- إنضم
- 8 أكتوبر 2009
- المشاركات
- 3,817
- نقاط التفاعل
- 322
- النقاط
- 163
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
البعض يلقى إخوانه بوجه طلق، وفيه أمارات البشارة والتقوى والصلاح، ثم هو بعد ذلك يعبس في وجه والديه، ويحد النظر إليهما، ويرفع الصوت واليد في وجههما، ويتسبب في شقائهما وبكائهما دون وجه حق، وكلها من صور العقوق.
والعقوق كبيرة من الكبائر، ويقول الله -تعالى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء: 23]، أي: قولاً ليناً سهلاً، كما قال قتادة، وهو قول العبد المذنب للسيد الفظ، كما قال ابن المسيب.
وكان الحسن بن علي -رضي الله عنه- يقول: "لو علم الله شيئاً في العقوق أدنى من أفٍ لحرمه، فليعمل العاق ما شاء فلن يدخل الجنة"، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يدخل الجنة منان ولا عاق، ولا مدمن خمر» [رواه النسائي وصححه الألباني].
وقال رجل لعمر -رضي الله عنه-: إن لي أماً بلغ منها الكبر، وإنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري لها مطية، فهل أديت حقها؟ قال: "لا، لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنعه وتتمنى فراقها".
كيف يكون البر بالوالدين؟
سئل فضيلة الشيخ صالح بن عثيمين -رحمه الله-: كيف يكون البر بالوالدين؟، وهل يجوز الصدقة عنهما؟
فأجاب: "إن البر بالوالدين يعني الإحسان إليهما بالمال والجاه والنفع البدني وهو واجب، وعقوق الوالدين من كبائر الذنوب وهو منع حقهما، والإحسان إليهما في حياتهما معروف، وكما ذكرنا آنفاً يكون بالمال والجاه والبدن، وأما بعد موتهما فيكون برهما بالدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ وصيتهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا صلة لك بها إلا بهما.
فهذه خمسة أشياء من بر الوالدين بعد الموت، وأما الصدقة عنهما فهي جائزة، ولكن لا يقال للولد تصدق، بل يقال: إن تصدقت فهو جائز وأفضل، وإن لم تتصدق فالدعاء لهما، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].
فذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الدعاء بمقام التحدث عن العمل، فكان هذا دليلاً على أن الدعاء للوالدين بعد موتهما أفضل من الصدقة عنهما، أفضل من العمرة لهما، وأفضل من قراءة القرآن لهما، والله أعلم".
أمك.... ثم أمك... ثم أمك.. ثم أبوك.
سئل فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين: لماذا فضَّل الله الأم على الأب، وقد خص الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأم ثلاث مرات والأب مرة واحدة؟
أجاب فضيلته: "ثبت في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟"، قال: "أمك"، قال: "ثم من؟"، قال: "ثم أمك"، قال: "ثم من؟"، قال: "ثم أمك"، قال: "ثم من؟"، قال: "ثم أبوك"» [رواه البخاري]، وفي هذا عظم حق الأم على الولد حيث جعل لها ثلاثة حقوق، وسبب ذلك أنها صبرت على المشقة والتعب، ولاقت من الصعوبات في الحمل والوضع والفصال والرضاع والتربية الخاصة ما لم يفعله الأب، وجعل للأب حقاً واحداً مقابل نفقته وتربيته وتعليمه وما يتصل بذلك، والله أعلم".
بر الوالدين مقدم على الجهاد والهجرة؟
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال: "أحيٌ والداك"، قال: "نعم"، قال: "ففيهما فجاهد"» [رواه البخاري].
عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: «أقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أبايعك على الهجرة والجهاد؛ أبتغي الأجر من الله". قال: "فهل من والديك أحد حي؟"، قال: "نعم، بل كلاهما"، قال: "فتبتغي الأجر من الله؟"، قال: "نعم"، قال: "فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما"» [رواه مسلم].
طاعتهما في غير معصية الله:
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-:
"ليس عليك طاعتهما في معصية الله، ولا فيما يضرك، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الطاعة في المعروف) متفق عليه، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» [صححه الألباني].
الذي ينهاك عن صحبة الأخيار لا تطعه، ولا تطع أحداً في مصاحبة الأشرار، ولكن خاطب والديك بالكلام الطيب، وبالتي هي أحسن، كأن تقول: يا والدي كذا....، يا أمي كذا....
تأمل... تذكر... قارن.
رأى ابن عمر -رضي الله عنهما- رجلاً قد حمل أمه على رقبته، وهو يطوف بها حول الكعبة، فقال: "يا ابن عمر، أتراني جازيتها؟"، قال: "ولا بطلقة واحدة من طلقاتها، ولكن قد أحسنت، والله يثيبك على القليل كثيراً".
أخي المسلم
بر أباك كما تبر أمك، فإن بر الوالدين يزيد في العمر والرزق، قال -صلى الله عليه وسلم-: «من سره أن يمد له في عمره ويزاد له في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه» [رواه البخاري]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» [حسنه الألباني في شرح الطحاوية]، ومن البر بر الوالدين، قال الشاعر:
زر والديك وقف على قبريهما *** فكأني بك قد حُـملت إليهما
- عقوق الوالدين من أكبر الكبائر
قال -صلى الله عليه وسلم-: «"ألا أخبركم بأكبر الكبائر"، قالوا: "بلى يا رسول الله"، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين"» [رواه البخاري].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «"من الكبائر شتم الرجل والديه"، قالوا: "يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟!"، قال: "نعم؛ يسب أبا الرجل، فيسب أباه ويسب أمه، فيسب أمه"» [رواه مسلم].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ولعن الله من لعن والديه» [رواه مسلم].
فعلى المسلم أن يعرف حق أبويه ويعترف بإحسانهما، ويلين لهما القول، ويتواضع لهما ويلبي طلبهما مهما كلفه ويحرص على مجازاتهما بقدر ما يستطيع، ويتوب إلى الله من كل ذنب صدر منه في حقهما، ويسألهما الرضا عنه، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «رضا الرب تبارك وتعالى في رضا الوالدين، وسخط الله تبارك وتعالى في سخط الوالدين» [قال الألباني حسن لغيره].
فائدة عظيمة:
قال مجاهد: "لا ينبغي للولد أن يدفع يد والده إذا ضربه، ومن شد النظر إلى والديه لم يبرهما، ومن أدخل عليهما ما يحزنهما فقد عقهما".
العاق لوالديه لا تقبل منه الأعمال:
قال -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثة لا يقبل الله عز وجل منهم صرفا ولا عدلا: عاق، ومنان، ومكذب بقدر» [حسنه الألباني]، أي لا يقبل منهم توبة ولا فدية لأنفسهم، والله أعلم.
لا يدخل الجنة ولا ينظر الله إليه:
قال -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة ؛ العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة؛ العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنان بما أعطى» [قال الألباني حسن صحيح].
اللهم اغفر لنا وارضي عنا والدينا