طلب مساعدة....؟

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

عماد6

:: عضو مُشارك ::
إنضم
29 نوفمبر 2009
المشاركات
279
نقاط التفاعل
0
النقاط
6
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاتة ارجو ان تكونو في احسن الاحوال ...انا ادرس سنة اولى جامعي **علوم وتكنولوجيا**واريد مساعدة منكم ...
ولي ابنت خالي سنة رابعة جامعي.. **اعلام واتصال**تخصص***اتصال وعلاقات عامة***فمن له مذكرات ..كتب ...مراجع..بحوث خاصة بالاتصال والعلاقات العامة...فاليزدنا وله ثواب ما فعل
انا بانتظار افادتكم:fish:
صح افطورك
اخوكم .........عماد
 
و الله يا أخي للأسف مكانش

ان شاء الله تلقا من عند الأعضاء

ربي يكون في العون

...................

 
بحث كامل حول "نظريات الاعلام والاتصال"



خطة البحث

المبحث الأول:مفهوم الاتصال
المبحث الثاني:تطور نظريات الاتصال
المبحث الثالث:القائم بالاتصال ونظرية(حارس البوابة)
المبحث الرابع:وسائل الأعلام وتأثيرها على المجتمعات
((نظرية مارشال ماكلوهان))
المبحث الخامس: نظرية التقمص الوجداني
المبحث السادس:نظريات الإعلام والسلطة
المبحث السابع:نظريات الإعلام في الدول النامية
المصادر والمراجع



المبحث الأول
مفهوم الاتصال


أولاً: تعريف الاتصال
يعود أصل كلمة COMMUNICATION في اللغات الأوروبية- والتي اقتبست أو ترجمت إلى اللغات الأخرى وشاعت في العالم- إلى جذور الكلمة اللاتينية COMMUNIS التي تعني "الشيء المشترك"، ومن هذه الكلمة اشتقت كلمة COMMUNE التي كانت تعني في القرنين العاشر والحادي عشر "الجماعة المدنية" بعد انتزاع الحق في الإدارة الذاتية للجماعات في كل من فرنسا وإيطاليا، قبل أن تكتسب الكلمة المغزى السياسي والأيديولوجي فيما عرف بـ "كومونة باريس" في القرن الثامن عشر؛ أما الفعل اللاتيني لجذر الكلمة COMMUNICARE فمعناه "يذيع أو يشيع " ومن هذا الفعل اشتق من اللاتينية والفرنسية نعت COMMUNIQUE الذي يعني "بلاغ رسمي" أو بيان أو توضيح حكومي.
ويمكن وصف الاتصال بأنه سر استمرار الحياة على الأرض وتطورها، بل أن بعض الباحثين يرى ( أن الاتصال هو الحياة نفسها)، وعلى الرغم من أن الجنس البشرى لا ينفرد وحده بهذه الظاهرة، حيث توجد أنواع عديدة من الاتصال بين الكائنات الحية، بيد أن الاتصال بين البشر شهد تنوعاً في أساليبه، وتطوراً مذهلا في المراحل التاريخية المتأخرة.
ومع تعدد التعريفات التي وضعت من قبل الباحثين لمفهوم الاتصال (Communication ) فأننا يمكن أن نعتمد تعريفا مبسطا وشاملا للاتصال هو: (أن الاتصال عملية يتم بمقتضاها تفاعل بين مرسل ومستقبل ورسالة في مضامين اجتماعية معينة، وفي هذا التفاعل يتم نقل أفكار ومعلومات ومنبهات بين الأفراد عن قضية، أو معني مجرد أو واقع معين )
والاتصال عملية مشاركة(Participation) بين المرسل والمستقبل، وليس عملية نقل(Transmision )إذ أن النقل يعني الانتهاء عند المنبع،أما المشاركة فتعني الازدواج أو التوحد في الوجود، وهذا هو الأقرب إلى العملية الاتصالية، ولذا فأنه يمكن الاتفاق على أن الاتصال هو عملية مشاركة في الأفكار والمعلومات، عن طريق عمليات إرسال وبث للمعنى، وتوجيه وتسيير له، ثم استقبال بكفاءة معينة، لخلق استجابة معينة في وسط اجتماعي معين.وتتفق أغلب الدراسات التي تناولت هذا الموضوع، منذ ما يزيد على نصف قرن، وحتى الوقت الراهن، على تقسيم الاتصال إلى أنواع أو نماذج عدة، من أبرزها :
الاتصال الذاتي والاتصال الشخصي والاتصال الجمعي والاتصال الجماهيري (الإعلامي)، وهذا النوع الأخير من الاتصال، وبشكله العصري التقني يتجاوز اللقاء المباشرة، والتفاعل الاجتماعي وجها لوجه، وذلك باستخدام وسائل تقنية معقدة باهظة التكاليف، كالطباعة والإذاعة المسموعة والتلفزيون والسينما فضلا عن منظومة الاتصالات والمعلومات عبر الأقمار الاصطناعية،وشبكة الإنترنيت.
وقد تعددت المفاهيم التي طرحت لتحديد معنى الاتصال بتعدد المدارس العلمية والفكرية للباحثين في هذا المجال، وبتعدد الزوايا والجوانب التي يأخذها هؤلاء الباحثون في الاعتبار، عند النظر إلى هذه العملية، فعلى المستوى العلمي البحثي يمكن القول بوجود مدخلين لتعريف الاتصال:
المدخل الأول:
ينظر إلى الاتصال على أنه عملية يقوم فيها طرف أول (مرسل) بإرسال رسالة إلى طرف مقابل(مستقبل) بما يؤدي إلى أحداث اثر معين على متلقي الرسالة.
المدخل الثاني:
يرى أن الاتصال يقوم على تبادل المعاني الموجودة في الرسائل، والتي من خلالها يتفاعل الأفراد من ذوي الثقافات المختلفة، وذلك من أجل إتاحة الفرصة لتوصيل المعنى، وفهم الرسالة.
والمدخل الأول يهدف إلى تعريف المراحل التي يمر بها الاتصال، ويدرس كل مرحلة على حدة، وهدفها وتأثيرها على عملية الاتصال ككل.
أما التعريف الثاني فهو تعريف بناءي أو تركيبي، حيث يركز على العناصر الرئيسية المكونة للمعنى، والتي تنقسم بدورها إلى ثلاث مجموعات رئيسية:
أ- الموضوع: إشارته ورموزه.
ب- قاريء الموضوع والخبرة الثقافية والاجتماعية التي كونته، والإشارات والرموز التي يستخدمها.
ج- الوعي بوجود واقع خارجي يرجع إليه الموضوع.

وفي ضوء المدخل الأول عرف بعض الباحثين الاتصال بالنظر إليه كعملية يتم من خلالها نقل معلومات أو أفكار معينة بشكل تفاعل من مرسل إلى مستقبل بشكل هادف، ومن نماذج هذه التعريفات:
1• الاتصال هو العملية التي يتم من خلالها نقل رسالة معينة أو مجموعة من الرسائل من مرسل أو مصدر معين إلى مستقبل،أما الاتصال الجماهيري فهو ذلك النمط من الاتصال الذي يتم بين أكثر من شخصين لإتمام العملية الاتصالية، والتي غالبا ما تقوم بها المؤسسات أو الهيئات عن طريق رسائل جماهيرية.
2• الاتصال هو نقل أو انتقال للمعلومات والأفكار والاتجاهات أو العواطف من شخص أو جماعة لآخر أو لآخرين، من خلال رموز معينة.
3• الاتصال يعرف على أنه عملية تحدد الوسائل والهدف الذي يتصل أو يرتبط بالآخرين، ويكون من الضروري اعتباره تطبيقا لثلاثة عناصر:العملية-الوسيلة-الهدف.
4• الاتصال عملية تفاعل بين طرفين من خلال رسالة معينة،فكرة، أو خبرة،أو أي مضمون اتصالي آخر عبر قنوات اتصالية ينبغي أن تتناسب مع مضمون الرسالة بصورة توضح تفاعلا مشتركا فيما بينهما.

وفي ضوء المدخل الثاني الذي ينظر إلى الاتصال على أنه عملية تبادل معاني يعرف بعض الباحثين الاتصال كعملية تتم من خلال الاتكاء على وسيط لغوي، حيث أن كلاً من المرسل والمستقبل يشتركان في إطار دلالي واحد، بحيث ينظر إلى الاتصال هنا على أنه عملية تفاعل رمزي، ومن نماذج هذه التعريفات:

يتبع
 


1•الاتصال تفاعل بالرموز اللفظية بين طرفين: أحدهما مرسل يبدأ الحوار، وما لم يكمل المستقبل الحوار، لا يتحقق الاتصال، ويقتصر الأمر على توجيه الآراء أو المعلومات، من جانب واحد فقط، دون معرفة نوع الاستجابة أو التأثير الذي حدث عند المستقبل.
2• الاتصال عملية يتم من خلالها تحقيق معاني مشتركة (متطابقة) بين الشخص الذي يقوم بالمبادرة بإصدار الرسالة من جانب، والشخص الذي يستقبلها من جانب آخر.
تعريف الإعلام:
الإعلام جزء من الاتصال، فالاتصال أعم وأشمل، ويمكن تعريف الإعلام بأنه: تلك العملية الإعلامية التي تبدأ بمعرفة المخبر الصحفي بمعلومات ذات أهمية، أي معلومات جديرة بالنشر والنقل، ثم تتوالى مراحلها: تجميع المعلومات من مصادرها، ثم نقلها، والتعاطي معها وتحريرها، ثم نشرها وإطلاقها أو إرسالها عبر صحيفة أو وكالة أو إذاعة أو محطة تلفزة إلى طرف معني بها ومهتم بوثائقها.
إذن لابد من وجود شخص أو هيئة أو فئة أو جمهور يهتم بالمعلومات فيمنحها أهمية على أهميتها، ويكون الإعلام عن تلك العملية الإعلامية التي تتم بين ميدان المعلومات وبين ميدان نشرها أو بثها.
ثانياً: عناصر عملية الاتصال:
أن النظر إلى الاتصال كعملية مشاركة، يعني أن الاتصال لا ينتهي بمجرد أن تصل الرسالة من المصدر (المرسل) إلى المتلقي (المستقبل)، كما يعني أن هناك العديد من العوامل الوسيطة بين الرسالة والمتلقي، بما يحدد تأثير الاتصال؛ من جهة أخرى فأن كلا من المرسل والمتلقي يتحدث عن موضوع معين أو موضوعات معينة فيما يعرف بالرسالة أو الرسائل، ويعكس هذا الحديث ليس فقط مدى معرفة كل منها بالموضوع أو الرسالة، ولكن أيضا يتأثر بما لديه من قيم ومعتقدات، وكذلك بانتماءاته الاجتماعية الثقافية، مما يثير لديه ردود فعل معينة تجاه ما يتلقاه من معلومات وآراء، ويحدد أيضا مدى تأثره بهذه المعلومات والآراء.
في هذا الإطار المركز تطورت النماذج التي تشرح وتفسر عملية الاتصال بعناصرها المختلفة، حيث ظهر في البداية النموذج الخطي أو المباشر الذي يرى أن تلك العناصر هي: المرسل والرسالة والمستقبل، ولكن الدراسات التي أجريت منذ الأربعينيات، من القرن الماضي، بينت مدى قصور ذلك النموذج، وحطمت النظرية القائلة بأن لوسائل الإعلام تأثيراً مباشراً على الجمهور.
لقد ظهرت العديد من النماذج والتي تطورت من الطبيعة الثنائية إلى الطبيعة الدائرية، والتي على ضوئها تتكون عملية الاتصال من ستة عناصر أساسية هي:
1- المصدر
2- الرسالة
3- الوسيلة
4- المتلقي (المستقبل)
5- رجع الصدى أو رد الفعل
6- التأثير

وفيما يلي نبذة موجزة عن هذه العناصر:

1-المصدر أو المرسل(source):
ويقصد به منشيء الرسالة، وقد يكون المصدر فردا أو مجموعة من الأفراد وقد يكون مؤسسة أو شركة، وكثيرا ما يستخدم المصدر بمعنى القائم بالاتصال، غير أن ما يجدر التنويه إليه هنا أن المصدر ليس بالضرورة هو القائم بالاتصال، فمندوب التلفزيون قد يحصل على خبر معين من موقع الأحداث، ثم يتولى المحرر صياغته وتحريره، ويقدمه قارئ النشرة إلى الجمهور، في هذه الحالة وجدنا بعض دراسات الاتصال يذهب إلى أن كل من المندوب والمحرر وقارئ النشرة بمثابة قائم بالاتصال، وأن اختلف الدور، بينما يذهب نوع آخر من الدراسات إلى أن القائم بالاتصال هو قارئ النشرة فقط، أي أنه بينما يوسع البعض مفهوم القائم بالاتصال ليشمل كل من يشارك في الرسالة بصورة أو بأخرى، فأن البعض الآخر يضيّق المفهوم قاصراً إياه على من يقوم بالدور الواضح للمتلقي.

2- الرسالة(message):
وهي المعنى أو الفكرة أو المحتوى الذي ينقله المصدر إلى المستقبل، وتتضمن المعاني والأفكار والآراء التي تتعلق بموضوعات معينة، يتم التعبير عنها رمزيا سواء باللغة المنطوقة أو غير المنطوقة، وتتوقف فاعلية الاتصال على الفهم المشترك للموضوع واللغة التي يقدم بها، فالمصطلحات العلمية والمعادلات الرياضية المعقدة الخاصة بالكيمياء الحيوية مثلاً، تكون مفهومة بين أستاذ الكيمياء وطلابه، أما إذا تحدث نفس الأستاذ عن الموضوع مع طلاب الإعلام والاتصال لا يكون الأمر كذلك، فهناك فجوة أو عدم وجود مجال مشترك للفهم بين المرسل والمستقبل، والمنطق نفسه إذا كأن الأستاذ يلقي محاضرة بلغة لا يفهمها أو لا يعرفها الحاضرون، أو إذا استخدم إيماءات وإشارات ذات دلالة مختلفة لهم.
من جهة أخرى تتوقف فاعلية الاتصال على الحجم الإجمالي للمعلومات المتضمنة في الرسالة، ومستوى هذه المعلومات من حيث البساطة والتعقيد، حيث أن المعلومات إذا كانت قليلة فأنها قد لا تجيب على تساؤلات المتلقي، ولا تحيطه علماً كافياً بموضوع الرسالة، الأمر الذي يجعلها عرضة للتشويه، أما المعلومات الكثيرة فقد يصعب على المتلقي استيعابها ولا يقدر جهازه الإدراكي على الربط بينها.

3- الوسيلة أو القناة(channel):
وتعرف بأنها الأداة التي من خلالها أو بواسطتها يتم نقل الرسالة من المرسل إلى المستقبل، وتختلف الوسيلة باختلاف مستوى الاتصال، فهي في الاتصال الجماهيري تكون الصحيفة أو المجلة أو الإذاعة أو التلفزيون، وفي الاتصال الجمعي مثل المحاضرة أو خطبة الجمعة أو المؤتمرات تكون الميكرفون، وفي بعض مواقف الاتصال الجمعي أيضا قد تكون الأداة مطبوعات أو شرائح أو أفلام فيديو، أما في الاتصال المباشر فأن الوسيلة لا تكون ميكانيكية (صناعية) وإنما تكون طبيعية، أي وجها لوجه.
4- المتلقي أو المستقبلreceiver
وهو الجمهور الذي يتلقى الرسالة الاتصالية أو الإعلامية ويتفاعل معها ويتأثر بها، وهو الهدف المقصود في عملية الاتصال، ولا شك أن فهم الجمهور وخصائصه وظروفه يلعب دورا مهما في إدراك معنى الرسالة ودرجة تأثيرها في عقلية ذلك الجمهور، ولا يمكن أن نتوقع أن الجمهور يصدق وينصاع تلقائيا للرسالة الإعلامية، فهو قد يرفضها أو يستجيب لها، إذا كانت تتفق مع ميوله واتجاهاته ورغباته، وقد يتخذ بعض الجمهور موقف اللامبالاة من الرسالة ولا يتفاعل معها.
5- رجع الصدى أو رد الفعلfeed back
يتخذ رد الفعل اتجاها عكسيا في عملية الاتصال، وهو ينطلق من المستقبل إلى المرسل، وذلك للتعبير عن موقف المتلقي من الرسالة ومدى فهمه لها واستجابته أو رفضه لمعناها، وقد أصبح رد الفعل مهما في تقويم عملية الاتصال، حيث يسعى الإعلاميون لمعرفة مدى وصول الرسالة للمتلقي ومدى فهمها واستيعابها.
6- التأثيرeffective
التأثير مسالة نسبية ومتفاوتة بين شخص وآخر وجماعة وأخرى، وذلك بعد تلقي الرسالة الاتصالية وفهمها، وغالبا ما يكون تأثير وسائل الاتصال الجماهيرية بطيئاً وليس فوريا، كما يعتقد البعض، وقد يكون تأثير بعض الرسائل مؤقتاً وليس دائماً، ومن ثم فإن التأثير هو الهدف النهائي الذي يسعى إليه المرسل وهو النتيجة التي يتوخى تحقيقها القائم بالاتصال. وتتم عملية التأثير على خطوتين، الأولى هي تغيير التفكير، والخطوة الثانية هي تغيير السلوك.

