حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا عبد الله بن داود سمعت عاصم بن رجاء بن حيوة يحدث عن داود بن جميل عن كثير بن قيس قال : كنت جالسا مع أبى الدرداء فى مسجد دمشق فجاءه رجل فقال يا أبا الدرداء إنى جئتك من مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لحديث بلغنى أنك تحدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما جئت لحاجة. قال فإنى سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : {من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من فى السموات ومن فى الأرض والحيتان فى جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر }1.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِى الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِى جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَإنما ورَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ }2. 1-أخرجه أبو داود في سننه (3/317رقم3641) ، والترمذي في سننه (5/48رقم2682) وصححه العلامة الألباني. 2-رواه ابو داود والترمذي وابن ماجه وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع
عنْ أبي سعِيدٍ سَعْد بْنِ مالك بْنِ سِنانٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَن نَبِيَّ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَال : « كان فِيمنْ كَانَ
قَبْلكُمْ رَجُلٌ قتل تِسْعةً وتِسْعين نفْساً ، فسأَل عن أَعلَم أَهْلِ الأَرْضِ فدُلَّ على راهِبٍ ، فَأَتَاهُ فقال : إِنَّهُ قَتَل تِسعةً
وتسعِينَ نَفْساً ، فَهلْ لَهُ مِنْ توْبَةٍ ؟ فقال : لا فقتلَهُ فكمَّلَ بِهِ مِائةً ثمَّ سألَ عن أعلم أهلِ الأرضِ ، فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ
فقال: إنهَ قَتل مائةَ نفسٍ فهلْ لَهُ مِنْ تَوْبةٍ ؟ فقالَ: نَعَمْ ومنْ يحُولُ بيْنَهُ وبيْنَ التوْبة ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كذا وكذا ، فإِنَّ بها أُ
نَاساً يعْبُدُونَ الله تعالى فاعْبُدِ الله مَعْهُمْ ، ولا تَرْجعْ إِلى أَرْضِكَ فإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ ، فانطَلَق حتَّى إِذا نَصَف الطَّريقُ أَتَاهُ
قبسات و تساؤلات عن كلام الرسول محمد صلى الله عليه و سلم
ما هي معاني هذه المفردات في الحديث؟
سلك: سار.
يبتغي: يطلب.
تضع أجنحتها:
1-أن الملائكة تتواضع لطالب العلم
2- أو تعظم طالب العلم.
3- تحمله عليها فتعينه على بلوغ قصده.
4- أنها تبسط أجنحتها بالدعاء لطالب العلم.
5- أنها تكف عن الطيران وتجلس في مجالس وحلق العلم والذكر تنزل بالرحمة عليهم بحظ
وافر: كامل.
ما هي أهم موضوعات هذا الحديث؟
1- بيان جزاء طالب العلم.
2- بيان فضل طالب العلم.
3- بيان أن العالم يتقدم على العابد.
4- بيان أن العلماء هم ورثة الأنبياء.
5- بيان أن العلم فيه الخير كله.
1- ما هو جزاء طالب العلم؟
الجنة أو الوصول به إلى الجنة.
أن من يسلك طريق العلم ويحضر حلق العلماء فإنه يسلك بابا من أبواب الجنة، ويسلك طريقا من الطرق التي تلج به في النهاية إلى جنات النعيم بإذن الله تعالى.
كيف ذلك؟
إما بالعلم بحقيقة وجود الله و كيفية عبادته أو أن يوقفه إلى الأعمال الصالحة الموصلة إليها بواسطته.و لهذا نجد الإسلام يحث عليه و يرغب فيه و في مجالسة العلماء و الأخذ منهم.
ما هو العلم أو العلماء الذين يتحدث عنهم الحديث؟
والمقصود بالعالم والمتعلم والعلماء الجامعون بين العلم النافع والعمل به .فالعالم هو الذي يخشى الله بعلمه وفي عمله وقوله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور.
