كيف نحافظ على مكتسبات ليالي القدر!..
إنمن أفضل التعقيبات بعد الصلوات الواجبة، التدبر والتفكر؛ لأنها خير من عبادة ستين أو سبعين سنة.. والتفكر يكون تارة مع النفس، وتارة مع الغير.. والاستماع إلى حديث ديني مذكر بالله ورسوله في بيت من بيوته، من مصاديق التفكير أيضا.
إنمن أفضل التعقيبات بعد الصلوات الواجبة، التدبر والتفكر؛ لأنها خير من عبادة ستين أو سبعين سنة.. والتفكر يكون تارة مع النفس، وتارة مع الغير.. والاستماع إلى حديث ديني مذكر بالله ورسوله في بيت من بيوته، من مصاديق التفكير أيضا.
إنالإنسان بعد ليالي القدر، يعيش حالة من حالات الخفة، ويستذوق حلاوة الإيمان؛ لأنه اكتسب عمرا جديدا.. فـ{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، فهو يعيش أوج التألق الروحي، والإقبال القلبي على الله عز وجل.. ولكن هناك بعض الملاحظات في هذه المناسبة:
إن البعض يتساءل عن كيفية الاحتفاظ بهذه المكاسب؟..
مثلا: في الحروب العسكرية، إن اقتحام الجبهة، واحتلال ميدان العدو، قد يكون سهلا.. ولكن المشكلة في تثبيت المكاسب، والاحتفاظ بالمواقع، فهنا الفخر!.. كذلك في الحركات الروحية والقلبية، فالمهم هو أن يحتفظ الإنسان بمكاسبه.. وهنالك مقولة أخلاقية صحيحة، وفي نفس الوقت مخيفة، وهي: إن الإنسان المسافر في البيداء، إذا كان خاليا من كل متاع، أي فقيرا بائسا.. فإن هذا الإنسان إذا وقع بيد قطاع الطرق، يفتش ثم يترك لحاله؛ لأنه ليس هنالك ما يسلب منه.. ولكن المصيبة إذا كان هذا الإنسان، يحمل شيئا من الجواهر.. فهذا الإنسان قطاع الطرق له بالمرصاد، يراقبون سيره، لكي يوقعونه في شباكهم.. إن الشيطان عيناه ثاقبتان في هذا المجال، فهو أخبر بالإنسان من نفسه، لأنه منذ أن ولد وهو ينظر إلى حركات الإنسان: يراقبه، ويتعلم نقاط ضعفه، ونقاط قوته (إن الشيطان يجري من ابن آدم، مجرى الدم من العروق).. قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم، لنظروا إِلى ملكوت السماوات).
إن الإنسان كلما كثرت مكاسبه، كلما اجتمعت عليه الشياطين للانتقام منه.. وخاصة أنه في هذا الشهر الكريم، كما في خطبة النبي الأعظم (ص) في شهر شعبان: (الشياطين مغلولة).. عندما تربط هرة لفترة ثم تطلق سراحها، فإنها تنتقم ممن حبسها، وكذلك الشياطين المغلولة، فإذا انتهى الشهر الكريم، تحاول أن تصادر المكاسب.. ومن هنا نلاحظ حركة وظاهرة غريبة وهي: أنه عادة بعد مواسم الطاعة، البعض من المؤمنين ينتكس، وذلك لأن الشياطين تنتقم منه!.. بعد شهر رمضان من المفروض أن يكون شهر شوال من أفضل أشهر السنة؛ وذلك لأننا في الأشهر الثلاثة التي سبقته، وهي: رجب، وشعبان، وشهر رمضان.. صمنا، وصلينا، واعتكفنا، وأحيينا الليالي البيض.. ولكن هل هنالك تميز في شوال؟.. وأين ذلك النور المكتسب من هذه الأشهر الثلاثة؟.. لابد من وقفة مع النفس، فحياتنا نسخة متكررة.. والعمر كورقة في جهاز الاستنساخ، إذا لم يغير الإنسان هذه الورقة، يبقى الجهاز يطبع نسخاً متشابهة.. لذا لابد أن نغير الورقة نحو الأفضل، ونحو الأكمل.. فالجسم الساكن يميل إلى السكون، ما لم يحرك.. هذه قاعدة في عالم الطبيعة.. وفي عالم الأرواح: الإنسان إذا لم يحدث عملية تغيير للداخل والباطن، فإنه يبقى على ما هو عليه.. الإنسان إذا وقف مع نفسه، وتذكر حياة الأبدية: الأبدية في الجنة، أو في الأعراف، أو -لا قدر الله- في النار.. هذه الأبدية، ترسم بهذه السنوات القلائل من الحياة الدنيا.. يا لها من معادلة مرعبة ومخيفة، أن يرسم الإنسان أبديته!.. الإنسان لا يكاد يستوعب ما معنى الأبدية؟.. سنعيش الأبدية في جوار الله -عز وجل-: في جوار لطفه، أو غضبه، وذلك من هذه الأيام التي نقضيها في الحياة الدنيا.