ثالثاً: وظائف وسائل الإعلام
أصبح دور وسائل الإعلام في المجتمع مهم وخطير جداً، إلى درجة خصصت جميع الحكومات أقساماً ودوائر ووزارات إعلام تتولى تحقيق أهداف داخلية وخارجية عن طريق تلك الوسائل، ومن تلك الأهداف الداخلية رفع مستوى الجماهير ثقافياً، وتطوير أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية.
أما خارجياً فمن أهداف دوائر الإعلام تعريف العالم بحضارة الشعوب ووجهات نظر الحكومات في المسائل الدولية.
ولم يقتصر اهتمام الحكومات بوسائل الإعلام، بل أن مؤسسات اجتماعية وسياسية واقتصادية اهتمت بها، ووجدت أن تلك الوسائل تخدمها وتخدم أهدافها وتساعد في ازدهارها.
وليس أدل على أهمية الإعلام ووسائله مما أصبح معروفاً في العالم، من أن الدولة ذات الإعلام القوي تعتبر قوية وقادرة، فلقد أصبح الإعلام عاملاً رئيسيا في نفوذ بعض الدول، وبخاصة تلك التي وجدت فيه إحدى دعاماتها الرئيسية، وقدمته على باقي دعائم الدولة.
وسبب كل ذلك هو أن وسائل الإعلام مؤثرة في الجماهير وفاعلة سلباً أو إيجاباً؛ فما هي وظائف تلك الوسائل؟
للإعلام خمس وظائف رئيسية هي:
1- الوظيفة الإخبارية
2-التوجيه وتكوين المواقف والاتجاهات.
3- زيادة الثقافة والمعلومات.
4- تنمية العلاقات الإنسانية وزيادة التماسك الاجتماعي.
5- لترفيه وتوفير سبل التسلية وقضاء أوقات الفراغ.
6- الإعلان والدعاية.
وفيما يأتي نوضح هذه الوظائف بنوع من التفصيل:

الوظيفة الإخبارية: تعني قيام وسائل الإعلام الجماهيرية بنقل الأحداث والقضايا المهمة، ومتابعة تطوراتها وانعكاساتها على المجتمع، وذلك لتلبية حاجة الإنسان الطبيعية لمعرفة البيئة المحيطة به، ومعرفة الحوادث الجارية من حوله، ويكاد المضمون الإخباري يشكل النسبة الرئيسية السائدة اليوم في وسائل الإعلام التي يفترض أن تقوم بتغطية تلك الأحداث بحيادية ودقة ومصداقية، لكي تحظى باحترام الجمهور.

التوجيه وتكوين المواقف والاتجاهات:
من المتعارف عليه أن المدرسة تتولى مهمة التوجيه، بعد العائلة، باعتبار أن الطالب يقضي قسما مهما من حياته فيها؛ لكن المجتمع بجميع مؤسساته الأسرية والعائلية والاجتماعية والدينية والاقتصادية له دور كبير في مجال التوجيه، وتكوين المواقف والاتجاهات الخاصة بكل فرد.
من هنا تتلاقى تلك المؤسسات مع المدرسة في مهمة التوجيه وتكوين المواقف والاتجاهات، خاصة وأن المجتمع ليس كله طلابا، ولا يتاح عادة لكل افراد المجتمع دخول المدارس أو الاستمرار في الدرس والتحصيل.
وإذا كانت المدرسة تقوم بمهمتها تلك عن طريق الهيئة التعليمية والكتاب، فأن توجيه المجتمع يمارس بشكل مباشر وغير مباشر على السواء عن طريق وسائل الإعلام المنتشرة عادة، فكلما كانت المادة الإعلامية ملائمة للجمهور لغة ومحتوى، ازداد تأثيرها، فلا يعقل مثلا أن تخاطب الذين لا يجيدون اللغة العربية باللغة الفصحى، ولا الذين ليس لديهم مستوى ثقافي معين بالمنطق وعلم الكلام والحجج الفكرية والفلسفية.

زيادة الثقافة والمعلومات:
التثقيف العام هدفه زيادة ثقافة الفرد بواسطة وسائل الإعلام، وليس بالطرق والوسائل الأكاديمية التعليمية، والتثقيف العام يحدث في الإطار الاجتماعي للفرد سواء كأن ذلك بشكل عفوي وعارض أم بشكل مخطط ومبرمج ومقصود.
والتثقيف العفوي هو مواجهة دائمة من جانب وسائل الإعلام للفرد، هذه المواجهة تقدم له ـ بدون أن يكون هو المقصود بالذات ـ معلومات وأفكار وصور وآراء، وهذا يحدث عندما يتجول الطالب في ساحة ملعب جامعته فيفاجأ بجريدة حائط أو بتلفزيون نادي الجامعة أو باللافتات المرفوعة في أماكن من الجامعة، وكلها تحمل عبارات تلفت نظره، فيندفع في قراءتها أو متابعتها فتعلق بعض الكلمات في ذهنه ويأخذ ببعض الآراء.
أما التثقيف المخطط فهو حصيلة وظيفتي التوجيه والتبشير؛ لكن هناك بعض الحالات تقع في دائرة التثقيف المخطط كالبرامج الزراعية التي هي عبارة عن حلقات إرشاد للمزارعين يدعون إليها أو تبث إليهم عبر الإذاعة أو التلفزيون.

الاتصال الاجتماعي والعلاقات البينية:
ويعرف الاتصال الاجتماعي عادة بالاحتكاك المتبادل بين الأفراد بعضهم مع بعض، هذا الاحتكاك هو نوع من التعارف الاجتماعي يتم عن طريق وسائل الإعلام التي تتولى تعميق الصلات الاجتماعية وتنميتها.
فعندما تقدم الصحف كل يوم أخبارا اجتماعية عن الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات الاجتماعية والثقافية فأنها بذلك تكون صلة وصل يومية تنقل أخبار الأفراح من مواليد وزيجات، وأخبار الأحزان من وفيات وفشل وخسارة، وليست صفحة الولادات والوفيات والشكر بصفحة عابرة وغير مهمة في الصحف، بل أنها وسيلة للاتصال الاجتماعي اليومي بين جميع فئات الجماهير.
وهناك أمر ثان هو قيام وسائل الإعلام كلها تقريبا بتعريف الناس ببعض الأشخاص البارزين أو الذين هم في طريق الشهرة سواء في مجال السياسة أو الفن أو المجتمع أو الأدب.


الترفيه عن الجمهور وتسليته:
تقوم وسائل الإعلام فيما تقوم به من وظائف بمهمة ملء أوقات الفراغ عند الجمهور بما هو مسل ومرفه؛مثل الأبواب المسلية في الصحف أو البرامج الكوميدية في التلفزيون.
وفي الحالتين تأخذ وسائل الإعلام في اعتبارها مبدأ واضحا وهو أن برامج الترفيه والتسلية ضرورية لراحة الجمهور ولجذبه إليها، وحتى في مجال الترفيه هناك برامج وأبواب ترفيه موجه يمكن عن طريقها الدعوة إلى بعض المواقف ودعم بعض الاتجاهات أو تحويرها وحتى تغييرها، وهذا يتطلب بالطبع أساليب مناسبة من جانب وسائل الإعلام.
 
لإعلان والدعاية:
تقوم وسائل الإعلام بوظيفة الإعلان عن السلع الجديدة التي تهم المواطنين، كما تقوم بدور مهم في حقول العمل والتجارة عندما تتولى الإعلان عن وجود وظائف شاغرة أو وجود موظفين مستعدين للعمل، أو عندما تتولى الإعلان عن إجراء مناقصة أو وضع التزام موضع التنفيذ…الخ.
ولهذا استطاعت وسائل الإعلام على تنوعها من صحافة وتلفزيون وإذاعة وسينما، أمام تعقيد الحياة وتعدد ما فيها من اختراعات وصناعات واكتشافات أن تقوم بمهمة التعريف بما هو جديد وتقديمه إلى الجمهور وعرض فوائده وأسعاره وحسناته بشكل عام.
هذه هي الوظائف الاجتماعية لوسائل الإعلام، وهي وأن جرى حصرها في ست وظائف، لكن تبقى هناك مهمات تفصيلية أيضا لوسائل الإعلام تندرج تحت هذه الوظائف، فوسائل الإعلام في الواقع أصبحت تقوم مقام المعلم والمربي، وحتى الأب والأم في حالات كثيرة، فالبرامج التربوية والمدرسية وبرامج الأطفال وبرامج الطلاب وغيرها من برامج تبثها وسائل الإعلام، أنما تلتقي بوظيفة التثقيف، لكنها تتعدى تلك الوظيفة إلى ما هو أعمق وأعم واشمل، إلى درجة يمكن القول معها أن الفرد يولد وينمو قليلا حتى تتولاه وسائل الإعلام وترعاه وتقدم إليه ما يلزم من تثقيف وتوجيه وترفيه وإعلان وغير ذلك، وأحيانا تقدم إليه ما يسيء إلى نمو شخصيته وآرائه، فتنحرف بها أو تشوهها.




المبحث الثاني
تطور نظريات الاتصال

بذلت عدة محاولات علمية لتحليل عملية الاتصال ووصف أبعادها وعناصرها، وما يهمنا التأكيد عليه، في حدود هذه الدراسة، أن أغلب - إن لم نقل جميع- الدراسات التي تناولت موضوع الاتصال الجماهيري أكدت على أهمية الوسيلة الاتصالية ودورها المؤثر والرئيسي في عملية الاتصال الجماهيرية.
وفي هذا الصدد يمكن أن نشير إلى نموذج (ديفيد برلو) الذي يرى أن هناك أربعة عناصر تكون العملية الاتصالية وتشمل : المرسل والرسالة والوسيلة والمستقبل.ومن النماذج المهمة التي أسهمت في بناء نظريات الاتصال النموذج الذي قدمه (ولبر شرام ) في عام 1974 ف طوره في عام 1971 ف وفي هذا النموذج يقدم شرام العناصر الأساسية على النحو التالي :
أ)المصدر أو صاحب الفكرة.
ب)التعبير عن الفكرة ووضعها في شيفرة (Code) وصياغتها في رموز لتكوين الرسالة.
ت)المستقبل الذي يتلقى ويفك رموزها.
ث)الاستجابة أو الهدف ورجع الصدى الذي قد يصل أو لا يصل إلى المرسل أو صاحب الفكرة.
ويعتمد شرام في هذا النموذج على أفكار الباحثين شانون وويفر، وبخاصة فيما يتعلق برجع الصدى والتشويش، ويضيف من خلال نموذجه النظام الوظيفي لعملية الاتصال، كما قدم من خلال هذا النموذج مفاهيم مهمة مثل الإطار الدلالي والخبرة المشتركة وأهميتها في عملية الاتصال، وإلى ذلك،نجد أن المؤرخ والكاتب الإنجليزي ويلز (H.G. Wells ) يبين ((إن تطور التاريخ الإنساني هو ظاهرة اجتماعية واحدة تدفع بالإنسان إلى الاتصال بأخيه الإنسان، في مكان آخر أو مجتمع آخر، وهو بذلك ينظر إلى قصة التطور التاريخي البشري على أنها قصة تطور عملية الاتصال، ويقسمها إلى خمس مراحل وهي : الكلام، الكتابة، اختراع الطباعة، المرحلة العالمية، وأخيرا مرحلة الإذاعة والاتصال الإلكتروني، وفي هذه المرحلة الأخيرة لتطور الاتصال أصبح للوسائل الإلكترونية دوراً مهماً في حياة المجتمع، واستطاع الإنسان نقل أفكاره ومشاعره ومعلوماته عبر الحواجز الجغرافية المحدودة
 