2- ما هو فضل طالب العلم أو العالم في الحديث؟
1) دخول الجنة.
2) تنزل الملائكة بالرحمة و حضور مجالسه.
3) استغفار الخلائق له.
4) أن يرث الأنبياء و مهمتهم.
كيف يدل قوله صلى الله عليه وسلم: وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع على فضل طلب العلم؟
إذا كان ينافس في دعاء الرجل الصالح أو من يُظن صلاحه فكيف بدعاء الملائكة
ما الذي يحمل الحيتان أن تدعوا لمعلم الناس الخير؟
قالوا: لأن العالم هو الذي يعلم الناس الإحسان إلى الحيوان، ويعلم الناس ما يحل منها وما يحرم.
وقوله صلى الله عليه و سلم: >>فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب؟
في الحديث تشبيه مطابق لحال القمر والكوكب: فالقمر يضيء الآفاق للعالَم وكذلك العالِم، والكوكب يضيء لنفسه وإن تجاوز فإنه يتجاوز غير بعيد وكذلك العابد الذي عبادته تنفعه في نفسه وتنفع الناس المحيطين به.
2- في هذا الحديث تشبيه للعالم والعابد بالقمر والكوكب ومعناه أيضا تشبيه للجاهل بالليل في ظلمته.
3- لماذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم العالم بالقمر ولم يشبهه بالشمس مع أن نور الشمس أقوى؟
والسبب يعود لأمرين:
أ- أن نور العالم مُستفاد من غيره، القمر يستفيد ضوءه من الشمس فكذلك العالم يستفيد علمه من النبي صلى الله عليه وسلم.
ب- أن الشمس لا يلحقها اختلاف من أول الشهر إلى آخره، لكن القمر يلحقه اختلاف فتارة يكون بدرا، وتارة يكون هلالا، وتارة يزيد وتارة ينقص،
وكذلك العلماء فمنهم من هو في علمه كالبدر في تمامه، ومنهم من هو أقل من ذلك بليلة، وبليلتين وهكذا.
لماذا كان تقديم العالم على العابد في الفضل و المنزلة؟
لان العالم يفيد نفسه و غيره فيؤدي العبادة عن اقتناع و على أحسن وجه كما انه يفيد غيره في ما يحتاجون إليه من أنواع العلوم أما العابد عبادته تنفعه في نفسه وتنفع الناس المحيطين به فقط.
قوله صلى الله عليه وسلم:[ وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ].
فإذا كان الأنبياء هم خيرة خلق الله تعالى، فكذلك ورثتهم هم خيرة العباد بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. فالعلماء هم قادة الأمة نحو الطريق المستقيم وهذا هو الميراث الحقيقي.
ولهذا يقال أن أعرابيا دخل في حلقة ابن مسعود -رضي الله عنه-، فرأى الناس قد تحلقوا على ابن مسعود -رضي الله عنه-، فقال لابن مسعود: ماذا يريد هؤلاء؟ على ما اجتمع هؤلاء؟، قال: اجتمعوا على ميراث محمد صلى الله عليه وسلم.
ما هي الفوائد والإرشادات التي يمكن استخلاصها؟
- الترغيب في طلب العلم ومجالسة أصحابه .
- العلم عند المسلمين عبادة و طلب العلم فريضة على الذكر والأنثى وأول كلمة نزلت في القرآن (اقرأ)
- للعلماء في الإسلام مكانة عالية دل عليها الكتاب والسنة.
- وفيه الأمر بطاعة العلماء والتحذير من الإساءة إليهم.
- الدعوة إلى الحفاظ على ميراث النبي صلى الله عليه وسلم بالعلم.
نكت لطيفة و لطائف فريدة من كلام الإمام ابن القيم رحمه الله .. ۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞ بالنسبة للحديـــــــــــث الأول .... ߷߷߷߷߷߷ {{ وقوله : ⚝وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب⚝: تشبيه مطابق لحال القمر والكواكب فان القمر يضيء الآفاق ويمتد نوره في أقطار العالم ،وهذه حال العالم . وأما الكوكب فنوره لا يجاوز نفسه أو ما قرب منه، وهذه حال العابد الذي يضيء نور عبادته عليه دون غيره وان جاوز نور عبادته غيره فإنما يجاوزه غير بعيد كما يجاوز ضوء الكوكب له مجاوزة يسيرة . ومن هذا الأثر المروي : ⚝إذا كان يوم القيامة يقول الله للعابد ادخل الجنة فإنما كانت منفعتك لنفسك ويقال للعالم اشفع تشفع فإنما كانت منفعتك للناس⚝ . وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : إذا كان يوم القيامة يؤتى بالعابد والفقيه فيقال للعابد ادخل الجنة ويقال للفقيه اشفع تشفع . وفي التشبيه المذكور لطيفه أخرى: وهو أن الجهل كالليل في ظلمته وجنسه ، والعلماء والعباد بمنزلة القمر والكواكب الطالعة في تلك الظلمة ، وفضل نور العالم فيها على نور العابد كفضل نور القمر على الكواكب. وأيضا : فالدين قوامه وزينته وإضاءته بعلمائه وعباده ..!! فإذا ذهب علماؤه وعباده ذهب الدين ،كما أن السماء إضاءتها وزينتها بقمرها وكواكبها ..!! فإذا خسف قمرها وانتشرت كواكبها أتاها ما توعد وفضل علماء الدين على العباد كفضل ما بين القمر والكواكب... فإن قيل: كيف وقع تشبيه العالم بالقمر دون الشمس؟ وهي أعظم نورا ..!! قيل: فيه فائدتان : إحداهما : - أن نور القمر لما كان مستفادا من غيره ..!! كان تشبيه العالم الذي نوره مستفاد من شمس الرسالة بالقمر أولى من تشبيهه بالشمس . الثانية : - أن الشمس لا يختلف حالها في نورها ولا يلحقها محاق ولا تفاوت في الإضاءة ..!! وأما القمر فإنه يقل نوره ويكثر ويمتلئ وينقص . كما أن العلماء في العلم على مراتبهم من كثرته وقلته .. فيفضل كل منهم في علمه بحسب كثرته وقلته وظهوره وخفائه ..!! كما يكون القمر كذلك فعالم كالبدر ليلة تمه وآخر دونه بليلة وثانية وثالثة وما بعدها إلى آخر مراتبه وهم درجات عند الله. فإن قيل : تشبيه العلماء بالنجوم أمر معلوم كقوله صلى الله عليه وسلم : أصحابي كالنجوم ولهذا هي في تعبير الرؤيا عبارة عن العلماء فكيف وقع تشبيههم هنا بالقمر ؟؟ ..!! قيل : أما تشبيه العلماء بالنجوم : فإن النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وكذلك العلماء ..!! والنجوم زينة للسماء فكذلك العلماء ..!! زينة للأرض ..!! وهي رجوم للشياطين حائلة بينهم وبين استراق السمع لئلا يلبسوا بما يسترقونه من الوحي الوارد إلى الرسل من الله على أيدي ملائكته وكذلك العلماء ..!! رجوم لشياطين الإنس والجن ..!! الذي يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ،فالعلماء رجوم لهذا الصنف من الشياطين ..!! ولولاهم لطمست معالم الدين بتلبيس المضلين ..ولكن الله سبحانه اقامهم حراسا وحفظه لدينه ورجوما لأعدائه وأعداء رسله ....!! فهذا وجه تشبيههم بالنجوم . وأما تشبههم بالقمر فذلك كان في مقام تفضيلهم على أهل العبادة المجردة وموازنة ما بينهما من الفضل والمعنى أنهم يفضلون العباد الذين ليسوا بعلماء كما يفضل القمر سائر الكواكب فكل من التشبيهين لائق بموضعه والحمد لله }}}. "مفتاح دار السعادة "[1/66]⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝ ⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝ ⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝ ⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝⚝ بالنسبة للحديـــــــــــث الثاني .... قال رحمه الله تعالى : {{ الطريق التى يسلكها إلى الجنة جزاءٌ على سلوكه فى الدنيا طريقَ العلم الموصلةَ إلى رضا ربه. ووضعُ الملائكة أجنحتها له تواضعًا، وتوقيرًا ، وإكرامًا لما يحملُه من ميراث النبوة ويطلبُه، وهو يدل على المحبة والتعظيم. فمن محبة الملائكة له وتعظيمه تضعُ أجنحتها له ! لأنه طالبٌ لما به حياةُ العالَم ونجاته، ففيه شبهُ من الملائكة ، وبينه وبينهم تناسب، فإن الملائكة أنصحُ خلق الله وأنفعُهم لبنى آدم ، وعلى أيديهم حَصَلَ لهم كلُ سعادة وعلم وهدى، ومِنْ نفعهم لبنى آدم ونصحهم أنهم يستغفرون لمسيئهم، وُيثنون على مؤمنيهم، ويعينونهم على أعدائهم من الشياطين، ويحرصون على مصالح العبد أضعافَ حرصه على مصلحة نفسه، بل يريدون له من خير الدنيا والآخرة ما لا يريد العبدُ ولا يخطِر له ببال. كما قال بعض التابعين : وجدنا الملائكة أنصحَ خلقِ الله لعباده، ووجدنا الشياطينَ أَغَشَّ الخلقِ للعباد. قال تعالى :﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا وأدخلهم جنات عدن التى وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم. وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم ﴾ فأى نصح للعباد مثل هذا إلا نُصحُ الأنبياء ....!! فإذا طلب العبدُ العلمَ فقد سعى فى أعظم ما ينصحُ به عبادَ الله ، فلذلك تحبه الملائكة وتعظمه، حتى تضع أجنحتها له رضًا ومحبة وتعظيمًا..!! وقوله صلى الله عليه وسلم : {{ إن العالم ليستغفرُ له من فى السموات ومن فى الأرض حتى الحيتانُ فى الماء}}، فإنه لما كان العالم سببا فى حصول العلم الذى به نجاةُ النفوس من أنواع المهلكات، وكان سعيه مقصورًا على هذا، وكانت نجاة العباد على يديه، جُوزى من جنس عمله، وجُعل مَنْ فى السموات والأرض ساعيًا فى نجاته من أسباب المهلكات، باستغفارهم له". وإذا كانت الملائكة تستغفر للمؤمنين ، فكيف لا تستغفر لخاصتهم وخلاصتهم. والعلم يجلو العمى عن قلب صاحبه ⚝⚝⚝⚝ ⚝⚝⚝⚝ كما يجلو سواءَ الظلمةِ القمـرُ وليس ذو العلم بالتقـوى كجاهلهـا ⚝⚝⚝⚝ ⚝⚝⚝⚝ ولا البصيرُ كأعمى ما له بَصَرُ وقوله صلى الله عليه وسلم "إن العلماء ورثة الأنبياء". هذا من أعظم المناقب لأهل العلم، فإن الأنبياء خيرُ خلق الله، فورثتُهم خيرُ الخلق بعدهم، ولمَّا كان كل موروث ينتقل ميراثه إلى ورثته ـ لم يكن بعد الرسل من يقوم مقامهم فى تبليغ ما أُرسلوا به إلا العلماء، كانوا أحق الناس بميراثهم. وفى هذا تنبيه على أنهم أقرب الناس إليه، فإن الميراث يكون لأقرب الناس إلى الموروث، وهذا كما أنه ثابت فى ميراث الدينار والدرهم، فكذلك هو فى ميراث النبوة، والله يختص برحمته من يشاء. وفيه أيضًا إرشادٌ وأمرٌ للأمة بطاعتهم، واحترامهم، وتعزيرهم، وتوقيرهم، وإجلالهم، فإنهم ورثةُ مَنْ هذه بعضُ حقوقهم على الأمة، وخلفاؤهم فيهم. وفيه تنبيه على أن محبتهم من الدِّين، وبُغضهم منافٍ للدين، كما هو ثابت لموروثهم. قال على رضى الله عنه : محبة العلماء دِينٌ يُدانُ اللهُ به وقال الشاعر: ولولا العلم ما سعدت نفوسٌ ⚝⚝⚝⚝ ولا عُرف الحلالُ من الحرامِ وقوله صلى الله عليه وسلم "إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهما وإنما ورثوا العلم" فهذا من كمال الأنبياء وعِظَمِ نصحهم للأمم، وتمام نعمة الله عليهم، وعلى أممهم أن أزاح جميع العلل، وقسَم جميع المواد التى توهم بعض النفوس أن الأنبياء من جنس الملوك الذين يريدون الدنيا ومُلكها، فحماهم الله سبحانه وتعالى من ذلك أتم الحماية. ثم قال صلى الله عليه وسلم : "فمن أخذه أخذ بحظ وافر" أعظم الحظوظ وأجداها ما نفع العبدَ ودام نفعُه له ، وليس هذا إلا حظه من العلم والدين، فهو الحظ الدائم النافع الذى إذا انقطعت الحظوظ لأربابها فهو موصول له أبد الآبدين، وذلك لأنه موصول بالحى الذى لا يموت ، فلذلك لا ينقطع ولا يفوت، وسائر الحظوظ تُعدم وتتلاشى متعلقاتها . كما قال تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا) فإن الغاية لما كانت منقطعة زائلة تبعتها أعمالهم، فانقطعت عنهم أحوج ما يكون العامل إلى عمله، وهذه هى المصيبة التى لا تُجْبَرُ عياذًا بالله، واستعانة به وافتقارًا ، وتوكلاً عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فلنجتهد إذًا ـ إخوتى وأخواتى ـ فى تحصيل العلم النافع الذى به حياة القلوبومن ثَمْ فَلْنُنَقِّ قلوبنا ونطيبها للعلم حتى تظهر بركته وينمو،كالأرض إذا طيبت للزرع نما زرعها وزكا... قال أحد العلماء: حرام على قلب أن يدخله النور وفيه شئ مما يكره اللهُ عز وجل، والقلب المظلم المشحون بالذنوب لا يستطيع استقبال الملائكة، ولا يبقى فيه مكان للعلم الذى هو نور يصدقه الله فى قلب من أراد من عباده الصالحين. قال الشافعى: شكوت إلى وكيع سوء حفظى ⚝⚝⚝⚝ فأرشدنى إلى ترك المعاصى وأخبرنى بـأن العلـم نـور ⚝⚝⚝⚝ ونـور الله لا يهدى لعاصى جعلنا الله وإياكم من أهل طاعته ومحبته ، وهدانا للتى هى أقوم، العلمُ ميراثُ النَّبيِّ كذا أتى ⚝⚝⚝⚝ ⚝⚝⚝⚝ بالنَّص والعلماءُ هُم ورَّاثـــــه ما خلَّف المختار غيرَ حديثه ⚝⚝⚝⚝ ⚝⚝⚝⚝ فينا فذاك مَتاعه وأثاثـــــــــه لي عودة ...................يتبع بإذن الله
فالعجب كل العجب في بيان الفضل للعلم و اهله هذا الحديث
عنْ أبي سعِيدٍ سَعْد بْنِ مالك بْنِ سِنانٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَن نَبِيَّ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَال : « كان فِيمنْ كَانَ قَبْلكُمْ رَجُلٌ قتل تِسْعةً وتِسْعين نفْساً ، فسأَل عن أَعلَم أَهْلِ الأَرْضِ فدُلَّ على راهِبٍ ، فَأَتَاهُ فقال : إِنَّهُ قَتَل تِسعةً وتسعِينَ نَفْساً ، فَهلْ لَهُ مِنْ توْبَةٍ ؟ فقال : لا فقتلَهُ فكمَّلَ بِهِ مِائةً ثمَّ سألَ عن أعلم أهلِ الأرضِ ، فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ فقال: إنهَ قَتل مائةَ نفسٍ فهلْ لَهُ مِنْ تَوْبةٍ ؟ فقالَ: نَعَمْ ومنْ يحُولُ بيْنَهُ وبيْنَ التوْبة ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كذا وكذا ، فإِنَّ بها أُ نَاساً يعْبُدُونَ الله تعالى فاعْبُدِ الله مَعْهُمْ ، ولا تَرْجعْ إِلى أَرْضِكَ فإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ ، فانطَلَق حتَّى إِذا نَصَف الطَّريقُ أَتَاهُ الْموْتُ فاختَصمتْ فيهِ مَلائكَةُ الرَّحْمَةِ وملائكةُ الْعَذابِ . فقالتْ ملائكةُ الرَّحْمَةَ : جاءَ تائِباً مُقْبلا بِقلْبِهِ إِلى اللَّهِ تعالى ، وقالَتْ ملائكَةُ الْعذابِ : إِنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خيْراً قطُّ ، فأَتَاهُمْ مَلكٌ في صُورَةِ آدمي فجعلوهُ بيْنهُمْ أَي حكماً فقال قيسوا ما بَيْن الأَرْضَين فإِلَى أَيَّتهما كَان أَدْنى فهْو لَهُ، فقاسُوا فوَجَدُوه أَدْنى إِلَى الأَرْضِ التي أَرَادَ فَقبَضْتهُ مَلائكَةُ الرَّحمةِ » متفقٌ عليه. وفي روايةٍ في الصحيح : « فكَان إِلَى الْقرْيَةِ الصَّالحَةِ أَقْربَ بِشِبْرٍ ، فجُعِل مِنْ أَهْلِها » وفي رِواية في الصحيح : « فأَوْحَى اللَّهُ تعالَى إِلَى هَذِهِ أَن تَبَاعَدِى، وإِلى هَذِهِ أَن تَقرَّبِي وقَال : قِيسُوا مَا بيْنهمَا ، فَوَجدُوه إِلَى هَذِهِ أَقَرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفَرَ لَهُ » . وفي روايةٍ : « فنأَى بِصَدْرِهِ نَحْوهَا » . و الرَّهبانية ابتدعها بنوا إسرائيل بعد عيسى عليه السَّلام كما نصَّ القرآن على ذلك في قوله تعالى:{ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون} و الرَّاهب لقب يطلق على الرَّجل الزَّاهد المتفرِّغ للعبادة، و هذا خطأٌ من العوام في عدم التفريق بين العابد و العالم...
قال المناوي رحمه الله:لأن الميراث ينتقل إلى الأقرب وأقرب الأمة في نسبة الدين العلماء الذين أعرضوا عن الدنيا وأقبلوا على الآخرة وكانوا للأمة بدلا من الأنبياء الذين فازوا بالحسنيين العلم والعمل وحازوا الفضيلتين الكمال والتكميل اهـ"فيض القدير "
[4/374]ط/المكتبة التجارية الكبرى .
وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله:فيجب على المسلمين -بعد موالاة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم- موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن. خصوصا العلماء, الذين هم ورثة الأنبياء الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم, يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر.
وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم.
إذ كل أمة -قبل مبعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم- فعلماؤها شرارها, إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم؛ فإنهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته, والمحيون لما مات من سنته. بهم قام الكتاب, وبه قاموا, وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا.
وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة -المقبولين عند الأمة قبولا عاما- يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته ؛ دقيق ولا جليل.
فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك, إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه, فلا بد له من عذر في تركه اهـ "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" ص[11ـ12]ط/المكتب الإسلامي.
قال الإمام العلامة بن باز رحمه الله:فالعلماء هم ورثة الأنبياء , وهم أئمة الناس بعد الأنبياء يهدون إلى الله , ويرشدون إليه , ويعلمون الناس دينهم . فأخلاقهم عظيمة , وصفاتهم حميدة . علماء الحق , علماء الهدى , هم خلفاء الرسل , الذين يخشون الله ويراقبونه ويعظمون أمره , وهو من تعظيمه سبحانه . هؤلاء أخلاقهم أرفع الأخلاق وأسماها ؛ لأنهم سلكوا مسلك الرسل , وساروا على نهجهم وطريقهم في الدعوة إلى الله على بصيرة , والتحذير من أسباب غضبه والمسارعة إلى ما عرفوا من الخير قولا وعملا , والابتعاد عما عرفوا من الشر قولا وعملا , فهم القدوة , والأسوة بعد الأنبياء , في أخلاقهم العظيمة , وصفاتهم الحميدة , وأعمالهم الجليلة , وهم يعملون ويعلمون , ويوجهون طلابهم إلى أسمى الأخلاق وخير السبل
اهـ"مجموع الفتاوى"[2/372]ط/الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء.
وسئل العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: ما مكانة وفضل أهل العلم في الإسلام؟
فأجاب بقوله: مكانة أهل العلم أعظم مكانة؛ لأنهم ورثة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام-، ولهذا يجب عليهم من بيان العلم والدعوة إلى الله ما لا يجب على غيرهم، وهم في الأرض كالنجوم في السماء، يهدون الخلق الضالين التائهين ويبينون لهم الحق، ويحذرونهم من الشر، ولذلك كانوا في الأرض كالغيث يصيب الأرض القاحلة فتنبت بإذن الله، ويجب على أهل العلم من العمل والأخلاق والآداب ما لا يجب على غيرهم؛ لأنهم أسوة وقدوة فكانوا أحق الناس وأولى الناس بالتزام الشرع في آدابه وأخلاقه
اهـ "مجموع الفتاوى"[26/41]ط/دار الوطن .
وقال العلامة صالح الفوزان حفظه الله:فعلماء هذه الأمة لهم منزلة وفضل بعد الصحابة؛ لأنهم ورثة الأنبياء؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: {العلماء ورثة الأنبياء} والمراد بهم : علماء أهل السنة والجماعة، أهل العلم والنظر والفقه، وأهل الأثر، وهم أهل الحديث . ثم قال:فالعلماء قاموا بما أوجب الله عليهم من حماية الدين والعقيدة، فبينوا الأحكام، والمواريث، والحلال والحرام، وبينوا أيضاً فقه الكتاب والسنة، فجعلوا للأمة ثروة عظيمة يستفاد منها ويقاس عليها ما يجد من مشاكل اهـ "التعليقات المختصرة على متن العقيدة الطحاوية"
[1 /236ـ237]ط/العاصمة.
وقال العلامة المحدث عبد المحسن العباد حفظه الله :{العُلَمَاء وَرَثَةُ الأنبيَاء، وأنَّ الأنبيَاء لم يورِّثوا دينارا ولا درهما وإنَّما ورَّثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحضٍ وافر} فكان هذا شأن علماء هذه الأمَّة من الصحابة ومن تبعهم ، هم الوُرَّاث الذين وَرِثوا هذا الحق والهدى وهذا العلم النافع الذي يتناقله كلّ من جاء بعدهم ويستفيد من علمهم ويذكرهم بالخير ويُثني عليهم ويدعو لهم ويأجره الله عزَّ وجلَّ بالعمل بهذا العلم النَّافع الذي أخذه عن طريقهم ويأجرهم الله عزَّ وجلَّ بمثل ما أثاب به هذا الذي استفاد هذا الحق الهدى من طريقهم، فصار هؤلاء العلماء من الصحابة ومن بعدهم هم الوُرَّاث الذين ورثوا هذا العلم النافع وهو ميراث النبوة فإن العلماء الذين يشغلون أوقاتهم في تحصيل العلم النَّافع وفي بذله وفي نشره وتدوينه هذا هو الذي يبقى لهم بعد وفاتهم وهذا الذي يكونون به أحياء بعد وفاتهم، فإنَّ النَّاس إذا ماتوا إذا لم يُخلِّفوا علماً ولم يُخلفوا شيئاً من هذا الميراث وهو ميراث النبوة، فإنَّهم يُنسوْن ولا يذكرون بعد فترة وجيزة من وفاتهم ولكن هؤلاء تمضي السنين والأعوام وهم أحياء على ألسنة الناس وفي أذهنة الناس وفي قلوب الناس وهذا هو الذكر الحسن الذي يبقيه الله عزَّ وجلَّ لأوليائه
اهـ شريط مفرغ بعنوان"توقير العلماء والاستفادة من علمهم".