كيفية المحافظة على المكتسبات:
إن حركات الإصلاح الباطنية على نحوين: هنالك حركة ظاهرية، حركة في الجوارح.. وهنالك حركة في الجوانح.. والحركة في الجوارح: أي أن يعمل الإنسان أعضاءه البدنية في اعتكاف، أو في صوم، أو في حج، أو في عمرة، أو في زيارة للمشاهد المشرفة.. فالذي يسعى هو البدن، والذي يطوف هو البدن، والذي يمسك هو البدن؛ ولكن لابد من القيام بحركة موازية لهذه الحركة في الباطن.. أي أن نصل إلى مرحلة، يعبر عنها القرآن الكريم بتعبير بليغ: {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.. فالعبارة مطلقة: {لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ}ذكر بعنوان المثال، وإلا فإن العبارة تشمل أيضا: المنصب، والدار، والزوجة.. لو أن إنسانا زرع نخلة لا للزينة، بل للتمر: فسقاها، وهذبها، وشذبها سنوات، وهذه النخلة لم تثمر؛ فإنه يدفع مالاً لأحدهم كي يقتلعها من جذورها.
إنالعبادات في شهر رمضان وشهر الحج، ثمرتها القلب السليم، ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}..والثمرة هي:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.. والتقوى من صفات القلب، لا من صفات البدن.. لذا علينا أن ننظر إلى قلوبنا، في أية حالة؟.. الذي يخرج من شهر الصيام، ويريد أن يعلم علامة القبول، لا داعي للمنامات ولا للمكاشفات، ولا للذهاب إلى من يدعي فهم بواطن الأمور.. فثمرة القبول في شهر رمضان: أن يصل الإنسان إلى درجة يستقذر فيها المنكر؛ أي يرى المنكر مراً وقبيحاً في وجوده.. وعندما يريد أن يغتاب، يقف لا لأن الشريعة حرمت ذلك فحسب!.. ولا لأن الوعاظ قالوا: لا تغتب!.. ولكنه رأى أن الغيبة هي حقيقة أكل للحم الميتة.. وعندما يأخذ قرضاَ ربوياً، يعلم أن ملكوت الربا الجنون، كما يقول القرآن الكريم: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}.. والذي يأكل مالاً ليتيم، يرى ملكوت هذا الحرام المتمثل بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}..فالقرآن ذكر بعض ملكوت الحرام.. وقد يكون المؤمن مؤمنا في كل شؤونه، ولكن عندما يصل إلى النظر، وإذا به تزل قدمه.. وخاصة ما يجري في جوف الليل من الحرام، وما أدراك ما جوف الليل، بقول علي (ع) كما في المنظومة المنسوبة إليه:
إلهي حليف الحب في الليل ساهر يناجي ويدعو والمغـفل يهـجع
يا ليت المغفل يهجع وينام!.. ولكنه يسهر على ما لا يحسن ذكره من صور المنكر.. فإذا لم يصل الإنسان إلى درجة استقذار المنكر، فإنه لم يحصل على شيء؛ لأنها حصانة مؤقتة لا حصانة ذاتية.. لذا يجب على المؤمن أن ينظر إلى نفسه: هل وصل إلى هذه الدرجة أم لا؟.. إن وصل لهذه الدرجة، فهنيئا له!.. وإلا فما العمل؟..