باستخدام أجهزة المذياع ثم التلفزيون، وأخيراً شبكة الإنترنيت.
ولعل نظرية مارشال ماكلوهان التي ظهرت قبل نحو أربعين عاما، ما تزال حتى اليوم أكثر النظريات الإعلامية انتشاراً ووضوحاً في الربط بين الرسالة والوسيلة الإعلامية، والتأكيد على أهمية الوسيلة في تحديد نوعية الاتصال وتأثيره، حيث يرى ماكلوهان(أن الوسيلة هي الرسالة) ويوضح أن مضمون وسائل الأعلام لا يمكن النظر إلية مستقلاً عن تقنيات الوسائل الإعلامية فالموضوعات، والجمهور التي توجه له مضمونها، يؤثران على ما تقوله تلك الوسائل، ولكن طبيعة وسائل الأعلام التي يتصل بها الإنسان تشكل المجتمعات أكثر ما يشكلها مضمون الاتصال.
ويبين ماكلوهان أن وسائل الأعلام التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها ستحدد طبيعة المجتمع وكيف يعالج مشاكله، وأي وسيلة، أو امتداد للإنسان، تشكل ظروفاً وتؤثر على الطريقة التي يفكر بها الناس ويعلمون وفقا لها.
وعرض ماكلوهان أربع مراحل تعكس – في رأيه – التاريخ الإنساني وهي :
أ) المرحلة الشفوية: أي مرحلة ما قبل التعلم، أي المرحلة القبلية.
ب) مرحلة كتابة النسخ: التي ظهرت في اليونان القديمة واستمرت ألفي عام.
ت) عصر الطباعة: من سنة 1500 ف إلى سنة 1900 ف تقريبا.
ث) عصر وسائل الأعلام الإلكترونية من سنة 1900 م تقريباً حتى الوقت الحاضر.
إن طبيعة وسائل الأعلام المستخدمة في كل مرحلة تساعد على تشكيل المجتمع أكثر مما يساعد مضمون تلك الوسائل على هذا التشكيل.
ومن أهم ما جاء في نظرية ماكلوهان عن وسائل الاتصال، أنه يقسم هذه الوسائل إلى (وسائل باردة ) و (وسائل ساخنة ) ويقصد بالوسائل الباردة تلك التي تتطلب من المستقبل جهدا إيجابيا في المشاركة والمعايشة والاندماج فيها، أما الوسائل الساخنة،فهي تلك الوسائل الجاهزة المحددة نهائياً، فلا تحتاج من المشاهدة أو المستمع إلى جهد يبذل أو مشاركة أو معايشة، فالكتابة والتلفون والتلفزيون وسائل باردة، أما الطباعة والإذاعة والسينما فهي وسائل ساخنة. وإذا لم يكن بوسع المرء أن يتفق مع كل ما جاء به ماكلوهان من أفكار يسميها هو اختبارات أكثر منها نظريات،وإذا لم تكن (الوسيلة هي الرسالة ) فمن الواضح أنها أخطر من مجرد أداة لزيادة عدد الجماهير من القراء والمستمعين والمشاهدين، وإذا كان من الصعب أيجاد دليل قوى لا ثبات هذه الأفكار أو رفضها، فأنها على الأقل تجعلنا نتساءل عما إذا كانت وسائل الأعلام لها القدرة على تغيير الإنسان.
وفي الوقت الذي يشير فيه ماكلوهان إلى أن وسائل الأعلام الإلكترونية ساعدت في انكماش الكرة الأرضية وتقلصها في الزمان والمكان، حتى أصبحت توصف بـ ( القرية العالمية Global Village ) وبالتالي زاد وعي الإنسان بمسؤوليته إلى درجة قصوى، فأنه يرى أيضا،أن هذه الحالة الجديدة أدت إلى ما يمكن تسميته بـ(عصر القلق) لأن الثورة الإلكترونية الفورية الجديدة تجبر الفرد على الالتزام والمشاركة بعمق،وبغض النظر عن وجهة النظر التي يتبناها، فوجهة النظر الخاصة الجزئية مهما كان مقصدها لن تغير في عصر الكهرباء والإلكترون الآلي الفوري، وربما يكون هذا الرأي وغيره يمثل الأرضية التي نبع منها مفهوم (العولمة) الذي أصبح يتردد في السنوات الأخيرة، وكان أحد الباحثين قد اسماه من قبل بـ ( لحظنة التواصل الحضاري الإعلامي ).
((سوف نتعرض لنظرية ماكلوهان بالتفصيل في المبحث الرابع))
وإلى جانب ذلك فأن أفكار ماكلوهان أصبحت في السنوات الأخيرة، موضع انتقاد أو تعديل أو تشكيك من قبل بعض الباحثين، وفي هذا الصدد يرى (ريتشارد بلاك) أن (القرية العالمية ) التي زعم ماكلوهان وجودها، لم يعدلها وجود حقيقي في المجتمع المعاصر.
ويوضح ((أن التطور التقني الذي استند إلية ماكلوهان عند وصفة للقرية العالمية استمر في مزيد من التطور، بحيث أدي إلى تحطيم هذه القرية العالمية وتحويلها إلى شظايا فالعلم الآن اقرب ما يكون إلى البناية الضخمة التي تضم عشرات الشقق السكنية التي يقيم فيها أناس كثيرون ولكن كل منهم يعيش في عزلة، ولا يدرى شيئا عن جيرانه الذين يقيمون معه في البناية نفسها )).
ويمكن أن يوصف هذا التطور بأنه تحول من(التجميع) إلى (التفتيت)أو اللامركزية، حيث أتاحت تقنيات الاتصال الحديثة المتمثلة في الأقمار الاصطناعية والحاسبات الإلكترونية ووصلات(المايكروويف) والألياف الضوئية عددا كبيرا من خدمات الاتصال خلال الاتصال العقدين الماضيين،مثل التلفزيون الكابلي التفاعلي، والتلفزيوني منخفض القوة و(الفيديو كاسيت) (الفيديويسك) وأجهزة التسجيل الموسيقي المتطورة، وخدمات (الفديوتكس) والتلتيكس) والاتصال المباشر بقواعد البيانات والهواتف النقالة والبريد الإلكتروني، التي اندمجت في شبكة الاتصالات المعروفة ب(الإنترنت)، وجمعيها وسائل تخاطب الأفراد وتلبي حاجاتهم ورغباتهم الذاتية، وقد نتج عن هذه التقنية الجديدة تقلص أعداد الجماهير التي تشاهد برامج الشبكات الرئيسية وخدمات الإذاعة المسموعة والتلفزيون التي تعمل بنظام البث الهوائي التقليدي.
لقد ظل الاتجاه الرئيسي لوسائل الاتصال الجماهيرية، حتى ما قبل عشرين عاما، يميل إلى توحيد الجماهير Massification بمعنى نقل الرسائل الاتصالية نفسها إلى قطاعات جماهيرية واسعة، أو توحيد الرسائل وتعدد الجماهير المستقبلة لهذه الرسائل.
أما الاتجاه الجديد للاتصال وتدفق المعلومات على الصعيد العالمي، فقد بدأ يتجه نحو لا مركزية الاتصال، بمعنى تقديم رسائل متعددة تلاؤم الأفراد أو الجماعات الصغيرة المتخصصة، وتتخذ هذه اللامركزية للرسائل مظهرين :
المظهر الأول: يتحكم فيه المرسل.
والمظهر الثاني: يتحكم فيه المستقبل.
ويمكن إتاحة كل منهما عن طريق الربط بالحاسبات الإلكترونية لتوفر خدمات مختلفة من الاتصال وتبادل المعلومات، تبدأ من الصحافة المطبوعة أو نقل النصوص المكتوبة، وتمتد إلى شكل البرامج التلفزيونية والأفلام السينمائية، ويمكن نقل هذه المعلومات عبر مسافات شاسعة وبسرعة فائقة، عن طريق استخدام الاتصال الكابلي والأقمار الاصطناعية.
ويرى الباحث الفن توفلر:أن البنية الأساسية الإلكترونية في أقطار الاقتصاد المتقدم سوف تتميز بستة سمات تمثل مفاتيح المستقبل هي.
أ)التفاعليةInteractivity:.
ب) قابلية التحرك أو الحركةMobility:.
ت) قابلية التحويل:Convertibility.
ث)التوصيلية:Connectivity.
ج)الشيوع والانتشار:Ubiquity
ح)التدويل:Globalization
ويوضح توفلر لقد كانت الآثار التجانسية لوسائل الأعلام الجماعي في ذروة قوتها عندما لم تكن هناك سوى قنوات قليلة ووسائل إعلامية قليلة، ومن ثم قلة من فرص الاختيار أمام المستمعين أو المشاهدين أما في المستقبل فأن الوضع العكس هو الذي يسود ومع أن محتوى كل برنامج على حدة قد يكون جيدا أو رديئا إلا أن أهم (محتوى) جديد على الإطلاق يتمثل في وجود التنوع نفسه.
أن التحول من فرص الاختيار الأقل إلى الفرص الأكثر تعددا في مجال الأعلام لا يحمل مدلولات ثقافية فحسب بل سياسية أيضا، وتواجه حكومات الدول ذات التقنية المتقدمة مستقبلا ستتعرض فيه شعوبها إلى وابل متصل من الرسائل المتعددة المتعارضة المخصوصة، الثقافية منها والسياسية والتجارية، بدلا من رسالة واحدة ترددها قلة من الشبكات الإعلامية العملاقة في صوت واحد.
أن (سياسة التعبئة الجماعية ) و(هندسة الموافقة) كلتيهما تصبحان الآن أصعب بكثير في محيط وسائل الأعلام الجديد، واتساع مجال الاختيار الإعلامي أمام المستمعين والنظارة هو حد ذاته شيء ديمقراطي لزوما فأنه يمثل مشكلة للسياسيين الذين يقدمون لأتباعهم محيطا لا اختيار فيه.
ويمكن القول أن التطورات التقنية الكبيرة في مجال الاتصال الجماهيري، وتعدد قنوات الاتصال والمعلومات أدى إلى ما يمكن تسميته بـ(عصر الشاشة) فالوسائل المطبوعة والمقروءة والمسموعة والمرئية أصبحت مندمجة في شاشة التلفزيون أو الحاسوب (الكومبيوتر)الشخصي، حيث يستطيع المتلقي قراءة كتاب أو صحيفة أو مجلة ومشاهدة مسرحية أو فلم خطاب سياسي، على هذه الشاشة، وفي اغلب الأحيان، بصورة فردية، كما أنه يستطيع إلى حد بعيد الاختيار من بين بدائل عديدة في الوقت نفسه.
وتفترض الاتجاهات الحالية والمستقبلية لتطور وسائل الاتصال نمو أحد تصورات ثلاثة لوضع الاتصال خلال القرن الحادي والعشرين، وتشمل هذه التصورات ما يلي:
1- تكريس اللامركزية في الإرسال والاستقبال : وينبني هذا التصور على ظهور خدمات الاتصال الجديدة، التي توجه رسائل متخصصة تلبي الميول والنزعات الفريدة، مثل التلفزيون (الكابلي ) التفاعلي و(الفيديو تكس ) و(الفيديو كاسيت ) وهناك إقبال متزايد من جانب الأفراد على امتلاك هذه الوسائل، الاستعاضة بها عن الاتصال المباشر مع أفراد آخرين وتتمثل مظاهر التفتت في فئات المستقبلين، في ميل الأفراد إلى الانعزال،كما أن وسائل الاتصال الجديدة تمنح الأفراد القدرة على خلق بيئة الاتصال التي تناسبهم، وادي ظهور هذه الوسائل الجديدة إلى تناقص المعرفة التي يحصل عليها عن طريق التعرض العشوائي لمواد الاتصال، وتناقص الاتصال الجدلي بين الجماعات والطبقات ليحل محلة اتصال متزايد داخل كل جماعة أو فئة.
2- تكريس الهيمنة والاندماج لوسائل الاتصال ويقوم هذا التصور على اتجاه وسائل الاتصال الجماهيري إلى التركيز في كيانات ضخمة وملكية مشتركة ومتعددة الجنسية، وهناك : أسباب عديدة لزيادة الاتجاه نحو الهيمنة والاندماج منها : قوانين الضرائب، والحاجة إلى خبرات ضخمة والرغبة في تحقيق الاستمرار المالي والوقاية ضد مخاطر المستقبل والقضاء على الشركات المنافسة.
3-التوافق بين التقنية القديمة والحديثة، ويستند هذا التصور إلى أن تقدم التقنية الجديدة يسد جوانب النقص في التقنية القديمة وتلبية الحاجات الفردية، مع عدم إهمال الإحساس بالمشاركة العامة والأهداف القومية، في إطار عملية مستمرة من الاستكشاف العقلي والمناظرات المفيدة التي تتيح تبادل الخبرات وتدعم الديمقراطية المعلومات.


 

المبحث الثالث
القائم بالاتصال
ونظرية(حارس البوابة)

أولاً: دراسات القائم بالاتصال(المرسل)
أصبحت المؤسسات الإعلامية في القرن الحادي والعشرين شبكات اتصال ضخمة تتصارع داخلها المصالح، كما أن كل مؤسسة هي في حد ذاتها نظام معقد للسلطة والنفوذ والمراكز، وحينما ندرس ما يحدث داخل الجريدة أو محطة الإذاعة أو محطة التليفزيون نشعر بالدهشة من مدى تعقد وتشابك أعمالها. ففي داخل تلك المؤسسات الإعلامية تتخذ يومياً، بل وفي كل دقيقة، قرارات مهمة وخطيرة.ونظراً لأهمية تلك القرارات بالنسبة للجماهير يجب أن نعرف الأسلوب الذي يتم بمقتضاه اتخاذ القرارات، والمراكز أو المناصب التي تنفذ فعلاً تلك القرارات، وطبيعة القائم بالاتصال، والأمور التي تؤثر على اختيار المواد الإعلامية، والقيم والمستويات التي يعتنقها القائمون بالاتصال.
والواقع أنه من الصعب علينا أن نفسر السبب في إهمال الباحثين حتى وقت قريب لدراسة ما يحدث داخل المؤسسات الإعلامية ودراسة القائمين بالاتصال. وعلينا أن نعترف، عند تحديد تأثير الرسالة الإعلامية، بأن القائم بالاتصال لا يقل أهمية من مضمون الرسالة.ليس معنى هذا أن الباحثين لم يكتبوا عن رجال الأعلام القدامى، فالواقع أن تاريخ الصحافة حافل بتاريخ حياة أعلام الصحافة.كذلك تقوم الجامعات بتدريس ما يحدث داخل الجريدة أو أسلوب عملها لطلبة الصحافة.ولكن الذي نقصده هنا القيام بتحليل وسائل الأعلام كمؤسسات لها وظيفة اجتماعية ودراسة دور ومركز العامل بالجريدة، أي الصحفي، والظروف أو العوامل التي تؤثر على اختيار مضمون الصحف.فالأخبار هي ما يصنعه الصحفيون، ولكن كيف يصنع أولئك الصحفيون الأخبار ؟!.. وما هي الالتزامات ((المهنية )) أو ((الأخلاقية )) التي يفرضها الصحفي على نفسه، وما هي طبيعة السيطرة البيروقراطية التي تفرض نفسها عليه من قبل المؤسسة التي يعمل في إطارها؟
والواقع أن أول دراسة تتناول بالشرح قطاعا من القائمين بالاتصال بالمعنى الذي نقصده، هي دراسة روستن التي ظهرت في الولايات المتحدة تحت عنوان ((مراسلي واشنطن )) سنة 1937 وتعتبر دراسة كلاسيكية عن سيكولوجية المراسل الصحفي.ولكن في سنة 1941 نشرت مجلة (الصحافة) ربع السنوية التي تصدر في ولاية أيوا بالولايات المتحدة دراسة مهمة عن العاملين بجريدة ملواكي، وكان من الممكن أن تفتح هذه الدراسة الباب لإجراء دراسات مماثلة عن المؤسسات الإعلامية الأخرى،ولكن مضت فترة طويلة دون أن تظهر أبحاث تتناول بالدراسة القائمين بالاتصال ومؤسساتهم، حتى نشر الباحث الأمريكي ديفيد مانج وايت دراسته ((حارس البوابة وانتقاء الأخبار )) التي أعطت دفعة قوية للبحث في هذا المجال المهم.
ويرجع الفضل إلى عالم النفس النمساوي الأصل، الأمريكي الجنسية (كرت لوين) في تطوير ما أصبح يعرف بنظرية (حارس البوابة ) الإعلامية، فدراسات لوين تعتبر من أفضل الدراسات المنهجية في مجال حراسة البوابة.
يقول لوين: أنه على طول الرحلة التي تقطعها المادة الإعلامية حتى تصل إلى الجمهور هناك نقاط أو (بوابات ) يتم فيها اتخاذ قرارات بما يدخل وما يخرج، وأنه كلما طالت المراحل التي تقطعها الأخبار حتى تظهر في وسيلة الإعلام، ازدادت المواقع التي يصبح فيها متاحاً لسلطة فرد أو عدة أفراد تقرير ما إذا كانت الرسالة ستنتقل بنفس الشكل أو بعد إدخال بعض التغييرات عليها، لهذا يصبح نفوذ من يديرون هذه البوابات والقواعد التي تطبق عليها، والشخصيات التي تملك بحكم عملها سلطة التقرير، يصبح نفوذهم كبيراً في انتقال المعلومات. إن دراسة (حارس البوابة) هي في الواقع دراسة تجريبية ومنتظمة لسلوك أولئك الأفراد الذين يسيطرون في نقاط مختلفة، على مصير القصص الإخبارية.
ولكن من هم حراس البوابةGEET KEEPARS ؟.. أنهم الصحفيون الذين يقومون بجمع الأنباء، وهم مصادر الأنباء الذين يزودون الصحفيين بالأنباء، وهم أفراد الجمهور الذين يؤثرون على إدراك واهتمام أفراد آخرين من الجمهور للمواد الإعلامية، كل أولئك حراس بوابة، في نقطة ما، أو مرحلة ما من المراحل التي تقطعها الأنباء.
وقد أُجريت في الخمسينيات، من القرن العشرين، سلسلة من الدراسات المهمة ركزت على الجوانب الأساسية لعملية (حراسة البوابة ) دون أن تستخدم بالضرورة هذا الاصطلاح، وقدمت تلك الدراسات تحليلاً وظيفياً لأساليب السيطرة أو التحكم التنظيمي والاجتماعي في حجرة الأخبار، والإدراك المتناقض لدور ومركز أو وضع العاملين بالجريدة ومصادر أخبارهم، والعوامل التي تؤثر على اختيار المحررين وعرضهم للأخبار، قام بهذه الدراسات مجموعة من الباحثين الأمريكيين أمثال وارن بريد جاد Breed، روى كارتر Carter، وستارك Stark، وجيبر Gieber وروبرت جاد Judd ووايت White، وكن مكرورى Macrorie وغيرهم.
ونشر الباحث الأمريكي شارنلي ميتشل في سنة 1951 دراسة عن حجرات الأخبار الإذاعية والأفراد الذين يعملون بها، كما نشر الباحث سابين دراسة عن كتّاب الافتتاحات في ولاية أوريجون. وقدم لورنس دراسة عن محرري كنساس. وقد لخص الباحث الأمريكي ولتر جيبر في مقالته ((الأخبار هي ما يجعلها الصحفيون أخباراً )) نتائج الأبحاث الأساسية التي أُجريت على حراس البوابة، كما قام سنة 1956 بعمل دراسة عن محرري الأنباء الخارجية في 16 جريدة يومية بولاية وسكونسن، تستقبل أنباء وكالة أسوشيتدبرس فقط.
وقد أظهرت دراسات جيبر أنه إذا كان المحرر يختار عينة ممثلة مما يصله من أنباء يمكن أن نقول أنه قد وُفِق في أداء عمله، وقال أنه يمكن، عن طريق ملاحظة الأسلوب الذي يختار بمقتضاه المحرر أنباءً لفترة لا تزيد عن أيام قليلة أن نتنبأ بما قد يختاره في يوم آخر،وكان الأمر المشترك بين جميع محرري الأنباء،الذين لاحظهم جيبر، هو أن الضغوط التي يفرضها الواقع البيروقراطي، والعمل في حجرة الأخبار يعتبر من أقوى العوامل تأثيراً، فمحرر الأنباء الخارجية يعمل دائماً حساباً للضغوط الميكانيكية في عملة أكثر مما تشغله المعاني الاجتماعية ووقع الأخبار، باختصار،كانت ظروف إخراج الصحيفة والروتين البيروقراطي والعلاقات الشخصية في داخل حجرة الأخبار تؤثر أساساً على عمل ذلك المحرر.وقد أظهرت دراسات جيبر حقيقتين تبعثان على القلق:
أولاً: أن محرر الأنباء الخارجية كأن في سلوكه الاتصالي سلبيا ولا يلعب دورا فعالا كقائم بالاتصال، فهو لا يدرس بشكل انتقادي الأنباء التي تصله برقيا.وهناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن محرر الأنباء الخارجية كصحفي يعمل ملازما لمكتبه، وقد تختلف دوافعه عن المخبر الذي ينتقل من مكان إلى آخر، لكي يجمع الأخبار، ويؤثر هذا بالتالي على ما يختاره ذلك المحرر من أنباء، وربما كان محرر الأنباء الخارجية كسولاً،أو أصبح كسولاً لأن رؤساءه لا يشجعونه على أن يصبح أكثر نشاطاً، وبشكل عام فهذا المحرر لا يختار برقياته بشكل يظهر أنه يقيّم ما يقدمه بشكل نقدي.
ثانياً: أن محرر الأنباء الخارجية، كقائم بالاتصال، ليس لديه إدراك حقيقي لطبيعة جمهوره، ولهذا فهو لا يتصل بذلك الجمهور في واقع الأمر، وإذا كانت المهمة الأساسية للصحيفة هي تقديم تقرير هادف عن الظروف المحيطة، من أجل خدمة القارئ، فيمكن أن نقول أن هذه المهمة كانت تؤدى فقط بالصدفة.
فالصحيفة لم تعد تدرك أن هدفها الحقيقي هو(خدمة) جمهور معين أو الجمهور بشكل عام، وذلك لأن المجموعة التي تقوم بجمع الأخبار والنظام البيروقراطي كثيراً ما تحدد الأهداف، أو تحدد ما يظهر في تلك الجريدة، لهذا يرى جيبر أنه بدون دراسة القوى الاجتماعية التي تؤثر على عملية جمع الأخبار لا نستطيع أن نفهم حقيقة تلك الأخبار.
ومن أعمق الدراسات التي أجريت على القائمين بالاتصال والقوى الاجتماعية التي تؤثر على العاملين في الصحف، الدراسة التي قدمها وارين بريد سنة 1955م، فقد وجد بريد أن هناك أدلة تشير إلى وجود عملية تأثير يسيطر أو يهيمن بمقتضاها مضمون الصحف الكبيرة- أو المحطات الإذاعية والتلفزيونية حالياً- ذات المركز المرموق (صحف الصفوة) تؤثر على الطريقة التي تعالج بها الصحف الصغيرة، الأخبار والموضوعات المهمة،(أي أن الكبير يبتلع الصغير كما يقال في عالم البحار)، ولا شك أن هذا يحرم وسائل الإعلام الجماهيرية من التغيير والتنويع وتعدد الآراء الذي يساعد على تكوين رأي عام واع.
وقد استخدم بريد في دراسة أخرى التحليل الوظيفي ليظهر كيف تدفن أو تحذف الصحف الأخبار التي تهدد النظام الاجتماعي والثقافي أو تهاجمه،أو تهدد إيمان القائم بالاتصال بذلك النظام الاجتماعي والثقافي، ويقول بريد أن سياسة الناشر هي التي تطبق في العادة في أي جريدة، بالرغم من مظاهر الموضوعية في اختيار الأخبار، بالإضافة إلى ذلك فالجزاء الذي يناله الإعلامي في الجريدة مصدره ليس القراء الذين يعتبرون عملاءه، ولكن مصدره زملاؤه من العاملين معه ورؤساؤه، لذلك يعيد المحرر في الجريدة تحديد وتشكيل قيمه بحيث تحقق له أكبر منفعة، ومن هذه الدراسة استنتج بريد أن الظروف الثقافية التي تحيط بالصحفي في حجرة الأخبار لا تؤدي إلى نتائج تفي بالاحتياجات الأوسع للديمقراطية، وقد استخدم الباحث الأمريكي المشهور سوانسون أساليب الملاحظة المباشرة والاستفسار ليحصل على معلومات عن معتقدات العاملين في جريدة يومية صغيرة وخصائصهم الشخصية، كذلك درس بروس وستلي أيضاً محرري الأخبار الخارجية في صحف ولاية وسكونسن باستخدام سلّم (قياس القيم) الذي قارن به القيم التي يعتنقها أولئك المحررون والتي تؤثر على اختيارهم للأخبار، وتعتبر دراسة بروس وستلي ومالكلوم ماكلين عن القائمين بالاتصال، والتفرقة بين أدوار الاتصال المختلفة، من الدراسات المهمة في هذا المجال، والملاحظ أنه يوجد في كل هذه الدراسات عنصر واحد مشترك، وهو أنها تركز الاهتمام على التفاعل بين الأنماط والأخلاقيات الصحفية المثالية والأساليب الاجتماعية والتنظيمية المقررة في المجتمع الأكبر، في ظروف متنوعة، وأوضاع مختلفة،،ولهذه الدراسات فوائد كثيرة لوسائل الأعلام والمهنيين لأنها تساعد على الوصول إلى أحكام أكثر ذكاء عن العاملين بالوسيلة الإعلامية، في الإطار الاجتماعي المباشر، كما تبرز كثيراً من الأسئلة المهمة التي يجب أن نتوصل إلى إجابات عليها.