وقال العلامة محمد آمان الجامي رحمه الله:الذين يبينون الهدى من الضلال هم العلماء لأنهم ورثة الأنبياء ، المراد بالعلماء : العلماء بالعلم الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنواع العلم كثير ولكن في هذا المقام المراد بالعلم : العلم الشرعي ، العلم الذي جاء به محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام هو الذي يعالج هذه المشاكل ويحل المشكلات ويطمئن العباد في السير على الخط المستقيم
اهـ "الشريط الرابع من شرحه على التدمرية".
وقال العلامة عبيد الجابري حفظه الله:تأمَّلوا قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: {وإنَّ العلماء وَرَثة الأنبياء}، وما بعدها، أكرِم بهذه التَّرِكة؛ لأنَّ صاحبها هو خير عباد الله - محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم -، فالحديث شاهدٌ على أنَّ علماء كلِّ أمَّة هم ورثة نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم، فعلماء الشَّرع مِن أمَّة محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم هم وُرَّاثه، وهذا: مِن جهة:تشتدُّ به العزيمة، وتجعل المرء - مِن طلَّاب العلم وطالباته - يشتدُّ ساعده، ويستفرغ وُسعه في تحصيل.. في التَّحصيل مِن ميراث محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، فهو ميراثٌ لا ميراث أفضل منه أبداً. ومِن جهةٍ أخرى:فإنَّه يُشعِر بعِظَم المسئوليَّة، أنت تحمَّلت ما تحمَّلت عن نبيِّك محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن الميراث؛ فما زكاة هذا الميراث؟ بذله، نشره في النَّاس، مع العمل به، ولكن؛ مَن رُزق: الإخلاص، وحُسن النيَّة، ومحبَّة الخير لعباد الله، ومحبَّة الهُدى لعباد الله؛ فإنَّ الله يهوِّن عليه ذلكم، يهوِّن عليه ذلكم، ويجعله يسيراً عليه، لأنه يبتغي بذلك وجه الله عزَّ وجلّ، وهِمَّته أولاً وآخراً: إصلاح نفسه وإصلاح غيره مِن عباد الله، ولهذا؛ تجدون أهل السُّنَّة هم أحرص النَّاس على هُدى النَّاس، كما قال ذلكم شيخ الإسلام أحمد ابن عبد الحليم ابن عبد السَّلام، المعروف بابن تيمية رحمه الله، قال: [أهل السُّنَّة هم أعرف النَّاس بالحقّ، كما أنَّهم أرحم النَّاس بالخَلق]، رُحماء على عباد الله، يحرصون على هداية النَّاس، ولهذا يبذلون الوقت ويبذلون ما عندهم في سبيل أنْ يهتدي مَن شاء الله هدايته، فهذا هو سمْت أهل السُّنَّة اهـ شريط مفرغ بعنوان"أهمية العلم". و بهذا نختم موضوعنا
جعلنا الله ممن اجتمعوا علة ذكره و نسأله الإخلاص له .. و أن نستنفع ما أمكن مما علمنا ... بالعمل الجاد و المناصحة للغير .. و الصبر عليهما ..!!
فان اصبت فمن الله وحده و ان اخطات فمن نفسي و من الشيطان و استغفره على ذلك