أولاً: علينا أن نعترف بضعفنا..إن الإنسان موجود ضعيف، وأي عمل يقوم به، هو من فضل الله -عز وجل- {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}.. فالمجيء إلى المسجد، هو من فضل الله -عز وجل- وإلا فإن الكثيرين مشغولون بالأباطيل.
إلهي حليف الحب في الليل ساهر يناجي ويدعو والمغـفل يهـجع
يا ليت المغفل يهجع وينام!.. ولكنه يسهر على ما لا يحسن ذكره من صور المنكر.. فإذا لم يصل الإنسان إلى درجة استقذار المنكر، فإنه لم يحصل على شيء؛ لأنها حصانة مؤقتة لا حصانة ذاتية.. لذا يجب على المؤمن أن ينظر إلى نفسه: هل وصل إلى هذه الدرجة أم لا؟.. إن وصل لهذه الدرجة، فهنيئا له!.. وإلا فما العمل؟..
أولاً: علينا أن نعترف بضعفنا..إن الإنسان موجود ضعيف، وأي عمل يقوم به، هو من فضل الله -عز وجل- {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}.. فالمجيء إلى المسجد، هو من فضل الله -عز وجل- وإلا فإن الكثيرين مشغولون بالأباطيل.
ثانياً: الطلب من الله -عز وجل- أن يتصرف في القلوب.. إن على المؤمن أن يطلب من رب العالمين، أن يتصرف في فؤاده {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}..إذا أصبح الإيمان مزينا في القلب، يكون قد مشى الإنسان خطوات سريعة؛ لأنه يسعى وراء شيء لذيذ.. إذا أراد الإنسان أن يختبر حياة القلب، فليدخل المسجد، وينظر إلى مدى تفاعله مع بيت الله عز وجل!.. فالذي يعيش في قلبه هذا الحب الإلهي، يحب كل أمر منتسب إليه.. في مناجيات الإمام زين العابدين: اللهم!.. ارزقني حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يوصلني إلى قربك!..أنت نعيمي وجنتي!.. فالإمام زين العابدين (ع) صاحب هذه الأفكار، التي لم يصل إليها مدعو العرفان طوال التأريخ.
ثالثاً: الطلب من الله -عز وجل- أن يربط على القلوب.. ما الذي جعل أهل الكهف يتركون عبادة قومهم؟.. {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ}؛ لأن قلبهم كان سليما.. فأمير الوجود هو القلب، والقلب إذا صلح؛ صلحت الجوارح.. والقلب بيد الله عز وجل.. أم كأم موسى تحمل طفلها وتلقيه في البحر، على أمل ماذا؟.. {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.. فالربط على القلب من شؤون الله عز وجل؛ لذا على الإنسان أن يسأل ربه في ليلة القدر هذا الربط.
رابعاً:التحكم في الحواس.. إن الحواس هي حدود مملكة البدن، فمن يريد أن يسيطر على العاصمة، لابد أن يراقب الحدود البحرية والبرية والجوية: المطارات، والموانئ.. وموانئ البدن ومطاراته ومنافذ مملكة الروح، هي عبارة عن هذه الحواس.. لو سيطر الإنسان على شبر مربع، فقد تمكن من مملكة الوجود.. الشبر هو هذا الوجه: العينان، والأذنان، واللسان بما فيه.. هذا المثلث المظلم والنوراني في نفس الوقت.. والحرام معروف عند الجميع: هنالك حرام في النظر، وحرام في السمع، وحرام في القول، وحرام في المأكول، وغيره.. فالمحرمات محدودة، إذا تمت السيطرة على هذه النقاط، فإنه يصل إلى مقامات لا تخطر ببال أحد (غضوا أبصاركم، ترون العجائب)!..قال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم-: (لولا تمريج في قلوبكم، وتكثير في كلامكم.. لرأيتم ما أرى، ولسمعتم ما أسمع).