ثانيا: نظرية (حارس البوابة) الإعلامية
تمر الرسالة بمراحل عديدة، وهي تنتقل من المصدر حتى تصل إلى المتلقي، وتشبه هذه المراحل السلسلة المكونة من عدة حلقات، أي وفقاً لاصطلاحات هذه النظرية فأن المعلومات في عملية الاتصال هي مجرد سلسلة تتصل حلقاتها.
وأبسط أنواع السلاسل هي سلسلة الاتصال المباشر المواجهي، من فرد إلى آخر، ولكن هذه السلاسل في حالة الاتصال الجماهيري تكون طويلة ومعقدة جداً، لأن المعلومات التي تدخل شبكة اتصال معقدة مثل الجريدة، أو محطة الإذاعة أو التلفزيون، عليها أن تمر بالعديد من الحلقات أو الأنظمة المتصلة، فالحدث الذي يحدث في العراق مثلاً، يمر بمراحل عديدة قبل أن يصل إلى القاريء في أمريكا أو أوربا أو الشرق الأوسط، ونجد قدر المعلومات التي تخرج من بعض تلك الحلقات أو الأنظمة أكثر مما يدخل فيها، لذلك يسميها (شانون) أجهزة تقوية، فأجهزة التقوية أي وسائل الأعلام تستطيع أن تصنع ( في نفس الوقت) عدداً كبيراً جداً من الرسائل المتطابقة، مثل نسخ الصحف، وتوصلها للجمهور، كما توجد في هذا النوع من السلاسل شبكات معينة من الأنظمة داخل الأنظمة، فوسائل الإعلام نفسها هي شبكات من الأنظمة المتصلة بطرق معقدة، بحيث تقوم بوظيفة فك الرموز أو الشيفرة والتفسير وتخزين المعلومات، ثم وضعها مرة أخرى في رموز، وهي الوظيفة التي يؤديها كل القائمين بالاتصال، كذلك فإن الفرد الذي يتلقى رسائل وسائل الأعلام هو جزء من شبكة علاقات موجودة داخل الجماعة، ويعاون أُسلوب عمل هذه الشبكة واقع المجتمع الذي ترتفع فيه نسبة المتعلمين ودرجة التصنيع، حيث يزداد اعتماده على سلاسل وسائل الأعلام،أما المجتمع الذي تنخفض فيه نسبة المتعلمين ودرجة التصنيع(البدائي) فتنتقل فيه غالبية المعلومات عن طريق سلاسل الاتصال الشخصي.
ومن الأمور الجديرة بالملاحظة أنه في المجتمعات التي تخضع فيها وسائل الأعلام للسيطرة القومية يبدأ الأفراد في التشكيك في صدق ما تنشره وسائل الاتصال الجماهيرية، لذلك تصبح سلاسل الاتصال الشخصي المواجهي، من فرد إلى فرد، مهمة جداً، وطويلة جداً، وتتطور بجوار سلاسل وسائل الأعلام الجماهيرية، وفي هذه الحالة نجد أن سلاسل الاتصال الشخصي، التي تنقل الإشاعات والأقاويل والمعلومات الخفية، بجميع أنواعها - من فرد إلى فرد - تقوم بالرقابة على وسائل الأعلام، وتكملة نواحي النقص فيها.
ويجب أن نعرف كيف تعمل سلاسل الاتصال، وكيف تنتقل المعلومات في جميع أنحاء المجتمع، فمن الحقائق الأساسية التي أشار أليها العالم (كرت لوين) أن هناك، في كل حلقة، ضمن السلسلة، فرد ما، يتمتع بالحق في أن يقرر ما إذا كانت الرسالة التي تلقاها، سينقلها أو لن ينقلها، وما إذا كانت تلك الرسالة ستصل إلى الحلقة التالية، بنفس الشكل الذي جاءت به، أم سيدخل عليها بعض التغييرات والتعديلات. وحراسة البوابة تعني السيطرة على مكان استراتيجي في سلسلة الاتصال، بحيث تصبح لحارس البوابة سلطة اتخاذ القرار، فيما سيمر من خلال بوابته، وكيف سيمر، حتى يصل في النهاية إلى الوسيلة الإعلامية، ومنها إلى الجمهور.
يقول لوين أن المعلومات تمر بمراحل مختلفة حتى تظهر على صفحات الجريدة أو المجلة أو في وسائل الأعلام الإلكترونية، وقد سمي لوين هذه المراحل ((بوابات)) وقال أن هذه البوابات تقوم بتنظيم كمية أو قدر المعلومات التي ستمر من خلالها، وقد أشار لوين إلى فهم وظيفة ((البوابة)) يعني فهم المؤثرات أو العوامل التي تتحكم في القرارات التي يصدرها (حارس البوابة).
بمعنى آخر، هناك مجموعة من حراس البوابة يقفون في جميع مراحل السلسلة التي يتم بمقتضاها نقل المعلومات، ويتمتع أولئك الحراس بالحق في أن يفتحوا البوابة أو يغلقونها أمام أي رسالة تأتي إليهم، كما أن من حقهم أجراء تعديلات على الرسالة التي ستمر،على سبيل المثال، يستطيع أي فرد أن يقرر ما إذا كان سيكرر أو يردد إشاعة معينة أو لا يرددها، ونحن نعلم أن الإشاعات حينما تنتقل من فم إلى فم تطرأ عليها - في الغالب - بعض التغييرات وتتلون بالاهتمامات الخاصة للفرد الذي يقوم بنقلها أو بمعلوماته، وحينما تطول السلسلة، نجد أن بعض المعلومات التي تخرج من نهايتها لا تشبه المعلومات التي دخلتها في البداية، إلا في نواح قليلة، فإذا أخذنا في الاعتبار ما يحدث في السلاسل التي تحمل الأخبار حول العالم، وتتبعنا خبراً من الأخبار ينتقل، على سبيل المثال، من اليابان أو الهند إلى مدينة في إحدى ولايات أمريكا، نلاحظ أنه يمر بمراحل كثيرة..أول حارس بوابة في هذه الحالة هو الفرد الذي يلاحظ الحدث وقت وقوعه، ولنفترض أن الذي حدث كارثة طبيعية، هذا الفرد ينتقي - بلا شعور- أشياء معينة يلاحظها، ولا يلاحظ أشياء أخرى، أي يرى أشياء ويغفل أشياء أخرى، وقد يتحدث ويشير إلى نواحي ويهمل نواحي أخرى. بعد حارس البوابة الأول هذا يأتي حارس البوابة الثاني، وهو المخبر الصحفي الذي يحصل على الخبر من شاهد العيان، (أي الفرد الذي شاهد الحدث نفسه)، وقد يتصل الصحفي بأكثر من شاهد عيان لكي يكوّن فكرة كاملة عن الحادث، وفي جميع الحالات، يقوم المخبر هو الآخر، بانتقاء أو اختيار الحقائق التي سينقلها، والحقائق التي سيهملها، فهو الذي سيقرر الجوانب التي سيختارها ويحدد مدى الأهمية التي سيعطيها للحدث.
بعد ذلك يسلم المخبر الخبر إلى مكتب وكالة الأنباء التي يتبعها، وفي الوكالة يقوم محرر آخر باتخاذ قرار معين، عن تلك القصة الإخبارية، فيقرر ما إذا كان سيختارها من مئات الأنباء لكي ينقلها تلغرافيا إلى المشتركين في الوكالة أم يختصرها أم يضيف أليها أم يغيرها أم ينقلها كما هي، وبعد ذلك يأتي دور محرر الأخبار الخارجية الذي يتلقى البرقيات في الجريدة، ويقرر مدى الأهمية التي سيعطيها للقصة الإخبارية، وبالتالي المساحة التي يجب أن تخصص لها، فالمشكلة أن هناك باستمرار أخباراً أكثر مما يمكن إرسالها، وأخباراً أكثر مما يمكن نشرها، لذلك لابد في النهاية من الاختيار بين المواد الكثيرة التي تصل الوكالة أو الصحيفة أو الإذاعة، فهذه الوسائل تصلها أنباء ليس فقط من وكالات الأنباء بل من محررين في جميع أنحاء العالم، ومن صحف أخرى، ومن محطات إذاعة وتلفزيون عديدة، وحراس البوابة في جميع تلك المراحل، على طول السلسلة، يسمحون لنسبة محدودة من آلاف المواد الإعلامية التي تصلهم، بالانتقال إلى المراحل التالية، وفي النهاية يختار المحرر في الجريدة عشرات الأخبار فقط لينقلها إلى قرائه، فكل قرار يتخذ بتوصيل أو نقل شيء هو قرار كبت أو إخفاء شيء آخر، وما يخرج أو يُحجب هو نتيجة لعديد من الضغوط المتنافسة، علينا أن نحددها ونوضحها حتى نفهم كيف تقوم وسائل الأعلام بعملها.
من الواضح أن حارس البوابة الذي يقول (نعم ) أو (لا) بشأن الرسائل التي تصله، على طول السلسلة، يلعب دوراً مهماً في الاتصال الاجتماعي، وبعض حراس البوابة أهم من غيرهم، فنجد أن نسبة كبيرة جداً من السلاسل تركز الضوء على بعض الأفراد في المجتمع، ممن يمكن أن يكون لهم (نفوذ) أو (قادة الرأي) أو (الصفوة) الذين يتميزون عن الآخرين بأنهم يقرأون أكثر ويطلعون على وسائل الإعلام أكثر، ولهم اتصالات شخصية أوسع من الآخرين، وهو أمر له أهمية خاصة لأن هؤلاء الأفراد يتمتعون باحترام كبير،ويعتبر أولئك الأفراد بدورهم ( حراس بوابة).
وفي السلاسل الإخبارية، فإن المحرر في وكالة الأنباء والمحرر في الجريدة يتلقيان اكبر عدد من البرقيات الإخبارية، وهما مسئولان عن اتخاذ أكبر عدد من القرارات، ولهذا يصبح لأمانة ذلك المحرر وموضوعيته ومستوياته الإخبارية والمهنية، أهمية خاصة، كذلك بالنسبة لقادة الرأي، فإن اتساع معرفتهم وتنمية قدراتهم لها أهمية كبيرة، لأن لهم دورا مهماً في تحديد ما يعرفه الرأي العام.
 


المبحث الرابع
تكنولوجية وسائل الأعلام
وتأثيرها على المجتمعات
((نظرية مارشال ماكلوهان))
تُعَد النظرية التكنولوجية لوسائل الإعلام، من النظريات الحديثة التي ظهرت عن دور وسائل الأعلام وطبيعة تأثيرها على مختلف المجتمعات، ومبتكر هذه النظرية(مارشال ماكلوهان) كان يعمل أستاذاً للغة الإنجليزية بجامعة تورنتو بكندا، ويعتبر من أشهر المثقفين في النصف الثاني من القرن العشرين.(1)
وبشكل عام، يمكن القول أن هناك أسلوبان أو طريقتان للنظر إلى وسائل الأعلام من حيث:
1-أنها وسائل لنشر المعلومات والترفيه والتعليم.
2-أو أنها جزء من سلسلة التطور التكنولوجي.
إذا نظرنا أليها على أنها وسيلة لنشر المعلومات والترفيه والتعليم، فنحن نهتم أكثر بمضمونها وطريقة استخدامها، والهدف من ذلك الاستخدام. وإذا نظرنا إليها كجزء من العملية التكنولوجية التي بدأت تغير وجه المجتمع كله، شأنها في ذلك شأن التطورات الفنية الأخرى، فنحن حينئذ نهتم بتأثيرها، بصرف النظر عن مضمونها.
يقول مارشال ماكلوهان أن (مضمون ) وسائل الأعلام لا يمكن النظر إليه مستقلاً عن تكنولوجية الوسائل الإعلامية نفسها.فالكيفية التي تعرض بها المؤسسات الإعلامية الموضوعات، والجمهور الذي توجه له رسالتها، يؤثران على ما تقوله تلك الوسائل، ولكن طبيعة وسائل الإعلام التي يتصل بها الإنسان تشكل المجتمعات أكثر مما يشكلها مضمون الاتصال، فحينما ينظر ماكلوهان إلى التاريخ يأخذ موقفا نستطيع أن نسميه (بالحتمية التكنولوجية) Technoligical Determinism فبينما كان كارل ماركس يؤمن بالحتمية الاقتصادية، وبأن التنظيم الاقتصادي للمجتمع يشكل جانباً أساسياً من جوانب حياته، وبينما كان فرويد يؤمن بان الجنس يلعب دوراً أساسياً في حياة الفرد والمجتمع، يؤمن ماكلوهان بأن الاختراعات التكنولوجية المهمة هي التي تؤثر تأثيراً أساسياً على المجتمعات.
-------------
(1) ولد مارشال ماكلوهان في 21 يوليو 1911 في مدينة أد مونتن بالبرنا، كندا، والدته كانت ممثلة ووالده تاجر عقارات.دخل ماكلوهان جامعة مانيتوبا وكان ينوى دراسة الهندسة ولكنه درس الأدب الإنجليزي وحصل على الماجستير في سنة 1934 وبعد أن حصل على الدكتوراه في سنة 1943 من جامعة كامبردج، درّس في عدة جامعات أمريكية ولكن منذ سنة 1947 عمل أستاذا للآداب في جامعة تورنتو.وقد نشر ماكلوهان مئات من المقالات في المجلات وأصدر أربعة كتب مهمة هي :
The Mechanical Bride. : Folklore of Industrial Man, (1951); The Gutenberg Galaxy : The Making of Typographic Man (1962) ; Under Standing Media : The Extensions of Man (1964) ; The Medium is The Message : An Inventory of Effects (1967)
وقد نال كتابه (عالم جوتنبرج) جائزة الحاكم العام في سنة 1962 وهي تعادل جائزة بولتزر في أمريكا.



