عناصر العملية الاتصالية
رغم التطور الكبير الذي حدث في جميع مجالات الحياة وخاصة في وسائل الإعلام وتطور وسائل الإتصال بما يتناسب مع حركة التطور الشاملة التي تشهدها البشرية وخاصة في مجال الإعلام والإتصال الجماهيري لأهميته البالغة في حياة الأمم والشعوب الا انه يندر ان نحصل على تعريف علمي جامع ومستوف لعلم الإعلام ، فالإعلام مصطلح واسع مترامي الأطراف رغم انه يعتبر ولأهميته البالغة سلطة رابعة تضاف الى السلطات الرئيسية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية .
ومع ذلك يمكن ان نقترب خطوة على الطريق بالإعتماد على آراء عدد من الباحثين في هذا المجال فنقول ان علم الإعلام هو جانب من مجموعة فكرية ومؤسساتية واسعة تتمحور جهودها حول الإتصال والتواصل ، وهو المجال الأوسع لتبادل الآراء والخبرات والمعلومات والوقائع بين البشر (1)
وبهذا المفهوم فان الإتصال يكتسب أهمية بالغة باعتباره المنظومة التي يتحقق من خلالها الإعلام ليحقق أهدافه ومراميه وبمعنى آخر هو مجموعة الوسائل والطرق وألأساليب الإتصالية لتحقيق اهداف العملية الإعلامية بين البشر ونحاول في هذا البحث المختصر ان نتعرض لأهم أنواع الإتصال .
عناصر الإتصال الأساسية :
لا يمكن لأية عملية اتصال ان تؤدي هدفها المنشود بين البشر دون الإستناد على خمسة عناصر اساسية هي :
1/ المرسل- وهو الشخص او المؤسسة أو الشركة او الدائرة او المنظمة الحكومية أو الأهلية أو أي كيان آخر له هدف اتصالي يهدف من خلاله ايصال معلومة معينة او رسالة معينة تفيد باعث الرسالة
2/ الرسالة - - لابد ان تحتوي الرسالة على معلومة يحاول من خلالها باعث الرسالة ايصال هذه المعلومة او المعلومات لغرض انساني او تجاري أو خدمي أو أي غرض آخر ، يستطيع من خلالها المتلقي ان يكون وجهة نظر قد تجعله يتفاعل سلبا او ايجابا مع مضمون هذه الرسالة
3/ الوسيلة الإتصالية – لا يمكن لأية رسالة ان تصل الى الهدف وهو مستلم الرسالة بدون وجود وسيلة تصل من خلالها هذه الرسالة وهذه الوسيلة متعددة الأنواع فهناك الصحف والمجلات والدوريات والنشرات والأذاعة والتلفزيون وغيرها من الوسائل الأخرى
4/ المتلقي – وهو الهدف الأساسي من اجراء عملية الإتصال وهذا الهدف قد يكون فردا أو جماعة أو جماهير حاشدة والرسالة قد قد تعني هذه الجماهير مثل خطاب رئيس الجمهورية الذي يتوجه الى جميع ابناء الشعب بكافة طبقاته ومستوياته وفئاته او تعني مجموعة من الأفراد مثل توجيهات رئيس تحرير احدى الصحف للعاملين معه في الصحيفة وقد يكون المتلقي فردا مثل توجيه تنبيه الى احد العاملين في احدى الدوائر
5/ الغاية – لابد لكل رسالة من غاية وهدف مقصود يستهدفه باعث الرسالة وهذه الغاية قد تكون انسانية او أخلاقية او اعلانية او أي هدف آخر يستهدفه باعث الرسالة
أنواع الإتصال :
كان الإتصال من اقدم نشاطات الإنسان على الأرض ، والحقيقة اننا من المستحيل ان نتصور عالماً بلا اتصالات ولا يمكن ان نتصور الحالة التي يمكن ان تحياها الإنسانية لو لم تكن هناك عمليات اتصالية حيث كان الإتصال وما زال قاعدة أساسية رصينة للعلاقات بين الأفرا د والمجموعات الإنسانية كما انه كان عاملا أساسياً مهما في التحولات الثقافية والإجتماعية والسياسية ويكتسب الإتصال في هذا العصر خطورة أكبر بسبب سعة التحولات الهائلة التي التي تخطوها البشرية على طريق تطورها المتواصل في جميع مجالات الحياة وكلما اتسعت خطوات التغيير ازدادت الحاجة الى المعلومات والحقائق والأفكار التي تحتاجها البشرية لإنجاز تحولاتها في مرافق الحياة المختلفة (2)
لايتوقف الإتصال على شكل واحد بل ان هناك اشكالا متعددة من أنواع الإتصال نحاول ان نؤشر ابرزها واكثرها تأثيرا وهي :
1/ الإتصال ( باعتباره تواصلاً)سبق ان اشرنا الى ان تعريف مصطلح اتصال (communication ) أو كما يترجمه البعض ( تواصل ) ليس من الأمور الهينة حيث اختلف الباحثون في تعريفه وكلٌ ينطلق من خلفيته الثقافية والمعرفية ومجالات اهتمامه واجتهاداته الخاصة ولكي نقترب اكثر من مفهوم الإتصال لابد ان نعرف ان كل ما نتلقاه من منبهات عبر حواسنا الخمس يعتبر اتصالامن نوع ما وكل ما يدور في اذهاننا انما هو شكل من أشكال الإتصال ويتم الإتصال بين الفرد وذاته وبين الأفراد وهو ما ندعوه اتصالا بشرياً وقد يتم لإتصال بين البشر والكائنات الأخرى وبين البشر والآلات ( الأنسان والحاسوب مثلا )
2/ الإتصال الذاتي
يمكن ان نصف الإتصال الذاتي بانه ذلك الإتصال الذي يتم بين الفرد وذاته ، واذا كان جهاد النفس هو أصعب انواع الجهاد فذلك لأن هذا الجهاد يتطلب محاورة اتصالية بين الفرد وذاته ، بين الفرد وما يخزنه من معلومات ومعارف وقيم انسانية وأخلاقية ودينية واجتماعية وأعراف سماوية وأرضية تجعله في حوار داخلي مع ذاته ، وقد تدفعه هذه الوسيلة الإتصالية الى اعادة تقييم بعض المواقف والآراء التي قد يتخذ على ضوئها موقفا جديدا مغايرا ويعتبر هذا النوع من أنواع الإتصال من اصعبها لأنه يقوم بين الإنسان وذاته في مجتمع تصطرع فيه الرغبات والمصالح والأهداف والغايات بشكل عنيف لا يعرف المهادنة ، ولأنه أيضا قضية روحية خالصة يحاول من خلالها الفرد الوصول الى سلامه الداخلي من خلال ازالة الشوائب عن كينونته وما يعلق بها من شوائب يحاول تجاوزها ليصل الى السمو البشري
3/ الإتصال الخارجي:
يمكن تعريف الإتصال الخارجي بأنه ذلك الإتصال الذي يتم بين الفرد والبيئة المحيطة به ويعتمد هذا الإتصال على المنبهات التي تلقيها البيئة في وعي المتلقي فعادم السيارات وما يحدثه من اضرار هو نوعا ما رسالة اتصالية تخبر المتلقي باضراره وما ينتج عن هذه الأضرار من مخاطر قد تصل الى الموت اختناقا والبرق الذي يحدث في السماء في يوم غائم انما هو رسالة من نوع ما تخبر المتلقي باحتمال سقوط المطر ، وفي بعض الدول قد تهرب الضفادع من الأنهار الى الشوارع وتبين فيما بعد ان السبب وراء ذلك انها تستقبل انذارا بحدوث هزة ارضية او ماوالزال وهي ايضا رسالة من نوع ما بين كائن حيواني
وما يحصل في البيئة من تغيرات ويمكن القول ان هذا النوع من الإتصال هو الى حد ما اتصال ذاتي ولكن ليس مع الذات بل مع البيئة المحيطة بهذه الذات
وبطبيعة الحال فأننا نستثني الأفراد والمجموعات البشرية من هذا الإتصال لأنها
لاتقع ضمن نطاق هذا النوع من الإتصال فهو يندرج ضمن الإتصال الشخصي
4/ الإتصال الشخصي :
يمكن تعريف هذا النوع من الإتصال بأنه ذلك الإتصال الذي يتم بين الفرد والأشخاص الآخرين ، واذا كانت المنبهات في الإتصال الخارجي تنطلق من جانب واحد تتمثل في التأثيرات التي تعكسها البيئة في وعي المتلقي دون حدوث تفاعل مباشر بين الباث والمستقبل فان هذا النوع من الإتصال يسمح بتدفق المنبهات وتفاعلها بين الجانبين وينتج من هذا النوع من الإتصال تفاعل مباشر كما يحدث في الحوارات الشخصية المباشرة او بين الممثلين على المسرح وجمهور المسرحية أو في حوارات المؤتمرات والإجتماعات وغيرها ومن المؤكد ان تنمية مهارات الإتصال الشخصي وتفاعلها المتواصل لابد ان يؤدي في المحصلة النهائية الى نتائج ايجابية لطرفي المعادلة الإتصالية .
5/ الإتصال الجماهيري :
لو عدنا الى انواع الإتصال التي ذكرناها فإننا نجد انها جميعا ترتبط بطبيعة الحياة اليومية للإنسان وهو يواصل كفاحه على الأرض ويجابه العقبات والصعوبات من أجل تثبيت وجوده وتأكيد فعاليته البشرية والإتصال الجماهيري هو الذي ينقل عملية الإتصال الى مستوى أشمل وأعم وأكثر تأثيراً وهو الذي ينقلنا ايضا الى الجانب المهني من العملية الإتصالية .
يعتبر الإتصال الجماهيري من أكثر انواع الإتصال تشابكاً وتعقيدا لأنه في حقيقة الأمر يحتوي على الإتصال الذاتي والإتصال الخارجي والإتصال الشخصي بمعنى انه يجمع عدة أنواع من الإتصالات ويصهرها في نوع واحد ، كما انه يتجاوز قنواتنا الحسية التي تتمثل في الحواس الخمس الى مدى ابعد يتمثل في الأعداد الغفيرة من الجماهير الواسعة والقائم بالإتصال هنا ( الباث او المرسل ) قد يكون فرداً أو مجموعة أفراد أو مؤسسات أهلية أو حكومية أو شركات تجارية أو خدمية أو أي كيان آخر له مصلحة في ارسال رسالة اتصالية ويتم عبر هذا النوع من الإتصال استخدام أنواع عديدة من وسائل الإتصال مثل الأذاعة / التلفزيون/ الصحف / الدوريات/ النشرات/ الملصقات الجدارية / البوسترات/ الفولدرات / لافتات الأقمشة / اللافتات الحديثة / اللافتات الخشبية والحديدية على الطرقات الداخلية والخارجية وغيرها من وسائل الإتصال المتعددة ويأخذ هذا النوع من الإتصال في اعتباراته طبيعة الجمهور الذي يتوجه اليه وتوجهاته السايكولوجية بشكل عام ليحقق الهدف المنشود من الإتصال واضعا في حساباته ان الجمهور بشكل عام غير متجانس التركيب لأنه ينحدر من طبقات اجتماعية مختلفة وان معظم هذا الجمهور لا يعرف بعضه البعض الآخر وقد تفصل بين البعض والبعض الآخر مسافات ينبغي وضعها في الإعتبار لضمان وصول الرسالة الإتصالية الى ابعد مدى ممكن .
خاتمـــــة
نتوصل من خلال ما طرحناه في هذا البحث المختصر الى ان العملية الإتصالية بالغة الأهمية في عصرنا الراهن ليس في حياتنا اليومية فحسب حيث يتوجب علينا ان نتواصل مع ايقاعات العصر ومتغيراته بما يمكننا من اللحاق بركب الحضارة الإنسانية وانما هي بالغة الأهمية لأنها جزءٌ لا يتجزأُ من حركة الحياة على الأرض فالإتصال يدخل في كل شيء حتى مع الجمادات التي قد نتخيل استحالة وجود علاقات اتصالية معها والمحصله النهائية هي ان الإتصال جزءٌ لا يتجزأ ُ من الحياة ذاتها ، وبدون هذه العلاقات الإتصالية لا يمكن ان تستمر الحياة الا اذا عادت الى البدائية الأولى وحتى في هذه الحياة الهمجية سيشعر الإنسان المتوحش بحاجة الى علاقة اتصال تخفف عنه وحشة الحياة والرعب الذي يكتنفه مما يراه ولا يفهمه ولا يجد له تفسيرا ، وفي هذا العصر الذي يحفل بالجديد في كل يوم يكتسب الإتصال أهمية وخطورة أكبر لسعة المتغيرات وتنوعها في مرافق الحياة المختلفة ، وكما اننا لا يمكن ان نتصور عالما بلا ضوء فإننا لا يمكن ان نتصور عالما يخلو من الإتصال والتواصل