فإذن، ليعاهد الإنسان ربه، على أن يتحكم في مملكة الوجود، من خلال التحكم في المنافذ التي هي الحواس.. نحن لسنا قتلة، ولسنا سرقة، ولسنا مبتلين بالكبائر المذكورة: كالسحر، والشعوذة وما شابه ذلك.. ولكن مشكلتنا هي النظر، عندما يقيم الإنسان جهاز مراقبة على هذا الوجود، يكفي نفسه شرورا كثيرة.. فالتفاعلات القلبية الشهوية، والحركات الخارجية الشهوية، كل ذلك مبدؤها النظر؛ فهو سهم من سهام إبليس.
فإذن، ليعاهد الإنسان ربه، على أن يتحكم في مملكة الوجود، من خلال التحكم في المنافذ التي هي الحواس.. نحن لسنا قتلة، ولسنا سرقة، ولسنا مبتلين بالكبائر المذكورة: كالسحر، والشعوذة وما شابه ذلك.. ولكن مشكلتنا هي النظر، عندما يقيم الإنسان جهاز مراقبة على هذا الوجود، يكفي نفسه شرورا كثيرة.. فالتفاعلات القلبية الشهوية، والحركات الخارجية الشهوية، كل ذلك مبدؤها النظر؛ فهو سهم من سهام إبليس.
العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك:
إن النبي (ص) كان يشد المئزر، ويعتزل النساء، ويحاول أن يحقق أعلى درجات القرب في هذه العشرة الأخيرة.. فالليالي الوتر من هذه العشرة الأخيرة، هي من المحطات المتميزة، وهي مصدر آخر من مصادر اللذة في الوجود.. إن مشكلة لذائذ الدنيا: أنها أولا محدودة، وثانيا مكلفة.. عندما يريد الإنسان أن يأكل وجبة الطعام التي تستغرق نصف ساعة، فإن هذه النصف الساعة من التلذذ، تحتاج إلى ساعتين من المقدمات والمؤخرات، والذهاب إلى المطاعم، ودفع الأموال الوفيرة، ليعيش حلاوة مرور الطعام على حليمات التذوق على اللسان.. فالحلوى قبل أن تؤكل لا طعم لها، لأنها خارج الفم.. وقطعة الحلوى في المعدة، لا طعم لها سوى الروائح الكريهة.. فقيمة الحلوى هي فقط عندما تمر على اللسان لثوان فقط، وليس لدقائق.
إن الإنسان في أفول مستمر، وشهوات الإنسان في تناقص، فإذا بلغ الستين والسبعين، سلبت منه شهوة الطعام والنساء وغيرها.. لذا على الإنسان أن يكتشف مصدرا جديدا من مصادر اللذة والأنس، ألا وهو الأنس بخالق الأنس، والأنس بخالق اللذائذ.. إن هذه المودة المجعولة بين النساء والرجال، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.. هذا السكون، وهذا الغرام الزوجي، هو شعبة من شعب المودة الإلهية.. هو الذي ألقى بين الزوجين هذه المودة.. أيهما أكثر تواجداً: الذهب عند محلات الصاغة، أو الذهب في مناجم الذهب؟.. هذا الذهب في المحل، مأخوذ من المنجم.. فإذا كان الإنسان يحب الذهب، فليذهب إلى المنجم ليحصل على الكنوز.. وهذه المودة المجعولة بين الزوجين، وهذه الرأفة المجعولة في قلوب الأمهات الرواحم (وعطفت علي قلوب الحواضن، وكفلتني الأمهات الرواحم).. هذا الأنس، وهذه المودة، وهذه اللذة، هي من مجعولات الله عز وجل.. فهنيئا لمن أوصل نفسه بهذه اللذة!.. العلماء السلف كانوا يقولون عن إحياء الليل: أين الملوك وأبناء الملوك من هذه اللذة؟!.. أي نحن الملتذون لا الملوك!.. إنسان فقير يقوم في جوف الليل في بيته المتواضع، ليناجي رب العالمين؛ فإذا به يسير سيرا أنفسيا، لا يقاس به السير الآفاقي {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ}..والباب مفتوح للجميع، هذا ليس حكرا على رجال الدين، ولا على الحوزات.. فكل إنسان بإمكانه أن يصل إلى هذه النقطة، ولكن بشرط المجاهدة.. وشهر رمضان، هو شهر إيجاد هذا الأنس، وشهر تذوق هذه الحلاوة.. مادام الإنسان تذوق حلاوة الأنس في ليالي الإحياء في شهر رمضان، عليه أن يحاول استصحاب هذه الحلاوة في أيامه كافة.