ولهذا نجد ماكلوهان شديد الإعجاب بعمل المؤرخين أمثال الدكتور وايت White Jr صاحب كتاب (التكنولوجيا الوسيطة والتغير الاجتماعي)، الذي ظهر سنة 1962 وفيه يذكر المؤلف أن الاختراعات الثلاثة التي خلقت العصور الوسيطة هي الحلقة التي يضع فيها راكب الحصان قدمه Stirrup وحدوة الحصان Nailed Horseshoe، والسرج Horse Collar.. فبواسطة الحلقة التي يضع فيها راكب الحصان قدمه استطاع الجندي أن يلبس درعاً يركب به الحصان الحربي ؛ وبواسطة الحدوة والأربطة التي تربط الحصان بالعربة Harness توافرت وسيلة أكثر فاعلية لحرث الأرض، مما جعل النظام الإقطاعي الزراعي يظهر، وهذا النظام هو الذي دفع التكاليف التي تطلبها درع الجندي.
وقد تابع ماكلوهان هذه الفكرة بشكل أكثر تعمقاً ليعرف أهميتها التكنولوجية، مما جعله يطور فكرة محددة عن الصلة بين وجود الاتصال الحديث في المجتمع والتغيرات الاجتماعية التي تحدث في ذلك المجتمع، ويقول ماكلوهان أن التحول الأساسي في الاتصال التكنولوجي يجعل التحولات الكبرى تبدأ، ليس فقط في التنظيم الاجتماعي، ولكن أيضا في الحساسيات الإنسانية.والنظام الاجتماعي في رأيه يحدده المضمون الذي تحمله هذه الوسائل.وبدون فهم الأسلوب الذي تعمل بمقتضاه وسائل الأعلام لا نستطيع أن نفهم التغيرات الاجتماعية والثقافية التي تطرأ على المجتمعات.فاختراع اللغة المنطوقة هو الذي ميّز بين الإنسان والحيوان، ومكّن البشر من إقامة المجتمعات والنظم الاجتماعية وجعل التطور الاجتماعي ممكنا، وبدون اختراع الكتابة ما كان التحضر ممكناً، بالرغم من أن اختراع الكتابة ليس الشرط المسبق الوحيد للحضارة، فالإنسان يجب أن يأكل قبل أن يستطيع الكتابة إلا أنه بفضل الكتابة، تم خلق شكل جديد للحياة الاجتماعية وأصبح الإنسان على وعي بالوقت، وأصبح التنظيم الاجتماعي يمتد إلى الخلف، (أي إلى الماضي)، وإلى الأمام، (أي إلى المستقبل)، بطريقة لا يمكن أن توجد في مجتمع شفهي صرف. فالحروف الهجائية هي تكنولوجيا يستوعبها الطفل الصغير بشكل لا شعوري تماما،(بالاستيعاب التدريجي)، والكلمات ومعانيها تُعد الطفل لكي يفكر ويعمل بطرق معينة بشكل آلي، فالحروف الهجائية وتكنولوجية المطبوع طورت وشجعت عملية التجزئة وعملية التخصص والابتعاد بين البشر، بينما عملت تكنولوجية الكهرباء على تقوية وتشجيع الاشتراك والتوحيد.
ويقول ماكلوهان أن وسائل الأعلام التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها ستحدد طبيعة المجتمع، وكيف يعالج مشاكله، وأي وسيلة جديدة أو امتداد للإنسان، تشكل ظروفاً جديدة محيطة تسيطر على ما يفعله الأفراد الذين يعيشون في ظل الظروف، وتؤثر على الطريقة التي يفكرون ويعملون وفقاً لها أي أن (الوسيلة امتداد للإنسان، فالملابس والمساكن امتداد لجهازنا العصبي المركزي، وكاميرا التليفزيون تمد أعيننا والميكروفون يمد آذاننا، والآلات الحاسبة توفر بعض أوجه النشاط التي كانت في الماضي تحدث في عقل الإنسان فقط، فهي مساوية لامتداد الوعي).وسائل الأعلام الجديدة – كامتداد لحواسنا – كما توفر زمنا وإمكانيات تشكل أيضا تهديدا في الوقت نفسه، لأنه في الوقت الذي تمتد فيه يد الإنسان، وما يمكن أن يصل إليه بحواسه في وجوده، تستطيع تلك الوسائل أيضا أن تجعل يد المجتمع تصل إليه لكي تستغله وتسيطر عليه، ولكي نمنع احتمال التهديد يؤكد ماكلوهان أهمية إحاطة الناس بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن وسائل الأعلام لأنه ((بمعرفة كيف تشكل التكنولوجيا البيئة المحيطة بنا، نستطيع أن نسيطر عليها ونتغلب تماما على نفوذها أو قدرتها الحتمية)).
وفي الواقع، بدلا من الحديث عن الحتمية التكنولوجية، قد يكون من الأدق أن نقول أن المتلقي يجب أن يشعر بأنه مخلوق له كيان مستقل، قادر على التغلب على هذه الحتمية التي تنشأ نتيجة لتجاهل الناس لما يحدث حولهم، وأنه لا يجب اعتبار التغير التكنولوجي حتمياً أو لا مفر منه، ذلك لأننا إذا فهمنا عناصر التغير يمكننا أن نسيطر عليه ونستخدمه في أي وقت نريده بدلاً من الوقوف في وجهه.
ويعرض ماكلوهان أربع مراحل تعكس في رأيه تطور التاريخ الإنساني:
1-المرحلة الشفوية كلية، مرحلة ما قبل التعلم، أي المرحلة القبلية.
Totally Oral , Preliterate, Tribalism
2- مرحلة كتابة النسخ Codification by Script
التي ظهرت بعد هومر في اليونان القديمة واستمرت ألفي عام
3-عصر الطباعة: من سنة 1500 إلى سنة 1900 تقريبا
4-عصر وسائل الأعلام الإلكترونية: من سنة 1900 تقريبا،حتى الوقت الحالي.
وطبيعة وسائل الإعلام المستخدمة في كل مرحلة تساعد على تشكيل المجتمع أكثر مما يساعد مضمون تلك الوسائل على هذا التشكيل.هذا الأسلوب في دراسة التطور الإنساني، ليس أسلوبا جديدا أو مبتكرا تماما.فيشير ماكلوهان إلى أنه مدين لمؤلفات عديدة برأيه هذا، ومن بين المؤلفات التي ساعدت ماكلوهان على تطوير نظريته المبتكرة:
E.H. Gombrich , Art and IIIusion (1960)
H.A. Annis , The Bias of Communication (1951)
Siegfried Giedion , Mechaniztion Takes Command (1948)
H.J. Chaytor , From Scipt to Print (1945) ; ard Lewis Mumford.
Techniques and Civilization (1934)
وباختصار يدعي ماكلوهان أن التغير الأساسي في التطور الحضاري منذ أن تعلم الإنسان أن يتصل، كأن من الاتصال (الشفهي ) إلى الاتصال (السطري) ثم إلى الاتصال (الشفهي ) مرة أخرى.ولكن بينما استغرق التغير من الشفهي إلى السطري قروناً، تم الرجوع أو التحول مرة أخرى إلى الشفهي في حياة الفرد الواحد.
الاتصال الشفهي:
وفقا لما يقول ماكلوهان، فإن الناس يتكيفون مع الظروف المحيطة عن طريق توازن الحواس الخمس(السمع والبصر واللمس والشم والتذوق) مع بعضها البعض، وكل اختراع تكنولوجي جديد يعمل على تغيير التوازن بين الحواس، فقبل اختراع جوتنبرج للحروف المتحركة في القرن الخامس عشر كان التوازن القلبي القديم يسيطر على حواس الناس، حيث كانت حاسة السمع هي المسيطرة.
فالإنسان في عصر ما قبل التعلم كان يعيش في عالم به أشياء كثيرة في الوقت نفسه، في عالم الأذن حيث يفرض الواقع نفسه على الفرد من جميع النواحي، ولم يكن لهذا الزمن حدود ولا اتجاه ولا أفق، وعاش الإنسان في ظلام عقله في عالم العاطفة معتمداً على الإلهام البدائي أو الخوف، وكان الزمن والمسافة يتم إدراكهما سمعيا، وكان الشعر الذي يغنى من أكبر أدوات التحضر، وكان الاتصال الشفهي هو الرابطة مع الماضي، وكانت المعاني ذات المستويات المتعددة هي الطابع العام، وهي معاني كانت قريبة جداً من الواقع، فالكلمات لا تشير إلى أشياء، بل هي أشياء، وكلمة الإنسان ملزمة، وذاكرة الإنسان قوية جداً (بالمستويات الحديثة) والصور الذهنية التي تصاحب أفكاره سمعية، فهو يستخدم كل حواسه، ولكن في حدود الصوت، ونظراً لأن الناس في ظل هذا النظام كانوا يحصلون على معلوماتهم أساساً عن طريق الاستماع إليها من أناس آخرين، فقد أقترب الناس من بعضهم البعض، في شكل قبلي، وقد فرض عليهم أسلوب حصولهم على المعلومات أن يؤمنوا بما يقوله الآخرون لهم بشكل عام، لأن تلك هي المعلومات الوحيدة المتوافرة لهم، ((فالاستماع كان يعني الإيمان )).
وقد أثر أسلوب الاتصال على الناس وجعلهم عاطفيين أكثر، وذلك لأن الكلمة المنطوقة عاطفية أكثر من الكلمة المكتوبة، فهي تحمل عاطفة بالإضافة إلى المعنى، وكانت طريقة تنغيم الكلمات تنقل الغضب أو الموافقة أو الرعب أو السرور أو التهكم، الخ. وكان رد فعل الرجل القبلي - الذي يعتمد على حاسة الاستماع - على المعلومات يتسم بقدر أكبر من العاطفة، فكان من السهل مضايقته بالإشاعات، كما أن عواطفه كانت تكمن دائماً قريبة من السطح، لكن ريشة الكتابة وضعت نهاية للكلام وساعدت في تطوير الهندسة وبناء المدن، وجعلت الطرق البرية والجيوش والبيروقراطية من الأمور الممكنة، وكانت الكتابة هي الأداة أو الوسيلة الأساسية التي جعلت دورة الحضارة تبدأ، فكانت خطوة إلى الأمام من الظلام إلى نور العقل.فاليد التي قامت بملء صفحات جلد الماعز بالكتابة هي نفسها التي قامت ببناء المدن. وتعلم الإنسان رسم ما يقوله (الحديث) ولغة العيون كما تعلم كيف يلون الفكر ويجعل له بناء أو كيان.فالحروف الهجائية جعلت عالم الأذن السحري يستسلم لعالم العين المحايد.
الاتصال السطري (المطبوع ) :
باختصار، يمكننا أن نقول أن مجتمعات ما قبل التعلم كانت تحتفظ بالمضمون الثقافي في ذاكرة أجيال متعاقبة، ولكن تغيّر أسلوب تخزين المعرفة حينما أصبحت المعلومات تختزن عن طريق الحروف الهجائية، وبهذا حلّت العين محل الأذن كوسيلة الحس الأساسية، التي يكتسب بفضلها الفرد معلوماته، وسهّل الكلام البشري الذي (تجمّد زمنياً) الآن بفضل الحروف الهجائية،إقامة إدارات بيروقراطية قوية،واتجاهات قبلية.
ولمدة تزيد عن ثلاثة آلاف سنة تشكل التاريخ الغربي بظهور الحروف الهجائية الصوتية، وهي وسيلة تعتمد على العين فقط لفهمها، والحروف الهجائية تقوم على بناء الأجزاء أو القطع المجزأة، ليس لها في حد ذاتها معنى دلالي، والتي يجب أن توضع مع بعضها في أسطر، وفي ترتيب معين ليصبح لها معنى، وقد روجت وشجعت استخدام تلك الحروف عادة إدراك كل الظروف المحيطة على أساس المساحة والزمن، على أساس توحيد مستمر (م.س.ت.م.ر) و مرتبط (م.ر.ت.ب.ط).فالسطر مجال مستمر.
يقول ماكلوهان أن تطور الصحافة المطبوعة في القرن الخامس عشر بفضل اختراع جوتنبرج للحروف المتحركة، كان أكثر الابتكارات التكنولوجية تأثيراً على الإنسان، فالمطبوع جعل الإنسان يتخلص من القبيلة، فمن خلال الحروف الهجائية تمكن من ضغط الواقع وتقديمه من خلال مرشح الحروف الهجائية، وأصبح الواقع يأتي إلينا قطرة قطرة في الوقت الواحد، فالواقع يأتي مجزئاً، ويأتي بتسلسل فهو مجزأ على طول خط مستقيم، وهو تحليلي، وهو مختصر ويقتصر على حاسة واحدة، وعلى وجهة نظر موحدة، ويمكن تكرارها.
كما يقول ماكلوهان:العين لا تستطيع أن تختار ما تراه، ولا تستطيع أن ترجو الأذن أن تتوقف عن الاستماع، فأجسامنا أينما وجدت تشعر، سواء بإرادتنا أو الرغم منا، وكأن على الفرد لكي يشرح رد فعله البسيط على طلوع الفجر مثلاً، الذي قد يستغرق خمس ثوان، أن يضعه في كلمات وفي جملة بعد جملة، لكي يستطيع أن يقول لشخص آخر ما الذي يعنيه طلوع الفجر بالنسبة له، وقد أكمل اختراع جوتنبرج ثورة الحروف الهجائية، فأسرعت الكتب بعملية فك الشيفرة التي نسميها قراءة، وتعددت النسخ المتطابقة، وساعد المطبوع على نشر الفردية لأنه شجع – كوسيلة أو أداة شخصية للتعليم – المبادرة والاعتماد على الذات، ولكن عزل المطبوع البشر فأصبحوا يدرسون وحدهم، ويكتبون وحدهم، وأصبحت لهم وجهات نظر شخصية، عبّروا بها عن أنفسهم للجمهور الجديد الذي خلقه المطبوع، وأصبح التعليم الموحد ممكناً.
وبفضل الصحافة المطبوعة حدث تغير جذري، فبدأ الأفراد يعتمدون في الحصول على معلوماتهم أساساً على الرؤية، أي على الكلمة المطبوعة، لذلك أصبحت حاسة الأبصار هي الحاسة المسيطرة، بدلا من الاعتماد على الاستماع، أي على الكلمة المنطوقة. وحوّل المطبوع الأصوات إلى رموز مجردة، إلى حروف، وأصبح المطبوع يعتبر تقدماً منتظماً للتجريد، وللرموز البصرية، وساعد المطبوع على تطوير عادة عمل فئات، أي وضع كل شيء بنظام في فئات (المهن) و(الأسعار) و(المكاتب ) و(التخصصات )).وأدى المطبوع في النهاية إلى خلق الاقتصاد الحديث، والبيروقراطية، والجيش الحديث والقومية نفسها.
ويقول ماكلوهان في كتابة (عالم جوتنبرج The Gutenberg Galaxy) الذي صدر في سنة 1962 أن اختراع الطباعة بالحروف المتحركة ساعد على تشكيل ثقافة أوروبا الغربية، في الفترة ما بين سنة 1500 وسنة 1900م، فقد شجع الإنتاج الجماهيري للمواد المطبوعة على انتشار القومية، لأنه سمح بانتشار المعلومات بشكل أكبر وأسرع عما تسمح به الوسائل المكتوبة باليد، كذلك أثرت الأشكال السطرية Linear Forms للمطبوع على الموسيقى وجعلتها تتخلى عن التكوين القائم على التكرار، وقد ساعد المطبوع أيضاً على إعادة تشكيل حساسية الرجل الغربي، فينما اعتبر الرجل الغربي الخبرة كقطاعات فردية، وكمجوعة من المكونات المنفصلة، كان الإنسان في عصر النهضة ينظر إلى الحياة - كما ينظر إلى المطبوع - كشيء مستمر.
كذلك جعل المطبوع انتشار البروتستانتية ممكناً، لأن الكتاب المطبوع بتمكينه الناس من التفكير وحدهم، شجع الكشف الفردي.
وفي النهاية، يقول ماكلوهان أن ((جميع الأشكال الميكانيكية برزت من الحروف المتحركة، فالحروف نموذج لكل الآلات ))،هذه الثورة التي حدثت بفضل المطبوع فصلت (القلب عن العقل) و (العلم عن الفنون ) مما أدى إلى سيطرة التكنولوجيا والمنطق السطري.
العودة إلى الاتصال الشفهي :
يسمي ماكلوهان المرحلة التي نعشيها حاليا عصر (الدوائر الإلكترونية) ، كما تتمثل بشكل خاص في التليفزيون والكومبيوتر، فالإلكترونيات، بتوسيعها وتقليدها لعمل العقل البشري، وضعت نهاية لأسلوب تجريد الواقع، وأعادت القبلية للفرد مرة أخرى، مما أحدث نتائج ثقافية واسعة النطاق.
يقول ماكلوهان أن الأنماط الكهربائية للاتصال، مثل التلغراف والراديو والتليفزيون والسينما والتليفون والعقول الإلكترونية، تشكل هي الأخرى الحضارة في القرن العشرين وما بعده، وبينما شاهد إنسان عصر النهضة الطباعة، وهي شيء واحد، في الوقت الواحد، في تسلسل متوال، مثل سطر من الحروف، فإن الإنسان الحديث يجرب قوى كثيرة للاتصال، في نفس الوقت، وأصبحت عادة قراءة الكتاب، تختلف عن الطريقة التي ننظر بها إلى الجريدة، ففي حالة الجريدة لا نبدأ بقصة واحدة نقرؤها كلها ثم نبدأ قصة أخرى، ولكن تنتقل أعيننا في الصفحات لتستوعب مجموعة غير مستمرة من العناوين والعناوين الفرعية، والفقرات التي تقدم الموضوعات، والصور، الإعلانات.ويقول ماكلوهان" أن الناس لا يقرؤون الجريدة فعلا، بل يدخلونها كل صباح مثلما يأخذون حماما ساخناً"، والمساهمة أو الاشتراك كلمة أساسية في هذه الحالة، لأنه يجعل الجريدة من المطبوعات التي تستخدم كوسيلة (شفهية) وليست سطرية، فالصفحة الأولى في الجريدة تعرضك في نفس الوقت للأخبار عن كل الموضوعات في كل أنحاء العالم، والقصص في الجريدة الحديثة مطبوعة، ولكن قد تم استقاءها بواسطة التلغراف، والقارئ، كما يقول ماكلوهان، لا يعرف سوى القليل جداً عن الجريدة بذكاء أو بحاسة نقدية، فهذا ليس الهدف من وجودها، فالجريدة موجودة للإحساس بالاشتراك، بالمساهمة في شيء، يستخدمها الفرد بشكل كلي يقفز فيها كأنها حمام سباحة، ويقول ماكلوهان أنه حينما يزيد اشتراك الفرد في شيء.يقل فهمة له، ولكنه يعني ((الفهم )) وفقا لوجهة النظر السطرية القديمة، أن يكون الإنسان مبتعدا أو منطقياً.
وفقا لماكلوهان فإن العالم الذي كنا نعيش فيه قبل عصر الكهرباء كان عالماً مجرداً ومتخصصاً ومجزأً جداً، فبينما عملت الحروف الهجائية وتكنولوجيا المطبوع على تشجيع وتطوير عملية التجزئة والتخصص والابتعاد، نجد أن تكنولوجية الكهرباء تقوي وتشيع التوحيد والاشتراك، حتى فكرة الوظائف، هي نتيجة لتكنولوجية المطبوع، وتحيزاته، فلم تكن هناك (وظائف) في العصور القديمة والعصور الوسطى، بل كانت هناك فقط أدوار.الوظائف جاءت مع المطبوع والتنظيم البشري المتخصص جداً، فهي نمط حديث إلى حد ما للعمل، ظهر في القرن الخامس عشر، واستمر حتى اليوم، ويرجع السبب في وجود الوظائف إلى أنه كأن هناك تقدم مطرد لتجزئة مراحل العمل التي تقوم على (الميكنة ) و (التخصص). وسائل الأعلام الإلكترونية بدأت تغييراً كبيراً في توزيع الإدراك الحسي،أو كما يسميها ماكلوهان (نسب استخدام الحواس) Sensory Ratios اللوحة أو المكتبة نشاهدها من خلال حاسة واحدة وهي الرؤية.أما السينما والتلفزيون فتجذبنا ليس بواسطة المشاهدة، لكن أيضاً بالاستماع. وتعدل وسائل الأعلام الظروف المحيطة بنا لأنها تجعل نسب استخدام حواسنا تتغير في عملية الإدراك، امتداد أي حاسة يعدل الطريقة التي نفكر ونعمل بمقتضاها، كما يعدل امتداد تلك الحواس الطريقة التي ندرك بها العالم. حينما تتغير تلك النسب يتغير الإنسان، وسائل الأعلام الجديدة تحيط بنا وتتطلب منا مساهمة، ويرى ماكلوهان أن استخدام الحواس بهذا الوجود الجديد الذي يعتمد على استغلال الفرد لحواس كثيرة يرجع بنا إلى تأكيد الرجل البدائي على اللمس التي يعتبرها أداة الحس الأولى ( لأنها تتكون من تلاقي الحواس ).
ومن الناحية السياسية، يرى ماكلوهان أن سائل الإعلام الجديدة تحول العالم إلى (قرية عالمية Global Village ) تتصل في إطارها جميع أنحاء العالم ببعضها مباشرة، كذلك تقوّي تلك الوسائل الجديدة العودة (للقبلية) في الحياة الإنسانية، فعالمنا أصبح عالماً من نوع جديد، توقف فيه الزمن واختفت فيه (المساحة) لهذا بدأنا مرة أخرى في بناء شعور بدائي ومشاعر قبلية، كانت قد فصلتنا عنها قرون قليلة من التعليم.علينا الآن أن ننقل تأكيد انتباهنا من الفعل إلى رد الفعل، ويجب أن نعرف الآن مسبقا نتائج أي سياسة أو أي عمل، حيث أن النتائج تحدث أو يتم تجربتها بدون تأخير، وبسبب سرعة الكهرباء لم نعد نستطيع أن ننتظر ونرى، ولم تعد الوسائل البصرية المجردة في عالم الاتصال الكهربائي السريع صالحة لفهم العالم، فهي بطيئة جداً مما يقلل من فاعليتها، ولسوء الحظ نواجه هذا الظرف الجديد بعقلية قديمة، فالمعروف أن الكهرباء تجعل الأفراد يشتركون في المعلومات بسرعة كبيرة جداً، فقد أجبرنا عالمنا من خلال الوسائل الكهربائية على أن نبتعد عن عادة تصنيف المعلومات، وجعلنا نعتمد أكثر على أدراك النمط أو الشكل الكلي. لم يعد في الإمكان أن نبني شيئا في تسلسل، لأن الاتصال الفوري يجعل كل العوامل الموجودة في الظروف المحيطة تتفاعل، كما يجعل التجربة تتواجد في حالة تفاعل نشط.
وبينما عمل المطبوع على (تفجير) أو تحطيم أو تقسيم المجتمع إلى فئات، تعمل وسائل الأعلام الإلكترونية على إرجاع الناس مرة أخرى للوحدة القبلية، وتجعلهم يقتربون مرة أخرى من بعضهم البعض، فقد عادت حاسة الاستماع مرة أخرى إلى السيطرة، وأصبح الناس يحصلون على معلوماتهم أساساً بالاستماع إليها.
وهناك اختلاف كبير بالطبع، فالرجل الذي لا يستطيع أن يقرأ سيحصل على كل المعلومات عما حدث في الماضي، وما يحدث من الأمور التي لا يستطيع أن يراها،عن طريق السمع، سيجعل هذا عالمه أكثر انتشاراً وأكثر تنوعاً وتغيراً من الرجل المتعلم الذي يستخدم عيونه أكثر، في عملية القراءة، لأنه عن طريق الأذن لا يستطيع التركيز، ولكن يمكن للعين أن تركز في عملية القراءة، التي يمكن أن نعرفها بأنها استخدام العينين لتعلم الأشياء التي لا نستطيع أن نراها.
والاختلاف بين المجتمعات المتعلمة ومجتمعات ما قبل التعلم هائلة فالإنتاج على نطاق واسع لم يبدأ بالثورة الصناعية، ولكن بأول صفحة مطبوعة سحبها جوتنبرج من المطبعة، فقد أصبح في الإمكان للمرة الأولى، إنتاج المواد الإعلامية على نطاق واسع بحيث لا يستطيع الإنسان أن يفرق واحدة عن الأخرى وكان لكل الوحدات المنتجة، أي الطبعات، نفس القيمة،ك ن ذلك إنجازاً كبيراً بعد سنوات طويلة كان يتم فيها عمل شيء واحد، في الوقت الواحد، وكانت كل سلعة تختلف بعض الشيء عن السلعة الأخرى.
لكن الأهم من ذلك هو الظرف المحيط الذي فرضته وسيلة الأعلام المطبوعة: كلمة بعد أخرى، وجملة بعد أخرى، وفقرة بعد أخرى، وشيء واحد في الوقت الواحد، في خط منطقي متصل.وقد كأن تأثير هذا التفكير السطري عميقاً، وأثر على كل جانب من جوانب المجتمع المتعلم.
من ناحية أخرى، فإن المجتمع الذي يعتمد على حاسة الاستماع Ear-Oriented أكثر، لن يعمل أو يستجيب بهذا الأسلوب (شيء واحد في الوقت الواحد) ولكنه سيميل إلى استقبال خبرات كثيرة، في نفس الوقت، والتعبير عنها، وربما يفسر هذا مقدرة المراهقين على الاستماع إلى الراديو المرتفع الصوت والمذاكرة في نفس الوقت، .وربما يفسر هذا السر في اختلاف المراهقين حاليا عن المراهقين قبل ذلك، فهذا الجيل هو الجيل الأول أو الثاني لعصر الإلكترونيات، ويختلف أفراده عمن سبقوهم، لأن الوسيلة التي تسيطر على الظروف المحيطة بهم ليست المطبوع، أي الشيء الواحد في الوقت الواحد، وشيء بعد آخر، كما كان الوضع لمدة خمسمائة عام مضت، فبفضل التليفزيون الذي يقدم كل شيء مرة واحدة ويغطي كل شيء، أصبح الإنسان ينظر إلى الأمور بنظرة شمولية،أو كلية، ولهذا أصبح الطفل في المجتمع الحديث الذي يتدرب على معرفة الظروف المحيطة به منبه من التليفزيون، يتعلم بنفس الطريقة التي تعلم بها أي فرد من أعضاء مجتمع ما قبل التعلم ؛ أي من خبرة عينية وأذنية مباشرة، بدون حروف جوتنبرج كوسيط، يتعلم أولئك الأطفال أن يقرءوا أيضاً، ولكن يأتي هذا في المرتبة الثانية، وليس المرتبة الأولى، كما كان الحال بالنسبة للذين سبقوهم، والدراسات التي أجريت على الأطفال الذين نشأوا في عصر التليفزيون، أي الأطفال من كل الطبقات الاجتماعية الذين اعتادوا الحصول على معلوماتهم أساساً بواسطة التليفزيون، تبين أن الجيل الجديد لا يركز على الصورة كلها، كما يفعل الفرد المتعلم الناضج حينما يشاهد فيلم رعاة البقر مثلاً،بل يمرون بأعينهم بسرعة على الشاشة، ويركزون على جراب المسدس، رؤوس الجياد، القبعات، وكل التفاصيل الصغيرة الأخرى، وحتى في أشد معارك المسدسات يراقب الأطفال التليفزيون بالطريقة التي يراقب بها الأفريقي القبلي غير المتعلم السينما.
 
ويعتبر الجيل الذي نشأ في عصر التليفزيون من رجال القبائل الجدد، فعندهم توازن حسّي قبلي، وعندهم العادة القبلية للاستجابة العاطفية على الكلمة المنطوقة.
فهم (ساخنون) يريدون المساهمة، كما يريدون أن يلمسوا وأن يشتركوا أكثر، ومن ناحية أخرى يمكن للديماجوجية أن تؤثر عليهم بسهولة أكبر.الفرد الذي يستخدم أساسا حاسة الأبصار أو الذي يعتمد أساساً على المطبوع، هو إنسان فردى فهو (أبرد) ولديه ضمانات مبنية داخله،عنده شعور دائم بأنه بالرغم مما قد يقوله أي شخص، يستطيع أن يتأكد من الموضوع، فهو يحصل على المعلومات الضرورية بطريقة ما ويصنفها في فئات، ويستطيع أن يرجع إليها ويتيقن منها، وحتى إذا كأن ما يعرض عليه شيء لا يستطيع أن يتيقن منه مثل شائعة تقول أن (الصين ستلقي بقنابل ذرية على أمريكا ) –إلا أن ذهنه قد اعتاد الإحساس بأن في مقدوره التأكد والتيقن مما يسمعه. الفرد الذي يستخدم حاسة السمع أساسا، تكيفه ليس فرديا بهذا الشكل، ولكنه جزء من وعي جمعي Collective Consciousness فهو أكثر تصديقا من المتعلم الذي يعتمد على حاسة الإبصار أساساً، أي إنسان الطباعة والقراءة. وقد يبدو هذا وكأنه خاصية سلبية، ولكن بالنسبة للفرد الذي يعتمد على حاسة السمع، أي الرجل القبلي، أي جيل التليفزيون الجديد، فهو أكثر قدرة على أدراك النمط، وهو الأمر الذي يعتبر أساس العقل الإلكتروني. فالطفل يتعلم اللغة كلها بما في ذلك التنغيم والأوزان، علاوة على المعنى.أما الرجل المتعلم فإن الطريقة التي يحاول بها أن يحول الأصوات إلى مطبوع في عقله تؤخر تعلمه، فهو يأخذ الكلمات واحدة واحدة، ويضعها في فئات ويترجمها في تسلسل متعب، ويبذل في ذلك مجهوداً مضنياً.
وماكلوهان، مثل هارولد أنيس، يؤمن بأن التاريخ الحديث للمجتمعات الغربية ما هو إلا تاريخ (لاتصال متحيز)، واحتكار للمعرفة، يقوم على أساس المطبوع، ويعتبر المفكر أنيس أن الوسائل المطبوعة التي تقدم المضمون في شكل سطري مسئولة عن كثير من الاتجاهات غير المرغوبة التي ظهرت خلال الخمسة قرون السابقة. ويقصد ماكلوهان، حينما يصف الاتصال الذي وجد في الخمسة قرون السابقة بالتحيز، أنه اتصال سيطر عليه المطبوع، وتحكم فيه. يقول هارولد أنيس أن نمو وسائل الأعلام المطبوعة منذ القرن الخامس عشر قتل تقليد الاتصال الشفهي،وحل محل تنظيم المجتمع على أساس الزمن، وما هو موجود Temporal تنظيم آخر قام على المساحة أو الاتساع Spatial،مما جعل الفرد يركز على أوجه نشاطه الخاصة، وجعل القيم نسبية، وحول محور السلطة من الكنسية إلى الدول، وشجع القومية المتطرفة. لاشك أن وجهه النظر هذه مهمة وجديرة بالدراسة، ولكن هذه التطورات التي حدثت لا يمكن أن نعزوها فقط إلى تطور تكنولوجية المطبوع، فمما لا شك فيه أن الاختراعات التكنولوجية الأخرى،مثل وسائل المواصلات السريعة،ومصادر الطاقة الجديدة، والمعدات الآلية، والإلكترونيات، وإحياء التعلم، ونمو الديمقراطية، ونمو الطبقة المتوسطة، وتقسيم العمل، وإثارة مثاليات اجتماعية جديدة، لاشك أن هذه العوامل كان لها أيضا دور في التأثير. وإذا قلنا أن المطبوع كان له دور في كل تلك التطورات فإن هذه التطورات بدورها أثرت بشكل ما، على المطبوع، ولكن حلول مجتمع جديد محل المجتمع الشفهي أحدث تغييرات أساسية على نظرة الإنسان الكلية للظروف المحيطة به، وحوّل السلطة من أيدي أولئك الذين يستطيعون أن يتذكروا الماضي، ويحفظون الكتب السماوية، إلى أولئك الذين يعرفون الأماكن البعيدة والأساليب المختلفة لعمل الأشياء، وجعل في الإمكان تكوين جماعات اجتماعية كبيرة (وأحيانا حدوث تصادم بين تلك الجماعات) تحت قيادة مركزية.هذه التغيرات التي حدثت حينما بدأ المجتمع يعتمد على وسائل الأعلام يمكن أن نراها اليوم في العديد من الدول النامية.
تلك كانت بعض آراء هارولد أنيس التي قبلها ماكلوهان، ولكن تناول ما كلوهن لتلك الأفكار هو تناول سيكولوجي، وهو يعيد إلى الأذهان افتراضات الباحثين ساير وورف، بالرغم من أن ماكلوهان مهتم بالطريقة التي تؤثر بمقتضاها وسائل الأعلام، وهو غير مهتم بتأثير اللغات، وعلى نظرة الفرد للعالم، وعلى الطرق التي يفكر بمقتضاها، ففكرته الرئيسية تقوم على أن وسائل الأعلام لا تنقل فقط معلومات ولكنها تقول لنا ما هو نوع العالم الموجود، وهذا لا يجعل حواسنا تثار وتتمتع فقط، ولكنها تعدل نسبة استخدامنا للحواس، وتغير في الواقع شخصيتنا، ولم يكن ماكلوهان أول من قال أن (الأشياء التي نكتب عليها كلماتنا لها أهمية أكبر من الكلمات نفسها ) ولكن الطريقة التي قدم لنا بمقتضاها هذه الفكرة هي التي تقتبس باستمرار..فهو يقول ((الوسيلة هي الرسالة )) لأن طبيعة كل وسيلة إعلامية، وليس مضمونها، هو الأساس في تشكيل المجتمعات.
الوسيلة هي الرسالة:
يرفض ماكلوهان رأي نقاد وسائل الأعلام الذين يدعون أن وسائل الأعلام الجديدة ليست في حد ذاتها جيدة أو رديئة، لكن الطريقة التي تستخدم بها هذه الوسائل هي التي ستحد أو تزيد من فائدتها، يقترح ماكلوهان بدلاً من ذلك أنه علينا أن نفكر في طبيعة وشكل وسائل الأعلام الجديدة، فمضمون التليفزيون الضعيف ليس له علاقة بالتغيرات الحقيقية التي يسببها التليفزيون، كذلك قد يتضمن الكتاب مادة تافهة أو مادة كلاسيكية، ولكن ليس لهذا دخل بعملية قراءته. فالرسالة الأساسية في التليفزيون هي التليفزيون نفسه، العملية نفسها، كما أن الرسالة الأساسية في الكتاب هي المطبوع. فالرأي الذي يقول أن وسائل الأعلام أدوات يستطيع الإنسان أن يستخدمها في الخير أو الشر، رأي تافه عند ماكلوهان. فالتكنولوجيا الحديثة، مثل التليفزيون أصبحت ظرفاً جديداً محيطاً مضمونه ظرف أقدم.وهذا الظرف الجديد يعدل جذريا الأسلوب الذي يستخدم به الناس حواسهم الخمس، والطريقة التي يستجيبون بها إلى الأشياء. ولا يهم إذا عرض التليفزيون عشرين ساعة يوميا أفلام( رعاة البقر) التي تنطوي على عنف وقسوة، أو برامج ثقافية راقية، فالمضمون غير مهم، ولكن التأثير العميق للتليفزيون هو الطريقة التي يعدل بمقتضاها الناس الأساليب التي يستخدمون بها حواسهم Sensory Patterns ويعبر عن هذا بقوله المختصر المشهور (الوسيلة هي الرسالة-
The Medium is The Message ) ويعتبر هذا من أهم الإضافات التي قدمها مارشال ماكلوهان إلى ما قاله هارولد أنيس في كتابه (تحيز الاتصال) فقد حلل ماكلوهان الطريقة التي يفترض أن المطبوع يؤثر بمقتضاها، وقال أن المطبوع يفرض منطقاً معيناً على تنظيم التجربة البصرية، لأنه يحطم الواقع إلى وحدات منفصلة ومتصلة بشكل منطقي وسببي، يتم إدراكه بشكل سطري على الصفحة بعد تجريدها من طبيعة الحياة الكلية، غير المرتبة، وذات الأبعاد الحسية المتعددة. ويسبب هذا عدم توازن في علاقة بالظروف المحيطة به، لأن المطبوع يؤكد نوع من المعلومات يتم إدراكها بواسطة العين بدلاً من المعلومات التي يحصل عليها الفرد بواسطة الاتصال الشخصي، عن طريق كل الحواس، ولأن الكتابة والقراءة هما من أوجه النشاط الشخصية التي تتناول تجربة مجردة، فهما يفقدان الفرد لقبليته، ويأخذانه خارج الثقافة الشفهية الوثيقة العرى، ويضعانه في ظرف خاص أو شخصي، بعيداً عن الواقع الذي يتناوله اتصاله.
وبالطبع فإن تطور المطبوع يسبب تماثلاً بين أبناء البلد الواحد، ويقرب البعيد، وبهذا تحل المدينة محل القرية، وتحل دولة الأمة محل دولة المدينة.ويعني ماكلوهان أيضا بفكرة (الوسيلة هي الرسالة ) بالإضافة إلى هذا أن مضمون أي وسيلة هو دائما وسيلة أخرى، فالضوء الكهربائي مثلاً هو معلومات صرفه، فهو وسيلة بلا رسالة، إلا إذا استخدم لتقديم إعلان أو رسم، ولكن إذا نظرنا إلى الكتابة نجد أن مضمونها هو الكلام، والكلمة المكتوبة هي مضمون المطبوع، والمطبوع هو مضمون التلغراف، ومضمون الكلام هو عملية التفكير التي تعتبر غير لفظية، فمضمون الظروف الجديدة هو الظروف الأقدم.ونحن نحاول دائما أن نفرض الشكل القديم على المضمون الجديد، وحينما كان الإنتاج الآلي جديداً خلق – بالتدريج- ظروفا محيطة جديدة كان مضمونها الظروف القديمة للحياة الزراعية والفن والحرف..فالظرف الآلي الجديد الذي يحيط بالأفراد حول الطبيعة إلى شكل فني، وللمرة الأولي بدأ الإنسان يعتبر المطبعة مصدراً لقيم جميلة وروحية، وبدأ الناس في الإعجاب بالعصور السابقة، بينما لم يكن الأفراد الذين عاشوا في العصور التي سبقت عصر الإنتاج الآلي على وعي بعالم الطبيعة كفن، وكل تكنولوجيا جديدة تخلق ظروفا جديدة محيطة تعتبر هي نفسها فاسدة تحط بالشأن،ولكن الجديد يحول ما يسبقه دائما إلى شكل فني.
فحينما كانت الكتابة جديدة، حول أفلاطون الحوار الشفهي القديم إلى شكل فني، وحينما كانت الطباعة جديدة أصبحت العصور الوسطى شكلاً فنياً، وحوّل عصر الصناعة عصر النهضة إلى شكل فني.
ونظرا لأن التكنولوجيا الحديثة المتغلغلة قد خلقت سلسلة كاملة من الظروف الجديدة، أصبح الإنسان واعيا ومدركا للفنون على أنها ( ضد الظروف المحيطة Anti –Environments ) والأسلوب الذي تدرب به الإنسان قديماً على الملاحظة لم تعد له صلة بالعصر الذي نعيش فيه، لأنه يقوم على الاستجابات السيكولوجية والمفاهيم التي تأثرت بالتكنولوجية القديمة- تكنولوجية الميكنة- وقد يفسر هذا (عصر القلق ) الذي نعيش فيه، فنحن نشعر بالقلق لأننا نحاول أن نقوم بعمل اليوم بأدوات الأمس، وبمفاهيم الأمس.
وقد أصبح الشاب اليوم يدرك بالفطرة الظروف الحالية المحيطة أي الدراما الكهربائية، فهو يعيش بعمق، وربما كان هذا هو السبب في الفجوة الكبيرة الموجودة بين الأجيال، فالحروب والثورات والتمرد المدني هي من ظواهر الظروف الجديدة المحيطة التي خلقتها وسائل الأعلام الكهربائية، فقد أصبح زمننا هو زمن عبور الحواجز لإزالة الفئات القديمة، وللبحث عما حولنا، وتعمل الثقافة الغربية الرسمية على جعل وسائل الأعلام الجديدة تقوم بمهام الوسائل القديمة، لذلك نشهد حاليا أوقاتاً صعبة نتيجة للتصادم بين تكنولوجيتين عظيمتين، فنحن نقترب من الجديد بالاستعداد السيكولوجي للقديم، وباستجاباتنا الحسية الملائمة للقديم، وهذا الصدام يحدث بالطبع في المرحلة الانتقالية،فالفن في أواخر العصور الوسيطة عبّر عن الخوف من تكنولوجية المطبوع بفكرة رقصة الموت.
واليوم يتم التعبير عن مخاوف مماثلة في مسرح العبث، والإنسان لم يكن يدرك أبدا القواعد الأساسية لنظم ظروفه المحيطة أو ثقافات الظروف المحيطة، ولكن اليوم نظراً لأن ظروفنا المحيطة أصبحت تتغير بسرعة،أصبحنا قادرين حاليا على رؤية المستقبل، من الظروف المحيطة الحالية. فالفلسفة الوجودية ومسرح العبث هي ظواهر المحيط الجديد الذي يعتمد على الكهرباء،هذه الظواهر تمثل الفشل الشائع الناتج عن محاولتنا أن نقوم بالعمل المطلوب الذي تتطلبه الظروف الجديدة المحيطة بأدوات أو وسائل الظروف القديمة.
والمهم أن أي (رسالة ) أو أي (وسيلة) أو أي تكنولوجيا، هي تغيير للمدى أو المساحة أو الشكل الذي تدخله في الشئون البشرية.لم تدخل السكة الحديد الحركة أو المواصلات أو الطريق، في المجتمع البشري، ولكنها عملت على توسيع نطاق Scale تلك المهام البشرية السابقة،خالقة أنواعا جديدة من المدن، وأنواعا جديدة من العمل ووقت الفراغ،حدث ذلك في أي مكان عملت فيه السكة الحديد، بشكل مستقل تماماً عن الحمولة أو المضمون الذي تحمله السكة الحديد كوسيلة للمواصلات، والطائرة من ناحية أخرى، بإسراعها بالمواصلات تميل إلى حل شكل السكة الحديد في المدينة والسياسة والارتباط، مستقلة تماما عن استخدامات الطائرة المختلفة أو ما تحمله.
إذا عدنا مرة أخرى إلى نموذج الضوء الكهربائي نجد أنه سواء استخدام في عمل عملية جراحية في المخ أو في إضاءة مباراة الكرة السلة، فهذا ليس مهماً، نستطيع أن نقول أن أوجه النشاط تلك هي بشكل ما مضمون الضوء الكهربائي، حيث أنها لا يمكن أن تتواجد بدون ضوء كهربائي.هذه الحقيقة تصور وجهة النظر التي تسيطر على مدى الارتباط البشري وشكله وعلى العمل البشري، أما المضمون أو استخدام الوسيلة فهو متنوع ولا يؤثر على تشكيل الارتباط البشري، ولكن الملاحظ أن مضمون أي وسيلة يلهينا عن طبيعة الوسيلة نفسها، والضوء الكهربائي لا يلفت انتباهنا كوسيلة اتصال لأنه ليس له ( مضمون) وهذا يجعله مثالا طيبا لا ظهار الطريقة التي يفشل بسببها الناس تماما في دراسة وسائل الأعلام، فإذا لم يستخدم الضوء الكهربائي في عرض اسم سلعة فلن يلاحظه أحد كوسيلة،وفي هذه الحالة، فأن الضوء وليس ( المضمون ) الذي هو في الواقع وسيلة أخرى، وهو الذي لم تتم ملاحظته.
رسالة الضوء الكهربائي مثل رسالة الطاقة الكهربائية في الصناعة جذرية وشاملة وغير مركزية،ونظراً لأن الضوء الكهربائي والطاقة منفصلان عن استخداماتهما إلا أنهما يستبعدان عوامل الزمن والمساحة في الارتباط البشري، تماما كما يفعل الراديو، والتلغراف، والتليفون، والتليفزيون، خالقين اشتراطا أو اندماجاً Involvement بعمق.
