أبي.. صوت أجش يقول: لا"..
عبارة لأحد الكتاب العالميين وصف فيها والده، فهل يمكن أن يصفك ابنك بهذا الوصف يوما ما؟. إن المتأمل للعلاقة بين الآباء والأبناء، وممارسات هؤلاء الآباء على أبنائهم -حتى وإن لم يلتفت الوالدان إليها- سيجد أن محورها الأساسي هو "السلطة"، التي قد تخف حينا وتشتد حينا، ولكنها موجودة على الدوام، وصورها مختلفة ومتنوعة، حتى بدا الأمر كما لو أن (السُلطة) هي المفهوم الموازي (للتربية)؛ حيث يعتقد الكثيرون أن الأبناء لن يربيهم سوى التسلط ولا شيء سواه، وإلا فسينفلت الأولاد ولن نستطيع السيطرة عليهم.
أشكال للسلطة
وتجمع السُّلطة بين طياتها: الحزم، ووضع الأنظمة التي تتحكم في سلوك الأبناء، والعقاب، وغيرها من الممارسات التي يعتقد الوالدان أنها لمصلحة الأبناء، وأنهم هكذا يؤدون واجبهم كمربين.
الحقيقة أن تربية الأبناء مسئولية كبيرة جدا تحتاج منا إلى دراسة ووعي، ولكننا لن نمسك بكتب التربية ونستذكرها لندخل بهاامتحانات لنيل درجة النجاح وفقط، إننا سنبني نفوسا ما زالت طيعة في أيدينا، وسندلف بهاإلى الحياة ونتركها وحدها، تسير، وتقابل الغرباء، وتعمل، وتتزوج وتنجب أبناء أيضا، وهو ما يستحق منا أن نُشمر أيدينا ونلتفت إليها بحق؟!.
كم مرة يقف الأبوان بحزم أمام أخطاء أبنائهم، فيقومون بعقابهم عقابا يتراوح ما بين "كلمتين" بغضب، أو منع من اللعب أو الخروج أو المصروف، أو مشاهدة التلفاز، وقد يتطور الأمر إلى الإيذاء البدني، ومن أشكال السلطة أيضا التحكم في احتياجات الأبناء، سواء كان هذا التحكم في الطعام أو الملبس أو الأصدقاء أو أوقات المذاكرة والراحة والنوم.. حتى تتحول حياة الأبناء إلى سلسلة لا تنتهي من التحكمات غير المفهومة أو المُبررة، والتي قد تصور للبعض منهم أن الوالدين لا يفعلان شيئا سوى الانتقام منهم لأنهم جاءوا إلى تلك الحياة!.
سُلطة الحب
نعم.. سُلطة الحب، على الرغم من غرابة المُضاف والمُضاف إليه، واجتماعهما معا (السلطة والحب) إلا أننا سنفسر معنى سلطة الحب التي بهانستطيع أن نربي أبناءنا ليكبروا في أحضان حنونة، تأخذ بأيديهم بوعي وفهم لاحتياجاتهم، وفي نفس الوقت تستطيع أن تحد من اتساع هوة البُعد بين الطرفين.. الوالدين والأبناء.
ببساطة شديدة، ألم يحدث أن تغير إحساس البعض منا في وقت من الأوقات بمادة دراسية ما لأن المدرس الجديد الذي شرحها له كان يحبه؟ ماذا فعل حبه وارتياحه للمدرس في طريقة تلقيه لتلك المادة؟ ما حدث هو أنه استخدم رد فعل الحب في تلقي المادة الدراسية، فاستقبلها بطريقة مُحبة فأصبحت سهلة ميسورة الفهم!.
هذا بالضبط ما تفعله سُلطة الحب على أبنائنا، فحينما نُصدّر لأبنائنا دوما أن الحب -من غير افتعال- هو ما يجعلنا نهتم بهم -لا أن نضع القوانين الصارمة وغير العملية في بعض الأوقات أمامهم كحائط يصدمون رؤوسهم فيه- سيكبر الأبناء وهم مؤمنون بأن الوالدين يحبانهم، وهو الأساس الأول الذي سنبني عليه كل ما سيأتي بعد ذلك، وبسُلطة الحب سنضع أيضا قوانين للتربية، ولكنها لن تكون سلطوية وجافة، وسنعوّد الطفل منذ الصغر أن مجرد الصمت وعدم الكلام معه؛ لأنه أخطأ في حد ذاته عقاب، وهو ما سيحرص على عدم حدوثه لأنه يحب، ولأن الحب أذاقه طعم الود والألفة، وهو ما سيفتقده حين يخطئ، حين يشعر الطفل بحب أبويه، سيحبهم هو أيضا، وسيفعل ما يجعلهما لا يغضبان منه؛ فكم من الأبناء يفعلون ما يُرضي الأبوين حتى لا يغضبا؟ وكم من الأبناء يعارضون الأبوين لأنهم لا يشعرون بأنهما يحبانهم؟.
السُّلطة.. والحرية
مع الحب ستكون للطفل مساحة حرية يتحرك من خلالها، وسيعرف الأبوان متى يمكن أن يكونا مَرِنَيْنِ ويسمحا بتأجيل المذاكرة مثلا لنصف ساعة يعود بعدها الطفل لمذاكرته، وأن تكون نصف الساعة تلك ليست وقتًا تظل فيه الأم ترغي وتزبد في غيظها من الأبناء وأفعالهم، وتتحدث عن منحها الطفل وقتا يضيع هباء، وهو ما يُفرغ المرونة من هدفها، وهو توصيل فكرة مهمة جدا للطفل وهي: أنني كأم أحبك وأحب أن تكون سعيدًا، وما دمت ستعمل بجد بعد نصف الساعة تلك، إذن لتستمتع بهاوأستمتع بهامعك، وهنا تُحرك سُلطة الحب الطرفين.
يجب أن نمارس سُلطة الحب هذه مع أطفالنا منذ صغرهم؛ حتى يتعودوا على أسلوب التعامل معهم من خلالها، وهي تحتاج بالطبع إلى اهتمام حقيقي ووعي يجعلنا نعرف ونحدد متى نسمح بتجاوز القرارات ومتى لا نتهاون فيها.. بحب لا بسلطوية.
ومع سُلطة الحب لا يمكن أن ننجح إلا إذا شاركنا طفلنا في اتخاذ بعض القرارات من حين لآخر، حتى يتذوق الطفل الطعم الحقيقي لكيانه ككائن يُحترم ويشارك في اتخاذ القرارات.
وهنا كخيط دقيق يفصل ما بين إحساس الطفل بأن ما يحدده الأبوان كقوانين وقرارات جامدة ليس لها هدف سوى إزعاج الطفل، وبين أن تكون تلك القرارات هي اختيار الأبوين الذي يهدف إلى صالح الطفل، وهو ما تفعله سُلطة الحب.
وإذا استطاع الأبوان نيل تلك المنحة المتمثلة في سُلطة الحب سيعرف الطفل أنه حتى عند غضب الأبوين فهما لا يغضبان إلا لأنهما يُحبان، لا ليستخدما فقط سلطتهما الأبوية، إذن.. فلماذا لا نُجرب سُلطة الحب على أبنائنا؟
عبارة لأحد الكتاب العالميين وصف فيها والده، فهل يمكن أن يصفك ابنك بهذا الوصف يوما ما؟. إن المتأمل للعلاقة بين الآباء والأبناء، وممارسات هؤلاء الآباء على أبنائهم -حتى وإن لم يلتفت الوالدان إليها- سيجد أن محورها الأساسي هو "السلطة"، التي قد تخف حينا وتشتد حينا، ولكنها موجودة على الدوام، وصورها مختلفة ومتنوعة، حتى بدا الأمر كما لو أن (السُلطة) هي المفهوم الموازي (للتربية)؛ حيث يعتقد الكثيرون أن الأبناء لن يربيهم سوى التسلط ولا شيء سواه، وإلا فسينفلت الأولاد ولن نستطيع السيطرة عليهم.
أشكال للسلطة
وتجمع السُّلطة بين طياتها: الحزم، ووضع الأنظمة التي تتحكم في سلوك الأبناء، والعقاب، وغيرها من الممارسات التي يعتقد الوالدان أنها لمصلحة الأبناء، وأنهم هكذا يؤدون واجبهم كمربين.
الحقيقة أن تربية الأبناء مسئولية كبيرة جدا تحتاج منا إلى دراسة ووعي، ولكننا لن نمسك بكتب التربية ونستذكرها لندخل بهاامتحانات لنيل درجة النجاح وفقط، إننا سنبني نفوسا ما زالت طيعة في أيدينا، وسندلف بهاإلى الحياة ونتركها وحدها، تسير، وتقابل الغرباء، وتعمل، وتتزوج وتنجب أبناء أيضا، وهو ما يستحق منا أن نُشمر أيدينا ونلتفت إليها بحق؟!.
كم مرة يقف الأبوان بحزم أمام أخطاء أبنائهم، فيقومون بعقابهم عقابا يتراوح ما بين "كلمتين" بغضب، أو منع من اللعب أو الخروج أو المصروف، أو مشاهدة التلفاز، وقد يتطور الأمر إلى الإيذاء البدني، ومن أشكال السلطة أيضا التحكم في احتياجات الأبناء، سواء كان هذا التحكم في الطعام أو الملبس أو الأصدقاء أو أوقات المذاكرة والراحة والنوم.. حتى تتحول حياة الأبناء إلى سلسلة لا تنتهي من التحكمات غير المفهومة أو المُبررة، والتي قد تصور للبعض منهم أن الوالدين لا يفعلان شيئا سوى الانتقام منهم لأنهم جاءوا إلى تلك الحياة!.
سُلطة الحب
نعم.. سُلطة الحب، على الرغم من غرابة المُضاف والمُضاف إليه، واجتماعهما معا (السلطة والحب) إلا أننا سنفسر معنى سلطة الحب التي بهانستطيع أن نربي أبناءنا ليكبروا في أحضان حنونة، تأخذ بأيديهم بوعي وفهم لاحتياجاتهم، وفي نفس الوقت تستطيع أن تحد من اتساع هوة البُعد بين الطرفين.. الوالدين والأبناء.
ببساطة شديدة، ألم يحدث أن تغير إحساس البعض منا في وقت من الأوقات بمادة دراسية ما لأن المدرس الجديد الذي شرحها له كان يحبه؟ ماذا فعل حبه وارتياحه للمدرس في طريقة تلقيه لتلك المادة؟ ما حدث هو أنه استخدم رد فعل الحب في تلقي المادة الدراسية، فاستقبلها بطريقة مُحبة فأصبحت سهلة ميسورة الفهم!.
هذا بالضبط ما تفعله سُلطة الحب على أبنائنا، فحينما نُصدّر لأبنائنا دوما أن الحب -من غير افتعال- هو ما يجعلنا نهتم بهم -لا أن نضع القوانين الصارمة وغير العملية في بعض الأوقات أمامهم كحائط يصدمون رؤوسهم فيه- سيكبر الأبناء وهم مؤمنون بأن الوالدين يحبانهم، وهو الأساس الأول الذي سنبني عليه كل ما سيأتي بعد ذلك، وبسُلطة الحب سنضع أيضا قوانين للتربية، ولكنها لن تكون سلطوية وجافة، وسنعوّد الطفل منذ الصغر أن مجرد الصمت وعدم الكلام معه؛ لأنه أخطأ في حد ذاته عقاب، وهو ما سيحرص على عدم حدوثه لأنه يحب، ولأن الحب أذاقه طعم الود والألفة، وهو ما سيفتقده حين يخطئ، حين يشعر الطفل بحب أبويه، سيحبهم هو أيضا، وسيفعل ما يجعلهما لا يغضبان منه؛ فكم من الأبناء يفعلون ما يُرضي الأبوين حتى لا يغضبا؟ وكم من الأبناء يعارضون الأبوين لأنهم لا يشعرون بأنهما يحبانهم؟.
السُّلطة.. والحرية
مع الحب ستكون للطفل مساحة حرية يتحرك من خلالها، وسيعرف الأبوان متى يمكن أن يكونا مَرِنَيْنِ ويسمحا بتأجيل المذاكرة مثلا لنصف ساعة يعود بعدها الطفل لمذاكرته، وأن تكون نصف الساعة تلك ليست وقتًا تظل فيه الأم ترغي وتزبد في غيظها من الأبناء وأفعالهم، وتتحدث عن منحها الطفل وقتا يضيع هباء، وهو ما يُفرغ المرونة من هدفها، وهو توصيل فكرة مهمة جدا للطفل وهي: أنني كأم أحبك وأحب أن تكون سعيدًا، وما دمت ستعمل بجد بعد نصف الساعة تلك، إذن لتستمتع بهاوأستمتع بهامعك، وهنا تُحرك سُلطة الحب الطرفين.
يجب أن نمارس سُلطة الحب هذه مع أطفالنا منذ صغرهم؛ حتى يتعودوا على أسلوب التعامل معهم من خلالها، وهي تحتاج بالطبع إلى اهتمام حقيقي ووعي يجعلنا نعرف ونحدد متى نسمح بتجاوز القرارات ومتى لا نتهاون فيها.. بحب لا بسلطوية.
ومع سُلطة الحب لا يمكن أن ننجح إلا إذا شاركنا طفلنا في اتخاذ بعض القرارات من حين لآخر، حتى يتذوق الطفل الطعم الحقيقي لكيانه ككائن يُحترم ويشارك في اتخاذ القرارات.
وهنا كخيط دقيق يفصل ما بين إحساس الطفل بأن ما يحدده الأبوان كقوانين وقرارات جامدة ليس لها هدف سوى إزعاج الطفل، وبين أن تكون تلك القرارات هي اختيار الأبوين الذي يهدف إلى صالح الطفل، وهو ما تفعله سُلطة الحب.
وإذا استطاع الأبوان نيل تلك المنحة المتمثلة في سُلطة الحب سيعرف الطفل أنه حتى عند غضب الأبوين فهما لا يغضبان إلا لأنهما يُحبان، لا ليستخدما فقط سلطتهما الأبوية، إذن.. فلماذا لا نُجرب سُلطة الحب على أبنائنا؟