إن الإنسان في أفول مستمر، وشهوات الإنسان في تناقص، فإذا بلغ الستين والسبعين، سلبت منه شهوة الطعام والنساء وغيرها.. لذا على الإنسان أن يكتشف مصدرا جديدا من مصادر اللذة والأنس، ألا وهو الأنس بخالق الأنس، والأنس بخالق اللذائذ.. إن هذه المودة المجعولة بين النساء والرجال، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.. هذا السكون، وهذا الغرام الزوجي، هو شعبة من شعب المودة الإلهية.. هو الذي ألقى بين الزوجين هذه المودة.. أيهما أكثر تواجداً: الذهب عند محلات الصاغة، أو الذهب في مناجم الذهب؟.. هذا الذهب في المحل، مأخوذ من المنجم.. فإذا كان الإنسان يحب الذهب، فليذهب إلى المنجم ليحصل على الكنوز.. وهذه المودة المجعولة بين الزوجين، وهذه الرأفة المجعولة في قلوب الأمهات الرواحم (وعطفت علي قلوب الحواضن، وكفلتني الأمهات الرواحم).. هذا الأنس، وهذه المودة، وهذه اللذة، هي من مجعولات الله عز وجل.. فهنيئا لمن أوصل نفسه بهذه اللذة!.. العلماء السلف كانوا يقولون عن إحياء الليل: أين الملوك وأبناء الملوك من هذه اللذة؟!.. أي نحن الملتذون لا الملوك!.. إنسان فقير يقوم في جوف الليل في بيته المتواضع، ليناجي رب العالمين؛ فإذا به يسير سيرا أنفسيا، لا يقاس به السير الآفاقي {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ}..والباب مفتوح للجميع، هذا ليس حكرا على رجال الدين، ولا على الحوزات.. فكل إنسان بإمكانه أن يصل إلى هذه النقطة، ولكن بشرط المجاهدة.. وشهر رمضان، هو شهر إيجاد هذا الأنس، وشهر تذوق هذه الحلاوة.. مادام الإنسان تذوق حلاوة الأنس في ليالي الإحياء في شهر رمضان، عليه أن يحاول استصحاب هذه الحلاوة في أيامه كافة.
إلهي لو بكيت إليك حتى تسقط أشفار عينيّ وانتحبت حتى ينقطع صوتي
وقمت لك حتى تتنشر قدماي وركعت لك حتى ينخلع صلبي وسجدت لك حتى تتفقأ حدقتاي
وأكلت تراب الأرض طول عمري وشربت ماء الرماد آخر دهري
وذكرتك في خلال ذلك حتى يكلَّ لساني ثم لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء استحياءً منك
ما استوجبت بذلك محو سيئةٍ واحدة من سيئاتي!!
وقمت لك حتى تتنشر قدماي وركعت لك حتى ينخلع صلبي وسجدت لك حتى تتفقأ حدقتاي
وأكلت تراب الأرض طول عمري وشربت ماء الرماد آخر دهري
وذكرتك في خلال ذلك حتى يكلَّ لساني ثم لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء استحياءً منك
ما استوجبت بذلك محو سيئةٍ واحدة من سيئاتي!!