تلك النفس التي تردع صاحبها وتحاسبه وتلومه وتؤنبه على فعل المنكرات
فالإنسان مهما كان متماديا في إسرافه على نفسه إلا أن لحظة محاسبة منفردة مع النفس يوقفها ذلك الإنسان
هذه اللحظة التي توقظ ضمير الإنسان وتنبهه من غفلته وتفتح لنفسه آفاق الهداية والنور , إنها قبس الأمل
التي ترشد الإنسان إلى الطريق المستقيم , هذه اللحظة إن قدر لها الإنسان قدرها واستغل حضورها واستحضرتها
نفسه فإنها تكون نقطة تحول جذري في حياته , فهي لحظة تعانق فيها النفس بوادر الخير والصلاح وترتقي
بروحانيتها علياء الرشد والصحوة , إنها لحظة من نفحات الرحمة التي يمن الله بها على الإنسان , فهنيئا
لمن تمسك بها واقتبس بنورها وتهلل بوقعها وامتثل لوعظها , إنها لحظة تعد كطوق النجاة للغريق فمن تمسك بها
نجا ومن تجاهلها غرق وهلك . هذه اللحظة التي تنتشل الإنسان من وحل الضلال إلى رياض التقى والهداية
ما أعظمها من لحظة وما أجملها لمن قدر قدرها واستشعر قيمتها واستلهم نتائجها , إنها لحظة تصارع استفحال
الشر في النفس البشرية , فجدير بنا نصرتها على شرور أنفسنا ففي نصرها انتصار مبين لنا , إنها لحظة
من لحظات الجهاد , فأين أنت يا من تنشد الهمم فنصر الخير في النفس من أجل الهمم .
فالسعيد من أوقف نفسه للحظة محاسبة صادقة يسترعي فيها مكامن الخير في نفسه ويدحر بها أغوار الشر
في نفسه , ويتبصر بها درب النور المبين ويسلك سبيل الهدى المستقيم , فلنغتنم تلك اللحظات السامية والمباركة
فإنها محطات وعظية قيمة تجادل عناد النفس وتحد من شراسة شرها , فما أرحم ربنا بنا أن جعل من أنفسنا
نفس لوامة تقاوم شراسة النفس الأمارة بالسوء , فلنحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب , ففي لحظة المحاسبة استفاقة
قد يمن الله بها علينا لطرق أبواب السعادة ورفعة النفس ونزاهتها من سفاسف الأمور وسطوة الذنوب .
والشقي من تجاهل لحظة المحاسبة وأعرض عنها بكبرياء نفسه الأمارة بالسوء وتعنت شهوتها وجور غرائزها
حتى عم قلبه سواد الران المظلم فأظلمت حياته في وحل المعاصي ومستنقع الشهوات , وأظلمت عليه بصيرته
فسلك أخاديد المنكرات , فهل النفس رخيصة لنعرضها لمهلكة الذنوب والمعاصي وتسلط الشيطان عليها ؟
إن من فقد أو ترك محاسبة نفسه سيتحسر في وقت لا ينفع فيه التحسر .
يقول الله تعالى : { أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الخاسرين }
إن من ترك محاسبة النفس أو تجاهلها تمكنت منه الغفلة التي يترتب عليها هلاك القلب , ومن هلك قلبه
خيمت عليه ظلمة الذنوب , فتجنح نفسه إلى تسهيل الأمور والتهاون بأعظم الذنوب وتزين حب الشهوات
وهذا حال أهل الغرور الذين آنسوا بفعل المعاصي والذنوب ومنوا أنفسهم بطول الأمل وسوفوا إلى أجل بعيد
إن الإنسان لا يدري متى يوافيه الأجل , فكيف له أن يسوف ويمني نفسه بطول الأجل ؟
إن من يتأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم يجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف والرجاء
ونحن جميعا - إلا من رحم ربي – بين التقصير , بل بين التفريط والأمن(فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون)
يقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون }
فلنجاهد أنفسنا ونحاسبها قبل أن تأتي سكرة الموت وحينها لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت
في إيمانها خير , وتزودا فإن خير الزاد التقوى
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين