- إنضم
- 14 نوفمبر 2007
- المشاركات
- 1,738
- نقاط التفاعل
- 1
- النقاط
- 36
- اصدرت وحدة إسناد الطوارئ الفلسطينية- الهيئة الوطنية للتخفيف من أخطار الكوارث تقريرا لها تضمن كيفية مواجهة الهزة الارضية المتوقعة .
في الفترة من 19 إلى 24 تشرين الثاني 2007 تعرضت المنطقة إلى ثلاث هزات أرضية على الأقل، إحداها لم تكن ملحوظة، والأخريان أحدثتا الهلع والخوف بين صفوف المواطنين .
الأولى من الدرجة 4.5 في تمام الساعة 11:18 ظهراً بينما اكتظت الدوائر والمؤسسات والأسواق بالناس والثانية من الدرجة 4.1 بعد منتصف الليل بينما كان المعظم نياماً .ليست وحدها قوة الزلزال هي العامل المدمر وإنما هو عنصر المفاجأة في الحدث .
لو تتبعنا سلسلة الهزات الأرضية التي ضربت المنطقة عموماً وفلسطين تحديداً خلال المئة سنة الماضية لوجدنا معظمها من المستوى المتوسط والذي لم يحدث دماراً كبيراً كالدمار الذي أحدثته الهزة الأرضية الأكبر في 11/07/1927 بقوة 6.2 درجة.
ولعل أمثلةً حول الهزات الكبرى كتلك في 1927 وتلك التي حدثت في 2004 من الدرجة 5.1 على الرغم من كونها أقل قوة من الأخيرة في 1927 واستخلاصاً للعبر وسرداً لسيناريو الهزة مرة أخرى هو على قدر كبير من الأهمية من حيث أنه يسرد كافة التفاصيل ما قبل وخلال الحدث وما بعده. وفي هذا التحليل المختصر سوف أستند من حيث المعطيات إلى وقائع مدينة نابلس كعينة تعمم نتائجها على وجه العموم على مختلف التجمعات السكانية في فلسطين .
((البلدة القديمة في نابلس – زلزال عام 1927))
على مر القرون ، حدثت العديد من الهزات الأرضية في فلسطين ، ولكن أثرها كان متفاوتاً بسبب عوامل مختلفة إيجاباً وسلباً منها : موقع بؤرة الزلزال ، تكنولوجيا البناء والحالة الهندسية للمباني من حيث كونها عريضة القاعدة نسبةً للارتفاع ، التوزيع الديمغرافي ، الاستعداد والجاهزية للاستجابة البشرية للتعامل مع الحدث والسيرة الزلزالية للمنطقة وغيرها . لا يخفى بالطبع بأن العديد من الزلازل قد أحدثت دماراً واسعاً وخسائر بشرية فادحة . ولكن إذا نظرنا من ناحية منطقية للمقارنة ما بين أثر الهزات الأرضية الآن وأثرها في السابق لوجدنا أن هزة أرضية الآن بنفس شدة زلزال 1927 (والتي أوقعت حسب التوثيق المتوفر 300 قتيل و 1000 مبنى مدمر)ستؤدي إلى أضعاف ما سببه ذالك الزلزال من خسائر ، وذلك للتوسع العمراني والديمغرافي الهائل ونظراً لكون الشكل الهندسي للمباني أصبح متطاولاً " كالعمارات والأبراج " إضافةً إلى تقادم الأبنية القائمة أصلاً منذ فترة زمنية طويلة دون صيانة أو ترميم ، والسيرة الزلزالية الدراماتيكية للمنطقة بأكملها والتي تفضي إلى التحرك في صدع البحر الميت ، وفوق كل ذلك عدم التعاطي مع المعلومات والتوقعات بجدية كافية .
سيناريو زلزال 1927 – 2004 :
صبيحة يوم الإثنين 11/07/1927 تضرب المنطقة هزة أرضية من القدر 6.2 ، وفي تمام الساعة 10:15 من صباح يوم الأربعاء 11/02/2004 تضرب المنطقة هزة أرضية من القدر 5.1 درجة ، النتيجة : الهلع والرعب ينتشر بين سكان المدينة ، تنهار بعض الأبنية على من بداخلها في 1927 ، وتتصدع في 2004 بعض من الأبنية إلى درجة تستدعي هدمها من قبل البلدية كونها غير صالحة للسكن ، وفي كلتا الحالتين يدب الرعب الجماعي وتنتشر الفوضى .
الخمسة دقائق الأولى بعد توقيت الزلزال 2004 :
• خروج الآلاف من المواطنين والموظفين من المساكن والمؤسسات إلى الشوارع وحدوث تدافع أدى إلى إصابة العديد .
• الفوضى في الشارع أثرت سلباً على حركة السير ، فالشوارع مليئة بالمركبات المتوقفة مما أثر على جودة استعمال الشارع كممر لطواقم الإنقاذ والإسعاف .
• تعطل شبكة الاتصالات الخلوية بالكامل نظراً لعدم تمكنها من استيعاب ضغط حركة الاتصالات المفاجئة .
• غرف طوارئ مكتظة بإصابات متفاوتة ما بين الهلع والخوف وما بين إصابات جسدية طفيفة ومتوسطة ، مما أفضى إلى عدم تمكن الطواقم الطبية من تقديم العون بالشكل المطلوب وإرباك قدرة استجابة فرق الطوارئ للحدث .
• تجمع العديد من المواطنين وبدافع الفضول أسفل المباني المتصدعة لمشاهدة ما يجري مما عرضهم للخطر وأعاق عمل طواقم الهندسة والإخلاء والإنقاذ .
للحقيقة ، لم يكن عنصر الارتباك مسيطراً بشكل كامل ، فقد تصرف الكثيرون بمسؤولية وإدراك ، على الرغم من وقع الحدث وعامل المفاجأة وهلع المحيطين .
أما عن دور فرق الإنقاذ والإسعاف فقد كان على المستوى المطلوب ، إطفائية نابلس ، الهلال الأحمر ، الشرطة والدفاع المدني وغيرهم ، لم يغفل أحدهم لحظة واحدة عن أداء الواجب وإنقاذ الأرواح والممتلكات ، ويجدر الذكر هنا بأن خبرتنا الطويلة في التعامل مع الاجتياحات والعمليات العسكرية الإسرائيلية قد أكسبتنا قدراً كبيراً من الخبرة المتميزة في التعامل مع الكوارث والطوارئ . لكنني أجد نفسي أكثر أمانةً وصراحةً وحرصاً إن أبديت بعض التحفظ على نوعية الاستجابة ، من حيث نقص الكثير من المعرفة والإعداد لتجنب الفجوات والأخطاء السابقة ، ومن أهم ما يتوجب علينا تحقيقه وتفعيله على وجه العموم وكحد أدنى :
• العمل على توحيد خطة متكاملة للطوارئ تشمل كافة الجهات العاملة في هذا المجال .
• صيانة ومراجعة آليات الاتصال وتبادل المعلومات والخبرات ما بين جهات الطوارئ .
• تحديد وتنظيم مناطق إخلاء عامة وتعريف الجمهور بها ووضع اللافتات الدالة على أماكنها في الشوارع .
• تنظيم خطة ممنهجة وعلمية لنشر التوعية المتعلقة بكيفية التصرف أثناء وقوع الحدث ، من حيث تعريف الناس بأماكن الإخلاء العامة "والتي يتوجب توفيرها" ، وكيفية إخلاء المدارس والمنازل والأماكن المكتظة وكيفية اتباع التعليمات أثناء وقوع الحدث . ولا يخفى هنا دور وسائل الإعلام والمنتديات العامة .
• الالتزام بمعايير السلامة العامة والوقاية في المباني والمنشآت والأماكن العامة ، وسن القوانين التي تضمن ذلك . إضافة إلى تلافي العيوب في البنية التحتية ، حيث أتذكر بأن المطر لأكثر من 3 ساعات متواصلة في نابلس يستدعي رفع درجة التأهب والاستعداد لدى طواقم الإنقاذ في إطفائية نابلس لمجابهة الفيضانات حيث وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية أدت الفيضانات إلى وفاة بعض المواطنين وتخريب بعض المنازل وقطع حركة المواصلات والكهرباء .
• العمل على التزود بكافة الوسائل والمعدات اللازمة لمجابهة الكوارث ، وهذا بالطبع يستلزم رفع مستوى الاهتمام الحكومي بهذا الشأن من حيث رصد الموازنات لتوفير المعدات والتدريب اللازم .
• دور جهاز الشرطة هام جداً في حفظ النظام العام أثناء الحدث وحماية الممتلكات إضافةً إلى تسهيل إعادة النظام وبالأخص في الشوارع حيث أنها الشريان الحيوي الذي يسهل إيصال خدمة الإنقاذ والإسعاف إلى أي مكان .
• التركيز على تدريب طلاب المدارس والجامعات على كيفية التعامل وقت الأزمات وتشكيل فرق طوارئ داخلية .
• تحسين جودة ونوعية هيكلية إدارة الطوارئ ورفع مستواها إلى إدارة موحدة تشمل كافة الجهات وتتمتع بخطة استراتيجية مرنة وواضحة .
• إيجاد وتحقيق نظام اتصالات عملي وتقني مناسب وموحد يعمل بكفاءة وقت الآزمات ويجمع كافة الجهات من دفاع مدني وإسعاف وشرطة وغيرها ضمن حزمة اتصال موحدة . بالإضافة إلى استخدام تكنولوجيا التنبوء بالزلازل وتشغيل نظام رصد وإنذار مبكر .
• توثيق المعلومات الديمغرافية والمعلومات حول الأبنية والبنية التحتية ، وتفعيل دور المراكز والمؤسسات المختصة في هذا المجال كمركز علوم الأرض وهندسة الزلازل الذي لم يتوقف عن العمل الدؤوب للحظة من حيث رصد الزلازل والمشاركة في المؤتمرات وحشد وتطوير الطاقات والخبرات العلمية وجمع المعلومات حول الأبنية وإخراج الخرائط ذات الأهمية البالغة بالإضافة إلى الجامعات والبلديات ووزراة الصحة وغيرهم ، لتكون المعلومات في متناول جهات التخطيط وإدارة الطوارئ .
• الاستفادة من تجارب الآخرين في الدول التي جابهت كوارث مماثلة أو مختلفة .
إن ما سبق ذكره من أمور يمثل الحد الأدنى المطلوب للتعامل مع الطوارئ ، ولا يوجد من يتصف بالكمال إلا الله تعالى ، فلو نظرنا إلى العديد من الأمثلة من حولنا حتى في أكبر الدول كإعصار كاترينا الذي ضرب الولايات المتحدة ، لوجدنا أن أكبر فرق الطوارئ وأكثرها تنظيماً قد انهارت في وجه الكارثة ، طبعاً هذا لا يمثل حجةً للاختباء خلفها وتبرير الإهمال كما أن من يقرر نجاح وفشل المهمة ليس وحده التدريب ولا التجهيز وإنما نوعية رد فرق الطوارئ والناس معاً ، مقابل حجم ودرجة الكارثة . على العموم فإن مثل هذا المقال لا يكفي بالطبع للحديث عن الترتيبات المهنية لإدارة الطوارئ وإنما يستطلع الخطوط العامة التي يمكن من خلالها أن يدرك المواطن معنى العمل والتحضير المسبق .
ما هو المطلوب من المواطن ؟
إن الاستجابة للطوارئ حتى تلك البسيطة في حياتنا اليومية تقتضي التعود وليس فقط التعلم ، فالتعود على ما نتعلمه يولّد خبرة تلقائية على كيفية التصرف . ففي حياتنا اليومية ولنكون أكثر قابلية لمواجهة الكوارث وحتى أبسط درجات الطوارئ علينا اتباع ما يلي :
• حاول وبالترتيب مع أسرتك في المنزل وزملائك في العمل وضع خطة طوارئ لكيفية إخلاء المكان وقت الحدث أو حتى خارج المكان حتى يتصرف الجميع بشكل متناسق .
• تأكد من عدم تقييد مخارج المنزل بالعوائق والأشياء لتسهل عملية إخلائه حتى أثناء الظلام .
• من الأفضل وجود مصباح واحد على الأقل للإنارة التلقائية حال انقطاع التيار الكهربائي .
• تأكد من إغلاق اسطوانات الغاز داخل المنزل قبل الذهاب للنوم أو قبل مغادرة المنزل في الوضع الطبيعي .
• أثناء الحدث وإذا كنت واثقاً من كونك بعيداً عن الخروج من المكان بسلام ، حاول البقاء محتمياً تحت السرير أو الطاولة أو في زاوية ذات إسناد قوي لحمايتك من الركام المتساقط .
• إذا لم تستطع إخلاء المكان وحوصرت بين الركام ، تنفس بهدوء وبعمق ولا تحاول التحرك واستجمع قوّتك وكن متأكداً من أن فرق الإنقاذ ستصلك . حوال النداء بصوتٍ عالٍ على فترات دورية وتجنب الخلود إلى النوم .
• حاول أثناء الحدث وبعده التقليل قدر الإمكان من استخدام الجوال للمحافظة على شبكة الاتصالات فاعلة ، فغيرك – ومن الممكن أنت أيضاً – قد يحتاجون إلى الاتصال وطلب المساعدة .
• تذكر دائماً أرقام هواتف الإسعاف والطوارئ في مدينتك وحاول حفظها (حسب معرفتي فإن الاتصال بالأرقام 100 ، 101 و 102 بواسطة شبكات الجوال الإسرائيلية يوصلك فقط إلى أجهزة الإنقاذ الإسرائيلية وليس الفلسطينية) .
• إذا تمكنت من الاتصال بجهات الطوارئ حاول تقديم المعلومات الدقيقة والواضحة دون ارتباك أو عصبية .
• كن عوناً وسنداً لمن هم حولك من الناس ، فالدعم النفسي للمحيطين بك يخفف من شعورهم بالخوف والارتباك .
• ستكون أكثر فاعلية لو كنت على دراية على الأقل بمبادئ الإسعاف الأولي .
• توجه فوراً لدى إخلائك مكان تواجدك إلى منطقة الإخلاء والتجمع العامة القريبة منك واتبع تعليمات فرق الطوارئ . مع عدم العودة إلى المبنى فوراً بعد توقف الزلزال .
• الابتعاد عن الأماكن التي تعرضت للانهيار تجنباً للمخاطر وتسهيلاً لعمل فرق الطوارئ .
إن المزيد من تنسيق الجهود وتوحيد التخطيط ما بين فرق الطوارئ سيؤدي حتماً بالنهاية إلى الوصول إلى المجابهة المناسبة لمستوى الكارثة ، كما أن تحقيق ذلك يتطلب الكثير من الجهد ، فعلينا تنفيذ العديد من البرامج والمبادرات ودمج المستوى التنفيذي للجهات ذات العلاقة ضمن قاعدة واحدة أساسها وهدفها واحد ، على مختلف الأبعاد الإدارية . ولا أغفل هنا عن ذكر دور قيادة الدفاع المدني الفلسطيني على حرصها الدؤوب من أجل تحقيق ذلك ، لا سيما الزيارة الأخيرة لمؤسسات الدفاع المدني والطوارئ في تركيا والتي تندرج في هذا الإطار .
لن تنظر الهزة الأرضية القادمة إلى المدن والقرى والمخيمات ولا حتى للمستوطنات وغيرها ، كما لن تنتظر معرفة هوية من فوقها من القابعين على سطح الأرض ، بل ستخرج عن صمتها الطويل لتقول كلمتها ، وعندها – إن كان لدينا متّسع من الوقت – سنسأل أنفسنا : ماذا أعددنا ؟