كنا قد تحدثنا عن الأطفال الذين نشأوا عهد التليفزيون، وذكرنا أنهم يختلفون عن الأطفال الذين نشأوا في عهد المطبوع، نلاحظ حاليا أن نسبة كبيرة من الأطفال في المجتمعات الغربية الذين نشأوا في عهد التليفزيون يتركون المدارس في سن مبكرة، والسبب ليس الظروف الاقتصادية أو الظروف الاجتماعية السيئة، ولكن السبب هو أن طفل اليوم هو طفل التليفزيون، فالتليفزيون قدم ظروفا جديدة لتكييف بصري منخفض Low Visual Orientation واشتراك مرتفع، الأمر الذي يجعل قبول أسلوب التعليم القديم صعباً.قد تكون أحدى الاستراتيجيات لمواجهة هذه المشكلة هي رفع المستوى البصري لصورة التلفزيون لتمكن التلميذ من الوصول إلى مستوى يقترب من العالم البصري القديم لحجرة الدراسة والمناهج المقررة، وهذا يستحق التجربة كحل مؤقت، ولكن التليفزيون عنصر واحد من عناصر الجو الإلكتروني المحيط الذي يعتمد على شبكة أو دائرة الكترونية جاءت مباشرة، بعد العالم الذي اعتمد على العجلة والصامولة والمسمار. لقد أصبح لزاما علينا أن نسهل انتقالنا من العالم البصري المجزأ، أي عالم المطبوع، حتى نصل إلى أسلوب للتعليم نستخدم فيه كل وسيلة حديثة متوافرة.
حاليا يسمح لشباب اليوم بادراك معالجة التراث التقليدي للبشرية من خلال باب الوعي التكنولوجي، فقد أغلق المجتمع هذا الباب الوحيد الممكن ذلك لأن المجتمع ينظر إلى الشاب من خلال مرآة تعكس الأشياء والخليقة (أي الماضي) يعيش الشباب اليوم بعمق في عالم خيالي أو سحري بينما يواجه – عندما يتعلم – ظروفا منظمة على أساس المعلومات المصنفة، أي الموضوعات غير المتصلة التي يتم إدراكها بصريا على أساس خطي. لا توجد أمام الطالب وسيلة للاشتراك ولا يستطيع أن يكتشف كيف تتصل المشاريع التعليمية بعالمه الخيالي الذي يتحرك فيه، وعلى المؤسسات التعليمية أن تدرك بسرعة أننا نعيش في حرب بين تلك الظروف المحيطة ووسائل الأعلام الأخرى، غير الكلمة المطبوعة، فالفصل الدراسي في كفاح مرير من اجل الحياة في العالم الخارجي الذي خلقته وسائل الأعلام الحديثة، ويجب أن ينتقل التعليم من التدريس، ومن فرض صور مطبوعة أو متماثلة على الطلبة إلى الكشف والاكتشاف والتعمق.
والوسيلة هي الرسالة، تعني بالإضافة إلى ذلك، أشياء أخرى فقول ماكلوهان يشير أيضا إلى أن لكل وسيلة جمهوراً من الناس الذين يفوق حبهم لهذه الوسيلة اهتمامهم بمضمونها، بمعنى آخر التليفزيون كوسيلة هو محور لاهتمام كبير، فكما يحب الناس أن يقرءوا من اجل الاستمتاع بممارسة تجربة المطبوع، وكما يجد الكثيرون متعة في التحدث إلى أي شخص في التلفون، كذلك يحب البعض التليفزيون بسبب الشاشة التي تتحرك عليها الصور، والصوت.
ع لاوة على ذلك،(الرسالة) في الوسيلة هي تأثير الأشكال التي تظهر بها على المجتمع.الرسالة المطبوعة كانت كل جوانب الثقافة الغربية التي أثر عليها المطبوع، والرسالة في وسيلة السينما هي مرحلة الانتقال من الروابط السطرية إلى الأشكال، كذلك يقترح ماكلوهان أن بناء الوسيلة ذاتها مسئول عن نواحي القصور فيها ومسئول عن مقدرتها على إيصال المضمون، فهناك وسيلة أفضل من وسيلة أخرى في إثارة تجربة معينة، كرة القدم مثلاً،أفضل في التليفزيون منها في الراديو أو في عمود الجريدة، ومباراة كرة القدم الرديئة على شاشة التليفزيون أكثر إثارة من مباراة عظيمة تذاع بالراديو، ولكن على العكس من ذلك أغلب تحقيقات الهيئات النيابية، أقل إثارة للملل في الجريدة عنها في التليفزيون، ويبدو أن كل وسيلة بها (ميكانيزم ) خاص بها يجعل بعض الموضوعات أفضل من موضوعات أخرى.
الوسائل الساخنة والوسائل الباردة:
وقد ابتكر ماكلوهان، في تعريفه لذلك ( الميكرنيزم ) اصطلاحات فئات( الساخن) و (البارد ) ليصف في نفس الوقت بناء وسيلة الاتصال أو التجربة التي يتم نقلها ومدى تفاعلها، وما نطلق عليه كلمة (بارد) تستخدم عادة في وقتنا الحاضر لتعني الجدال الذي ينغمس فيه الناس بشدة، ومن ناحية أخرى (الاتجاه البارد) كان يعني الحياد الذي يميل إلى الابتعاد وعدم الاهتمام، كلمة (ساخن) أصبحت غير مستخدمة حينما طرأت تغيرات عميقة على طريقة النظر للأمور، ولكن التعبير الدارج (بارد) ينقل قدرا إلى جانب الفكرة القديمة (ساخن) فهو يشير إلى نوع من الالتزام والمساهمة في ظروف تتضمن قدرات الفرد كلها.
ماكلوهن لا يهاجم فقط السطرية، ولكن أيضا الطبيعة التجريدية للغة المطبوعة التي تعتبر من عناصر قوتها، وبدلاَ من المقدرة على التجريد، يهتم بالمقدرة على التخيّل التي تعتبر محور فكرته أو مفهومه، الذي يقتبس دائما حينما يفرق بين الوسائل (الساخنة ) و ( الباردة).. فالوسيلة ( الساخنة) هي الوسيلة التي لا تحافظ على التوازن في استخدام الحواس أو الوسيلة التي تقدم المعنى، مصنوعاً جاهزاً إلى حد ما، مما يقلل احتياج الفرد للخيال لكي يكون صورة للواقع من العلاقات التي تقدم إليه،أما الوسيلة (الباردة ) فهي الوسيلة التي تحتاج إلى أو تحافظ على التوازن بين الحواس، وتحتاج لقدر كبير من الخيال،ولكن حتى ماكلوهان نفسه لا يتسم بالثبات الكامل في تصنيفه لوسائل الأعلام تحت هاتين الفئتين، فهو يعتبر المطبوع والراديو من الوسائل (الساخنة)، التي تستخدم كل منهما حاسة واحدة، ولا تحتاج (في رأي ماكلوهان ) إلا لقدر بسيط من الخيال، بينما يعتبر الفيلم الناطق والتليفزيون، من (الوسائل الباردة ) التي تحتاج، كما يقول ماكلوهان، إلى أقصى درجة من الجهد الخيالي من جانب المتفرجين. والغريب في نتائج ماكلوهان المتصلة بالاحتياج للخيال أنه، لا يعتمد أساسا على الحاجة للتنظيم والتجريد من القدر الكبير من التجربة المحددة التي يقدمها التليفزيون، ولكنه يهتم أساسا بأسلوب الإدراك، بمعنى أن التليفزيون يقدم عددا كبيرا من نقاط الضوء الصغيرة التي يجب أن تنظمها الأنظمة العصيبة والحسية المركزية، وتكون منها صورة للواقع.
بهذا المعنى يستطيع الفرد أن يعتبر الآلية الذاتية Automation باردة، في حين أن الأنواع الميكانيكية القديمة أو (الوظائف) المجزأة، ساخنة، والشخص التقليدي أو غير المتطور أو المحافظ ليس ( بارداً) لأن قدراته لا تساهم بعمق.
الوسيلة الساخنة أو التجربة الساخنة، درجة وضوحها مرتفعة، High Definition أو هي أقرب للأشياء الطبيعية، فهي على درجة عالية من الفردية، كما أن بها قدرا كبيرا من المعلومات المطلوبة، ولا تحتاج إلى مساهمة كبيرة من جانب المتلقي، أما الوسيلة (الباردة ) فدرجة وضوحها (منخفضة ) والمعلومات التي تنقلها أيضاً منخفضة، وتتطلب من جانب الجمهور مساهمة لتكملة التجربة. صورة التليفزيون درجة وضوحها منخفضة، لذلك يضطر الفرد إلى المساهمة أو الاشتراك سيكولوجيا بدرجة كبيرة،أي يضطر المتفرج إلى أن يملأ المساحات التي يشاهدها بالعقل، كما يفعل بالكارتون، لهذا نجد متفرج التليفزيون أكثر اشتراكا في تكملة الصورة التي يقدمها التليفزيون منه في حالة الفيلم السينمائي، فهو مضطر لبذل مجهود، وهو يستعرض الصور بعينه ليكملها ويملأ نواحي النقص فيها.. يسمي ماكلوهان التليفزيون وسيلة (باردة ) والصحافة وسيلة (ساخنة) بسبب المدى الذي تشترك به حواسنا في كل منها،(وتأثير كل وسيلة على بناء المجتمع يتوقف،إلى حد كبير، على درجة حرارتها ) فإن الوسيلة الساخنة تسمح بمساهمة أقل من الوسيلة الباردة، فالمحاضرة مثلا تسمح بمساهمة أقل من الندوة ( السمنار) والكتاب يحتاج إلى مساهمة أقل من الحوار، والكارتون وضوحه أو دقته (منخفضة) ذلك لأنه يقدم قدرا بسيطا من المعلومات...فهو بارد.
المطبوع وسيلة ساخنة، يفرض نمطه على الصفحة، يتكرر بلا نهاية، وهو يقوم على التجريد، ويحمل المطبوع الإنسان بعيدا عن العلاقات الوثيقة التقليدية المعقدة إلى أسلوب الحياة الحديثة، من القبلية إلى الأممية، ومن الإقطاع إلى الرأسمالية، ومن الحرفية إلى الإنتاج على نطاق واسع، ومن الحكمة إلى العلم، والمطبوع يقوم على تعدد الرسائل والأنماط بشكل لا نهائي تقريبا.
الحديث الشفهي، على العكس من ذلك، وسيلة باردة، فهو يطور حواراً واستجابة، ورجع صدى، وأنماط معقدة ومتداخلة للعلاقات الشخصية، ومجتمعات مركزة في العائلة، وأخلاقيات عائلية وقبلية، واعتقاد أو إيمان بأشياء خارقة للطبيعة.
والراديو وسيلة ساخنة، وكان دائما وسيلة أساسية لتسخين الدماء في أفريقيا والهند والصين.
والفكرة الرئيسية أن الوسيلة الساخنة تُبعد، والوسيلة الباردة تقرّب أو تستوعب ؛ الوسائل الساخنة درجة المساهمة فيها أو تكميل الجمهور لما تقدمه، ضئيلة، أما الوسائل الباردة فدرجة مساهمة الجمهور في إكمال ما تقدمه عالية، الوسيلة الساخنة هي التي تمد الحواس، وهي على درجة عالية من الوضوح، ونعني بالوضوح العالي، توفير الوسيلة للمعلومات بشكل عام بدون مساهمة شديدة من جانب الجمهور، فالصور،على سبيل المثال،درجة وضوحها مرتفعة لذلك هي ساخنة، بينما الكارتون درجة وضوحه منخفضة لذلك فهو بارد، لأن الرسم الفج يوفر معلومات بصرية بسيطة جداً، ويستلزم من المتفرج أن يكمل الصورة بنفسه، ولهذا التليفون، الذي يعطي الأذن معلومات بسيطة نسبيا، هو وسيلة باردة، كذلك الكلام، فكلاهما يتطلب من المستمع قدراً كبيراً من التكميل أو ملء الفجوات،من ناحية أخرى، الراديو ليس وسيلة ساخنة لأنه يوفر بشكل حاد وعميق قدراً كبيراً من المعلومات المسموعة العالية في وضوحها بحيث لا تتطلب سوى جهداً بسيطاً من الجمهور لكي يكمله أو لا تترك أي شيء للجمهور لكي يكمله. المحاضرة،على نفس النمط، ساخنة، ولكن الندوة أو السمنار وسيلة باردة، والكتاب ساخن، ولكن المحادثة وسيلة باردة.
ويطبق ماكلوهان أيضا الاصطلاحين (ساخن) و(وبارد) على التجارب، وعلى الناس والدول، فيقول أن وسائل الأعلام الباردة أفضل بالنسبة للأفراد الذين يتميزون بطابع فردي إلى حد كبير، أي الأفراد الأكثر برودا الذين يصعب أثارتهم. ووسيلة مثل الراديو تحتاج إلى صوت يتصف بخصائص متميزة عن غيره، ويمكن التعرف عليه مباشرة،أما التليفزيون فيفضل الأفراد الذين تكون (درجة وضوحهم ) منخفضة جداً بحيث يظهرون عاديين ولكن بشكل إيجابي.
على هذا الأساس نستطيع أن نفسر جميع الظواهر التي كانت في الماضي لا تخضع للفحص والدراسة - مثل نجاح الشخص غير العاطفي أو غير المثير أو غير الجذاب في التليفزيون - أي الشخصيات العادية.
ويقول ماكلوهان (( أن التليفزيون وسيلة باردة، ترفض الشخصيات والموضوعات الساخنة أكثر من الصحافة التي تعتبر وسيلة ساخنة فلو كان التليفزيون موجودا على نطاق واسع خلال حكم هتلر لساعد ذلك على اختفاء هتلر بسرعة )) !!
وعلينا أن نشير إلى أنه بينما يعتبر ماكلوهان على تأثير الوسيلة نفسها نافع ومفيد،إلا أن تأثيرات الرسالة نفسها متنوعة أكثر من الوسيلة نفسها.فالرسالة هي الرسالة والوسيلة هي الوسيلة وكل واحدة تؤثر على الأخرى بحيث لا يمكن فصل واحدة عن الأخرى فالأخبار في الرأي الا بعض هي الأخبار بصرف النظر عن الوسيلة التي تنقل بها الناس ولو أن درجة اكتساب المعلومات من التليفزيون اذا لم يتطابق النص مع الصورة، قد تقل كثيرا هناك دليل على أن الإدراك وجمع نقط الضوء على شاشة التليفزيون يحدث اختلافا في التأثير كما أن هناك حاجة إلى اعادة التفكير في موضوع الخيال الذي يحتاج إليه نوع ما من أنواع الاتصال وهو الأمر الذي لفت ماكلوهان أنظارنا إليه فهناك من يقول بأن قدر الخيال الذي تحتاج إليه ترجمة المطبوع إلى صور واقعية أكبر من ذلك الذي تتطلبه مشاهدة التليفزيون، كما أن هناك من يقول بأن غياب الصوت في الأفلام الصامتة يحتاج لخيال أكبر من الخيال الذي تحتاج إليه الأفلام الناطقة.
وتأكيد ماكلوهان على تأثير الوسيلة نفسها مفيد،كما أن إشارته إلى تأثير التوازن أو عدم التوازن بين نسب استخدام وسائل الحس تؤثر على أو تعيد بناء كل قيمنا ومؤسساتنا، وهذا له أهمية كثيرة وتأثير المطبوع ألسطري على منطق التفكير، يعتبر من الأمور الجديرة بالدراسة، ولكن وقع ماكلوهان الأساسي ينبع مما قاله عن التليفزيون، فكلاً من ماكلوهان وهارولد أنيس يعتبران أن نمو وتطور المطبوع إلى عصر التليفزيون الجديد، فهو يرى أن التليفزيون سوف يعيد التوازن الصحي للحواس، وسوف يجعل الفرد يهتم بأمور أخرى غير شؤونه الخاصة، كما سوف يعيد الأحاسيس القبلية إليه.
فماكلوهان يرى أن مد جهازنا العصبي تكنولوجيا، يغمسنا في حركة تجمع عالمية للمعلومات، وتمكن الإنسان من إدماج البشرية كلها داخله، وإن دور الإنسان المتعلم في العالم الحديث، وهو دور الإنسان الذي يبعد نفسه ويفصل نفسه عن الأمور المختلفة، سوف يتغير ويتحول إلى مساهمة شديدة بسبب الوسائل الإلكترونية التي ستجعلنا مرة أخرى نعود إلى الترابط، ولكن الطبيعة المباشرة لحركة المعلومات الالكترونية تقوم على اللامركزية، وبدلا من توسيع عائلة الإنسان تميل إلى بناء وجود قبلي متعدد، ويظهر هذا بشكل خاص في الدول المتقدمة، حيث يخلق الصراع بين الثقافة القديمة والبطيئة والمجزأة، والثقافة الالكترونية الجديدة أزمة في تحديد الشخصية، وفراغ في الذات، يسبب عنفاً شديداً، بحثاً عن شخصية خاصة أو عامة.
فالتليفزيون سوف يعود بالفرد مرة أخرى إلى التجارب الجماعية للثقافة الشفهية وسوف يشجع المساهمة بدلا من الانسحاب والعزلة، والعمل بدلا من الاقتصار على التفكير، والعلاقات السليمة بدلا من القومية المتطرفة، فهذه النظرة إلى المفيد للتليفزيون في الوقت الذي ينشغل فيه الناس في التحذير من تأثير التليفزيون المادي والعنيف تعتبر من المساهمات الأساسية التي قدمها ماكلوهان.


أرجو أن ينال البحث اعجاب ابنة خالك سلميلي عليها
واذا أرادت أن أكمل لها البحث فما عليك الا ان تقولي لي فقط

 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top